أصل الشيعة وأصولها

أصل الشيعة وأصولها0%

أصل الشيعة وأصولها مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 442

أصل الشيعة وأصولها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء
تصنيف: الصفحات: 442
المشاهدات: 76016
تحميل: 8180

توضيحات:

أصل الشيعة وأصولها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76016 / تحميل: 8180
الحجم الحجم الحجم
أصل الشيعة وأصولها

أصل الشيعة وأصولها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

اللهُ بعد ذلك أمراً.

هذا مُجمل القول في أُمّهات الحلال والحرام من المأكول والمشروب، وهناك بنات فروع كثيرة لا يتّسع لشرحها صدر هذه الرسالة الوجيزة.

٣٠١

٣٠٢

الحدود:

عقوبات عاجلة على جنايات خاصّة، الغرض منها حفظ نظام الاجتماع، وقطع دابر الشرّ عن البشر.

حَدّ الزِنَا:

كلّ بالغ عاقل وَطَأَ امرأةً لا يحلّ له وَطْؤها شرعاً، عالِمَاً عامِدَاً وجب على وليّ الأمر أنْ يحدَّه بمائة جَلْدة،

- ثمّ بالرَجْم بالحجارة إنْ كان مُحصَناً، أي عنده من الحلال ما يسدّ حاجته.

- وإنْ لم يكن مُحصَناً فبالجلد وَحْده، ويُحْلَق رأسُه، وينفى عن البلد سَنَة.

- ثمّ إنْ كانت هي راضية حُدّتْ أيضاً بهما إنْ كانتْ محصنة، وإلاّ فبالجلد وحده.

- وإذا زنى بإحدى محارمه النسبيّة أو الرضاعيّة، أو بامرأة أَبِيْهِ، أو بمسلمةٍ وهو ذِمِّي، أو أَكْرَهَ امرأةً على الزنا كان حَدّه القتل.

ويثبت الزنا:

- بإقراره أربع مرّات.

- أو بأربعة شهود عدول.

- أو ثلاثة رجال وامرأتين.

ولو شهد رجلان وأربع نسوة ثبت الجلد دون الرجم، ولا يثبت بأقل من ذلك، ولو شهد ثلاثة أو اثنان حد واحد القذف، ويشترط اتفاق شهادتهم من كلّ وجه، والمشاهدة عِيَانَاً.

ولو أَقَرَّ بموجب الرجم ثمّ أنكر سقط، ولو أقرّ ثمّ تاب تخيّر الإمام، ولو تاب بعد البيِّنة لم يسقط، ولو زنى ثالثاً بعد الحَدَّين قُتِلَ.

ولا تُجْلَد الحامل حتّى تضع، ولا المريض حتّى يبرأ.

٣٠٣

حَدّ اللِوَاط والسُحْق:

لا شيء من المعاصي والكبائر أفظع حَدّاً وأشدّ عقوبةً من هذه الفاحشة والفِعْلَة الخبيثة، حتّى أنّ التعذيب بالإحراق بالنار لا يجوز بحال من الأحوال إلاّ في هذا المقام.

وحدّ اللائط أحد أُمور يتخيّر وليّ الأمر فيها:

- القتل.

- أو الرجم.

- أو إلقاؤه من شاهِق تتكسّر عظامه.

- أو إحراقه بالنار.

ويُقتل المفعول به أيضاً إنْ كان بالغاً مختاراً، وإنْ كان صغيراً عُزِّرَ.

ويثبت اللواط بما ثبت به الزنا، وكذا السحق، وتُجلد كلٌّ مِن الفاعِلَة والمَفْعولة مائة جلدة، ولا يبعد الرجم مع الإحصان.

ويُجلد (القوّاد)خمسة وسبعين جلدة، ويحلق رأسه، ويُشهر، ويُنفى. ويثبت بشاهدين وبالإقرار مرّتين.

حَدّ القَذْف:

يجب أنْ يُحَدّ المُكلّف إذا قذف المسلم البالغ العاقل الحر بما فيه حُدّ - كالزنا واللواط أو شرب الخمر - بثمانين جلدة.

ويسقط ذلك:

- بالبيِّنة المُصَدَّقة.

- أو يُصَدِّقُهُ المقذوف.

ويثبت:

- بشهادة العدلين.

- أو الإقرار مرّتين.

ولو واجهه بما يكره: كالفاسق، والفاجر، والأجذم، والأبرص، وليس فيه، كان حكمه التعزير.

ومَنْ ادَّعى النبوّة، أو سَبَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله) أو أحد الأئمّة

٣٠٤

سلام الله عليهم، فحكمه القتل.

حَدّ المُسْكِر:

مَنْ شرب خمراً أو فقاعاً أو عصيراً قبل ذهاب ثلثيه، أو أي نوع من المسكرات - من أنواعه الحديثة أو القديمة - عالِمَاً عامِدَاً بالِغَاً، وجب أنْ يُحَد ثمانين جلدةً عارياً على ظَهْرِهِ وكَتِفِهِ، ولو تكرّر الحدُّ ولم يَرْتدع قتل في الرابعة. ولو شربها مستحِلاًّ فهو مرتدٌّ يجب قتله.

وبائع الخمر يُسْتَتَاب، فإنْ تاب وإلاّ قُتِلَ.

حَدّ السَرِقَة:

إذا سرق الرجل البالغ العاقل من الحِرْز - وهو المصون بقفل وصندوق أو نحو ذلك - ما قيمته ربع مثقال من الذهب الخالِص، وجب - بعد المرافعة عند الحاكم، والثبوت بالإقرار مرّتين، أو البيِّنة - أنْ:

- تُقطع أصابعه الأربع من يده اليُمنى.

- فإنْ عاد بعد الحدِّ قُطعتْ رجله اليُسرى من وسط القدم.

- فإنْ عاد ثالثاً خلد في السجن.

- فإنْ سرق فيه قُتل.

ولو تكرّرتْ السرقة قبل الحدّ كفى حَدٌّ واحِد.

والطفل والمجنون يُعَزَّران.

والسارق يَغْرَم ما سرق مطلقاً.

ويُكْتَفَى في الغرامة:

- الإقرار مرّة.

- وشهادة العدل الواحد مع اليمين.

والوالد لا يُقطع بسرقةِ مالِ ولده، والولد يُقطع.

٣٠٥

حَدّ المُحَارِب:

كلّ مَن شَهَرَ سلاحاً في بلدٍ أو بَرٍّ أو بحر للإخافة والسَلْب والنَهْب، وجب على وليّ الأمر حَدّه مخيَّراً بين:

- قتله، وصلبه، وقطعه من خلاف، بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى.

- أو نَفْيه من الأرض وِفق الآية الشريفة:(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ........) (١)إلى آخرها.

وإذا نفي إلى بلد كُتب بالمنع من مواكلته ومعاملته ومجالسته إلى أنْ يتوب.

واللص الذي يهجم على الدار مُحارِبٌ، فإنْ قُتِلَ فَدَمُهُ هَدَر.

ومن كابر امرأة على عِرْضِها، أو غلاماً، فلهما دفعه، فإنْ قتلاه فَدَمُهُ هَدَر.

ويُعَزَّر المُختلِس، والمُحتال، وشاهد الزور بما يراه الحاكم من العقوبة التي يرتدع بها هو وغيره.

حُدُوْدٌ مُخْتَلِفَةٌ:

مَن وطأ بهيمةً وجب تعزيره: فإنْ كان بالِغاً وتكرّر منه ذلك قُتل في الرابعة.

ثمّ إنْ كانت مأكولة اللحم حَرُمَ لحمها ولَحْم نسلها بعد الوطء، وتُذبح، وتُحرق، ويَغرم قيمتها لصاحبها، ولو اشْتُبِهَتْ أُخرجتْ بالقرعة.

ولو كانت غير مُعَدّة للأكل كالخيل ونحوها بِيْعتْ في بلدٍ آخر ويُتَصَدّق بثمنها،

____________________

(١) المائدة ٥: ٣٣.

٣٠٦

ويغرم لصاحبها قيمتها إنْ لم تكنْ له.

ويثبت:

- بشهادة العدلين.

- أو الإقرار مرّتين.

ومَنْ زَنَى بميتة كَمَنْ زنى بحيَّة، وتُغَلَّظ العقوبة هنا، ولو كانت زوجته أو مملوكته عُزِّرَ.

ويثبت:

بأربعة كالزنا بالحي، وكذا اللواط.

ومَنْ استمنى بيده عُزِّرَ.

وللإنسان أنْ يدفع عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع بالأسهل، فإنْ لم يندفع فبالأصعب متدرِّجاً.

ومَنْ اطّلع على دار قوم فزجروه فلم ينزجر فرموه بحجارة أو نحوها فقضتْ عليه، فَدَمُهُ هَدَر.

٣٠٧

٣٠٨

القِصَاص والدِيَّات:

قَتْل النفس المُحَرَّمة من أعظم الكبائر، وهو الفساد الكبير في الأرض، ومَن قتل مؤمناً متعمِّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها، وكذا الجناية على طرف.

ثُمّ إنّ الجِنَايَة مطلقاً على نَفْس أو طَرَف إمّا:

١- عمد.

٢- أو شبيه العمد.

٣- أو خطأ محض.

والعمد واضح.

وشبيه العَمْد:

أنْ يكون عامداً في القتل مخطِئَاً في قصده، كمَنْ قصد الفعل ولم يقصد القتل فقتل اتّفاقاً، فلو ضربه بما لا يَقْتُل غالباً للتأديب فمات، أو سقاه دواء فقضى عليه فهو من شبيه العمد.

وأمّا الخطأ المحض فهو:

ما لم يقصد فيه القتل ولا الفعل، كمَنْ رمى طائراً فأصاب إنساناً، أو رفع بندقيَّته فثارتْ وقتلتْ رجلاً، ومِن أوضح أنواعه فِعْل النائم، أو الساهي الذي لا قصد له أصلاً، وفعل المجنون، والصبي غير المميِّز، بل والمميِّز؛ لأنّ عَمْد الصبي خطأٌ شرعاً.

ولو قصد رجلاً فأصاب آخر وكلاهما محقون الدم فهو عَمْد محض، أمّا لو كان القصد إلى غير المحقون فأصاب المحقون فهو من شبه العمد.

ولا فرق في جميع ذلك بين المباشرة والتسبيب، إذا أَثَّر في انتساب الفعل إليه، كما لا فرق في الإنفراد والاشتراك.

ولا قصاص إلاّ في العمد المحض، أمّا الخطأ وشبيه العمد ففيه الدِيَة.

ويُشترط في القِصَاص:

- بلوغ الجاني.

-وعقله: فلا يُقاد الصبي وإنْ بلغ عشراً، لا بصبي، ولا ببالغ، ولا مجنون وإنْ كان أدوارياً إذا جنى حال جنونه، لا بعاقل ولا بمجنون، فإنّ عمدهما خطأٌ فيه الدِيَة على العاقلة.

أمّا المُجْنَى عليه:

- فالأقوى اشتراط، البلوغ والعقل فيه أيضاً، فلو قتل البالغ صبيّاً فالدِيَة، وقيل: يُقاد به، وكذا المجنون.

٣٠٩

- ويُشترط اختياره إنْ كان في طرف، أمّا في النفس فلا أثر للإكراه؛ إذ لا تقيّة في الدماء، فلو أُكره على القتل قَتَل، ويُحبس المُكْرَه حتّى يموت.

- وأنْ يكون المُجْنَى عليه معصوم النفس، فلو كان مِمَّن أباح الشارع دَمَهُ فلا قصاص.

- وأنْ لا يكون الجاني أباً أو جدّاً وإنْ علا، فإنّه لا يُقاد الأبُ أو الجدُّ بالولد، بل عليهما الدِيَة لباقي الورثة.

ولا يُقاد المسلم إلاّ بالمسلم، كما لا يُقاد الحرّ إلاّ بالحرّ، ويُقاد الحرّ بالحرّة ويُردّ وليُّها على أهله نصف دِيَتِه؛ لأنّ ديته ضعف ديتها، وتُقاد الحرّة بالحرّ، ولا يدفع أهلها شيئاً؛ لأن الجاني لا يجني بأكثر من نفسه.

ودية الحرّ المسلم:

- مائة من الإبل.

- أو مائتان من البقر.

- أو ألف شاة.

- أو مائتا حُلّة، كلّ حلّة ثوبان.

- أو ألف دينار (خمسمائة ليرة عثمانية).

فإذا أرضى أولياء الدم بها سقط القصاص، ووجب دفعها إليهم في مدّة سَنَة.

وفي شبه العمد تتعيّن الدية، وتستوفى مدّة سنتين، وكذلك في الخطأ، ولكن في ثلاث سنوات، كل سَنَة ثُلث.

وجناية الطرف - كقطع يده أو رجله، أو فَقْأ عَيْنه وما أشبه ذلك - إنْ كانت عمداً فالقصاص:(وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) (١).

وإن كانت خطأ أو شبهة فلكلّ واحد من الأعضاء أمّا الدية أو نصفها أو أقل من النصف.

وكل مفرد في الإنسان كالأنف والذكر ففيه تمام الدية، وكل مَثْنَى كالعينين واليدين والرجلين ففي واحد النصف وفي كليهما تمام الدية.

والدية في شبه العمد على الجافي، وفي الخطأ على العاقلة، والتفاصيل موكولة إلى الموسوعات، كما أنّنا لم نذكر كثيراً من كتب الفقه وأبوابه كالبيوع

____________________________

(١) المائدة ٥: ٤٥.

٣١٠

مثل: السلف، والصرف، وبيع الثمار، وبيع الحيوان، ومثل: الإجارة، والرهن، والعارية، والوديعة، والمزارعة، والمساقاة، والمسابقة والضمان، والحوالة، والكفالة، والإقرار، والكفّارات، وكثير من أمثالها.

ولم يكن الغرض هنا إلاّ الإشارة واللمحة، والنموذج والنفحة، وما ذكرناه في هذه الوجيزة هو رؤوس عناوين من عقائد الإماميّة وفقهائها، وهو أصغر صورة مصغّرة تحكي عن معتقداتها ومناهجها، في فروعها وأُصولها، وقواعدها وأدلّتها، وثقافة عقولها ومداركها، وسعة علومها ومعارفها.

فياعلماء الدين، ويارجال المسلمين، هل رأيتم فيما ذكرناه عن هذه الطائفة ما يوجب هدم الإسلام، أو ما هو مأخوذ من اليهوديّة والنصرانيّة، أو المجوسيّة والزرادشتيّة؟!

وهل في شيء من تلك المباحث ما فيه شذوذ عن أصل قواعد الإسلام، وخروج عن منطقة الكتاب والسنة؟! ليحكم المُنصِفون منكم والعارفون، وليرتدع عن إفكهم الجاهلون.

وعسى أنْ يجمع الله الشمل، ويلمّ الشعث، وتزول الوحشة، ويتّحد الإخوان تحت راية القرآن، ويعيدوا مجدهم الغابِر، وعِزّهم الداثر، وأنّهم لنْ ينالوا ذلك، ولنْ يبلغوا العزّ والحياة، حتّى يُمِيْتُوا بينهم النزعات المذهبيّة، والنزعات الطائفيّة.

ولا زِلْتُ أقول:

يلزم أنْ تكون المذاهب عندنا محترمة، ونحن فوق المذاهب، نعم، وفوق ذلك كلّه ما هو البذرة والنواة لحياة الأمم؟ هو أنْ يخلص كلٌّ لأخيه المودّة، ويبادله المحبّة، ويشاركه في المنفعة، فينفعه وينتفع به، ولا يستبد ويستأْثِر عليه، فيحبُّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه، جِدّاً وحقيقة، لا مخادعةً ومخاتلةً.

وتحقق هذه السجايا بحقائقها وإنْ أوشك أنْ يُعَدُّ ضَرْبَاً من الخيال،

٣١١

ونوعا من المحال، ولكن ليس هو على الله بعزيز، ولا يأس من رَوْح الله، وأنْ يبعث في هذه الأمّة اليائسة من لدنه روحاً جديدة، فتَحيا بعد الموت، وتُبصر بعد العَمَى، وتَصْحُو بعد السُكْر إنْ شاء الله تعالى.

٣١٢

الخَاتِمَة:

مِمَّا يُشنِّع به الناسُ على الشيعة ويُزدَرَى به عليهم أيضاً أمران:

الأوّل:

قولهم بـ (البداء) تخيّلاً من المشنِّعين أنّ البداء الذي تقول به الشيعة هو عبارة عن أنْ يظهر ويبدو لله عزّ شأنه أمراً لم يكنْ عالِماً به (١) !!

وهل هذا إلاّ الجهل الشنيع، والكفر الفظيع؛ لاستلزمه الجهل على الله تعالى، وأنّه محلّ للحوادث والتغيرات، فيخرج من حظيرة الوجوب إلى مكانة الإمكان، وحاشا الإماميّة - بل وسائر فِرَق الإسلام - من هذه المقالة التي هي عين الجهالة بل الضلالة، اللهمّ إلاّ ما يُنسب إلى بعض المُجَسِّمة من المقالات التي هي أشبه بالخرافات منها بالديانات، حتّى قال بعضهم فيما يُنسب إليه: اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عمّا شِئْتُم.

أمّا البداء الذي تقول به الشيعة - والذي هو من أسرار آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) وغامض علومهم، حتّى ورد في أخبارهم الشريفة أنّه: ما عُبِدَ الله بشيء مثل القول بالبداء، وأنّه: ما عُرِفَ الله حقّ معرفته ولم يعرفه بالبداء(٢) . إلى كثير من أمثال ذلك - فهو عبارة عن:

إظهار الله جلّ شأنه أمراً يُرسَم في ألواح المحو والإثبات، وربّما يطّلع عليه بعض الملائكة المقرّبين، أو أحد الأنبياء والمرسلين، فيخبر الملك به النبيّ والنبيّ يُخبر به أُمّته (ثمّ)(٣) يقع بعد ذلك خلافه؛ لأنّه جلّ شأنه محاه وأوجد في الخارج

____________________

(١) راجع ما كتبناه في مقدِّمتنا التحقيقيّة حول تحريف أحد الكُتَّاب لهذه العبارة بصلافة عجيبة.

(٢) انظر: كتاب الكافي ج١: ١١٣ (باب البداء).

(٣) في نسخنا: لم، ومعها لا يستقيم السياق، فأثبتنا ما رأيناه صواباً.

٣١٣

غيره.

وكلّ ذلك كان جَلَّتْ عظمته يعلمه حقّ العلم، ولكن في علمه المخزون المصون الذي لم يطّلع عليه لا مَلَكٌ مقرّب، ولا نبيٌّ مُرْسَل، ولا وليٌّ مُمْتَحَن، وهذا المقام من العِلم هو المعبَّر عنه في القرآن الكريم بـ (أُمّ الكتاب) المُشَار إليه وإلى المقام الأوّل بقوله تعالى:(يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (١) .

ولا يتوهّم الضيف أنّ هذا الإخفاء والإبداء يكون من قبيل الإغراء بالجهل وبيان خلاف الواقع، فإنّ في ذلك حِكَمَاً ومصالح تقصر عنها العقول، وتقف عندها الألباب.

وبالجملة:

فالبداء في عالم التكوين كالنسخ في عالم التشريع، فكما أنّ لنسخ الحكم وتبديله بحكم آخر مصالحَ وأسراراً بعضها غامض وبعضها ظاهر، فكذلك في الإخفاء والإبداء في عالم التكوين، على أنّ قسماً مِن البداء يكون من اطّلاع النفوس المتّصلة بالملأ الأعلى على الشيء وعدم اطّلاعها على شَرْطه أو مانعه، (مثلاً) اطّلع عيسى (عليه السلام) أنّ العروس يموت ليلة زفافه ولكنْ لم يطّلع على أنّ ذلك مشروط بعدم صدقة أهله.

فاتّفق أنّ أُمّه تصدّقتْ عنه، وكان عيسى (عليه السلام) أخبر بموته ليلة عرسه فلم يمت، وسُئل عن ذلك فقال:

لعلّكم تصدّقتم عنه، والصدقة قد تدفع البلاء المُبْرَم(٢) . وهكذا نظائرها.

وقد تكون الفائدةُ الامتحانَ وتوطين النفس، كما في قضيّة أَمْر إبراهيم بذبح إسماعيل.

____________________________

(١) الرعد ١٣: ٣٩.

(٢) روى نحوها الشيخ الصدوق في أماليه: ٤٠٤/١٣، فراجع.

٣١٤

ولولا البداء لم يكن وجه للصدقة، ولا للدعاء، ولا للشفاعة، ولا لبكاء الأنبياء والأولياء وشِدّة خوفهم وحذرهم من الله، مع أنّهم لم يخالفوه طرفة عين، إنّما خوفهم من ذلك العِلم المصون المخزون الذي لم يطّلع عليه أحد، ومنه يكون البداء.

وقد بسطنا بعض الكلام في البداء وأَضْرَابه، من القضاء والقدر، ولوح المَحْو والإثبات، في الجزء الأوّل من كتابنا:

(الدين والإسلام) فراجع إذا شِئْتَ.

الثَانِي:

من الأمور التي يُشَنِّع بها بعضُ الناس على الشيعة ويُزدرى عليهم بها قولهم(بالتقيّة) جهلاً منهم أيضاً:

- بمعناها.

- وبموقعها.

- وحقيقة مَغْزاها.

ولو تثبّتوا في الأمر، وتريَّثوا في الحكم، وصبروا وتبّصروا لعرفوا أنّ التقيّة التي تقول بها الشيعة لا تختصُّ بهم، ولم ينفردوا بها، بل هو أمر ضرورة العقول، وعليه جِبِلَّة الطِبَاع، وغرائز البشر.

وشريعة الإسلام في أسس أحكامها، وجوهريّات مشروعيتها، تُماشي العقل والعلم جنباً إلى جنب، وكتفاً إلى كتف، رائدُها العِلم، وقائدُها العقل، ولا تنفكّ عنهما قيد شعرة، ومِن ضرورة العقول وغرائز النفوس: أنّ كلّ إنسان مجبول على الدفاع عن نفسه، والمحافظة على حياته، وهي أعزّ الأشياء عليه، وأحبّها إليه.

نعم قد يهون بذلها في سبيل الشرف، وحفظ الكرامة، وصيانة الحقّ، ومهانة الباطل، أمّا في غير أمثال هذه المقاصد الشريفة، والغايات المقدّسة، فالتغرير بها، وإلقاؤها في مظانّ الهَلَكَة، ومواطن الخطر، سَفَهٌ وحماقةٌ لا يرتضيه عقلٌ ولا شرعٌ، وقد أجازتْ شريعة الإسلام المقدّسة للمسلم في مَوَاطِن الخوف على نفسه أو عِرْضه إخفاء الحقّ، والعمل به سِرّاً، ريثما تنتصر دولة الحقّ وتغلب على الباطل، كما أشار إليه جلّ شأنه

٣١٥

بقوله:(إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً)(١) .

وقوله:(إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ)(٢) .

وقصّةُ عمّار وأَبَوَيه، وتعذيب المشركين لهم ولجماعة من الصحابة، وحملهم لهم على الشِرك، وإظهارهم الكفر مشهورةٌ (٣) .

والعَمَل بالتَقِيَّة لَهُ أَحْكَاُمُه الثَلاَثَة:

١- فتارةً يجب:

كما إذا كان تَرْكُها يَستوجِب تلف النفس من غير فائدة.

٢- وأُخرى يكون رُخْصَةً:

كما لو كان في تركها والتظاهر بالحقّ نوع تقوية له، فله أنْ يُضَحِّي بنفسه، وله أنْ يُحافظ عليها.

٣- وثالثة يحرم العمل بها:

كما لو كان ذلك موجباً لرواج الباطل، وإضلال الخَلْق، وإحياء الظلم والجَور.

ومن هنا تنصاع لك شمس الحقيقة ضاحية، وتَعرف أنّ اللَوم والتعيير بالتقيّة - إنْ كانت تستحقّ اللَوم والتعيير - ليس على الشيعة، بل على مَنْ سَلَبَهُم موهبة الحرِّيَّة، وأَلْجَأَهُم إلى العمل بالتقيّة.

تغلّب معاويةُ على الأُمّة، وابْتَزَّها الإمرة عليها بغير رضاً منها، وصار يتلاعب بالشريعة الإسلاميّة حسب أهوائه، وجعل يتتبّع شيعة علي، ويقتلهم تحت كلّ حَجَر، ويأخذ على الظنَّة والتهمة(٤) ، وسارتْ على طريقته العَوْجَاء

____________________________

(١) آل عمران ٣: ٢٨.

(٢) النحل ١٦: ١٠٦.

(٣)راجع:

التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي ج٦: ٤٢٨. مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ الطبرسي ج٣: ٣٨٧. جامع البيان للطبري ج١٤: ١٢٢. التفسير الكبير للرازي ج١٩: ١٢٠. الكامل في التاريخ لابن الأثير ج٢: ٦٠.

(٤) روى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة (١١: ٤٤) عن أبي الحسن علي بن محمّد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث:

أنّ معاوية بن أبي سفيان كتب نسخةً إلى عُمَّاله بعد عام الجماعة [بل هو والله عام تفرُّقِ المسلمين وضَيَاعهم]: أنْ بَرِئَتْ الذِمَّة =

٣١٦

وسياسته الخرقاء الدولةُ المروانيّة، ثمّ جاءتْ الدولة العباسيّة فزادتْ على ذلك بنغمات، اضطرّتْ الشيعة إلى كتمان أمرها تارة، والتظاهر به أُخرى، زنة ما تقتضيه مناصرة الحقّ، ومكافحة الضلال، وما يحصل به إتمام الحجّة، وكي لا تَعْمَى سبل الحقّ بتاتاً عن الخلق؛ ولذا تجد الكثير من رجالات الشيعة وعظمائهم سحقوا التقيّة تحت أقدامهم، وقدّموا هياكلهم المقدّسة قرابين للحقّ على مشانق البغي، وأضاحي في مجازر الجور والغي.

أَهَلْ استحضرتْ ذاكرتُك شهداءَ (مرج عذراء) - قرية مِن قُرى الشام -

____________________________

= مِمَّنْ روى شيئاً مِن فضل أبي تراب وأهل بيته [عليه وعليهم آلاف التحيّة والسلام]. فقامتْ الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر، يَلعنون عليّاً ويبرأون منه، ويَقَعون فيه وفي أهل بيته [أي في أهل ذلك البيت الطاهرين:

- الذين أذهب الله عنه الرجس وطهّرهم تطهيراً.

- أولئك الذين جعل الله تعالى أجر الرسالة والهداية مودّتهم.

- أولئك الذين جعلهم رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) عُدَلاَءَ القرآن... و.. و....

ولكنّك تجد مَن يَعُدُّ معاوية مِن صحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) العدول، وخليفةً له، بل ويترحّم عليه، وتلك والله أُمّ المصائب، وعظيمة العظائم].

وأضاف:

وكان أشدّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة، لكثرة مَن بها مِن شيعة علي (عليه السلام) فاستعمل عليها [أي معاوية بن هند] زياد بن سميّة، وضَمّ إليه البصرة، فكان يَتْبع الشيعة وهو بهم عارف... فقتلهم تحت كلّ حَجَر ومَدَر، وأخافهم، وقَطَعَ الأيدي والأرجل، وسَمَلَ العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم، وشرّدهم عن العراق، فلم يبقَ بها معروف منهم.

وكتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق:

أنْ لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة!!

ثُمّ كتب إلى عمّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان:

انظروا مَن قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّاً وأهل بيته فامحوه من الديوان، واسقطوا عطائه ورزقه!!

وشفع ذلك بنسخة أُخرى: مَن اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم [أي أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)] فنكّلوا به، واهدموا داره....

٣١٧

وهم أربعة عشر من رجال الشيعة، ورئيسهم ذلك الصحابي الذي أنهكه الورع والعبادة حِجْر بن عدي الكِنْدي الذي كان من القادة في فتح الشام؟

قتلهم معاوية صبراً، ثمّ صار يقول: ما قتلتُ أحداً إلاّ وأنا أعرف فيما قتلته خلا حِجْر، فإنّي لا أعرف بأيّ ذنبٍ قَتَلْتُه(١) !!

نعم، أنا أعرف معاوية بذنب حِجْر، ذنبه ترك العمل بالتقيّة، وغَرَضُهُ إعلان ضلال بني أُمَيّة، ومقدار علاقتهم من الدين.

وهل تذكّرتَ الصحابي الجليل عمرو بن الحمق الخزاعي، وعبد الرحمن بن حسّان العنزي، الذي دَفَنَهُ زياد في (قس الناطف) حيّاً(٢) ؟

أَتُرَاكَ تذكّرتَ:

- ميثم التمّار.

- ورشيد الهجري.

- وعبد الله بن يقطر.

الذين شنقهم ابن زياد في كناسة الكوفة(٣) ؟

____________________________

(١) راجع:

تاريخ الطبري ج٥: ٢٥٣. الكامل في التاريخ ج٣: ٤٧٢. وغيرهما تجد هذه المأثرة الخالدة من مآثر معاوية بن هند في قَتْله للصالحين والخَيِّرين من رجال الأُمّة، وهُدَاتها، واحْكم بعد ذلك بما تشاء.

(٢) روى الطبري في تاريخه (ج٥: ٢٧٦). وابن الأثير في الكامل (ج٣: ٤٥٦) وغيرهما. واللفظ للأوّل:

ثمّ أقبل (أي معاوية بن هند) على عبد الرحمن العنزي فقال له: إيه يا أخا ربيعة، ما قولك في علي؟

قال: دعني ولا تسألني فإنّه خير لك.

قال: والله لا أدعك حتّى تخبرني عنه.

قال: أشهد أنّه كان من الذاكرين الله كثيراً، ومِن الآمرين بالحقّ، والقائمين بالقسط، والعافين عن الناس.

قال: فما قولك في عثمان؟

قال: هو أوّل مَن فتح باب الظلم وأرتج أبواب الحق.

قال: قتلت نفسك.

قال: بل إيّاك قتلتُ...

فبعث به معاوية إلى زياد وكتب إليه: أمّا بعد فإنّ هذا العنزي شرّ مَن بعثتَ!! فَعَاقِبْهُ عقوبته التي هو أهلها، واقْتلْه شرّ قَتْلة!!.

فلمّا قدم به على زياد بعث به إلى قس الناطف، فَدُفِنَ به حيّاً.

(٣) نعم، إنّ التأريخ يحدّثنا بوضوح عن وحشيّة وقساوة الدُوَل المتلاحِقة وظلمها للشيعة بشكل =

٣١٨

هؤلاء - والمئات من أمثالهم - هانتْ عليهم نفوسُهم العزيزة في سبيل نُصرة الحقّ، ونطحوا صخرة الباطل وما تهشّمتْ رؤوسهم حتّى هشّموها، وما عرفوا أين زرع التقيّة وأين واديها، بل وجدوا العمل بها حراماً عليهم، ولو سكتوا وعملوا بالتقيّة لـ:

- ضاعتْ البقيّة من الحق.

- وأصبح دين الإسلام دين معاوية، ويزيد، وزياد، وابن زياد.

- دين المكر.

- دين الغدر.

- دين النفاق.

- دين الخداع.

- دين كلّ رذيلة.

وأين هذا من دين الإسلام الذي هو دين كلّ فضيلة، أُولئك ضحايا الإسلام، وقرابينُ الحق.

ولا يغيبنّ عنك ذِكْر (الحسين) وأصحابه سلام الله عليهم، الذين هم سادة الشهداء، وقادة أهل الإباء.

نعم...

- هؤلاء وجدوا العمل بالتقيّة حراماً عليهم.

- وقد يجد غيرهم العمل بها واجباً.

- ويجد الآخرون العمل بها رُخصةً وجوازاً.

حسب اختلاف المقامات، وخصوصيّات الموارد.

يخطر على بالي من بعض المرويّات: أنّ مُسَيْلَمَةَ الكذّاب ظفر بِرَجُلَين من المسلمين، فقال لهما: اشْهَدَا أنّي رسول الله وأنّ محمّداً رسول الله.

فقال أحدهما: أشهد أنّ محمّداً رسول الله وأنّك مسيلمةّ الكذّاب. فَقَتَلَهُ، فشهد الآخر بما أراد منه فأطلقه.

____________________________

= لا تُصدّقه العقول، حتّى لقد نالهم من الظلم والقتل الذَريع المتلاحِق الذي أجبرهم على اللجوء إلى التقيّة - التي أباحها الشارع المقدّس عند الضرورة - حِفاظاً على البقيّة الباقية منهم، وليس لهم من دون ذلك حيلة ولا ملجأ، وكان ينبغي أنْ يُلْقَى اللوم على مَن أجبرهم على اللجوء إلى هذا الأمر لا إليهم.

وأنا أدعوك أخي القارئ الكريم إلى مطالعة كتاب (الشيعة والحاكمون) للشيخ محمّد جواد مغنية رحمه الله تعالى للاطلاع عن كَثَب على بعض جوانب المأساة التي أحاطتْ بالشيعة إبّان تلك العصور.

٣١٩

ولَمَّا بلغ خبرهما إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال:

أمّا الأوّل فقد تعجّل الرَوَاح إلى الجنّة.

وأمّا الآخر فقد أخذ بالرُخْصَة، ولكلٍّ أَجْرُه(١) .

فيا أيُّها المسلمون، لا تحوجوا إخوانكم إلى العمل بالتقيّة وتُعَيِّروهم بها، ونَسْأَلُه تعالى أنْ يختم لنا ولكم بالحُسنى، ويجمع كلمتنا على الحقّ والهُدى إنْ شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

____________________________

(١) انظر:

مجمع البيان في تفسير القرآن ج١: ٤٣٠. تفسير الحسن البصري ج٢: ٤٢٨.

٣٢٠