كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 319

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 319
المشاهدات: 28461
تحميل: 5565


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 319 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28461 / تحميل: 5565
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 13

مؤلف:
العربية

235 و من خطبة له ع

فَمِنَ اَلْإِيمَانِ مَا يَكُونُ ثَابِتاً مُسْتَقِرّاً فِي اَلْقُلُوبِ وَ مِنْهُ مَا يَكُونُ عَوَارِيَّ بَيْنَ اَلْقُلُوبِ وَ اَلصُّدُورِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَإِذَا كَانَتْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ مِنْ أَحَدٍ فَقِفُوهُ حَتَّى يَحْضُرَهُ اَلْمَوْتُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقَعُ حَدُّ اَلْبَرَاءَةِ وَ اَلْهِجْرَةُ قَائِمَةٌ عَلَى حَدِّهَا اَلْأَوَّلِ مَا كَانَ لِلَّهِ فِي أَهْلِ اَلْأَرْضِ حَاجَةٌ مِنْ مُسْتَسِرِّ اَلْأُمَّةِ وَ مُعْلِنِهَا لاَ يَقَعُ اِسْمُ اَلْهِجْرَةِ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ بِمَعْرِفَةِ اَلْحُجَّةِ فِي اَلْأَرْضِ فَمَنْ عَرَفَهَا وَ أَقَرَّ بِهَا فَهُوَ مُهَاجِرٌ وَ لاَ يَقَعُ اِسْمُ اَلاِسْتِضْعَافِ عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُ اَلْحُجَّةُ فَسَمِعَتْهَا أُذُنُهُ وَ وَعَاهَا قَلْبُهُ إِنَّ أَمْرَنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لاَ يَحْمِلُهُ إِلاَّ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ اِمْتَحَنَ اَللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ وَ لاَ يَعِي حَدِيثَنَا إِلاَّ صُدُورٌ أَمِينَةٌ وَ أَحْلاَمٌ رَزِينَةٌ أَيُّهَا اَلنَّاسُ سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي فَلَأَنَا بِطُرُقِ اَلسَّمَاءِ أَعْلَمُ مِنِّي بِطُرُقِ اَلْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ تَشْغَرَ بِرِجْلِهَا فِتْنَةٌ تَطَأُ فِي خِطَامِهَا وَ تَذْهَبُ بِأَحْلاَمِ قَوْمِهَا هذا الفصل يحمل على عدة مباحث أولها قولها ع فمن الإيمان ما يكون كذا فنقول إنه قسم الإيمان إلى ثلاثة أقسام

١٠١

أحدها الإيمان الحقيقي و هو الثابت المستقر في القلوب بالبرهان اليقيني.الثاني ما ليس ثابتا بالبرهان اليقيني بل بالدليل الجدلي كإيمان كثير ممن لم يحقق العلوم العقلية و يعتقد ما يعتقده عن أقيسة جدلية لا تبلغ إلى درجة البرهان و قد سمى ع هذا القسم باسم مفرد فقال إنه عواري في القلوب و العواري جمع عارية أي هو و إن كان في القلب و في محل الإيمان الحقيقي إلا أن حكمه حكم العارية في البيت فإنها بعرضة الخروج منه لأنها ليست أصلية كائنة في بيت صاحبها.و الثالث ما ليس مستندا إلى برهان و لا إلى قياس جدلي بل على سبيل التقليد و حسن الظن بالأسلاف و بمن يحسن ظن الإنسان فيه من عابد أو زاهد أو ذي ورع و قد جعله ع عواري بين القلوب و الصدور لأنه دون الثاني فلم يجعله حالا في القلب و جعله مع كونه عارية حالا بين القلب و الصدر فيكون أضعف مما قبله.فإن قلت فما معنى قوله إلى أجل معلوم قلت إنه يرجع إلى القسمين الأخيرين لأن من لا يكون إيمانه ثابتا بالبرهان القطعي قد ينتقل إيمانه إلى أن يصير قطعيا بأن يمعن النظر و يرتب البرهان ترتيبا مخصوصا فينتج له النتيجة اليقينية و قد يصير إيمان المقلد إيمانا جدليا فيرتقي إلى ما فوقه مرتبته و قد يصير إيمان الجدلي إيمانا تقليديا بأن يضعف في نظره ذلك القياس الجدلي و لا يكون عالما بالبرهان فيئول حال إيمانه إلى أن يصير تقليديا فهذا هو فائدة قوله إلى أجل معلوم في هذين القسمين.فأما صاحب القسم الأول فلا يمكن أن يكون إيمانه إلى أجل معلوم لأن من ظفر بالبرهان استحال أن ينتقل عن اعتقاده لا صاعدا و لا هابطا أما لا صاعدا فلأنه ليس فوق البرهان مقام آخر و أما لا هابطا فلأن مادة البرهان هي المقدمات البديهية

١٠٢

و المقدمات البديهية يستحيل أن تضعف عند الإنسان حتى يصير إيمانه جدليا أو تقليديا.و ثانيها قوله ع فإذا كانت لكم براءة فنقول إنه ع نهى عن البراءة من أحد ما دام حيا لأنه و إن كان مخطئا في اعتقاده لكن يجوز أن يعتقد الحق فيما بعد و إن كان مخطئا في أفعاله لكن يجوز أن يتوب فلا تحل البراءة من أحد حتى يموت على أمر فإذا مات على اعتقاد قبيح أو فعل قبيح جازت البراءة منه لأنه لم يبق له بعد الموت حالة تنتظر و ينبغي أن تحمل هذه البراءة التي أشار إليها ع على البراءة المطلقة لا على كل براءة لأنا يجوز لنا أن نبرأ من الفاسق و هو حي و من الكافر و هو حي لكن بشرط كونه فاسقا و بشرط كونه كافرا فأما من مات و نعلم ما مات عليه فإنا نبرأ منه براءة مطلقة غير مشروطة.و ثالثها قوله و الهجرة قائمة على حدها الأول فنقول هذا كلام يختص به أمير المؤمنين ع و هو من أسرار الوصية لأن الناس يروون عن النبي ص أنه قال لا هجرة بعد الفتح فشفع عمه العباس في نعيم بن مسعود الأشجعي أن يستثنيه فاستثناه و هذه الهجرة التي يشير إليها أمير المؤمنين ع ليست تلك الهجرة بل هي الهجرة إلى الإمام قال إنها قائمة على حدها الأول ما دام التكليف باقيا و هو معنى قوله ما كان لله تعالى في أهل الأرض حاجة.و قال الراوندي ما هاهنا نافية أي لم يكن لله في أهل الأرض من حاجة و هذا ليس بصحيح لأنه إدخال كلام منقطع بين كلامين متصل أحدهما بالآخر.ثم ذكر أنه لا يصح أن يعد الإنسان من المهاجرين إلا بمعرفة إمام زمانه و هو

١٠٣

معنى قوله إلا بمعرفة الحجة في الأرض قال فمن عرف الإمام و أقر به فهو مهاجر.قال و لا يجوز أن يسمى من عرف الإمام مستضعفا يمكن أن يشير به إلى آيتين في القرآن أحدهما قوله تعالى( إِنَّ اَلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ اَلْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي اَلْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اَللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ ) فالمراد على هذا أنه ليس من عرف الإمام و بلغه خبره بمستضعف كما كان هؤلاء مستضعفين و إن كان في بلده و أهله لم يخرج و لم يتجشم مشقة السفر.ثانيهما قوله تعالى في الآية التي تلي الآية المذكورة( إِلاَّ اَلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ اَلرِّجالِ وَ اَلنِّساءِ وَ اَلْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولئِكَ عَسَى اَللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ) فالمراد على هذا أنه ليس من عرف الإمام و بلغه خبره بمستضعف كهؤلاء الذين استثناهم الله تعالى من الظالمين لأن أولئك كانت الهجرة بالبدن مفروضة عليهم و عفي عن ذوي العجز عن الحركة منهم و شيعة الإمام ع ليست الهجرة بالبدن مفروضة عليهم بل تكفي معرفتهم به و إقرارهم بإمامته فلا يقع اسم الاستضعاف عليهم.فإن قلت فما معنى قوله من مستسر الأمة و معلنها و بما ذا يتعلق حرف الجر قلت معناه ما دام لله في أهل الأرض المستسر منهم باعتقاده و المعلن حاجة فمن على هذا زائدة فلو حذفت لجر المستسر بدلا من أهل الأرض و من إذا كانت زائدة لا تتعلق نحو قولك ما جاءني من أحد.

١٠٤

و رابعها قوله ع إن أمرنا هذا صعب مستصعب و يروى مستصعب بكسر العين لا يحتمله إلا عبد امتحن الله تعالى قلبه للإيمان هذه من ألفاظ القرآن العزيز قال الله تعالى( أُولئِكَ اَلَّذِينَ اِمْتَحَنَ اَللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) و هو من قولك امتحن فلان لأمر كذا و جرب و درب للنهوض به فهو مضطلع به غير وان عنه و المعنى أنهم صبر على التقوى أقوياء على احتمال مشاقها و يجوز أن يكون وضع الامتحان موضع المعرفة لأن تحققك الشي‏ء إنما يكون باختباره كما يوضع الخبر موضع المعرفة فكأنه قيل عرف الله قلوبهم للتقوى فتتعلق اللام بمحذوف أي كائنة له و هي اللام التي في قولك أنت لهذا الأمر أي مختص به كقوله:

أعداء من لليعملات على الوجا

و تكون مع معمولها منصوبة على الحال و يجوز أن يكون المعنى ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن و التكاليف الصعبة لأجل التقوى أي لتثبت فيظهر تقواها و يعلم أنهم متقون لأن حقيقة التقوى لا تعلم إلا عند المحن و الشدائد و الاصطبار عليها.و يجوز أن يكون المعنى أنه أخلص قلوبهم للتقوى من قولهم امتحن الذهب إذا أذابه فخلص إبريزه من خبثه و نقاه.و هذه الكلمة قد قالها ع مرارا و وقفت في بعض الكتب على خطبة من جملتها

إن قريشا طلبت السعادة فشقيت و طلبت النجاة فهلكت و طلبت الهدى فضلت أ لم يسمعوا ويحهم قوله تعالى( وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اِتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) فأين المعدل و المنزع عن ذرية الرسول الذين شيد الله بنيانهم فوق بنيانهم و أعلى رءوسهم فوق رءوسهم و اختارهم عليهم ألا إن الذرية أفنان أنا شجرتها و دوحة أنا ساقها و إني من أحمد بمنزلة الضوء من الضوء كنا

١٠٥

ظلالا تحت العرش قبل خلق البشر و قبل خلق الطينة التي كان منها البشر أشباحا عالية لا أجساما نامية إن أمرنا صعب مستصعب لا يعرف كنهه إلا ثلاثة ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان فإذا انكشف لكم سر أو وضح لكم أمر فاقبلوه و إلا فاسكتوا تسلموا و ردوا علمنا إلى الله فإنكم في أوسع مما بين السماء و الأرض.و خامسها قوله سلوني قبل أن تفقدوني أجمع الناس كلهم على أنه لم يقل أحد من الصحابة و لا أحد من العلماء سلوني غير علي بن أبي طالب ع ذكر ذلك ابن عبد البر المحدث في كتاب الاستيعاب.و المراد بقوله فلأنا أعلم بطرق السماء مني بطرق الأرض ما اختص به من العلم بمستقبل الأمور و لا سيما في الملاحم و الدول و قد صدق هذا القول عنه ما تواتر عنه من الأخبار بالغيوب المتكررة لا مرة و لا مائة مرة حتى زال الشك و الريب في أنه إخبار عن علم و أنه ليس على طريق الاتفاق و قد ذكرنا كثيرا من ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب.و قد تأوله قوم على وجه آخر قالوا أراد أنا بالأحكام الشرعية و الفتاوي الفقهية أعلم مني بالأمور الدنيوية فعبر عن تلك بطرق السماء لأنها أحكام إلهية و عبر عن هذه بطرق الأرض لأنها من الأمور الأرضية و الأول أظهر لأن فحوى الكلام و أوله يدل على أنه المراد

١٠٦

قصة وقعت لأحد الوعاظ ببغداد

و على ذكر قوله ع سلوني حدثني من أثق به من أهل العلم حديثا و إن كان فيه بعض الكلمات العامية إلا أنه يتضمن ظرفا و لطفا و يتضمن أيضا أدبا.قال كان ببغداد في صدر أيام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضي‏ء بالله واعظ مشهور بالحذق و معرفة الحديث و الرجال و كان يجتمع إليه تحت منبره خلق عظيم من عوام بغداد و من فضلائها أيضا و كان مشتهرا بذم أهل الكلام و خصوصا المعتزلة و أهل النظر على قاعدة الحشوية و مبغضي أرباب العلوم العقلية و كان أيضا منحرفا عن الشيعة برضا العامة بالميل عليهم فاتفق قوم من رؤساء الشيعة على أن يضعوا عليه من يبكته و يسأله تحت منبره و يخجله و يفضحه بين الناس في المجلس و هذه عادة الوعاظ يقوم إليهم قوم فيسألونهم مسائل يتكلفون الجواب عنها و سألوا عمن ينتدب لهذا فأشير عليهم بشخص كان ببغداد يعرف بأحمد بن عبد العزيز الكزي كان له لسن و يشتغل بشي‏ء يسير من كلام المعتزلة و يتشيع و عنده قحة و قد شدا أطرافا من الأدب و قد رأيت أنا هذا الشخص في آخر عمره و هو يومئذ شيخ و الناس يختلفون إليه في تعبير الرؤيا فأحضروه و طلبوا إليه أن يعتمد ذلك فأجابهم و جلس ذلك الواعظ في يومه الذي جرت عادته بالجلوس فيه و اجتمع الناس عنده على طبقاتهم حتى امتلأت الدنيا بهم و تكلم على عادته فأطال فلما مر في ذكر صفات الباري سبحانه في أثناء الوعظ قام إليه الكزي فسأله أسئلة عقلية على منهاج كلام المتكلمين من المعتزلة فلم يكن للواعظ عنها جواب نظري و إنما دفعه بالخطابة و الجدل و سجع الألفاظ و تردد الكلام بينهما طويلا و قال الواعظ في آخر الكلام أعين المعتزلة حول و صوتي

١٠٧

في مسامعهم طبول و كلامي في أفئدتهم نصول يا من بالاعتزال يصول ويحك كم تحوم و تجول حول من لا تدركه العقول كم أقول كم أقول خلوا هذا الفضول.فارتج المجلس و صرخ الناس و علت الأصوات و طاب الواعظ و طرب و خرج من هذا الفصل إلى غيره فشطح شطح الصوفية و قال سلوني قبل أن تفقدوني و كررها فقام إليه الكزي فقال يا سيدي ما سمعنا أنه قال هذه الكلمة إلا علي بن أبي طالب ع و تمام الخبر معلوم و أراد الكزي بتمام الخبر قوله ع لا يقولها بعدي إلا مدع.فقال الواعظ و هو في نشوة طربه و أراد إظهار فضله و معرفته برجال الحديث و الرواة من علي بن أبي طالب أ هو علي بن أبي طالب بن المبارك النيسابوري أم علي بن أبي طالب بن إسحاق المروزي أم علي بن أبي طالب بن عثمان القيرواني أم علي بن أبي طالب بن سليمان الرازي و عد سبعة أو ثمانية من أصحاب الحديث كلهم علي بن أبي طالب فقام الكزي و قام من يمين المجلس آخر و من يسار المجلس ثالث انتدبوا له و بذلوا أنفسهم للحمية و وطنوها على القتل.فقال الكزي أشا يا سيدي فلان الدين أشا صاحب هذا القول هو علي بن أبي طالب زوج فاطمة سيدة نساء العالمين ع و إن كنت ما عرفته بعد بعينه فهو الشخص الذي لما آخى رسول الله ص بين الأتباع و الأذناب آخى بينه و بين نفسه و أسجل على أنه نظيره و مماثله فهل نقل في جهازكم أنتم من هذا شي‏ء أو نبت تحت خبكم من هذا شي‏ء.فأراد الواعظ أن يكلمه فصاح عليه القائم من الجانب الأيمن و قال يا سيدي فلان الدين محمد بن عبد الله كثير في الأسماء و لكن ليس فيهم من قال له رب العزة

١٠٨

( ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى‏ وَ ما يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوى‏ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى) و كذلك علي بن أبي طالب كثير في الأسماء و لكن ليس فيهم من قال له صاحب الشريعة أنت مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي:

و قد تلتقي الأسماء في الناس و الكنى

كثيرا و لكن ميزوا في الخلائق

فالتفت إليه الواعظ ليكلمه فصاح عليه القائم من الجانب الأيسر و قال يا سيدي فلان الدين حقك تجهله أنت معذور في كونك لا تعرفه:

و إذا خفيت على الغبي فعاذر

ألا تراني مقلة عمياء

فاضطرب المجلس و ماج كما يموج البحر و افتتن الناس و تواثبت العامة بعضها إلى بعض و تكشفت الرءوس و مزقت الثياب و نزل الواعظ و احتمل حتى أدخل دارا أغلق عليه بابها و حضر أعوان السلطان فسكنوا الفتنة و صرفوا الناس إلى منازلهم و أشغالهم و أنفذ الناصر لدين الله في آخر نهار ذلك اليوم فأخذ أحمد بن عبد العزيز الكزي و الرجلين اللذين قاما معه فحبسهم أياما لتطفأ نائرة الفتنة ثم أطلقهم

١٠٩

236 و من خطبة له ع

أَحْمَدُهُ شُكْراً لِإِنْعَامِهِ وَ أَسْتَعِينُهُ عَلَى وَظَائِفِ حُقُوقِهِ عَزِيزَ اَلْجُنْدِ عَظِيمَ اَلْمَجْدِ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ دَعَا إِلَى طَاعَتِهِ وَ قَاهَرَ أَعْدَاءَهُ جِهَاداً عَنْ دِينِهِ لاَ يَثْنِيهِ عَنْ ذَلِكَ اِجْتِمَاعٌ عَلَى تَكْذِيبِهِ وَ اِلْتِمَاسٌ لِإِطْفَاءِ نُورِهِ فَاعْتَصِمُوا بِتَقْوَى اَللَّهِ فَإِنَّ لَهَا حَبْلاً وَثِيقاً عُرْوَتُهُ وَ مَعْقِلاً مَنِيعاً ذِرْوَتُهُ وَ بَادِرُوا اَلْمَوْتَ وَ غَمَرَاتِهِ وَ اِمْهَدُوا لَهُ قَبْلَ حُلُولِهِ وَ أَعِدُّوا لَهُ قَبْلَ نُزُولِهِ فَإِنَّ اَلْغَايَةَ اَلْقِيَامَةُ وَ كَفَى بِذَلِكَ وَاعِظاً لِمَنْ عَقَلَ وَ مُعْتَبَراً لِمَنْ جَهِلَ وَ قَبْلَ بُلُوغِ اَلْغَايَةِ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ ضِيقِ اَلْأَرْمَاسِ وَ شِدَّةِ اَلْإِبْلاَسِ وَ هَوْلِ اَلْمُطَّلَعِ وَ رَوْعَاتِ اَلْفَزَعِ وَ اِخْتِلاَفِ اَلْأَضْلاَعِ وَ اِسْتِكَاكِ اَلْأَسْمَاعِ وَ ظُلْمَةِ اَللَّحْدِ وَ خِيفَةِ اَلْوَعْدِ وَ غَمِّ اَلضَّرِيحِ وَ رَدْمِ اَلصَّفِيحِ فَاللَّهَ اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ فَإِنَّ اَلدُّنْيَا مَاضِيَةٌ بِكُمْ عَلَى سَنَنٍ وَ أَنْتُمْ وَ اَلسَّاعَةُ اَلسَّاعَةَ فِي قَرَنٍ وَ كَأَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ بِأَشْرَاطِهَا وَ أَزِفَتْ بِأَفْرَاطِهَا وَ وَقَفَتْ بِكُمْ عَلَى صِرَاطِهَا وَ كَأَنَّهَا قَدْ أَشْرَفَتْ بِزَلاَزِلِهَا وَ أَنَاخَتْ بِكَلاَكِلِهَا وَ اِنْصَرَفَتِ اَلدُّنْيَا بِأَهْلِهَا وَ أَخْرَجَتْهُمْ مِنْ حِضْنِهَا فَكَانَتْ كَيَوْمَ مَضَى وَ شَهْرٍ اِنْقَضَى وَ صَارَ جَدِيدُهَا رَثّاً وَ سَمِينُهَا غَثّاً فِي مَوْقِفٍ ضَنْكِ اَلْمَقَامِ وَ أُمُورٍ مُشْتَبِهَةٍ عِظَامٍ وَ نَارٍ شَدِيدٍ كَلَبُهَا عَالٍ لَجَبُهَا سَاطِعٍ لَهَبُهَا مُتَغَيِّظٍ زَفِيرُهَا مُتَأَجِّجٍ سَعِيرُهَا بَعِيدٍ خُمُودُهَا ذَاكٍ وُقُودُهَا مَخُوفٍ

١١٠

وَعِيدُهَا عَمٍ قَرَارُهَا مُظْلِمَةٍ أَقْطَارُهَا حَامِيَةٍ قُدُورُهَا فَظِيعَةٍ أُمُورُهَا( وَ سِيقَ اَلَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى اَلْجَنَّةِ زُمَراً ) قَدْ أُمِنَ اَلْعَذَابُ وَ اِنْقَطَعَ اَلْعِتَابُ وَ زُحْزِحُوا عَنِ اَلنَّارِ وَ اِطْمَأَنَّتْ بِهِمُ اَلدَّارُ وَ رَضُوا اَلْمَثْوَى وَ اَلْقَرَارَ اَلَّذِينَ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي اَلدُّنْيَا زَاكِيَةً وَ أَعْيُنُهُمْ بَاكِيَةً وَ كَانَ لَيْلُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ نَهَاراً تَخَشُّعاً وَ اِسْتِغْفَارًا وَ كَانَ نَهَارُهُمْ لَيْلاً تَوَحُّشاً وَ اِنْقِطَاعاً فَجَعَلَ اَللَّهُ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ مَآباً وَ اَلْجَزَاءَ ثَوَاباً وَ كَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَ أَهْلَهَا فِي مُلْكٍ دَائِمٍ وَ نَعِيمٍ قَائِمٍ فَارْعَوْا عِبَادَ اَللَّهِ مَا بِرِعَايَتِهِ يَفُوزُ فَائِزُكُمْ وَ بِإِضَاعَتِهِ يَخْسَرُ مُبْطِلُكُمْ وَ بَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ فَإِنَّكُمْ مُرْتَهَنُونَ بِمَا أَسْلَفْتُمْ وَ مَدِينُونَ بِمَا قَدَّمْتُمْ وَ كَأَنْ قَدْ نَزَلَ بِكُمُ اَلْمَخُوفُ فَلاَ رَجْعَةً تَنَالُونَ تُنَالُونَ وَ لاَ عَثْرَةً تُقَالُونَ اِسْتَعْمَلَنَا اَللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ بِطَاعَتِهِ وَ طَاعَةِ رَسُولِهِ وَ عَفَا عَنَّا وَ عَنْكُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ اِلْزَمُوا اَلْأَرْضَ وَ اِصْبِرُوا عَلَى اَلْبَلاَءِ وَ لاَ تُحَرِّكُوا بِأَيْدِيكُمْ وَ سُيُوفِكُمْ فِي هَوَى أَلْسِنَتِكُمْ وَ لاَ تَسْتَعْجِلُوا بِمَا لَمْ يُعَجِّلْهُ اَللَّهُ لَكُمْ فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى فِرَاشِهِ وَ هُوَ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِّ رَبِّهِ وَ حَقِّ رَسُولِهِ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ مَاتَ شَهِيداً وَ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اَللَّهِ وَ اِسْتَوْجَبَ ثَوَابَ مَا نَوَى مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ وَ قَامَتِ اَلنِّيَّةُ مَقَامَ إِصْلاَتِهِ لِسَيْفِهِ فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مُدَّةً وَ أَجَلاً وظائف حقوقه الواجبات المؤقتة كالصلوات الخمس و صوم شهر رمضان و الوظيفة ما يجعل للإنسان في كل يوم أو في كل شهر أو في كل سنة من طعام أو رزق

١١١

و عزيز منصوب لأنه حال من الضمير في أستعينه و يجوز أن يكون حالا من الضمير المجرور في حقوقه و إضافة عزيز إلى الجند إضافة في تقدير الانفصال لا توجب تعريفه ليمتنع من كونه حالا.و قاهر أعداءه حاربهم و روي و قهر أعداءه.و المعقل ما يعتصم به و ذروته أعلاه.و امهدوا له اتخذوا مهادا و هو الفراش و هذه استعارة.قوله ع فإن الغاية القيامة أي فإن منتهى كل البشر إليها و لا بد منها.و الأرماس جمع رمس و هو القبر و الإبلاس مصدر أبلس أي خاب و يئس و الإبلاس أيضا الانكسار و الحزن.و استكاك الأسماع صممها.و غم الضريح ضيق القبر و كربه و الصفيح الحجر و ردمه سده.و السنن الطريق و القرن الحبل.و أشراط الساعة علاماتها و أزفت قربت و أفراطها جمع فرط و هم المتقدمون السابقون من الموتى و من روى بإفراطها فهو مصدر أفرط في الشي‏ء أي قربت الساعة بشدة غلوائها و بلوغها غاية الهول و الفظاعة و يجوز أن تفسر الرواية الأولى بمقدماتها و ما يظهر قبلها من خوارق العادات المزعجة كالدجال و دابة الأرض و نحوهما و يرجع ذلك إلى اللفظة الأولى و هي أشراطها و إنما يختلف اللفظ.و الكلاكل جمع كلكل و هو الصدر و يقال للأمر الثقيل قد أناخ عليهم بكلكله أي هدهم و رضهم كما يهد البعير البارك من تحته إذا أنحى عليه بصدره.قوله ع و انصرفت الدنيا بأهلها أي ولت و يروى و انصرمت أي انقضت.

١١٢

و الحضن بكسر الحاء ما دون الإبط إلى الكشح.و الرث الخلق و الغث الهزيل.و مقام ضنك أي ضيق.و شديد كلبها أي شرها و أذاها و اللجب الصوت و وقودها هاهنا بضم الواو و هو الحدث و لا يجوز الفتح لأنه ما يوقد به كالحطب و نحوه و ذاك لا يوصف بأنه ذاك.قوله ع عم قرارها أي لا يهتدى فيه لظلمته و لأنه عميق جدا و يروى و كأن ليلهم نهار و كذلك أختها على التشبيه.و المآب المرجع و مدينون مجزيون.قوله ع فلا رجعة تنالون الرواية بضم التاء أي تعطون يقال أنلت فلانا مالا أي منحته و قد روي تنالون بفتح التاء.ثم أمر أصحابه أن يثبتوا و لا يعجلوا في محاربة من كان مخالطا لهم من ذوي العقائد الفاسدة كالخوارج و من كان يبطن هوى معاوية و ليس خطابه هذا تثبيطا لهم عن حرب أهل الشام كيف و هو لا يزال يقرعهم و يوبخهم عن التقاعد و الإبطاء في ذلك و لكن قوما من خاصته كانوا يطلعون على ما عند قوم من أهل الكوفة و يعرفون نفاقهم و فسادهم و يرومون قتلهم و قتالهم فنهاهم عن ذلك و كان يخاف فرقة جنده و انتثار حبل عسكره فأمرهم بلزوم الأرض و الصبر على البلاء.و روي بإسقاط الباء من قوله بأيديكم و من روى الكلمة بالباء جعلها زائدة و يجوز ألا تكون زائدة و يكون المعنى و لا تحركوا الفتنة بأيديكم و سيوفكم في هوى ألسنتكم فحذف المفعول.و الإصلات بالسيف مصدر أصلت أي سل.

١١٣

و اعلم أن هذه الخطبة من أعيان خطبه ع و من ناصع كلامه و نادره و فيها من صناعة البديع الرائقة المستحسنة البريئة من التكلف ما لا يخفى و قد أخذ ابن نباتة الخطيب كثيرا من ألفاظها فأودعها خطبه مثل قوله شديد كلبها عال لجبها ساطع لهبها متغيظ زفيرها متأجج سعيرها بعيد خمودها ذاك وقودها مخوف وعيدها عم قرارها مظلمة أقطارها حامية قدورها فظيعة أمورها فإن هذه الألفاظ كلها اختطفها و أغار عليها و اغتصبها و سمط بها خطبه و شذر بها كلامه.و مثل قوله هول المطلع و روعات الفزع و اختلاف الأضلاع و استكاك الأسماع و ظلمة اللحد و خيفة الوعد و غم الضريح و ردم الصفيح فإن هذه الألفاظ أيضا تمضي في أثناء خطبه و في غضون مواعظه

١١٤

237 و من خطبة له ع

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْفَاشِي فِي اَلْخَلْقِ حَمْدُهُ وَ اَلْغَالِبِ جُنْدُهُ وَ اَلْمُتَعَالِي جَدُّهُ أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ اَلتُّؤَامِ وَ آلاَئِهِ اَلْعِظَامِ اَلَّذِي عَظُمَ حِلْمُهُ فَعَفَا وَ عَدَلَ فِي كُلِّ مَا قَضَى وَ عَلِمَ مَا بِمَا يَمْضِي وَ مَا مَضَى مُبْتَدِعِ اَلْخَلاَئِقِ بِعِلْمِهِ وَ مُنْشِئِهِمْ بِحُكْمِهِ بِلاَ اِقْتِدَاءٍ وَ لاَ تَعْلِيمٍ وَ لاَ اِحْتِذَاءٍ لِمِثَالِ صَانِعٍ حَكِيمٍ وَ لاَ إِصَابَةِ خَطَإٍ وَ لاَ حَضْرَةِ مَلاٍ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ اِبْتَعَثَهُ وَ اَلنَّاسُ يَضْرِبُونَ فِي غَمْرَةٍ وَ يَمُوجُونَ فِي حَيْرَةٍ قَدْ قَادَتْهُمْ أَزِمَّةُ اَلْحَيْنِ وَ اِسْتَغْلَقَتْ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ أَقْفَالُ اَلرَّيْنِ عِبَادَ اَللَّهِ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اَللَّهِ فَإِنَّهَا حَقُّ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ اَلْمُوجِبَةُ عَلَى اَللَّهِ حَقَّكُمْ وَ أَنْ تَسْتَعِينُوا عَلَيْهَا بِاللَّهِ وَ تَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى اَللَّهِ فَإِنَّ اَلتَّقْوَى فِي اَلْيَوْمِ اَلْحِرْزُ وَ اَلْجُنَّةُ وَ فِي غَدٍ اَلطَّرِيقُ إِلَى اَلْجَنَّةِ مَسْلَكُهَا وَاضِحٌ وَ سَالِكُهَا رَابِحٌ وَ مُسْتَوْدَعُهَا حَافِظٌ لَمْ تَبْرَحْ عَارِضَةً نَفْسَهَا عَلَى اَلْأُمَمِ اَلْمَاضِينَ مِنْكُمْ وَ اَلْغَابِرِينَ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا غَداً إِذَا أَعَادَ اَللَّهُ مَا أَبْدَى وَ أَخَذَ مَا أَعْطَى وَ سَأَلَ عَمَّا أَسْدَى فَمَا أَقَلَّ مَنْ قَبِلَهَا وَ حَمَلَهَا حَقَّ حَمْلِهَا أُولَئِكَ اَلْأَقَلُّونَ عَدَداً وَ هُمْ أَهْلُ صِفَةِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ إِذْ يَقُولُ( وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ اَلشَّكُورُ ) فَأَهْطِعُوا بِأَسْمَاعِكُمْ إِلَيْهَا وَ أَلِظُّوا بِجِدِّكُمْ عَلَيْهَا وَ اِعْتَاضُوهَا مِنْ كُلِّ سَلَفٍ خَلَفاً وَ مِنْ كُلِّ مُخَالِفٍ مُوَافِقاً

١١٥

أَيْقِظُوا بِهَا نَوْمَكُمْ وَ اِقْطَعُوا بِهَا يَوْمَكُمْ وَ أَشْعِرُوهَا قُلُوبَكُمْ وَ اِرْحَضُوا بِهَا ذُنُوبَكُمْ وَ دَاوُوا بِهَا اَلْأَسْقَامَ وَ بَادِرُوا بِهَا اَلْحِمَامَ وَ اِعْتَبِرُوا بِمَنْ أَضَاعَهَا وَ لاَ يَعْتَبِرَنَّ بِكُمْ مَنْ أَطَاعَهَا أَلاَ فَصُونُوهَا وَ تَصَوَّنُوا بِهَا وَ كُونُوا عَنِ اَلدُّنْيَا نُزَّاهاً وَ إِلَى اَلآْخِرَةِ وُلاَّهاً وَ لاَ تَضَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ اَلتَّقْوَى وَ لاَ تَرْفَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ اَلدُّنْيَا وَ لاَ تَشِيمُوا بَارِقَهَا وَ لاَ تَسْمَعُوا نَاطِقَهَا وَ لاَ تُجِيبُوا نَاعِقَهَا وَ لاَ تَسْتَضِيئُوا بِإِشْرَاقِهَا وَ لاَ تُفْتَنُوا بِأَعْلاَقِهَا فَإِنَّ بَرْقَهَا خَالِبٌ وَ نُطْقَهَا كَاذِبٌ وَ أَمْوَالَهَا مَحْرُوبَةٌ وَ أَعْلاَقَهَا مَسْلُوبَةٌ أَلاَ وَ هِيَ اَلْمُتَصَدِّيَةُ اَلْعَنُونُ وَ اَلْجَامِحَةُ اَلْحَرُونُ وَ اَلْمَائِنَةُ اَلْخَئُونُ وَ اَلْجَحُودُ اَلْكَنُودُ وَ اَلْعَنُودُ اَلصَّدُودُ وَ اَلْحَيُودُ اَلْمَيُودُ حَالُهَا اِنْتِقَالٌ وَ وَطْأَتُهَا زِلْزَالٌ وَ عِزُّهَا ذُلٌّ وَ جِدُّهَا هَزْلٌ وَ عُلْوُهَا سُفْلٌ دَارُ حَرْبٍ حَرَبٍ وَ سَلَبٍ وَ نَهْبٍ وَ عَطَبٍ أَهْلُهَا عَلَى سَاقٍ وَ سِيَاقٍ وَ لَحَاقٍ وَ فِرَاقٍ قَدْ تَحَيَّرَتْ مَذَاهِبُهَا وَ أَعْجَزَتْ مَهَارِبُهَا وَ خَابَتْ مَطَالِبُهَا فَأَسْلَمَتْهُمُ اَلْمَعَاقِلُ وَ لَفَظَتْهُمُ اَلْمَنَازِلُ وَ أَعْيَتْهُمُ اَلْمَحَاوِلُ فَمِنْ نَاجٍ مَعْقُورٍ وَ لَحْمٍ مَجْزُورٍ وَ شِلْوٍ مَذْبُوحٍ وَ دَمٍ مَسْفُوحٍ وَ عَاضٍّ عَلَى يَدَيْهِ وَ صَافِقٍ بِكَفَّيْهِ وَ مُرْتَفِقٍ بِخَدَّيْهِ وَ زَارٍ عَلَى رَأْيِهِ وَ رَاجِعٍ عَنْ عَزْمِهِ وَ قَدْ أَدْبَرَتِ اَلْحِيلَةُ وَ أَقْبَلَتِ اَلْغِيلَةُ وَ لاَتَ حِينَ مَنَاصٍ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ قَدْ فَاتَ مَا فَاتَ وَ ذَهَبَ مَا ذَهَبَ وَ مَضَتِ اَلدُّنْيَا لِحَالِ بَالِهَا( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ اَلسَّمَاءُ وَ اَلْأَرْضُ وَ مَا كَانُوا مُنْظَرِينَ )

١١٦

الفاشي الذائع فشا الخبر يفشو فشوا أي ذاع و أفشاه غيره و تفشى الشي‏ء أي اتسع و الفواشي كل منتشر من المال مثل الغنم السائمة و الإبل و غيرهما و منه الحديث

ضموا فواشيكم حتى تذهب فحمة العشاء فيجوز أن يكون عنى بفشو حمده إطباق الأمم قاطبة على الاعتراف بنعمته و يجوز أن يريد بالفاشي سبب حمده و هو النعم التي لا يقدر قدرها فحذف المضاف.قوله و الغالب جنده فيه معنى قوله تعالى( فَإِنَّ حِزْبَ اَللَّهِ هُمُ اَلْغالِبُونَ ) .قوله و المتعالي جده فيه معنى قوله تعالى( وَ أَنَّهُ تَعالى‏ جَدُّ رَبِّنا ) و الجد في هذا الموضع و في الآية العظمة.و التؤام جمع توأم على فوعل و هو الولد المقارن أخاه في بطن واحد و قد أتأمت المرأة إذا وضعت اثنين كذلك فهي متئم فإن كان ذلك عادتها فهي متآم و كل واحد من الولدين توأم و هما توأمان و هذا توأم هذا و هذه توأمته و الجمع توائم مثل قشعم و قشاعم و جاء في جمعه تؤام على فعال و هي اللفظة التي وردت في هذه الخطبة و هو جمع غريب لم يأت نظيره إلا في مواضع معدودة و هي عرق العظم يؤخذ عنه اللحم و عراق و شاة ربى للحديثة العهد بالولادة و غنم رباب و ظئر للمرضعة غير ولدها و ظؤار و رخل للأنثى من أولاد الضأن و رخال و فرير لولد البقرة الوحشية و فرار.و الآلاء النعم.

١١٧

قوله ع مبدع الخلائق بعلمه ليس يريد أن العلم علة في الإبداع كما تقول هوى الحجر بثقله بل المراد أبدع الخلق و هو عالم كما تقول خرج زيد بسلاحه أي خرج متسلحا فموضع الجار و المجرور على هذا نصب بالحالية و كذلك القول في و منشئهم بحكمه و الحكم هاهنا الحكمة.و منه قوله ع إن من الشعر لحكمة.قوله بلا اقتداء و لا تعليم و لا احتذاء قد تكرر منه ع أمثاله مرارا.قوله و لا إصابة خطأ تحته معنى لطيف و ذلك لأن المتكلمين يوردون على أنفسهم سؤالا في باب كونه عالما بكل معلوم إذا استدلوا على ذلك فإنه علم بعض الأشياء لا من طريق أصلا لا من إحساس و لا من نظر و استدلال فوجب أن يعلم سائرها لأنه لا مخصص فقالوا لأنفسهم لم زعمتم ذلك و لم لا يجوز أن يكون فعل أفعاله مضطربة فلما أدركها علم كيفية صنعها بطريق كونه مدركا لها فأحكمها بعد اختلالها و اضطرابها و أجابوا عن ذلك بأنه لا بد أن يكون قبل أن فعلها عالما بمفرداتها من غير إحساس و يكفي ذلك في كونه عالما بما لم يتطرق إليه ثم يعود الاستدلال المذكور أولا.قوله ع و لا حضره ملأ الملأ الجماعة من الناس و فيه معنى قوله تعالى( ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ اَلسَّماواتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ ) .قوله يضربون في غمرة أي يسيرون في جهل و ضلالة و الضرب السير السريع.و الحين الهلاك و الرين الذنب على الذنب حتى يسود القلب و قيل الرين

١١٨

الطبع و الدنس يقال ران على قلبه ذنبه يرين رينا أي دنسه و وسخه و استغلقت أقفال الرين على قلوبهم تعسر فتحها.قوله فإنها حق الله عليكم و الموجبة على الله حقكم يريد أنها واجبة عليكم فإن فعلتموها وجب على الله أن يجازيكم عنها بالثواب و هذا تصريح بمذهب المعتزلة في العدل و أن من الأشياء ما يجب على الله تعالى من باب الحكمة.قوله و أن تستعينوا عليها بالله و تستعينوا بها على الله يريد أوصيكم بأن تستعينوا بالله على التقوى بأن تدعوه و تبتهلوا إليه أن يعينكم عليها و يوفقكم لها و ييسرها و يقوي دواعيكم إلى القيام بها و أوصيكم أن تستعينوا بالتقوى على لقاء الله و محاكمته و حسابه فإنه تعالى يوم البعث و الحساب كالحاكم بين المتخاصمين( وَ تَرى‏ كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى‏ إِلى‏ كِتابِهَا ) فالسعيد من استعان على ذلك الحساب و تلك الحكومة و الخصومة بالتقوى في دار التكليف فإنها نعم المعونة( وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ اَلزَّادِ اَلتَّقْوى) .و الجنة ما يستتر به.قوله و مستودعها حافظ يعني الله سبحانه لأنه مستودع الأعمال و يدل عليه قوله تعالى( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ) و ليس ما قاله الراوندي من أنه أراد بالمستودع قلب الإنسان بشي‏ء.قوله لم تبرح عارضة نفسها كلام فصيح لطيف يقول إن التقوى لم تزل عارضة نفسها على من سلف من القرون فقبلها القليل منهم شبهها بالمرأة العارضة نفسها نكاحا على قوم فرغب فيها من رغب و زهد من زهد و على الحقيقة ليست

١١٩

هي العارضة نفسها و لكن المكلفين ممكنون من فعلها و مرغبون فيها فصارت كالعارضة.و الغابر هاهنا الباقي و هو من الأضداد يستعمل بمعنى الباقي و بمعنى الماضي.قوله ع إذا أعاد الله ما أبدى يعني أنشر الموتى و أخذ ما أعطى و ورث الأرض مالك الملوك فلم يبق في الوجود من له تصرف في شي‏ء غيره كما قال( لِمَنِ اَلْمُلْكُ اَلْيَوْمَ لِلَّهِ اَلْواحِدِ اَلْقَهَّارِ ) و قيل في الأخبار و الحديث إن الله تعالى يجمع الذهب و الفضة كل ما كان منه في الدنيا فيجعله أمثال الجبال ثم يقول هذا فتنة بني آدم ثم يسوقه إلى جهنم فيجعله مكاوي لجباه المجرمين.و سأل عما أسدى أي سأل أرباب الثروة عما أسدى إليهم من النعم فيم صرفوها و فيم أنفقوها.قوله ع فما أقل من قبلها يعني ما أقل من قبل التقوى العارضة نفسها على الناس.و إذا في قوله إذا أعاد الله ظرف لحاجتهم إليها لأن المعنى يقتضيه أي لأنهم يحتاجون إليها وقت إعادة الله الخلق و ليس كما ظنه الراوندي أنه ظرف لقوله فما أقل من قبلها لأن المعنى على ما قلناه و لأن ما بعد الفاء لا يجوز أن يكون عاملا فيما قبلها.قوله فأهطعوا بأسماعكم أي أسرعوا أهطع في عدوه أي أسرع و يروى فانقطعوا بأسماعكم إليها أي فانقطعوا إليها مصغين بأسماعكم.قوله و ألظوا بجدكم أي ألحوا و الإلظاظ الإلحاح في الأمر و منه قول

١٢٠