كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 319

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 319
المشاهدات: 28460
تحميل: 5565


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 319 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28460 / تحميل: 5565
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 13

مؤلف:
العربية

فأمره أن يقتل زرارة بن عدس رئيس بني تميم و لم يكن قاتلا أخا الملك و لا حاضرا قتله.و من نظر في أيام العرب و وقائعها و مقاتلها عرف ما ذكرناه.سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيدرحمه‌الله فقلت له إني لأعجب من علي ع كيف بقي تلك المدة الطويلة بعد رسول الله ص و كيف ما اغتيل و فتك به في جوف منزله مع تلظي الأكباد عليه.فقال لو لا أنه أرغم أنفه بالتراب و وضع خده في حضيض الأرض لقتل و لكنه أخمل نفسه و اشتغل بالعبادة و الصلاة و النظر في القرآن و خرج عن ذلك الزي الأول و ذلك الشعار و نسي السيف و صار كالفاتك يتوب و يصير سائحا في الأرض أو راهبا في الجبال و لما أطاع القوم الذين ولوا الأمر و صار أذل لهم من الحذاء تركوه و سكتوا عنه و لم تكن العرب لتقدم عليه إلا بمواطاة من متولي الأمر و باطن في السر منه فلما لم يكن لولاة الأمر باعث و داع إلى قتله وقع الإمساك عنه و لو لا ذلك لقتل ثم أجل بعد معقل حصين.فقلت له أ حق ما يقال في حديث خالد فقال إن قوما من العلوية يذكرون ذلك.ثم قال و قد روي أن رجلا جاء إلى زفر بن الهذيل صاحب أبي حنيفة فسأله عما يقول أبو حنيفة في جواز الخروج من الصلاة بأمر غير التسليم نحو الكلام و الفعل الكثير أو الحدث فقال إنه جائز قد قال أبو بكر في تشهده ما قال فقال الرجل

٣٠١

و ما الذي قاله أبو بكر قال لا عليك فأعاد عليه السؤال ثانية و ثالثة فقال أخرجوه أخرجوه قد كنت أحدث أنه من أصحاب أبي الخطاب.قلت له فما الذي تقوله أنت قال أنا أستبعد ذلك و إن روته الإمامية.ثم قال أما خالد فلا أستبعد منه الإقدام عليه بشجاعته في نفسه و لبغضه إياه و لكني أستبعده من أبي بكر فإنه كان ذا ورع و لم يكن ليجمع بين أخذ الخلافة و منع فدك و إغضاب فاطمة و قتل علي ع حاش لله من ذلك فقلت له أ كان خالد يقدر على قتله قال نعم و لم لا يقدر على ذلك و السيف في عنقه و علي أعزل غافل عما يراد به قد قتله ابن ملجم غيلة و خالد أشجع من ابن ملجم.فسألته عما ترويه الإمامية في ذلك كيف ألفاظه فضحك و قال

كم عالم بالشي‏ء و هو يسائل

ثم قال دعنا من هذا ما الذي تحفظ في هذا المعنى قلت قول أبي الطيب:

نحن أدرى و قد سألنا بنجد

أ طويل طريقنا أم يطول

و كثير من السؤال اشتياق

و كثير من رده تعليل

فاستحسن ذلك و قال لمن عجز البيت الذي استشهدت به قلت لمحمد بن هانئ المغربي و أوله:

في كل يوم أستزيد تجاربا

كم عالم بالشي‏ء و هو يسائل

فبارك علي مرارا ثم قال نترك الآن هذا و نتمم ما كنا فيه و كنت أقرأ عليه في ذلك الوقت جمهرة النسب لابن الكلبي فعدنا إلى القراءة و عدلنا عن الخوض عما كان اعترض الحديث فيه

٣٠٢

240 و من كلام له ع اقتص فيه ذكر ما كان منه بعد هجرة النبي ص ثم لحاقه به

فَجَعَلْتُ أَتْبَعُ مَأْخَذَ رَسُولِ اَللَّهِ ص فَأَطَأُ ذِكْرَهُ حَتَّى اِنْتَهَيْتُ إِلَى اَلْعَرْجِ فِي كَلاَمٍ طَوِيلٍ قال الرضيرحمه‌الله تعالى قوله ع فأطأ ذكره من الكلام الذي رمي به إلى غايتي الإيجاز و الفصاحة أراد أني كنت أغطي خبره ص من بدء خروجي إلى أن انتهيت إلى هذا الموضع فكنى عن ذلك بهذه الكناية العجيبة العرج منزل بين مكة و المدينة إليه ينسب العرجي الشاعر و هو عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس.قال محمد بن إسحاق في كتاب المغازي لم يعلم رسول الله ص أحدا من المسلمين ما كان عزم عليه من الهجرة إلا علي بن أبي طالب و أبا بكر بن أبي قحافة أما علي فإن رسول الله ص أخبره بخروجه و أمره أن يبيت على

٣٠٣

فراشه يخادع المشركين عنه ليروا أنه لم يبرح فلا يطلبوه حتى تبعد المسافة بينهم و بينه و أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله ص الودائع التي عنده للناس و كان رسول الله ص استودعه رجال من مكة ودائع لهم لما يعرفونه من أمانته و أما أبو بكر فخرج معه.و سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد الحسنيرحمه‌الله فقلت إذا كانت قريش قد محصت رأيها و ألقى إليها إبليس كما روي ذلك الرأي و هو أن يضربوه بأسياف من أيدي جماعة من بطون مختلفة ليضيع دمه في بطون قريش فلا تطلبه بنو عبد مناف فلما ذا انتظروا به تلك الليلة الصبح فإن الرواية جاءت بأنهم كانوا تسوروا الدار فعاينوا فيها شخصا مسجى بالبرد الحضرمي الأخضر فلم يشكوا أنه هو فرصدوه إلى أن أصبحوا فوجدوه عليا و هذا طريف لأنهم كانوا قد أجمعوا على قتله تلك الليلة فما بالهم لم يقتلوا ذلك الشخص المسجى و انتظارهم به النهار دليل على أنهم لم يكونوا أرادوا قتله تلك الليلة فقال في الجواب لقد كانوا هموا من النهار بقتله تلك الليلة و كان إجماعهم على ذلك و عزمهم في حقنه من بني عبد مناف لأن الذين محصوا هذا الرأي و اتفقوا عليه النضر بن الحارث من بني عبد الدار و أبو البختري بن هشام و حكيم بن حزام و زمعة بن الأسود بن المطلب هؤلاء الثلاثة من بني أسد بن عبد العزى و أبو جهل بن هشام و أخوه الحارث و خالد بن الوليد بن المغيرة هؤلاء الثلاثة من بني مخزوم و نبيه و منبه ابنا الحجاج و عمرو بن العاص هؤلاء الثلاثة من بني سهم و أمية بن خلف و أخوه أبي بن خلف هذان من بني جمح فنما هذا الخبر من الليل إلى عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فلقي منهم قوما فنهاهم عنه و قال إن بني عبد مناف لا تمسك عن دمه و لكن صفدوه

٣٠٤

في الحديد و احبسوه في دار من دوركم و تربصوا به أن يصيبه من الموت ما أصاب أمثاله من الشعراء و كان عتبة بن ربيعة سيد بني عبد شمس و رئيسهم و هم من بني عبد مناف و بنو عم الرجل و رهطه فأحجم أبو جهل و أصحابه تلك الليلة عن قتله إحجاما ثم تسوروا عليه و هم يظنونه في الدار فلما رأوا إنسانا مسجى بالبرد الأخضر الحضرمي لم يشكوا أنه هو و ائتمروا في قتله فكان أبو جهل يذمرهم عليه فيهمون ثم يحجمون ثم قال بعضهم لبعض ارموه بالحجارة فرموه فجعل علي يتضور منها و يتقلب و يتأوه تأوها خفيفا فلم يزالوا كذلك في إقدام عليه و إحجام عنه لما يريده الله تعالى من سلامته و نجاته حتى أصبح و هو وقيذ من رمي الحجارة و لو لم يخرج رسول الله ص إلى المدينة و أقام بينهم بمكة و لم يقتلوه تلك الليلة لقتلوه في الليلة التي تليها و إن شبت الحرب بينهم و بين عبد مناف فإن أبا جهل لم يكن بالذي ليمسك عن قتله و كان فاقد البصيرة شديد العزم على الولوغ في دمه.قلت للنقيب أ فعلم رسول الله ص و علي ع بما كان من نهي عتبة لهم قال لا إنهما لم يعلما ذلك تلك الليلة و إنما عرفاه من بعد و لقد قال رسول الله ص يوم بدر لما رأى عتبة و ما كان منه إن يكن في القوم خير ففي صاحب الجمل الأحمر و لو قدرنا أن عليا ع علم ما قال لهم عتبة لم يسقط ذلك فضيلته في المبيت لأنه لم يكن على ثقة من أنهم يقبلون قول عتبة بل كان ظن الهلاك و القتل أغلب.و أما حال علي ع فلما أدى الودائع خرج بعد ثلاث من هجرة النبي

٣٠٥

ص فجاء إلى المدينة راجلا قد تورمت قدماه فصادف رسول الله ص نازلا بقباء على كلثوم بن الهدم فنزل معه في منزله و كان أبو بكر نازلا بقباء أيضا في منزل حبيب بن يساف ثم خرج رسول الله ص و هما معه من قباء حتى نزل بالمدينة على أبي أيوب خالد بن يزيد الأنصاري و ابتنى المسجد

٣٠٦

241 و من خطبة له ع

فَاعْمَلُوا وَ أَنْتُمْ فِي نَفَسِ اَلْبَقَاءِ وَ اَلصُّحُفُ مَنْشُورَةٌ وَ اَلتَّوْبَةُ مَبْسُوطَةٌ وَ اَلْمُدْبِرُ يُدْعَى وَ اَلْمُسِي‏ءُ يُرْجَى قَبْلَ أَنْ يَخْمُدَ اَلْعَمَلُ وَ يَنْقَطِعَ اَلْمَهَلُ وَ يَنْقَضِيَ اَلْأَجَلُ تَنْقَضِيَ اَلْمُدَّةُ وَ يُسَدَّ بَابُ اَلتَّوْبَةِ وَ تَصْعَدَ اَلْمَلاَئِكَةُ فَأَخَذَ اِمْرُؤٌ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَ أَخَذَ مِنْ حَيٍّ لِمَيِّتٍ وَ مِنْ فَانٍ لِبَاقٍ وَ مِنْ ذَاهِبٍ لِدَائِمٍ اِمْرُؤٌ خَافَ اَللَّهَ وَ هُوَ مُعَمَّرٌ إِلَى أَجَلِهِ وَ مَنْظُورٌ إِلَى عَمَلِهِ اِمْرُؤٌ أَلْجَمَ نَفْسَهُ بِلِجَامِهَا وَ زَمَّهَا بِزِمَامِهَا فَأَمْسَكَهَا بِلِجَامِهَا عَنْ مَعَاصِي اَللَّهِ وَ قَادَهَا بِزِمَامِهَا إِلَى طَاعَةِ اَللَّهِ في نفس البقاء بفتح الفاء أي في سعته تقول أنت في نفس من أمرك أي في سعة.و الصحف منشورة أي و أنتم بعد أحياء لأنه لا تطوى صحيفة الإنسان إلا إذا مات و التوبة مبسوطة لكم غير مقبوضة عنكم و لا مردودة عليكم إن فعلتم كما ترد على الإنسان توبته إذا احتضر.و المدبر يدعى أي من يدبر منكم و يولي عن الخير يدعى إليه و ينادى يا فلان أقبل على ما يصلحك.

٣٠٧

و المسي‏ء يرجى أي يرجى عوده و إقلاعه.قبل أن يجمد العمل استعارة مليحة لأن الميت يجمد عمله و يقف و يروى يخمد بالخاء من خمدت النار و الأول أحسن.و ينقطع المهل أي العمر الذي أمهلتم فيه.و تصعد الملائكة لأن الإنسان عند موته تصعد حفظته إلى السماء لأنه لم يبق لهم شغل في الأرض.قوله فأخذ امرؤ ماض يقوم مقام الأمر و قد تقدم شرح ذلك و المعنى أن من يصوم و يصلي فإنما يأخذ بعض قوة نفسه مما يلقى من المشقة لنفسه أي عدة و ذخيرة لنفسه يوم القيامة و كذلك من يتصدق فإنه يأخذ من ماله و هو جار مجرى نفسه لنفسه.و أخذ من حي لميت أي من حال الحياة لحال الموت و لو قال من ميت لحي كان جيدا أيضا لأن الحي في الدنيا ليس بحي على الحقيقة و إنما الحياة حياة الآخرة كما قال الله تعالى( وَ إِنَّ اَلدَّارَ اَلْآخِرَةَ لَهِيَ اَلْحَيَوانُ ) .و روي أمسكها بلجامها بغير فاء

٣٠٨

242 و من خطبة له ع في شأن الحكمين و ذم أهل الشام

جُفَاةٌ طَغَامٌ وَ عَبِيدٌ أَقْزَامٌ جُمِعُوا مِنْ كُلِّ أَوْبٍ وَ تُلُقِّطُوا مِنْ كُلِّ شَوْبٍ مِمَّنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفَقَّهَ وَ يُؤَدَّبَ وَ يُعَلَّمَ وَ يُدَرَّبَ وَ يُوَلَّى عَلَيْهِ وَ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهِ لَيْسُوا مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ لاَ مِنَ اَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا اَلدَّارَ وَ اَلْإِيمَانَ أَلاَ وَ إِنَّ اَلْقَوْمَ اِخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَقْرَبَ اَلْقَوْمِ مِمَّا تُحِبُّونَ يُحِبُّونَ وَ إِنَّكُمُ اِخْتَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أَقْرَبَ اَلْقَوْمِ مِمَّا تَكْرَهُونَ وَ إِنَّمَا عَهْدُكُمْ بِعَبْدِ اَللَّهِ بْنِ قَيْسٍ بِالْأَمْسِ يَقُولُ إِنَّهَا فِتْنَةٌ فَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ وَ شِيمُوا سُيُوفَكُمْ فَإِنْ كَانَ صَادِقاً فَقَدْ أَخْطَأَ بِمَسِيرِهِ غَيْرَ مُسْتَكْرَهٍ وَ إِنْ كَانَ كَاذِباً فَقَدْ لَزِمَتْهُ اَلتُّهَمَةُ اَلتُّهْمَةُ فَادْفَعُوا فِي صَدْرِ عَمْرِو بْنِ اَلْعَاصِ بِعَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْعَبَّاسِ وَ خُذُوا مَهَلَ اَلْأَيَّامِ وَ حُوطُوا قَوَاصِيَ اَلْإِسْلاَمِ أَ لاَ تَرَوْنَ إِلَى بِلاَدِكُمْ تُغْزَى وَ إِلَى صَفَاتِكُمْ تُرْمَى جفاة جمع جاف أي هم أعراب أجلاف و الطغام أوغاد الناس الواحد و الجمع فيه سواء.و يقال للأشرار و اللئام عبيد و إن كانوا أحرارا.

٣٠٩

و الأقزام بالزاي رذال الناس و سفلتهم و المسموع قزم الذكر و الأنثى و الواحد و الجمع فيه سواء لأنه في معنى المصدر قال الشاعر:

و هم إذا الخيل جالوا في كتائبها

فوارس الخيل لا ميل و لا قزم

و لكنه ع قال أقزام ليوازن بها قوله طغام و قد روي قزام و هي رواية جيدة و قد نطقت العرب بهذه اللفظة و قال الشاعر:

أحصنوا أمهم من عبدهم

تلك أفعال القزام الوكعه

و جمعوا من كل أوب أي من كل ناحية.و تلقطوا من كل شوب أي من فرق مختلطة.ثم وصف جهلهم و بعدهم عن العلم و الدين فقال ممن ينبغي أن يفقه و يؤدب أي يعلم الفقه و الأدب و يدرب أي يعود اعتماد الأفعال الحسنة و الأخلاق الجميلة.و يولى عليه أي لا يستحقون أن يولوا أمرا بل ينبغي أن يحجر عليهم كما يحجر على الصبي و السفيه لعدم رشده و روي و يولى عليه بالتخفيف و يؤخذ على يديه أي يمنع من التصرف.قوله ع و لا الذين تبوءوا الدار و الإيمان ظاهر اللفظ يشعر بأن الأقسام ثلاثة و ليست إلا اثنين لأن الذين تبوءوا الدار و الإيمان الأنصار و لكنه ع كرر ذكرهم تأكيدا و أيضا فإن لفظة الأنصار واقعة على كل من كان من الأوس و الخزرج الذين أسلموا على عهد رسول الله ص و الذين تبوءوا الدار

٣١٠

و الإيمان في الآية قوم مخصوصون منهم و هم أهل الإخلاص و الإيمان التام فصار ذكر الخاص بعد العام كذكره تعالى جبريل و ميكائيل ثم قال وَ اَلْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ و هما من الملائكة و معنى قوله تبوءوا الدار و الإيمان سكنوهما و إن كان الإيمان لا يسكن كما تسكن المنازل لكنهم لما ثبتوا عليه و اطمأنوا سماه منزلا لهم و متبوأ و يجوز أن يكون مثل قوله:

و رأيت زوجك في الوغى

متقلدا سيفا و رمحا

ثم ذكر ع أن أهل الشام اختاروا لأنفسهم أقرب القوم مما يحبونه و هو عمرو بن العاص و كرر لفظة القوم و كان الأصل أن يقول ألا و إن القوم اختاروا لأنفسهم أقربهم مما يحبون فأخرجه مخرج قول الله تعالى( وَ اِتَّقُوا اَللَّهَ إِنَّ اَللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ اَلصُّدُورِ ) و الذي يحبه أهل الشام هو الانتصار على أهل العراق و الظفر بهم و كان عمرو بن العاص أقربهم إلى بلوغ ذلك و الوصول إليه بمكره و حيلته و خدائعه و القوم في قوله ثانيا أقرب القوم بمعنى الناس كأنه قال و اخترتم لأنفسكم أقرب الناس مما تكرهونه و هو أبو موسى الأشعري و اسمه عبد الله بن قيس و الذي يكرهه أهل العراق هو ما يحبه أهل الشام و هو خذلان عسكر العراق و انكسارهم و استيلاء أهل الشام عليهم و كان أبو موسى أقرب الناس إلى وقوع ذلك و هكذا وقع لبلهه و غفلته و فساد رأيه و بغضه عليا ع من قبل.ثم قال أنتم بالأمس يعني في واقعة الجمل قد سمعتم أبا موسى ينهى أهل الكوفة

٣١١

عن نصرتي و يقول لهم هذه هي الفتنة التي وعدنا بها فقطعوا أوتار قسيكم و شيموا سيوفكم أي أغمدوها فإن كان صادقا فما باله سار إلي و صار معي في الصف و حضر حرب صفين و كثر سواد أهل العراق و إن لم يحارب و لم يسل السيف فإن من حضر في إحدى الجهتين و إن لم يحارب كمن حارب و إن كان كاذبا فيما رواه من خبر الفتنة فقد لزمته التهمة و قبح الاختلاف إليه في الحكومة و هذا يؤكد صحة إحدى الروايتين في أمر أبي موسى فإنه قد اختلفت الرواية هل حضر حرب صفين مع أهل العراق أم لا فمن قال حضر قال حضر و لم يحارب و ما طلبه اليمانيون من أصحاب علي ع ليجعلوه حكما كالأشعث بن قيس و غيره إلا و هو حاضر معهم في الصف و لم يكن منهم على مسافة و لو كان على مسافة لما طلبوه و لكان لهم فيمن حضر غناء عنه و لو كان على مسافة لما وافق علي ع على تحكيمه و لا كان علي ع ممن يحكم من لم يحضر معه.و قال الأكثرون إنه كان معتزلا للحرب بعيدا عن أهل العراق و أهل الشام.فإن قلت فلم لا يحمل قوله ع فإن كان صادقا فقد أخطأ بسيره غير مستكره على مسيره إلى أمير المؤمنين ع و أهل العراق حيث طلبوه ليفوضوا إليه أمر الحكومة قلت لو حملنا كلامه ع على هذا لم يكن لازما لأبي موسى و كان الجواب عنه هينا و ذلك لأن أبا موسى يقول إنما أنكرت الحرب و ما سرت لأحارب و لا لأشهد الحرب و لا أغري بالحرب و إنما سرت للإصلاح بين الناس و إطفاء نائرة الفتنة فليس يناقض ذلك ما رويته عن الرسول من خبر الفتنة و لا ما قلته في الكوفة في واقعة الجمل قطعوا أوتار قسيكم.

٣١٢

قوله ع فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد الله بن العباس يقال لمن يرام كفه عن أمر يتطاول له ادفع في صدره و ذلك لأن من يقدم على أمر ببدنه فيدفع دافع في صدره حقيقة فإنه يرده أو يكاد فنقل ذلك إلى الدفع المعنوي.قوله ع و خذوا مهل الأيام أي اغتنموا سعة الوقت و خذوه مناهبة قبل أن يضيق بكم أو يفوت.قوله ع و حوطوا قواصي الإسلام ما بعد من الأطراف و النواحي.ثم قال لهم أ لا ترون إلى بلادكم تغزى هذا يدل على أن هذه الخطبة بعد انقضاء أمر التحكيم لأن معاوية بعد أن تم على أبي موسى من الخديعة ما تم استعجل أمره و بعث السرايا إلى أعمال أمير المؤمنين علي ع.و تقول قد رمى فلان صفاة فلان إذا دهاه بداهية قال الشاعر:

و الدهر يوتر قوسه

يرمي صفاتك بالمعابل

و أصل ذلك الصخرة الملساء لا يؤثر فيها السهام و لا يرميها الرامي إلا بعد أن نبل غيرها يقول قد بلغت غارات أهل الشام حدود الكوفة التي هي دار الملك و سرير الخلافة و ذلك لا يكون إلا بعد الإثخان في غيرها من الأطراف

فصل في نسب أبي موسى و الرأي فيه عند المعتزلة

و نحن نذكر نسب أبي موسى و شيئا من سيرته و حاله نقلا من كتاب الإستيعاب لابن عبد البر المحدث و نتبع ذلك بما نقلناه من غير الكتاب المذكور قال ابن عبد البر هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضارة بن حرب بن عامر بن عنز بن بكر بن عامر

٣١٣

بن عذر بن وائل بن ناجية بن الجماهر بن الأشعر و هو نبت بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان و أمه امرأة من عك أسلمت و ماتت بالمدينة و اختلف في أنه هل هو من مهاجرة الحبشة أم لا و الصحيح أنه ليس منهم و لكنه أسلم ثم رجع إلى بلاد قومه فلم يزل بها حتى قدم هو و ناس من الأشعريين على رسول الله ص فوافق قدومهم قدوم أهل السفينتين جعفر بن أبي طالب و أصحابه من أرض الحبشة فوافوا رسول الله ص بخيبر فظن قوم أن أبا موسى قدم من الحبشة مع جعفر.و قيل إنه لم يهاجر إلى الحبشة و إنما أقبل في سفينة مع قوم من الأشعريين فرمت الريح سفينتهم إلى أرض الحبشة و خرجوا منها مع جعفر و أصحابه فكان قدومهم معا فظن قوم أنه كان من مهاجرة الحبشة.قال و ولاه رسول الله ص من مخاليف اليمن زبيد و ولاه عمر البصرة لما عزل المغيرة عنها فلم يزل عليها إلى صدر من خلافة عثمان فعزله عثمان عنها و ولاها عبد الله بن عامر بن كريز فنزل أبو موسى الكوفة حينئذ و سكنها فلما كره أهل الكوفة سعيد بن العاص و دفعوه عنها ولوا أبا موسى و كتبوا إلى عثمان يسألونه أن يوليه فأقره على الكوفة فلما قتل عثمان عزله علي ع عنها فلم يزل واجدا لذلك على علي ع حتى جاء منه ما قال حذيفة فيه فقد روى حذيفة فيه كلاما كرهت ذكره و الله يغفر له.قلت الكلام الذي أشار إليه أبو عمر بن عبد البر و لم يذكره قوله فيه و قد ذكر عنده بالدين أما أنتم فتقولون ذلك و أما أنا فأشهد أنه عدو لله و لرسوله و حرب لهما في الحياة الدنيا و يوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم و لهم اللعنة و لهم

٣١٤

سوء الدار و كان حذيفة عارفا بالمنافقين أسر إليه رسول الله ص أمرهم و أعلمه أسماءهم.و روي أن عمارا سئل عن أبي موسى فقال لقد سمعت فيه من حذيفة قولا عظيما سمعته يقول صاحب البرنس الأسود ثم كلح كلوحا علمت منه أنه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط.و روي عن سويد بن غفلة قال كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات في خلافة عثمان فروى لي خبرا عن رسول الله ص

قال سمعته يقول إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتى بعثوا حكمين ضالين ضلا و أضلا من اتبعهما و لا ينفك أمر أمتي حتى يبعثوا حكمين يضلان و يضلان من تبعهما فقلت له احذر يا أبا موسى أن تكون أحدهما قال فخلع قميصه و قال أبرأ إلى الله من ذلك كما أبرأ من قميصي هذا.فأما ما تعتقده المعتزلة فيه فأنا أذكر ما قاله أبو محمد بن متويه في كتاب الكفاية قالرحمه‌الله أما أبو موسى فإنه عظم جرمه بما فعله و أدى ذلك إلى الضرر الذي لم يخف حاله و كان علي ع يقنت عليه و على غيره

فيقول اللهم العن معاوية أولا و عمرا ثانيا و أبا الأعور السلمي ثالثا و أبا موسى الأشعري رابعا

روي عنه ع أنه كان يقول في أبي موسى صبغ بالعلم صبغا و سلخ منه سلخا.قال و أبو موسى هو الذي

روى عن النبي ص أنه قال كان في

٣١٥

بني إسرائيل حكمان ضالان و سيكون في أمتي حكمان ضالان ضال من اتبعهما.و أنه قيل له أ لا يجوز أن تكون أحدهما فقال لا أو كلاما ما هذا معناه فلما بلي به قيل فيه البلاء موكل بالمنطق و لم يثبت في توبته ما ثبت في توبة غيره و إن كان الشيخ أبو علي قد ذكر في آخر كتاب الحكمين أنه جاء إلى أمير المؤمنين ع في مرض الحسن بن علي فقال له أ جئتنا عائدا أم شامتا فقال بل عائدا و حدث بحديث في فضل العيادة.قال ابن متويه و هذه أمارة ضعيفة في توبته.انتهى كلام ابن متويه و ذكرته لك لتعلم أنه عند المعتزلة من أرباب الكبائر و حكمه حكم أمثاله ممن واقع كبيرة و مات عليها.قال أبو عمر بن عبد البر و اختلف في تاريخ موته فقيل سنة اثنتين و أربعين و قيل سنة أربع و أربعين و قيل سنة خمسين و قيل سنة اثنتين و خمسين.و اختلف في قبره فقيل مات بمكة و دفن بها و قيل مات بالكوفة و دفن بها

٣١٦

243 و من خطبة له ع يذكر فيها آل محمد ص

هُمْ عَيْشُ اَلْعِلْمِ وَ مَوْتُ اَلْجَهْلِ يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ وَ ظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ وَ صَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ حُكْمِ مَنْطِقِهِمْ لاَ يُخَالِفُونَ اَلْحَقَّ وَ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ هُمْ دَعَائِمُ اَلْإِسْلاَمِ وَ وَلاَئِجُ اَلاِعْتِصَامِ بِهِمْ عَادَ اَلْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ وَ اِنْزَاحَ اَلْبَاطِلُ عَنْ مُقَامِهِ مَقَامِهِ وَ اِنْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ عَقَلُوا اَلدِّينَ عَقْلَ وِعَايَةٍ وَ رِعَايَةٍ لاَ عَقْلَ سَمَاعٍ وَ رِوَايَةٍ فَإِنَّ رُوَاةَ اَلْعِلْمِ كَثِيرٌ وَ رُعَاتَهُ قَلِيلٌ يقول بهم يحيا العلم و يموت الجهل فسماهم حياة ذاك و موت هذا نظرا إلى السببية يدلكم حلمهم و صفحهم عن الذنوب على علمهم و فضائلهم و يدلكم ما ظهر منهم من الأفعال الحسنة على ما بطن من إخلاصهم و يدلكم صمتهم و سكوتهم عما لا يعنيهم عن حكمة منطقهم و يروى و يدلكم صمتهم على منطقهم و ليس في هذه الرواية لفظة حكم.لا يخالفون الحق لا يعدلون عنه و لا يختلفون فيه كما يختلف غيرهم من الفرق و أرباب المذاهب فمنهم من له في المسألة قولان و أكثر و منهم من يقول قولا ثم يرجع عنه و منهم من يرى في أصول الدين رأيا ثم ينفيه و يتركه.

٣١٧

و دعائم الإسلام أركانه.و الولائج جمع وليجة و هي الموضع يدخل إليه و يستتر فيه و يعتصم به.و عاد الحق إلى نصابه رجع إلى مستقره و موضعه و انزاح الباطل زال و انقطع لسانه انقطع حجته.عقلوا الدين عقل رعاية أي عرفوا الدين و علموه معرفة من وعى الشي‏ء و فهمه و أتقنه و وعاية أي وعوا الدين و حفظوه و حاطوه ليس كما يعقله غيرهم عن سماع و رواية فإن من يروي العلم و يسنده إلى الرجال و يأخذه من أفواه الناس كثير و من يحفظ العلم حفظ فهم و إدراك أصالة لا تقليدا قليل

تم الجزء الثالث عشر من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد و يليه الجزء الرابع عشر

٣١٨

الفهرس

کتاب شرح نهج البلاغة الجزء الثالث عشر ابن ابي الحديد 1

عبد الله بن زمعة و نسبه 10

ذكر من أرتج عليهم أو حصروا عند الكلام 13

ذكر طرف من سيرة النبي ع عند موته 27

من أشعار الشارح في المناجاة 50

فصل في ذكر أحوال الذرة و عجائب النملة 57

ذكر غرائب الجراد و ما احتوت عليه من صنوف الصنعة 67

قصة وقعت لأحد الوعاظ ببغداد 107

فصل في ذكر الأسباب التي دعت العرب إلى وأد البنات 174

استدلال قاضي القضاة على إمامة أبي بكر و رد المرتضى عليه 184

ذكر ما كان من صلة علي برسول الله في صغره 198

ذكر حال رسول الله في نشوئه 201

القول في إسلام أبي بكر و علي و خصائص كل منهما 215

وصية العباس قبل موته لعلي 297

فصل في نسب أبي موسى و الرأي فيه عند المعتزلة 313

الفهرس 319

٣١٩