كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٣

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 319

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 319
المشاهدات: 28456
تحميل: 5565


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 319 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28456 / تحميل: 5565
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 13

مؤلف:
العربية

ثعابين مصر لوثب عليها الذر حتى يأكلها و لا تكاد الحية تسلم من الذر إذا كان بها أدنى عقر.قال أبو عثمان و قد عذب الله بالذر و النمل أمما و أمما و أخرج أهل قرى من قراهم و أهل دروب من دروبهم.و حدثني بعض من أصدق خبره قال سألت رجلا كان ينزل ببغداد في بعض الدروب التي في ناحية باب الكوفة التي جلا أهلها عنها لغلبة النمل و الذر عليها فسألته عن ذلك فقال و ما تصنع بالحديث امض معي إلى داري التي أخرجني منها النمل قال فدخلتها معه فبعث غلامه فاشترى رءوسا من الرأسين ليتغذى بها فانتقلنا هربا من النمل في أكثر من عشرين مكانا ثم دعا بطست ضخمة و صب فيها ماء صالحا ثم فرق عظام الرءوس في الدار و معه غلمانه فكان كلما اسود منها عظم لكثرة النمل و اجتماعه عليه و ذلك في أسرع الأوقات أخذه الغلام ففرغه في الطست بعود ينثر به ما عليه في جوف الطست فما لبثنا مقدار ساعة من النهار حتى فاضت الطست نملا فقال كم تظن أني فعلت مثل هذا قبل الجلاء طمعا في أن أقطع أصلها فلما رأيت عددها إما زائدا و إما ثابتا و جاءنا ما لا يصبر عليه أحد و لا يمكن معه مقام خرجت عنها.قال أبو عثمان و عذب عمر بن هبيرة سعيد بن عمرو الحرشي بأنواع العذاب فقيل له إن أردت ألا يفلح أبدا فمرهم فلينفخوا في دبره النمل ففعلوا فلم يفلح بعدها.

٦١

قال أبو عثمان و من الحيوان أجناس يشبه الإنسان في العقل و الروية و النظر في العواقب و الفكر في الأمور مثل النمل و الذر و الفأر و الجرذان و العنكبوت و النحل إلا أن النحل لا يدخر من الطعم إلا جنسا واحدا و هو العسل.قال و زعم البقطري أنك لو أدخلت نملة في جحر ذر لأكلتها حتى تأتي على عامتها و ذكر أنه قد جرب ذلك.قال و زعم صاحب المنطق أن الضبع تأكل النمل أكلا ذريعا لأنها تأتي قرية النمل وقت اجتماع النمل على باب القرية فتلحس ذلك النمل كله بلسانها بشهوة شديدة و إرادة قوية.قال و ربما أفسدت الأرضة على أهل القرى منازلهم و أكلت كل شي‏ء لهم فلا تزال كذلك حتى ينشأ في تلك القرى النمل فيسلط الله عز و جل ذلك النمل على تلك الأرضة حتى تأتي على آخرها على أن النمل بعد ذلك سيكون له أذى إلا أنه دون أذى الأرضة بعيدا و ما أكثر ما يذهب النمل أيضا من تلك القرى حتى يتم لأهلها السلامة من النوعين جميعا.قال و قد زعم بعضهم أن تلك الأرضة بأعيانها تستحيل نملا و ليس فناؤها لأكل النمل لها و لكن الأرضة نفسها تستحيل نملا فعلى قدر ما يستحيل منها يرى الناس النقصان في عددها و مضرتها على الأيام.قال أبو عثمان و كان ثمامة يرى أن الذر صغار النمل و نحن نراه نوعا آخر كالبقر و الجواميس.قال و من أسباب هلاك النمل نبات أجنحته و قال الشاعر:

و إذا استوت للنمل أجنحة

حتى يطير فقد دنا عطبه

٦٢

و كان في كتاب عبد الحميد إلى أبي مسلم لو أراد الله بالنملة صلاحا لما أنبت لها جناحا فيقال إن أبا مسلم لما قرأ هذا الكلام في أول الكتاب لم يتم قراءته و ألقاه في النار و قال أخاف إن قرأته أن ينخب قلبي.قال أبو عثمان و يقتل النمل بأن يصب في أفواه بيوتها القطران و الكبريت الأصفر و أن يدس في أفواهها الشعر على أنا قد جربنا ذلك فوجدناه باطلا.فأما الحكماء فإنهم لا يثبتون للنمل شراسيف و لا أضلاعا و يجب إن صح قولهم أن يحمل كلام أمير المؤمنين ع على اعتقاد الجمهور و مخاطبة العرب بما تتخيله و تتوهمه حقا و كذلك لا يثبت الحكماء للنمل آذانا بارزة عن سطوح رءوسها و يجب إن صح ذلك أن نحمل كلام أمير المؤمنين ع على قوة الإحساس بالأصوات فإنه لا يمكن الحكماء إنكار وجود هذه القوة للنمل و لهذا إذا صيح عليهن هربن.و يذكر الحكماء من عجائب النمل أشياء منها أنه لا جلد له و كذلك كل الحيوان المخرز.و منها أنه لا يوجد في صقلية نمل كبار أصلا.و منها أن النمل بعضه ماش و بعضه طائر.و منها أن حراقة النمل إذا أضيف إليها شي‏ء من قشور البيض و ريش هدهد و علقت على العضد منعت من النوم قوله ع و لو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته أي غايات فكرك و ضربت بمعنى سرت و المذاهب الطرق قال تعالى وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي

٦٣

اَلْأَرْضِ و هذا الكلام استعارة.قال لو أمعنت النظر لعلمت أن خالق النملة الحقيرة هو خالق النخلة الطويلة لأن كل شي‏ء من الأشياء تفصيل جسمه و هيئته تفصيل دقيق و اختلاف تلك الأجسام في أشكالها و ألوانها و مقاديرها اختلاف غامض السبب فلا بد للكل من مدبر يحكم بذلك الاختلاف و يفعله على حسب ما يعلمه من المصلحة.ثم قال و ما الجليل و الدقيق في خلقه إلا سواء لأنه تعالى قادر لذاته لا يعجزه شي‏ء من الممكنات.ثم قال فانظر إلى الشمس و القمر إلى قوله و الألسن المختلفات هذا هو الاستدلال بإمكان الأعراض على ثبوت الصانع و الطرق إليه أربعة أحدها الاستدلال بحدوث الأجسام.و الثاني الاستدلال بإمكان الأعراض و الأجسام.و الثالث الاستدلال بحدوث الأعراض.و الرابع الاستدلال بإمكان الأعراض.و صورة الاستدلال هو أن كل جسم يقبل للجسمية المشتركة بينه و بين سائر الأجسام ما يقبله غيره من الأجسام فإذا اختلفت الأجسام في الأعراض فلا بد من مخصص خصص هذا الجسم بهذا العرض دون أن يكون هذا العرض لجسم آخر و يكون لهذا الجسم عرض غير هذا العرض لأن الممكنات لا بد لها من مرجح يرجح أحد طرفيها على الآخر فهذا هو معنى قوله فانظر إلى الشمس و القمر و النبات و الشجر و الماء و الحجر و اختلاف هذا الليل و النهار و تفجر هذه البحار و كثرة هذه الجبال و طول هذه القلال و تفرق هذه اللغات و الألسن المختلفات أي أنه يمكن أن تكون هيئة

٦٤

الشمس و ضوءها و مقدارها حاصلا لجرم القمر و يمكن أن يكون النبات الذي لا ساق له شجرا و الشجر ذو الساق نباتا و يمكن أن يكون الماء صلبا و الحجر مائعا و يمكن أن يكون زمان الليل مضيئا و زمان النهار مظلما و يمكن ألا تكون هذه البحار متفجرة بل تكون جبالا و يمكن ألا تكون هذه الجبال الكبيرة كبيرة و يمكن ألا تكون هذه القلال طويلة و كذلك القول في اللغات و اختلافها و إذا كان كل هذا ممكنا فاختصاص الجسم المخصوص بالصفات و الأعراض و الصور المخصوصة لا يمكن أن يكون لمجرد الجسمية لتماثل الأجسام فيها فلا بد من أمر زائد و ذلك الأمر الزائد هو المعني بقولنا صانع العالم.ثم سفه آراء المعطلة و قال إنهم لم يعتصموا بحجة و لم يحققوا ما وعوه أي لم يرتبوا العلوم الضرورية ترتيبا صحيحا يفضي بهم إلى النتيجة التي هي حق.ثم أخذ في الرد عليهم من طريق أخرى و هي دعوى الضرورة و قد اعتمد عليها كثير من المتكلمين فقال نعلم ضرورة أن البناء لا بد له من بان.ثم قال و الجناية لا بد لها من جان و هذه كلمة ساقته إليها القرينة و المراد عموم الفعلية لا خصوص الجناية أي مستحيل أن يكون الفعل من غير فاعل و الذين ادعوا الضرورة في هذه المسألة من المتكلمين استغنوا عن الطرق الأربع التي ذكرناها و أمير المؤمنين ع اعتمد أولا على طريق واحدة ثم جنح ثانيا إلى دعوى الضرورة و كلا الطريقين صحيح : وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِي اَلْجَرَادَةِ إِذْ خَلَقَ لَهَا عَيْنَيْنِ حَمْرَاوَيْنِ وَ أَسْرَجَ لَهَا

٦٥

حَدَقَتَيْنِ قَمْرَاوَيْنِ وَ جَعَلَ لَهَا اَلسَّمْعَ اَلْخَفِيَّ وَ فَتَحَ لَهَا اَلْفَمَ اَلسَّوِيَّ وَ جَعَلَ لَهَا اَلْحِسَّ اَلْقَوِيَّ وَ نَابَيْنِ بِهِمَا تَقْرِضُ وَ مِنْجَلَيْنِ بِهِمَا تَقْبِضُ يَرْهَبُهَا اَلزُّرَّاعُ فِي زَرْعِهِمْ وَ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ذَبَّهَا وَ لَوْ أَجْلَبُوا بِجَمْعِهِمْ حَتَّى تَرِدَ اَلْحَرْثَ فِي نَزَوَاتِهَا وَ تَقْضِي مِنْهُ شَهَوَاتِهَا وَ خَلْقُهَا كُلُّهُ لاَ يُكَوِّنُ إِصْبَعاً مُسْتَدِقَّةً فَتَبَارَكَ اَللَّهُ اَلَّذِي يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي اَلسَّمَوَاتِ وَ اَلْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ يُعَفِّرُ لَهُ خَدّاً وَ وَجْهاً وَ يُلْقِي إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ إِلَيْهِ سِلْماً وَ ضَعْفاً وَ يُعْطِي لَهُ اَلْقِيَادَ رَهْبَةً وَ خَوْفاً فَالطَّيْرُ مُسَخَّرَةٌ لِأَمْرِهِ أَحْصَى عَدَدَ اَلرِّيشِ مِنْهَا وَ اَلنَّفَسِ وَ أَرْسَى قَوَائِمَهَا عَلَى اَلنَّدَى وَ اَلْيَبَسِ وَ قَدَّرَ أَقْوَاتَهَا وَ أَحْصَى أَجْنَاسَهَا فَهَذَا غُرَابٌ وَ هَذَا عُقَابٌ وَ هَذَا حَمَامٌ وَ هَذَا نَعَامٌ دَعَا كُلَّ طَائِرٍ بِاسْمِهِ وَ كَفَلَ لَهُ بِرِزْقِهِ وَ أَنْشَأَ اَلسَّحَابَ اَلثِّقَالَ فَأَهْطَلَ دِيَمَهَا وَ عَدَّدَ قِسَمَهَا فَبَلَّ اَلْأَرْضُ بَعْدَ جُفُوفِهَا وَ أَخْرَجَ نَبْتَهَا بَعْدَ جُدُوبِهَا قوله و أسرج لها حدقتين أي جعلهما مضيئتين كما يضي‏ء السراج و يقال حدقة قمراء أي منيرة كما يقال ليلة قمراء أي نيرة بضوء القمر.و بهما تقرض أي تقطع و الراء مكسورة.و المنجلان رجلاها شبههما بالمناجل لعوجهما و خشونتهما.و يرهبها يخافها و نزواتها وثباتها و الجدب المحل

٦٦

ذكر غرائب الجراد و ما احتوت عليه من صنوف الصنعة

قال شيخنا أبو عثمان في كتاب الحيوان من عجائب الجرادة التماسها لبيضها الموضع الصلد و الصخور الملس ثقة منها أنها إذا ضربت بأذنابها فيها انفرجت لها و معلوم أن ذنب الجرادة ليس في خلقة المنشار و لا طرف ذنبه كحد السنان و لا لها من قوة الأسر و لا لذنبها من الصلابة ما إذا اعتمدت به على الكدية خرج فيها كيف و هي تتعدى إلى ما هو أصلب من ذلك و ليس في طرفها كإبرة العقرب و على أن العقرب ليس تخرق القمقم من جهد الأيد و قوة البدن بل إنما ينفرج لها بطبع مجعول هناك و كذاك انفراج الصخور لأذناب الجراد.و لو أن عقابا أرادت أن تخرق جلد الجاموس لما انخرق لها إلا بالتكلف الشديد و العقاب هي التي تنكدر على الذئب الأطلس فتقد بدابرتها ما بين صلاه إلى موضع الكاهل.فإذا غرزت الجرادة و ألقت بيضها و انضمت عليها تلك الأخاديد التي هي أحدثها و صارت كالأفاحيص لها صارت حاضنة لها و مربية و حافظة و صائنة و واقية حتى إذا جاء وقت دبيب الروح فيها حدث عجب آخر و ذلك لأنه يخرج من بيضه

٦٧

أصهب إلى البياض ثم يصفر و تتلون فيه خطوط إلى السواد ثم يصير فيه خطوط سود و بيض ثم يبدو حجم جناحه ثم يستقل فيموج بعضه في بعض.قال أبو عثمان و يزعم قوم أن الجراد قد يريد الخضرة و دونه النهر الجاري فيصير بعضه جسرا لبعض حتى يعبر إلى الخضرة و أن ذلك حيلة منها.و ليس كما زعموا و لكن الزحف الأول من الدباء يريد الخضرة فلا يستطيعها إلا بالعبور إليها فإذا صارت تلك القطعة فوق الماء طافية صارت لعمري أرضا للزحف الثاني الذي يريد الخضرة فإن سموا ذلك جسرا استقام فأما أن يكون الزحف الأول مهد للثاني و مكن له و آثره بالكفاية فهذا ما لا يعرف و لو أن الزحفين جميعا أشرفا على النهر و أمسك أحدهما عن تكلف العبور حتى يمهد له الآخر لكان لما قالوه وجه.قال أبو عثمان و لعاب الجراد سم على الأشجار لا يقع على شي‏ء إلا أحرقه.فأما الحكماء فيذكرون في كتبهم أن أرجل الجراد تقلع الثآليل و أنه إذا أخذت منه اثنتا عشرة جرادة و نزعت رءوسها و أطرافها و جعل معها قليل آس يابس و شربت للاستسقاء كما هي نفعت نفعا بينا و أن التبخر بالجراد ينفع من عسر البول و خاصة في النساء و أن أكله ينفع من تقطيره و قد يبخر به للبواسير و ينفع أكله من لسعة العقرب.و يقال إن الجراد الطوال إذا علق على من به حمى الربع نفعه

٦٨

232 و من خطبة له ع في التوحيد

و تجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة غيرها : مَا وَحَّدَهُ مَنْ كَيَّفَهُ وَ لاَ حَقِيقَتَهُ أَصَابَ مَنْ مَثَّلَهُ وَ لاَ إِيَّاهُ عَنَى مَنْ شَبَّهَهُ وَ لاَ صَمَدَهُ مَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ وَ تَوَهَّمَهُ كُلُّ مَعْرُوفٍ بِنَفْسِهِ مَصْنُوعٌ وَ كُلُّ قَائِمٍ فِي سِوَاهُ مَعْلُولٌ فَاعِلٌ لاَ بِاضْطِرَابِ آلَةٍ مُقَدِّرٌ لاَ بِجَوْلِ فِكْرَةٍ غَنِيٌّ لاَ بِاسْتِفَادَةٍ لاَ تَصْحَبُهُ اَلْأَوْقَاتُ وَ لاَ تَرْفِدُهُ اَلْأَدَوَاتُ سَبَقَ اَلْأَوْقَاتَ كَوْنُهُ وَ اَلْعَدَمَ وُجُودُهُ وَ اَلاِبْتِدَاءَ أَزَلُهُ أَوَّلُهُ هذا الفصل يشتمل على مباحث متعددة أولها قوله ما وحده من كيفه و هذا حق لأنه إذا جعله مكيفا جعله ذا هيئة و شكل أو ذا لون و ضوء إلى غيرهما من أقسام الكيف و متى كان كذلك كان جسما و لم يكن واحدا لأن كل جسم قابل للانقسام و الواحد حقا لا يقبل الانقسام فقد ثبت أنه ما وحده من كيفه.و ثانيها قوله و لا حقيقته أصاب من مثله و هذا حق لأنه تعالى لا مثل له و قد دلت الأدلة الكلامية و الحكمية على ذلك فمن أثبت له مثلا فإنه لم يصب

٦٩

حقيقته تعالى و السجعة الأخرى تعطي هذا المعنى أيضا من غير زيادة عليه و هي قوله ع و لا إياه عنى من شبهه و لهذا قال شيوخنا إن المشبه لا يعرف الله و لا تتوجه عباداته و صلواته إلى الله تعالى لأنه يعبد شيئا يعتقده جسما أو يعتقده مشابها لبعض هذه الذوات المحدثة و العبادة تنصرف إلى المعبود بالقصد فإذا قصد بها غير الله تعالى لم يكن قد عبد الله سبحانه و لا عرفه و إنما يتخيل و يتوهم أنه قد عرفه و عبده و ليس الأمر كما تخيل و توهم.و ثالثها قوله ع و لا صمده من أشار إليه أي أثبته في جهة كما تقول الكرامية الصمد في اللغة العربية السيد و الصمد أيضا الذي لا جوف له و صار التصميد في الاصطلاح العرفي عبارة عن التنزيه و الذي قال ع حق لأن من أشار إليه أي أثبته في جهة كما تقوله الكرامية فإنه ما صمده لأنه ما نزهه عن الجهات بل حكم عليه بما هو من خواص الأجسام و كذلك من توهمه سبحانه أي من تخيل له في نفسه صورة أو هيئة أو شكلا فإنه لم ينزهه عما يجب تنزيهه عنه.و رابعها قوله كل معروف بنفسه مصنوع هذا الكلام يجب أن يتأول و يحمل على أن كل معروف بالمشاهدة و الحس فهو مصنوع و ذلك لأن الباري سبحانه معروف من طريقين إحداهما من أفعاله و الأخرى بنفسه و هي طريقة الحكماء الذين بحثوا في الوجود من حيث هو وجود فعلموا أنه لا بد من موجود واجب الوجود فلم يستدلوا عليه بأفعاله بل أخرج لهم البحث في الوجود أنه لا بد من ذات يستحيل عدمها من حيث هي هي.فإن قلت كيف يحمل كلامه على أن كل معروف بالمشاهدة و الحس فهو مصنوع و هذا يدخل فيه كثير من الأعراض كالألوان و إذا دخل ذلك فسدت عليه الفقرة الثانية

٧٠

و هي قوله ع و كل قائم فيما سواه معلول لأنها للأعراض خاصة فيدخل أحد مدلول الفقرتين في الأخرى فيختل النظم قلت يريد ع بالفقرة الأولى كل معروف بنفسه من طريق المشاهدة مستقلا بذاته غير مفتقر في تقومه إلى غيره فهو مصنوع و هذا يختص بالأجسام خاصة و لا يدخل الألوان و غيرها من الأعراض فيه لأنها متقومة بمحالها.و خامسها قوله و كل قائم في سواه معلول أي و كل شي‏ء يتقوم بغيره فهو معلول و هذا حق لا محالة كالأعراض لأنها لو كانت واجبة لاستغنت في تقومها عن سواها لكنها مفتقرة إلى المحل الذي يتقوم به ذواتها فإذا هي معلولة لأن كل مفتقر إلى الغير فهو ممكن فلا بد له من مؤثر.و سادسها قوله فاعل لا باضطراب آلة هذا لبيان الفرق بينه و بيننا فإننا نفعل بالآلات و هو سبحانه قادر لذاته فاستغنى عن الآلة.و سابعها قوله مقدر لا بجول فكرة هذا أيضا للفرق بيننا و بينه لأنا إذا قدرنا أجلنا أفكارنا و ترددت بنا الدواعي و هو سبحانه يقدر الأشياء على خلاف ذلك.و ثامنها قوله غني لا باستفادة هذا أيضا للفرق بيننا و بينه لأن الغني منا من يستفيد الغنى بسبب خارجي و هو سبحانه غني بذاته من غير استفادة أمر يصير به غنيا و المراد بكونه غنيا أن كل شي‏ء من الأشياء يحتاج إليه و أنه سبحانه لا يحتاج إلى شي‏ء من الأشياء أصلا.و تاسعها قوله لا تصحبه الأوقات هذا بحث شريف جدا و ذلك لأنه سبحانه ليس بزمان و لا قابل للحركة فذاته فوق الزمان و الدهر أما المتكلمون فإنهم يقولون

٧١

إنه تعالى كان و لا زمان و لا وقت و أما الحكماء فيقولون إن الزمان عرض قائم بعرض آخر و ذلك العرض الآخر قائم بجسم معلول لبعض المعلولات الصادرة عنه سبحانه فالزمان عندهم و إن كان لم يزل إلا أن العلة الأولى ليست واقعة تحته و ذلك هو المراد بقوله لا تصحبه الأوقات إن فسرناه على قولهم و تفسيره على قول المتكلمين أولى.و عاشرها قوله و لا ترفده الأدوات رفدت فلانا إذا أعنته و المراد الفرق بيننا و بينه لأننا مرفودون بالأدوات و لولاها لم يصح منا الفعل و هو سبحانه بخلاف ذلك.و حادي عشرها قوله سبق الأوقات كونه إلى آخر الفصل هذا تصريح بحدوث العالم.فإن قلت ما معنى قوله و العدم وجوده و هل يسبق وجوده العدم مع كون عدم العالم في الأزل لا أول له قلت ليس يعني بالعدم هاهنا عدم العالم بل عدم ذاته سبحانه أي غلب وجود ذاته عدمها و سبقها فوجب له وجود يستحيل تطرق العدم إليه أزلا و أبدا بخلاف الممكنات فإن عدمها سابق بالذات على وجودها و هذا دقيق : بِتَشْعِيرِهِ اَلْمَشَاعِرَ عُرِفَ أَنْ لاَ مَشْعَرَ لَهُ وَ بِمُضَادَّتِهِ بَيْنَ اَلْأُمُورِ عُرِفَ أَنْ لاَ ضِدَّ لَهُ وَ بِمُقَارَنَتِهِ بَيْنَ اَلْأَشْيَاءِ عُرِفَ أَنْ لاَ قَرِينَ لَهُ ضَادَّ اَلنُّورَ بِالظُّلْمَةِ وَ اَلْوُضُوحَ بِالْبُهْمَةِ وَ اَلْجُمُودَ بِالْبَلَلِ وَ اَلْحَرُورَ بِالصَّرَدِ بِالصَّرْدِ

٧٢

مُؤَلِّفٌ بَيْنَ مُتَعَادِيَاتِهَا مُقَارِنٌ بَيْنَ مُتَبَايِنَاتِهَا مُقَرِّبٌ بَيْنَ مُتَبَاعِدَاتِهَا مُفَرِّقٌ بَيْنَ مُتَدَانِيَاتِهَا لاَ يُشْمَلُ بِحَدٍّ وَ لاَ يُحْسَبُ بِعَدٍّ وَ إِنَّمَا تَحُدُّ اَلْأَدَوَاتُ أَنْفُسَهَا وَ تُشِيرُ اَلآْلاَتُ إِلَى نَظَائِرِهَا المشاعر الحواس قال بلعاء بن قيس:

و الرأس مرتفع فيه مشاعره

يهدي السبيل له سمع و عينان

قال بجعله تعالى المشاعر عرف أن لا مشعر له و ذلك لأن الجسم لا يصح منه فعل الأجسام و هذا هو الدليل الذي يعول عليه المتكلمون في أنه تعالى ليس بجسم.ثم قال و بمضادته بين الأمور عرف أن لا ضد له و ذلك لأنه تعالى لما دلنا بالعقل على أن الأمور المتضادة إنما تتضاد على موضوع تقوم به و تحله كان قد دلنا على أنه تعالى لا ضد له لأنه يستحيل أن يكون قائما بموضوع يحله كما تقوم المتضادات بموضوعاتها.ثم قال و بمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له و ذلك لأنه تعالى قرن بين العرض و الجوهر بمعنى استحالة انفكاك أحدهما عن الآخر و قرن بين كثير من الأعراض نحو ما يقوله أصحابنا في حياتي القلب و الكبد و نحو الإضافات التي يذكرها الحكماء كالبنوة و الأبوة و الفوقية و التحتية و نحو كثير من العلل و المعلولات و الأسباب و المسببات فيما ركبه في العقول من وجوب هذه المقارنة و استحالة انفكاك أحد الأمرين

٧٣

عن الآخر علمنا أنه لا قرين له سبحانه لأنه لو قارن شيئا على حسب هذه المقارنة لاستحال انفكاكه عنه فكان محتاجا في تحقق ذاته تعالى إليه و كل محتاج ممكن فواجب الوجود ممكن هذا محال.ثم شرع في تفصيل المتضادات فقال ضاد النور بالظلمة و هما عرضان عند كثير من الناس و فيهم من يجعل الظلمة عدمية.قال و الوضوح بالبهمة يعني البياض و السواد.قال و الجمود بالبلل يعني اليبوسة و الرطوبة.قال و الحرور بالصرد يعني الحرارة و البرودة و الحرور هاهنا مفتوح الحاء يقال إني لأجد لهذا الطعام حرورا و حرورة في فمي أي حرارة و يجوز أن يكون في الكلام مضاف محذوف أي و حرارة الحرور بالصرد و الحرور هاهنا يكون الريح الحارة و هي بالليل كالسموم بالنهار و الصرد البرد.ثم قال و إنه تعالى مؤلف بين هذه المتباعدات المتعاديات المتباينات و ليس المراد من تأليفه بينها جمعه إياها في مكان واحد كيف و ذلك مستحيل في نفسه بل هو سبحانه مؤلف لها في الأجسام المركبة حتى خلع منها صورة مفردة هي المزاج ألا ترى أنه جمع الحار و البارد و الرطب و اليابس فمزجه مزجا مخصوصا حتى انتزع منه طبيعة مفردة ليست حارة مطلقة و لا باردة مطلقة و لا رطبة مطلقة و لا يابسة مطلقة و هي المزاج و هو محدود عند الحكماء بأنه كيفية حاصلة من كيفيات متضادة و هذا هو محصول كلامه ع بعينه.و العجب من فصاحته في ضمن حكمته كيف أعطى كل لفظة من هذه اللفظات ما يناسبها و يليق بها فأعطى المتباعدات لفظة مقرب لأن البعد بإزاء القرب

٧٤

و أعطى المتباينات لفظة مقارن لأن البينونة بإزاء المقارنة و أعطى المتعاديات لفظة مؤلف لأن الائتلاف بإزاء التعادي.ثم عاد ع فعكس المعنى فقال مفرق بين متدانياتها فجعل الفساد بإزاء الكون و هذا من دقيق حكمته ع و ذلك لأن كل كائن فاسد فلما أوضح ما أوضح في الكون و التركيب و الإيجاد أعقبه بذكر الفساد و العدم فقال مفرق بين متدانياتها و ذلك لأن كل جسم مركب من العناصر المختلفة الكيفيات المتضادة الطبائع فإنه سيئول إلى الانحلال و التفرق.ثم قال لا يشمل بحد و ذلك لأن الحد الشامل ما كان مركبا من جنس و فصل و الباري تعالى منزه عن ذلك لأنه لو شمله الحد على هذا الوجه يكون مركبا فلم يكن واجب الوجود و قد ثبت أنه واجب الوجود و يجوز أن يعنى به أنه ليس بذي نهاية فتحويه الأقطار و تحده.ثم قال و لا يحسب بعد يحتمل أن يريد لا تحسب أزليته بعد أي لا يقال له منذ وجد كذا و كذا كما يقال للأشياء المتقاربة العهد و يحتمل أن يريد به أنه ليس مماثلا للأشياء فيدخل تحت العدد كما تعد الجواهر و كما تعد الأمور المحسوسة.ثم قال و إنما تحد الأدوات أنفسها و تشير الآلات إلى نظائرها هذا يؤكد معنى التفسير الثاني و ذلك لأن الأدوات كالجوارح إنما تحد و تقدر ما كان مثلها من ذوات المقادير و كذلك إنما تشير الآلات و هي الحواس إلى ما كان نظيرا لها في الجسمية و لوازمها و الباري تعالى ليس بذي مقدار و لا جسم و لا حال في جسم فاستحال أن تحده الأدوات و تشير إليه الآلات

٧٥

مَنَعَتْهَا مُنْذُ اَلْقِدْمَةَ وَ حَمَتْهَا قَدْ اَلْأَزَلِيَّةَ وَ جَنَّبَتْهَا لَوْلاَ اَلتَّكْمِلَةَ بِهَا تَجَلَّى صَانِعُهَا لِلْعُقُولِ وَ بِهَا اِمْتَنَعَ عَنْ نَظَرِ اَلْعُيُونِ وَ لاَ يَجْرِي تَجْرِي عَلَيْهِ اَلْحَرَكَةُ وَ اَلسُّكُونُ اَلسُّكُونُ وَ اَلْحَرَكَةُ وَ كَيْفَ يَجْرِي عَلَيْهِ مَا هُوَ أَجْرَاهُ وَ يَعُودُ فِيهِ مَا هُوَ أَبْدَاهُ وَ يَحْدُثُ فِيهِ مَا هُوَ أَحْدَثَهُ إِذاً لَتَفَاوَتَتْ ذَاتُهُ وَ لَتَجَزَّأَ كُنْهُهُ وَ لاَمْتَنَعَ مِنَ اَلْأَزَلِ مَعْنَاهُ وَ لَكَانَ لَهُ وَرَاءٌ إِذْ وُجِدَ لَهُ أَمَامٌ وَ لاَلْتَمَسَ اَلتَّمَامَ إِذْ لَزِمَهُ اَلنُّقْصَانُ وَ إِذاً لَقَامَتْ آيَةُ اَلْمَصْنُوعِ فِيهِ وَ لَتَحَوَّلَ دَلِيلاً بَعْدَ أَنْ كَانَ مَدْلُولاً عَلَيْهِ وَ خَرَجَ بِسُلْطَانِ اَلاِمْتِنَاعِ مِنْ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ مَا يُؤَثِّرُ فِي غَيْرِهِ قد اختلف الرواة في هذا الموضع من وجهين أحدهما قول من نصب القدمة و الأزلية و التكملة فيكون نصبها عنده على أنها مفعول ثان و المفعول الأول الضمائر المتصلة بالأفعال و تكون منذ و قد و لو لا في موضع رفع بأنها فاعلة و تقدير الكلام أن إطلاق لفظة منذ على الآلات و الأدوات يمنعها عن كونها قديمة لأن لفظة منذ وضعت لابتداء الزمان كلفظة من لابتداء المكان و القديم لا ابتداء له و كذلك إطلاق لفظة قد على الآلات و الأدوات تحميها و تمنعها من كونها أزلية لأن قد لتقريب الماضي من الحال تقول قد قام زيد فقد دل على أن قيامه قريب من الحال التي أخبرت فيها

٧٦

بقيامه و الأزلي لا يصح ذلك فيه و كذلك إطلاق لفظة لو لا على الأدوات و الآلات يجنبها التكملة و يمنعها من التمام المطلق لأن لفظة لو لا وضعت لامتناع الشي‏ء لوجود غيره كقولك لو لا زيد لقام عمرو فامتناع قيام عمرو إنما هو لوجود زيد و أنت تقول في الأدوات و الآلات و كل جسم ما أحسنه لو لا أنه فان و ما أتمه لو لا كذا فيكون المقصد و المنحى بهذا الكلام على هذه الرواية بيان أن الأدوات و الآلات محدثة ناقصة و المراد بالآلات و الأدوات أربابها.الوجه الثاني قول من رفع القدمة و الأزلية و التكملة فيكون كل واحد منها عنده فاعلا و تكون الضمائر المتصلة بالأفعال مفعولا أولا و منذ و قد و لو لا مفعولا ثانيا و يكون المعنى أن قدم الباري و أزليته و كماله منعت الأدوات و الآلات من إطلاق لفظة منذ و قد و لو لا عليه سبحانه لأنه تعالى قديم كامل و لفظتا منذ و قد لا يطلقان إلا على محدث لأن إحداهما لابتداء الزمان و الأخرى لتقريب الماضي من الحال و لفظة لو لا لا تطلق إلا على ناقص فيكون المقصد و المنحى بهذا الكلام على هذه الرواية بيان قدم الباري تعالى و كماله و أنه لا يصح أن يطلق عليه ألفاظ تدل على الحدوث و النقص.قوله ع بها تجلى صانعها للعقول و بها امتنع عن نظر العيون أي بهذه الآلات و الأدوات التي هي حواسنا و مشاعرنا و بخلقه إياها و تصويره لها تجلى للعقول و عرف لأنه لو لم يخلقها لم يعرف و بها امتنع عن نظر العيون أي بها استنبطنا استحالة كونه مرئيا بالعيون لأنا بالمشاعر و الحواس كملت عقولنا و بعقولنا استخرجنا الدلالة على أنه لا تصح رؤيته فإذن بخلقه الآلات و الأدوات لنا عرفناه عقلا و بذلك

٧٧

أيضا عرفنا أنه يستحيل أن يعرف بغير العقل و أن قول من قال إنا سنعرفه رؤية و مشافهة بالحاسة باطل.قوله ع لا تجري عليه الحركة و السكون هذا دليل أخذه المتكلمون عنه ع فنظموه في كتبهم و قرروه و هو أن الحركة و السكون معان محدثة فلو حلت فيه لم يخل منها و ما لم يخل من المحدث فهو محدث.فإن قلت إنه ع لم يخرج كلامه هذا المخرج و إنما قال كيف يجري عليه ما هو أجراه و هذا نمط آخر غير ما يقرره المتكلمون قلت بل هو هو بعينه لأنه إذا ثبت أنه هو الذي أجرى الحركة و السكون أي أحدثهما لم يجز أن يجريا عليه لأنهما لو جريا عليه لم يخل إما أن يجريا عليه على التعاقب و ليسا و لا واحد منهما بقديم أو يجريا عليه على أن أحدهما قديم ثم تلاه الآخر و الأول باطل بما يبطل به حوادث لا أول لها و الثاني باطل بكلامه ع و ذلك لأنه لو كان أحدهما قديما معه سبحانه لما كان أجراه لكن قد قلنا أنه أجراه أي أحدثه و هذا خلف محال و أيضا فإذا كان أحدهما قديما معه لم يجز أن يتلوه الآخر لأن القديم لا يزول بالمحدث.ثم قال ع إذا لتفاوتت ذاته و لتجزأ كنهه و لامتنع من الأزل معناه هذا تأكيد لبيان استحالة جريان الحركة و السكون عليه تقول لو صح عليه ذلك لكان محدثا و هو معنى قوله لامتنع من الأزل معناه و أيضا كان ينبغي أن تكون ذاته منقسمة لأن المتحرك الساكن لا بد أن يكون متحيزا و كل متحيز جسم و كل جسم منقسم أبدا و في هذا إشارة إلى نفي الجوهر الفرد.

٧٨

ثم قال ع و لكان له وراء إذا وجد له أمام هذا يؤكد ما قلناه إنه إشارة إلى نفي الجوهر الفرد يقول لو حلته الحركة لكان جرما و حجما و لكان أحد وجهيه غير الوجه الآخر لا محالة فكان منقسما و هذا الكلام لا يستقيم إلا مع نفي الجوهر الفرد لأن من أثبته يقول يصح أن تحله الحركة و لا يكون أحد وجهيه غير الآخر فلا يلزم أن يكون له وراء و أمام.ثم قال ع و لا التمس التمام إذ لزمه النقصان هذا إشارة إلى ما يقوله الحكماء من أن الكون عدم و نقص و الحركة وجود و كمال فلو كان سبحانه يتحرك و يسكن لكان حال السكون ناقصا قد عدم عنه كماله فكان ملتمسا كماله بالحركة الطارئة على السكون و واجب الوجود يستحيل أن يكون له حالة نقصان و أن يكون له حالة بالقوة و أخرى بالفعل.قوله ع إذا لقامت آية المصنوع فيه و ذلك لأن آية المصنوع كونه متغيرا منتقلا من حال إلى حال لأنا بذلك استدللنا على حدوث الأجسام فلو كان تعالى متغيرا متحركا منتقلا من حال إلى حال لتحقق فيه دليل الحدوث فكان مصنوعا و قد ثبت أنه الصانع المطلق سبحانه.قوله ع و لتحول دليلا بعد أن كان مدلولا عليه يقول إنا وجدنا دليلنا على الباري سبحانه أنما هو الأجسام المتحركة فلو كان الباري متحركا لكان دليلا على غيره و كان فوقه صانع آخر صنعه و أحدثه لكنه سبحانه لا صانع له و لا ذات فوق ذاته فهو المدلول عليه و المنتهى إليه.قوله ع و خرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما أثر في غيره في هذا الكلام يتوهم سامعه أنه عطف على قوله لتفاوتت و لتجزأ و لامتنع

٧٩

و لكان له و لالتمس و لقامت و لتحول و ليس كذلك لأنه لو كان معطوفا عليها لاختل الكلام و فسد لأنها كلها مستحيلات عليه تعالى و المراد لو تحرك لزم هذه المحالات كلها.و قوله و خرج بسلطان الامتناع ليس من المستحيلات عليه بل هو واجب له و من الأمور الصادقة عليه فإذا فسد أن يكون معطوفا عليها وجب أن يكون معطوفا على ما كان مدلولا عليه و تقدير الكلام كان يلزم أن يتحول الباري دليلا على غيره بعد أن كان مدلولا عليه و بعد أن خرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما أثر في غيره و خروجه بسلطان الامتناع المراد به وجوب الوجود و التجريد و كونه ليس بمتحيز و لا حال في المتحيز فهذا هو سلطان الامتناع الذي به خرج عن أن يؤثر فيه ما أثر في غيره من الأجسام و الممكنات : اَلَّذِي لاَ يَحُولُ وَ لاَ يَزُولُ وَ لاَ يَجُوزُ عَلَيْهِ اَلْأُفُولُ لَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوْلُوداً وَ لَمْ يُولَدْ فَيَصِيرَ مَحْدُوداً جَلَّ عَنِ اِتِّخَاذِ اَلْأَبْنَاءِ وَ طَهُرَ عَنْ مُلاَمَسَةِ اَلنِّسَاءِ لاَ تَنَالُهُ اَلْأَوْهَامُ فَتُقَدِّرَهُ وَ لاَ تَتَوَهَّمُهُ اَلْفِطَنُ فَتُصَوِّرَهُ وَ لاَ تُدْرِكُهُ اَلْحَوَاسُّ فَتُحِسَّهُ وَ لاَ تَلْمِسُهُ اَلْأَيْدِي فَتَمَسَّهُ وَ لاَ يَتَغَيَّرُ بِحَالٍ وَ لاَ يَتَبَدَّلُ فِي اَلْأَحْوَالِ وَ لاَ تُبْلِيهِ اَللَّيَالِي وَ اَلْأَيَّامُ وَ لاَ يُغَيِّرُهُ اَلضِّيَاءُ وَ اَلظَّلاَمُ هذا الفصل كله واضح مستغن عن الشرح إلا قوله ع لم يلد

٨٠