الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية17%

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 326

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية
  • البداية
  • السابق
  • 326 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152801 / تحميل: 9978
الحجم الحجم الحجم
الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وقال الفضل اخذ يوماً شيخي بيدي وذهب بي الى ابن ابي عمير فصعدنا اليه في غرفة وحوله مشائخ له يعظمونه ويبجلونه، فقلت لأبي: من هذا، قال هذا ابن ابي عمير قلت: الرجل الصالح العابد؟ قال نعم.

وروى ان هارون الرشيد انفذ الى موسى بن جعفرعليه‌السلام جارية حصيفة(١) لها جمال ووضاءة لتخدمه في السجن، وانفذ الخادم اليه ليستفحص عن حالها فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها تقول: قدوس قدوس سبحانك سبحانك سبحانك، فأتى بها وهي ترعد شاخصة الى السماء بصرها، واقبلت في الصلاة، فاذا قيل لها في ذلك، قالت هكذا رأيت العبد الصالح فما زالت كذلك حتى ماتت.

فصل فيما جرى عليه عليه السلام من الرشيد

قبض الرشيد على موسى بن جعفرعليه‌السلام سنة ١٧٩ تسع وسبعين ومئة في سفره إلى مكة المعظمة، وهو عند رأس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائماً يصلي، فقطع عليه صلاته وحمل وهو يبكي ويقول اليك أشكو يا رسول اللّه ما القى، واقبل الناس من كل جانب يبكون ويضجون، فلما حمل الى بين يدي الرشيد سلم على الرشيد فلم يرد عليه السلام وشتمه وجفاه وقيده، فلما جن عليه الليل امر بقبتين فهيِّئتا له فحمل موسى بن جعفرعليه‌السلام الى إحداهما في خفاء ودفعه الى حسان السروي وامره ان يسير به في قبة الى البصرة فيسلمه الى عيسى بن جعفر بن ابي جعفر، وهو اميرها، ووجه قبة اخرى علانية نهاراً الى الكوفة معها جماعة ليعمى على الناس امر موسى بن جعفر، فقدم حسان البصرة قبل التروية

____________________

(١) بمهملتين (منه) يعني مُحكمة العقل.

١٦١

بيوم فدفعه الى عيسى بن جعفر بن ابي جعفر نهاراً علانية حتى عرف ذلك وشاع امره، فحبسه عيسى في بيت من بيوت المحبس الذي كان يحبس فيه، واقفل عليه وشغله عنه العيد، فكان لا يفتح عنه الباب الا في حالتين، حال يخرج فيها الى الطهور وحال يدخل اليه فيها الطعام، قال نصراني من كتاب عيسى: لقد سمع هذا الرجل الصالح في ايامه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش والمناكير ما اعلم ولا اشك انه لم يخطر بباله، وروي انه حبسه عنده سنة ثم كتب الى الرشيد ان خذه مني وسلمه الى من شئت والا خليت سبيله، فقد اجتهدت بان اجد عليه حجة فما اقدر على ذلك، حتى اني لأتسمَّع عليه اذا دعا لعله يدعو عليَّ او عليك فما اسمعه يدعو الا لنفسه يسأل الرحمة والمغفرة، فوجّه من تسلمه منه وحُمل سراً الى بغداد وروي انه لما حمل الى بغداد كان ذلك في رجب يوم المبعث سنة تسع وسبعين ومئة.

قال الراوي: ولما حمل الى بغداد حبسه الرشيد عند الفضل بن الربيع، فبقَي عنده مدة طويلة، واراده الرشيد على شيء من أمره، فابى، فكتب بتسليمهعليه‌السلام الى الفضل بن يحيى فتسلمه منه وأراد ذلك منه فلم يفعل وبلغه انه عنده في رفاهية وسعة وهو حينئذ بالرقة، فكتب الى العباس بن محمد والسندي بن شاهك في ذلك على يد مسرور الخادم، فدعا العباس بسياط وعقابين وامر بالفضل فجرِّد وضربه السنّدي بين يديه مئة سوط، وكتب مسرور بالخبر الى الرشيد، فأمر بتسليم موسىعليه‌السلام الى السندي بن شاهك، فلم يزل (سلام اللّه عليه) ينقل من سجن الى سجن حتى نقل الى حبس السندي بن شاهك الملعون.

وفي الدر النظيم قال: قال السندي بن شاهك: وافى خادم من قبل الرشيد الى ابي الحسنعليه‌السلام وهو محبوس عندي، فدخلت معه وقد كان قال له تعرف خبره، فوقف الخادم فقال: ما لك، فقال: بعثني الخليفة لأعرف خبرك، قال، فقال: قل له يا هارون ما من يوم ضراء انقضى عني الا انقضى عنك من السراء مثله حتى نجتمع انا وانت في دار يخسر فيها المبطلون، قال الفضل بن الربيع عن ابيه، قال: بعثني هارون الى

١٦٢

ابي الحسنعليه‌السلام برسالة وهو في حبس السندي بن شاهك، فدخلت عليه وهو يصلّي فهبته ان اجلس، فوقفت متكئاً على سيفي فكانعليه‌السلام اذا صلى ركعتين وسلم واصل بركعتين أخراوَين، فلما طال وقوفي وخفت ان يسأل عني هارون وحانت منه تسليمة فشرعت في الكلام فامسك، وقد كان قال لي هارون لا تقل بعثني امير المؤمنين اليك ولكن قل بعثني اخوك وهو يقرئك السلام ويقول لك انه بلغني عنك اشياء اقلقتني فاقدمتك اليّ وفحصت عن ذلك فوجدتك نقيَّ الجيب بريئاً من العيب مكذوباً عليك فيما رميت به ففكرت بين اصرافك الى منزلك ومقامك ببابي فوجدت مقامك ببابي ابرأ لصدري وأكذب لقول المسرعين فيك ولكل انسان غذاء قد اغتذاه والفت عليه طبيعته، ولعلك اغتذيت بالمدينة اغذية لا تجد من يصنعها لك ها هنا وقد امرت الفضل ان يقيم لك من ذلك ما شئت فمره بما احببت وانبسط فيما تريده، قال فجعلعليه‌السلام الجواب في كلمتين من غير ان يلتفت اليّ فقال: لا حاضر مالي فينفعني ولم اخلق سؤولاً، اللّه اكبر، ودخل في الصلاة، قال فرجعت الى هارون فاخبرته فقال لي: فما ترى في أمره، فقلت: يا سيدي لو خططت في الأرض خطة فدخل فيها ثم قال لا اخرج منها ما خرج منها، قال هو كما قلت ولكن مقامه عندي احب الي.

وروى غيره قال: قال هارون: اياك ان تخبر بهذا أحداً، قال فما اخبرت به احداً حتى مات هارون.

وروى الشيخ عن محمد بن غياث في خبر، قال: قال هارون ليحيى بن خالد انطلق اليهعليه‌السلام واطلق عنه الحديد وابلغه عني السلام وقل له يقول لك ابن عمك انه قد سبق مني فيك يمين انّي لا اخليك حتى تقر لي بالإِساءة وتسألني العفو عما سلف منك وليس عليك في اقرارك عار ولا في مسألتك اياي منقصة وهذا يحيى بن خالد هو ثقتي ووزيري وصاحب أمري، فسله بقدر ما اخرج من يميني وانصرف راشداً، قال محمد بن غياث فاخبرني موسى بن يحيى بن خالد ان ابا ابراهيم قال

١٦٣

ليحيى: يا ابا عليّ انا ميت وانما بقي من اجلي اسبوع. الخ.

قال الراوي وجلس الرشيد مجلساً حافلاً، وقال: ايها الناس ان الفضل بن يحيى قد عصاني وخالف طاعتي ورأيت ان ألعنه فالعنوه، فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج البيت والدار بلعنه، وبلغ يحيى بن خالد فركب الى الرشيد ودخل من غير الباب الذي يدخل الناس منه حتى جاءه من خلفه وهو لا يشعر، ثم قال التفت اليّ يا امير المؤمنين فاصغى اليه فزعاً، فقال له: ان الفضل حدث وانا اكفيك ما تريد، فانطلق وجهه وسر واقبل على الناس، فقال: ان الفضل كان عصاني في شيء فلعنته وقد تاب واناب الى طاعتي فتولوه، فقالوا نحن اولياء من واليت واعداء من عاديت، وقد توليناه، ثم خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد حتى اتى بغداد فماج(١) الناس وارجفوا(٢) بكل شيء، فاظهر انه ورد لتعديل السواد والنظر في امر العمال وتشاغل ببعض ذلك ودعا السنديَّ فامره فيه بامره فامتثله، وروى انه بعث يحيى بن خالد الى موسى بن جعفرعليه‌السلام بالرطب والريحان المسمومين، وفي رواية انه سمه في ثلاثين رطبة، قال الراوي: ثم ان السندي بن شاهك احضر القضاة والعدول وذلك قبل وفاة موسىعليه‌السلام بايام واخرجهعليه‌السلام اليهم وقال ان الناس يقولون ان ابا الحسن موسى في ضنك(٣) وضر وها هوذا لا علة به ولا مرض ولا ضر، فالتفتعليه‌السلام فقال لهم: اشهدوا عليّ أني مقتول بالسم منذ ثلاثة ايام، اشهدوا أني صحيح الظاهر لكني مسموم وساحمر في آخر هذا اليوم حمرة شديدة منكرة واصفر غداً صفرة شديدة وابيض بعد غد وأمضي الى رحمة اللّه ورضوانه.

____________________

(١) ماج القوم دخل بعضهم في بعض.

(٢) أي خاضوا فيه.

(٣) أي ضيق.

١٦٤

وروى الصدوق عن الحسن بن محمد بن بشار قال: حدثني شيخ من اهل قطيعة الربيع من العامة ممن كان يقبل قوله، قال: قال لي قد رأيت بعض من يقرون بفضله من اهل هذا البيت فما رأيت مثله قط في نسكه وفضله، قال: قلت من وكيف رأيته؟ قال: جمعنا ايام السندي بن شاهك ثمانين رجلاً من الوجوه ممن ينسب الى الخير، فادخلنا على موسى بن جعفرعليه‌السلام ، فقال لنا السندي يا هؤلاء انظروا الى هذا الرجل هل حدث به حدث فان الناس يزعمون انه قد فُعِلَ مكروه به ويكثرون في ذلك وهذا منزله وفرشه موسَّع عليه غير مضيق ولم يرد به امير المؤمنين سوءاً وانما ينتظره ان يقدم فيناظره امير المؤمنين، وها هو ذا صحيح موسع عليه في جميع امره، فاسألوه، قال ونحن ليس لنا هم الا النظر الى الرجل والى فضله وسمته(١) ، فقالعليه‌السلام اما ما ذكر من التوسعة وما اشبه ذلك فهو على ما ذكر غير اني اخبركم ايها النفر اني قد سقيت السم في تسع تمرات، واني احتضر غداً وبعد غد أموت، قال: فنظرت الى السندي بن شاهك يرتعد ويضطرب مثل السعفة، قال الحسن وكان هذا الشيخ من خيار العامة، شيخ صدوق مقبول القول ثقة جداً عند الناس.

وروي انه لما كان من الغد جاء به الطبيب، فقال له ما حالك، فتغافل عنه، فلما اكثر عليه عرض عليه خضرة في بطن راحته، وكان السم الذي سم به قد اجتمع في ذلك الموضع ثم قال له هذه علّتي، فانصرف الطبيب اليهم وقال واللّه لهو اعلم بما فعلتم به منكم، ثم توفيعليه‌السلام .

وروى القطب الراوندي عن محمد بن الفضل الهاشمي قال: اني اتيت موسى بن جعفرعليه‌السلام قبل وفاته بيوم واحد فقال اني ميت لا محالة فاذا واريتني في لحدي فلا تقيمنَّ، وتوجه الى المدينة بودائعي هذه وأوصلها الى عليّ بن موسىعليه‌السلام فهو وصيي وصاحب الأمر بعدي ففعلت ما أمرني به وأوصلت الودائع اليه.

____________________

(١) السمت: الطريق والخلق.

١٦٥

قال الشيخ المفيد وروي انه لما حضرته الوفاة سأل السندي بن شاهك ان يحضره مولى له مدنيا ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولى غسله وتكفينه ففعل ذلك، قال السندي فكنت سألته في الاذن لي ان اكفنه، فأبى وقال: انّا اهل بيت، مهور نسائنا وحج صرورتنا(١) واكفان موتانا من طاهر اموالنا وعندي كفن اريد ان يتولّى غسلي وجهازي مولاي فلان فتولى ذلك منه.

فصل في وفاته عليه السلام

قبض موسى بن جعفرعليه‌السلام مسموماً ببغداد، في حبس السندي بن شاهك في الخامس والعشرين من رجب(٢) سنة ١٨٣ هجري ثلاث وثمانين ومئة(٣) .

روي عن عمر بن واقد، قال: أرسل الي السندي بن شاهك في بعض الليل وانا ببغداد يستحضرني فخشيت ان يكون ذلك لسوء يريده بي فاوصيت عيالي بما احتجت اليه وقلت: انا للّه وانا اليه راجعون. ثم ركبت اليه فلما رآني مقبلاً قال يا ابا حفص لعلنا ارعبناك وافزعناك قلت: نعم. قال: فليس هنا إلا خير، قلت فرسول تبعثه الى منزلي يخبرهم خبري، قال نعم ثم قال يا ابا حفص اتدري لم ارسلت اليك، فقلت: لا، قال: اتعرف

___________________________________________

(١) الصرورة: الذي لم يتزوج. والمراد هنا من لم يحج قبل سفره هذا.

(٢) وقيل في خامسه وقيل في اربع وعشرين منه. اقول يمكن ان يكون لفظة خمس مضين تصحيف خمس بقين.

(٣) في تذكرة السبط حملهعليه‌السلام الرشيد معه الى بغداد فحبسه بها سنة سبع وسبعين ومات فأقام في حبسه الى ثمان وثمانين ومئة فتوفي في رجب بها (منه).

١٦٦

موسى بن جعفر فقلت اي واللّه اني لأعرفه وبيني وبينه صداقة منذ دهر، فقال: من ها هنا ببغداد تعرفه ممن يقبل قوله؟ فسميت له اقواماً ووقع في نفسي انهعليه‌السلام قد مات، قال فبعث وجاء بهم كما جاء بي، فقال: هل تعرفون قوماً يعرفون موسى بن جعفر فسموا له قوماً فجاء بهم فاصبحنا ونحن في الدار نيف وخمسون رجلاً ممن يعرف موسى بن جعفرعليه‌السلام وقد صحبه، قال: ثم قام فدخل وصلينا فخرج كاتبه ومعه طومار فكتب اسماءنا ومنازلنا واعمالنا وخلانا، ثم دخل الى السندي قال فخرج السندي فضرب يده الي فقال لي: قم يا ابا حفص فنهضت ونهض اصحابنا ودخلنا، فقال لي يا ابا حفص اكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر فكشفته فرأيته ميتاً، فبكيت واسترجعت، ثم قال للقوم: انظروا اليه فدنا واحد بعد واحد فنظروا اليه، ثم قال: تشهدون كلكم ان هذا موسى بن جعفر بن محمد، ثم قال يا غلام اطرح على عورته منديلاً واكشفه، فقال ففعل، فقال: اترون به اثراً تنكرونه فقلنا لا ما نرى به شيئاً ولا نراه الا ميتاً، قال فلا تبرحوا حتى تغسلوه واكفنه وادفنه، قال فلم نبرح حتى غسل وكفّن وحمل فصلى عليه السندي بن شاهك.

اقول: وفي الخبر المروي عن المسيب قال: فواللّه لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون انهم يغسلونه فلا تصل ايديهم اليه ويظنون انهم يحنطونه ويكفنونه وأراهم لا يصنعون به شيئاً ورأيت شخصاً اشبه الاشخاص به يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه وهو يظهر المعاونة لهم وهم لا يعرفونه فلما فرغعليه‌السلام من أمره، قال لي ذلك الشخص: يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشكن فيّ فإنّي امامك ومولاك وحجة اللّه عليك بعد أبي، يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديقعليه‌السلام ومثلهم مثل اخوته حين دخلوا عليه فعرفهم، وهم له منكرون.

قال الراوي: فحملعليه‌السلام على نعش ونودي عليه هذا امام الرافضة فاعرفوه، ثم أتيَ به الى السوق فوضع هناك ثم نودي عليه هذا

١٦٧

موسى بن جعفر قد مات حتف انفه، الا فانظروا اليه، فحف به الناس وجعلوا ينظرون اليه، لا اثر به من جراحة ولا خنق(١) وكان في رجله اثر الحناء ثم امروا العلماء والفقهاء ان يكتبوا شهادتهم في ذلك فكتبوا جميعاً الا احمد بن حنبل فكلما زجروه لم يكتب شيئاً(٢) .

وروي ان السوق الذي وضع فيه النعش الشريف سمّي سوق الرياحين وبني على الموضع بناء وجعل عليه باب لئلا يطأه الناس باقدامهم بل يتبركون به وبزيارته.

وقد حكى عن المولى اولياء اللّه صاحب تاريخ مازندران، انه قال في كتابه: اني مررت به مرات عديدة وقبلت الموضع الشريف منه.

قال الشيخ المفيد واخرج فوضع على الجسر ببغداد ونودي هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا اليه فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت. انتهى.

____________________

(١) الخنق كالضرب: الشد على الحلق حتى يموت.

(٢) اقول ولعل ذلك لما استفاد منهعليه‌السلام في حياته وشاهد من دلائله وآياته، روى صاحب الدر النظيم عنه قال: دخلت في بعض الأيام على الإِمام موسى بن جعفرعليه‌السلام حتى اقرأ عليه اذا ثعبان قد وضع فمه على اذن موسى بن جعفرعليه‌السلام كالمحدث له فلما فرغ حدثه موسى بن جعفرعليه‌السلام حديثاً لم افهمه ثم انساب الثعبان فقالعليه‌السلام يا احمد هذا رسول من الجن قد اختلفوا في مسألة جاءني يسألني فاخبرته بها باللّه عليك يا احمد لا تخبر بهذا احداً الا بعد موتي فما اخبرت به احداً حتى ماتعليه‌السلام (منه)، وفي كتاب التتمة في تاريخ الأئمةعليهم‌السلام للسيد تاج الدين العاملي ونقله الشيخ الحر العاملي نور اللّه مضجعه في اثبات الهداة ايضاً قال: في تاريخ احوال موسى بن جعفرعليه‌السلام ولما مات امر السندي بوضعه على الجسر واظهر للناس انه مات بقضاء اللّه تعالى فكان الناس ينظرون اليه وليس به جرح، وروي ان بعض المخلصين من الإِمامية جاء حينئذ والناس مجتمعون وهم يقولون مات بغير قتل لهم انا استخبر منه بماذا مات، فقالوا: انه ميت، فكيف يخبرك فدنا منه وقال يا ابن رسول اللّه انت صادق وابوك صادق فاخبرنا مضيت موتاً او قتلاً؟ فنطقعليه‌السلام وقال قتلاً قتلاً قتلاً، ثم غسل وكفن وكان المتولي لذلك ذلك الرجل وصى اليه ودفن بالزوراء في مقابر قريش من باب التين. قال ابن حجر في الصواعق: في احوال موسى بن جعفرعليه‌السلام وحمله الرشيد معه الى بغداد وحبسه فلم يخرج من حبسه الا ميتاً مقيداً (منه).

١٦٨

قال الراوي: فلما اتى بهعليه‌السلام مجلس الشرطة اقام اربعة نفر فنادوا الا من أراد أن يرى موسى بن جعفر فليخرج، وخرج سليمان بن جعفر من قصره الى الشط فسمع الصياح والضوضاء(١) فقال لولده وغلمانه ما هذا قالوا السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفرعليه‌السلام على نعش فقال لولده وغلمانه: يوشك ان يفعل هذا به في الجانب الغربي فاذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من ايديهم فان مانعوكم فاضربوهم وخرقوا ما عليهم من السواد، فلما عبروا به نزلوا اليهم فاخذوه من ايديهم وضربوهم وخرقوا ما عليهم من سوادهم ووضعوه في مفرق اربعة طرق واقام المنادون ينادون الا من أراد أن يرى الطيب ابن الطيب موسى بن جعفرعليه‌السلام فليخرج، وحضر الخلق وغسل وحنط بحنوط فاخر وكفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين وخمسمائة دينار عليها القرآن كله واحتفى ومشى في جنازته متسلباً(٢) مشقوق الجيب حاسر الرأس الى مقابر قريش في باب التين، وكانت هذه المقبرة لبني هاشم والاشراف من الناس قديماً فدفنه هناك وكتب بخبره إلى الرشيد فكتب الى سليمان بن ابي جعفر وصلتك رحم يا عم واحسن اللّه جزاءك واللّه ما فعل السندي بن شاهك لعنه اللّه ما فعله عن أمرنا.

فصل في دفنه عليه السلام

قال الشيخ الأجلُّ الاقدم ابو محمد الحسن بن موسى النوبختي في كتاب الفرق: ولد موسى بن جعفرعليه‌السلام في سنة ثمان وعشرين ومئة وقال بعضهم سنة تسع وحمله الرشيد من المدينة لعشر ليال بقين من شوال

____________________

(١) أي الغوغاء.

(٢) أي منتزعاً ثوبه.

١٦٩

سنة تسع وسبعين ومئة وقد قدم هارون الرشيد المدينة منصرفاً من عمرة شهر رمضان ثم شخص هارون الى الحج وحمله معه ثم انصرف على طريق البصرة فحبسه عند عيسى بن جعفر بن أبي جعفر المنصور ثم أشخصه الى بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك فتوفي في حبسه ببغداد لخمس ليال بقين من رجب سنة ١٨٣ ثلاث وثمانين ومئة وهو ابن خمس او اربع وخمسين سنة ودفن في مقابر قريش.

ويقال في رواية اخرى: انه دفن بقيوده وانه اوصى بذلك فكانت امامته خمساً وثلاثين سنة وشهوراً.

وفي الدّر النظيم، ودفن ببغداد في مقابر قريش في بقعة كان قبل وفاته قد ابتاعها لنفسه(١) وروى الشيخ الكليني عن علي بن ابراهيم عن محمد بن عيسى عن مسافر قال امر ابو ابراهيمعليه‌السلام حين اخرج به ابا الحسنعليه‌السلام ان ينام على بابه في كلّ ليلة ابداً ما كان حياً الى ان يأتيه خبره قال: فكنا في كل ليلة نفرش لأبي الحسنعليه‌السلام في الدهليز ثم يأتي بعد العشاء فينام فاذا اصبح انصرف الى منزله قال فمكث على هذه الحال اربع سنين فلما كانت ليلة من الليالي ابطأ عنا وفرش له فلم يأت كما كان يأتي فاستوحش العيال وذعروا(٢) ودخلنا امر عظيم من ابطائه فلما كان من الغد اتى الدار ودخل الى العيال وقصد الى ام احمد فقال لها: هاتي الذي اودعك أبي، فصرخت ولطمت وجهها وشقت جيبها وقالت مات واللّه سيدي فكفّها وقال لها: لا تتكلمي بشيء حتى يجيء الخبر الى الوالي فاخرجت اليه سفطاً(٣) والفي دينار واربعة آلاف دينار فدفعت ذلك اجمع اليه

____________________

(١) وعن الخطيب صاحب تاريخ بغداد المتوفى سنة ٤٦٣ ثلاث وستين واربعمائة وهو من اعاظم علماء الجمهور قال فيهعليه‌السلام توفّيعليه‌السلام بالحبس ودفن في مقابر الشونيز خارج البقعة وقبره مشهور يزار، عليه مشهد عظيم فيه من قناديل الذهب والفضة وانواع الآلات والفرش مالاً يحد وهو في الجانب الغربيعليه‌السلام جعلنا اللّه من المحبين له ولآبائه الكرام وكان الموكل به ايام حبسه ابن شاهك السندي جد كشاجم الشاعر المشهور واللّه اعلم واحكم (منه).

(٢) أي دهشوا وخافوا.

(٣) السفط: وعاء كالصندوق.

١٧٠

دون غيره وقالت انه قال فيما بيني وبينه، وكانت(١) اثيرة عنده، احتفظي بهذه الوديعة عندك لا تطلعي عليها احداً حتى اموت فاذا مضيت فمن أتاك من وُلدي فطلبها منك فادفعيها اليه واعلمي اني قد متُّ وقد جاءتني واللّه علامة سيدي فقبض ذلك منها وامرهم بالامساك جميعاً الى ان ورد الخبر وانصرف فلم يعد بشيء من المبيت كما كان يفعل. فما لبثنا الا اياماً يسيرة حتى جاءت الخريطة بنعيه فعددنا الايام وتفقدنا الوقت فاذا هو قد مات في الوقت الذي فعل ابو الحسنعليه‌السلام ما فعل من تخلّفه عن المبيت وقبضه لما قبض.

فصل في استحباب زيارته عليه السلام

يستحب زيارة ابي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام ببغداد وورد أن لزائره الجنة وقال الرضاعليه‌السلام من زار قبر ابي ببغداد كان كمن زار رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبر امير المؤمنين (عليه السلام ) الا أن لرسول اللّه وامير المؤمنينعليهما‌السلام فضلهما وعن الخطيب في تاريخه عن علي بن الخلال قال: ما همني امر فقصدت قبر موسى بن جعفرعليه‌السلام وتوسلت به إلا سهل اللّه لي ما أحب، ورأى في بغداد امرأة تهرول فقيل: الى أين؟ قالت: الى موسى بن جعفرعليه‌السلام فانه حُبس ابني، فقال حنبلي انه قد مات في الحبس فقالت: بحق المقتول في الحبس ان تريني القدرة، فاذا بابنها قد اطلق واخذ ابن المتهزئ بجنايته. انتهى.

وروي عن الرضاعليه‌السلام انه سئل عن اتيان قبر ابي الحسنعليه‌السلام فقال صلوا في المساجد حوله.

____________________

(١) جملة معترضة (منه).

١٧١

وروي ايضاً ولا تصل عند رأس موسىعليه‌السلام فانه يقابل قبور قريش ولا يجوز اتخاذها قبلة وتقول في زيارته ما رواه ابن قولويه باسناده عن ابي الحسنعليه‌السلام :

(السلام عليك يا ولي اللّه، السلام عليك يا حجة اللّه، السلام عليك يا نور اللّه في ظلمات الأرض، السلام عليك يا من بدا للّه في شأنه، اتيتك زائراً عارفاً بحقك، معادياً لأعدائك، فاشفع لي عند ربك يا مولاي.

قال وادع اللّه واسأل حاجتك.

اقول: وذكر السيد بن طاوسرحمه‌الله الصلاة عليه صلى اللّه عليه:

اللهم صل على محمد واهل بيته، وصل على موسى بن جعفر وصي الابرار، وامام الاخيار، وعيبة الانوار، ووارث السكينة والوقار، والحكم والآثار، الذي كان يحيي الليل بالسهر(١) الى السحر بمواصلة الاستغفار، حليف السجدة الطويلة، والدموع الغزيرة، والمناجاة الكثيرة، والضراعات المتصلة، ومقر النهى والعدل والخير والفضل والندى والبذل، ومألف البلوى والصبر والمضطهد بالظلم، والمقبور بالجور، والمعذب في قعر السجون وظلم المطامير(٢) ذي الساق المرضوض(٣) بحلق القيود والجنازة(٤) المنادى عليها بذلِّ الاستخفاف، والوارد على جدّه المصطفى وابيه المرتضى وامه سيدة النساء، بإرث مغصوب، وولاء مسلوب، وامر مغلوب، ودم مطلوب، وسمّ مشروب، اللهم وكما صبر على غليظ المحن، وتجرع غص(٥)

____________________

(١) أي عدم النوم في الليل.

(٢) جمع مطمورة وهي الحفرة تحت الأرض وتستعمل في الحبس.

(٣) أي المدقوق.

(٤) تستعمل في الميت في عرف المتقدمين.

(٥) جمع غصة وهي الحزن والهم.

١٧٢

الكرب واستسلم لرضاك واخلص الطاعة لك، ومحض الخشوع، واستشعر الخضوع، وعادى البدعة واهلها، ولم يلحقه في شيء من اوامرك ونواهيك لومة لائم، صل عليه صلاة نامية(١) منيفة زاكية، توجب له بها شفاعة امم من خلقك، وقرون من براياك(٢) ، وبلغه عنا تحية وسلاماً، وآتنا من لدنك في موالاته فضلاً واحساناً، ومغفرة ورضواناً، إنك ذو الفضل العميم، والتجاوز العظيم، برحمتك يا أرحم الراحمين).

____________________

(١) أي الشامخة الشريفة المرتفعة الشأن.

(٢) جمع برية وهي الخلق.

١٧٣

النور العاشر.. الإِمام الثامن مولانا ابو الحسن علي بن موسى الرضا الضامن المأمول المرتجى بضعة سيد الورى صلوات اللّه عليه وعلى آبائه واولاده ائمة الهدى

ولدعليه‌السلام في حادي عشر من ذي القعدة يوم الخميس او يوم الجمعة(١) بالمدينة سنة ١٤٨ ثمان واربعين ومائة(٢) بعد وفاة جده الصادقعليه‌السلام بايام قليلة وكان الصادقعليه‌السلام يتمنى ادراكه، ففي الخبر عن موسى بن جعفرعليه‌السلام قال سمعت ابي جعفر بن محمدعليه‌السلام غير مرة يقول لي: ان عالم آل محمدعليه‌السلام لفي صلبك وليتني ادركته فانه سميّ امير المؤمنينعليه‌السلام .

وروي عن يزيد بن سليط قال: لقينا ابا عبد اللّهعليه‌السلام في طريق مكة ونحن جماعة، فقلت له: بأبي انت وامي انتم الأئمة المطهرون والموت لا يعرى منه احد فاحدث اليّ شيئاً القيه الى من يخلفني فقال لي: نعم هؤلاء ولدي وهذا سيدهم واشار الى ابنه موسىعليه‌السلام وفيه علم الحكم والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج الناس اليه فيما اختلفوا فيه من امر دينهم وفيه حسن الخلق وحسن الجوار وهو باب من ابواب اللّه عز وجل وفيه اخرى هي خير من ذلك كله، فقال له ابي: وما هي بابي انت وامي، قال:

____________________

(١) او يوم الثلاثاء.

(٢) وقيل في ١٥ من ذي القعدة او ذي الحجة وقيل في سنة ولادته انها سنة ثلاث وخمسون ومئة نقله الطبرسي في اعلام الورى.

١٧٤

يخرج اللّه تعالى منه غوث هذه الأمة وغياثها وعلمها ونورها وفهمها وحكمها خير مولود وخير ناشئ يحقن اللّه به الدماء(١) ويصلح به ذات البين ويلم به الشعث(٢) ويشعب به الصدع(٣) ويكسو به العاري ويشبع به الجائع ويؤمن به الخائف وينزل به القطر ويأتمر له العباد، خير كهل وخير ناشئ يبشر به عشيرته قبل أوان حلمه قوله حكم وصمته(٤) علم يبين للناس ما يختلفون فيه الخ(٥) .

امهعليه‌السلام ام ولد يقال لها ام البنين، واسمها نجمة ويقال لها تكْتمُ ايضاً، اشترتها حميدة المصفاة ام موسىعليه‌السلام وكانت من افضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها.

روي ان حميدة رأت في المنام رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لها: يا حميدة هبي نجمة لابنك موسىعليه‌السلام فانه سيولد له منها خير اهل الأرض فوهبتها له فلما ولدت له الرضاعليه‌السلام سماها الطّاهرة.

وفي الدر النظيم لجمال الدين يوسف بن حاتم العاملي تلميذ المحقق (رحمهما اللّه) قال في ذكر الرضاعليه‌السلام : امه ام ولد يقال لها تكتم قال(٦) ابو الحسن موسىعليه‌السلام : (لما ابتاع هذه الجارية) لجماعة من اصحابه: واللّه ما اشتريت هذه الجارية الا بأمر اللّه ووحيه، فسئل عن

____________________

(١) لأن قبل توليهعليه‌السلام ولاية العهد لم يزل يخرج رجل بعد رجل من بني عليعليه‌السلام على بني العباس ويسفك دماء الفريقين. وذلك لما يرى بنو علي لأنفسهم من التقدم على بني العباس في امرة المؤمنين. وبعد ولايته (وهو مقبول الفضل على من عداه) لم يبق مستمسك لبني علي في الخروج.

(٢)اي يسد به الخلل.

(٣) أي يجمع به الشق والفرقة.

(٤) الصمت كالضرب: السكوت.

(٥) اقول يأتي في النور الرابع عشر في فصل فضل انتظار الفرج حديث يناسب هذا المقام (منه).

(٦) ذكر هذا الخبر المسعودي في اثبات الوصية ايضاً (منه).

١٧٥

ذلك فقال: بينا انا نائم اذ أتاني جدي وابيعليهما‌السلام ومعهما شقة حرير فنشراها فاذا قميص وفيه صورة هذه الجارية فقالا يا موسى: ليكونن لك من هذه الجارية خير اهل الأرض بعدك ثم أمراني اذا ولدته ان اسميه علياً، وقالا: ان اللّه عز وجل سيظهر به العدل والرأفة والرحمة طوبى لمن صدقه وويل لمن عاداه وجحده.

روى الشيخ الصدوق عن نجمة ام الرضاعليه‌السلام تقول: لما حملتُ بابني عليّ لم اشعر بثقل الحمل وكنت اسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً من بطني فيفزعني ذلك ويهوّلني، فاذا انتبهت لم اسمع شيئاً فلما وضعته وقع على الأرض واضعاً يده على الأرض رافعاً رأسه الى السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم فدخل الي ابوه موسى بن جعفرعليهما‌السلام فقال لي: هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربك، فناولته اياه في خرقة بيضاء فأذن في أذنه الايمن واقام في الايسر ودعا بماء الفرات فحنكه ثم رده الي وقال: خذيه فانه بقية اللّه في ارضه، وروى عن البزنطي قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : ان قوماً من مخالفيكم يزعمون ان اباك انما سماه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده، فقال كذبوا واللّه وفجروا بل اللّه تبارك وتعالى سماه الرضا لأنه كان رضيّ اللّه عز وجل في سمائه ورضي لرسوله والأئمة بعدهعليهم‌السلام في ارضه، قال: فقلت له: الم يكن كل واحد من آبائك الماضينعليهم‌السلام رضي اللّه عز وجل ولرسوله والأئمة بعدهعليهم‌السلام ؟ فقال بلى، فقلت: فلم سمِّي ابوكعليه‌السلام من بينهم الرضا؟ قال لأنه رضي به المخالفون من اعدائه كما رضي به الموافقون من اوليائه ولم يكن ذلك لأحد من آبائهعليهم‌السلام فذلك سمّى من بينهم الرضاعليه‌السلام . وروي ان نقش خاتم الرضاعليه‌السلام كان: ما شاء اللّه لا قوة الا باللّه.

١٧٦

فصل في عبادته ومكارم اخلاقه ومعالي اموره عليه السلام

روي انه كان جلوس الرضاعليه‌السلام في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح ولبسه الغليظ من الثياب حتى اذا برز للناس تزيَّن لهم، وكانعليه‌السلام اذا صلى الغداة وكان يصليها في اول وقت ثم يسجد فلا يرفع رأسه الى ان ترتفع الشمس، ثم يقوم فيجلس للناس او يركب ولم يكن احد يقدر أن يرفع صوته في داره كائناً من كان، وكانت قيمة(١) في داره تنبه النساء بالليل وتأخذهن بالصلاة وكان ذلك من اشد ما عليهن حتى ان بعض الجواري تمنت الخروج من داره، وكانعليه‌السلام يكلم الناس قليلاً وكان كلامه وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن المجيد، وكان يختمه في كل ثلاث ويقول لو اردت ان اختمه في اقرب من ثلاث لختمتٍ ولكنِّي ما مررت بآية قط الا فكرت فيها وفي أي شيء انزلت وفي أي وقت فلذلك صرت اختم في كل ثلاثة ايام.

وروي عن ابي الصلت قال: جئت إلى باب الدار التي حبس فيها الرضاعليه‌السلام بسرخس وقد قيد فاستأذنت عليه السجان فقال لا سبيل لكم اليه فقلت: ولم قال: لأنه ربما صلى في يومه وليلته الف ركعة انما ينفتل في صلاته ساعة في صدر النهار وقبل الزوال وعند اصفرار الشمس فهو في هذه الاوقات قاعد في مصلاه يناجي ربه قال: فقلت له فاطلب لي في هذه الأوقات اذناً عليه فاستأذن لي عليه فدخلت عليه وهو قاعد في مصلاه متفكر، الخبر.

وعن ابراهيم بن العباس قال: ما رأيت ابا الحسن الرضاعليه‌السلام جفا احداً بكلامه قط، ولا اتكى بين يدي جليس له قط، ولا رأيته شتم احداً من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط بل

____________________

(١) أي متولية.

١٧٧

كان ضحكه التبسم، وكان اذا خلا ونصبت مائدته اجلس معه على مائدته مماليكه حتى البواب والسائس، وكانعليه‌السلام قليل النوم بالليل كثير السهر يحيي اكثر لياليه من اولها الى الصبح، وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة ايام في الشهر ويقول ذلك صوم الدهر، وكانعليه‌السلام كثير المعروف والصدقة في السر وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه، اقول ومن أراد أن يقف على ما كان يعملعليه‌السلام في يومه وليله من العبادات فعليه ان يلاحظ الخبر المشهور المروي من رجاء بن ابي الضحاك الحميري عن ابيه عن معمر بن خلاد قال: كان ابو الحسن الرضاعليه‌السلام اذا اكل أُتي بصحفة فتوضع قرب مائدته فيعمد الى اطيب الطعام مما يؤتى به فيأخذ من كل شيء شيئاً فيوضع في تلك الصحفة ثم يأمر بها للمساكين ثم يتلو هذه الآية، فلا اقتحم العقبة، ثم يقول: علم اللّه عز وجل ان ليس كل انسان يقدر على عتق رقبة فجعل لهم سبيل الى الجنة(١) -.

الكليني عن اليسع بن حمزة قال: كنت انا في مجلس أبي الحسن الرضاعليه‌السلام احدثه وقد اجتمع اليه خلق كثير يسألونه عن الحلال والحرام اذ دخل عليه رجل طوال آدم فقال له: السلام عليك يا ابن رسول اللّه، رجل من محبيك ومحبيّ آبائك واجدادكعليهم‌السلام ، مصدري من الحج، وقد افتقدت نفقتي وما معي ما ابلغ به مرحلة، فان رأيت ان تنهضني الى بلدي وللّه عليّ نعمة فاذا بلغت بلدي تصدقت بالذي توليني عنك فلست موضع صدقة، فقال له اجلس رحمك اللّه واقبل على الناس يحدثهم حتى تفرقوا وبقي هو وسليمان الجعفري وخيثمة وانا فقال اتأذنون لي في الدخول فقال له سليمان قدم اللّه امرك، فقام فدخل الحجرة وبقي ساعة ثم خرج ورد الباب واخرج يده من اعلى الباب وقال اين الخراساني؟ فقال ها أنذا

____________________

(١) اذ انه تعالى جعل شكر الايادي، اقتحام العقبة وفسره بقوله عتق رقبة او اطعام في يوم ذي مسغبة (اي مجاعة) فاشارعليه‌السلام الى عدم امكان الأول لأكثر الناس وقدرتهم للثاني.

١٧٨

فقال خذ هذه المئتي دينار واستعن بها في مؤونتك ونفقتك وتبرك بها ولا تتصدق بها عني واخرج فلا اراك ولا تراني، ثم خرج، فقال سليمان: جعلت فداك لقد اجزلت ورحمت فلماذا سترت وجهك عنه، فقال: مخافة ان أرى ذل السؤال في وجهه لقضاء حاجته اما سمعت حديث رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجة والمذيع بالسيئة مخذول والمستتر بها مغفور له، اما سمعت قول الأول:

متى آتِه يوماً لأطلب حاجة

رجعت الى اهلي ووجهي بمائه

قال السبط في التذكرة وكانعليه‌السلام من الفضلاء الاتقياء الاجواد وفيه يقول ابو نواس(١) :

قيل لي: انت اوحد الناس في

كل كلام من المقال بديه

لك في جوهر الكلام فنون

ينثر الدر في يدي مجتنيه

فعلى ما تركت مدح بن موسى

والخصال التي تجمعن فيه

قلت: لا اهتدي لمدح امام

كان جبريل خادماً لأبيه

ابن شهرآشوب عن موسى بن سيار قال: كنت مع الرضاعليه‌السلام وقد اشرف على حيطان طوس وسمعت واعية فاتبعتها فاذا نحن بجنازة فلما بصرت بها، رأيت سيدي وقد ثنى رجله عن فرسه ثم أقبل نحو الجنازة فرفعها ثم أقبل يلوذ بها كما تلوذ السخلة(٢) بامها ثم اقبل عليّ وقال يا موسى بن سيار، من شيع جنازة وليٍّ من اوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه لا ذنب عليه، حتى اذا وضع الرجل على شفير قبره رأيت سيدي قد اقبل فافرج الناس عن الجنازة حتى بدا له الميت فوضع يده على صدره ثم قال: يا فلان بن فلان ابشر بالجنة فلا خوف عليك بعد هذه الساعة فقلت جعلت فداك هل تعرف الرجل فواللّه انها بقعة لم تطأها قبل يومك هذا، فقال لي:

____________________

(١) له ظرف وملاميح. راجع ترجمته في الكنى والالقاب وغيره.

(٢) ولد الشاة.

١٧٩

يا موسى بن سيار اما علمت انا معاشر الأئمة تعرض علينا اعمال شيعتنا صباحاً ومساء فما كان من التقصير في اعمالهم سألنا اللّه الشكر لصاحبه.

روي عن ياسر الخادم قال، كان الرضاعليه‌السلام اذا خلا جمع حشمه كلهم عنده الصغير والكبير فيحدثهم ويأنس بهم ويؤنسهم، وكانعليه‌السلام اذا جلس على المائدة لم يدع صغيراً ولا كبيراً حتى السائس(١) والحجام الا اقعده معه على مائدته. وقال: قال لنا ابو الحسن ان قمت على رؤوسكم وانتم تأكلون فلا تقوموا حتى تفرغوا ولربما دعا بعضنا، فيقال: هم يأكلون فيقول: دعوهم حتى يفرغوا.

وروى الشيخ الكليني عن رجل من اهل بلخ قال: كنت مع الرضاعليه‌السلام في سفره الى خراسان فدعا يوماً بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم، فقلت: جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة فقال: مه ان الرب تبارك وتعالى واحد والأم واحدة والاب واحد والجزاء بالاعمال.

اقول: هذا حالهعليه‌السلام مع الفقراء والرعايا ولكن لما دخل عليه الفضل بن سهل ذو الرياستين وقف بين يديه ساعة ثم رفع الرضاعليه‌السلام رأسه إليه فقال له: ما حاجتك قال الفضل: يا سيدي هذا كتاب كتبه(٢) امير المؤمنين وأنت اولى ان تعطينا مثل ما اعطى امير المؤمنين اذ كنت وليّ عهد المسلمين، فقال له الرضاعليه‌السلام : اقرأه وكان كتاباً في اكبر جلد فلم يزل قائماً حتى قرأه فلما فرغ قال له ابو الحسنعليه‌السلام : يا فضل لك علينا هذا ما اتقيت اللّه عز وجل، فنقض عليه امره في كلمة واحدة فخرج من عنده.

روى عن ياسر الخادم قال: اكل الغلمان يوماً فاكهة فلم يستقصوا

____________________

(١) أي رائض الدواب والمتولي لها.

(٢) كان هو كتاب الحبوة فيه ما اعطاه المأمون وحباه كلما احب من الاموال والضياع والسلطان وبسط له من الدنيا امله (منه).

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

مقاتل بن حيّان

ومنهم : مقاتل بن حيّان ، وقد وثّقه غير واحدٍ مِن الأئمّة ، لكنْ نسَبه بعضهم إلى الكذِب ، وحاول الذهبي تبرئته ، وقال بعضهم : لا أحتجُّ به ، وهذا نصُّ ما جاء في( الميزان ) :

( مقاتل بن حيّان ، أو بسطام البلخي ، الخراساني الخرّاز ، أحد الأعلام روى عن الضحّاك ومجاهد وعكرمة والشعبي وشهر بن حوشب وخلقُ ، وعنه : ابن المبارك وبكير بن معروف وعيسى غنجار وآخرون ، وروى عنه مِن شيوخه علقمة بن مرثد ، وذلك في صحيح مسلم .

وكان عابداً كبير القدر صاحب سنّةٍ وصدق ، هرَب أيّام أبي مسلم الخراساني إلى كابل ، ودعا خلقاً إلى الإسلام فأسلموا .

وثّقه يحيى بن معين وأبو داود وغيرهما ، وقال النسائي : ليس به بأس ، وقال أبو الفتح الأزدي : سكتوا عنه ، ثمّ ذكر أبو الفتح عن وكيع أنّه قال : يُنسب إلى الكذِب ، كذا قال أبو الفتح ، وأحسبه التَبَس عليه مقاتل بن حيّان بمقاتل بن سليمان ، فابن حيّان صدوقٌ قويّ الحديث ، والذي كذّبه وكيع فابن سليمان .

ثمّ قال أبو الفتح : ثنا أبو يعلى الموصلي ، ثنا عثمان بن أبي شيبة ، عن حميد الرؤاسي ، عن الحسن بن صالح ، عن هارون أبي محمّد ، عن مقاتل ، عن قتادة ، عن أنَس مرفوعاً قال : قلب القرآن يس ، فمن قرأها كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرّات .

قلت : الظاهر أنّه مقاتل بن سليمان ، وقد جاء توثيق يحيى بن معين لابن حيّان مِن وجوه عنه .

وقال فيه الدارقطني : صالح الحديث .

نعم ، أمّا ابن خزيمة فقال : لا أحتجّ بمقاتل بن حيّان .

قلت : مات قبل الخمسين ومئة فيما أرى )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٤ : ١٧١ ـ ١٧٢/ ٨٧٣٩ .

٢٦١

مقاتل بن سليمان

ومنهم : مقاتل بن سليمان ، الذي قيل : إنّ النّاس كلّهم عيال عليه في التفسير ، ووصَفه الأعلام بالأوصاف الجليلة(١) .

لكنّ تفسيره مشحونٌ بالأخبار المصنوعة والآثار الموضوعة ، بل إنّه مُتّخذ مِن اليهود والنصارى .

وكان هو مِن المشبّهة الذين يُشبّهون الباري تعالى بالمخلوقين ، ومنهم مَن نسبه إلى الكذِب... وقد جاء التصريح بهذهِ الأضاليل في تراجمه على لسان الأكابر ، ففي( ميزان الاعتدال ) ما نصّه :

( قال أبو حنيفة : أفرط جهم في نفي التشبيه حتّى قال إنّه تعالى ليس بشيء ، وأفرط مقاتل ـ يعني في الإثبات ـ حتّى جعله مثل خلقه ، وقال وكيع : كان كذّاباً ، وقال البخاري : قال سفيان بن عيينة : سمعت مقاتلاً يقول : إنْ لم يخرج الدجّال في سنة خمسين ومئة فاعلموا أنّي كذّاب ، وقال الجوزَجاني : كان دجّالاً جسوراً ، وقال ابن حبّان : كان يأخذ عن اليهود والنصارى مِن علم القرآن الذي يُوافق كُتبهم ، وكان يشبّه الربّ بالمخلوق ، وكان يكذِب في الحديث .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٤ : ١٧٣/ ٨٧٤١ .

٢٦٢

وقال أبو معاذ الفضل بن خالد المروزي : سمِعت خارجة بن مصعب يقول : لم أستحلّ دمَ يهوديّ ، ولو وجدْتّ مقاتل بن سليمان خلوةً لشقَقَتُ بطنه )(١) .

وفي( تنزيه الشريعة ) :

( مقاتل بن سليمان البلخي المفسّر : كذّاب ، وهو من المعروفين بوضع الحديث )(٢) .

وفي( تاريخ بغداد ) :

( قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي : أخرجَت خراسان ثلاثةً لم يكن لهم في الدنيا نظير ـ يعني في البِدعة والكذِب ـ : جهم بن صفوان ، وعمر بن صبيح ، ومقاتل بن سليمان .

وروى أبو يوسف أنّه قال : بخراسان صنفان ، ما على الأرض أبغض إليَّ منهما : المقاتليّة ، والجهميّة )(٣) .

فهذا حال من كلّ النّاس عيال عليه في التفسير ، وهذا حال تفسيره...

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٤ : ١٧٣ ـ ١٧٥/ ٨٧٤١ .

(٢) تنزيه الشريعة الغرّاء ١ : ١١٩ .

(٣) تاريخ بغداد ١٣ : ١٦٤/ ٧١٤٣ .

٢٦٣

السدّي الكبير

ومنهم : السدّي الكبير ، أخرج عنه مسلم والأربعة ، وأثنى عليه العلماء وعلى تفسيره :

وقال السيوطي :

( قال أبو بكر ابن أبي إدريس : ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية ، وبعده سعيد بن جُبير ، وبعده السدّي ، وبعده سفيان الثوري )(١) .

وقال اليافعي :

( الإمام السدّي المُفسّر الكوفي المشهور )(٢) ، وقال الذهبي : ( قال ابن عدي : هو عندي مستقيمُ الحديث ، صدوق )(٣) .

وقال السمعاني :

( والمشهور بهذه النسبة : إسماعيل بن عبد الرحمان بن أبي ذئب وقيل : ابن أبي كريمة السدّي الأعور ، مولى زينب بنت قيس بن مخرمة ، من بني عبد مناف ، حجازي الأصل ، سكن الكوفة ، يروي عن أنَس بن مالكرضي‌الله‌عنه وعبد خير وأبي صالح ، وقد رأى ابن عمر رضي الله عنهما ، وهو السدّيُّ

ـــــــــــــــــــ

(١) تدريب الراوي ٢ : ٤٠٠ .

(٢) مرآة الجنان ١ : ٢١١ السنة ١٢٧ .

(٣) تذهيب التهذيب تهذيب التهذيب ١ : ٢٧٣ .

٢٦٤

الكبير ، ثقةٌ مأمون .

روى عنه : الثوري وشعبة وزائدة وسماك بن حرب وإسماعيل بن أبي خالد وسليمان التيمي .

ومات سنة سبع وعشرين ومئة ، في إمارة ابن هبيرة .

وكان إسماعيل بن أبي خالد يقول : السدّي أعلم بالقرآن من الشعبي .

قال أبو بكر أحمد بن موسى بن مردَويه الحافظ : إسماعيل بن عبد الرحمان السدّي ، يُكنّى أبا محمّد ، صاحب التفسير ، وإنّما سُمّي السدّي لأنّه نزل بالسدّة ، وكان أبوه مِن كِبار أهل أصبهان ، توفّي سنة سبع وعشرين ومئة ، في ولاية بني مروان .

روى عن أنَس بن مالك ، وأدرك جماعة من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، منهم : سعد بن أبي وقّاص ، وأبو سعيد الخدري ، وابن عمر ، وأبو هريرة ، وابن عبّاس .

حدّث عنه : الثوري وشعبة وأبو عوانة والحسن بن صالح .

قال ابن أبي حاتم : إسماعيل بن عبد الرحمان السدّي الأعور ، مولى زينب بنت قيس بن مخرمة ، أصله حجازي ، يُعدّ في الكوفيّين ، وكان شريك يقول : ما ندمت على رجلٍ لقيتَه أنْ لا أكون كتبتُ كلّ شيء لَفظَ به ، إلاّ السدّي .

قال يحيى بن سعيد : ما سمعت أحداً يذكر السدّي إلاّ بخير ، وما تركه أحد )(١) .

وفي( الإتقان ) نقلاً عن الحليمي فيالإرشاد :

ـــــــــــــــــــ

(١) الأنساب ٣ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ .

٢٦٥

 ( وتفسير إسماعيل السدّي يُورده بأسانيد إلى ابن مسعود وابن عبّاس ، وروى عن السدّي الأئمّة مثل : الثوري وشعبة ، لكن التفسير الذي جَمَعه رواه عنه أسباط بن نصر ، وأسباط لم يتّفقوا عليه ، غير أنّ أمثل التفاسير تفسير السدّي )(١) .

ومع ذلك كلّه... فإليك بعض الكلمات في جرحِه والطعن عليه في كُتبهم :

ففي( الميزان ) :

( إسماعيل بن عبد الرحمان بن أبي كريمة ، السدّي ، الكوفي ، عن أنَس وعبد الله البهيّ وجماعة ، وعنه : الثوري وأبو بكر ابن عيّاش وخلق ورأى أبا هريرة .

قال يحيى بن القطّان : لا بأس به ، وقال أحمد : ثقة ، وقال ابن معين : في حديثه ضَعف ، وقال أبو حاتم : لا يُحتجّ به ، وقال ابن عدي : هو عندي صدوق ، وروى شريك عن سَلْم بن عبد الرحمان قال : مرّ إبراهيم النخعي بالسدّي وهو يُفسّر لهم القرآن فقال : أمّا إنّه يُفسّر تفسير القوم .

قال عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت : سمعت الشعبي وقيل له إنّ إسماعيل السدّي قد أُعطيَ حظّاً من علمِ القرآن ، فقال : قد أُعطي حظّاً مِن جهلٍ بالقرآن .

وقال الفلاّس عن ابن مهدي : ضعيف .

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٣٨ .

٢٦٦

وقال الجوجاني عن مُعتمر عن ليث قال : كان بالكوفة كذّابان ، فمات أحدهما : السدّي والكلبي )(١) .

وفي( الكاشف ) :

( قال أبو حاتم : لا يُحتجّ به )(٢) .

وفي هامشه للبدخشي : ( قال السعدي : هو كذّاب شتّام ، وقال أبو زرعة : ليّن )(٣) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الإعتدال ١ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧/ ٩٠٧ .

(٢) الكاشف عن أسماء رجال الكتب الستّة ١ : ٧٩/ ٣٩٤ .

(٣) الحاشية على الكاشف ـ مخطوط .

٢٦٧

محمّد بن السّائب الكلْبي

ومنهم : محمّد بن السائب الكلبي ( صاحب التفسير وعلم النسب ، كان إماماً في هذين العلمين )(١) .

وأخرج عنه الترمذي وغيره مِن كبار الأعلام(٢) .

وقال ابن عدي :

( وللكلبي غير ما ذكرت أحاديثٌ صالحة ، خاصّة عن أبي صالح ، وهو معروف بالتفسير ، وليس لأحدٍ تفسير أطول منه ولا أشبع منه ، وبعده مقاتل بن سليمان ، إلاّ أنّ الكلبي يُفضِّل على مقاتل بن سليمان ، لما قيل في مقاتل مِن المذاهب الرديّة .

وحدّث عن الكلبي الثوري وشعبة ، وإنْ كانا حدّثنا عنه بالشيء اليسير غير المسند ، وحدّث عنه : ابن عيينة وحمّاد بن سلمة وهشيم وغيرهم من ثقات الناس ، ورضوه في التفسير... )(٣) .

( وقال الحسن بن عثمان القاضي : وجدت العلم بالعراق والحجاز ثلاثة : علم أبي حنيفة وتفسير الكلْبي ومغازي محمّد بن إسحاق )(٤) .

وقال البزدوي :

ـــــــــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ٤ : ٣٠٩/ ٦٣٤ .

(٢) تهذيب التهذيب ٩ : ١٥٧ .

(٣) تهذيب الكمال ٢٥ : ٢٥١ ـ ٢٥٢/ ٥٢٣٤ .

(٤) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٤٧/ ٧٢٩٧ .

٢٦٨

 ( ليس من اتّهم بوجهٍ مّا يسقط به كلّ حديثه ، مثل الكلبي وأمثاله... )(١) .

فقال شارحه بشرح هذه الجملة :

( قوله : مثل الكلبي : هو أبو سعيد محمّد بن السائب الكلبي صاحب التفسير ويُقال له أبو النضر أيضاً ، طعنوا فيه بأنّه يروي تفسير كلّ آية عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتُسمّى زوائد الكلبي ، وبأنّه روى حديثاً عند الحجّاج ، فسأله عمّن يرويه ، فقال : عن الحسن بن عليّ ( رضي الله عنهما ) ، فلمّا خرج قيل له : هل سمعت ذلك من الحسن ؟ فقال : لا ، ولكنّي رويت عن الحسن غيظاً له .

وذَكر في الأنساب أنّ الثوري ومحمّد بن إسحاق يرويان عنه ويقولان : حدّثنا أبو النضر، حتّى لا يعرف .

قال : وكان الكلبي سبائيّاً من أصحاب عبد الله بن سبأ ، مِن أولئك الّذين يقولون : إنّ عليّاً لم يمت ، وأنّه راجعٌ إلى الدنيا قبل قيام السّاعة ، فيملؤها عدلاً كما مُلِئت جوراً ، وإذا رأوا سحابة قالوا : أمير المؤمنين فيها ، والرعد صوته ، والبرق سوطه ، حتّى تبرّأ واحدٌ منهم وقال :

ومِن قَومٍ إذا ذَكَروا عليّاً

يصلّون الصّلاة على السحابِ

مات الكلبي سنة ستٍّ وأربعين ومئة .

وأمثاله : مثل عطاء بن السائب وربيعة بن عبد الرحمان وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم ، اختلطت عقولهم فلم تُقبل رواياتهم التي بعد الاختلاط ، وقُبلت الروايات التي قبله .

فإنْ قيل : ما نُقل عن الكلبي يوجب الطعن عامّاً ، فينبغي أنْ لا تُقبل

ـــــــــــــــــــ

(١) أُصول الفقه ( متن كشف الأسرار ) ٣ : ٧٢ .

٢٦٩

رواياته جميعاً .

قلنا : إنّما يُوجب ذلك إذا ثبت ما نقلوا عنه بطريقِ القطع ، فأمّا إذا اتّهم به ، فلا يثبت حكمه في غير موضع التهمة ، وينبغي أنْ لا يثبت في موضع التهمة أيضاً ، إلاّ أنّ ذلك يورث شبهةً في الثبوت ، وبالشبهةِ تُرَدُّ الحجّة وينتفي ترجّح الصدق في الخبر ، فلذلك لم يثبت .

أو معناه ليس كلّ مَن اتّهم بوجهٍ ساقطُ الحديث ، مثل الكلبي وعبد الله بن لهيعة والحسن بن عمارة وسفيان الثوري وغيرهم ، فإنّه قد طعن في كلّ واحدٍ منهم بوجه ، ولكن علوّ درجتهم في الدّين وتقدّم رتبتهم في العلم والورع ، منع مِن قبول ذلك الطعن في حقّهم ومِن ردّ حديثهم به ، إذ لو رُدّ حديثُ أمثال هؤلاء بطعنِ كلّ أحد ، انقطع طريق الرواية واندرسَ الإخبار ، إذ لم يُوجد بعد الأنبياءعليهم‌السلام مَن لا يُوجد فيه أدنى شيء ممّا يجرح ، إلاّ مَن شاء الله تعالى ، فلِذلك لم يُلتَفت إلى مثل هذا الطعن ، فيُحمل على أحسن الوجوه ، وهو قصد الصيانة كما ذكر )(١) .

وقال القاضي العامري في كتاب( الناسخ والمنسوخ ) :

( قد خرّجتُ هذا من التفاسير التي سمعتها مِن الأئمّة رحمهم الله ، منها ما سمعت مِن الأستاذ الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن محمّد الإسفرايني رحمه الله ، مثل تفسير مقاتل بن سليمان والحلَبي والكلْبي... ولم أعتمد إلاّ بما صحّ عندي بتواتر واستفاضة ، أو رُوي في الصحاح بغير طعنِ الطاعنٍ ، والله الموفّق لذلك )(٢) .

لكن العجب ، أنّ أئمّة القوم يطعنون في الكلْبي وتفسيره ، فمنهم مَن

ـــــــــــــــــــ

(١) كشف الأسرار ـ شرح أُصول البزدوي ٣ : ٧٢ ـ ٧٣ .

(٢) الناسخ والمنسوخ للقاضي العامري ـ مقدّمة الكتاب .

٢٧٠

يقول هو كاذب ، ومنهم مَن ينادي بضلالته وإلحاده ، ومنهم مَن يحرّم أنْ يُنظر في تفسيره...

قال الذهبي في( ميزان الإعتدال ) :

( قال أحمد بن زهير لأحمد بن حنبل : يحلّ النظر في تفسر الكلْبي ؟ قال : لا .

عبّاس عن ابن معين قال : الكلْبي ليس بثقة ، وقال الجوزجاني وغيره : كذّاب ، وقال الدارقطني وجماعة : متروك ، وقال ابن حبّان : مذهبه في الدين ووضوح الكذِب فيه ، أظهر مِن أنْ يحتاج إلى الإغراق في وصفه )(١) .

وفي( تذكرة الموضوعات ) :

( قد قال أحمد في تفسير الكلْبي : مِن أوّله إلى آخره كذب ، لا يحلُّ النظر فيه )(٢) .

عليّ بن أبي طلحة

ومنهم : عليّ بن أبي طلحة ، وهو مِن رواة تفسير ابن عبّاس ، ووصَف السيوطي نسخته بالجودة ، وأورد كلاماً لأحمد في الاعتماد عليه .

قال في( الإتقان ) :

( وقد ورد عن ابن عبّاس في التفسير ما لا يُحصى كثرةً ، وفيه رواياتٌ وطرقٌ مختلفة ، فمن جيّدها طريق عليّ بن أبي طلحة الهاشمي عنه .

قال أحمد بن حنبل : بمصر صحيفة في التفسير ، رواها عليّ بن أبي طلحة ، لو رحَل رجلٌ فيها إلى مصر قاصداً ما كان كثيراً أسنده أبو جعفر النحاس في ناسخه.

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٥٥٨ ـ ٥٥٩/ ٧٥٧٤ .

(٢) تذكرة الموضوعات : ٨٢ .

٢٧١

قال ابن حجر : وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث، رواها عن معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عبّاس ، وهي عند البخاري عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها في صحيحه كثيراً ، فيما يعلّقه عن ابن عبّاس ، وأخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر كثيراً ، بوسائط بينهم وبين أبي صالح )(١) .

لكنّ المشكلة هي :

أوّلاً : إنّ في إسناد هذه النسخة إرسالاً ؛ لأنّ ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عبّاس ، قال في( الإتقان ) :

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٣٧ .

٢٧٢

 ( وقال قومٌ : لم يسمع ابن أبي طلحة من ابن عبّاس التفسير ، إنّما أخذه عن مجاهد أو سعيد بن جُبير )(١) .

لكنّ ابن حجر يحاول دفع هذا الإشكال ، قال السيوطي :

( قال ابن حجر : بعد أنْ عرفت الواسطة وهو ثقةٌ ، فلا ضير في ذلك )(٢) .

وثانياً : إنّ الرجل مطعون في وثاقته ، ففي( ميزان الإعتدال ) للذهبي :

( عليّ بن أبي طلحة ، عن مجاهد وأبي الوداك وراشد بن سعد ، وأخذ تفسير ابن عبّاس عن مُجاهد ، فلم يذكر مجاهداً ، بل أرسله عن ابن عبّاس .

قال أحمد بن محمّد بن عيسى في تاريخ حمص : اسم أبيه سالم بن مخارق ، فأعتقه العبّاس ، ومات عليّ سنة ثلاث وأربعين ومئة ، وقال أحمد بن حنبل : له أشياء مُنكرات ، وقال أبو داود : كان يرى السيف ، وقال النسائي : ليس به بأس .

قلت : حدّث عنه معاوية بن صالح وسُفيان الثوري ، عداده في أهل حمص ، قال دحيم : لم يَسمع عليّ بن أبي طلحة التفسير من ابن عبّاس .

قلت : روى معاوية بن صالح عنه ، عن ابن عبّاس تفسيراً كبيراً ممتعاً )(٣) .

وفي( حاشية الكاشف ) :

( قال يعوب بن سفيان : ضعيفُ الحديث ، يعني عليّ بن أبي طلحة )(٤) .

ـــــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٣٧ .

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٣٧ .

(٣) ميزان الاعتدال ٣ : ١٣٤/ ٥٨٧٠ .

(٤) حاشية الكاشف ـ مخطوط .

٢٧٣

وثالثاً : إنّ هذه النسخة يرويها أبو صالح عن معاوية بن صالح ، وهو أيضاً مجروحٌ جدّاً ، قال في( الميزان ) :

( معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي ، قاضي الأندلس ، أبو عمرو ، روى عن مكحول والكبار ، وعنه : ابن وهب وعبد الرحمان بن مهدي وأبو صالح وطائفة وثّقه أحمد وأبو زرعة وغيرهما .

وكان يحيى القطّان يتعنّت ولا يرضاه ، وقال أبو حاتم : لا يُحتجّ به ، ولذا لم يُخرّج له البخاري ، وليّنه ابن معين... )(١) .

ورابعاً : إنّ أبا صالح ـ كاتب الليث ـ أيضاً غير صالح قال في( الميزان ) :

( عبد الله بن صالح بن محمّد بن مسلم الجهني المصري ، أبو صالح ، كاتب الليث بن سعد على أمواله ، هو صاحب حديث وعلم مكثر ، وله مناكير ، حدّث عن معاوية بن صالح والليث وموسى بن عليّ وخلقٌ ، وعنه شيخه الليث وابن وهب وابن معين وأحمد بن الفرات ، والناس .

قال عبد الملك بن شعيب بن الليث : ثقةٌ مأمون ، سمع من جدّي حديثه ، وقال أبو حاتم : سمعت محمّد بن عبد الله بن عبد الحكم وسُئل عن أبي صالح فقال : تسألني عن أقرب رجلٍ إلى الليث ، لزِمه سفَراً وحضَراً ، وكان يخلو معه كثيراً ، لا يُنكر لمثله أنْ يكون قد سمع منه كثرةَ ما أخرج عن الليث .

وقال أبو حاتم : سمعت ابن معين يقول : أقلّ أحواله أنْ يكون قرأ هذهِ الكُتب على الليث وأجازها له ، ويُمكن أنْ يكون ابن أبي ذئب كتب إليه بهذا الدرج .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٤ : ١٣٥/ ٨٦٢٤ .

٢٧٤

قال : وسمعت أحمد بن صالح يقول : لا أعلم أحداً روى عن الليث عن ابن أبي ذئب إلاّ أبو صالح.

وقال أحمد بن حنبل : كان أوّل أمره مُتماسكاً ثمّ فسد بآخره ، يَروي عن ليث عن ابن أبي ذئب ، ولم يسمع الليث من ابن أبي ذئب شيئاً .

وقال أبو حاتم : هو صدوقٌ أمينٌ ما علِمته ، وقال أبو زرعة : لم يكن عندي ممّن يتعمّد الكذب ، وكان حسنُ الحديث ، وقال أبو حاتم : أخرج أحاديثَ في آخر عمره أنكروها عليه ، يرى أنّها ممّا افتعل خالد بن نجيح ، وكان أبو صالح يصحبه ، وكان سليم الناحية ، لم يكن وزن أبي صالح الكذب ، كان رجلاً صالحاً ، وقال أحمد بن محمّد [بن] الحجّاج بن رشدين : سمعت أحمد بن صالح يقول : متّهمٌ ليس بشيء ـ يعني الحمراوي عبد الله بن صالح ـ ، وسمعت أحمد بن صالح يقول في عبد الله بن صالح ، فأجروا عليه كلمةً أُخرى .

وقال ابن عبد الحكم : سمعت أبي عبد الله يقول ما لا أُحصي وقد قيل له : إنّ يحيى بن بكير يقول في أبي صالح شيئاً ، فقال : قل له : هل حدّثك الليث قطّ إلاّ وأبو صالح عنده ، وقد كان يخرج معه إلى الأسفار وهو كاتبه ، فتنكر أنْ يكون عنده ما ليس عند غيره .

وقال سعيد بن منصور : كلّمني يحيى بن معين قال : أحبّ أنْ تمسك عن عبد الله بن صالح، فقلت: لا أمسك عنه وأنا أعلم النّاس به ، إنّما كان كاتباً للضِياع .

وقال أحمد : كتب إليّ ـ وأنا بحمص ـ يسألني الزيارة .

قال الفضل بن محمّد الشعراني : إنّي ما رأيت أبا صالح إلاّ وهو يُحدّث أو يُسبّح .

قال صالح جَزَرة : كان ابن معين يوثّقه ، وهو عندي يكذِب في الحديث ، وقال النسائي : ليس بثقةٍ ، يحيى بن بكير أحبّ إلينا منه ، وقال ابن المديني : لا أروي عنه شيئاً ، وقال ابن حبّان : كان في نفسه صدوقاً ، إنّما وقعَت المناكير في حديثه من قِبل جارٍ له ، فسمعتُ ابن خزيمة يقول : كان له جار ، كان بينه وبينه عداوة ، كان يضع الحديث على شيخ أبي صالح ويكتبه بخطٍّ يشبه خطَّ عبد الله ويرميه في داره بين كتبه ، فيتوهّم عبد الله أنّه خطّه فيُحدّث به .

وقال ابن عدي : هو عندي مستقيمُ الحديث ، إلاّ أنّه يقع في أسانيده ومتونه غلطٌ ولا يتعمّد .

٢٧٥

قلت : وقد روى عنه البخاري في الصحيح على الصحيح ، ولكنّه يدلّسه فيقول : ثنا عبد الله ولا ينسبه وهو هو، نعم علّق البخاري حديثاً فقال فيه : قال الليث بن سعد : حدّثني جعفر بن ربيعة ، ثمّ قال في آخر الحديث : حدّثني عبد الله بن صالح ، ثنا الليث ، فذكره ، ولكن هذا عند ابن حمويه السرخسي دون صاحبيه .

وفي الجملة ؛ ما هو بدون نعيم بن حمّاد ، ولا إسماعيل بن أبي أُويس ، ولا سويد بن سعيد ، وحديثهم في الصحيحين ، ولكلّ منهم مناكير تغتفر في كثرة ما روى ، وبعضها منكر واهٍ ، وبعضها غريبٌ محتمل .

وقد قامت القيامة على عبد الله بن صالح بهذا الخبر الذي قال : حدّثنانافع بن يزيد ، عن زهرة بن معبد ، عن سعيد بن المسيّب ، عن جابر، مرفوعاً : ( إنّ الله اختار أصحابي على العالمين ، سوى النبيّين والمرسلين ، واختار مِن أصحابي أربعة : أبا بكر ، وعُمر ، وعثمان ، وعليّاً ، فجعلهم خيرَ أصحابي ، وفي أصحابي كلّهم خير ) .

قال سعيد بن عمرو ، عن أبي زرعة : بُلي أبو صالح بخالد بن نجيح ، في حديث زهرة بن معبد عن سعيد ، وليس له أصل .

قلت : قد رواه أبو العبّاس محمّد بن أحمد الأثرم... )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ٤٤٠ ـ ٤٤٢/ ٤٣٨٣ .

٢٧٦

سعيد بن بشير

ومنهم : سعيد بن بشير، صاحب قتادة ، من رجال السنن الأربعة ، وهذه ترجمته في( الميزان ) :

( سعيد بن بشير ، صاحب قتادة ، سكن دمشق ، وحدّث عن قتادة والزهري وجماعة ، وعنه : أبو مسهر وأبو الجماهر ويحيى الوحاظي ، قال أبو مسهر : لم يكن في بلدنا أحفظ منه ، وهو مُنكَر الحديث ، وقال أبو حاتم : محلّه الصّدق ، وقال البخاري : يتكلّمون في حفظه ، وقال بقيّة : سألت شعبة عنه فقال : ذاك صدوق اللّسان ، وقال عثمان عن ابن معين : ضعيف .

وقال عبّاس عن ابن معين : ليس بشيء ، وقال الفلاّس : حدّثنا عنه ابن مهدي ثمّ تركه ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال ابن الجوزي : قد وثّقه شعبة ودحيم ، وقال ابن عيينة : حدّثنا سعيد بن بشير وكان حافظاً ، وقال أبو زرعة النصري : قلت لأبي الجماهر : كان سعيد بن بشير قدريّاً ؟ قال : معاذَ الله ، وسمعت أبا مسهر يقول : أتيتُ سعيداً أنا ومحمّد بن شعيب فقال : والله لا أقول إنّ الله يُقدّر الشر ويعذّب عليه ، ثمّ قال : أستغفر الله ، أردتُّ الخير فوقعت في الشرّ ) .

( قال يعقوب الفسوي : سألت أبا مسهر عن سعيد بن بشير فقال : لم يكن في جندنا أحفظ منه ، وهو ضعيفٌ ، مُنكَر الحديث وقال ابن نمير : يروي عن قتادة المُنكرات .

وذكره أبو زرعة في الضعفاء وقال : لا يحتجّ به ، وكذا قال أبو حاتم ) .

( ولسعيد تفسير رواه عنه الوليد .

قال ابن عدي : لا أرى بما يَروي بأساً ، ولعلّه يهم ويغلط .

وله عند أهل دمشق تصانيف ، رأيت له تفسيراً مصنّفاً ، والغالب عليه الصدّق .

قيل : ماتَ سنة ثمانٍ وستّين ومئة )(١) .

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٢ : ١٢٨ ـ ١٣٠/ ٣١٤٣ .

٢٧٧

الفريابي

ومنهم : الفريابي... فإنّه وإنْ مُدِح ووثِّق ، كما في( الوافي بالوفيات ) حيث قال :

( محمّد بن يوسف بن واقد ، أبو عبد الله الفريابي ، ولد سنة ١٢٠ ، كان عالماً زاهداً ورِعاً ، من الطبقة السادسة ، قال : رأيتُ في المنام أنّي دخلت كرْماً فيه عِنب ، فأكلت من عنبه كلّه إلاّ الأبيض ، فقصَصْتُ رؤياي على سُفيان الثوري فقال : تُصيب مِن العلوم كلّها ، إلاّ الفرائض فإنّها جوهر العلم ، كما أنّ العِنب الأبيض جوهر العنب ، وكان كما قال .

روى عن الثوري وغيره وروى عنه الإمام أحمد وغيره قال البخاري : كان الفريابي مِن أفضل أهل زمانه ، وكان ثقة صدوقاً مجاب الدعوة ، توفّي سنة اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة ومئتين )(١) .

ومع هذا ، فقد أورده الذهبي في( الميزان ) ، وحكى عن يحيى بن معين أنّه حكم على بعض أحاديثه بالبطلان ، وعن العجلي أنّ الفريابي أخطأ في مئةٍ وخمسينَ حديثاً(٢) .

ـــــــــــــــــــ

(١) الوافي بالوفيات ٥ : ٢٤٣/ ٢٣١٠ .

(٢) ميزان الاعتدال ٤ : ٧١ ـ ٧٢/ ٨٣٤٠ .

٢٧٨

عثمان بن أبي شيبة

ومنهم : عثمان بن أبي شيبة .

قال اليافعي في( تاريخه ) :

( الحافظ عثمان بن أبي شيبة العبْسي الكوفي ، وكان أسنّ مِن أخيه أبي بكر رحل وطوّف ، وصنّف التفسير والمسند ، وحضر مجلسه ثلاثونَ ألفاً )(١) .

وقال الذهبي في( الميزان ) :

( خ م د ق ـ عثمان بن أبي شيبة ، أبو الحسن ، أحد أئمّة الحديث الأعلام ، كأخيه أبي بكر )(٢) .

ومع ذلك ، فقد تُكلّم فيه مِن جهات ، قال في( الميزان ) :

( قال عبد الله : وقلت لأبي : حدّثنا عثمان ، ثنا جرير ، عن شيبة بن نعامة ، عن فاطمة بنت حسين بن عليّ ، عن فاطمة الكبرى ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لكلّ بني أب عُصبةٌ ينتمون إليه ، إلاّ وِلد فاطمة ، أنا عُصبتهم ) .

وقلت له : حدّثنا عثمان ، ثنا أبو خالد الأحمر ، عن ثور بن يزيد ، عن أبي الزبير ، عن جابر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( تسليم الرجل بأصبع واحد ، يشير بها فعل اليهود ) .

فأنكر أبي هذه الأحاديث مع أحاديث من هذا النحو، أنكرها جدّاً، وقال:

ـــــــــــــــــــ

(١) مرآة الجنان ٢ : ٩٢ السنة ٢٣٩ .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٥/ ٥٥١٨ .

٢٧٩

هذه موضوعة أو كأنّها موضوعة .

وقال أبي : أبو بكر أخوه ، أحبّ إليّ مِن عثمان ، فقلت : إنّ يحيى بن معين يقول : إنّ عثمان أحبّ إليّ ، فقال أبي : لا .

ورواها أبو عليّ ابن الصواف ، عن عبد الله ، عن أبيه وزاد فقال : ما كان أخوه أبو بكر يُطَنِّف نفسه لشيء مِن هذه الأحاديث ، نسأل الله السلامة .

وقال : كنّا نراه يتوهّم هذه الأحاديث )(١) .

( قال يحيى : ثقةٌ مأمون قلت : إلاّ أنّ عثمان كان لا يحفظ القرآن فيما قيل ، فقال أحمد بن كامل : ثنا الحسن بن الحباب : أنّ عثمان بن أبي شيبة قرأ عليهم في التفسير :( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ ) قالها : ألف لام ميم )(٢) .

( قلت : لعلّه سبْق لسان ، وإلاّ فقطعاً كان يحفظ سورة الفيل ، وهذا تفسيره قد حمله النّاس عنه )(٣) .

وقال السيوطي في( تدريب الراوي ) :

( أورد الدارقطني في كتاب التصحيف كلّ تصحيفٍِ وقعَ للعلماء ، حتّى في القرآن ، من ذلك ما رواه أنّ عثمان بن أبي شيبة قرأ على أصحابه في التفسير : (وجعل السفينة في رجل أخيه فقيل له : إنّما هو( جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ) . فقال : أنا وأخي أبو بكر لا نقرأ لعاصم قال : وقرأ عليهم في التفسير

ـــــــــــــــــــ

(١) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٦/ ٥٥١٨ .

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٧/ ٥٥١٨ .

(٣) ميزان الاعتدال ٣ : ٣٧/ ٥٥١٨ .

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326