الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية0%

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 326

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

مؤلف: عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمي (المحدث القمي)
تصنيف:

الصفحات: 326
المشاهدات: 146508
تحميل: 8852

توضيحات:

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 326 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 146508 / تحميل: 8852
الحجم الحجم الحجم
الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

مؤلف:
العربية

عند خروجه: جعلت فداك اني اخاف عليك في هذا الوجه، فالى من الأمر بعدك؟ قال فكرَّ اليّ(١) بوجهه ضاحكاً وقال لي: ليس حيث كما ظننت في هذه السنة، فلما استدعى به المعتصم صرت اليه فقلت له: جعلت فداك انت خارج فالى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتي اخضلَّت(٢) لحيته، ثم التفت اليّ فقال عند هذه(٣) تخاف عليّ، الأمر من بعدي الى ابني عليّ وروى ان زوجته ام الفضل سمته.

وفي البحار، عن تفسير العياشي، عن زرقان صاحب ابن ابي داود(٤) وصديقه بشدة، قال رجع ابن ابي داود ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم، فقلت له في ذلك، فقال وددت اليوم انّي قد مت منذ عشرين سنة، قال قلت له ولم ذاك؟ قال لما كان من هذا الاسود، أبو جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي امير المؤمنين، قال: قلت له وكيف كان ذلك؟ قال ان سارقاً اقر على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره باقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه، وقد احضر محمد بن عليعليه‌السلام ، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب ان يقطع؟ قال فقلت من الكرسوع قال وما الحجة في ذلك؟ قال قلت لأن اليد هي الاصابع والكف الى الكرسوع، لقول اللّه في التيميم (فامسحوا بوجوهكم وايديكم) واتفق معي في ذلك قوم، وقال آخرون بل يجب القطع من المرفق، قال وما الدليل على ذلك؟

____________________

(١) أي رجع وعطف اليه.

(٢) خضل الشيء: ندى وابتل.

(٣) أي السنة (منه).

(٤) اقول الظاهر ان داود تصحيف والصحيح ابن دؤاد. فان الذي سعى في قتل ابي جعفر الجوادعليه‌السلام هو ابن ابي دؤاد كسعال. واسمه احمد وكان قاضياً في عهد المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل وكان هلذه السعاية سبباً لأن ابتلى في آخر عمره بنكبة الزمان والفلج وتوفي بعد ثكله بولده محمد بعشرين يوماً سنة ٢٤٠ ببغداد.

لدغته افعاله أي لدغ

رب نفس افعاله أفعاها

(منه)

٢٢١

قالوا لأن اللّه لما قال: (وايديكم الى المرافق) في الغسل دل ذلك على ان حد اليد هو المرفق، قال فالتفت الى محمد بن عليّعليه‌السلام قال ما تقول في هذا يا ابا جعفر؟ فقال قد تكلم القوم فيه يا امير المؤمنين، قال دعني مما تكلموا به، أي شيء عندك؟ قال اعفني عن هذا يا امير المؤمنين، قال اقسمت عليك باللّه لما اخبرت بما عندك فيه، فقال اما إذ أقسمت عليّ باللّه اني اقول انهم اخطأوا فيه السنة، فان القطع يجب ان يكون من مفصل اصول الأصابع فيترك الكف، قال: وما الحجة في ذلك؟ قال قول رسول اللّه السجود على سبعة اعضاء الوجه واليدين والركبتين والرجلين، فاذا قطعت يده من الكرسوع او المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقال اللّه تبارك وتعالى: (وان المساجد للّه) يعني بها هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها: (فلا تدعوا مع اللّه احداً) وما كان للّه لم يقطع قال: فاعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الاصابع دون الكف، قال ابن ابي داود قامت قيامتي وتمنيت اني لم اك حياً، قال زرقان، قال ابن ابي داود: صرت الى المعتصم بعد ثلاثة فقلت ان نصيحة امير المؤمنين علي واجبة وانا اكلمه بما اعلم اني ادخل به النار، قال وما هو؟ قلت اذا جمع امير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لامر واقع من امور الدين، فسألهم عن الحكم فيه فاخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، وقد حضر مجلسه اهل بيته وقواده ووزراؤه وكتابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ثم يترك اقاويلهم كلهم، لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بامامته، ويدعون انه اولى منه بمقامه، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء، قال فتغير لونه وانتبه لما نبهته له، وقال جزاك اللّه عن نصيحتك خيراً، قال: فأمر اليوم الرابع فلاناً من كتاب وزرائه بان يدعوه الى منزله، فدعاه فأبى ان يجيبه وقال قد علمت اني لا احضر مجالسكم، فقال انّي انما ادعوك الى الطعام واحب ان تطأ ثيابي وتدخل منزلي فاتبرك بذلك، فقد احب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك، فصار اليه، فلما طعم منها احس السم فدعا بدابته فسأله رب المنزل ان يقيم، قال خروي من دارك خير لك، فلم يزل يومه ذلك

٢٢٢

وليله في حلقه(١) حتى قبضعليه‌السلام .

وفي اثبات الوصية قال لما انصرف ابو جعفرعليه‌السلام الى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبِّران ويعملان الحيلة في قتلهعليه‌السلام ، فقال جعفر لأخته ام الفضل (وكانت لأمه وابيه) في ذلك، لأنه وقف على انحرافها عنه وغيرتها عليه لتفضيله ام ابي الحسن ابنهعليه‌السلام عليها مع شدة محبتها له ولانها لم ترزق منه ولداً، فاجابت اخاها جعفراً وجعلوا سماً في شيء من عنب رازقي وكان يعجبه العنب الرازقي، فلما اكل منه ندمت وجعلت تبكي، فقال لها ما بكاؤك؟ واللّه ليضربنك بفقر لا ينجي (لا ينجبر ظ) وبلاء لا يتستر (لا يستتر ظ) فبليت بعلة في اغمض المواضع في جوارحها صار ناسوراً(٢) ينتقض عليها في وقت، فانفقت ما لها وجميع ملكها على العلة، حتى احتاجت الى رفد الناس، ويروى ان الناسور كان في فرجها، وترّدى جعفر بن المأمون في بئر فاخرج ميتاً، وكان سكراناً.

____________________

(١) أي احس السم او جراحته في حلقه. والا فالسم ان لم يخالط الدم لا يؤثر الموت.

(٢) نسر الجرح اللحم: نقضه. والناسور: العرق الغبر في باطنه فساد. وهي علة تكون في حوالي المقعدة.

٢٢٣

النور الثاني عشر.. الإِمام العاشر ابو الحسن الثالث عليُّ بن محمد النقي الهادي والبدر الباهر ذو الشرف والكرم والمجد والايادي صلوات اللّه عليه

ولد بصريا من المدينة للنصف من ذي الحجة سنة ٢١٢ اثنتي عشرة ومئتين وقيل يوم الجمعة ثاني رجب وقيل خامسه من تلك السنة.

امه المعظمة الجليلة سمانة المغربية. وفي الدر النظيم هي تعرف بالسيدة وتكنى ام الفضل، قال: قال محمد بن الفرج بن ابراهيم بن عبد اللّه بن جعفر: دعاني ابو جعفر الجواعليه‌السلام فاعلمني ان قافلة قد قدمت فيها نخاس معه جواري ودفع الي ستين ديناراً وامرني بابتياع جارية، وصفها، فمضيت فعملت ما أمرني به، فكانت تلك الجارية ام ابي الحسن الهاديعليه‌السلام .

وروى محمد بن الفرج وعلي بن مهزيار عن السيد(١) عليه‌السلام انه قال: امي عارفة بحقي وهي من اهل الجنة، لا يقربها شيطان مارد، ولا ينالها كيد جبار عنيد، وهي مكلوءة(٢) بعين اللّه لا تنام، ولا تختلف عن امهات الصديقين والصالحين. انتهى.

وكان نقش خاتمه: اللّه ربّي وهو عصمتي من خلقه، وله ايضاً خاتم نقشه حفظ العهود من اخلاق المعبود.

____________________

(١) أي ابو الحسن.

(٢) أي محفوظة ومحروسة.

٢٢٤

فصل في ذكر طرف من دلائل ابي الحسن الهادي عليه السلام واخباره وبراهينه وبيناته

روى الطبرسي عن ابن عياش بسنده عن ابي هاشم الجعفري، قال: كنت بالمدينة حين مر بها بغا(١) ايام الواثق في طلب الاعراب، فقال ابو الحسنعليه‌السلام : اخرجوا بنا حتى ننظر الى تعبئة هذا التركي، فخرجنا فوقفنا فمرت بنا تعبئته، فمر بنا تركي فكلمه ابو الحسنعليه‌السلام بالتركية فنزل عن فرسه فقبل حافر دابته، قال فحلفت التركي وقلت له: ما قال لك الرجل؟ قال هذا نبي؟ قلت ليس هذا بنبي، قال دعاني باسم سميت به في صغري في بلاد الترك، ما علمه احد الى الساعة.

وعنه ايضاً عن ابي هاشم الجعفري، قال: دخلت على ابي الحسنعليه‌السلام فكلمني بالهندية، فلم احسن ان ارد عليه، وكان بين يديه ركوة ملئت حصىً، فتناول حصاة واحدة ووضعها في فيه فمصها ملياً ثم رمى بها اليَّ فوضعتها في فمي، فواللّه ما برحت من عنده حتى تكلمت بثلاثة وسبعين لساناً اولها الهندية.

وروى الشيخ عن كافور الخادم قال: قال لي الإِمام علي بن محمدعليهما‌السلام ، اترك لي السطل الفلاني في الموضع الفلاني لأتطهَّر منه للصلاة، وانفذني في حاجة، وقال اذا عدت فافعل ذلك ليكون معدّاً اذا تاهبت للصلاة، واستلقىعليه‌السلام لينام، ونسيت ما قال لي، وكانت ليلة باردة فأحسست به وقد قام الى الصلاة، وذكرت انني لم اترك السطل، فبعدت عن الموضع خوفاً من لومه وتألمت له حيث يشقى بطلب

____________________

(١) بغا: اسم لقائدين كبيرين من قواد الترك في سلطنة بني العباس اولهما مشهور ببغا الكبير والثاني بالشرابي وهو من الذين هجموا على المتوكل وقتلوه.

٢٢٥

الإناء فناداني نداء مغضب، فقلت إنا للّه ايش(١) عذري ان اقول نسيت مثل هذا، و لم اجد بداً من اجابته فجئت مرعوباً، فقال: يا ويلك اما عرفت رسمي انني لا اتطهر الا بماء بارد فسخنت لي ماء فتركته في السطل، فقلت و اللّه يا سيدي ما تركت السطل ولا الماء، قال الحمد للّه واللّه لا تركنا رخصته و لا رددنا منحه، الحمد للّه الذي جعلنا من اهل طاعته، ووفقنا للعون على عبادته، ان النبي (صلى اللّه عليه و آله وسلم) يقول: ان اللّه يغضب على من لا يقبل رخصته.

الشيخ الصدوق عن ابي هاشم الجعفري: قال اصابتني ضيقة شديدة، فصرت الى ابي الحسن بن علي بن محمد (عليه السلام ) فاذن لي، فلما جلست قال: يا أبا هاشم أي نعم اللّه عز وجل عليك تريد ان تؤدي شكرها؟ قال ابو هاشم فوجمت فلم ادر ما اقول له، فابتدأعليه‌السلام فقال: رزقك الايمان فحرم به بدنك على النار، ورزقك العافية فاعانتك على الطاعة، ورزقك القنوع فصانك عن التبذل، يا ابا هاشم انما ابتدأتك بهذا لأني ظننت انك تريد ان تشكو لي من فعل بك هذا، و قد امرت لك بمئة دينار فخذها.

الطبرسي عن محمد بن الحسن الاشتر العلوي: قال كنت مع ابي على باب المتوكل وانا صبّي في جمع من الناس ما بين طالبي الى عباسي و جعفري، و نحن وقوف اذ جاء ابو الحسنعليه‌السلام ترجل الناس كلهم حتى دخل، فقال بعضهم لبعض لِمَ نترجل لهذا الغلام؟ وما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا ولا باسنِّنا، والله لا ترجلنا له، فقال ابو هاشم الجعفري والله لتترجلن له صغرة اذا رأيتموه، فما هو الا ان اقبل وبصروا به حتى ترجل له الناس كلهم فقال لهم ابو هاشم اليس زعمتم انكم لا تترجلون له فقالوا له واللّه ما ملكنا انفسنا حتى ترجلنا.

وروي ان ابا هاشم شكا الى مولانا ابي الحسن علي بن محمدعليه‌السلام ما يلقى من الشوق اليه اذا انحدر من عنده الى بغداد، وقال له:

____________________

(١) أي ايُّ شيء (منه).

٢٢٦

يا سيدي ادع اللّه لي فما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه، فقال قواك اللّه يا ابا هاشم وقوى برذونك، قال فكان ابو هاشم يصلّي الفجر ببغداد ويسير على البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك عسكر سُرَّ من رأى ويعود من يومه الى بغداد اذا شاء على ذلك البرذون بعينه، فكان هذا من اعجب الدلائل التي شوهدت.

اقول: ابو هاشم الجعفري هو داود بن القاسم بن اسحاق بن عبد اللّه بن جعفر بن ابي طالبعليه‌السلام البغدادي الثقة الجليل الذي ادرك الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمر عليهم السلام). وقد اشرنا اليه عند ولادة الصادقعليه‌السلام ، وكان عظيم المنزلة عندهمعليهم‌السلام . وقد روى عنهم كلهم، وله اخبار ومسائل، وله شعر جيد فيهم، ومن شعره في ابي الحسن الهاديعليه‌السلام وقد اعتل:

مادت(١) الأرض بي وآدت(٢) فؤادي

واعترتني موارد العرواء

حين قيل الإِمام نضو(٣) عليل

قلت نفسي فدته كل الفداء

مرض الدين لاعتلالك واعتـ

ـل وغارت(٤) له نجوم السماء

عجباً ان منيت بالداء والسقـ

ـم وانت الامام حسم الداء

انت آسي(٥) الادواء(٦) في الدين

والدنيا ومحيي الأموات والاحياء

القطب الراوندي عن جماعة من اهل الصفهان، قالوا: كان باصفهان رجل يقال له عبد الرحمان وكان شيعياً، قيل له ما السبب الذي وجب عليك القول بامامة علي النقيعليه‌السلام دون غيره من الزمان؟ قال شاهدت ما اوجب ذلك عليَّ وهو أنّي كنت رجلاً فقيراً وكان لي لسان وجرأة فأخرجني

____________________

(١) مادت أي اضطربت (منه) (٢) اد ت أي ثقلت (منه).

(٣) نضو يعني مقلّ هزيل (منه). (٤) أي انخسفت.

(٥) يعني طبيب وجراح (منه).

(٦) بفتح الهمزة جمع داء وبالكسر: مصاحبة المريض.

٢٢٧

اهل اصفهان سنة من السنين (فخرجت خ) مع قوم آخرين الى باب المتوكل متظلمين، فكنا بباب المتوكل يوماً اذ خرج الأمر باحضار علي بن محمد بن الرضاعليه‌السلام ، فقلت لبعض من حضر من هذا الرجل الذي قد امر باحضاره؟ فقيل هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته، ثم قال ويقدَّر ان المتوكِّل يحضره للقتل، فقلت لا ابرح من ها هنا حتى انظر الى هذا الرجل، أيّ رجل هو، قال فأقبل راكباً على فرس وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صفين ينظرون اليه، فلما رأيته وقع حبه في قلبي، فجعلت ادعو له في نفسي بان يدفع اللّه عنه شر المتوكل، فاقبل يسير بين الناس وهو ينظر على عرف(١) دابته لا ينظر يمنة ولا يسرة وانا اكرر في نفسي الدعاء له، فلما صار بازائي اقبل بوجهه اليَّ (علي خ د ) وقال: قد استجاب اللّه دعاءك وطوَّل عمرك وكثر مالك وولدك، قال فارتعدت من هيبتته ووقعت بين اصحابي فسألوني وهم يقولون ما شأنك؟ فقلت خيراً ولم اخبر بذلك مخلوقاً، فانصرفنا بعد ذلك الى اصفهان، ففتح اللّه عليّ بدعائه وجوهاً من المال حتى انا اليوم أغلق بابي على ما قيمته الف الف درهم سوى مالي خارج داري، ورزقت عشرة من الاولاد، وقد بلغت الآن من عمري نيفاً و سبعين سنة، وانا اقول بامامة الرجل على الذي علم ما في قلبي واستجاب اللّه دعاءه في امري.

وروي عن هبة اللّه بن ابي منصور الموصولي انه قال: كان بديار ربيعة كاتب نصراني وكان من اهل كفر توثا(٢) يسمى يوسف بن يعقوب وكان بينه وبين والدي صداقة، قال: فوافانا فنزل عند والدي، فقلت (فقال د) له ما شأنك قدمت في هذا الوقت، قال دعيت الى حضرة المتوكل ولا ادري ما

____________________

(١) أي الشعر النابت علي مقدم عتق الفرس.

(٢) كفر توثا: قرية كبيرة من اعمال الجزيرة بينها وبين دارا خمسة فراسخ وكفر توثا ايضاً من قرى فلسطين. والجزيرة اسم للبلاد التي بين دجلة والفرات من امهات مدنها الموصل وحران ونصيبين وآمد.

٢٢٨

يراد مني الا أنّي اشتريت نفسي من اللّه بمئة دينار قد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا (عليهم

السلام) معي، فقال له والدي: قد وفقت في هذا، قال: وخرج الى حضرة المتوكل وانصرف الينا بعد ايام قلائل فرحاً مستبشراً، فقال له والدي: حدثني حديثك، قال صرت الى سر من رأى وما دخلتها قط، فنزلت في واد وقلت احب ان اوصل المئة الدينار الى ابن الرضاعليه‌السلام قبل مصيري الى باب المتوكل وقبل ان يعرف احد قدومي، قال فعرفت ان المتوكل قد منعه من الركوب وانه ملازم لداره، فقلت كيف اصنع؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضاعليه‌السلام ؟ لا آمن ان يبدر بي فيكون ذلك زيادة فيما احاذره، قال: ففكرت ساعة في ذلك، فوقع في قلبي ان اركب حماري واخرج في البلد ولا امنعه من حيث يذهب لعلي اقف على معرفة داره من غير ان أسأل احداً، قال فجعلت الدنانير في كاغذة وجعلتها في كمي وركبت، فكان الحمار يتخرق الشوارع والاسواق يمر حيث يشاء الى ان صرت الى باب دار فوقف الحمار، فجهدت ان يزول فلم يزل، فقلت للغلام سل لمن هذه الدار، فقيل هذه دار ابن الرضاعليه‌السلام ، فقلت: اللّه اكبر دلالة مقنعة، قال واذا خادم اسود قد خرج فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت نعم، قال انزل، فنزلت فاقعدني في الدهليز فدخل، فقلت في نفسي: هذه دلالة اخرى، من اين عرف هذا الغلام اسميُ وليس في هذا البلد من يعرفني ولا دخلته قط، فخرج الخادم فقال مئة دينار التي في كمك في الكاغذة هاتها، فناولته اياها، قلت وهذه ثالثة، ثم رجع اليَّ، و قال: ادخل فدخلت اليه، وهو في مجلسه وحده فقال يا يوسف ما ان لك؟ فقلت يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفى، فقال هيهات انك لا تسلم ولكن سيسلم ولدك فلان وهو من شيعتنا، يا يوسف ان اقواما يزعمون ان ولايتنا لا تنفع امثالكم، كذبوا، واللّه انها لتنفع امثالك، امض فيما وافيت له فانك سترى ما تحب وسيولد لك ولد مبارك، قال فمضيت الى باب المتوكل فنلت كل ما اردت فانصرفت، قال هبة اللّه: فلقيت ابنه بعد هذا (يعني بعد موت والده) وهو مسلم حسن

٢٢٩

التشيع، فاخبرني ان اباه مات على النصرانية وانه اسلم بعد موت ابيه، و كان يقول انا بشارة

مولايعليه‌السلام .

روى السيد بن طاوس في امان الاخطار عن ابي محمد القاسم بن العلا، قال: حدثنا خادم لعلي بن محمدعليه‌السلام قال استأذنته في الزيارة الى طوس، فقال لي: يكون معك خاتم فصه عقيق اصفر عليه ما شاء اللّه لا قوة الا باللّه استغفر اللّه وعلي الجانب الآخر محمد وعليّ فانه امان من القطع واتم للسلامة واصون لدينك، قال: فخرجت واخذت خاتماً على الصفة التي امرني بها ثم رجعت اليه، فقال يا صافي قلت لبيك يا سيدي، قال ليكن معك خاتم آخر فيروزجفانه يلقاك في طريقك اسد بين طوس و نيسابور فيمنع القافلة من المسير فتقدم اليه وأره الخاتم وقل له: مولاي يقول لك تنح عن الطريق، ثم قال ليكن نقشه اللّه الملك وعلى الجانب الآخر الملك للّه الواحد القهار فأنه خاتم امير المؤمنين عليعليه‌السلام كان عليه: اللّه الملك، فلما ولي الخلافة نقش على خاتمه الملك للّه الواحد القهار و كان فصه فيروزج وهو امان من السباع خاصة وظفر في الحروب، قال الخادم فخرجت في سفري فلقيني واللّه السبع ففعلت ما امرت ورجعت وحدثته، فقال لي: بقيت عليك خصلة لم تحدثني بها ان شئت حدثتك بها، فقلت يا سيدي لعلي نسيتها، فقال: نعم، بت ليلة بطوس عند القبر. فصار الى القبر قوم من الجن لزيارته فنظروا الى الفص في يدك فقرأوا نقشه فأخذوه من يدك وصاروا الى عليل لهم وغسلوا الخاتم بالماء وسقوه ذلك الماء فبرئ وردوا الخاتم اليك، وكان في يدك اليمنى فصيروه في يدك اليسرى، فكثر تعجبك من ذلك ولم تعرف السبب فيه، ووجدت عند رأسك حجر ياقوت فاخذته وهو معك فاحمله الى السوق فانك ستبيعه بثمانين ديناراً، فحملته الى السوق وبعته بثمانين ديناراً كما قال سيدي (منه) في الحاشية.

وعن زرارة حاجب المتوكل، قال: وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند الي المتوكل يلعب بالحق لم ير مثله، وكان المتوكل لعاباً(١) فاراد ان يخجل علي

____________________

(١)اي كثير اللعب.

٢٣٠

ابن محمد بن الرضاعليه‌السلام ، فقال لذلك الرجل: ان انت اخجلته اعطيتك الف دينار ركنية قال: تقدم بان يخبز دقاق خفاف واجعلها على المائدة واقعدني الى جنبه، ففعل واحضر عليّ بن محمدعليهما‌السلام ، وكانت له مسورة عن (على خ د) يساره كان عليها صورة اسد، وروي انه كان على باب من الابواب ستر وعليه صورة اسد، وجلس اللاعب الى جانب المسورة وقدم الطعام، فمد علي بن محمدعليه‌السلام يده الى دقاقة فطيرها المشعبذ في الهواء، فمدعليه‌السلام يده الى اخرى فطيرها، فتضاحك الناس، فضرب علي بن محمدعليه‌السلام يده على تلك الصورة التي على المسورة وقال خذ عدو اللّه، فوثبت تلك الصورة من المسورة فابتلعت الرجل اللاعب وعادت في المسورة كما كانت، فتحيَّر الجميع، فنهض علي بن محمدعليه‌السلام ليمضي، فقال المتوكل سألتك الا جلست ورددته، فقال واللّه لا يرى بعدها، اتسلط اعداء اللّه على اولياء اللّه، وخرج من عنده فلم ير الرجل بعد ذلك.

وروي ان المتوكل امر العسكر وهم تسعون الف فارس من الاتراك الساكنين بسر من رأى ان يملأ كل واحد مخلاة فرسه من الطين الأحمر ويجعل ( ويجعلوا خ د) بعضه على بعض في وسط برية واسعة هناك، فلما فعلوا ذلك صار مثل جبل عظيم واسمه تل المخالي، صعد فوقه واستدعى ابا الحسنعليه‌السلام واستصعده وقال استحضرتك لنظارة خيولي، وقد كان امرهم ان يلبوا التجافيف(١) ، ويحملوا الاسلحة، وقد عرضوا باحسن زينة وأتم عدد وعظم هيبة، وكان غرضه ان يكسر قلب كل من يخرج عليه، و كان خوفه من ابي الحسنعليه‌السلام ان يأمر احدا من اهل بيته ان يخرج على الخليفة، فقال له ابو الحسن (صلوات اللّه عليه) وهل (تريد ان) اعرض عليك عسكري؟ قال نعم فدعا اللّه سبحانه فإذا بين السماء والأرض من المشرق والمغرب ملائكة مدججون(٢) فغشي على

____________________

(١) جمع تجفاف بالكسر وهو آلة للحرب يلب الفرس والحيوان ليقيه في الحرب (منه).

(٢) فلان مدجج كمعظم أي شاك في السلاح (منه).

٢٣١

الخليفة، فلما افاق قال له ابو الحسنعليه‌السلام نحن لا ننافسكم في الدنيا، نحن مشتغلون بأمر الآخرة، فلا عليك مني مما تظن بأس.

الدر النظيم، قال محمد بن يحيى، قال: يحيى بن اكثم: في مجلس الواثق و الفقهاء بحضرته، من حلق رأس آدمعليه‌السلام حين حج؟ فتعايى القوم(١) عن الجواب، فقال الواثق انا احضركم من ينبئكم بالخبر، فبعث الى علي بن محمد الهاديعليه‌السلام فاحضره، فقال له يا ابا الحسن من حلق رأس آدم حين حج؟ فقال سألتك يا امير المؤمنيين إلا أعفيتني، قال اقسمت لتقولن، قال: اما اذا ابيت فان ابي حدثني عن جدي، عن ابيه عن جدَّه قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمر جبرائيل ان ينزل بياقوتة من الجنة فهبط بها فمسح بها رأس آدم فتناثر الشعر منه، فحيث بلغ نورها صار حرماً.

روى الاربلي ان ابا الحسنعليه‌السلام خرج يوماً من سر من رأى الى قرية، لمهّم عرض له، فجاء رجل من الاعراب يطلبه، فقيل له: قد ذهب الى الموضع الفلاني، فقصده، فلما وصل اليه قالعليه‌السلام له: ما حاجتك؟ فقال انا رجل من اعراب الكوفة المتمسكين بولاء جدِّك عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام وقد ركبني دين فادح(٢) اثقلني حمله، ولم أر من اقصده لقضائه سواك، فقال له ابو الحسنعليه‌السلام طب نفساً وقر عيناً، ثم انزله فلما اصبح ذلك اليوم قال له ابو الحسنعليه‌السلام : اريد منك حاجة، اللّه اللّه ان تخالفني فيها، فقال الأعرابي لا أخالفك، فكتب ابو الحسنعليه‌السلام ورقة بخطه معترفاً فيها ان عليه للاعرابي مالاً عينه فيها يرجح على دينه، وقال خذا هذا الخط فاذا وصلت الى سر من رأى احضر الي وعندي جماعة، فطالبني به واغلظ القول علي في ترك ابقائك اياه، اللّه اللّه في مخالفتي، فقال افعل واخذ الخط، فلما وصل ابو

____________________

(١) أي عجزوا. من العي وهو ظهور العجز (بسكون الجيم).

(٢) أي عظيم ثقيل.

٢٣٢

الحسنعليه‌السلام الي سر من رأى وحضر عنده جماعة كثيرون من اصحاب الخليفة، وغيرهم، حضر ذلك الرجل واخرج الخط وطالبه، وقال: كما أوصاه، فألان(١) ابو الحسنعليه‌السلام له القول ورفقه وجعل يعتذر اليه ووعده بوفائه وطيبة نفسه، فنقل ذلك الى الخليفة المتوكل فامر ان يحمل الى ابي الحسنعليه‌السلام ثلاثون الف درهم، فلما حملت اليه تركها الى ان جاء الرجل، فقال: خذ هذا المال فاقض منه دينك، وانفق الباقي على عيالك واهلك، واعذرنا فقال له الاعرابي: ياابن رسول اللّه و اللّه ان أملي كان يقصر عن ثلث هذا ولكن الّله اعلم حيث يجعل رسالته، واخذ المال و انصرف، وهذه منقبة من سمعها حكم له بمكارم الاخلاق، قلت ويشبه هذا ما روي عن الديلمي في كتاب اعلام الورى عن ابي امامة: ان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذات يوم لاصحابه الا احدثكم عن الخضر؟ قالوا بلى يا رسول اللّه، قال بينا هو يمشي في سوق من اسواق بني اسرائيل، اذ بصر به مسكين فقال تصدق عليَّ بارك اللّه فيك، قال الخضر آمنت باللّه، ما يقضي اللّه يكون، ما عندي من شيء اعطيكه، قال المسكين بوجه اللّه لما تصدقت عليَّ، اني رأيت الخير في وجهك ورجوت الخير عندك، قال الخضرعليه‌السلام آمنت باللّه، انك سألتني بامر عظيم، ما عندي من شيء اعطيكه الا ان تأخذني فتبيعني، قال المسكين و هل يستقيم هذا، قال: الحق اقول لك، انك سألتني بأمر عظيم، سألتني بوجه ربي عز وجل، اما اني لا اخيبك في مسألتي بوجه ربّي، فبعني، فقدمه الى السوق فباعه باربعمئة درهم فمكث عند المشتري زماناً لا يستعمله في شيء، فقال الخضرعليه‌السلام انما ابتعتني التماس خدمتي فمرني بعمل، قال: اني اكره ان اشق عليك، انك شيخ كبير، قال: لست تشق عليَّ، قال فقم فانقل هذه الحجارة، قال وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم، فقام فنقل الحجارة في ساعته، فقال له احسنت

____________________

(١) ألان له أي اخذه بالملاطفة واللينة: ضد الخشونة.

٢٣٣

واجملت واطقت ما لم يطقه احد، قال: ثم عرض للرجل سفر فقال إنِّي احسبك أميناً فاخلفني في أهلي خلافة حسنة، وانِّي اكره ان اشق عليك، قال: لست تشق عليَّ، قال: فاضرب من اللبن شيئاً حتى ارجع اليك، قال فخرج الرجل لسفره ورجع و قد شيد بناء فقال له الرجل اسألك بوجه اللّه ما حسبك و ما أمرك؟ قال إنّك سألتني بامر عظيم، بوجه اللّه عز وجل، ووجه اللّه اوقعني في العبودية، و سأخبرك من انا، انا الخضر الذي سمعت به، سألني مسكين صدقة ولم يكن عندي شيء اعطيه، فسألني بوجه اللّه(١) عز وَجل فراد سائله و هو قادر على ذلك وقف يوم القيامة ليس لوجهه جلد و لا لحم و لا دم الا عظم يتقعقع(٢) قال الرجل شققت عليك ولم اعرفك، قال لا بأس اتقيت واحسنت، قال: بأبي انت وامّي احكم في اهلي ومالي بما أراك اللّه عز وجلّ، ام اخيرك فاخلي سبيلك، قال احب اليَّ ان تخلي سبيلي فاعبد اللّه على سبيله، فقال الخضر: الحمد للّه الذي اوقعني في العبودية فأنجاني منها.

فصل في نبذ من كلامه عليه السلام

قال: من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه. و قال: راكب الحرون(٣) اسير نفسه والجاهل اسير لسانه. وقال: الناس في الدنيا بالاموال وفي الآخرة بالاعمال. وقال: المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان، وقال: الهزل (الهزء خ د) فكاهة السفهاء وصناعة الجهال، وقال: السهر الذُّ للمنام والجوع يزيد في طيب الطعام، يريد به الحث على قيام الليل وصيام النهار. وقال: اذكر مصرعك بين يدي اهلك، فلا طبيب يمنعك ولا حبيب ينفعك. وقال: المقادير تريك ما لا يخطر ببالك. وقال لرجل وقد

____________________

(١) فجعلت نفسي عبداً له حتي باعني، ومن سأل اللّه عز وجل الخ ظ.

(٢) أي صوَّت عند التحريك.

(٣) حرن البغل: وقف ولم ينقد فهو وهي حرون.

٢٣٤

اكثر من افراط الثناء عليه: اقبل على شأنك، فان كثرة الملق(١) يهجم على الظنة، واذا حللت من اخيك، في محل الثقة فاعدل عن الملق الى حسن النية. وقال: الحكمة لا تنجع(٣) في الطباع الفاسدة. وقال: اذا كان زمان العدل فيه اغلب من الجود فحرام ان تظن باحد سوءاً حتى تعلم ذلك، واذا كان زمان الجور فيه اغلب من العدل فليس لأحد ان يظن باحد خيرا حتى يرى ذلك، منه.

عن سهل بن زياد قال: كتب اليه بعض اصحابنا يسأله ان يعلمه دعوة جامعة للدنيا والآخرة، فكتب اليه: اكثر من الاستغفار و الحمد، فانك تدرك بذلك الخير كله.

وقال للمتوكل في جواب كلام دار بينهما لا تطلب الصفاء ممن كدرت عليه، ولا الوفاء ممن غدرت به، ولا النصح ممن صرفت سوء ظنك اليه فانما قلب غيرك كقلبك له، الى غير ذلك. ومن أراد أن يقف على الكلمات الصادرة عن جنابه فعليه بالزيارة الجامعة الكبيرة المروية عنه (سلام اللّه عليه)، فانها كما قال العلامة المجلسي اصح الزيارات سنداً وافصحها لفظاً وابلغها معنىً واعلاها شأناً.

فصل فيما جرى بين ابي الحسن الهادي عليه السلام وبين بعض خلفاء زمانه

اشخص ابا الحسنعليه‌السلام المتوكل من المدينة الى سر من رأى، و كان السبب في ذلك، ان عبد اللّه بن محمد، وكان والي المدينة سعى بهعليه‌السلام اليه،فكتب المتوكل اليه كتاباً، يدعو به فيه الى حضور

____________________

(١) ملقه: تودد اليه وتذلل له وابدى له بلسانه ما ليس في قلبه.

(٢) نجع بالنون والجيم أي اثر (منه).

٢٣٥

العسكر على جميل من القول، وبعث يحيى بن هرثمة ثلاثمئة رجل لاشخاصه من طريق البادية، وقد رأى يحيى منهعليه‌السلام في ايام المصاحبة معه من الدلائل والآيات ما لا يتحملها المقام.

روى المسعودي عن يحيى بن هرثمة، قال وجهني المتوكل الى المدينة لإشخاص علي بن محمدعليه‌السلام لشيء بلغه عنه، فلما صرت اليها ضج اهلها، وعجوا ضجيجاً وعجيجاً، ما سمعت مثله، فجعلت أسكنهم وأحلف اني لم أؤمر فيه بمكروه، وفتشت بيته فلم اصب فيه الا مصحفاً(١) ودعاءً وما اشبه ذلك، فاشخصته وتوليت خدمته واحسنت عشرته، فبينا انا في يوم من الايام والسماء صاحية والشمس طالعة اذ ركب وعليه ممطر وقد عقد ذنب دابته، فعجبت من فعله فلم يكن بعد ذلك الا هنيهة حتى جاءت سحابة فارخت عزاليها(٣) ونالنا من المطر امر عظيم جداً، فالتفت اليَّ، وقال: انا اعلم انك انكرت ما رأيت، وتوهمت اني علمت من الامر ما لا تعلمه، وليس ذلك كما ظننت، ولكني نشأت بالبادية فانا اعرف الرياح التي يكون في عقبها المطر، فلما اصبحت هبت ريح لا تخلف، وشممت منها رائحة المطر، فتأهبت لذلك، فلما قدمت مدينة السلام بدأت باسحاق بن ابراهيم الطاطري وكان على بغداد، فقال يا يحيى ان هذا الرجل قد ولده رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمتوكل من تعلم، وان حرضته على قتله كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصمك فقلت واللّه ما وقفت منه الا على كل امر جميل، فصرت الى سامراء فبدأت بوصيف التركي، وكنت من اصحابه، فقال: واللّه لئن سقطت من رأس هذا الرجل شعرة لا يكون المطالب بها غيري، فعجبت من قولهما وعرَّفت المتوكل ما وقفت عليه وما سمعته من الثناء عليه، فاحسن جائزته واظهر بره وتكرمته. انتهي.

____________________

(١) وفي تذكرة السبط فلم اجد فيه الا مصاحف وادعية وكتب العلم فعظم في عيني وتوليت خدمته بنفسي الخ (منه).

(٢) عزالي جمع عزلاء امطارها.

٢٣٦

وقال في اثبات الوصية حدَّث ابو عبد اللّه محمد بن احمد الحلبي القاضي قال: حدثني الخضر بن محمد البزاز، وكان شيخاً، مستوراً ثقة يقبله القضاة والناس: قال: رأيت في المنام كأني على شاطئ دجلة بمدينة السلام في رحبة الجسر(١) والناس مجتمعون خلقاً كثيراً يزحم بعضهم بعضاً وهم يقولون قد اقبل بيت اللّه الحرام فبينا نحن كذلك اذ رأيت البيت بما عليه من الستائر الديباج والقباطي(٢) قد اقبل ماداً على الأرض يسير حتى عبر الجسر من الجانب الغربي الى الجانب الشرقي والناس يطوفون به وبين يديه حتى دخل دار خزيمة الى ان قال: فلما كان بعد أيام خرجت في حاجة حتى انتهيت الى الجسر، فرأيت الناس مجتمعين، وهم يقولون قد قدم ابن الرضاعليه‌السلام من المدينة فرأيته قد عبر من الجسر على شهري تحته كبير، يسير عليه سيراً رفيقاً، والناس بين يديه وخلفه، وجاء حتى دخل دار خزيمة بن حازم فعلمت انه تأويل الرؤيا التي رأيتها، ثم خرج الى سر من رأى انتهى.

وقال الشيخ الطبرسي، (رضي اللّه عنه)، فلما وصل إلى سرَّ من رأى تقدم المتوكل ان يحتجب عنه في منزله، فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك(٣) فقام فيه يومه، ثم تقدم المتوكل بإفراد دار له فانتقل اليها، ثم روى عن صالح بن سعيد، قال: دخلت على ابي الحسنعليه‌السلام في يوم وروده فقلت له جعلت فداك في كل الامور أرادوا اطفاء نورك، والتقصير بك، حتى انزلوك هذا الخان الاشنع، خان الصعاليك، فقال ها هنا انت يا بن سعيد ثم اومأ بيده فاذا بروضات انقات(٤) وانهار جاريات فيها خيرات

____________________

(١) أي محله المتسع.

(٢) القبطية بضم القاف وبكسرها: ثياب من كتان منسوبة الى القبط. جمعها: القباطي.

(٣) صعلوك كعصفور: درويش. صعاليك جمع، وصعاليك العرب: لصوصهم وفقراؤهم (منه).

(٤)اي معجبات مؤثرات على ما سواها.

٢٣٧

عطرات وولدان كانهن اللؤلؤ المكنون فحار بصري وكثر عجبي، فقال: حيث كنا فهذا يا ابن سعيد لسنا في خان الصعاليك.

وفي اثبات الوصية روى انهعليه‌السلام دخل دار المتوكل فقام يصلي فاتاه بعض المخالفين فوقف حياله فقال له: الى كم هذا الرياء؟ فاسرع الصلاة وسلم، ثم التفت اليه فقال: ان كنت كاذباً سحتك اللّه، فوقع الرجل ميتا فصار حديثاً في الدار.

وروي عنهعليه‌السلام قال: اخرجت الى سر من رأى كرهاً ولو أخرجت عنها أخرجت كرهاً، قيل ولم يا سيدي؟ قال لطيب هوائها وعذوبة مائها وقلة دائها.

الشيخ المفيد عن ابن قولويه عن الكليني عن علي بن محمد عن ابراهيم بن محمد الطاهري، قال: مرض المتوكل من خرّاج(١) خرج به فأشرف منه على الموت، فلم يجسر احد ان يسِمه بحديدة، فنذرت أمه إن عوفي ان تحمل الى ابي الحسن علي بن محمدعليه‌السلام مالاً جليلاً من مالها وقال له الفتح بن خاقان لو بعثت الى هذا الرجل يعني ابا الحسنعليه‌السلام فسألته فإنه ربما كان عنده صفة شيء يفرج اللّه به عنك، فقال ابعثوا اليه فمضى الرسول ورجع، فقال: خذوا كسب(٢) الغنم فديفوه(٣) بماء الورد وضعوه على الخراج فانه نافع، باذن اللّه، فجعل من يحضر المتوكل يهزأ من قوله، فقال لهم الفتح: وما يضر من تجربة ما قال، فواللّه اني لأرجو الصلاح به، فاحضر الكسب وديف بماء الورد ووضع على الخراج فانفتح وخرج ما كان فيه وسرّت أم المتوكل بعافيته فحملت الى ابي الحسنعليه‌السلام عشرة آلاف دينار تحت ختمها واستقل(٤) المتوكل من

____________________

(١) خراج كغراب: القرحة (منه).

(٢) و(٣) الكسب بالضم عصارة الدهن ولعل المراد ها هنا ما يشبهها مما يتلبد من السرقين تحت ارجل الشاة والدوف الخلط والبل بماء ونحوه (منه).

(٤) الظاهر انه تصحيف والصحيح استبل بالباء مكان القاف قال في منتهى الارب استبل.

٢٣٨

علته، فلما كان بعد أيام، سعى البطحائي بأبي الحسنعليه‌السلام الى المتوكل، وقال عنده اموال وسلاح فتقدم المتوكل الى سعيد الحاجب، ان يهجم عليه ليلاً ويأخذ ما يجده عنده من الأموال والسلاح ويحمل اليه، قال ابراهيم بن محمد، قال لي سعيد الحاجب: صرت الى دار ابي الحسنعليه‌السلام بالليل ومعي سلم فصعدت منه الى السطح ونزلت من الدرجة الى بعضها في الظلمة فلم ادر كيف أصل الى الدار فناداني ابو الحسنعليه‌السلام من الدار يا سعيد مكانك، حتى يأتوك بشمعة، فلم ألبث ان آتوني بشمعة فنزلت فوجدت عليه جبة صوف وقلنسوة منها، وسجادته على حصير بين يديه، وهو مقبل على القبلة، فقال لي: دونك البيوت، فدخلتها وفتشتها فلم اجد فيها شيئاً ووجدت البدرة مختومة بخاتم ام المتوكل، وكيساً مختوماً معها، فقال لي ابو الحسنعليه‌السلام : دونك المصلى فرفعته فوجدت سيفاً في جفن ملبوس، فاخذت ذلك، وصرت اليه، فلما نظر الى خاتم امه على البدرة بعث اليها فخرجت اليه فسألها عن البدرة فأخبرني بعض خدم الخاصة انها قالت: كنت نذرت في علتك ان عوفيت ان أحمل اليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها اليه وهذا خاتمي على الكيس، ما حركه، وفتح الكيس الآخر فاذا فيه أربعمئة دينار فأمر أن يضم الى البدرة بدرة اخرى، وقال لي: احمل ذلك الى ابي الحسنعليه‌السلام واردد عليه السيف والكيس بما فيه فحملت ذلك اليه واستحييت منه، فقلت له: يا سيدي عزَّ(١) عليَّ دخولي دارك بغير اذنك، ولكني مأمور، فقال لي وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون.

٢٣٩

فصل في ذكر ما جرى بين علي الهادي عليه السلام والمتوكل وهجوم الاتراك عليه

كان المتوكل يجتهد في ايقاع حيلة بعلي بن محمدعليه‌السلام ، ويعمل على الوضع من قدره في عيون الناس، فلا يتمكن من ذلك، وله معه احاديث يطول بذكرها الكتاب، فيها آيات لهعليه‌السلام ودلالات فلا بأس بذكر بعضها رجاء ان يملأ اللّه تعالى به صحائفنا من الحسنات.

منها ما رواه القطب الراوندي عن أبي سعيد سهل بن زياد قال: حدثنا ابو العباس فضل بن احمد بن اسرائيل الكاتب ونحن في داره بسامراء فجرى ذكر ابي الحسنعليه‌السلام ، فقال: يا ابا سعيد اني احدثك بشيء حدثني به ابي، قال: كنا مع المعتز وكان ابي كاتبه، فدخلنا الدار واذا المتوكل على سريره قاعد فسلم المعتز ووقف ووقفت خلفه، وكان عهدي به اذا دخل رحب به ويأمره بالقعود فاطال القيام وجعل يرفع رجلا ويضع اخرى، وهو لا يأذن له بالقعود، ونظرت الى وجهه يتغير ساعة ويقبل الفتح بن خاقان ويقول: هذا الذي تقول فيه ما تقول ويردد عليه القول، والفتح مقبل عليه يسكنه ويقول مكذوب عليه يا امير المؤمنين، وهو يتلظّى ويقول: واللّه لاقتلن هذا المرائي وهو الذي يدَّعي الكذب ويطعن في دولتي، ثم قال جئني باربعة من الخزر جلاف(١) لا يفقهون فجيء بهم ودفع اليهم اربعة اسياف وامرهم ان يرطنوا بألسنتهم اذ دخل ابو الحسنعليه‌السلام ويقبلوا عليه باسيافهم فيخبطوه وهو يقول واللّه لأحرقنه بعد القتل، وانا منتصب قائم خلف المعتز، من وراء الستر، فما علمت الا بأبي الحسنعليه‌السلام قد دخل وقد بادر الناس قدامه وقالوا قد جاء، والتفت فاذا انا به وشفتاه يتحركان وهو غير مكروب ولا جازع، فلما بصر به المتوكل رمى

____________________

(١) جمع جلف وهو الجافي الغليظ والصحيح في جمعها: اجلاف.

٢٤٠