الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية0%

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 326

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

مؤلف: عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمي (المحدث القمي)
تصنيف:

الصفحات: 326
المشاهدات: 146481
تحميل: 8852

توضيحات:

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 326 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 146481 / تحميل: 8852
الحجم الحجم الحجم
الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

مؤلف:
العربية

بنفسه عن السرير اليه وسبقه وانكب عليه فقبل ما بين عينيه ويديه وسيفه بيده، وهو يقول: يا سيدي يا ابن رسول اللّه يا خير خلق الله، يا ابن عمي، يا مولاي يا ابا الحسن، وابو الحسنعليه‌السلام يقول اعيذك يا امير المؤمنين باللّه، اعفني من هذا، فقال ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت؟ قال جاءني رسولك، فقال: المتوكل يدعوك، ثم قال: كذب ابن الفاعلة ارجع يا سيدي من حيث شئت، يا فتح يا عبد اللّه يا معتز شيعوا سيِّدكم وسيِّدي، فلما بصر به الخزر خروا سجَّداً مذعنين(١) فلما خرج دعاهم المتوكل ثم امر الترجمان ان يخبره بما يقولون، ثم قال لهم: لِمَ لم تفعلوا ما امرتكم به؟ قالوا: شدة هيبته، رأينا حوله أكثر من مئة سيف لم نقدر أن نتأملهم فمنعنا ذلك عما أمرت به وامتلأت قلوبنا من ذلك رعباً، فقال المتوكل يا فتح هذا صاحبك، وضحك الفتح في وجهه، فقال: الحمد للّه الذي بيَّض وجهه وأنار حجته.

ومنها ما رواه المسعودي عن محمد بن عرفة النحوي عن المبرد، قال: قال المتوكل لأبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالبعليهم‌السلام : ما يقول ولد أبيك في العباس بن عبد المطلب؟ قال: وما يقول ولد ابي يا امير المؤمنين في رجل افترض اللّه طاعه نبيه على خلقه وافترض طاعته على نبيه، فأمر له بمئة الف درهم، وانما أراد ابو الحسنعليه‌السلام طاعة اللّه على نبيِّه فعرض، فظن المتوكل انهعليه‌السلام أراد من طاعته على نبيه طاعة عمه العباس وانما أرادعليه‌السلام طاعة اللّه تعالى لا طاعة عمه.

وقد كان سُعي بأبي الحسن عليّ بن محمدعليه‌السلام الى المتوكل وقيل له: ان في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته فوجه اليه ليلاً من الاتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله، على غفلة ممن في داره، فوجده في البيت وحده، مغلق عليه، وعليه مدرعة من شعر ولا بساط في البيت الا

____________________

(١) صاغرين، مذعورين (ظ).

٢٤١

الرمل والحصى، وعلى رأسه ملحفة من الصوف متوجهاً الى ربه، يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، فأخذ على ما وجد عليه وحمل الى المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس، فلما رآه اعظمه واجلسه الى جنبه، ولم يكن في منزله شيء مما قيل فيه، ولا حالة يتعلل عليه بها، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: يا امير المؤمنين ما خامر(١) لحمي ودمي قط، فاعفني منه، فعفاه وقال: انشدني شعراً استحسنه، فقال اني لقليل الرواية للاشعار، فقال لا بد أن تنشدني فانشده:

باتوا على قلل الاجبال تحرسهم

غلب الرجال فما اغناهم القلل

واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم(٢)

فاودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعدما قبروا

اين الاسرة(٣) والتيجان والحلل

اين الوجوه التي كانت منعمة؟

من دونها تضرب الاستار والكلل(٤)

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طال ما اكلوا دهراً وما شربوا

واصبحوا بعد طول الاكل قد اكلوا

وطالما عمروا دوراً لتحصنهم(٥)

ففارقوا الدور والاهلين وانتقلوا

____________________

(١) أي خالط وداخل فيه.

(٢) جمع معقل وهو الملجأ او الجبل المرتفع.

(٣) جمع سرير وهو التخت، ويغلب على تخت الملك.

(٤)كلل: جمع كلة بكسر الكاف وهي الستر الرقيق.

(٥) لتمنعهم وتحميهم.

٢٤٢

وطالما كنزوا الاموال وادخروا

فخلفوها على الاعداء وارتحلوا

اضحت منازلهم قفراً معطلة

وساكنوها الى الاجداث(١) قد رحلوا

قال فاشفق من حضر على عليّعليه‌السلام وظنوا ان بادرة(٢) تبدر منه اليه، قال واللّه لقد بكى المتوكل بكاءً طويلاً حتى بلت دموعه لحيته، وبكى من حضره، ثم أمر برفع الشراب، ثم قال له يا ابا الحسن اعليك دين؟ قال نعم اربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها اليه ورده الى منزله من ساعته مكرَّماً.

ومنها ما عن القطب الراوندي عن زرارة حاجب المتوكل، قال: اراد المتوكل ان يمشي علي بن محمد بن الرضاعليهم‌السلام يوم السلام فقال له وزيره: ان في هذا شناعة عليك وسوء قالة(٣) فلا تفعل، قال: لا بد من هذا، قال: فان لم يكن بد من هذا فتقدم بأن يمشي القواد والاشراف كلهم حتى لا يظن الناس انك قصدته بهذا دون غيره، ففعل ومشىعليه‌السلام وكان الصيف، فوافى الدهليز وقد عرق، قال فلقيته واجلسته في الدهليز ومسحت وجهه بمنديل وقلت: ابن عمك لم يقصدك بهذا دون غيرك، فلا تجد عليه في قلبك، فقال: ايهاً(٤) عنك، تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب، قال زرارة وكان عندي معلم يتشيع وكنت كثيراً ما امازحه بالرافضي فانصرفت الى منزلي وقت العشاء وقلت تعال يا رافضي حتى احدثك بشيء سمعته اليوم من إمامكم، قال لي وما سمعت؟ فاخبرته بما قال فقال: اقول لك فاقبل نصيحتي، قلت هاتها قال: ان

____________________

(١) اجداث: جمع جدث بفتح الأولين وهو القبر.

(٢) البادرة: ما يبدو من الإِنسان عند حدته. السهم من جهة النصل.

(٣) أي باعث لقول السوء فيك، والقالة: القول الفاشي في الناس خيراً او شراً.

(٤) بكسر الهمزة أي اسكت وكف، واذا اردت التبعيد قلت ايها بفتح الهمزة بمعنى هيهات (منه).

٢٤٣

كان علي بن محمدعليه‌السلام قال بما قلت فاحترز واخزن كل ما تملكه فان المتوكل يموت او يقتل بعد ثلاثة ايام، فغضبت عليه وشتمته وطردته من بين يديّ، فخرج فلما خلوت بنفسي تفكرت، وقلت: ما يضرني ان آخذ بالحزم، فان كان من هذا شيء كنت قد اخذت بالحزم، وان لم يكن لم يضرّني ذلك، قال فركبت الى دار المتوكل فاخرجت كل ما كان لي فيها، وفرقت كل ما كان في داري الى عند اقوام اثق بهم، ولم اترك في داري الا حصيراً اقعد عليه، فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل وسلمت، انا ومالي، وتشيعت عند ذلك فصرت اليه، ولزمت خدمته وسألته ان يدعو لي، وتواليته حق الولاية.

اقول وقصتهعليه‌السلام مع زينب الكذَّابة بحضرة المتوكل ونزولهعليه‌السلام الى بركة السباع وتذللها له ورجوع زينب عما ادعته مشهورة، اغنانا شهرتها عن ذكرها.

قال القطب الراوندي وأما عليّ بن محمد الهاديعليه‌السلام فقد اجتمعت فيه خصال الإَمامة وتكامل فضله وعلمه وخصاله الخيِّرة، وكانت اخلاقه كلها خارقة للعادة كاخلاق آبائه وكان بالليل مقبلا على القبلة لا يفتر ساعة وعليه جبة صوف وسجادته على حصير، ولو ذكرنا محاسن شمائله لطال بها الكتاب. انتهى.

وقد تقدم ما نقلناه عن المسعودي مما يشهد لكلامه، وتقدم ايضاً انه لما دخل دار المتوكل قام يصلّي، فقال بعض المخالفين: الى كم هذا الرياء فوقع الرجل ميتاً.

٢٤٤

فصل في تاريخ وفاة ابي الحسن الهادي عليه السلام

قبض ابو الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام ) مسموماً بسر من رأى في يوم الاثنين ثالث رجب سنة ٢٥٤ اربع وخمسين ومئتين(١) وله يومئذ احدى واربعون سنة واشهر، وكانت مدة امامته ثلاثاً وثلاثين سنة واشهراً، وكان ايام امامته بقية ملك المعتصم ثم ملك الواثق ثم ملك المتوكل ثم ملك المنتصر ثم ملك المستعين ثم ملك المعتز، ودفن في داره بسر من رأى، وخرج ابو محمدعليه‌السلام في جنازته وقميصه مشقوق وصلى عليه ودفنه.

وقال المسعودي: وكانت وفاة ابي الحسنعليه‌السلام في خلافة المعتز باللّه وذلك في يوم الاثنين لاربع بقين من جمادى الآخرة سنة ٢٥٤ وهو(٢) ابن اربعين سنة وقيل ابن اثنتين واربعين وقيل اكثر من ذلك، و سمع في جنازته جارية، تقول: ماذا لقينا في يوم الاثنين قديماً وحديثاً، وصلى عليه احمد بن المتوكل على اللّه في شارع ابي احمد في داره بسامراء، ودفن هناك. انتهى.

اقول: اشارت الجارية بهذه الكلمة الى يوم وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجلافة(٣) المنافقين الطغام(٤) والبيعة التي عمّ شؤمها الإِسلام، واخذت الجارية هذه عن عقيلة الهاشميين زينب بنت امير المؤمنين،عليهما‌السلام ، في ندبتها على الحسينعليه‌السلام : يأبي من اضحى عسكره يوم الاثنين نهباً.

____________________

(١) وقيل ٢٦ من جمادى الآخر. وقيل ثاني الرجب، وقيل خامسة، وقيل ثالث عشره.

(٢) وهذا مختاره في اثبات الوصية.

(٣) مصدر جلف الرجل: كان جلفاً أي جافياً غليظاً.

(٤) بفتح الطاء (للواحد والجمع): اوباش الناس ورذا لهم.

٢٤٥

وقال في اثبات الوصية: حدثنا جماعة كل واحد منهم يحكي، انه دخل الدار، أي دار ابي الحسنعليه‌السلام ، يوم وفاته وقد اجتمع فيها جل بني هاشم من الطالبيين والعباسيين واجتمع خلق من الشيعة ولم يكن ظهر عندهم، امر ابي محمدعليه‌السلام ، ولا عرف خبره الا الثقات الذين نص ابو الحسنعليه‌السلام عندهم عليه، فحكوا انهم كانوا في مصيبة وحيرة، فهم في ذلك اذ خرج من الدار الداخلة خادم فصاح بخادم آخر يا رياش خذ هذه الرقعة وامض بها الى دار امير المؤمنين، وادفعها الى فلان، وقل له: هذه رقعة الحسن بن علي، فاستشرف الناس لذلك،ثم فتح من صدر الرواق باب وخرج خادم اسود، ثم خرج بعده ابو محمدعليه‌السلام حاسراً مكشوف الرأس مشقوق الثياب وعليه مبطنة ملحم(١) بيضاء وكان وجهه وجه ابيهعليه‌السلام لا يخطئ(٢) منه شيئاً وكان في الدار اولاد المتوكل وبعضهم ولاة العهد فلم يبق احد الا قام على رجله، ووثب اليه ابو احمد الموفق، فقصده ابو محمدعليه‌السلام فعانقه ثم قال له: مرحباً بابن العم وجلس بين بابي الرواق والناس كلهم بين يديه، وكانت الدار كالسوق بالاحاديث، فلما خرج وجلس امسك الناس فما كنا نسمع شيئاً الا العطسة والسعلة وخرجت جارية تندب ابا الحسنعليه‌السلام فقال ابو محمدعليه‌السلام ما ها هنا من يكفي مؤونة هذه الجاهلة (الجارية - خ)، فبادر الشيعة اليها فدخلت الدار، ثم خرج خادم فوقف بحذاء ابي محمد فنهض صلى اللّه عليه وأخرجت الجنازة وخرج يمشي حتى اخرج بها إلى الشارع الذي بازاء دار موسى بن بغا، وقد كان ابو محمدعليه‌السلام ، صلى عليه، قبل ان يخرج الى الناس، وصلى عليه لما اخرج المعتمد، ودفن صلى اللّه عليه في دار من دوره، الى ان قال: وتكلمت الشيعة في شق ثيابهعليه‌السلام وقال بعضهم رأيتم احداً من الأئمة شق ثوبه في مثل هذا

٢٤٦

الحال؟ فوقع الي من قال ذلك: يا احمق ما يدريك ما هذا، قد شق موسى على هارونعليهما‌السلام . انتهى.

وروى عنهعليه‌السلام قال هذا الدعاء كثيراً ما ادعو اللّه به وقد سألت اللّه عز وجل ان لا يخيب من دعا به في مشهدي بعدي وهو:

(يا عدتي عند العُدد (بضم العين) ويا رجائي والمعتمد ويا كهفي والسند ويا واحداً يا احد ويا قل هو اللّه احد، اسألك اللهم بحق من خلقته من خلقك، ولم تجعل في خلقك مثلهم احداً، صلِّ على جماعتهم وافعل بي كذا وكذا).

٢٤٧

النور الثالث عشر.. الإِمام الحادي عشر ابو محمد الحسن بن علي العسكري ...

وسبط سيد البشر ووالد الخلف المنتظر السيد الرضي الزكي صلوات الله عليه

وعلى آبائه الكرام وخلفه خاتم الأئمة الاعلام

ولدعليه‌السلام بالمدينة الطيبة يوم العاشر او الثامن من شهر ربيع الآخر وقيل في رابعه ٢٣٢ اثنتين وثلاثين ومئتين(١) .

قال شيخنا الحر العاملي في تاريخه:

مولده شهر ربيع الآخر

وذاك في اليوم الشريف العاشر

في يوم الاثنين وقيل الرابع

وقيل في الثامن وهو شائع

امهعليه‌السلام تسمى حديث(٢) او سليل، ويقال لها الجدة، وكانت من العارفات الصالحات، وكفى في فضلها انها كانت مفزع الشيعة بعد وفاة ابي محمدعليه‌السلام ، روى الشيخ الصدوق عن احمد بن ابراهيم قال: دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا اخت ابي الحسن صاحب العسكرعليهم‌السلام في سنة اثنتين وستين ومئتين فكلمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها فسمت لي من تأتم بهم، ثم قالت: والحجة بن الحسنعليه‌السلام ، فسمته الى ان قال: فقلت لها: اين

____________________

(١) وقيل في عاشر رمضان، وقيل في عام ولادته انه سنة ٢٣١ هجري.

(٢) مصغراً (منه).

٢٤٨

الولد؟ يعني الحجةعليه‌السلام قالت مستور، فقلت: الى من تفرغ الشيعة؟ فقالت الى الجدة ام ابي محمدعليه‌السلام ، فقلت لها أَقْتَدِي بمن وصيَّتُه الى امرأة؟ قالت: اقتداء بالحسين بن علي، والحسين بن عليعليه‌السلام ، اوصى الى اخته زينب بنت عليعليهما‌السلام ، في الظاهر، وكان ما يخرج عن علي بن الحسينعليه‌السلام من علم ينسب الى زينب ستراً على علي بن الحسيينعليه‌السلام .

قال القطب الراوندي، واما الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام فقد كانت اخلاقه كأخلاق رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان رجلاً اسمر، حسن القامة جميل الوجه، جيد البدن، حدث السن، له جلالة وهيبة وهيئة حسنة، يعظمه العامة والخاصة اضطراراً، يعظمونه لفضله، ويقدمونه لعفافه وصيانته وزهده وعبادته وصلاحه واصلاحه، وكان جليلاً نبيلاً فاضلاً كريماً يحمل الاثقال ولا يتضعضع(١) للنوائب، اخلاقه خارقة للعادة على طريقة واحدة.

فصل في ذكر طرف من اخبار ابي محمد عليه السلام ومناقبه وآياته ومعجزاته

ونبدأ بنبذ مما شاهده ابو هاشم الجعفري ورواه الطبرسي من كتاب ابن عياش وغيره من غيره: فمن ذلك، ما روى انه قال ابو هاشم دخلت على ابي محمدعليه‌السلام وانا اريد أن اسأله ما اصوغ به خاتماً اتبرك به، فجلست ونسيت ما جئت له، فلما ودعته ونهضت رمى الي بخاتم، فقال: اردت فضة فاعطيناك خاتماً وربحت الفص والكرا، هنأك اللّه يا أبا هاشم، فتعجبت من ذلك فقلت يا سيدي إنك وليّ اللّه وامامي الذي ادين اللّه بفضله

____________________

(١) أي لا يخضع للحوادث والمصائب.

٢٤٩

وطاعته، فقال غفر اللّه لك يا ابا هاشم. وعنه ايضاً قال شكوت الى ابي محمدعليه‌السلام ضيق الحبس وثقل القيد فكتب اليَّ تصلي الظهر اليوم في منزلك، فاخرجت في وقت الظهر وصليت في منزلي كما قالعليه‌السلام ، وقال: كنت مضيقاً فاردت ان اطلب منه دنانير في كتابي، فاستحييت فلما صرت الى منزلي وجه اليَّ مئة دينار وكتب الي اذا كانت لك حاجة فلا تستحيي ولا تحتشم(١) واطلبها فانك ترى ما تحب، قال: وكان ابو هاشم حبس مع ابي محمدعليه‌السلام ، كان (المعتمد ظ) حبسهما مع عدة من الطالبيين في سنة ثمان وخمسين ومئتين، وروي عنه قال: كنت في الحبس مع جماعة فحبس ابو محمدعليه‌السلام واخوه جعفر، قال: وكان الحسنعليه‌السلام يصوم فاذا أفطر أكلنا معه من طعام كان يحمله غلامه اليه في جونة مختومة وكنت اصوم معه، فلما كان ذات يوم ضعفت فافطرت في بيت آخر على كعكة وما شعر بي واللّه احد، ثم جئت فجلست معه، فقال لغلامه اطعم ابا هاشم شيئاً فانه مفطر فتبسمت، فقال: ما يضحكك يا ابا هاشم؟ اذا اردت القوة فكل اللحم فان الكعك لا قوة فيه، فقلت صدق اللّه ورسوله وانتم عليكم السلام، فأكلت، فقال لي: افطر ثلاثاً فان المنة(٢) لا ترجع لمن انهكه(٣) الصوم في اقل من ثلاث. وعنه قال: سأل الفهفكي ابا محمدعليه‌السلام ما بال المرأة المسكينة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين؟ فقال ان المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا معقلة(٤) انما ذلك على الرجال، قال ابو هاشم، فقلت في نفسي: قد كان قيل لي ان ابن ابي العوجاء سأل ابا عبد اللّهعليه‌السلام عن هذه المسألة فأجابه بمثل هذا الجواب، فأقبل ابو محمدعليه‌السلام فقال:

____________________

(١) الاحتشام: الانقباض والاستحياء.

(٢) المنة بالضم: القوة (منه).

(٣) أي أضناه واجهده.

(٤) معقلة، بضم القاف: الدية (منه).

٢٥٠

نعم هذه مسألة ابن ابي العوجاء والجواب منها واحد، اذا كان معنى المسألة واحداً جرى لآخرنا ما جرى لأولنا، وأولنا وآخرنا في العلم والامر سواء، ولرسول اللّه وامير المؤمنين (صلوات اللّه عليهما وآلهما) فضلهما.

وعنه (رضي اللّه عنه) قال: سمعت ابا محمدعليه‌السلام يقول: من الذنوب التي لا يغفر قول الرجل ليتني لا اؤاخذ الا بهذا، فقلت في نفسي ان هذا لهو الدقيق، وينبغي للرجل ان يتفقد من نفسه كل شيء. فأقبل عليّ ابو محمدعليه‌السلام فقال: صدقت يا ابا هاشم الزم ما حدثتك به نفسك، فان الاشراك في الناس اخفى من دبيب الذر(١) على الصفا(٢) في الليلة الظلماء ومن دبيب الذر على المسح(٣) الاسود.

اقول: يعبر عن هذا القسم من الذنوب بالمحقرات، قال ابو عبد اللّهعليه‌السلام : ان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزل بارض قرعاء فقال لاصحابه ائتونا بحطب، فقالوا يا رسول اللّه نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب، قال فليأت كل انسان بما قدر عليه، فجاءوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض، قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هكذا تجتمع الذنوب، ثم قال إياكم والمحقرات من الذنوب، فان لكل شيء طالباً وان طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء احصيناه في امام مبين.

وحكي عن توبة بن الصمة انه كان محاسباً لنفسه في اكثر اوقات ليله ونهاره، فحسب يوماً ما مضى من عمره فاذا هو ستون سنة فحسب ايامها فكانت احد وعشرين الف يوم وخمسمئة يوم، فقال يا ويلتي القى كذا ما لك باحد وعشرين الف ذنب، ثم صعق صعقة كانت فيها نفسه.

____________________

(١) الذر: صغار النمل.

(٢) الصفا: الحجر الصلب الملس.

(٣) أي اللباس او الكساء من شعر.

٢٥١

وعنه قال: سمعت ابا محمدعليه‌السلام يقول ان في الجنة لبابا يقال له المعروف لا يدخله الا اهل المعروف فحمدت اللّه في نفسي وفرحت مما اتكلفه من حوائج الناس فنظر الي ابو محمدعليه‌السلام وقال: نعم فدم على ما انت عليه، وان اهل المعروف في الدنيا هم اهل المعروف في الآخرة، جعلك اللّه منهم يا ابا هاشم ورحمك.

وعن ابي هاشم ايضاً انه راكب ابو محمدعليه‌السلام يوماً الى الصحراء فركبت معه فبينما يسير قدامي وانا خلفه اذ عرض لي فكر في دين كان عليَّ قد حان أجله، فجعلت افكر في أيّ وجه قضاؤه فالتفت الي وقال: اللّه يقضيه، ثم انحنى على قربوس سرجه فخط بسوطه خطة في الأرض فقال يا ابا هاشم انزل فخذ واكتم، فنزلت فاذا سبيكة(١) ذهب، قال: فوضعتها في خفي وسرنا، فعرض لي الفكر، فقلت: ان كان فيها تمام الدين والا فاني ارضي صاحبه بها ونحب ان ننظر في وجه نفقة الشتاء وما تحتاج اليه فيه من كسوة وغيرها، فالتفت الي ثم انحنى ثانية فخط بسوطه مثل الاولى، ثم قال: انزل وخذ واكتم، قال فنزلت بسبيكة فجعلتها في الخف الاخر وسرنا يسيراً ثم انصرف الى منزله وانصرفت الى منزلي فجلست وحسبت ذلك الدين وعرفت مبلغه، ثم وزنت سبيكة الذهب، فخرج بقسط ذلك الدين وعرفت مبلغه، ثم وزنت سبيكة الذهب، فخرج بقسط ذلك الدين ما زادت ولا نقصت، ثم نظرت ما نحتاج اليه لشتوتي من كل وجه فعرفت مبلغه الذي لم يكن بد منه، على الاقتصاد بلا تقتير(٢) ولا اسراف ثم وزنت سبيكة الفضة، فخرجت على ما قدرته ما زادت ولا نقصت.

وعنه (رضي اللّه عنه) قال دخلت على ابي محمدعليه‌السلام وكان يكتب كتاباً فحان وقت الصلاة الأولى فوضع الكتاب من يده وقام الى الصلاة فرأيت القلم يمر على باقي القرطاس من الكتاب ويكتب حتى انتهى. إلى

____________________

(١) السبيكة: القطعة من الفضة او الذهب ذوبت وافرغت في قالب.

(٢) التقتير: ضد الاسراف وهو المماكسة في المعيشة.

٢٥٢

آخره، فخررت ساجداً، فلما انصرف من الصلاة اخذ القلم بيده واذن للناس.

اقول: هذا قليل من كثير ما شاهده ابو هاشم من آياته ودلائله فقد روى عنه، رحمه اللّه، قال: ما دخلت على ابي الحسن وابي محمدعليهما‌السلام قط الا رأيت منهما دلالة وبرهاناً.

فصل في آيات ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام وبراهينه

قال القطب الراوندي في الخرايج حدث فطرس (بطريق خ د) رجل متطبب(١) وقد أتى عليه مئة سنة ونيف(٢) فقال: كنت تلميذ بختيشوع(٣) طبيب المتوكل وكان يصطفيني، فبعث اليه الحسن العسكريعليه‌السلام ان يبعث اليه بأخص اصحابه عنده، ليفصده، فاختارني وقال: قد طلب مني الحسنعليه‌السلام من يفصده فسر اليه وهو اعلم في يومنا هذا ممن هو تحت السماء فاحذر ان تتعرض عليه فيما يأمرك به فمضيت اليه فامرني الى حجرة، وقال كن ها هنا الى ان اطلبك، قال: وكان الوقت الذي اتيت اليه فيه عندي جيداً محموداً للفصد، فدعاني في وقت غير محمود له فاحضر طستاً كبيراً عظيماً، ففصدت الاكحل، فلم يزل الدم يخرج حتى امتلأ الطست، ثم قال لي اقطع الدم فقطعته وغسل يده وشدها وردني الى الحجرة، وقدم لي من الطعام الحار والبارد شيئاً كثيراً، وبقيت الى العصر ثم

____________________

(١) متطبب ما على بناء الفاعل: التاء فيه للمبالغة.

(٢) نيف بالتشديد والتخفيف: كلما زاد عن العقد الثاني. مثلا يقال عشرة ونيف ومئة ونيف.

(٣) وهو من اشهر اطباء الدولة العباسية. استخدمه الرشيد واشتهر بالدربة في صناعته، وقد استحضره الهادي قبل من جند يشابور لمعالجته وله حكاية مع الرشيد حين امتحنه. وله ولد يسمى بجبرائيل، فاق اقرانه.

٢٥٣

دعاني وقال: سرح(١) ودعا بذلك الطست فسرحت وخرج الدم الى ان امتلأ الطست، فقال: اقطع فقطعت وشد يده وردني الى الحجرة فبت فيها، فلما اصبحت وظهرت الشمس دعاني واحضر ذلك الطست وقال: سرح، فسرحت وخرج من يده مثل اللبن الحليب(٢) الى ان امتلأ الطست، ثم قال: اقطع فقطعت وشد يده وتقدم اليَّ بتخت ثياب وخمين ديناراً، وقال: خذ هذا واعذر وانصرف، فاخذت ذلك وقلت يأمرني السيد بخدمة؟ قال نعم، بحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول، فصرت الى بختيشوع فقلت له القصة، فقال اجمعت الحكماء على ان اكثر ما يكون في بدن الانسان سبعة امنان من الدم وهذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجباً، واعجب ما فيه اللبن، ففكر ساعة ثم مكث ثلاثة أيام بلياليها يقرأ الكتب على ان يجد في هذه القصة ذكراً في العالم، فلم يجد، ثم قال: لم يبق اليوم في النصرانية اعلم بالطب من راهب بدير العاقول(٣) فكتب اليه كتاباً يذكر فيه ما جرى، فخرجت وناديته فاشرف علي وقال: من انت؟ قلت صاحب بختيشوع، قال معك كتابه؟ قلت نعم، فأرخى اليّ زنبيلاً فجعلت الكتاب فيه فرفعه وقرأ الكتاب، فنزل من ساعته، فقال: انت الرجل الذي فصدت؟ قلت نعم، قال طوبى لأمك، وركب بغلاً ومر في فيافي(٤) سر من رأى، وقد بقي من الليل ثلثه، قلت: اين تحب دار استاذنا او دار الرجل؟ فقال دار الرجل فصرنا الى بابه قبل الأذان ففتح الباب، فخرج الينا خادم اسود، وقال: ايكما صاحب دير العاقول؟ فقال الراهب: انا، جعلت فداك، فقال انزل، وقال لي الخادم: احفظ البغلين، واخذ بيده

____________________

(١) يقال سرح اذا اجراه جرياً سهلاً.

(٢) الحليب: اللبن المحلوب، يقال حلب الشاة: اذا اخرج ما في ضرعها من اللبن.

(٣) دير العاقول بين مداين كسرى والنعمانية: موضع بين واسط وبغداد (منه) اقول ولزيادة الايضاح، انظر مراصد الاطلاع.

(٤) جمع فيفاء وهي المفازة لا ماء فيها او المكان المستوي.

٢٥٤

ودخلا، فأقمت الى أن اصبحنا وارتفع النهار، ثم خرج الراهب وقد رمى ثياب الرهابين (بثياب الرهبانية خ د) ولبس ثيابا بيضاء وقد اسلم، وقال خذ بي الآن الى دار استاذك، فسرنا الى باب بختيشوع، ولما رآه بادر يعدو اليه، ثم قال: ما الذي ازالك عن دينك؟ قال وجدت المسيح فأسلمت على يده، قال: وجدت المسيح؟ فقال: نعم او نظيره فان هذه الفصدة لم يفعلها في العالم الا المسيح وهذا نظيره في آياته وبراهينه، ثم عاد الى الإِمامعليه‌السلام ولزم خدمته الى ان مات.

وروى انه وقع ابو محمدعليه‌السلام وهو صغير في بئر الماء وابو الحسنعليه‌السلام في الصلاة والنسوان يصرخن، فلما سلم قال: لا بأس، فرأوه وقد ارتفع الماء الى رأس البئر وابو محمدعليه‌السلام على رأس الماء يلعب بالماء.

وعن محمد بن (احمد خ د) الاقرع قال كتبت الى ابي محمدعليه‌السلام اسأله عن الإِمام هل يحتلم؟ وقلت في نفسي بعد ما فصل الكتاب: الاحتلام شيطنة وقد أعاذ اللّه اولياءه من ذلك، فورد الجواب حال الأئمة في النوم، حالهم في اليقظة، لا يغير النوم منهم شيئاً، وقد أعاذ اللّه اولياءه من لمة(١) الشيطان، كما حدثتك نفسك.

وعن عيسى بن صبيح قال دخل الحسن العسكريعليه‌السلام علينا الحبس وكنت به عارفاً وقال: لك خمس وستون سنة، واشهرا ويوماً، وكان معي كتاب دعاء وعليه تاريخ مولدي وإنني نظرت فيه، فكان كما قالعليه‌السلام ، وقال: هل رزقت من مولد (ولد ظ) قلت لا، قال اللهم

____________________

(١) أي المس (منه).

٢٥٥

ارزقه ولدا يكون له عضداً، فنعم العضد الولد، ثم تمثلعليه‌السلام :

من كان ذا ولد يدرك ظلامته

ان الذليل الذي ليست له عضد

قلت الك ولد؟ قال اي واللّه، سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فأما الان فلا، ثم تمثل:

لعلك يوماً أن تراني كأنّما

بنيّ حواليّ الاسود اللوابد(١)

فان تميماً قبل ان يلد الحصى(٢)

اقام زماناً وهو في الناس واحد

المفيد عن ابن قولويه، عن الكليني، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن اسحاق، عن ابي هاشم الجعفري، قال: قلت لابي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام جلالتك تمنعني من مسألتك، افتأذن لي أن أسألك؟ فقال سل، فقلت يا سيدي هل لك ولد؟ قال نعم؟ فقلت ان حدث حادث فأين اسأل عنه؟ قال بالمدينة.

الشيخ الكليني، عن علي بن محمد، عن محمد بن ابراهيم المعروف بابن الكردي، عن محمد بن علي بن ابراهيم بن موسى بن جعفرعليه‌السلام ، قال: ضاق بنا الأمر فقال لي ابي: امض بنا حتى نصير الى هذا الرجل يعني ابا محمدعليه‌السلام فإنه قد وصف عنه سماحة(٣) فقلت: تعرفه؟ قال: ما اعرفه ولا رأيته قط، قال فقصدناه، فقال لي ابي، وهو في

____________________

(١) اللبدة، بالكسر: الشعر المتراكب بين كتفيه (منه).

(٢) أي العدد الكثير (منه).

(٣) السماحة: الجود.

٢٥٦

طريقه: ما أحوجنا الى ان يأمر لنا بخمسمئة درهم مئتا درهم للدين (للدقيق. خ د) ومئة للنفقة، فقلت في نفسي ليته امر لي بثلاثمئة درهم مئة اشتري بها حماراً ومئة للنفقة ومئة للكسوة واخرج الى الجبل، قال فلما وافينا الباب خرج الينا غلامه، فقال: يدخل علي بن ابراهيم ومحمد ابنه، فلما دخلنا عليه وسلمنا قال لأبي: يا علي ما خلّفك عنا الى هذا الوقت فقال: يا سيدي استحييت ان القاك على هذه الحال، فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول ابي صرة فقال هذه خمسمئة درهم، مئتان للكسوة ومئتان للدين (للدقيق. خ د) ومئة للنفقة، وأعطاني صرة فقال هذه ثلاثمئة درهم اجعل مئة في ثمن حمار، ومئة للكسوة، ومئة للنفقة، ولا تخرج الى الجبل وصر الى سوراء(١) فصار الى سوراء وتزوج بأمرأة فدخله اليوم الف دينار(٢) ومع هذا يقول بالوقف، فقال محمد بن ابراهيم، فقلت له: ويحك اتريد امراً هو أبين من هذا؟ قال: فقال هذا امر(٣) قد جرينا عليه.

وعن ابي حمزة نصير الخادم قال: سمعت ابا محمدعليه‌السلام غير مرة يكلم غلمانه بلغاتهم، ترك وروم وصقالبة، فتعجبت من ذلك وقلت: هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى مضى ابو الحسنعليه‌السلام ولا رآه احد، فكيف احدث نفسي بذلك؟ فأقبل عليَّ فقال: ان اللّه تبارك وتعالى بيَّن حجته من سائر خلقه لكل شيء ويعطيه اللغات ومعرفة الانساب والآجال والحوادث، ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق.

وعن اسماعيل بن محمد بن علي بن اسماعيل بن علي بن عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب قال: قعدت لأبي محمدعليه‌السلام على ظهر الطريق فلما مر بي شكوت اليه الحاجة، وحلفت له انه ليس عندي درهم،

____________________

(١) سوراء بضم السين و المد ويروى بالقصر:موضع الى جنب بغداد وقيل سوراء موضع بالجزيرة، والجبل: كورة بحمص.

(٢) اربعة آلاف في الإرشاد(منه).

(٣) هذا هو التقليد الذي ذمه اللّه عز وجل في شريف كتابه فقال حكاية عن الكفار انا وجدنا آباءنا على امة وانا على آثارهم مقتدون (منه).

٢٥٧

فما فوقه ولا غداء ولا عشاء، قال فقال: تحلف باللّه كاذباً وقد دفنت مئتي دينار. وليس قولي هذا دفعاً لك عن العطية، اعطه يا غلام ما معك، فاعطاني غلامه مئة دينار، ثم أقبل عليَّ فقال لي: إنك تحرمها احوج ما تكون اليها يعني الدنانير التي دفنت، وصدقعليه‌السلام وكان كما قال، دفنت مئتي دينار وقلت: تكون ظهراً وكهفاً لنا، فاضطررت ضرورة شديدة الى شيء انفقه وانغلقت عليَّ ابواب الرزق، فنبشت عنها فاذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها وهرب، فما قدرت منها علي شيء.

وروى عن احمد بن اسحاق قال: قلت لأبي محمدعليه‌السلام جعلت فداك اني مغتم بشيء يصيبني في نفسي وقد أردت أن أسأل اباك فلم يقض لي ذلك، فقال وما هو يا احمد؟ فقلت يا سيدي روي لنا عن آبائكعليهم‌السلام ، ان نوم الانبياء على اقفيتهم ونوم المؤمنين على ايمانهم ونوم المنافقين على شمائلهم، ونوم الشياطين على وجوههم، فقالعليه‌السلام : كذلك هو، فقلت يا سيدي: فإني اجهد ان أنام على يميني فما يمكنني ولا يأخذني النوم عليها، فسكت ساعة، ثم قال: يا احمد ادن مني، فدنوت منه، فقال: ادخل يدك تحت ثيابك فادخلتها فأخرج يده من تحت ثيابه وادخلها تحت ثيابي، فمسح بيده اليمني على جانبي الايسر وبيده اليسرى على جانبي الايمن ثلاث مرات، قال احمد: فما اقدر ان انام على يساري منذ فعل ذلك بيعليه‌السلام وما يأخذني نوم عليها اصلاً.

روى الشيخ المفيد وغيره، أنه دخل العباسيون على صالح بن وصيف عندما حبس ابو محمدعليه‌السلام ، فقالوا له ضيق عليه ولا توسع، فقال لهم صالح ما أصنع به وقد وكلت به رجلين، شر من قدرت عليه، (علي بن بارمش وافنامش خ د) فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام على أمر عظيم، ثم أمر باحضار الموكلين، فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا: ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله، لا

٢٥٨

يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا(١) وداخلنا ما لا نملكه من انفسنا، فلما سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين(٢) .

اقول: يظهر من الروايات انهعليه‌السلام كان أكثر أوقاته محبوساً وممنوعاً من المعاشرة وكان مشغولاً بالعبادة للّه عز وجل، فروي انه لما حبسه المعتمد في يدي علي بن حزين وحبس جعفر اخاه معه، كان المعتمد يسأل علياً عن اخباره في كل وقت، فيخبره انه يصوم النهار ويصلي الليل، وفي بعض الأدعية اشير اليه بهذه العبارة: (وبحق النقي والسجاد الاصغر، وببكائه ليلة المقام بالسهر).

وعن السيد بن طاوس قال: إعلم أن مولانا الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام كان قد أراد قتله الثلاثة ملوك الذين كانوا في زمانه حيث بلغهم ان مولانا المهديعليه‌السلام يكون من ظهرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحبسوه عدة دفعات فدعا على من دعا عليه منهم، فهلك في سريع من الأوقات.

وروي انهعليه‌السلام سلم الى نحرير، وكان يطبق عليه ويؤذبه فقالت له امرأته: اتق الله فانك لا تدري من في منزلك، وذكرت له صلاحه وعبادته وقالت له: إني اخاف عليك منه، فقال: والله لأرمينه بين السباع. ثم استأذن في ذلك، فاذن له، فرمى به اليها ولم يشكوا في اكلها له، فنظروا الى الموضع ليعرفوا الحال، فوجدوهعليه‌السلام قائماً يصلي، وهي حوله فأمر بإخراجه الى داره.

اقول: والى هذه الدلالة الباهرة اشير في التوسل بهعليه‌السلام في الساعة الحادية عشر: (وبالامام الحسن بن عليعليه‌السلام الذي طرح للسباع فخلصته من مرابضها(٣) وامتحن بالدواب الصعاب فذللت له

____________________

(١) جمع فريصة وهي اللحمة بين الجنب والكتف او بين الثدي والكتف ترتعد عند الفزع.

(٢) أي متركين مطرودين.

(٣) جمع مربض كمسجد: موضع ربض للدواب، يقال ربضت الدابة اذا بركت، والبروك هو ان يلصق صدره بالأرض.

٢٥٩

مراكبها)، وفي الفقرة الثانية اشارة إلى ما شاع وذاع من انه كان للخليفة المستعين باللّه بغل صعب شموس(١) لا يقدر أحد على إلجامه ولا إسراجه ولا على ركوبه، فجاء ابو محمدعليه‌السلام يوماً الى رؤية الخليفة فقال له التمس منك يا ابا محمد إلجام هذا البغل وإسراجه، وكان غرضه اما يذلل البغل ويركبه او يقتله البغل، فقامعليه‌السلام ووضع يده علي كفل البغل فعرق، حتى سال العرق منه، وصار في غاية التذلل له، فاسرجه والجمه ثم ركبه واركضه(٢) في الدار فتعجب الخليفة من ذلك ووهبه لهعليه‌السلام .

المناقب، ابو القاسم الكوفي في كتاب التبديل: أن اسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه اخذ في تأليف تناقض القرآن وشغل نفسه بذلك، وتفرد به في منزله، وان بعض تلامذته دخل يوماً على الإِمام الحسن العسكريعليه‌السلام ، فقال له ابو محمدعليه‌السلام أما فيكم رجل رشيد يردع استاذكم الكندي عما اخذ فيه من تشاغله بالقران؟ فقال التلميذ نحن من تلامذته، كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا، او في غيره؟ فقال له ابو محمدعليه‌السلام : اتؤدي اليه ما القيه اليك؟ قال نعم، قال: فسر اليه وتلطف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله، فاذا وقعت الأنسة في ذلك فقل قد حضرتني مسألة اسألك عنها فإنه يستدعي ذلك منك فقل له: ان أتاك هذا المتكلم بهذا القران هل يجوز ان يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت اليها، فسيقول انه من الجائز لأنه رجل يفهم اذا سمع، فاذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعله قد أراد غير الذي ذهبت انت فيه فتكون واضعاً لغير معانيه، فصار الرجل الى الكندي وتلطف الى ان القى عليه هذه المسألة، فقال له اعد علي فأعاد عليه، فتفكر في نفسه، ورأى ذلك محتملاً في اللغة، وسائغاً في النظر، فقال اقسمت عليك الا اخبرتني من اين لك؟ فقال انه شيء عرض بقلبي

____________________

(١) الشموس بفتح الشين: الدابة التي لا تمكن ابداً من ركوبها.

(٢) ركضه برجليه، استحثه للعدو.

٢٦٠