الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية0%

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 326

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

مؤلف: عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمي (المحدث القمي)
تصنيف:

الصفحات: 326
المشاهدات: 146462
تحميل: 8852

توضيحات:

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 326 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 146462 / تحميل: 8852
الحجم الحجم الحجم
الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

الانوار البهية في تواريخ الحجج الالهية

مؤلف:
العربية

الحميري عن جعفر عن ابيهعليهما‌السلام ، قال: ان الحسين بن عليّعليه‌السلام كان يزور قبر الحسنعليه‌السلام في كل عشية جمعة.

وروى الشيخ في يَب، انه قال الحسن بن عليّعليه‌السلام : يا رسول اللّه ما لمن زارنا، قال: من زارني حياً او ميتاً او زار اباك حيّاً او ميتاً او زار اخاك حياً او ميتاً او زارك حيّاً او ميتاً كان حقاً عليَّ ان استنقذه يوم القيامة، الى آخره.

٨١

النور الخامس.. الامام الثالث الشهيد المظلوم ابو عبد اللّه الحسين بن علي بن ابي طالب امام الانس والجن سيد شباب اهل الجنة عليه السلام

ولدعليه‌السلام بالمدينة آخر شهر ربيع الاول سنة ثلاث من الهجرة كما اختار ذلك المفيد في المقنعة، والشيخ(١) في يب، والشهيد(٢) في الدروس، والبهائي في تاريخه(٣) وصاحب(٤) كشف الغطاء وغيرهم، وهذا يوافق ما رواه الكليني عن ابي عبد اللّهعليه‌السلام قال: كان بين الحسن والحسين طهر وكان بينهما في الميلاد ستة اشهر وعشراً حيث اراد بالطهر مقدار اقل زمان الطهر، وهو عشرة ايام، وروى ايضاً لم يكن بين الحسن والحسينعليهما‌السلام الا طهر واحد، وان مدة حمل الحسينعليه‌السلام ستة اشهر، ولكن المشهور انه ولدعليه‌السلام في ثالث شعبان واختاره الشيخان(٥) في مسار الشيعة، والمصباح، وهو يوافق التوقيع الشريف.

____________________

(١) أي شيخ الطائفة. محمد بن الحسن الطوسيرحمه‌الله في التهذيب.

(٢) كلما ذكر الشهيد مطلقتً او بقيد الأول فهو الشهيد الأول ابو عبد اللّه محمد بن المكي العالمي المتوفى سنة ٧٨٦ هجري. راجع ترجمته في الكنى والالقاب.

(٣) المسمى بتوضيح المقاصد. وقد طبع بمصر منضماً الى شرح القصيدة الذهبية.

(٤) هو الشيخ الكبير الشيخ جعفر ابن الشيخ خضر النجفي. فقيه زمانه. توفيرحمه‌الله سنة ١٢٢٨ هجري. وقد ذكر في مقدمة كتابه كشف الغطاء مواليد الأئمة ووفياتهم.

(٥) أي الشيخ المفيد والشيخ الطوسي (رحمهما اللّه).

٨٢

وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه صلى الظهر يوماً، فرأى جبرائيلعليه‌السلام فقال: اللّه اكبر، فاخبره جبرائيل برجوع جعفر من ارض الحبشة، فكبر ثانياً، فجاءت البشارة بولادة الحسينعليه‌السلام فكبر ثالثاً، اورده صاحب جواهر الكلام في اواخر مبحث التعقيب.

وروي ان اللّه تعالى هنأ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحمل الحسين وولادته وعزّاه بقتله فعرفت فاطمةعليها‌السلام فكرهت ذلك، فنزلت حملته امه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً.

اقول الذي يظهر لي من بعض اخبار اللوح، ان مولاتنا فاطمةعليها‌السلام لما اغتمت بولادة الحسينعليه‌السلام اعطاها ابوها اللوح ليسرها بذلك، والخبر هذا:

روى الصدوق عن ابي بصير عن ابي عبد اللّهعليه‌السلام ، قال: قال ابي لجابر بن عبد اللّه الانصاري: ان لي اليك حاجة فمتى يخف عليك ان اخلو بك فاسألك عنها، قال له جابر في أي الاوقات شئت، فخلا به ابيعليه‌السلام فقال له يا جابر: اخبرني عن اللوح الذي رأيته في يدي امي فاطمة بنت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما اخبرتك به امي، ان في ذلك اللوح مكتوباً قال جابر: اشهد باللّه اني دخلت على امك فاطمة (صلوات اللّه عليها) في حياة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اهنئها بولادة الحسينعليه‌السلام ، فرأيت في يدها لوحاً اخضر ظننت انه زمرد ورأيت فيه كتاباً ابيض شبه نور الشمس فقلت لها، بأبي انت وامي، يا بنت رسول اللّه، ما هذا اللوح فقالت: هذا اللوح اهداه اللّه عز وجل، الى رسوله، فيه اسم ابي واسم بعلي واسم ابنيّ واسماء الاوصياء من ولدي، فاعطانيه ليسرني بذلك، قال جابر: فاعطتنيه امك فاطمة فقرأته وانتسخته فقال ابيعليه‌السلام : فهل لك يا جابر ان تعرضه عليّ قال نعم فمشى معه ابيعليه‌السلام حتى انتهى الى منزل جابر، فاخرج الى ابي صحيفة

٨٣

من رق، قال جابر فأشهد باللّه أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً: بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب من اللّه العزير العليم لمحمد نوره وسفيره(٥) الى آخره ...

ورُوى انه لما ولد الحسينعليه‌السلام امر اللّه تعالى جبرائيل ان يهبط في ملأ من الملائكة فيهنئ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهبط فمر بجزيرة فيها ملك يقال له فطرس، بعثه اللّه في شيء فأبطأ فكسر جناحه، فالقاه في تلك الجزيرة فعبد اللّه سبعمئة عام، فقال فطرس لجبرائيل، الى اين فقال: الى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال احملني معك لعله يدعو لي، فلما دخل جبرائيل واخبر محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحال فطرس قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قل له يتمسح بهذا المولود فتمسح فطرس بمهد الحسينعليه‌السلام فاعاد اللّه عليه في الحال جناحه، ثم ارتفع مع جبرائيل الى السماء. وفي بعض الروايات ان الملك كان اسمه صلصائيل فلما قصوا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قصته، قام رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل على فاطمة صلوات اللّه عليها) فقال: ناوليني ابني الحسين فأخرجته اليه مقموطاً يناغي(٢) جده رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرج به الى الملائكة فحمله على بطن كفه فهللوا وكبروا وحمدوا اللّه تعالى واثنوا عليه، فتوجه به الى القبلة نحو السماء فقال: اللهم اني اسألك بحق ابني الحسين ان تغفر لصلصائيل خطيئته وتجبر كسر جناحه، وترده الى مقامه مع الملائكة المقربين، فتقبل اللّه تعالى من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أقسم به عليه، وغفر لصلصائيل خطيئته وجبر كسره، ورده الى مقامه مع الملائكة المقربين.

____________________

(١) والخبر مذكور بتمامه في البحار ج ١٣. وفي الكافي.

(٢) ناغى الرجل للصبي أي كلمه بما يعجبه ويسره.

٨٤

وفي مدينة المعاجز قال ولم يبق ملك في السماء الا ونزل على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعزيه بولده الحسينعليه‌السلام ، ويخبرونه بثواب ما يعطى من الزلفى والأجر والثواب يوم القيامة ويخبرونه بما يعطى من الاجر زائره والباكي عليه والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع ذلك يبكي ويقول اللهم اخذل من خذله، واقتل من قتله، ولا تمتعه بما أمَّله في الدنيا، واصله(١) حر نارك في الآخره.

فصل في مواعظ مولانا الامام الحسين عليه السلام

في ذكر موعظة من كلامهعليه‌السلام ، قالعليه‌السلام : اوصيكم بتقوى اللّه واحذركم ايامه، وارفع لكم اعلامه، فكأنّ المخوف قد أفل بمهول وروده، ونكير حلوله، وبشع مذاقه، فاعتلق(٢) مهجكم وحال بين العمل وبينكم، فبادوا بصحة الاجسام، ومدة الاعمار، كأنكم نبعات(٣) طوارقه، فتنقلكم من ظهر الارض الى بطنها، ومن علوها الى أسفلها، ومن انسها(٤) الى وحشتها ومن روحها وضوئها الى ظلمتها، ومن سعتها الى ضيقها، حيث لا يزار حميم ولا يعاد سقيم، ولا يجاب صريخ، أعاننا اللّه واياكم على اهوال ذلك اليوم ونجانا واياكم من عقابه، واوجب لنا ولكم الجزيل من ثوابه، عباد اللّه فلو كان ذلك قصر

____________________

(١) أي ادخله في النار واذقه منها.

(٢) أي احبها.

(٣) وطوارقه أي حوادثه والضمير يرجع الى المخوف (منه).

(٤) مقابل الوحشة.

٨٥

مرماكم(١) ومدى(٢) مظعنكم، كان حسب(٣) العامل شغلاً يستفرغ عليه احزانه ويذهله(٤) عن دنياه، ويكثر نصبه(٥) لطلب الخلاص منه، فكيف وهو بعد ذلك مرتهن باكتسابه، مستوقف على حسابه، لا وزير له يمنعه ولا ظهير عنه يدفعه، ويومئذٍ لاينفع نفسا ايمانها، لم تكن آمنت من قبل او كسبت في ايمانها خيراً. قل انتظروا، انّا منتظرون، اوصيكم بتقوى اللّه فان اللّه قد ضمن لمن اتقاه ان يحوله عما يكره الى ما يحب، ويرزقه من حيث لا يحتسب، فايّاك ان تكون ممن يخاف على العباد من ذنوبهم، ويأمن العقوبة من ذنبه، فان اللّه تبارك وتعالى لا يخدع عن جنته، ولا ينال ما عنده، الا بطاعته ان شاء اللّه.

وفي وصية موسى بن جعفرعليه‌السلام لهشام، قال وقال الحسين بن عليعليهما‌السلام : ان جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الارض ومغاربها، بحرها وبرها وسهلها وجبلها، عند وليّ من اولياء اللّه وأهل المعرفة بحق اللّه، كَفَيء(٦) الظلال، ثم قالعليه‌السلام ألا حُرّ(٧) يدع هذه اللُّماظة(٨) لأهلها، يعني الدنيا، ليس لانفسكم ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها، فانه من رضي من اللّه بالدنيا فقد رضي بالخسيس.

ونقل السيد الاجلّ السيد علي خان، من كتاب خلق الانسان، للفاضل النيسابوري انه قال: كان الحسين بن عليّ سيد الشهداء (عليه

____________________

(١) مرماكم. أي مقصدكم.

(٢) أي غاية مسيركم.

(٣) أي كفاه.

(٤) أي ينسبه الشغل ويصرفه عنه.

(٥) أي بلاءه وتعبه.

(٦) الفيء هو الظل اذا رجع.

(٧) أي ليس رجل حر الخ.

(٨) اللماظة كتمامه ما يلاك في الفم وهو تافه.

٨٦

السلام) كثيراً ما ينشد هذه الابيات، وتزعم الرواة انها مما أملته(١) نفسه الطاهرة على لسان مكارمه الوافرة:

لِئن كانت الافعالُ يوماً لأهلها

كمالاً فحسنُ الخلقِ ابهى(٢) وأكملُ

وان كانت الارزاقُ رزقاً مقدراً

فقِلَّةُ جهدِ المرءِ في الكسب اجملُ

وان كانت الدنيا تعدُّ نفيسةً

فدارُ ثوابِ اللّه أعلى وانبلُ(٣)

وان كانت الأبدان للموتِ أُنشِئَتْ

فقتلُ امرئ بالسيفِ في اللّه افضلُ

وان كانت الاموالُ للتركِ جمعُها

فما بالُ متروكٍ به المرءُ يبخلُ

ورُويَ انهعليه‌السلام لما نزل كربلاء أقبل على اصحابه فقال: الناس عبيد الدنيا، والدين لعق(٤) على النستهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فاذا محصوا(٥) بالبلاء قلَّ الديّانون.

____________________

(١) أي أنشأتهعليه‌السلام .

(٢) أي اجمل.

(٣) اسم تفضيل من النبل (بالضم) وهو الذكاء والنجابة.

(٤) أي ملصق بها. يقال لعق العسل: أي تناوله بلسانه ولحسه.

(٥) أي اختبروا وابتلوا.

٨٧

فصل في استشهاد الامام الحسين وفضل زيارته عليه السلام

قال شيخنا المفيد رضي اللّه عنه في الارشاد: مضى الحسينعليه‌السلام في يوم السبت العاشر من المحرم، سنة احدى وستين من الهجرة بعد صلاة الظهر منه، قتيلاً مظلوماً، ظمآن صابراً، محتسباً على ما شرحناه، وسنه يومئذ ثمان وخمسون سنة، اقام منها مع جده رسول اللّه (صلى اللّه عليه واله وسلم) سبع سنين، ومع ابيه امير المؤمنينعليه‌السلام سبعاً وثلاثين سنة، ومع اخيه الحسنعليه‌السلام سبعاً واربعين سنة، وكانت مدة خلافته بعد اخيه احدى عشرة سنة، وكان يخضب بالحناء والكتم وقتُلعليه‌السلام وقد نصل الخضاب من عارضيه، وقد جاءت روايات كثيرة، في فضل زيارتهعليه‌السلام بل في وجوبها:

فرُويَ عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، انه قال: زيارة الحسين بن عليّعليهما‌السلام واجبة على كل من يعتقده ويقر للحسينعليه‌السلام بالامامة من اللّه عز وجل.

وقالعليه‌السلام زيارة الحسينعليه‌السلام تعدل مئة حجة مبرورة ومئة عمرة متقبَّلة.

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من زار الحسين بعد موته فله الجنة والاخبار في هذا الباب كثيرة، انتهى.

وقال في المقنعة، وروى يونس بن ظبيان قال: قلت لابي عبد اللّهعليه‌السلام ، جعلت فداك، إني كثيراً ما اذكر الحسينعليه‌السلام فاي شيء اقول، قال: قل صلى اللّه عليك يا ابا عبد اللّه، تعيد ذلك ثلاثاً فان التسليم يصل الينا من قريب ومن بعيد.

وقال شيخنا الشهيد، قدس سره في الدروس، وثواب زيارته لا يحصى، حتى رُويَ ان زيارته فرض على كل مؤمن وان ترْكَها تركُ حقٍّ للّه تعالى ولرسوله وان تركَها عقوقُ رسول اللّه وانتقاص في الايمان والدين، وانه حق على الغني زيارته في السنة مرتين، والفقير في السنة مرة وان من أتى عليه حول ولم يات قبرَهُ نقص من عمره حول، وانها تطيل العمر، وأن أيام زيارته لا تعد من الاجل، وتفرج الهم وتمحص الذنوب(١) ولكل خطوة حجة مبرورة وله بزيارته اجر عتق الف نسمة(٢) وحمل على ألف فرس،

____________________

(١) أي تبعد الذنوب وتنقِّي منها.

(٢) أي ذي الروح والمراد به مطلق الرق.

٨٨

في سبيل اللّه، وله بكل درهم انفقه عشرة آلاف درهم، وان من أتى قبره عارفاً بحقه غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، الى أن قال: ومَن بَعُدَ عنه وصعد على سطحه ورفع رأسه الى السماء ثم توجه الى قبرهعليه‌السلام ، كتب اللّه له زورة، والزورة حجة وعمرة ولو فعل ذلك في كل يوم خمس مرات كتب اللّه له ذلك.

٨٩

النور السادس.. الامام الرابع ابو محمد عليّ بن الحسين زين العابدين سيّد الساجدين ومصباح المتهجّدين وقدوة المتقين عليه السلام

ولدعليه‌السلام بالمدينة المعظمة، يوم النصف من جمادى الاولى سنة ٣٦ هجري ست وثلاثين يوم فتح البصرة ونزول النصر على امير المؤمنينعليه‌السلام وغلبته على اصحاب الجمل وقيل في الخامس من شعبان سنة ٣٨ ثمان وثلاثين وامه ذات العلى والمجد، شاه زنان بنت يزد جرد:

وهو ابن شهريار بن كسرى

ذو سؤددٍ ليس يخاف كسرى

وقيل كان اسمها شهر بانويه وفيه يقول ابو الاسود:

وان غلاماً بين كسرى وهاشمٍ

لأكرمُ من نيطتْ(١) عليه التمائمُ(٢)

كان يقال له ذو الثفنات (جمع ثفنة بكسر الفاء) وهي من الانسان الركبة ومجتمع الساق والفخذ لان طول السجود اثر في ثفناته.

قال الزهري: ما رأيت هاشمياً افضل من عليّ بن الحسينعليه‌السلام .

____________________

(١) أي علقت.

(٢) التميمة ما علق على العضد من الاحراز والجواهر.

٩٠

وعن ابي جعفرعليه‌السلام قال: كان عليّ بن الحسينعليه‌السلام يصلّي في اليوم والليلة الف ركعة، ورُويَ انه كانعليه‌السلام له خمسمئة نخلة وكان يصلّي عند كل نخلة ركعتين وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة، وكان اذا توضأ للصلاة يصفرّ لونه فيقول له اهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء، فيقول: تدرون بين يدي من أريد أن اقوم.

وعن ابن عائشة قال: سمعت اهل المدينة يقولون فقدنا صدقة السرّ حين مات علي بن الحسينعليه‌السلام .

ولما مات وجردوه للغسل، جعلوا ينظرون الى آثار في ظهره، فقالوا ما هذا، قيل: كان يحمل جربان(١) الدقيق على ظهره ليلاً ويوصلها الى فقراء المدينة سراً وكان يقول ان صدقة السرّ تطفئ غضب الرب.

وعن علي بن ابراهيم عن ابيه قال: حج عليُّ بن الحسينعليه‌السلام ماشياً فسار من المدينة الى مكة عشرين يوماً وليلة.

وعن زرارة بن(٢) اعين قال: سمع سائل في جوف الليل وهو يقول: اين الزاهدون في الدنيا، والراغبون في الآخرة، فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه، ذاك عليّ بن الحسينعليه‌السلام .

وفي تذكرة السبط حكى الزهري عن عائشة قالت: رأيت عليّ بن الحسينعليه‌السلام ساجداً في الحجرّ وهو يقول: عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فما دعوت بها في كرب الا وفرّج عني.

وعن طاوس اني لفي الحِجز ليلة، اذ دخل علي بن الحسينعليه‌السلام فقلت: رجل صالح من اهل بيت النبوة لاسمعن دعاءه، فسمعته

____________________

(١) أي الأوعية من الجلد.

(٢) زرارة بن اعين الشيباني. شيخ اصحابنا في زمانه ومتقدمهم وكان قارئاً فقيهاً. متكلماً. اديباً. قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين. ثقة فيما يرويه. راجع ترجمته ص ١٤٢من الرجال الكبير وغيره.

٩١

يقول: عبدك بفنائك، فقيرك بفنائك، قال: فما دعوت بهن في كرب الا فرّج عني.

وعن ربيع الابرار للزمخشري، انه قال: لما وجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لاستباحة اهل المدينة ضم عليّ بن الحسينعليه‌السلام الى نفسه اربعمأة منانية (كذا) بحشمهن يعولهن الى أن تقوض(١) جيش مسلم فقالت امرأة منهن: ما عشت واللّه بين ابويّ بمثل ذلك الشريف.

وكان يقال له آدم بني حسين لانه الذي تشعبت منه افنانهم وتفرعت عنه اغصانهم.

وكانعليه‌السلام اذا حضرت الصلاة اقشعر(٢) جلده واصفر لونه وارتعد كالسعفة(٣) ، وكان اذا قام في صلاته غشيَ لونه لون آخر وكان في قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل كانت اعضاؤه ترتعد من خشية اللّه.

وكان يصلي صلاة مودّع.

وكان في الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء الا ما حركت الريح منه، واذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفضّ(٤) عَرَقاً، واذا كان شهر رمضان لم يتكلم الا بالدعاء والتسبيح والاستغفار والتكبير، وكان له خريطة فيها تربة الحسينعليه‌السلام ، وكان لا يسجد الا على التراب.

وكانعليه‌السلام يقول: لو مات من بين المشرق والمغرب لَمَا استوحشت بعد ان يكون القرآن معي.

وكان اذا قرأ (مالك يوم الدين) يكررها حتى كاد أن يموت.

____________________

(١) أي ترك الاستقرار.

(٢) أي اخذته القشعريرة: أي الرعدة.

(٣) أي جريدة النخل.

(٤) ارفضاضاً أي يتقطّر منه العرَق.

٩٢

وكان اذا صلى يبرز الى موضع خشن فيصلّي فيه ويسجد على الارض فاتى الجبان(١) يوماً، ثم قام على حجارة خشنة محرقة، فأقبل يصلي وكان كثير البكاء، فرفع رأسه من السجود وكأنما غمس في الماء من كثرة دموعه.

وكانت شدة اجتهادهعليه‌السلام في العبادة، بحيث اتت فاطمة بنت عليّعليه‌السلام الى جابر الانصاري وقالت له: ان لنا عليكم حقوقاً من حقنا عليكم اذا رأيتم احدنا يهلك نفسه اجتهاداً، ان تذكروه وتدعوه الى البقيا(٢) على نفسه، وهذا عليّ بن الحسين بقية ابيه قد انحزم(٣) انفه وثفنت(٤) جبهته وركبتاه وراحتاه أدأب(٥) نفسه في العبادة، فاتى جابر الى بابه واستأْذن، فلما دخل عليه وجده في محرابه قد انضته(٦) العبادة، فدعاه الى البقيا على نفسه فقال: يا جابر لا ازال على منهاج ابويّ متأسياً بهما حتى ألقاهما.

ورُويَ انهعليه‌السلام كان اذا وقف في الصلاة لم يسمع شيئاً لشغله بالصلاة، فسقط بعض ولده في بعض الليالي فانكسرت يده فصاح اهل الدار، واتاهم الجيران وجيء بالمجبر(٧) فجبر الصبي وهو يصيح من الالم وكل ذلك لا يسمعه فلما اصبح راى الصبي يده مربوطة الى عنقه فقال: ما هذا فاخبروه.

ووقع حريق في بيت هو فيه ساجد، فجعلوا يقولون يا ابن رسول اللّه النار النار، فما رفع رأسه حتى اطفئت، فقيل له بعد قعوده ما الذي ألهاك(٦) عنها، قال ألهتني عنها النار الكبرى.

____________________

(١) والجبان في الاصل الصحراء والجبانة موضع بالمدينة.

(٢) أي الابقاء والمحافظة.

(٣) أي شق وترة انفه.

(٤) أي غلظت من السجود.

(٥) أي اتعب.

(٦) نضى الثوب: ابلاه.

(٧) أي الذي يُصلح كسر العظم.

٩٣

ورُوي انهعليه‌السلام كان في الصلاة فسقط محمد ابنهعليه‌السلام في البئر فلم يثن(١) عن صلاته، وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر، فلما فرغ من صلاته مدَّ يده الى قعر البئر، فأخرج ابنه وقال: كنت بين يدي جبار لو ملت(٢) بوجهي عنه لمال بوجهه عني، وكان حضور قلبه في العبادة بحيث تمثل ابليس بصورة افعى ليشغله فما شغله.

ورُوي عن حماد بن حبيب العطار الكوفي قال: خرجنا حجاجاً فرحلنا من زبالة(٣) ليلاً فاستقبلتنا ريح سوداء مظلمة، فتقطعت القافلة فتهت(٤) في تلك الصحارى والبراري، فانتهيت الى واد قفر فلما ان جن الليل أويت الى شجرة عادية، فلما ان اختلط الظلام، اذا أنا بشاب قد اقبل عليه اطمار(٥) بيض، تفوح منه رائحة المسك، فقلت في نفسي هذا وليّ من اولياء اللّه، متى ما احسن بحركتي خشيت نفاره، وأن امنعه عن كثير مما يريد فعاله فاخفيت نفسي ما استطعت فدنا الى الموضع فتهيأ للصلاة ثم وثب قائماً وهو يقول، يا من حاز كل شيء ملكوتاً وقهر كل شيء جبروتاً أولج(٦) قلبي فرح الاقبال عليك، والحقني بميدان المطيعين لك، قال ثم دخل في الصلاة فلما ان رأيته قد هدأت أعضاؤه وسكنت حركاته قمت الى الموضع الذي تهيأ للصلاة فاذا بعين تفيض بماء ابيض فتهيأْ للصلاة ثم قمت خلفه، فاذا انا بمحراب كأَنه مثل في ذلك الوقت، فرأيته كلما مر بآية فيها ذكر الوعد والوعيد يرددها باشجان(٧) الحنين، فلما أن تقشع(٨) الظلام وثب قائماً وهو يقول: يا

____________________

(١) أي لم يعطف ولم ينصرف.

(٢) أي لو انعطفت عنه.

(٣) بضم اوله، موضع معروف بطريق مكة قرب الثعلبية بها بركتان.

(٤) بصيغة المتكلم. أي ضللت فيها.

(٥) اطمار: جمع طمر بكسر الطاء وهو الثوب البالي.

(٦) اولج: بصيغة الاستدعاء: أي ادخل في قلبي.

(٧) اشجان: جمع الشجن بفتحتين بمعنى الهم والحزن.

(٨) أي انكشف.

٩٤

من قصده الطالبون فاصابوه مرشداً، وأَمَّه(١) الخائفون فوجدوه متفضلاً، ولجأ اليه العابدون فوجدوه موئلاً(٢) ، متى راحة من نصب لغيرك بدنه، ومتى فرج من قصد سواك بنيته، إلهي قد تقشع الظلام ولم اقض من خدمتك وَطَرا، ولا من حياض مناجاتك صدرا، صلّ على محمد وآله وافعل بي اولى الامرين بك، يا ارحم الراحمين، فخفت ان يفوتني شخصه، وان يخفى عليَّ اثره، فتعلقت به فقلت له: بالذي اسقط عنك ملال التعب ومنحك شدة شوق لذيذ الرغب(٣) الا لحقتني منك جناح رحمة، وكنف رقة، فإني ضال وبغيتي كلما صنعت، ومناي كلما نطقت، فقال لو صدق توكلك ما كنت ضالاً، ولكن اتبعني واقفُ اثري فلما ان صار بجنب الشجرة اخذ بيدي فخيل الى ان الارض تمد من تحت قدمي، فلما انفجر عمود الصبح، قال لي: ابشر فهذه مكة، قال فسمعت الضجة، ورأيت المحجة، فقلت بالذي ترجوه يوم الآزفة(٥) ويوم الفاقة، من انت فقال: اما اذا قسمت، فأنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام .

وفي اثبات الوصية رُويَ عن سعيد بن المسيب قال: قحط الناس يميناً وشمالاً، فمددت عيني فرأيت شخصاً اسود على تل قد انفرد، فقصدت نحوه فرأيته يحرك شفتيه، فلم يتم دعاءه حتى اقبلت غمامة، فلما نظر اليها حمد اللّه وانصرف وادركنا المطر حتى ظنناه الغرق، فاتبعته حتى دخل دار عليّ بن الحسينعليه‌السلام فدخلت اليهعليه‌السلام فقلت لهعليه‌السلام يا سيدي في دارك غلام اسود تفضل عليَّ ببيعه، فقال: يا سعيد ولم لا يوهب لك، ثم أمر القيم على غلمانه يعرض كل من في الدار عليه فجمعوا فلم ارَ صاحب بينهم، فقلت: فلم أَره، فقال: انه لم يبق الا

____________________

(١) أي قصده.

(٢) أي ملجأ.

(٣) الرغب: المرغوب المحبوب.

(٤) أي ان ما فعلته كان مبتغاي.

(٥) من ازف: بمعنى اقترب او بمعنى عجل.

٩٥

فلان السائس(١) فأمر به، فاحضر فاذا هو صاحبي، فقلت لهعليه‌السلام هذا هو فقال له: يا غلام ان سعيداً قد ملكك فامض معه، فقال لي الاسود ما حملك عليَّ ان فرقت بيني وبين مولايَ، فقلت له انّي رأيت ما كان منك على التل، فرفع يده الى السماء مبتهلاً، ثم قال: ان كانت سريرة بينك وبيني فاذن قد اذعتها عليّ فاقبضني اليك، فبكى عليّ بن الحسينعليه‌السلام وبكى من حضره، وخرجت باكياً فلما صرت الى منزلي وافاني رسوله فقال لي: ان اردت ان تحضر جنازة صاحبك فافعل فرجعت معه ووجدت العبد قد مات بحضرته.

فصل في مكارم اخلاق الامام زين العابدين عليه السلام

كان علي بن الحسينعليه‌السلام ، ليخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر(٢) من الدنانير والدراهم، وربما حمل على ظهره الطعام او الحطب، حتى يأتي باباً باباً، فيقرعه ثم يناول من يخرج اليه، وكان يغطي وجهه لئلا يعرفه الفقير، ولما وضع على المغتسل نظروا الى ظهره، وعليه مثل ركب الابل، وكان يعول مئة اهل بيت من فقراء المدينة، وكان يعجبه ان يحضر طعامه اليتامى والزمنى والمساكين، وكان يناولهم بيده ويحمل الطعام لمن كان له عيال الى عياله، وكان اذا جنَّه الليل وهدأَت(٤) العيون، قام الى منزله، فجمع ما يبقى فيه عن قوت اهله، وجعله في جراب ورمى به على عاتقه، وخرج الى دور الفقراء وهو متلثم، ويفرق عليهم.

____________________

(١) السائس: رائض الدواب والقائم عليها.

(٢) الصرر. جمع صرة.

(٣) جمع زمن ككتف: المقعد.

(٤) أي سكنت ونامت.

٩٦

وروي عن علي بن يزيد قال: كنت مع عليّ بن الحسينعليه‌السلام عندما انصرف من الشام الى المدينة، فكنت احسن الى نسائه واقضي حوائجه فلما نزلوا المدينة، بعثن الي بشيء من حليهن فلم آخذه فقلت: فعلت هذا للّه تعالى، فأخذ علي بن الحسينعليه‌السلام حجراً اسود صماً(١) فطبعه بخاتمه ثم قال لي خذه وسل كل حاجة لك منه فوالذي بعث محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحق لقد كنت اسأَله الضوء في البيت فيسرج في الظلماء وأضعه على الاقفال فتنفتح وآخذه بيدي وأقف بين يدي السلاطين فلا أرى منهم شراً.

قال شيخنا الحر العاملي مشيراً الى هذه المعجزة:

والحجرُ الاسودُ لما طَبَعه

أرى عجيباً الذي كان مَعَه

وكم له من معجزٍ وفضلٍ

وشرفٍ بادٍ وقولٍ فصلِ

وروى معتب(٢) عن الصادقعليه‌السلام قال كان عليّ بن الحسينعليه‌السلام شديد الاجتهاد في العبادة، نهاره صائم وليله قائم، فأضر بجسمه فقلت له: يا ابه كم هذا الدؤب(٣) فقال له: أتحبب الى ربي لعله يزلفني.

وعن دعوات الراوندي عن الباقرعليه‌السلام قال: قال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام مرضت مرضاً شديداً، فقال لي ابيعليه‌السلام : ما تشتهي، فقلت: اشتهي ان اكون ممن لا اقترح على اللّه ربي ما يدبره لي، فقال لي احسنت، ضاهيت(٤) ابراهيم الخليلعليه‌السلام حيث قال جبرائيل: هل من حاجة، فقال: لا اقترح على ربّي بل حسبي اللّه ونعم الوكيل، (اقول الاقتراح الاجتباء والاختيار والتحكم وارتجال الكلام).

____________________

(١) أي شديد الصلابة.

(٢) كمؤيد.

(٣) جمع دأب وهو الحالة الخاصة.

(٤) أي شابهته.

٩٧

ورُويَ انه ضرب غلاماً له، قرعه بسوط، ثم بكى وقال لابي جعفرعليه‌السلام : اذهب الى قبر رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلّ ركعتين ثم قل: اللهم اغفر لعليّ بن الحسين خطيئته يوم الدين، ثم قال للغلام اذهب فانت حر لوجه اللّه.

ورُويَ انه قيل لهعليه‌السلام انك أبرّ الناس ولا تأكل مع امك في قصعة، وهي تريد ذلك، قال اكره ان تسبق يدي الى ما سبقت اليه عينها فاكون عاقّاً لها.

اقول الظاهر ان المراد من امه هي هنا ام ولد كانت تحضنه فكان يسميها اماً، واما امه شاه زنان فقد توفيت في نفاسها.

وعنهعليه‌السلام كان يدعو خدمه كل شهر ويقول اني قد كبرت ولا اقدر على النساء فمن اراد منكن التزويج زوجتها، او البيع بعتها، او العتق اعتقتها، فاذا قالت احداهن: لا قال: اللهم اشهد حتى يقول ثلاثاً وان سكتت واحدة منهن قال لنسائه سلوها ما تريد، وعمل على مرادها، وكان اذا اتاه السائل قال: مرحباً بمن يحمل زادي الى الآخرة.

قال ابن الاثير في الكامل، لما سير يزيد مسلم بن عقبة الى المدينة قال: فاذا ظهرت عليهم فابحها ثلاثاً، فكل ما فيها من مال او دابة او سلاح او طعام فهو للجند، فاذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس وانظر عليّ بن الحسين فاكفف عنه، واستوص به خيراً فانه لم يدخل مع الناس وانه قد اتاني كتابه.

وقد كان مروان بن الحكم، كلَّم ابن عمر لما اخرج اهل المدينة عامل يزيد وبني امية في ان يغيب اهله عنده فلم يفعل، فكلم علي بن الحسينعليه‌السلام فقال ان لي حرماً وحرمي يكون مع حرمك، فقال: افعل، فبعث بامرأته وهي عائشة ابنة عثمان بن عفان، وحرمه الى علي بن الحسينعليه‌السلام ، فخرج عليعليه‌السلام بحرمه وحرم مروان الى

٩٨

ينبع(١) ، وقيل بل ارسل حرم مروان وارسل معهم ابنه عبد اللّه بن علي الى الطائف.

وروي عن ابي عبد اللّهعليه‌السلام قال: كان بالمدينة رجل بطّال يضحك اهل المدينة من كلامه، فقال: يوماً لهم: قد اعياني هذا الرجل يعني عليّ بن الحسينعليه‌السلام ، فما يضحكه مني شيء ولا بد من ان احتال في ان اضحكه، قال فمر علي بن الحسينعليه‌السلام ذات يوم ومعه موليان له فجاء ذلك البطَّال حتى انتزع رداءه من ظهره واتبعه الموليان فاسترجعا الرداء منه والقياه عليه وهو مخبت(٢) لا يرفع طرفه من الارض ثم قال لمولييه ما هذا فقالا له رجل بطّال يضحك اهل المدينة ويستطعم منهم بذلك، قال فقولا له يا ويحك ان للّه يوماً يخسر فيه البطّالون.

فصل في ذكر نبذ من كلامه عليه السلام

رُويَ عنهعليه‌السلام انه كان يقول: ان بين الليل والنهار روضة يرتعي في رياضها الابرار، ويتنعم في حدائقها المتّقون فادأبوا(٣) رحمكم اللّه في سهر هذا الليل، بتلاوة القرآن في صدره، وبالتضرع والاستغفار في آخره، واذا ورد النهار فاحسنوا قراه(٤) بترك التعرض لما يرديكم من محقّرات الذنوب، فانها مشرفة بكم على قباح العيوب، وكأن الرحلة قد أظلتكم وكأَن الحادي(٥) قد حدا بكم جعلنا اللّه واياكم ممن اغبطه فهمه ونفعه علمه.

____________________

(١) ينبع. بفتح اوله وضم الثالث حصن وقرية على يمين رضوى لمن كان منحدراً من اهل المدينة الى البحر وهي لبني الحسن بن عليعليه‌السلام وفيها عيون عذاب.

(٢) أي متخشع ومطمئن الى الأرض.

(٣) دأب في العمل جد واستمر عليه.

(٤) مصدر قرى الضيف: اضافه.

(٥) الحادي من يغني للابل والمراد هنا المنذر.

٩٩

وقالعليه‌السلام في جملة كلامه، واياك والابتهاج بالذنب، فان الابتهاج بالذنب اعظم من ركوبه.

وعن الباقرعليه‌السلام قال: كان أبي زين العابدينعليه‌السلام اذا نظر الى الشباب الذين يطلبون العلم، ادناهم اليه وقال مرحباً بكم انتم ودائع العلم ويوشك اذا انتم صغار قوم، ان تكونوا كبار آخرين.

ورُويَ انه جاء رجل الى علي بن الحسين يشكو اليه حاله فقال: مسكين ابن آدم له في كل يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهن ولو اعتبر هانت عليه المصائب وأمر الدنيا، فاما المصيبة الاولى فاليوم الذي ينقص من عمره، قال وان ناله نقصان في ماله اغتم به والدرهم يخلف عنه والعمر لا يرده شيء، والثانية انه يستوفي رزقه فان كان حلالاً حوسب عليه وان كان حراماً عوقب، قال: والثالثة اعظم من ذلك، قيل وما هي، قال ما من يوم يمسي الا وقد دنا من الآخرة مرحلة لا يدري على الجنة ام على النار، وقال: اكبر ما يكون ابن آدم اليوم الذي يلد من امّه، قالت الحكماء: ما سبقه الى هذا احد.

وقال الكفعمي في البلد الامين ندبة مولانا زين العابدينعليه‌السلام رواية الزهري، يا نفس حتام الى الحياة سكونك، والى الدنيا وعمارتها ركونك، اما اعتبرت بمن مضى من اسلافك(١) ومن وارته الارض من أُلاَّفك(٢) ، ومن فجعت به من اخوانك، ونقلت الى دار البلى من اقرانك،

فهمْ في بطون الارضِ بعد ظهورِها

محاسنهُم فيها بوالٍ(٣) دواثرُ(٤)

خلت دورُهُم منهم واقوتْ عراصهمْ

وساقهم نحو المنايا المقادرُ

وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها

وضمتهم تحت التراب الحفائر(٦)

____________________

(١) أي آبائك المقدمين (منه).

(٢) بصيغة الجمع. بمعنى الاصدقاء.

(٣) أي الدواثر. يقال بلي الثواب أي رث ودرس.

(٤) الدثور: الدروس (منه).

(٥) أي خلت عرصات دارهم منهم (منه).

(٦) جمع حفير وهو القبر (منه).

١٠٠