كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 282

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 282
المشاهدات: 27117
تحميل: 5880


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27117 / تحميل: 5880
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

ربطت حمائل سيفه في عنقه لصغره فالتفت إلي أحدهما فقال يا عم أيهم أبو جهل قال قلت و ما تصنع به يا ابن أخي قال بلغني أنه يسب رسول الله ص فحلفت لئن رأيته لأقتلنه أو لأموتن دونه فأشرت إليه فالتفت إلي الآخر و قال لي مثل ذلك فأشرت له إليه و قلت له من أنتما قالا ابنا الحارث قال فجعلا لا يطرفان عن أبي جهل حتى إذا كان القتال خلصا إليه فقتلاه و قتلهما.قال الواقدي فحدثني محمد بن عوف عن إبراهيم بن يحيى بن زيد بن ثابت قال لما كان يومئذ قال عبد الرحمن و نظر إليهما عن يمينه و عن شماله ليته كان إلى جنبي من هو أبدن من هذين الصبيين فلم أنشب أن التفت إلى عوف فقال أيهم أبو جهل فقلت ذاك حيث ترى فخرج يعدو إليه كأنه سبع و لحقه أخوه فأنا أنظر إليهم يضطربون بالسيوف ثم نظرت إلى رسول الله ص يمر بهم في القتلى و هما إلى جانب أبي جهل.قال الواقدي و حدثني محمد بن رفاعة بن ثعلبة قال سمعت أبي ينكر ما يقول الناس في ابني عفراء من صغرهما و يقول كانا يوم بدر أصغرهما ابن خمس و ثلاثين سنة فهذا يربط حمائل سيفه قال الواقدي و القول الأول أثبت.و روى محمد بن عمار بن ياسر عن ربيع بنت معوذ قالت دخلت في نسوة من الأنصار على أسماء أم أبي جهل في زمن عمر بن الخطاب و كان ابنها عبد الله بن أبي ربيعة يبعث إليها بعطر من اليمن فكانت تبيعه إلى الأعطية فكنا نشتري منها فلما جعلت لي في قواريري و وزنت لي كما وزنت لصواحبي قال اكتبن لي عليكن حقي قلت نعم اكتب لها على الربيع بنت معوذ فقالت أسماء خلفي و إنك

١٤١

لابنة قاتل سيده فقلت لا و لكن ابنة قاتل عبده فقالت و الله لا أبيعك شيئا أبدا فقلت أنا و الله لا أشتري منك أبدا فو الله ما هو بطيب و لا عرف و الله يا بني ما شممت عطرا قط كان أطيب منه و لكني يا بني غضبت قال الواقدي فلما وضعت الحرب أوزارها أمر رسول الله ص أن يلتمس أبو جهل قال ابن مسعود فوجدته في آخر رمق فوضعت رجلي على عنقه فقلت الحمد لله الذي أخزاك قال إنما أخزى الله العبد ابن أم عبد لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا لمن الدبرة قلت لله و لرسوله قال ابن مسعود فأقلع بيضته عن قفاه و قلت إني قاتلك قال لست بأول عبد قتل سيده أما إن أشد ما لقيته اليوم لقتلك إياي ألا يكون ولي قتلي رجل من الأحلاف أو من المطيبين قال فضربه عبد الله ضربة وقع رأسه بين يديه ثم سلبه و أقبل بسلاحه و درعه و بيضته فوضعها بين يدي رسول الله ص فقال أبشر يا نبي الله بقتل عدو الله أبي جهل فقال رسول الله أ حقا يا عبد الله فو الذي نفسي بيده لهو أحب إلي من حمر النعم أو كما قال ثم قال إنه أصابه جحش من دفع دفعته في مأدبة ابن جدعان فجحشت ركبته فالتمسوه فوجدوا ذلك الأثر.قال الواقدي و روي أن أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي كان عند النبي ص تلك الساعة فوجد في نفسه و أقبل على ابن مسعود و قال أنت قتلته قال نعم الله قتله قال أبو سلمة أنت وليت قتله قال نعم قال لو شاء لجعلك في كمه فقال ابن مسعود فقد و الله قتلته و جردته فقال أبو سلمة فما علامته قال شامة سوداء ببطن فخذه اليمنى فعرف أبو سلمة النعت فقال أ جردته و لم يجرد قرشي غيره فقال

١٤٢

ابن مسعود إنه و الله لم يكن في قريش و لا في حلفائها أحد أعدى لله و لا لرسوله منه و ما أعتذر من شي‏ء صنعته به فأمسك أبو سلمة.قال الواقدي سمع أبو سلمة بعد ذلك يستغفر الله من كلامه في أبي جهل و قال اللهم إنك قد أنجزت ما وعدتني فتمم علي نعمتك قال و كان عبد الله بن عتبة بن مسعود يقول سيف أبي جهل عندنا محلى بفضة غنمه عبد الله بن مسعود يومئذ.قال الواقدي اجتمع قول أصحابنا أن معاذ بن عمرو و ابني عفراء أثبتوه و ضرب ابن مسعود عنقه في آخر رمق فكل شرك في قتله.قال الواقدي و قد روي أن رسول الله ص وقف على مصرع ابني عفراء فقال يرحم الله ابني عفراء فإنهما قد شركا في قتل فرعون هذه الأمة و رأس أئمة الكفر فقيل يا رسول الله و من قتله معهما قال الملائكة و ذفف عليه ابن مسعود فكان قد شرك في قتله.

قال الواقدي و حدثني معمر عن الزهري قال قال رسول الله ص يوم بدر اللهم اكفني نوفل بن العدوية و هو نوفل بن خويلد من بني أسد بن عبد العزى و أقبل نوفل يومئذ يصيح و هو مرعوب قد رأى قتل أصحابه و كان في أول ما التقوا هم و المسلمون يصيح بصوت له زجل رافعا عقيرته يا معشر قريش إن هذا اليوم يوم العلاء و الرفعة فلما رأى قريشا قد انكشفت جعل يصيح بالأنصار ما حاجتكم إلى دمائنا أ ما ترون من تقتلون أ ما لكم في اللبن من حاجة فأسره جبار بن صخر فهو يسوقه أمامه فجعل نوفل يقول لجبار و رأى عليا ع مقبلا نحوه يا أخا الأنصار من هذا و اللات و العزى إني لأرى رجلا إنه ليريدني قال

١٤٣

جبار هذا علي بن أبي طالب قال نوفل تالله ما رأيت كاليوم رجلا أسرع في قومه فصمد له علي ع فيضربه فينشب سيف علي في حجفته ساعة ثم ينزعه فيضرب به ساقيه و درعه مشتمرة فيقطعها ثم أجهز عليه فقتله فقال رسول الله ص من له علم بنوفل بن خويلد قال علي ع أنا قتلته فكبر رسول الله ص و قال الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه.قال الواقدي و أقبل العاص بن سعيد بن العاص يبحث للقتال فالتقى هو و علي ع و قتله علي فكان عمر بن الخطاب يقول لابنه سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص ما لي أراك معرضا تظن أني قتلت أباك فقال سعيد لو قتلته لكان على الباطل و كنت على الحق قال فقال عمر إن قريشا أعظم الناس أحلاما و أكثرها أمانة لا يبغيهم أحد الغوائل إلا كبه الله لفيه.قال الواقدي و روي أن عمر قال لسعيد بن العاص ما لي أراك معرضا كأني قتلت أباك يوم بدر و إن كنت لا أعتذر من قتل مشرك لقد قتلت خالي بيدي العاص بن هاشم بن المغيرة.و نقلت من غير كتاب الواقدي أن عثمان بن عفان و سعيد بن العاص حضرا عند عمر في أيام خلافته فجلس سعيد بن العاص حجرة فنظر إليه عمر فقال ما لي أراك معرضا كأني قتلت أباك إني لم أقتله و لكنه قتله أبو حسن و كان علي ع حاضرا فقال اللهم غفرا ذهب الشرك بما فيه و محا الإسلام ما قبله فلما ذا تهاج

١٤٤

القلوب فسكت عمر و قال سعيد لقد قتله كف‏ء كريم و هو أحب إلي من أن يقتله من ليس من بني عبد مناف.

قال الواقدي و كان علي ع يحدث فيقول إني يومئذ بعد ما متع النهار و نحن و المشركون قد اختلطت صفوفنا و صفوفهم خرجت في إثر رجل منهم فإذا رجل من المشركين على كثيب رمل و سعد بن خيثمة و هما يقتتلان حتى قتل المشرك سعد بن خيثمة و المشرك مقنع في الحديد و كان فارسا فاقتحم عن فرسه فعرفني و هو معلم فناداني هلم يا ابن أبي طالب إلى البراز فعطفت إلى البراز فعطفت عليه فانحط إلي مقبلا و كنت رجلا قصيرا فانحططت راجعا لكي ينزل إلي كرهت أن يعلوني فقال يا ابن أبي طالب فررت فقلت قريبا مفر ابن الشتراء فلما استقرت قدماي و ثبت أقبل فاتقيت فلما دنا مني ضربني بالدرقة فوقع سيفه فلحج فأضربه على عاتقه و هو دارع فارتعش و لقد قط سيفي درعه فظننت أن سيفي سيقتله فإذا بريق سيف من ورائي فطأطأت رأسي و يقع السيف فأطن قحف رأسه بالبيضة و هو يقول خذها و أنا ابن عبد المطلب فالتفت من ورائي فإذا هو حمزة عمي و المقتول طعيمة بن عدي.قلت في رواية محمد بن إسحاق بن يسار أن طعيمة بن عدي قتله علي بن أبي طالب ع ثم قال و قيل قتله حمزة.و في رواية الشيعة قتله علي بن أبي طالب شجره بالرمح فقال له و الله لا تخاصمنا في الله بعد اليوم أبدا و هكذا روى محمد بن إسحاق.

١٤٥

و روى محمد بن إسحاق قال و خرج النبي ص من العريش إلى الناس ينظر القتال فحرض المسلمين و قال كل امرئ بما أصاب و قال و الذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل في جملة فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة فقال عمير بن الحمام أخو بني سلمة و في يده تمرات يأكلهن بخ بخ فما بيني و بين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم قذف التمرات من يده و أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل قال محمد بن إسحاق و حدثني عاصم بن عمرو بن قتادة أن عوف بن الحارث و هو ابن عفراء قال لرسول الله ص يوم بدر يا رسول الله ص ما يضحك الرب من عبده قال غمسه يده في العدو حاسرا فنزع عوف درعا كانت عليه و قذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل.

قال الواقدي و ابن إسحاق و أخذ رسول الله ص كفا من البطحاء فرماهم بها و قال شاهت الوجوه اللهم أرعب قلوبهم و زلزل أقدامهم فانهزم المشركون لا يلوون على شي‏ء و المسلمون يتبعونهم يقتلون و يأسرون.قال الواقدي و كان هبيرة بن أبي وهب المخزومي لما رأى الهزيمة انخزل ظهره فعقر فلم يستطع أن يقوم فأتاه أبو أسامة الجشمي حليفه ففتق درعه و احتمله و يقال ضربه أبو داود المازني بالسيف فقطع درعه و وقع لوجهه و أخلد إلى الأرض و جاوزه أبو داود و بصر به ابنا زهير الجشميان مالك و أبو أسامة و هما حليفاه فذبا عنه حتى نجوا به و احتمله أبو أسامة و مالك يذب عنه حتى خلصاه فقال رسول الله ص حماه كلباه الحليفان.

١٤٦

قال الواقدي و حدثني عمر بن عثمان عن عكاشة بن محصن قال انقطع سيفي يوم بدر فأعطاني رسول الله ص عودا فإذا هو سيف أبيض طويل فقاتلت به حتى هزم الله المشركين و لم يزل ذلك السيف عند عكاشة حتى هلك.قال و قد روى رجال من بني عبد الأشهل عدة قالوا انكسر سيف سلمة بن أسلم بن حريش يوم بدر فبقي أعزل لا سلاح معه فأعطاه رسول الله ص قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب فقال اضرب به فإذا هو سيف جيد فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد.قال الواقدي و أصاب حارثة بن سراقة و هو يكرع في الحوض سهم غرب من المشركين فوقع في نحره فمات فلقد شرب القوم آخر النهار من دمه و بلغ أمه و أخته و هما بالمدينة مقتله فقالت أمه و الله لا أبكي عليه حتى يقدم رسول الله ص فأسأله فإن كان في الجنة لم أبك عليه و إن كان في النار بكيته لعمر الله فأعولته فلما قدم رسول الله ص من بدر جاءت أمه إليه فقالت يا رسول الله قد عرفت موضع حارثة في قلبي فأردت أن أبكي عليه ثم قلت لا أفعل حتى أسأل رسول الله ص عنه فإن كان في الجنة لم أبكه و إن كان في النار بكيته فأعولته فقال النبي ص هبلت أ جنة واحدة إنها جنان كثيرة و الذي نفسي بيده إنه لفي الفردوس الأعلى قالت فلا أبكي عليه أبدا.قال الواقدي و دعا رسول الله ص حينئذ بماء في إناء فغمس يده فيه و مضمض فاه ثم ناول أم حارثة بن سراقة فشربت ثم ناولت ابنتها فشربت

١٤٧

ثم أمرهما فنضحتا في جيوبهما ثم رجعتا من عند النبي ص و ما بالمدينة امرأتان أقر عينا منهما و لا أسر.قال الواقدي و كان حكيم بن حزام يقول انهزمنا يوم بدر فجعلت أسعى و أقول قاتل الله ابن الحنظلية يزعم أن النهار قد ذهب و الله إن النهار لكما هو قال حكيم و ما ذا بي إلا حبا أن يأتي الليل فيقصر عنا طلب القوم فيدرك حكيم عبيد الله و عبد الرحمن بني العوام على جمل لهما فقال عبد الرحمن لأخيه انزل فاحمل أبا خالد و كان عبيد الله رجلا أعرج لا رجلة به فقال عبيد الله إنه لا رجلة بي كما ترى و قال عبد الرحمن و الله أن منه لا بد ألا نحمل رجلا إن متنا كفانا ما خلفنا من عيالنا و إن عشنا حملنا كلنا فنزل عبد الرحمن و أخوه الأعرج فحملاه فكانوا يتعاقبون الجمل فلما دنا من مكة و كان بمر الظهران قال و الله لقد رأيت هاهنا أمرا ما كان يخرج على مثله أحد له رأي و لكنه شؤم ابن الحنظلية إن جزورا نحرت هاهنا فلم يبق خباء إلا أصابه من دمها فقالا قد رأينا ذلك و لكن رأيناك و قومك قد مضيتم فمضينا معكم و لم يكن لنا معكم أمر.قال الواقدي فحدثني عبد الرحمن بن الحارث عن مخلد بن خفاف عن أبيه قال كانت الدروع في قريش كثيرة يومئذ فلما انهزموا جعلوا يلقونها و جعل المسلمون يتبعونهم و يلقطون ما طرحوا و لقد رأيتني يومئذ التقطت ثلاث أدرع جئت بها أهلي فكانت عندنا بعد فزعم لي رجل من قريش و رأى درعا منها عندنا فعرفها قال هذه درع الحارث بن هشام.قال الواقدي و حدثني محمد بن حميد عن عبد الله بن عمرو بن أمية قال أخبرني من انكشف من قريش يومئذ منهزما و إنه ليقول في نفسه ما رأيت مثل هذا فر منه إلا النساء.

١٤٨

قال الواقدي كان قباث بن أشيم الكناني يقول شهدت مع المشركين بدرا و إني لأنظر إلى قلة أصحاب محمد في عيني و كثرة من معنا من الخيل و الرجل فانهزمت فيمن انهزم فلقد رأيتني و إني لأنظر إلى المشركين في كل وجه و إني لأقول في نفسي ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء و صاحبني رجل فبينا هو يسير معي إذ لحقنا من خلفنا فقلت لصاحبي أ بك نهوض قال لا و الله ما بي قال و عقر و ترفعت فلقد صبحت غيقة قال و غيقة عن يسار السقيا بينها و بين الفرع ليلة و بين الفرع و المدينة ثمانية برد قبل الشمس كنت هاديا بالطريق و لم أسلك المحاج و خفت من الطلب فتنكبت عنها فلقيني رجل من قومي بغيقة فقال ما وراءك قلت لا شي‏ء قتلنا و أسرنا و انهزمنا فهل عندك من حملان قال فحملني على بعير و زودني زادا حتى لقيت الطريق بالجحفة ثم مضيت حتى دخلت مكة و إني لأنظر إلى الحيسمان بن حابس الخزاعي بالغميم فعرفت أنه تقدم ينعى قريشا بمكة فلو أردت أن أسبقه لسبقته فتنكبت عنه حتى سبقني ببعض النهار فقدمت و قد انتهى إلى مكة خبر قتلاهم و هم يلعنون الخزاعي و يقولون ما جاءنا بخير فمكثت بمكة فلما كان بعد الخندق قلت لو قدمت المدينة فنظرت ما يقول محمد و قد وقع في قلبي الإسلام فقدمت المدينة فسألت عن رسول الله ص فقالوا هو ذاك في ظل المسجد مع ملأ من أصحابه فأتيته و أنا لا أعرفه من بينهم فسلمت فقال يا قباث بن أشيم أنت القائل يوم بدر ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء قلت أشهد أنك رسول الله و أن هذا الأمر ما خرج مني إلى أحد قط و ما ترمرمت به إلا شيئا حدثت به نفسي فلو لا أنك نبي ما أطلعك الله عليه هلم حتى أبايعك فأسلمت.

١٤٩

قال الواقدي و قد روي أنه لما توجه المشركون إلى بدر كان فتيان ممن تخلف عنهم بمكة سمارا يسمرون بذي طوى في القمر حتى يذهب الليل يتناشدون الأشعار و يتحدثون فبينا هم كذلك إذ سمعوا صوتا قريبا منهم و لا يرون القائل رافعا صوته يتغنى:

أزاد الحنيفيون بدرا مصيبة

سينقض منها ركن كسرى و قيصرا

أرنت لها صم الجبال و أفزعت

قبائل ما بين الوتير فخيبرا

أجازت جبال الأخشبين و جردت

حرائر يضربن الترائب حسرا

قال الواقدي أنشدنيه و رواه لي عبد الله بن أبي عبيدة عن محمد بن عمار بن ياسر قال فاستمعوا الصوت فلا يرون أحدا فخرجوا في طلبه فلم يروا أحدا فخرجوا فزعين حتى جازوا الحجر فوجدوا مشيخة منهم جلة سمارا فأخبروهم الخبر فقالوا لهم إن كان ما تقولون فإن محمدا و أصحابه يسمون الحنيفية قال فلم يبق أحد من الفتيان الذين كانوا بذي طوى إلا وعك فما مكثوا إلا ليلتين أو ثلاثا حتى قدم الحيسمان الخزاعي بخبر أهل بدر و من قتل منهم فجعل يخبرهم فيقول قتل عتبة و شيبة ابنا ربيعة و قتل ابنا الحجاج و أبو البختري و زمعة بن الأسود قال و صفوان بن أمية في الحجر جالس يقول لا يعقل هذا شيئا مما يتكلم به سلوه عني فقالوا صفوان بن أمية لك به علم قال نعم هو ذاك في الحجر و لقد رأيت أباه و أخاه مقتولين و رأيت سهيل بن عمرو و النضر بن الحارث أسيرين رأيتهما مقرونين في الحبال.

١٥٠

قال الواقدي و بلغ النجاشي مقتل قريش و ما ظفر الله به رسوله فخرج في ثوبين أبيضين ثم جلس على الأرض و دعا جعفر بن أبي طالب و أصحابه فقال أيكم يعرف بدرا فأخبروه فقال أنا عارف بها قد رعيت الغنم في جوانبها هي من الساحل على بعض نهار و لكني أردت أن أتثبت منكم قد نصر الله رسوله ببدر فاحمدوا الله على ذلك فقال بطارقته أصلح الله الملك إن هذا شي‏ء لم تكن تصنعه يريدون لبس البياض و الجلوس على الأرض فقال إن عيسى ابن مريم كان إذا حدثت له نعمة ازداد بها تواضعا.قال الواقدي فلما رجعت قريش إلى مكة قام فيهم أبو سفيان بن حرب فقال يا معشر قريش لا تبكوا على قتلاكم و لا تنح عليهم نائحة و لا يندبهم شاعر و أظهروا الجلد و العزاء فإنكم إذا نحتم عليهم و بكيتموهم بالشعر أذهب ذلك غيظكم فأكلكم ذلك عن عداوة محمد و أصحابه مع أن محمدا إن بلغه و أصحابه ذلك شمتوا بكم فتكون أعظم المصيبتين و لعلكم تدركون ثأركم فالدهن و النساء علي حرام حتى أغزو محمدا فمكثت قريش شهرا لا يبكيهم شاعر و لا تنوح عليهم نائحة.قال الواقدي و كان الأسود بن المطلب قد ذهب بصره و قد كمد على من قتل من ولده و كان يحب أن يبكي عليهم فتأبى عليه قريش ذلك فكان يقول لغلامه بين اليومين ويلك احمل معي خمرا و اسلك بي الفج الذي سلكه أبو حكيمة يعني زمعة ولده المقتول ببدر فيأتي به غلامه على الطريق عند ذلك الفج فيجلس فيسقيه الخمر

١٥١

حتى ينتشي ثم يبكي على أبي حكيمة و إخوته ثم يحثي التراب على رأسه و يقول لغلامه ويحك اكتم علي فإني أكره أن تعلم بي قريش إني أراها لم تجمع البكاء على قتلاها.قال الواقدي حدثني مصعب بن ثابت عن عيسى بن معمر عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت قالت قريش حين رجعوا إلى مكة لا تبكوا على قتلاكم فيبلغ محمدا و أصحابه فيشمتوا بكم و لا تبعثوا في أسراكم فيأرب بكم القوم ألا فأمسكوا عن البكاء.قال و كان الأسود بن المطلب أصيب له ثلاثة من ولده زمعة و عقيل و الحارث بن زمعة فكان يحب أن يبكي على قتلاه فبينا هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل فقال لغلامه و قد ذهب بصره انظر هل بكت قريش على قتلاها لعلي أبكي على أبي حكيمة يعني زمعة فإن جوفي قد احترق فذهب الغلام و رجع إليه فقال إنما هي امرأة تبكي على بعيرها قد أضلته فقال الأسود

تبكي أن يضل لها بعير

و يمنعها من النوم السهود

فلا تبكي على بكر و لكن

على بكر تصاغرت الخدود

فبكى إن بكيت على عقيل

و بكى حارثا أسد الأسود

و بكيهم و لا تسمي جميعا

فما لأبي حكيمة من نديد

١٥٢

على بدر سراة بني هصيص

و مخزوم و رهط أبي الوليد

ألا قد ساد بعدهم رجال

و لو لا يوم بدر لم يسودوا

قال الواقدي و مشت نساء من قريش إلى هند بنت عتبة فقلن أ لا تبكين على أبيك و أخيك و عمك و أهل بيتك فقالت حلأني أن أبكيهم فيبلغ محمدا و أصحابه فيشمتوا بنا و نساء بني الخزرج لا و الله حتى أثأر محمدا و أصحابه و الدهن علي حرام إن دخل رأسي حتى نغزو محمدا و الله لو أعلم أن الحزن يذهب عن قلبي لبكيت و لكن لا يذهبه إلا أن أرى ثأري بعيني من قتلة الأحبة فمكثت على حالها لا تقرب الدهن و لا قربت فراش أبي سفيان من يوم حلفت حتى كانت وقعة أحد.قال الواقدي و بلغ نوفل بن معاوية الديلي و هو في أهله و قد كان شهد معهم بدرا أن قريشا بكت على قتلاها فقدم مكة فقال يا معشر قريش لقد خفت أحلامكم و سفه رأيكم و أطعتم نساءكم أ مثل قتلاكم يبكى عليهم هم أجل من البكاء مع أن ذلك يذهب غيظكم عن عداوة محمد و أصحابه فلا ينبغي أن يذهب الغيظ عنكم إلا أن تدركوا ثأركم من عدوكم فسمع أبو سفيان بن حرب كلامه فقال يا أبا معاوية غلبت و الله ما ناحت امرأة من بني عبد شمس على قتيل لها إلى اليوم و لا بكاهم شاعر إلا نهيته حتى ندرك ثأرنا من محمد و أصحابه و إني لأنا الموتور الثائر قتل ابني حنظلة و سادة أهل هذا الوادي أصبح هذا الوادي مقشعرا لفقدهم.قال الواقدي و حدثني معاذ بن محمد الأنصاري عن عاصم بن عمر بن قتادة قال لما رجع المشركون إلى مكة و قد قتل صناديدهم و أشرافهم أقبل عمير بن وهب بن عمير الجمحي حتى جلس إلى صفوان بن أمية في الحجر فقال صفوان بن أمية قبح العيش

١٥٣

بعد قتلى بدر قال عمير بن وهب أجل و الله ما في العيش بعدهم خير و لو لا دين علي لا أجد له قضاء و عيال لا أدع لهم شيئا لرحلت إلى محمد حتى أقتله إن ملأت عيني منه فإنه بلغني أنه يطوف في الأسواق فإن لي عندهم علة أقول قدمت على ابني هذا الأسير ففرح صفوان بقوله و قال يا أبا أمية و هل نراك فاعلا قال إي و رب هذه البنية قال صفوان فعلي دينك و عيالك أسوة عيالي فأنت تعلم أنه ليس بمكة رجل أشد توسعا على عياله مني قال عمير قد عرفت ذلك يا أبا وهب قال صفوان فإن عيالك مع عيالي لا يسعني شي‏ء و نعجز عنهم و دينك علي فحمله صفوان على بعيره و جهزه و أجرى على عياله مثل ما يجري على عيال نفسه و أمر عمير بسيفه فشحذ و سم ثم خرج إلى المدينة و قال لصفوان اكتم علي أياما حتى أقدمها و خرج فلم يذكره صفوان و قدم عمير فنزل على باب المسجد و عقل راحلته و أخذ السيف فتقلده ثم عمد نحو رسول الله ص و عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون و يذكرون نعمة الله عليهم في بدر فرأى عميرا و عليه السيف ففزع عمر منه و قال لأصحابه دونكم الكلب هذا عمير بن وهب عدو الله الذي حرش بيننا يوم بدر و حزرنا للقوم و صعد فينا و صوب يخبر قريشا أنه لا عدد لنا و لا كمين فقاموا إليه فأخذوه فانطلق عمر إلى رسول الله ص فقال يا رسول الله هذا عمير بن وهب قد دخل المسجد و معه السلاح و هو الغادر الخبيث الذي لا يؤمن على شي‏ء فقال النبي ص أدخله علي فخرج عمر فأخذ بحمائل سيفه فقبض بيده عليها و أخذ بيده الأخرى قائم السيف ثم أدخله على رسول الله ص فلما رآه قال يا عمر تأخر عنه فلما دنا عمير إلى النبي ص قال أنعم صباحا فقال له النبي ص قد أكرمنا الله عن تحيتك و جعل تحيتنا السلام و هي تحية أهل الجنة قال عمير إن عهدك بها لحديث فقال النبي ص قد أبدلنا

١٥٤

الله خيرا فما أقدمك يا عمير قال قدمت في أسيري عندكم تفادونه و تقاربوننا فيه فإنكم العشيرة و الأصل قال النبي ص فما بال السيف قال عمير قبحها الله من سيوف و هل أغنت من شي‏ء إنما نسيته حين نزلت و هو في رقبتي و لعمري إن لي لهما غيره فقال رسول الله ص اصدق يا عمير ما الذي أقدمك قال ما قدمت إلا في أسيري قال ص فما شرطت لصفوان بن أمية في الحجر ففزع عمير و قال ما ذا شرطت له قال تحملت بقتلي على أن يقضي دينك و يعول عيالك و الله حائل بينك و بين ذلك قال عمير أشهد أنك صادق و أشهد أن لا إله إلا الله كنا يا رسول الله نكذبك بالوحي و بما يأتيك من السماء و إن هذا الحديث كان بيني و بين صفوان كما قلت لم يطلع عليه غيره و غيري و قد أمرته أن يكتمه ليالي فأطلعك الله عليه فآمنت بالله و رسوله و شهدت أن ما جئت به حق الحمد لله الذي ساقني هذا المساق و فرح المسلمون حين هداه الله و قال عمر بن الخطاب لخنزير كان أحب إلي منه حين طلع و هو الساعة أحب إلي من بعض ولدي و قال النبي ص علموا أخاكم القرآن و أطلقوا له أسيره فقال عمير يا رسول الله إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله فله الحمد أن هداني فأذن لي فألحق قريشا فأدعوهم إلى الله و إلى الإسلام فلعل الله يهديهم و يستنقذهم من الهلكة فأذن له فخرج فلحق بمكة و كان صفوان يسأل عن عمير بن وهب كل راكب يقدم من المدينة يقول هل حدث بالمدينة من حدث و يقول لقريش أبشروا بوقعة تنسيكم وقعة بدر فقدم رجل من المدينة فسأله صفوان عن عمير فقال أسلم فلعنه صفوان و لعنه المشركون بمكة و قالوا صبأ عمير و حلف صفوان ألا يكلمه أبدا و لا ينفعه و طرح عياله و قدم عمير فنزل في أهله و لم يأت صفوان و أظهر الإسلام فبلغ صفوان فقال قد عرفت حين لم يبدأ بي قبل منزله و قد كان رجل

١٥٥

أخبرني أنه ارتكس لا أكلمه من رأسي أبدا و لا أنفعه و لا عياله بنافعة أبدا فوقع عليه عمير و هو في الحجر فقال يا أبا وهب فأعرض صفوان عنه فقال عمير أنت سيد من ساداتنا أ رأيت الذي كنا عليه من عبادة حجر و الذبح له أ هذا دين أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله فلم يجبه صفوان بكلمة و أسلم مع عمير بشر كثير.قال الواقدي و كان فتية من قريش خمسة قد أسلموا فاحتبسهم آباؤهم فخرجوا مع أهلهم و قومهم إلى بدر و هم على الشك و الارتياب لم يخلصوا إسلامهم و هم قيس بن الوليد بن المغيرة و أبو قيس بن الفاكه بن المغيرة و الحارث بن زمعة بن الأسود و علي بن أمية بن خلف و العاص بن منبه بن الحجاج فلما قدموا بدرا و رأوا قلة أصحاب النبي ص قالوا غر هؤلاء دينهم ففيهم أنزل( إِذْ يَقُولُ اَلْمُنافِقُونَ وَ اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ ) ثم أنزل فيهم( إِنَّ اَلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ اَلْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي اَلْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اَللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها... ) إلى تمام ثلاث آيات.قال فكتب بها المهاجرون بالمدينة إلى من أقام بمكة مسلما فقال جندب بن ضمرة الخزاعي لا عذر لي و لا حجة في مقامي بمكة و كان مريضا فقال لأهله أخرجوني لعلي أجد روحا قالوا أي وجه أحب إليك قال نعم التنعيم فخرجوا به إلى التنعيم و بين التنعيم و مكة أربعة أميال من طريق المدينة فقال اللهم إني خرجت إليك مهاجرا فأنزل الله تعالى( وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اَللَّهِ وَ رَسُولِهِ... ) الآية فلما رأى ذلك من كان بمكة ممن يطيق الخروج خرجوا فطلبهم أبو سفيان في رجال من المشركين

١٥٦

فردوهم و سجنوهم فافتتن منهم ناس و كان الذين افتتنوا إنما افتتنوا حين أصابهم البلاء فأنزل الله تعالى فيهم( وَ مِنَ اَلنَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اَللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ اَلنَّاسِ كَعَذابِ اَللَّهِ... ) الآية و ما بعدها فكتب بها المهاجرون بالمدينة إلى من كان بمكة مسلما فلما جاءهم الكتاب بما أنزل فيهم قالوا اللهم إن لك علينا إن أفلتنا ألا نعدل بك أحدا فخرجوا الثانية فطلبهم أبو سفيان و المشركون فأعجزوهم هربا في الجبال حتى قدموا المدينة و اشتد البلاء على من ردوا من المسلمين فضربوهم و آذوهم و أكرهوهم على ترك الإسلام و رجع ابن أبي سرح مشركا فقال لقريش ما كان يعلم محمدا إلا ابن قمطة عبد نصراني لقد كنت أكتب له فأحول ما أردت فأنزل الله تعالى( وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ) الآية

القول في نزول الملائكة يوم بدر و محاربتها المشركين

اختلف المسلمون في ذلك فقال الجمهور منهم نزلت الملائكة حقيقة كما ينزل الحيوان و الحجر من الموضع العالي إلى الموضع السافل.و قال قوم من أصحاب المعاني غير ذلك.و اختلف أرباب القول الأول فقال الأكثرون نزلت و حاربت و قال قوم منهم نزلت و لم تحارب و روى كل قوم في نصرة قولهم روايات.فقال الواقدي في كتاب المغازي حدثني عمر بن عقبة عن شعبة مولى ابن عباس قال سمعت ابن عباس يقول لما تواقف الناس أغمي على رسول الله

١٥٧

ص ساعة ثم كشف عنه فبشر المؤمنين بجبرائيل في جند من الملائكة في ميمنة الناس و ميكائيل في جند آخر في ميسرة الناس و إسرافيل في جند آخر في ألف و كان إبليس قد تصور للمشركين في صورة سراقة بن جعشم المدلجي يذمر المشركين و يخبرهم أنه لا غالب لهم من الناس فلما أبصر عدو الله الملائكة نكص على عقبيه و قال( إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى‏ ما لا تَرَوْنَ ) فتشبث به الحارث بن هشام و هو يرى أنه سراقة لما سمع من كلامه فضرب في صدر الحارث فسقط الحارث و انطلق إبليس لا يرى حتى وقع في البحر و رفع يديه قائلا يا رب موعدك الذي وعدتني و أقبل أبو جهل على أصحابه يحضهم على القتال و قال لا يغرنكم خذلان سراقة بن جعشم إياكم فإنما كان على ميعاد من محمد و أصحابه سيعلم إذا رجعنا إلى قديد ما نصنع بقومه و لا يهولنكم مقتل عتبة و شيبة و الوليد فإنهم عجلوا و بطروا حين قاتلوا و ايم الله لا نرجع اليوم حتى نقرن محمدا و أصحابه في الجبال فلا ألفين أحدا منكم قتل منهم أحدا و لكن خذوهم أخذا نعرفهم بالذي صنعوا لمفارقتهم دينكم و رغبتهم عما كان يعبد آباؤهم.قال الواقدي و حدثني عتبة بن يحيى عن معاذ بن رفاعة بن رافع عن أبيه قال إن كنا لنسمع لإبليس يومئذ خوارا و دعاء بالثبور و الويل و تصور في صورة سراقة بن جعشم حتى هرب فاقتحم البحر و رفع يديه مادا لهما يقول يا رب ما وعدتني و لقد كانت قريش بعد ذلك تعير سراقة بما صنع يومئذ فيقول و الله ما صنعت شيئا.قال الواقدي فحدثني أبو إسحاق الأسلمي عن الحسن بن عبيد الله مولى بني العباس عن عمارة الليثي قال حدثني شيخ صياد من الحي و كان يومئذ على ساحل البحر قال سمعت صياحا يا ويلاه يا ويلاه قد ملأ الوادي يا حرباه يا حرباه فنظرت فإذا سراقة بن جعشم فدنوت منه فقلت ما لك فداك أبي و أمي فلم يرجع إلي شيئا ثم أراه اقتحم البحر و رفع يديه مادا يقول يا رب ما وعدتني فقلت

١٥٨

في نفسي جن و بيت الله سراقة و ذلك حين زاغت الشمس و ذلك عند انهزامهم يوم بدر.قال الواقدي قالوا كانت سيماء الملائكة عمائم قد أرخوها بين أكتافهم خضراء و صفراء و حمراء من نور و الصوف في نواصي خيلهم.قال الواقدي حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد قال قال رسول الله ص يوم بدر إن الملائكة قد سومت فسوموا فأعلم المسلمون بالصوف في مغافرهم و قلانسهم قال الواقدي حدثني محمد بن صالح قال كان أربعة من أصحاب محمد ص يعلمون في الزحوف حمزة بن عبد المطلب كان يوم بدر معلما بريشة نعامة و كان علي ع معلما بصوفة بيضاء و كان الزبير معلما بعصابة صفراء و كان أبو دجانة يعلم بعصابة حمراء و كان الزبير يحدث أن الملائكة نزلت يوم بدر على خيل بلق عليها عمائم صفر فكانت على صورة الزبير.قال الواقدي فروي عن سهيل بن عمرو قال لقد رأيت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء و الأرض معلمين يقبلون و يأسرون.قال الواقدي و كان أبو أسد الساعدي يحدث بعد أن ذهب بصره و يقول لو كنت معكم الآن ببدر و معي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك فيه و لا أمتري قال و كان أسيد يحدث عن رجل من بني غفار حدثه قال أقبلت أنا و ابن عم لي يوم بدر حتى صعدنا على جبل و نحن يومئذ على الشرك ننظر الوقعة و على من تكون الدبرة فننتهب مع من ينتهب إذ رأيت سحابة دنت منا فسمعت منها

١٥٩

همهمة الخيل و قعقعة الحديد و سمعت قائلا يقول أقدم حيزوم فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات و أما أنا فكدت أهلك فتماسكت و أتبعت بصري حيث تذهب السحابة فجاءت إلى النبي ص و أصحابه ثم رجعت و ليس فيها شي‏ء مما كنت أسمع.

قال الواقدي و حدثني خارجة بن إبراهيم بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه قال سأل رسول الله ص جبرائيل من القائل يوم بدر أقبل حيزوم فقال جبرائيل يا محمد ما كل أهل السماء أعرف قال الواقدي و حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن أبيه عن جده عبيدة بن أبي عبيدة عن أبي رهم الغفاري عن ابن عم له قال بينا أنا و ابن عم لي على ماء بدر فلما رأينا قلة من مع محمد و كثرة قريش قلنا إذا التقت الفئتان عمدنا إلى عسكر محمد و أصحابه فانتهبناه فانطلقنا نحو المجنبة اليسرى من أصحاب محمد و نحن نقول هؤلاء ربع قريش فبينا نحن نمشي في الميسرة إذ جاءت سحابة فغشيتنا فرفعنا أبصارنا لها فسمعنا أصوات الرجال و السلاح و سمعنا قائلا يقول لفرسه أقدم حيزوم و سمعناهم يقولون رويدا تتاءم أخراكم فنزلوا على ميمنة رسول الله ص ثم جاءت أخرى مثل تلك فكانت مع النبي ص فنظرنا إلى أصحاب محمد و إذا هم على الضعف من قريش فمات ابن عمي و أما أنا فتماسكت و أخبرت النبي ص بذلك و أسلمت.

قال الواقدي و قد روي عن رسول الله ص أنه قال ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر و لا أحقر و لا أدحر و لا أغضب منه في يوم عرفة و ما ذاك إلا لما رأى من نزول الرحمة و تجاوز الله تعالى عن الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر قيل و ما رأى

١٦٠