كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

كتاب شرح نهج البلاغة20%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 282

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28448 / تحميل: 7096
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

والايمان، والنذور، والعهود، والحجر، والشفعة، والحكم.ومعلوم أن الحجر للسفه والفلس وغيرهما ضرب من الحكم، وليس الاقرار من الايقاعات، لانه، أخبار، والمفهوم من الايقاعات كونها انشاآت.

اما البيع: فاقسامه باعتبار القد والنسيئة في الثمن والمثمن أربعة، وباعتبار وجوب مساواة الثمن للمثمن وعدمه قسمان، فهذه عشرة أقسام، بعد التأمل لها يعلم أن فيها تداخلا.وهذه هي النقد، والنسيئة، والسلف، وبيع الكالئ، وبيع المرابحة، والمواضعة والتولية، والمساومة، وبيع الربوي، وغيره، ومن ذلك الصرف.وينقسم البيع باعتبارات أخر إلى أقسام منها: بيع الغرر، ومنه بيع الملاقيح والمضامين، وبيع الحصاة، والمنابذة، والملامسة، وغير ذلك.والبيع المعلق على شرط أو صفة، وبيع الشرط، ومنه بيع خيار الشرط الذي منه: بيع المؤامرة، والبيع المشتمل على اشتراط رد الثمن أو مثله في مدة معلومة واسترجاع المبيع.وبيع البراء‌ة من عيب معين، أو عيوب معينة، أو سائر العيوب.وبيع الثمرة قبل ظهورها عاما أو أزيد مع الضميمة وبدونها، وبيعها بعد الظهور قبل بدو الصلاح، وبيع المزابنة، والمحاقلة، وبيع العربة، وبيع الرطبة، والتقبيل للشريك.واعلم أنه لابد في كل عقد لازم ولو من أحد الطرفين من وقوعه باللفظ الصحيح الشرعي العربي، فلا يقع بغيره، الا اذا لم يعلم المتعاقدان أو أحدهما ذلك، ويشق تعلمه عادة.ولابد من وقوع الايجاب والقول بلفظ الماضى، وتقديم الايجاب على أصح القولين، وفورية القبول بحيث لا يتخلل كلام أجنبي، ولا سكوت طويل في العادة.

١٢١

ولا يضر التنفس والسعال، ونحو ذلك، بخلاف العقود الجائزة.ويشترط ايقاعها بالالفاظ الصريحة في بابها، فلا يقع البيع بلفظ الاجاره، والنكاح، وبالعكس، فان صراحة كل من هذه الالفاظ في غير بابها منتفية.ويشترط في الايقاعات أيضا وقوعها باللفظ الصحيح العربي مع الامكان، ويشترط صراحته في بابه أيضا، فلو أوقع البيع بغير ما قلناه وعلم التراضي منهما كان معاطاة، لا يلزم الا بذهاب أحد العينين، وكذا القول في الاجارة ونحوها، بخلاف النكاح والطلاق ونحوهما فلا تقع أصلا.

فائدة:

تكفي اشارة الاخرس الدالة على ارادة صيغ العقود والايقاعات، ويترتب، عليها أثرها، وكذا العاجز عن النطق لمرض أو نحوه.

فصل النقد:

هو بيع الحال بالحال، سواء كان معه شرط أم لا، وسواء كان الشرط خيارا أو سقوط خيار.

وصيغته: بعتك، أو اشترينك، أو ملكنك هذا المتاع المعين الموصوف الفلاني بعشرة دراهم، أو بهذه العشرة الدراهم، أو بهذا الثوب، أو بثوب صفته كذا.فيقول: قبلت، أو ابتعت، أو شريت، أو اشتريت، أو تملكت، ونحو ذلك.ولابد في الموصوف ثمنا أو مثمنا من وصفه بصفات السلم، ولو كان عينا غائبة كالدابة الفلانية ولم يكن رآها الاخر، فلابد من ذكر أوصافها الموجبة لرفع الجهالة عنها.ومتى كان أحد المتعاقدين وكيلا جاز التصريح في الايجاب والقبول بذلك فيقول: بعتك بالوكالة عن فلان، ويقول الاخر في القبول لموكله: قبلت لموكلي فلان ولو لم يصرح أحدهما بالوكاله كفى القصد، لكن لا يعلم ظاهرا وقوعه

١٢٢

عن الموكل أوله الا باخبار القاصد، ولا يفيد ذلك تحمل الشاهد الاعلى اقرار المقر.ولو أراد شرط شئ كتأجيل دين حال، أو رهن بدين، أو ضمين قال: بعتك هذا بكذا وشرطت عليك تأجيل دينك الفلاني إلى سنة، أو شرطت رهن كذا بدين كذا، أو تضمين فلان كذا، أو شرطت سقوط خيار الغبن، أو خيار الرؤية كذلك، أو شرطت لنفسي الخيار مدة سنة، أو لك، أولي ولك، أو بعتك بشرط استئمان زيد إلى سنة مثلا، أو بشرط اني متى رددت الثمن أو مثله إلى سنة استرجع المبيع، ونحو ذلك.أو بشرط البراء‌ة من عيب كذا وكذا، أو بالبراء‌ة من جميع العيوب على أصح القولين، أو بعتك ثمرة البستان الفلاني، الموجودة بكذا، أو منضمة إلى ثمرة سنتين مثلا أو منضمة إلى الشئ الفلاني، أو بعتك بهذه الاشجار وثمرتها، فانه يصح في هذه وأن لم يكن قد ظهرت، كما لو باع حاملا وضم اليها الحمل.ولو خرص العرية بتغار مثلا قال: بعتك ثمرة هذه النخلة بتغار تمر موصوف بصفات كذا، وذكر صفات السلم وان كان الثمن مضموما، والا أشار إلى معين.

فصل بيع النسيئة:

هو بيع عين أو مضمون في الذمة حالا بثمن مؤجل، وصيغته: بعتك هذا المبيع بعشرة دراهم وأجلتك في الثمن إلى شهر وكل ما سبق من الشروط والاصالة والوكالة آت هنا، ولا ريب انه يشترط في الاجل هنا وفي كل موضع يذكر كونه محروسا عن احتمال الزيادة والنقصان، لكونه معين في حد ذاته.فلا يصح التأجيل بادراك الغلات، وقدوم المسافرين، ونحو ذلك.

فصل بيع السلف:

هو بيع موصوف في الذمة إلى أجل بثمن حال معين أو مضمون، وهو مقابل النسيئة ويشرط ذكر الصفات التي لها دخل في تفاوت القيمة بسبب تفاوت

١٢٣

الرغبات، وقد ذكر الفقهاء لكل نوع من الانواع التي يكثر دورانها ويجوز فيها السلم صفاتا مخصوصة على طريق التدريب للمكلف، ليستعلم منها ما يجب ذكره في العقد من صفات مالم يتعرضوا اليه.ويجب أيضا أن يذكر موضع التسليم ان كان المتعاقدان بصدد مفارقة موضوع العقد قبل الحلول كما لو كانا غريبين مجتازين، وكذا أحدهما، والاحوط ذكره مطلقا. ويعتبر في أجل السلم ما سبق من كونه محروسا عن الزيادة والنقصان، وتسليم الثمن قبل التفرق.والايجاب للسلم: سلفتك، أو أسلمت اليك من المشتري، وبعتك، وملكتك وما جرى مجراه من البائع، فلو كان المسلم فيه حنطة قال: أسلمت اليك كذا في تغار حنطة يوسفية عراقية حمراء كبيرة الحب جديدة جيدة ضربية إلى شهرين، مسلمة في موضع كذا، فيقول البائع: قبلت.ولو ابتدأ البائع بايجاب وقال: بعتك تغار ضطة يوسفية إلى آخرها، بكذا مؤجلة إلى كذا مسلمة في موضع كذا، قال المشتري: قبلت، صح.والمرجع في ذكر الاوصاف إلى العرف، فكل وصف تختلف الاغراض بسببه، وتزيد القيمة وتنقص باعتباره زيادة يعتد بها يجب التعرض اليه، وغيره لا يجب ذكره، وجميع ما سبق ذكره من الشروط والخيارات هنا. والظاهر أنه لا يجئ في المسلم فيه اشتراط البراء‌ة من العيوب، لانه لابد من اشتراط ذكر الاوصاف التي لها دخل في تفاوت القيمة والسلامة من العيوب في المسلم فيه، أو كونه معيبا مما تتفاوت به القيمة تفاوتا ظاهرا.

فصل بيع الكالئ بالكالئ:

هو بيع الدين بالدين - يجوز بهمزة وترك الهمزة -، وقد ثبت في السنة

١٢٤

المطهرة النهي عنه، وكونه محرما.

وصيغته أن يقول: بعتك ديني الفلاني بدينك الفلاني، أو بعتك ديني الفلاني بعشرة دراهم مؤجلة إلى شهر.فيقول: قبلت.ومنه أن يسفله دينا له عليه في شئ مما يجوز السلم فيه على أصح القولين، كما لو أسلفه العشرة التي في ذمنه في تغار حنطة موصوف بصفاته، مؤجل إلى كذا، مسلم في موضع كذا.

ولو ادعت الحاجة إلى مثل ذلك أسلفه عشرة مضمومة غير مقيدة بكونها دينه، بعد تمام العقد، وثبوت العشرة في ذمة المشتري تقاصه بها ولو باع الدين بمضمون حال جاز، اذ لا يعد دينا، والظاهر انه يصح ذلك وان كان الدين مؤجلا لم يحل فصل: المرابحة، هي البيع برأس المال مع زيادة، فلابد فيه من الاخبار برأس المال ان لم يكن ثم المشتري عالما به.وتحقيقه: ان جرى على ما وقع به الشراء للبائع فصيغته أن يقول بعد الاخبار بالثمن: يعتك كذا بما اشتريته به وربح عشرة، أو بعتك كذا بما بذلت من الثمن فيه، إلى آخر صبغ البيع السالفة، وهي: شريتك، وملكتك.وللمرابحة صيغتان اخريان: أحدهما: أن يقول: بعتك بما قام علي وربح كذا.الثانية: بعتك برأس المال وربح كذا.والفرق بين هذه الصيغ الثلاث:

أن الاولى لا تتناول الا الثمن خاصة، فلو بذل مالا في عمل فيه، أو عمل بنفسه فيه ما يبذل في مقابله مال، أو لحقه مؤنة دلالة ونحوها لم يتناول شيئا من ذلك اللفظة وان اخبر به قبل الصيغة وكذا الثالثة على اظهر القولين.

وأما الثانية فانه يندرج فيها جميع ما لحق من المؤن التي يقصد بالتزامها

١٢٥

الاسترباح، مثل اجرة الدلال والكيال والحمال والحارس والقصار والخياط، وقيمة الصيغ، واجرة ختان للمملوك وتطيين الدار، ونحو ذلك، اذا بذل اجرة ذلك كله.ولابد أن يكون تطيين الدار لا لكونها قد تجدد فيها عندما يقتضي التطيين، وكذا اجرة الرفاء لو بدلها لو كان القماش مقطوعا ولم يتجدد عنده، ومن ذلك اجرة البيت الذي يحفظ فيه المتاع فانه من المؤن اللازمة للاسترباح، بخلاف المؤن التي بها بقاء الملك كنفقة العبد التي بها بقاؤه عادة، ومن جملتها اجرة مسكنه الذي لابد منه، وكذا كسوته الضرورية، ومثل علف الدابة واجرة الاصطبل وجل الدابة، ونحو ذلك.والفرق بين اجرة البيت الذي يحفظ فيه المتاع واجرة مسكن العبد واصطبل الدابة لا يكاد يتحقق، خصوصا اذا كان استيفاء العبد والدابة ليس الا للتجارة.ولو زاد في العلف على المعتاد للتسمين فهو مما يدخل، وكذا اجرة الطبيب اذا زال المرض ولم يكن حادثا في يده.ولو عمل شيئا من هذه الاعمال بنفسه، أو تبرع له بها متبرع، فأراد ادخالها في البيع قال: اشتريته بكذا وعملت فيه ما يساوي كذا، ثم يبيعه بذلك وربح كذا.واعلم أن بين الصبغ الثلاث السالفة فرقا آخرا وهو:

ان الاولى لا تصح الا حيث يكون المتاع قد انتقل اليه بالصلح، أو بالهبة المشروطة بالعوض، ونحو ذلك، فلا يصح البيع مرابحة بالصيغة الاولى، بخلاف الثانية.وينبه على ذلك أن المبذول عوض العمل أجرة مع ا نه يندرج في قوله: تقوم علي، ولا يبعد في الثالثة الجواز لو انتقل بالصلح، وفي القرض والهبة مشروطة بالعوض نظر.ولا يخفى انه لا يصدق رأس المال والثمن وما تقوم به المتاع الا فيما تقوبل به استقلالا فما أصاب المتاع بالتقسيط - اذا جرى البيع على عدة امتعة - لا يعد

١٢٦

واحدا منهما.والمعاطاة كالعقد في ذلك كله.

فصل التولية:

هي البيع برأس المال من غير زيادة ولا نقصان، فلابد من الاخبار برأس المال، الا مع العلم به.

والصيغة: بعتك بما اشتريت، أو وليتك.واذا اشترى شيئا ثم قال: وليتك هذا العقد جاز.قال في الدروس: وليتك السلعة احتمل الجواز(١) .والقبول: أن يقول: قبلت، أو توليت.ويلزمه مثل الثمن الاول جنسا وقدرا ووصفا.ويشترط في التولية كون الثمن مثليا، ليأخذ المولى مثل ما يدل، فلو اشتراه بعوض لم تجر التولية، واستثني من ذلك قبض ما انتقل العرض من البائع إلى انسان، فولاه المشتري العقد، وحكاه في التذكرة عن بعض الشافعية.وحكى أيضا ما لو اشترى بعرض وقال: قام علي بكذا، أو قد وليتك العقد بما قام علي، أو أرادة المرأة عقد التولية على صداقها بلفظ القيام، أو أراد الرجل التولية على ما أخذ عن عوض الخلع، ثم قال: ان في ذلك وجهين للشافعية، وعندنا تجوز التولية في مثل هذه الاشياء(٢) .ويجوز البيع لبعض المبيع تولية بلفظ: بعت ووليت، بشرط تعيين البعض، ويلزم قسطه في الثمن.

فصل المواضعة:

وهي المحاطاة، مأخوذة من الوضع، والمراد هنا: أن يبيع برأس المال

____________________

(١) الدروس: ٣٤٥.

(٢) التذكرة ١: ٥٤٥.

(*)

١٢٧

ووضعية معلومة.وهي كالمرابحة في الاحكام والصيغة، الا أنه يضيف: وضيعة كذا، فيقول: بعتك هذا بما اشتريته ووضيعة كذا.ويكره في المرابحة والمواضعة نسبة الربح والوضيعه إلى المال، بان يقول: بعتك برأس المال وربح كل عشرة درهما، أو وضيعة درهم من كل عشرة.

فرع:

لو قال: الثمن مائة، بعتك برأس المال ووضيعة درهم من كل عشرة فالثمن تسعون ولو قال: ووضيعة درهم لكل عشرة، فالحط دراهم وجزء من أحد عشر جزء‌ا من درهم، (فيكون الثمن تسعين وعشرة اجزاء من أحد عشر جزء من درهم)(١) ولو قال: بوضيعة العشرة درهما، احتمل كلا من الامرين، لاحتمال أن تكون الاضافة بمعنى من أو بمعنى اللام، على أن يكون المراد: بوضيعة من العشرة درهما، أو للعشرة درهما.وتخيل أن الاحتمال الثاني لا يأتي، لان العباره لا تحتمله حيث أن وضيعة العشرة درهما لا يكون الا في العشرة الدراهم دون ما سواها من أجزاء الدرهم، مدفوع بأن اللفظ لابد فيه من تقدير هو: اما بوضيعة كل عشرة درهما، أو بقياس وضيعة العشرة درهما، أو ما جرى هذا المجرى، وكل من التقديرين محتمل، ولا ارجحية لاحدهما على الاخر.

فصل: بيع المساومة:

هو البيع من غير تعرض إلى ذكر رأس المال، وصيغته معلومة مما سبق، وهو أجود من باقي الاقسام، لما فيه من السلامة من وقوع الكذب تعمدا أو غلطا.وأما بيع الربوا فلا ينفرد بصيغة، انما يجب فيه التحرز من الزيادة مع اتحاد الجنس، وانتفاء ما تجوز معه الزيادة كالابوة والزوجية.وكذا القول في الصرف فانه لا يختص بصيغة عن باقي أقسام البيع، نعم يشترط

____________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في نسخة " ش ".

(*)

١٢٨

التقابض قبل التفرق، والسلامة من الربوا أن اتحد الجنس من الجانبين.وكذا بيع الثمار والحيوان.

وبيع المزابنة: وهو بيع ثمرة النخل بعد خرصها بقدر خرصها تمرا، وان لم يشترط كون الثمن منها، ويلحق بها في ذلك ثمرة باقي الاشجار المثمرة.

وبيع المحافظة: بيع الزرع بحب من جنسه وان خرص وبيع بقدر خرصه، سواء شرط الثمن من الزرع، أو باع بحب آخر على الاصح.

فصل:

تصح القبالة بين الشريكين في الثمرة والزروع، بأن يخرص حصة أحدهما خاصة ثم يقبلها شريكه بخرصها فتقبل، وهي عقد صحيح، لورود النص عليها، ولازم، لان الاصل في العقود اللزوم الا ما اخرجه دليل، وذلك قضية كلام الاصحاب.وصيغتها: قبلتك نصيبي في هذه الثمرة بكذا، فيقول: قبلت أو تقبلت.وحكمها وجوب العوض مع سلامتها من الافة، ولو تلفت فلا شئ، ولو تلف البعض: فان وفي الباقي بمال القبالة، والا سقط عنه قدر ما نقص.ومتى زاد المخروص عن قدر مال القبالة فالزائد للمتقبل اباحة ولو نقص أكلمه.وهل هذه عقد برأسه، أم ضرب من الصلح؟ قال في الدروس بالثاني، فيصح بلفظ الصلح(١) .وللنظر في ذلك مجال، لان الربوا يعم الصلح على الاصح، ولانه لا يبطل بتلف المعوض بعد القبض، وليس بعيد أن يكون ذلك عقدا برأسه.

فصل: بيع الغرر فاسد كبيع الملاقحة:

وهو بيع ما في بطون الامهات.

وبيع المضامين: وهو بيع ما في أصلاب الفحول.

____________________

(١) الدروس: ٣٨٠.

(*)

١٢٩

وبيع الحصاة: وهو أن يقول، ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهي لك بكذا.

وبيع الملامسة: وهو أن يبيع غير مشاهد على انه متى لمسه وقع البيع.

وبيع المنايذة: وهو أن يقول: ان نبذته الي فقد اشتريته بكذا.والبيع المعلق على شرط وهو ممكن الحصول عادة، مثل: بعتك ان دخل زيد الدار.وعلى صفته وهو معلوم الحصول عادة، مثل: بعتك ان طلعت الشمس.

تنبيهات:

الاول: المقبوض بالبيع الفاسد لا يجوز التصرف فيه للقابض، وهو مضمون عليه، بمعنى أنه لو تلف أو نقص بحال من الاحوال كان عليه ضمانه.ولا يضمن القيمي بقيمته حين التلف، وكذا زوائده.

الثاني: الشرط الواقع في العقد اللازم يجب أن يكون لازما، فلو امتنع المشترط من فعل الشرط كان للاخر رفع الامر إلى الحاكم ليجبره عليه بعموم قوله تعالى: " أوفوا بالعقود "(١) ، والشرط من جملة المعقود عليه، ولقولهعليه‌السلام : " المؤمنون عند شروطهم، الا من عصى الله "(٢) ، والاكثر على العدم، وفائدة الشرط عندهم تسلط الاخر على الفسخ.

الثالث: لا يصح اشتراط شئ من الثمن على غير المشتري، فلو قال: بع عبدك من فلان على أن علي خمسمائة مثلا، فباعه على ذلك لم يصح، لانه خلاف مقتضى البيع، بخلاف مالو قال: اعتق عبدك وعلي كذا، وطلق زوجتك وعلي كذا، فانه اذا اعتق وطلق لزمه العوض، فان ذلك لما كان فكا ولم يكن معاوضة كان المبذول ضربا من الجعالة.

____________________

(١) المائدة: ١.

(٢) عوالى اللالى ١: ٢١٨ حديث ٨٤.

(*)

١٣٠

ولو قال في الصورة الاولى ما قاله على طريق الضمان، فباع البائع العبد لزيد بشرط أن يضمن عمرو المقدر المذكور من ثمنه صح البيع والشرط، وكان بيعا بشرط.

فصل:

الافالة فسخ وليست بيعا في حق المتبايعين وغيرهما، فلا يثبت بها خيار المجلس، ولا شفعة لو كان المبيع شخصا مشفوعا، ويصح في المبيع والبعض مع بقاء السلعة وتلفها، فيجب المثل أو القيمة، ولا تصح بزيادة، بالثمن ولا المثمن ولا نقص في أحدهما.وصيغتها أن يقول: تقايلنا في بيع كذا، أو تفاسخنا، أو أقلتك.فيقبل الاخر.ولو التمس أحدهما الاقالة، فقال الاخر: أقلتك، ففي الاكتفاء بالاستدعاء عن قبول الملتمس تردد، ولا ريب أن القبول أولى.

القرض:

عقد جائز من الطرفين، ثمرته تمليك العين مع رد العوض، ففي المثلي المثل، وفي القيمي القيمة، ولابد فيه من ايجاب وقبول.

فأما الايجاب: فلابد أن يكون بالقول، فلا يكفي الدفع على وجه القرض من غير لفظ في حصول الملك، نعم يكون ذلك في القرض كالمعاطاة في البيع فيثمر اباحة التصرف، فاذا تلف العين وجب العوض.

والذي ينساق اليه النظر أن المعاطاة في البيع تثمر ملكا متزلزلا، ويستقر بذهاب أحد العينين أو بعضها.ومقتضى هذا أن النماء الحاصل من المبيع قبل التلف شئ من العينين يجب أن يكون للمشتري، بخلاف الرفع للقرض هنا فانه لا يثمر الامحض الاذن في التصرف واباحة الاتلاف، فيجب أن يكرن نماء العين للمقرض، لبقائها على الملك، اذ لا معاوضة هنا ولا تمليك، بخلاف الاول.

١٣١

وصيغة الايجاب: أقرضتك كذا، او ملتك كذا وعليك رد عوضه.ولابد من هذا القيد في الثاني دون الاول، لان رد العوض جزء ومفهوم القرض، بخلاف التمليك.

ومثله: اسلفتك كذا، أو خذه واصرفه ورد عوضه، أو تصرف فيه ورد عوضه، أو انتفع به ورد عوضه، ونحو ذلك.ولابد من قبول: اما قولا كقبلت، أو اقترضت، ونحوهما.أو فعلا كالاخذ.على وجه الرضى ولو بوكيله.ويصح في عقد القرض اشتراط ما لا ينافي مقتضاه، كما لو شرط رهنا، أو ضمينا به، أو بمال آخر على الاصح في الثاني، بخلاف ما لو شرط زيادة في العين أو الصفة.وزيادة الصفة مثل ما لو شرط الدراهم الصحيحة عوض المكسرة ولو عكس فشرط المكسرة عوض الصحيحة لغا الشرط وصح القرض.

أما الاول، فلان الزيادة في القرض والنقيصة على حد سواء.

وأما الثاني، فلان الرضى بالمكسرة يقتضي الرضى بالصحيح بطريق أولى.ويصح اشتراط قرض آخر في عقد القرض للمقرض أو للمقترض، ولا يعد ذلك زيادة، لانحصار الزيادة في زيادة العين والصفة.

ويصح اشتراط ايفاء القرض في بلد آخر، واذا طالب المقرض في غير بلد الشرط، أو في غير بلد القرض مع عدم الشرط وجب على المقترض الوفاء مع عدم الضرر، بأن تكون قيمة المثلي في موضع المطالبة أزيد.وصيغة الشرط مع ما سبق من صيغة القرض ظاهرة.

الرهن:

عقد لازم من طرف الراهن خاصة، فائدته التوتق للدين ليستوفى منه.

والايجاب فيه: رهنتك هذا على الدين الفلاني وعلى كل جزء منه، وشرطت لك أن ما يتجدد من نمائه يكون رهنا، وأن يوضع على يد العدل الفلاني أو يكون

١٣٢

بيدك، وأن يكون وكيلا في بيعه بعد شهر ونحو ذلك.والقبول: قبلت، وأرهنت، وما جرى مجراه.

ويجزئ في الايجاب: هذا وثيقة عندك، أو هذا رهن عندك، وكل ما ادى هذا المعنى.ويشترط وقوعه باللفظ العربي الصحيح الصريح مع القدرة، والتطابق بين الايجاب والقبول، وعدم تأخر القبول بما يعتد به في العادة، وكونهما بلفظ الماضي الذي هو صريح في الانشاء ولا يقدح في ذلك صحته بهذا وثقية عندك، لان اسم الاشارة مع ما بعده مفيد لهذا المعنى، وقد اطبقوا على الاكتفاء به هنا.ولا يكفي شرط الرهن في عقد البيع عن القبول لو أوجب الراهن الرهن عقيبه بغير فصل، ولو شرط فيه أن لا يباع الا باذن فلان مثلا، أو أن لا يباع الا بكذا ففيه تردد، وفي البطلان قوة.ولو شرط عليه الرهن في بيع فاسد فظن لزومه فرهن فله الفسخ، ومثله ما لو أبرئت ذمة الزوج فظن صحة الطلاق فتبين الفساد، أو وهب من واهبه بظن صحة الهبة الاولى ونحو ذلك.وعقد الرهن قابل للشرط اذا لم تكن منافية لمقصود العقد، ولم يثبت في الكتاب والسنة ما يقتضي معها، فلو شرط أن لا يباع أصلا لم يصح، لمنافاته مقصود الرهن، وكذا لو شرط بيع العبد المسلم من كافر.ولو شرط دخول النماء المتجدد في الرهن، صح، ولا يدخل بدونه على الاصح، كما لا يدخل الموجود.ولو رهنه إلى مدة معينة على أنه ان لم يقضه في الاجل كان مبيعا، فكل من الرهن والبيع فاسد، وليس مضمونا في المدة، لانه رهن فاسد فيها، بخلاف ما بعدها فانه حينئذ مبيع فاسد.ومن الاصول المقررة أن كل عقد يترتب على صححيه ضمان العين المقبوضة

١٣٣

به على القابض، على معنى أنها لو تلفت كان تلفها منه يضمن بفاسده، وكل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده وينبغي اذا رهن على الدين أن يرهن على كل جزء منه، حذرا من تطرق احتمال الانفكاك بأداء شئ منه، ولا يشترط لصحة الرهن قبض المرتهن العين المرهونة على أصح القولين.

الصلح:

عقد لازم من الطرفين، شرع لقطع تنازع المختلفين، وهو على أنواع: صلح بين المسلمين وأهل الحرب على ترك الحرب إلى أمد تقتضيه المصلحة، وصلح بين أهل العدل وأهل البغي، وصلح بين الزوجين اذا خيف الشقاق بينهما يتولاه الحكمان من أهلهما، وصلح بين المختلفين في المال وقد يجري بين المتعاملين لنقل عين أو منفعة، من غير أن تسبق خصومة.والصيغة في الجميع متقاربة، فالايجاب: صالحتك على ما استحقه في ذمتك من جميع الحقوق الشرعية بكذا، ولو قال الاخر: صالحتك على ما تستحقه في ذمتي من جميع الحقوق الشرعية بكذا صح.ولو أراد الصلح لقطع المنازعة ظاهرا خاصة قال: صالحتك على قطع المنازعة بيني وبينك من جهة كذا بكذا.ويجوز الصلح على الاقرار والانكار.

والصلح أصل في نفسه، وليس فرعا على شئ من العقود على الاصح، الا انه يفيد فائدة عقود خمسة: الاول: البيع: وذلك فيما اذا كان بيد الانسان عين فادعاها آخر، أو ادعى دينا في ذمته فأقر فصالحه على العين أو الدين بما يتفقان عليه، فان الصلح هنا بمنزلة البيع في نقل الملك.ومثله ما اذا صالحه على عين أو دين ابتداء، من غير سبق خصومة بما يتفقان عليه عندنا.

١٣٤

الثانى: الاجارة: وذلك في ما اذا كان المصالح عليه منفعة، كما لو كان لاحدهما عند الاخر دين أو عين أو منفعة فصالحه على منفعة، فان الصلح هنا يفيد فائدة الاجارة.

الثالث: الابراء والحطيطة: وذلك في ما اذا كان له في ذمته دين فيقربه ثم يصالحه على اسقاط بعضه واعطاء بعض، وهو هنا يفيد فائدة الابراء.

الرابع: الهبة: وذلك في ما اذا ادعى عليه عبدين أو دارين مثلا، فأقر له بهما وصالحه منهما على أحدهما، فانه هنا يفيد فائدة الهبة.

الخامس: العارية: وذلك في ما اذا ادعى عليه دارا مثلا، فأقر له بها فصالحة على سكناها سنة، فان الصلح هنا يفيد فائدة العارية، وأصح القولين اللزوم، فليس لصاحب الدار الرجوع خلافا للشيخ.

ويجب في الصلح التخلص من الربوا، كما يجب التخلص منه في البيع على الاصح فلو أتلف ثوبا قيمته دينار، ثم صالح مالكه على دينارين لم يصح ان كان النقد الغالب هو جنس ما صالح به، بخلاف ما اذا تعدد الجنس واستويا بان كان دراهم ودنانير.ويصح الصلح على مثل حق الشفعة لاسقاطه، وعلى حق التحجر، وأولية سكن المدرسة، ونحوها، وعلى اسقاط اليمين، والخيار، وعلى اجراء الماء المعين على سطوح الغير مدة معلومة ويجوز الاشتراط في عقد الصلح كما يجوز في البيع.

الضمان: عقد ثمرته نقل المال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن.

١٣٥

وصيغته: ضمنت لك ما تستحقه في ذمة زيد، أو تحملت لك، أو تكفلت، أو التزمت، أو أنا ضامن، أو ضمين، أو زعيم، وما أدى هذا المعنى.والقبول: قبلت، أو ضمنت، أو كفلت، ونحو ذلك.ولو قال: أؤدي، أو أحضر لم يكن ضامنا.ولا؟ كفي الكتابة، ولا الاشارة مع القدرة على النطق، ولا التلفظ بالصيغة بغير العربية مع القدرة عليها، إلى آخر ما سبق بيانه مما يعتبر في العقود اللازمة.ويجوز الضمان حالا ومؤجلا، فان شرط أجلا وجب كونه مضبوطا لا كنحو ادراك الغلات وقدوم الحاج ولو شرط ما لا ينافي مقتضى العقل ولم يمنع منه شرعا صح ولزم، كاشتراط الخيار مع تعيين المدة، وكاشتراط الاداء من مال بعينه، فيبطل لو تلف بغير تفريط في وجه.وصيغة الضمان المؤجل والمشروط فيه الخيار ما سبق، مع اضافة التأجيل واشتراط الخيار، كقوله: ضمنت لك إلى كذا وشرطت لنفسي الخيار شهرا مثلا، أو لك وشرطت الاداء من المال الفلاني، ونحو ذلك.وضمان عهدته قد يكون للبائع عن المشتري، بأن يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه، وضمان عهدته ان ظهر عيب بالنسبة إلى الارش، أو استحق، أو نقص الصنجة فيه.وقد يكون للمشتري عن البائع، بأن يضمن الثمن بعد قبضه متى خرج المبيع مستحقا، وكذا أرش بيع المبيع ونقص الصنجة فيه.

الحوالة: عقد ثمرته تحويل المال من ذمة إلى اخرى.وصيغة العقد: كل لفظ يدل على النقل والتحويل، مثل أحلتك على فلان بكذا، فيقول: قبلت واحتلت، ومثله: قبلتك وذكر في التذكرة: اتبعتك إلى آخر

١٣٦

الصيغة(١) .ويشترط فيها كل ما يشترط في العقود اللازمة من الايجاب والقبول، وكونهما بالعربية، وغير ذلك مما يشترط في باقي العقود.

الكفالة: عقد ثمرته التعهد بنفس من عليه حق وان كان ذلك الحق الحضور إلى مجلس الحكم.

وصيغته قريبة من صيغة الضمان، فانه تعهد بالمال، والكفالة بالنفس فيقول: ضمنت لك احضاره، اما مطلقا، أو إلى شهر، أو في الوقت الفلاني.أو تكفلت أو التزمت باحضاره، أو أنا كفيل حالا، أو مؤجلا لكن مع ضبط الاجل.واطبق الاصحاب على أنه اذا قال: أنا كفيل به على اني ان لم احضره كان علي كذا لزمه الاحضار خاصة، ولو قال: أنا كفيل به على أن علي كذا إلى كذا ان لم احضره لزمه المال خاصة ولا يخفى انه لابد من القبول، والشروط الواقعة في هذا العقد تلزم اذا كانت جائزة كغيره من العقود اللازمة.

الوديعة: من العقود الجائزة من الطرفين، ثمهرته: الاستنابة في الحفظ.

ويكفي في الايجاب كل لفظ دل على الاستنابة في ذلك، ولا يتعين له لفظ ولا عبارة مخصوصة ويكفي في القبول ما دل على الرضى من قول وفعل.ولا يشترط فوريته، ومتى شرط الحفظ على وجه مخصوص فقبل لم يكن له الحفظ الا على ذلك الوجه.

العارية: عقد جائز من الطرفين، ثمرته تسويغ الانتفاع بالعين مع بقائها، اما مطلقا، أو مدة معينة.

ولا يتعين له لفظ، بل كل لفظ ما دل على هذا المعنى كاف في ذلك.

____________________

(١) التذكرة ٢: ١٠٥.

(*)

١٣٧

ويكفي القبول الفعلي به، وكل ما يشترط فيها من الشروط الجائزة نافذ، ومنها اشتراط الزمان على المستعير.

الجعالة: عقد جائز من الطرفين، ثمرته استحقاق المال المجعول أو المقدر شرعا أو عرفا في مقابل عمل مقصود محلل، ولابد من صيغة، ويكفي في ايجابها مادل على العمل المخصوص بعوض، مثل: من رد عبدي، أو دخل داري، أو بنى جداري، أو من رد عبدي من بلد كذا وفي يوم كذا فله كذا، أو فله عوض.والقبول يكفي فيه الفعل، ولكل منهما الفسخ قبل الشروع في العمل، وكذا بعده، الا بالنسبة إلى ما مضى من العمل فان فسخ الجاعل لا يسقط استحقاقه من الجعل.

الاجارة: عقد ثمرته نقل المنفعة خاصة بعوض معلوم متمول، والايجاب: آجرتك، أو اكريتك الدار الفلانية شهرا بكذا، أو ملكتك سكنى هذا الدار شهرا بكذا.ولا ينعقد بلفظ العارية ولا البيع، بل يكون اجارة فاسدة.ولابد من القبول، وهو اللفظ الدال على الرضى، كفبلت واستأجرت ونحوه.ولما كان هذا من العقود اللازمة من الطرفين اعتبر فيه ما اشتركت فيه العقود اللازمة، مثل فورية القبول، وكونهما بالعربية.ويصلع اشتراط مالا ينافي مقتضى العقد من الشروط السائغة المعلومة حتى الخيار، ويلزم الشرط.

المزارعة: معاملة على الارض بحصة من نماء زرعها.

والايجاب: زارعتك وعاملتك على هذه الارض، أو سلمتها اليك للزرع، وما اشبه ذلك، مدة نصف سنة، على أن لكل منا نصف حاصلها مثلا.

١٣٨

والقبول: قبلت، ونحوه.وهو عقد لازم من الطرفين، يبطل بالتقايل، ويعتبر فيه ما يعتبر في العقود اللازمة.ويصح اشتراط السائغ الذي لا ينافي مقتضي العقد، ولا يقتضي جهالة، ولو شرط مع الحصة شيئا من ذهب أو فضة جاز على كراهة.

المساقاة: معاملة على أصول أشجار نابتة بحصة من ثمرها، وما جرى مجرى الثمر.

وهي عقد لازم من الطرفين، تبطل بالتقايل.

والايجاب: ساقيتك أو عاملتك، أو سلمت اليك هذا البستان لتعمل فيه مدة كذا، على أن لك نصف ثمرته مثلا، وما جرى هذا المجرى، ولابد من القبول لفظا، ويصح الاشتراط فيه كما سبق.

الشركة: عقد جائز من الطرفين، ثمرته جواز الاذن في التصرف لمن امتزج مالهما بحيث لا يتميز.

والصيغة: قولهما: اشتركنا، وما جرى مجراه.

فيجوز لكل منهما التصرف بما فيه الغبطة، ولو اختض أحدهما بالاذن جاز له التصرف خاصة، ومع طلاق الاذن يتصرف مع الغبطة كيف شاء متى شاء، ولو قيد بوقت، أو موضع، أو وجه لم يجز تجاوزه، ويجوز اشتراط السائغ، ولو شرطا التفاوت في الربح مع تساوي المالين أو التساوي فيه مع تفاوتهما فالاصح البطلان، الا أن تختص ذو الزيادة بالعمل أو بالزيادة فيه.

القراض: عقد جائز من الطرفين، ثمرته جواز التجارة بالنقد بحصة من ربحه.

والايجاب: قارضتك، أو ضاربتك، أو عاملتك على هذا المال، أو المال

١٣٩

الفلاني على أن الربح بيننا نصفين مثلا.

والقبول: ما دل على الرضى منهما.ولو شرط فيه من الشروط الجائزة من البيع على وجه مخصوص، أو في جهة معينة، أو على شخص معبن، أو إلى أمد معين لم يجز للعامل تجاوزه.الوكالة: عقد جائز من الطرفين، ثمرته الاستنابة في التصرف.

والايجاب: كل لفظ دل على الاستنابة، مثل: استنبتك، أو وكلتك، أو فوضت اليك، أوبع، أو اشتر كذا بكذا مثلا، أو اعتق عبدي، أو زوجني من فلانة، أو طلقها، ونحو ذلك.

ولو قال الوكيل: وكلتني أن أفعل كذا؟ فقال: نعم، أو أشار بما يدل على ذلك كفى في الايجاب، والظاهر أن سائر العقود الجائزة كذلك.ويكفي في القبول كل ما يدل على الرضى من قول أو فعل، ولا تشترط فوريته وينفسخ بفسخ كل منهما، فاذا فسخ الموكل اشترط على الوكيل، وكذا يشترط علم الموكل لو رد الوكيل، وبدونه يبقى جواز التصرف بالاذن بحاله وان لم يكن وكيلا.ويجب اتباع ما يشترط الموكل من الشروط الجائزة دون غيرها، ويلزم الجعل لو شرطه، فانه وكيل بالعمل الذي بذل الجعل في مقابله.

السبق والرمى: عقد لازم من الطرفين على أصح القولين، ويشترط فيه ما اشتركت فيه، العقود اللازمة.

والايجاب: آملتك على المسابقة على هذين الفرسين، ويعين ما يركبه كل منهما في مسافة كذا - فيعين ابتداؤها وانتهاؤها - على أن من سبق منا كان له هذه

١٤٠

ربطت حمائل سيفه في عنقه لصغره فالتفت إلي أحدهما فقال يا عم أيهم أبو جهل قال قلت و ما تصنع به يا ابن أخي قال بلغني أنه يسب رسول الله ص فحلفت لئن رأيته لأقتلنه أو لأموتن دونه فأشرت إليه فالتفت إلي الآخر و قال لي مثل ذلك فأشرت له إليه و قلت له من أنتما قالا ابنا الحارث قال فجعلا لا يطرفان عن أبي جهل حتى إذا كان القتال خلصا إليه فقتلاه و قتلهما.قال الواقدي فحدثني محمد بن عوف عن إبراهيم بن يحيى بن زيد بن ثابت قال لما كان يومئذ قال عبد الرحمن و نظر إليهما عن يمينه و عن شماله ليته كان إلى جنبي من هو أبدن من هذين الصبيين فلم أنشب أن التفت إلى عوف فقال أيهم أبو جهل فقلت ذاك حيث ترى فخرج يعدو إليه كأنه سبع و لحقه أخوه فأنا أنظر إليهم يضطربون بالسيوف ثم نظرت إلى رسول الله ص يمر بهم في القتلى و هما إلى جانب أبي جهل.قال الواقدي و حدثني محمد بن رفاعة بن ثعلبة قال سمعت أبي ينكر ما يقول الناس في ابني عفراء من صغرهما و يقول كانا يوم بدر أصغرهما ابن خمس و ثلاثين سنة فهذا يربط حمائل سيفه قال الواقدي و القول الأول أثبت.و روى محمد بن عمار بن ياسر عن ربيع بنت معوذ قالت دخلت في نسوة من الأنصار على أسماء أم أبي جهل في زمن عمر بن الخطاب و كان ابنها عبد الله بن أبي ربيعة يبعث إليها بعطر من اليمن فكانت تبيعه إلى الأعطية فكنا نشتري منها فلما جعلت لي في قواريري و وزنت لي كما وزنت لصواحبي قال اكتبن لي عليكن حقي قلت نعم اكتب لها على الربيع بنت معوذ فقالت أسماء خلفي و إنك

١٤١

لابنة قاتل سيده فقلت لا و لكن ابنة قاتل عبده فقالت و الله لا أبيعك شيئا أبدا فقلت أنا و الله لا أشتري منك أبدا فو الله ما هو بطيب و لا عرف و الله يا بني ما شممت عطرا قط كان أطيب منه و لكني يا بني غضبت قال الواقدي فلما وضعت الحرب أوزارها أمر رسول الله ص أن يلتمس أبو جهل قال ابن مسعود فوجدته في آخر رمق فوضعت رجلي على عنقه فقلت الحمد لله الذي أخزاك قال إنما أخزى الله العبد ابن أم عبد لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا لمن الدبرة قلت لله و لرسوله قال ابن مسعود فأقلع بيضته عن قفاه و قلت إني قاتلك قال لست بأول عبد قتل سيده أما إن أشد ما لقيته اليوم لقتلك إياي ألا يكون ولي قتلي رجل من الأحلاف أو من المطيبين قال فضربه عبد الله ضربة وقع رأسه بين يديه ثم سلبه و أقبل بسلاحه و درعه و بيضته فوضعها بين يدي رسول الله ص فقال أبشر يا نبي الله بقتل عدو الله أبي جهل فقال رسول الله أ حقا يا عبد الله فو الذي نفسي بيده لهو أحب إلي من حمر النعم أو كما قال ثم قال إنه أصابه جحش من دفع دفعته في مأدبة ابن جدعان فجحشت ركبته فالتمسوه فوجدوا ذلك الأثر.قال الواقدي و روي أن أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي كان عند النبي ص تلك الساعة فوجد في نفسه و أقبل على ابن مسعود و قال أنت قتلته قال نعم الله قتله قال أبو سلمة أنت وليت قتله قال نعم قال لو شاء لجعلك في كمه فقال ابن مسعود فقد و الله قتلته و جردته فقال أبو سلمة فما علامته قال شامة سوداء ببطن فخذه اليمنى فعرف أبو سلمة النعت فقال أ جردته و لم يجرد قرشي غيره فقال

١٤٢

ابن مسعود إنه و الله لم يكن في قريش و لا في حلفائها أحد أعدى لله و لا لرسوله منه و ما أعتذر من شي‏ء صنعته به فأمسك أبو سلمة.قال الواقدي سمع أبو سلمة بعد ذلك يستغفر الله من كلامه في أبي جهل و قال اللهم إنك قد أنجزت ما وعدتني فتمم علي نعمتك قال و كان عبد الله بن عتبة بن مسعود يقول سيف أبي جهل عندنا محلى بفضة غنمه عبد الله بن مسعود يومئذ.قال الواقدي اجتمع قول أصحابنا أن معاذ بن عمرو و ابني عفراء أثبتوه و ضرب ابن مسعود عنقه في آخر رمق فكل شرك في قتله.قال الواقدي و قد روي أن رسول الله ص وقف على مصرع ابني عفراء فقال يرحم الله ابني عفراء فإنهما قد شركا في قتل فرعون هذه الأمة و رأس أئمة الكفر فقيل يا رسول الله و من قتله معهما قال الملائكة و ذفف عليه ابن مسعود فكان قد شرك في قتله.

قال الواقدي و حدثني معمر عن الزهري قال قال رسول الله ص يوم بدر اللهم اكفني نوفل بن العدوية و هو نوفل بن خويلد من بني أسد بن عبد العزى و أقبل نوفل يومئذ يصيح و هو مرعوب قد رأى قتل أصحابه و كان في أول ما التقوا هم و المسلمون يصيح بصوت له زجل رافعا عقيرته يا معشر قريش إن هذا اليوم يوم العلاء و الرفعة فلما رأى قريشا قد انكشفت جعل يصيح بالأنصار ما حاجتكم إلى دمائنا أ ما ترون من تقتلون أ ما لكم في اللبن من حاجة فأسره جبار بن صخر فهو يسوقه أمامه فجعل نوفل يقول لجبار و رأى عليا ع مقبلا نحوه يا أخا الأنصار من هذا و اللات و العزى إني لأرى رجلا إنه ليريدني قال

١٤٣

جبار هذا علي بن أبي طالب قال نوفل تالله ما رأيت كاليوم رجلا أسرع في قومه فصمد له علي ع فيضربه فينشب سيف علي في حجفته ساعة ثم ينزعه فيضرب به ساقيه و درعه مشتمرة فيقطعها ثم أجهز عليه فقتله فقال رسول الله ص من له علم بنوفل بن خويلد قال علي ع أنا قتلته فكبر رسول الله ص و قال الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه.قال الواقدي و أقبل العاص بن سعيد بن العاص يبحث للقتال فالتقى هو و علي ع و قتله علي فكان عمر بن الخطاب يقول لابنه سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص ما لي أراك معرضا تظن أني قتلت أباك فقال سعيد لو قتلته لكان على الباطل و كنت على الحق قال فقال عمر إن قريشا أعظم الناس أحلاما و أكثرها أمانة لا يبغيهم أحد الغوائل إلا كبه الله لفيه.قال الواقدي و روي أن عمر قال لسعيد بن العاص ما لي أراك معرضا كأني قتلت أباك يوم بدر و إن كنت لا أعتذر من قتل مشرك لقد قتلت خالي بيدي العاص بن هاشم بن المغيرة.و نقلت من غير كتاب الواقدي أن عثمان بن عفان و سعيد بن العاص حضرا عند عمر في أيام خلافته فجلس سعيد بن العاص حجرة فنظر إليه عمر فقال ما لي أراك معرضا كأني قتلت أباك إني لم أقتله و لكنه قتله أبو حسن و كان علي ع حاضرا فقال اللهم غفرا ذهب الشرك بما فيه و محا الإسلام ما قبله فلما ذا تهاج

١٤٤

القلوب فسكت عمر و قال سعيد لقد قتله كف‏ء كريم و هو أحب إلي من أن يقتله من ليس من بني عبد مناف.

قال الواقدي و كان علي ع يحدث فيقول إني يومئذ بعد ما متع النهار و نحن و المشركون قد اختلطت صفوفنا و صفوفهم خرجت في إثر رجل منهم فإذا رجل من المشركين على كثيب رمل و سعد بن خيثمة و هما يقتتلان حتى قتل المشرك سعد بن خيثمة و المشرك مقنع في الحديد و كان فارسا فاقتحم عن فرسه فعرفني و هو معلم فناداني هلم يا ابن أبي طالب إلى البراز فعطفت إلى البراز فعطفت عليه فانحط إلي مقبلا و كنت رجلا قصيرا فانحططت راجعا لكي ينزل إلي كرهت أن يعلوني فقال يا ابن أبي طالب فررت فقلت قريبا مفر ابن الشتراء فلما استقرت قدماي و ثبت أقبل فاتقيت فلما دنا مني ضربني بالدرقة فوقع سيفه فلحج فأضربه على عاتقه و هو دارع فارتعش و لقد قط سيفي درعه فظننت أن سيفي سيقتله فإذا بريق سيف من ورائي فطأطأت رأسي و يقع السيف فأطن قحف رأسه بالبيضة و هو يقول خذها و أنا ابن عبد المطلب فالتفت من ورائي فإذا هو حمزة عمي و المقتول طعيمة بن عدي.قلت في رواية محمد بن إسحاق بن يسار أن طعيمة بن عدي قتله علي بن أبي طالب ع ثم قال و قيل قتله حمزة.و في رواية الشيعة قتله علي بن أبي طالب شجره بالرمح فقال له و الله لا تخاصمنا في الله بعد اليوم أبدا و هكذا روى محمد بن إسحاق.

١٤٥

و روى محمد بن إسحاق قال و خرج النبي ص من العريش إلى الناس ينظر القتال فحرض المسلمين و قال كل امرئ بما أصاب و قال و الذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل في جملة فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة فقال عمير بن الحمام أخو بني سلمة و في يده تمرات يأكلهن بخ بخ فما بيني و بين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم قذف التمرات من يده و أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل قال محمد بن إسحاق و حدثني عاصم بن عمرو بن قتادة أن عوف بن الحارث و هو ابن عفراء قال لرسول الله ص يوم بدر يا رسول الله ص ما يضحك الرب من عبده قال غمسه يده في العدو حاسرا فنزع عوف درعا كانت عليه و قذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل.

قال الواقدي و ابن إسحاق و أخذ رسول الله ص كفا من البطحاء فرماهم بها و قال شاهت الوجوه اللهم أرعب قلوبهم و زلزل أقدامهم فانهزم المشركون لا يلوون على شي‏ء و المسلمون يتبعونهم يقتلون و يأسرون.قال الواقدي و كان هبيرة بن أبي وهب المخزومي لما رأى الهزيمة انخزل ظهره فعقر فلم يستطع أن يقوم فأتاه أبو أسامة الجشمي حليفه ففتق درعه و احتمله و يقال ضربه أبو داود المازني بالسيف فقطع درعه و وقع لوجهه و أخلد إلى الأرض و جاوزه أبو داود و بصر به ابنا زهير الجشميان مالك و أبو أسامة و هما حليفاه فذبا عنه حتى نجوا به و احتمله أبو أسامة و مالك يذب عنه حتى خلصاه فقال رسول الله ص حماه كلباه الحليفان.

١٤٦

قال الواقدي و حدثني عمر بن عثمان عن عكاشة بن محصن قال انقطع سيفي يوم بدر فأعطاني رسول الله ص عودا فإذا هو سيف أبيض طويل فقاتلت به حتى هزم الله المشركين و لم يزل ذلك السيف عند عكاشة حتى هلك.قال و قد روى رجال من بني عبد الأشهل عدة قالوا انكسر سيف سلمة بن أسلم بن حريش يوم بدر فبقي أعزل لا سلاح معه فأعطاه رسول الله ص قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب فقال اضرب به فإذا هو سيف جيد فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد.قال الواقدي و أصاب حارثة بن سراقة و هو يكرع في الحوض سهم غرب من المشركين فوقع في نحره فمات فلقد شرب القوم آخر النهار من دمه و بلغ أمه و أخته و هما بالمدينة مقتله فقالت أمه و الله لا أبكي عليه حتى يقدم رسول الله ص فأسأله فإن كان في الجنة لم أبك عليه و إن كان في النار بكيته لعمر الله فأعولته فلما قدم رسول الله ص من بدر جاءت أمه إليه فقالت يا رسول الله قد عرفت موضع حارثة في قلبي فأردت أن أبكي عليه ثم قلت لا أفعل حتى أسأل رسول الله ص عنه فإن كان في الجنة لم أبكه و إن كان في النار بكيته فأعولته فقال النبي ص هبلت أ جنة واحدة إنها جنان كثيرة و الذي نفسي بيده إنه لفي الفردوس الأعلى قالت فلا أبكي عليه أبدا.قال الواقدي و دعا رسول الله ص حينئذ بماء في إناء فغمس يده فيه و مضمض فاه ثم ناول أم حارثة بن سراقة فشربت ثم ناولت ابنتها فشربت

١٤٧

ثم أمرهما فنضحتا في جيوبهما ثم رجعتا من عند النبي ص و ما بالمدينة امرأتان أقر عينا منهما و لا أسر.قال الواقدي و كان حكيم بن حزام يقول انهزمنا يوم بدر فجعلت أسعى و أقول قاتل الله ابن الحنظلية يزعم أن النهار قد ذهب و الله إن النهار لكما هو قال حكيم و ما ذا بي إلا حبا أن يأتي الليل فيقصر عنا طلب القوم فيدرك حكيم عبيد الله و عبد الرحمن بني العوام على جمل لهما فقال عبد الرحمن لأخيه انزل فاحمل أبا خالد و كان عبيد الله رجلا أعرج لا رجلة به فقال عبيد الله إنه لا رجلة بي كما ترى و قال عبد الرحمن و الله أن منه لا بد ألا نحمل رجلا إن متنا كفانا ما خلفنا من عيالنا و إن عشنا حملنا كلنا فنزل عبد الرحمن و أخوه الأعرج فحملاه فكانوا يتعاقبون الجمل فلما دنا من مكة و كان بمر الظهران قال و الله لقد رأيت هاهنا أمرا ما كان يخرج على مثله أحد له رأي و لكنه شؤم ابن الحنظلية إن جزورا نحرت هاهنا فلم يبق خباء إلا أصابه من دمها فقالا قد رأينا ذلك و لكن رأيناك و قومك قد مضيتم فمضينا معكم و لم يكن لنا معكم أمر.قال الواقدي فحدثني عبد الرحمن بن الحارث عن مخلد بن خفاف عن أبيه قال كانت الدروع في قريش كثيرة يومئذ فلما انهزموا جعلوا يلقونها و جعل المسلمون يتبعونهم و يلقطون ما طرحوا و لقد رأيتني يومئذ التقطت ثلاث أدرع جئت بها أهلي فكانت عندنا بعد فزعم لي رجل من قريش و رأى درعا منها عندنا فعرفها قال هذه درع الحارث بن هشام.قال الواقدي و حدثني محمد بن حميد عن عبد الله بن عمرو بن أمية قال أخبرني من انكشف من قريش يومئذ منهزما و إنه ليقول في نفسه ما رأيت مثل هذا فر منه إلا النساء.

١٤٨

قال الواقدي كان قباث بن أشيم الكناني يقول شهدت مع المشركين بدرا و إني لأنظر إلى قلة أصحاب محمد في عيني و كثرة من معنا من الخيل و الرجل فانهزمت فيمن انهزم فلقد رأيتني و إني لأنظر إلى المشركين في كل وجه و إني لأقول في نفسي ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء و صاحبني رجل فبينا هو يسير معي إذ لحقنا من خلفنا فقلت لصاحبي أ بك نهوض قال لا و الله ما بي قال و عقر و ترفعت فلقد صبحت غيقة قال و غيقة عن يسار السقيا بينها و بين الفرع ليلة و بين الفرع و المدينة ثمانية برد قبل الشمس كنت هاديا بالطريق و لم أسلك المحاج و خفت من الطلب فتنكبت عنها فلقيني رجل من قومي بغيقة فقال ما وراءك قلت لا شي‏ء قتلنا و أسرنا و انهزمنا فهل عندك من حملان قال فحملني على بعير و زودني زادا حتى لقيت الطريق بالجحفة ثم مضيت حتى دخلت مكة و إني لأنظر إلى الحيسمان بن حابس الخزاعي بالغميم فعرفت أنه تقدم ينعى قريشا بمكة فلو أردت أن أسبقه لسبقته فتنكبت عنه حتى سبقني ببعض النهار فقدمت و قد انتهى إلى مكة خبر قتلاهم و هم يلعنون الخزاعي و يقولون ما جاءنا بخير فمكثت بمكة فلما كان بعد الخندق قلت لو قدمت المدينة فنظرت ما يقول محمد و قد وقع في قلبي الإسلام فقدمت المدينة فسألت عن رسول الله ص فقالوا هو ذاك في ظل المسجد مع ملأ من أصحابه فأتيته و أنا لا أعرفه من بينهم فسلمت فقال يا قباث بن أشيم أنت القائل يوم بدر ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء قلت أشهد أنك رسول الله و أن هذا الأمر ما خرج مني إلى أحد قط و ما ترمرمت به إلا شيئا حدثت به نفسي فلو لا أنك نبي ما أطلعك الله عليه هلم حتى أبايعك فأسلمت.

١٤٩

قال الواقدي و قد روي أنه لما توجه المشركون إلى بدر كان فتيان ممن تخلف عنهم بمكة سمارا يسمرون بذي طوى في القمر حتى يذهب الليل يتناشدون الأشعار و يتحدثون فبينا هم كذلك إذ سمعوا صوتا قريبا منهم و لا يرون القائل رافعا صوته يتغنى:

أزاد الحنيفيون بدرا مصيبة

سينقض منها ركن كسرى و قيصرا

أرنت لها صم الجبال و أفزعت

قبائل ما بين الوتير فخيبرا

أجازت جبال الأخشبين و جردت

حرائر يضربن الترائب حسرا

قال الواقدي أنشدنيه و رواه لي عبد الله بن أبي عبيدة عن محمد بن عمار بن ياسر قال فاستمعوا الصوت فلا يرون أحدا فخرجوا في طلبه فلم يروا أحدا فخرجوا فزعين حتى جازوا الحجر فوجدوا مشيخة منهم جلة سمارا فأخبروهم الخبر فقالوا لهم إن كان ما تقولون فإن محمدا و أصحابه يسمون الحنيفية قال فلم يبق أحد من الفتيان الذين كانوا بذي طوى إلا وعك فما مكثوا إلا ليلتين أو ثلاثا حتى قدم الحيسمان الخزاعي بخبر أهل بدر و من قتل منهم فجعل يخبرهم فيقول قتل عتبة و شيبة ابنا ربيعة و قتل ابنا الحجاج و أبو البختري و زمعة بن الأسود قال و صفوان بن أمية في الحجر جالس يقول لا يعقل هذا شيئا مما يتكلم به سلوه عني فقالوا صفوان بن أمية لك به علم قال نعم هو ذاك في الحجر و لقد رأيت أباه و أخاه مقتولين و رأيت سهيل بن عمرو و النضر بن الحارث أسيرين رأيتهما مقرونين في الحبال.

١٥٠

قال الواقدي و بلغ النجاشي مقتل قريش و ما ظفر الله به رسوله فخرج في ثوبين أبيضين ثم جلس على الأرض و دعا جعفر بن أبي طالب و أصحابه فقال أيكم يعرف بدرا فأخبروه فقال أنا عارف بها قد رعيت الغنم في جوانبها هي من الساحل على بعض نهار و لكني أردت أن أتثبت منكم قد نصر الله رسوله ببدر فاحمدوا الله على ذلك فقال بطارقته أصلح الله الملك إن هذا شي‏ء لم تكن تصنعه يريدون لبس البياض و الجلوس على الأرض فقال إن عيسى ابن مريم كان إذا حدثت له نعمة ازداد بها تواضعا.قال الواقدي فلما رجعت قريش إلى مكة قام فيهم أبو سفيان بن حرب فقال يا معشر قريش لا تبكوا على قتلاكم و لا تنح عليهم نائحة و لا يندبهم شاعر و أظهروا الجلد و العزاء فإنكم إذا نحتم عليهم و بكيتموهم بالشعر أذهب ذلك غيظكم فأكلكم ذلك عن عداوة محمد و أصحابه مع أن محمدا إن بلغه و أصحابه ذلك شمتوا بكم فتكون أعظم المصيبتين و لعلكم تدركون ثأركم فالدهن و النساء علي حرام حتى أغزو محمدا فمكثت قريش شهرا لا يبكيهم شاعر و لا تنوح عليهم نائحة.قال الواقدي و كان الأسود بن المطلب قد ذهب بصره و قد كمد على من قتل من ولده و كان يحب أن يبكي عليهم فتأبى عليه قريش ذلك فكان يقول لغلامه بين اليومين ويلك احمل معي خمرا و اسلك بي الفج الذي سلكه أبو حكيمة يعني زمعة ولده المقتول ببدر فيأتي به غلامه على الطريق عند ذلك الفج فيجلس فيسقيه الخمر

١٥١

حتى ينتشي ثم يبكي على أبي حكيمة و إخوته ثم يحثي التراب على رأسه و يقول لغلامه ويحك اكتم علي فإني أكره أن تعلم بي قريش إني أراها لم تجمع البكاء على قتلاها.قال الواقدي حدثني مصعب بن ثابت عن عيسى بن معمر عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت قالت قريش حين رجعوا إلى مكة لا تبكوا على قتلاكم فيبلغ محمدا و أصحابه فيشمتوا بكم و لا تبعثوا في أسراكم فيأرب بكم القوم ألا فأمسكوا عن البكاء.قال و كان الأسود بن المطلب أصيب له ثلاثة من ولده زمعة و عقيل و الحارث بن زمعة فكان يحب أن يبكي على قتلاه فبينا هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل فقال لغلامه و قد ذهب بصره انظر هل بكت قريش على قتلاها لعلي أبكي على أبي حكيمة يعني زمعة فإن جوفي قد احترق فذهب الغلام و رجع إليه فقال إنما هي امرأة تبكي على بعيرها قد أضلته فقال الأسود

تبكي أن يضل لها بعير

و يمنعها من النوم السهود

فلا تبكي على بكر و لكن

على بكر تصاغرت الخدود

فبكى إن بكيت على عقيل

و بكى حارثا أسد الأسود

و بكيهم و لا تسمي جميعا

فما لأبي حكيمة من نديد

١٥٢

على بدر سراة بني هصيص

و مخزوم و رهط أبي الوليد

ألا قد ساد بعدهم رجال

و لو لا يوم بدر لم يسودوا

قال الواقدي و مشت نساء من قريش إلى هند بنت عتبة فقلن أ لا تبكين على أبيك و أخيك و عمك و أهل بيتك فقالت حلأني أن أبكيهم فيبلغ محمدا و أصحابه فيشمتوا بنا و نساء بني الخزرج لا و الله حتى أثأر محمدا و أصحابه و الدهن علي حرام إن دخل رأسي حتى نغزو محمدا و الله لو أعلم أن الحزن يذهب عن قلبي لبكيت و لكن لا يذهبه إلا أن أرى ثأري بعيني من قتلة الأحبة فمكثت على حالها لا تقرب الدهن و لا قربت فراش أبي سفيان من يوم حلفت حتى كانت وقعة أحد.قال الواقدي و بلغ نوفل بن معاوية الديلي و هو في أهله و قد كان شهد معهم بدرا أن قريشا بكت على قتلاها فقدم مكة فقال يا معشر قريش لقد خفت أحلامكم و سفه رأيكم و أطعتم نساءكم أ مثل قتلاكم يبكى عليهم هم أجل من البكاء مع أن ذلك يذهب غيظكم عن عداوة محمد و أصحابه فلا ينبغي أن يذهب الغيظ عنكم إلا أن تدركوا ثأركم من عدوكم فسمع أبو سفيان بن حرب كلامه فقال يا أبا معاوية غلبت و الله ما ناحت امرأة من بني عبد شمس على قتيل لها إلى اليوم و لا بكاهم شاعر إلا نهيته حتى ندرك ثأرنا من محمد و أصحابه و إني لأنا الموتور الثائر قتل ابني حنظلة و سادة أهل هذا الوادي أصبح هذا الوادي مقشعرا لفقدهم.قال الواقدي و حدثني معاذ بن محمد الأنصاري عن عاصم بن عمر بن قتادة قال لما رجع المشركون إلى مكة و قد قتل صناديدهم و أشرافهم أقبل عمير بن وهب بن عمير الجمحي حتى جلس إلى صفوان بن أمية في الحجر فقال صفوان بن أمية قبح العيش

١٥٣

بعد قتلى بدر قال عمير بن وهب أجل و الله ما في العيش بعدهم خير و لو لا دين علي لا أجد له قضاء و عيال لا أدع لهم شيئا لرحلت إلى محمد حتى أقتله إن ملأت عيني منه فإنه بلغني أنه يطوف في الأسواق فإن لي عندهم علة أقول قدمت على ابني هذا الأسير ففرح صفوان بقوله و قال يا أبا أمية و هل نراك فاعلا قال إي و رب هذه البنية قال صفوان فعلي دينك و عيالك أسوة عيالي فأنت تعلم أنه ليس بمكة رجل أشد توسعا على عياله مني قال عمير قد عرفت ذلك يا أبا وهب قال صفوان فإن عيالك مع عيالي لا يسعني شي‏ء و نعجز عنهم و دينك علي فحمله صفوان على بعيره و جهزه و أجرى على عياله مثل ما يجري على عيال نفسه و أمر عمير بسيفه فشحذ و سم ثم خرج إلى المدينة و قال لصفوان اكتم علي أياما حتى أقدمها و خرج فلم يذكره صفوان و قدم عمير فنزل على باب المسجد و عقل راحلته و أخذ السيف فتقلده ثم عمد نحو رسول الله ص و عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون و يذكرون نعمة الله عليهم في بدر فرأى عميرا و عليه السيف ففزع عمر منه و قال لأصحابه دونكم الكلب هذا عمير بن وهب عدو الله الذي حرش بيننا يوم بدر و حزرنا للقوم و صعد فينا و صوب يخبر قريشا أنه لا عدد لنا و لا كمين فقاموا إليه فأخذوه فانطلق عمر إلى رسول الله ص فقال يا رسول الله هذا عمير بن وهب قد دخل المسجد و معه السلاح و هو الغادر الخبيث الذي لا يؤمن على شي‏ء فقال النبي ص أدخله علي فخرج عمر فأخذ بحمائل سيفه فقبض بيده عليها و أخذ بيده الأخرى قائم السيف ثم أدخله على رسول الله ص فلما رآه قال يا عمر تأخر عنه فلما دنا عمير إلى النبي ص قال أنعم صباحا فقال له النبي ص قد أكرمنا الله عن تحيتك و جعل تحيتنا السلام و هي تحية أهل الجنة قال عمير إن عهدك بها لحديث فقال النبي ص قد أبدلنا

١٥٤

الله خيرا فما أقدمك يا عمير قال قدمت في أسيري عندكم تفادونه و تقاربوننا فيه فإنكم العشيرة و الأصل قال النبي ص فما بال السيف قال عمير قبحها الله من سيوف و هل أغنت من شي‏ء إنما نسيته حين نزلت و هو في رقبتي و لعمري إن لي لهما غيره فقال رسول الله ص اصدق يا عمير ما الذي أقدمك قال ما قدمت إلا في أسيري قال ص فما شرطت لصفوان بن أمية في الحجر ففزع عمير و قال ما ذا شرطت له قال تحملت بقتلي على أن يقضي دينك و يعول عيالك و الله حائل بينك و بين ذلك قال عمير أشهد أنك صادق و أشهد أن لا إله إلا الله كنا يا رسول الله نكذبك بالوحي و بما يأتيك من السماء و إن هذا الحديث كان بيني و بين صفوان كما قلت لم يطلع عليه غيره و غيري و قد أمرته أن يكتمه ليالي فأطلعك الله عليه فآمنت بالله و رسوله و شهدت أن ما جئت به حق الحمد لله الذي ساقني هذا المساق و فرح المسلمون حين هداه الله و قال عمر بن الخطاب لخنزير كان أحب إلي منه حين طلع و هو الساعة أحب إلي من بعض ولدي و قال النبي ص علموا أخاكم القرآن و أطلقوا له أسيره فقال عمير يا رسول الله إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله فله الحمد أن هداني فأذن لي فألحق قريشا فأدعوهم إلى الله و إلى الإسلام فلعل الله يهديهم و يستنقذهم من الهلكة فأذن له فخرج فلحق بمكة و كان صفوان يسأل عن عمير بن وهب كل راكب يقدم من المدينة يقول هل حدث بالمدينة من حدث و يقول لقريش أبشروا بوقعة تنسيكم وقعة بدر فقدم رجل من المدينة فسأله صفوان عن عمير فقال أسلم فلعنه صفوان و لعنه المشركون بمكة و قالوا صبأ عمير و حلف صفوان ألا يكلمه أبدا و لا ينفعه و طرح عياله و قدم عمير فنزل في أهله و لم يأت صفوان و أظهر الإسلام فبلغ صفوان فقال قد عرفت حين لم يبدأ بي قبل منزله و قد كان رجل

١٥٥

أخبرني أنه ارتكس لا أكلمه من رأسي أبدا و لا أنفعه و لا عياله بنافعة أبدا فوقع عليه عمير و هو في الحجر فقال يا أبا وهب فأعرض صفوان عنه فقال عمير أنت سيد من ساداتنا أ رأيت الذي كنا عليه من عبادة حجر و الذبح له أ هذا دين أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله فلم يجبه صفوان بكلمة و أسلم مع عمير بشر كثير.قال الواقدي و كان فتية من قريش خمسة قد أسلموا فاحتبسهم آباؤهم فخرجوا مع أهلهم و قومهم إلى بدر و هم على الشك و الارتياب لم يخلصوا إسلامهم و هم قيس بن الوليد بن المغيرة و أبو قيس بن الفاكه بن المغيرة و الحارث بن زمعة بن الأسود و علي بن أمية بن خلف و العاص بن منبه بن الحجاج فلما قدموا بدرا و رأوا قلة أصحاب النبي ص قالوا غر هؤلاء دينهم ففيهم أنزل( إِذْ يَقُولُ اَلْمُنافِقُونَ وَ اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ ) ثم أنزل فيهم( إِنَّ اَلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ اَلْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي اَلْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اَللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها... ) إلى تمام ثلاث آيات.قال فكتب بها المهاجرون بالمدينة إلى من أقام بمكة مسلما فقال جندب بن ضمرة الخزاعي لا عذر لي و لا حجة في مقامي بمكة و كان مريضا فقال لأهله أخرجوني لعلي أجد روحا قالوا أي وجه أحب إليك قال نعم التنعيم فخرجوا به إلى التنعيم و بين التنعيم و مكة أربعة أميال من طريق المدينة فقال اللهم إني خرجت إليك مهاجرا فأنزل الله تعالى( وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اَللَّهِ وَ رَسُولِهِ... ) الآية فلما رأى ذلك من كان بمكة ممن يطيق الخروج خرجوا فطلبهم أبو سفيان في رجال من المشركين

١٥٦

فردوهم و سجنوهم فافتتن منهم ناس و كان الذين افتتنوا إنما افتتنوا حين أصابهم البلاء فأنزل الله تعالى فيهم( وَ مِنَ اَلنَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اَللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ اَلنَّاسِ كَعَذابِ اَللَّهِ... ) الآية و ما بعدها فكتب بها المهاجرون بالمدينة إلى من كان بمكة مسلما فلما جاءهم الكتاب بما أنزل فيهم قالوا اللهم إن لك علينا إن أفلتنا ألا نعدل بك أحدا فخرجوا الثانية فطلبهم أبو سفيان و المشركون فأعجزوهم هربا في الجبال حتى قدموا المدينة و اشتد البلاء على من ردوا من المسلمين فضربوهم و آذوهم و أكرهوهم على ترك الإسلام و رجع ابن أبي سرح مشركا فقال لقريش ما كان يعلم محمدا إلا ابن قمطة عبد نصراني لقد كنت أكتب له فأحول ما أردت فأنزل الله تعالى( وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ) الآية

القول في نزول الملائكة يوم بدر و محاربتها المشركين

اختلف المسلمون في ذلك فقال الجمهور منهم نزلت الملائكة حقيقة كما ينزل الحيوان و الحجر من الموضع العالي إلى الموضع السافل.و قال قوم من أصحاب المعاني غير ذلك.و اختلف أرباب القول الأول فقال الأكثرون نزلت و حاربت و قال قوم منهم نزلت و لم تحارب و روى كل قوم في نصرة قولهم روايات.فقال الواقدي في كتاب المغازي حدثني عمر بن عقبة عن شعبة مولى ابن عباس قال سمعت ابن عباس يقول لما تواقف الناس أغمي على رسول الله

١٥٧

ص ساعة ثم كشف عنه فبشر المؤمنين بجبرائيل في جند من الملائكة في ميمنة الناس و ميكائيل في جند آخر في ميسرة الناس و إسرافيل في جند آخر في ألف و كان إبليس قد تصور للمشركين في صورة سراقة بن جعشم المدلجي يذمر المشركين و يخبرهم أنه لا غالب لهم من الناس فلما أبصر عدو الله الملائكة نكص على عقبيه و قال( إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى‏ ما لا تَرَوْنَ ) فتشبث به الحارث بن هشام و هو يرى أنه سراقة لما سمع من كلامه فضرب في صدر الحارث فسقط الحارث و انطلق إبليس لا يرى حتى وقع في البحر و رفع يديه قائلا يا رب موعدك الذي وعدتني و أقبل أبو جهل على أصحابه يحضهم على القتال و قال لا يغرنكم خذلان سراقة بن جعشم إياكم فإنما كان على ميعاد من محمد و أصحابه سيعلم إذا رجعنا إلى قديد ما نصنع بقومه و لا يهولنكم مقتل عتبة و شيبة و الوليد فإنهم عجلوا و بطروا حين قاتلوا و ايم الله لا نرجع اليوم حتى نقرن محمدا و أصحابه في الجبال فلا ألفين أحدا منكم قتل منهم أحدا و لكن خذوهم أخذا نعرفهم بالذي صنعوا لمفارقتهم دينكم و رغبتهم عما كان يعبد آباؤهم.قال الواقدي و حدثني عتبة بن يحيى عن معاذ بن رفاعة بن رافع عن أبيه قال إن كنا لنسمع لإبليس يومئذ خوارا و دعاء بالثبور و الويل و تصور في صورة سراقة بن جعشم حتى هرب فاقتحم البحر و رفع يديه مادا لهما يقول يا رب ما وعدتني و لقد كانت قريش بعد ذلك تعير سراقة بما صنع يومئذ فيقول و الله ما صنعت شيئا.قال الواقدي فحدثني أبو إسحاق الأسلمي عن الحسن بن عبيد الله مولى بني العباس عن عمارة الليثي قال حدثني شيخ صياد من الحي و كان يومئذ على ساحل البحر قال سمعت صياحا يا ويلاه يا ويلاه قد ملأ الوادي يا حرباه يا حرباه فنظرت فإذا سراقة بن جعشم فدنوت منه فقلت ما لك فداك أبي و أمي فلم يرجع إلي شيئا ثم أراه اقتحم البحر و رفع يديه مادا يقول يا رب ما وعدتني فقلت

١٥٨

في نفسي جن و بيت الله سراقة و ذلك حين زاغت الشمس و ذلك عند انهزامهم يوم بدر.قال الواقدي قالوا كانت سيماء الملائكة عمائم قد أرخوها بين أكتافهم خضراء و صفراء و حمراء من نور و الصوف في نواصي خيلهم.قال الواقدي حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد قال قال رسول الله ص يوم بدر إن الملائكة قد سومت فسوموا فأعلم المسلمون بالصوف في مغافرهم و قلانسهم قال الواقدي حدثني محمد بن صالح قال كان أربعة من أصحاب محمد ص يعلمون في الزحوف حمزة بن عبد المطلب كان يوم بدر معلما بريشة نعامة و كان علي ع معلما بصوفة بيضاء و كان الزبير معلما بعصابة صفراء و كان أبو دجانة يعلم بعصابة حمراء و كان الزبير يحدث أن الملائكة نزلت يوم بدر على خيل بلق عليها عمائم صفر فكانت على صورة الزبير.قال الواقدي فروي عن سهيل بن عمرو قال لقد رأيت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء و الأرض معلمين يقبلون و يأسرون.قال الواقدي و كان أبو أسد الساعدي يحدث بعد أن ذهب بصره و يقول لو كنت معكم الآن ببدر و معي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك فيه و لا أمتري قال و كان أسيد يحدث عن رجل من بني غفار حدثه قال أقبلت أنا و ابن عم لي يوم بدر حتى صعدنا على جبل و نحن يومئذ على الشرك ننظر الوقعة و على من تكون الدبرة فننتهب مع من ينتهب إذ رأيت سحابة دنت منا فسمعت منها

١٥٩

همهمة الخيل و قعقعة الحديد و سمعت قائلا يقول أقدم حيزوم فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات و أما أنا فكدت أهلك فتماسكت و أتبعت بصري حيث تذهب السحابة فجاءت إلى النبي ص و أصحابه ثم رجعت و ليس فيها شي‏ء مما كنت أسمع.

قال الواقدي و حدثني خارجة بن إبراهيم بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه قال سأل رسول الله ص جبرائيل من القائل يوم بدر أقبل حيزوم فقال جبرائيل يا محمد ما كل أهل السماء أعرف قال الواقدي و حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن أبيه عن جده عبيدة بن أبي عبيدة عن أبي رهم الغفاري عن ابن عم له قال بينا أنا و ابن عم لي على ماء بدر فلما رأينا قلة من مع محمد و كثرة قريش قلنا إذا التقت الفئتان عمدنا إلى عسكر محمد و أصحابه فانتهبناه فانطلقنا نحو المجنبة اليسرى من أصحاب محمد و نحن نقول هؤلاء ربع قريش فبينا نحن نمشي في الميسرة إذ جاءت سحابة فغشيتنا فرفعنا أبصارنا لها فسمعنا أصوات الرجال و السلاح و سمعنا قائلا يقول لفرسه أقدم حيزوم و سمعناهم يقولون رويدا تتاءم أخراكم فنزلوا على ميمنة رسول الله ص ثم جاءت أخرى مثل تلك فكانت مع النبي ص فنظرنا إلى أصحاب محمد و إذا هم على الضعف من قريش فمات ابن عمي و أما أنا فتماسكت و أخبرت النبي ص بذلك و أسلمت.

قال الواقدي و قد روي عن رسول الله ص أنه قال ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر و لا أحقر و لا أدحر و لا أغضب منه في يوم عرفة و ما ذاك إلا لما رأى من نزول الرحمة و تجاوز الله تعالى عن الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر قيل و ما رأى

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282