كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٤

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 282

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 282
المشاهدات: 27111
تحميل: 5880


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27111 / تحميل: 5880
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 14

مؤلف:
العربية

فقام الأشتر فشخص نحو الكوفة فأقبل حتى دخلها و الناس في المسجد الأعظم فجعل لا يمر بقبيلة إلا دعاهم و قال اتبعوني إلى القصر حتى وصل القصر فاقتحمه و أبو موسى يومئذ يخطب الناس على المنبر و يثبطهم و عمار يخاطبه و الحسن ع يقول اعتزل عملنا و تنح عن منبرنا لا أم لك.قال أبو جعفر فروى أبو مريم الثقفي قال و الله إني لفي المسجد يومئذ إذ دخل علينا غلمان أبي موسى يشتدون و يبادرون أبا موسى أيها الأمير هذا الأشتر قد جاء فدخل القصر فضربنا و أخرجنا فنزل أبو موسى من المنبر و جاء حتى دخل القصر فصاح به الأشتر اخرج من قصرنا لا أم لك أخرج الله نفسك فو الله إنك لمن المنافقين قديما قال أجلني هذه العشية قال قد أجلتك و لا تبيتن في القصر الليلة و دخل الناس ينتهبون متاع أبي موسى فمنعهم الأشتر و قال إني قد أخرجته و عزلته عنكم فكف الناس حينئذ عنه.

قال أبو جعفر فروى الشعبي عن أبي الطفيل قال قال علي ع يأتيكم من الكوفة اثنا عشر ألف رجل و رجل واحد فو الله لقعدت على نجفة ذي قار فأحصيتهم واحدا واحدا فما زادوا رجلا و لا نقصوا رجلا

فصل في نسب عائشة و أخبارها

و ينبغي أن نذكر في هذا الموضع طرفا من نسب عائشة و أخبارها و ما يقوله أصحابنا المتكلمون فيها جريا على عادتنا في ذكر مثل ذلك كلما مررنا بذكر أحد من الصحابة

٢١

أما نسبها فإنها ابنة أبي بكر و قد ذكرنا نسبه فيما تقدم و أمها أم رومان ابنة عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن تميم بن مالك بن كنانة تزوجها رسول الله ص بمكة قبل الهجرة بسنتين و قيل بثلاث و هي بنت ست سنين و قيل بنت سبع سنين و بنى عليها بالمدينة و هي بنت تسع لم يختلفوا في ذلك.و كانت تذكر لجبير بن مطعم و تسمى له و ورد في الأخبار الصحيحة أن رسول الله ص أري عائشة في المنام في سرقة حرير متوفى خديجة رضي الله عنها فقال إن يكن هذا من عند الله يمضه فتزوجها بعد موت خديجة بثلاث سنين و تزوجها في شوال و أعرس بها بالمدينة في شوال على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره إلى المدينة.و قال ابن عبد البر في كتاب الإستيعاب كانت عائشة تحب أن تدخل النساء من أهلها و أحبتها في شوال على أزواجهن و تقول هل كان في نسائه أحظى عنده مني و قد نكحني و بنى علي في شوال.قلت قرئ هذا الكلام على بعض الناس فقال كيف رأت الحال بينها و بين أحمائها و أهل بيت زوجها.و روى أبو عمر بن عبد البر في الكتاب المذكور أن رسول الله ص توفي عنها و هي بنت ثمان عشرة سنة فكان سنها معه تسع سنين و لم ينكح بكرا غيرها و استأذنت رسول الله ص في الكنية فقال لها اكتني بابنك عبد الله بن الزبير يعني ابن أختها فكانت كنيتها أم عبد الله و كانت فقيهة عالمة بالفرائض و الشعر و الطب.

٢٢

و روي أن النبي ص قال فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام و أصحابنا يحملون لفظة النساء في هذا الخبر على زوجاته لأن فاطمة ع عندهم أفضل منها

لقوله ص إنها سيدة نساء العالمين.و قذفت بصفوان بن المعطل السلمي في سنة ست منصرف رسول الله ص من غزاة بني المصطلق و كانت معه فقال فيها أهل الإفك ما قالوا و نزل القرآن ببراءتها.و قوم من الشيعة زعموا أن الآيات التي في سورة النور لم تنزل فيها و إنما أنزلت في مارية القبطية و ما قذفت به مع الأسود القبطي و جحدهم لإنزال ذلك في عائشة جحد لما يعلم ضرورة من الأخبار المتواترة ثم كان من أمرها و أمر حفصة و ما جرى لهما مع رسول الله ص في الأمر الذي أسره على إحداهما ما قد نطق الكتاب العزيز به و اعتزل رسول الله ص نساءه كلهن و اعتزلهما معهن ثم صالحهن و طلق حفصة ثم راجعها و جرت بين عائشة و فاطمة إبلاغات و حديث يوغر الصدور فتولد بين عائشة و بين علي ع نوع ضغينة و انضم إلى ذلك إشارته على رسول الله ص في قصة الإفك بضرب الجارية و تقريرها و قوله إن النساء كثير.ثم جرى حديث صلاة أبي بكر بالناس فتزعم الشيعة أن رسول الله ص لم يأمر بذلك و أنه إنما صلى بالناس عن أمر عائشة ابنته و أن رسول الله ص خرج متحاملا و هو مثقل فنحاه عن المحراب و زعم معظم المحدثين أن ذلك كان عن أمر رسول الله ص و قوله ثم اختلفوا فمنهم من قال نحاه و صلى هو بالناس و منهم من قال بل ائتم بأبي بكر كسائر الناس و منهم

٢٣

من قال كان الناس يصلون بصلاة أبي بكر و أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله ص.ثم كان منها في أمر عثمان و تضريب الناس عليه ما قد ذكرناه في مواضعه ثم تلا ذلك يوم الجمل.و اختلف المتكلمون في حالها و حال من حضر واقعة الجمل فقالت الإمامية كفر أصحاب الجمل كلهم الرؤساء و الأتباع و قال قوم من الحشوية و العامة اجتهدوا فلا إثم عليهم و لا نحكم بخطئهم و لا خطإ علي ع و أصحابه.و قال قوم من هؤلاء بل نقول أصحاب الجمل أخطئوا و لكنه خطأ مغفور و كخطإ المجتهد في بعض مسائل الفروع عند من قال بالأشبه و إلى هذا القول يذهب أكثر الأشعرية.و قال أصحابنا المعتزلة كل أهل الجمل هالكون إلا من ثبتت توبته منهم قالوا و عائشة ممن ثبتت توبتها و كذلك طلحة و الزبير أما عائشة فإنها اعترفت لعلي ع يوم الجمل بالخطإ و سألته العفو و قد تواترت الرواية عنها بإظهار الندم و أنها كانت تقول ليته كان لي من رسول الله ص بنون عشرة كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام و ثكلتهم و لم يكن يوم الجمل و أنها كانت تقول ليتني مت قبل يوم الجمل و أنها كانت إذا ذكرت ذلك اليوم تبكي حتى تبل خمارها و أما الزبير فرجع عن الحرب معترفا بالخطإ لما أذكره علي ع ما أذكره و أما طلحة فإنه مر به و هو صريع فارس فقال له قف فوقف قال من أي الفريقين أنت قال من أصحاب أمير المؤمنين قال أقعدني فأقعده فقال امدد يدك أبايعك لأمير المؤمنين فبايعه.

٢٤

و قال شيوخنا ليس لقائل أن يقول ما يروى من أخبار الآحاد بتوبتهم لا يعارض ما علم قطعا من معصيتهم قالوا لأن التوبة إنما يحكم بها للمكلف على غالب الظن في جميع المواضع لا على القطع أ لا ترى أنا نجوز أن يكون من أظهر التوبة منافقا و كاذبا فبان أن المرجع في قبولها في كل موضع إنما هو إلى الظن فجاز أن يعارض ما علم من معصيتهم بما يظن من توبتهم

٢٥

2 و من كتاب له ع إليهم بعد فتح البصرة

وَ جَزَاكُمُ اَللَّهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ أَحْسَنَ مَا يَجْزِي اَلْعَامِلِينَ بِطَاعَتِهِ وَ اَلشَّاكِرِينَ لِنِعْمَتِهِ فَقَدْ سَمِعْتُمْ وَ أَطَعْتُمْ وَ دُعِيتُمْ فَأَجَبْتُمْ موضع قوله من أهل مصر نصب على التمييز و يجوز أن يكون حالا.فإن قلت كيف يكون تمييزا و تقديره و جزاكم الله متمدنين أحسن ما يجزي المطيع و التمييز لا يكون إلا جامدا و هذا مشتق قلت إنهم أجازوا كون التمييز مشتقا في نحو قولهم ما أنت جارة و قولهم يا سيدا ما أنت من سيد.و ما يجوز أن تكون مصدرية أي أحسن جزاء العاملين و يجوز أن تكون بمعنى الذي و يكون قد حذف العائد إلى الموصول و تقديره أحسن الذي يجزي به العاملين

٢٦

3 و من كتاب له ع كتبه لشريح بن الحارث قاضيه

رُوِيَ أَنَّ شُرَيْحَ بْنَ اَلْحَارِثِ قَاضِيَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع اِشْتَرَى عَلَى عَهْدِهِ دَاراً بِثَمَانِينَ دِينَاراً فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَاسْتَدْعَى شُرَيْحاً وَ قَالَ لَهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ اِبْتَعْتَ دَاراً بِثَمَانِينَ دِينَاراً وَ كَتَبْتَ لَهَا كِتَاباً وَ أَشْهَدْتَ فِيهِ شُهُوداً فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ قَدْ كَانَ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ قَالَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ نَظَرَ اَلْمُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ لَهُ يَا شُرَيْحُ أَمَا إِنَّهُ سَيَأْتِيكَ مَنْ لاَ يَنْظُرُ فِي كِتَابِكَ وَ لاَ يَسْأَلُكَ عَنْ بَيِّنَتِكَ حَتَّى يُخْرِجَكَ مِنْهَا شَاخِصاً وَ يُسْلِمَكَ إِلَى قَبْرِكَ خَالِصاً فَانْظُرْ يَا شُرَيْحُ لاَ تَكُونُ اِبْتَعْتَ هَذِهِ اَلدَّارَ مِنْ غَيْرِ مَالِكَ أَوْ نَقَدْتَ اَلثَّمَنَ مِنْ غَيْرِ حَلاَلِكَ فَإِذَا أَنْتَ قَدْ خَسِرْتَ دَارَ اَلدُّنْيَا وَ دَارَ اَلآْخِرَةِ.أَمَا إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ أَتَيْتَنِي عِنْدَ شِرَائِكَ مَا اِشْتَرَيْتَ لَكَتَبْتُ لَكَ كِتَاباً عَلَى هَذِهِ اَلنُّسْخَةِ فَلَمْ تَرْغَبْ فِي شِرَاءِ هَذِهِ اَلدَّارِ بِالدِّرْهَمِ بِدِرْهَمٍ فَمَا فَوْقُ وَ اَلنُّسْخَةُ هَذِهِ هَذَا مَا اِشْتَرَى عَبْدٌ ذَلِيلٌ مِنْ مَيِّتٍ قَدْ أُزْعِجَ لِلرَّحِيلِ اِشْتَرَى مِنْهُ دَاراً مِنْ دَارِ اَلْغُرُورِ مِنْ جَانِبِ اَلْفَانِينَ وَ خِطَّةِ اَلْهَالِكِينَ وَ تَجْمَعُ هَذِهِ اَلدَّارَ حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ اَلْحَدُّ اَلْأَوَّلُ يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي اَلآْفَاتِ وَ اَلْحَدُّ اَلثَّانِي يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي اَلْمُصِيبَاتِ وَ اَلْحَدُّ اَلثَّالِثُ يَنْتَهِي إِلَى اَلْهَوَى اَلْمُرْدِي وَ اَلْحَدُّ اَلرَّابِعُ يَنْتَهِي إِلَى اَلشَّيْطَانِ اَلْمُغْوِي وَ فِيهِ يُشْرَعُ بَابُ هَذِهِ اَلدَّارِ اِشْتَرَى هَذَا اَلْمُغْتَرُّ بِالْأَمَلِ مِنْ هَذَا

٢٧

اَلْمُزْعَجِ بِالْأَجَلِ هَذِهِ اَلدَّارَ بِالْخُرُوجِ مِنْ عِزِّ اَلْقَنَاعَةِ وَ اَلدُّخُولِ فِي ذُلِّ اَلطَّلَبِ وَ اَلضَّرَاعَةِ فَمَا أَدْرَكَ هَذَا اَلْمُشْتَرِي فِيمَا اِشْتَرَى مِنْهُ مِنْ دَرَكٍ فَعَلَى مُبَلْبِلِ أَجْسَامِ اَلْمُلُوكِ وَ سَالِبِ نُفُوسِ اَلْجَبَابِرَةِ وَ مُزِيلِ مُلْكِ اَلْفَرَاعِنَةِ مِثْلِ كِسْرَى وَ قَيْصَرَ وَ تُبَّعٍ وَ حِمْيَرَ وَ مَنْ جَمَعَ اَلْمَالَ عَلَى اَلْمَالِ فَأَكْثَرَ وَ مَنْ بَنَى وَ شَيَّدَ وَ زَخْرَفَ وَ نَجَّدَ وَ اِدَّخَرَ وَ اِعْتَقَدَ وَ نَظَرَ بِزَعْمِهِ لِلْوَلَدِ إِشْخَاصُهُمْ جَمِيعاً إِلَى مَوْقِفِ اَلْعَرْضِ وَ اَلْحِسَابِ وَ مَوْضِعِ اَلثَّوَابِ وَ اَلْعِقَابِ إِذَا وَقَعَ اَلْأَمْرُ بِفَصْلِ اَلْقَضَاءِ وَ خَسِرَ هُنَالِكَ اَلْمُبْطِلُونَ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ اَلْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ اَلْهَوَى وَ سَلِمَ مِنْ عَلاَئِقِ اَلدُّنْيَا

نسب شريح و ذكر بعض أخباره

هو شريح بن الحارث بن المنتجع بن معاوية بن جهم بن ثور بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد الكندي و قيل إنه حليف لكندة من بني الرائش.و قال ابن الكلبي ليس اسم أبيه الحارث و إنما هو شريح بن معاوية بن ثور.و قال قوم هو شريح بن هانئ.و قال قوم هو شريح بن شراحيل و الصحيح أنه شريح بن الحارث و يكنى أبا أمية استعمله عمر بن الخطاب على القضاء بالكوفة فلم يزل قاضيا ستين سنة لم يتعطل فيها إلا ثلاث سنين في فتنة ابن الزبير امتنع فيها من القضاء ثم استعفى الحجاج من

٢٨

العمل فأعفاه فلزم منزله إلى أن مات و عمر عمرا طويلا قيل إنه عاش مائة سنة و ثمانيا و ستين و قيل مائة سنة و توفي سنة سبع و ثمانين.و كان خفيف الروح مزاحا فقدم إليه رجلان فأقر أحدهما بما ادعى به خصمه و هو لا يعلم فقضى عليه فقال لشريح من شهد عندك بهذا قال ابن أخت خالك و قيل إنه جاءته امرأته تبكي و تتظلم على خصمها فما رق لها حتى قال له إنسان كان بحضرته أ لا تنظر أيها القاضي إلى بكائها فقال إن إخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون.و أقر علي ع شريحا على القضاء مع مخالفته له في مسائل كثيرة من الفقه مذكورة في كتب الفقهاء.و استأذنه شريح و غيره من قضاة عثمان في القضاء أول ما وقعت الفرقة فقال اقضوا كما كنتم تقضون حتى تكون للناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي.و سخط علي ع مرة عليه فطرده عن الكوفة و لم يعزله عن القضاء و أمره بالمقام ببانقيا و كانت قرية قريبة من الكوفة أكثر ساكنها اليهود فأقام بها مدة حتى رضي عنه و أعاده إلى الكوفة.و قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب أدرك شريح الجاهلية و لا يعد من الصحابة بل من التابعين و كان شاعرا محسنا و كان سناطا لا شعر في وجهه قوله ع و خطة الهالكين بكسر الخاء و هي الأرض التي يختطها الإنسان

٢٩

أي يعلم عليها علامة بالخط ليعمرها و منه خطط الكوفة و البصرة.و زخرف البناء أي ذهب جدرانه بالزخرف و هو الذهب.و نجد فرش المنزل بالوسائد و النجاد الذي يعالج الفرش و الوسائد و يخيطهما و التنجيد التزيين بذلك و يجوز أن يريد بقوله نجد رفع و علا من النجد و هو المرتفع من الأرض.و اعتقد جعل لنفسه عقدة كالضيعة أو الذخيرة من المال الصامت.و إشخاصهم مرفوع بالابتداء و خبره الجار المجرور المقدم و هو قوله فعلى مبلبل أجسام الملوك و موضع الاستحسان من هذا الفصل و إن كان كله حسنا أمران أحدهما أنه ع نظر إليه نظر مغضب إنكارا لابتياعه دارا بثمانين دينارا و هذا يدل على زهد شديد في الدنيا و استكثار للقليل منها و نسبه هذا المشتري إلى الإسراف و خوف من أن يكون ابتاعها بمال حرام.الثاني أنه أملى عليه كتابا زهديا وعظيا مماثلا لكتب الشروط التي تكتب في ابتياع الأملاك فإنهم يكتبون هذا ما اشترى فلان من فلان اشترى منه دارا من شارع كذا و خطة كذا و يجمع هذه الدار حدود أربعة فحد منها ينتهي إلى دار فلان و حد آخر ينتهي إلى ملك فلان و حد آخر ينتهي إلى ما كان يعرف بفلان و هو الآن معروف بفلان و حد آخر ينتهي إلى كذا و منه شروع باب هذه الدار و طريقها اشترى هذا المشتري المذكور من البائع المذكور جميع الدار المذكورة بثمن مبلغه كذا و كذا دينارا أو درهما فما أدرك المشتري المذكور من درك فمرجوع به على من يوجب الشرع الرجوع به عليه ثم تكتب الشهود في آخر الكتاب شهد فلان ابن فلان بذلك و شهد فلان ابن فلان به أيضا و هذا يدل على أن الشروط المكتوبة الآن قد كانت

٣٠

في زمن الصحابة تكتب مثلها أو نحوها إلا أنا ما سمعنا عن أحد منهم نقل صيغة الشرط الفقهي إلى معنى آخر كما قد نظمه هو ع و لا غرو فما زال سباقا إلى العجائب و الغرائب.فإن قلت لم جعل الشيطان المغوي في الحد الرابع قلت ليقول و فيه يشرع باب هذه الدار لأنه إذا كان الحد إليه ينتهي كان أسهل لدخوله إليها و دخول أتباعه و أوليائه من أهل الشيطنة و الضلال

٣١

4 و من كتاب له كتبه ع إلى بعض أمراء جيشه

فَإِنْ عَادُوا إِلَى ظِلِّ اَلطَّاعَةِ فَذَاكَ اَلَّذِي نُحِبُّ وَ إِنْ تَوَافَتِ اَلْأُمُورُ بِالْقَوْمِ إِلَى اَلشِّقَاقِ وَ اَلْعِصْيَانِ فَانْهَدْ بِمَنْ أَطَاعَكَ إِلَى مَنْ عَصَاكَ وَ اِسْتَغْنِ بِمَنِ اِنْقَادَ مَعَكَ عَمَّنْ تَقَاعَسَ عَنْكَ فَإِنَّ اَلْمُتَكَارِهَ مَغِيبُهُ خَيْرٌ مِنْ مَشْهَدِهِ وَ قُعُودُهُ أَغْنَى مِنْ نُهُوضِهِ انهد أي انهض و تقاعس أي أبطأ و تأخر.و المتكاره الذي يخرج إلى الجهاد من غير نية و بصيرة و إنما يخرج كارها مرتابا و مثل قوله ع فإن المتكاره مغيبه خير من مشهده و قعوده أغنى من نهوضه قوله تعالى( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً )

٣٢

5 و من كتاب له ع إلى الأشعث بن قيس و هو عامل أذربيجان

وَ إِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ وَ لَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ وَ أَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَكَ لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَاتَ فِي رَعِيَّةٍ وَ لاَ تُخَاطِرَ إِلاَّ بِوَثِيقَةٍ وَ فِي يَدَيْكَ مَالٌ مِنْ مَالِ اَللَّهِ تَعَالَى وَ أَنْتَ مِنْ خُزَّانِهِ حَتَّى تُسَلِّمَهُ إِلَيَّ وَ لَعَلِّي أَلاَّ أَكُونَ شَرَّ وُلاَتِكَ لَكَ وَ اَلسَّلاَمُ قد ذكرنا نسب أشعث بن قيس فيما تقدم.و أذربيجان اسم أعجمي غير مصروف الألف مقصورة و الذال ساكنة قال حبيب:

و أذربيجان احتيال بعد ما

كانت معرس عبرة و نكال

و قال الشماخ:

تذكرتها وهنا و قد حال دونها

قرى أذربيجان المسالح و الجال

و النسبة إليه أذري بسكون الذال هكذا القياس و لكن المروي عن أبي بكر في الكلام الذي قاله عند موته و لتألمن النوم على الصوف الأذري بفتح الذال.و الطعمة بضم الطاء المهملة المأكلة و يقال فلان خبيث الطعمة أي ردي‏ء الكسب.و الطعمة بالكسر لهيئة التطعم يقول إن عملك لم يسوغه الشرع و الوالي من قبلي إياه

٣٣

و لا جعله لك أكلا و لكنه أمانة في يدك و عنقك للمسلمين و فوقك سلطان أنت له رعية فليس لك أن تفتات في الرعية الذين تحت يدك يقال افتات فلان على فلان إذا فعل بغير إذنه ما سبيله أن يستأذنه فيه و أصله من الفوت و هو السبق كأنه سبقه إلى ذلك الأمر و قوله و لا تخاطر إلا بوثيقة أي لا تقدم على أمر مخوف فيما يتعلق بالمال الذي تتولاه إلا بعد أن تتوثق لنفسك يقال أخذ فلان بالوثيقة في أمره أي احتاط ثم قال له و لعلي لا أكون شر ولاتك و هو كلام يطيب به نفسه و يسكن به جأشه لأن في أول الكلام إيحاشا له إذ كانت ألفاظه تدل على أنه لم يره أمينا على المال فاستدرك ذلك بالكلمة الأخيرة أي ربما تحمد خلافتي و ولايتي عليك و تصادف مني إحسانا إليك أي عسى ألا يكون شكرك لعثمان و من قبله أكثر من شكرك لي و هذا من باب وعدك الخفي و تسميه العرب الملث.و أول هذا الكتاب

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الأشعث بن قيس أما بعد فلو لا هنات و هنات كانت منك كنت المقدم في هذا الأمر قبل الناس و لعل أمرا كان يحمل بعضه بعضا إن اتقيت الله عز و جل و قد كان من بيعة الناس إياي ما قد علمت و كان من أمر طلحة و الزبير ما قد بلغك فخرجت إليهما فأبلغت في الدعاء و أحسنت في البقية و إن عملك ليس لك بطعمة إلى آخر الكلام و هذا الكتاب كتبه إلى الأشعث بن قيس بعد انقضاء الجمل

٣٤

6 و من كتاب له ع إلى معاوية

إِنَّهُ بَايَعَنِي اَلْقَوْمُ اَلَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ وَ لاَ لِلْغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ وَ إِنَّمَا اَلشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ فَإِنِ اِجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَ سَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رِضًا فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْ بِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اِتَّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ وَلاَّهُ اَللَّهُ مَا تَوَلَّى وَ لَعَمْرِي يَا مُعَاوِيَةُ لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ اَلنَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ وَ لَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَةٍ عَنْهُ إِلاَّ أَنْ تَتَجَنَّى فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ وَ اَلسَّلاَمُ قد تقدم ذكر هذا الكلام في أثناء اقتصاص مراسلة أمير المؤمنين ع معاوية بجرير بن عبد الله البجلي و قد ذكره أرباب السيرة كلهم و أورده شيوخنا المتكلمون في كتبهم احتجاجا على صحة الاختيار و كونه طريقا إلى الإمامة و أول الكتاب

أما بعد فإن بيعتي بالمدينة لزمتك و أنت بالشام لأنه بايعني القوم الذين بايعوا إلى آخر الفصل.

٣٥

و المشهور المروي فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة أي رغبة عن ذلك الإمام الذي وقع الاختيار له.و المروي بعد قوله ولاه الله بعد ما تولى

و أصلاه جهنم و ساءت مصيرا و إن طلحة و الزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي فكان نقضهما كردتهما فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق و ظهر أمر الله و هم كارهون فادخل فيما دخل فيه المسلمون فإن أحب الأمور إلي فيك العافية إلا أن تتعرض للبلاء فإن تعرضت له قاتلتك و استعنت بالله عليك و قد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل الناس فيه ثم حاكم القوم إلي أحملك و إياهم على كتاب الله فأما تلك التي تريدها فخدعة الصبي عن اللبن و لعمري يا معاوية إن نظرت بعقلك إلى آخر الكلام.و بعده و اعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة و لا تعترض بهم الشورى و قد أرسلت إليك جرير بن عبد الله البجلي و هو من أهل الإيمان و الهجرة فبايع و لا قوة إلا بالله.و اعلم أن هذا الفصل دال بصريحه على كون الاختيار طريقا إلى الإمامة كما يذكره أصحابنا المتكلمون لأنه احتج على معاوية ببيعة أهل الحل و العقد له و لم يراع في ذلك إجماع المسلمين كلهم و قياسه على بيعة أهل الحل و العقد لأبي بكر فإنه ما روعي فيها إجماع المسلمين لأن سعد بن عبادة لم يبايع و لا أحد من أهل بيته و ولده و لأن عليا و بني هاشم و من انضوى إليهم لم يبايعوا في مبدإ الأمر و امتنعوا و لم يتوقف المسلمون في تصحيح إمامة أبي بكر و تنفيذ أحكامه على بيعتهم و هذا دليل على صحة الاختيار و كونه طريقا إلى الإمامة و أنه لا يقدح في إمامته ع امتناع معاوية من البيعة و أهل الشام فأما الإمامية فتحمل هذا الكتاب منه ع على التقية و تقول إنه ما كان يمكنه

٣٦

أن يصرح لمعاوية في مكتوبه بباطن الحال و يقول له أنا منصوص علي من رسول الله ص و معهود إلى المسلمين أن أكون خليفة فيهم بلا فصل فيكون في ذلك طعن على الأئمة المتقدمين و تفسد حاله مع الذين بايعوه من أهل المدينة و هذا القول من الإمامية دعوى لو عضدها دليل لوجب أن يقال بها و يصار إليها و لكن لا دليل لهم على ما يذهبون إليه من الأصول التي تسوقهم إلى حمل هذا الكلام على التقية.فأما قوله ع و قد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه المسلمون ثم حاكم القوم إلي أحملك و إياهم على كتاب الله فيجب أن يذكر في شرحه ما يقول المتكلمون في هذه الواقعة قال أصحابنا المعتزلة رحمهم الله هذا الكلام حق و صواب لأن أولياء الدم يجب أن يبايعوا الإمام و يدخلوا تحت طاعته ثم يرفعوا خصومهم إليه فإن حكم بالحق استديمت إمامته و إن حاد عن الحق انقضت خلافته و أولياء عثمان الذين هم بنوه لم يبايعوا عليا ع و لا دخلوا تحت طاعته ثم و كذلك معاوية ابن عم عثمان لم يبايع و لا أطاع فمطالبتهم له بأن يقتص لهم من قاتلي عثمان قبل بيعتهم إياه و طاعتهم له ظلم منهم و عدوان.فإن قلت هب أن القصاص من قتلة عثمان موقوف على ما ذكره ع أ ما كان يجب عليه لا من طريق القصاص أن ينهى عن المنكر و أنتم تذهبون إلى أن النهي عن المنكر واجب على من هو سوقة فكيف على الإمام الأعظم قلت هذا غير وارد هاهنا لأن النهي عن المنكر إنما يجب قبل وقوع المنكر لكيلا يقع فإذا وقع المنكر فأي نهي يكون عنه و قد نهى علي ع أهل مصر و غيرهم عن قتل عثمان قبل قتله مرارا و نابذهم بيده و لسانه و بأولاده فلم يغن

٣٧

شيئا و تفاقم الأمر حتى قتل و لا يجب بعد القتل إلا القصاص فإذا امتنع أولياء الدم من طاعة الإمام لم يجب عليه أن يقتص من القاتلين لأن القصاص حقهم و قد سقط ببغيهم على الإمام و خروجهم عن طاعته و قد قلنا نحن فيما تقدم أن القصاص إنما يجب على من باشر القتل و الذين باشروا قتل عثمان قتلوا يوم قتل عثمان في دار عثمان و الذين كان معاوية يطالبهم بدم عثمان لم يباشروا القتل و إنما كثروا السواد و حصروه عثمان في الدار و أجلبوا عليه و شتموه و توعدوه و منهم من تسور عليه داره و لم ينزل إليه و منهم من نزل فحضر محضر قتله و لم يشرك فيه و كل هؤلاء لا يجب عليهم القصاص في الشرع

جرير بن عبد الله البجلي عند معاوية

و قد ذكرنا فيما تقدم شرح حال جرير بن عبد الله البجلي في إرسال علي ع إياه إلى معاوية مستقصى و ذكر الزبير بن بكار في الموفقيات أن عليا ع لما بعث جريرا إلى معاوية خرج و هو لا يرى أحدا قد سبقه إليه قال فقدمت على معاوية فوجدته يخطب الناس و هم حوله يبكون حول قميص عثمان و هو معلق على رمح مخضوب بالدم و عليه أصابع زوجته نائلة بنت الفرافصة مقطوعة فدفعت إليه كتاب علي ع و كان معي في الطريق رجل يسير بسيري و يقيم بمقامي فمثل بين يديه في تلك الحال و أنشده:

إن بني عمك عبد المطلب

هم قتلوا شيخكم غير كذب

و أنت أولى الناس بالوثب فثب

و قد ذكرنا تمام هذه الأبيات فيما تقدم.

٣٨

قال ثم دفع إليه كتابا من الوليد بن عقبة بن أبي معيط و هو أخو عثمان لأمه كتبه مع هذا الرجل من الكوفة سرا أوله

معاوي إن الملك قد جب غاربه

الأبيات التي ذكرنا فيما تقدم.قال فقال لي معاوية أقم فإن الناس قد نفروا عند قتل عثمان حتى يسكنوا فأقمت أربعة أشهر ثم جاءه كتاب آخر من الوليد بن عقبة أوله:

ألا أبلغ معاوية بن حرب

فإنك من أخي ثقة مليم

قطعت الدهر كالسدم المعنى

تهدر في دمشق و لا تريم

و إنك و الكتاب إلى علي

كدابغة و قد حلم الأديم

فلو كنت القتيل و كان حيا

لشمر لا ألف و لا سئوم

قال فلما جاءه هذا الكتاب وصل بين طومارين أبيضين ثم طواهما و كتب عنوانهما

٣٩

من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب و دفعهما إلي لا أعلم ما فيهما و لا أظنهما إلا جوابا و بعث معي رجلا من بني عبس لا أدري ما معه فخرجنا حتى قدمنا إلى الكوفة و اجتمع الناس في المسجد لا يشكون أنها بيعة أهل الشام فلما فتح علي ع الكتاب لم يجد شيئا و قام العبسي فقال من هاهنا من أحياء قيس و أخص من قيس غطفان و أخص من غطفان عبسا إني أحلف بالله لقد تركت تحت قميص عثمان أكثر من خمسين ألف شيخ خاضبي لحاهم بدموع أعينهم متعاقدين متحالفين ليقتلن قتلته في البر و البحر و إني أحلف بالله ليقتحمنها عليكم ابن أبي سفيان بأكثر من أربعين ألفا من خصيان الخيل فما ظنكم بعد بما فيها من الفحول ثم دفع إلى علي ع كتابا من معاوية ففتحه فوجد فيه

أتاني أمر فيه للنفس غمة

و فيه اجتداع للأنوف أصيل

مصاب أمير المؤمنين و هده

تكاد لها صم الجبال تزول

و قد ذكرنا هذا الشعر فيما تقدم

٤٠