المدرسة الاسلامية

المدرسة الاسلامية0%

المدرسة الاسلامية مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 200

المدرسة الاسلامية

مؤلف: السيد محمد باقر الصدر
تصنيف:

الصفحات: 200
المشاهدات: 75195
تحميل: 6081

توضيحات:

المدرسة الاسلامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 200 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75195 / تحميل: 6081
الحجم الحجم الحجم
المدرسة الاسلامية

المدرسة الاسلامية

مؤلف:
العربية

عبودية الشهوة وتحرره الخارجي من عبودية الأصنام. واما الحرية العملية في عبادة الشهوة والالتصاق بالأرض ومعانيها، والتخلي عن الحرية الإنسانية بمعناها الحقيقي.. واما الحرية العملية في السكوت عن الظلم والتنازل عن الحق، وعبادة الأصنام البشرية والتقرب اليها، والانسياق وراء مصالحها، والتخلي عن الرسالة الحقيقية الكبرى للإنسان في الحياة.. فهذا ما لا يأذن به الإسلام لانه تحطيم لاعمق معاني الحرية في الإنسان، ولان الإسلام لا يفهم من الحرية ايجاد منطلق للمعاني الحيوانية في الإنسان، وانما يفهمها بوصفها جزءاً من برنامج فكري وروحي كامل، يجب ان تقوم على أساسه الإنسانية.

***

ونحن حين نبرز هذا الوجه التحريري الثوري للإسلام في النطاق الاجتماعي.. لا نعني بذلك انه على وفاق مع الحريات الاجتماعية الديمقراطية في اطارها الغربي الخاص. فان الإسلام كما يختلف عن الحضارة الغربية في مفهومه عن الحرية الشخصية - كما عرفنا قبل لحظة - كذلك يختلف عنها في مفهومه عن الحرية السياسية والاقتصادية والفكرية.

فالمدلول الغربي للحرية السياسية: يعبر عن الفكرة الأساسية في الحضارة الغربية القائلة: ان الإنسان يملك نفسه، وليس

١٢١

لأحد التحكم فيه. فان الحرية السياسية كانت نتيجة لتطبيق تلك الفكرة الأساسية على الحقل السياسي، فما دام شكل الحياة الاجتماعية ولونها وقوانينها يمس جميع أفراد المجتمع مباشرة فلابد للجميع ان يشتركوا في عملية البناء الاجتماعي بالشكل الذي يحلو لهم، وليس لفرد ان يفرض على آخر ما لا يرتضيه، ويخضعه بالقوة لنظام لا يقبله.

وتبدأ الحرية السياسية تتناقض مع الفكرة الأساسية منذ تواجه واقع الحياة، لأن من طبيعة المجتمع ان تتعدد فيه وجهات النظر وتختلف، والاخذ بوجهة نظر البعض يعني سلب الآخرين حقهم في امتلاك ارادتهم والسيطرة على مصيرهم. ومن هنا جاء مبدأ الأخذ برأي الأكثرية، بوصفه توفيقاً بين الفكرة الأساسية والحرية السياسية. ولكنه توفيق ناقص: لأن الاقلية تتمتع بحقها في الحرية وامتلاك ارادتها كالأكثرية تماماً، ومبدأ الأكثرية يحرمها من استعمال هذا الحق فلا يعدو مبدأ الاكثرية ان يكون نظاماً تستبد فيه فئة بمقدرات فئة اخرى، مع فارق كمي بين الفئتين.

ولا ننكر ان مبدأ الأكثرية قد يكون بنفسه من المبادئ التي يتفق عليها الجميع، فتحرص الاقلية على تنفيذ رأي الاكثرية باعتباره الرأي الأكثر أنصارا، وان كانت في نفس الوقت تؤمن بوجهة رأي اخرى، وتعمل لكسب الاكثرية الى

١٢٢

جانبه. ولكن هذا فرض لا يمكن الاعتراف بصحته في كل المجتمعات، فهناك توجد كثيراً الأقليات التي لا ترضى عن رأيها بديلاً، ولو تعارض ذلك مع رأي الأكثرية.

ونستخلص من ذلك: ان الفكرة الأساسية في الحضارة الغربية لا تأخذ مجراها في الحقل السياسي، حتى تبدأ تتناقض وتصطدم بالواقع، وتتجه الى لون من الوان الاستبداد والفردية في الحكم، يتمثل على افضل تقدير في حكم الأكثرية للاقلية.

والإسلام لا يؤمن بهذه الفكرة الاساسية في الحضارة الغربية لانه يقوم على العقيدة بعبودية الإنسان لله، وان الله وحده هو رب الإنسان ومربيه، وصاحب الحق في تنظيم منهاج حياته «أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ان الحكم إلاّ الله أمر ألا تعبدوا إلاّ إياه»] يوسف: ٣٩، ٤٠ [وينعى على الافراد الذين يسلمون زمام قيادهم للآخرين، ويمنحونهم حق الامامة في الحياة والتربية والربوبية: « اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله»] التوبة: ٣١ [. فليس لفرد ولا لجموع أن يستأثر من دون الله بالحكم، وتوجيه الحياة الاجتماعية ووضع مناهجها ودساتيرها.

وفي هذا الضوء نعرف ان تحرير الإسلام للإنسان في المجال السياسي، انما يقوم على اساس الايمان بمساواة أفراد المجتمع في تحمل أعباء الأمانة الالهية، وتضامنهم في تطبيق احكام الله

١٢٣

تعالى: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». فالمساواة السياسية في الإسلام تتخذ شكلاً يختلف عن شكلها الغربي، فهي مساواة في تحمل الامانة وليست مساواة في الحكم.

ومن نتائج هذه المساواة تحرير الإنسان في الحقل السياسي من سيطرة الآخرين، والقضاء على الوان الاستغلال السياسي واشكال الحكم الفردي والطبقي.

ولذلك نجد ان القرآن الكريم شجب حكم فرعون والمجتمع الذي كان يحكمه، لأنه يمثل سيطرة الفرد في الحكم وسيطرة طبقة على سائر الطبقات: « ان فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم»]القصص: ٤ [فكل تركيب سياسي يسمح لفرد او لطبقة باستضعاف الافراد او الطبقات الاخرى والتحكم فيها.. لا يقره الإسلام، لأنه ينافي المساواة بين أفراد المجتمع في تحمل الامانة، على صعيد العبودية المخلصة لله تعالى.

***

واما الحرية الاقتصادية فهي بمفهومها الرأسمالي حرية شكلية تتلخص في: فسح المجال امام كل فرد ليتصرف في الحقل الاقتصادي كما يريد، دون ان يجد من الجهاز الحاكم أي لون من ألوان الاكراه والتدخل. ولا يهم الرأسمالية بعد ان تسمح للفرد بالتصرف كما يريد. ان تخمن له شيئاً مما يريد، وبتعبير آخر

١٢٤

لا يهمها ان تتيح له ان يريد... شيئاً. لهذا نجد ان الحرية الاقتصادية في مفهومها الرأسمالي خاوية، لا تحمل معنى بالنسبة الى من لم تسمح له الفرص بالعيش، ولم تهيئ له ظروف التنافس والسباق الاقتصادي مجالاً للعمل والانتاج. وهكذا تعود الحرية الرأسمالية شكلاً ظاهرياً فحسب، لا تحقق لهؤلاء شيئاً من معناها إلاّ بقدر الحرية التي تمنحها للافراد الذين يعجزون عن السباحة اذ قلنا لهم: انتم احرار فاسبحوا كما يحلو لكم، اينما تريدون. ولو كنا نريد حقاً ان نوفر لهؤلاء حرية السباحة ونعطيهم فرصة التمتع بهذه الرياضة كما يتمتع القادرون على السباحة.. لكفلنا لهم حياتهم خلالها، وطلبنا من الماهرين فيها الحفاظ عليهم ومراقبتهم وعدم الابتعاد عنهم في مجال السباحة، لئلا يغرقوا، فنكون بذلك قد وفرنا الحرية الحقيقية والقدرة على السباحة للجميع، وان حددنا شيئاً من نشاط الماهرين لضمان حياة الآخرين.

وهذا تماماً ما فعله الإسلام في الحقل الاقتصادي: فنادى بالحرية الاقتصادية وبالضمان معاً، ومزج بينهما في تصميم موحد فالكل أحرار في المجال الاقتصادي، ولكن في حدود خاصة. فليس الفرد حراً حين يتطلب ضمان الافراد الآخرين والحفاظ على الرفاه العام.. التنازل عن شيء من حريته.

وهكذا تآلفت فكرتا الحرية والضمان في الإسلام(١) .

____________________

(١) لاجل التوسع لاحظ دراستنا للحرية الرأسمالية في كتاب اقتصادنا: ص ٢٤٧ - ٢٦٩.

١٢٥

واما الحرية الفكرية فهي تعني في الحضارة الغربية: السماح لأي فرد ان يفكر ويعلن افكاره ويدعو اليها كما يشاء، على ان لا يمس فكرة الحرية والأسس التي ترتكز عليها بالذات ولهذا تسعى المجتمعات الديمقراطية الى مناوأة الأفكار الفاشستية والتحديد من حريتها او القضاء عليها بالذات، لان هذه الافكار تحارب نفس الافكار الأساسية والقاعدة الفكرية، التي تقوم عليها فكرة الحرية والاسس الديمقراطية.

والإسلام يختلف عن الديمقراطية الرأسمالية في هذا الموقف نتيجة لاختلافه عنها في طبيعة القاعدة الفكرية التي يتبناها وهي: التوحيد وربط الكون برب واحد. فهو يسمح للفكر الإنساني ان ينطلق ويعلن عن نفسه، مالم يتمرد على قاعدته الفكرية التي هي الاساس الحقيقي لتوفير الحرية للإنسان في نظر الإسلام، ومنحه شخصيته الحرة الكريمة التي لا تذوب امام الشهوات، ولا تركع بين يدي الاصنام. فكل من الحضارة الغربية والإسلام يسمح بالحرية الفكرية بالدرجة التي لا ينجم عنها خطر على القاعدة الاساسية، وبالتالي على الحرية نفسها.

ومن المعطيات الثورية للحرية الفكرية في الإسلام: الحرب التي شنها على التقليد وجمود الفكر، والاستسلام العقلي للاساطير أو لآراء الآخرين، دون وعي وتمحيص. والهدف الذي يرمي اليه الإسلام من ذلك: تكوين العقل الاستدلالي او البرهاني

١٢٦

عند الإنسان، فلا يكفي لتكوين التفكير الحر لدى الإنسان ان يقال له: فكر كما يحلوا لك، كما صنعت الحضارة الغربية لان هذا التوسع في الحرية سوف يكون على حسابها، ويؤدي في كثير من الاحايين الى ألوان من العبودية الفكرية تتمثل في التقليد والتعصب وتقديس الخرافات، بل لا بد في رأي الإسلام لانشاء الفكر الحر أن ينشئ في الإنسان العقل الاستدلالي او البرهاني الذي لا يتقبل فكرة دون تمحيص ولا يؤمن بعقيدة مالم تحصل على برهان ليكون هذا العقل الواعي ضماناً للحرية الفكرية وعاصماً للإنسان من التفريط بها، بدافع من تقليد او تعصب أو خرافة. وفي الواقع ان هذا جزء من معركة الإسلام لتحرير المحتوى الداخلي للإنسان فهو كما حرر الارادة الإنسانية من عبودية الشهوات كما عرفنا سابقاً، كذلك حرر الوعي الإنساني من عبودية التقليد والتعصب والخرافة. وبهذا وذاك فقط اصبح الإنسان حراً في تفكيره وحراً في إرادته.

«.. فبشر عبادِ * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.»]الزمر: ١٧ - ١٨ [. «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون»]النحل: ٤٤ [. «وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا أولو كان آباءهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون»]البقرة: ١٧٠ [. «تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين»]البقرة: ١١١.

١٢٧

الضمان في الإسلام والماركسية

يختلف الضمان في الإسلام عن الضمان الاشتراكي القائم على الاسس الماركسية في ملامح عديدة، مردها الى اختلاف الضمانين في الاسس والاطارات والاهداف.

ولا يمكننا في هذا المجال إلاّ استعراض بعض جوانب الاختلاف اكتفاءاً بدراستنا الموسعة لذلك في كتاب «اقتصادنا».

١ - الضمان الاجتماعي في الإسلام: حق من حقوق الإنسان التي فرضها الله تعالى، وهو بوصفه حقاً انسانياً لا يتفاوت باختلاف الظروف والمستويات المدنية. واما الضمان لدى الماركسية فهو حق الآلة، وليس حقاً انسانياً. فالآلة: (وسائل الانتاج) متى وصلت الى درجة معينة، يصبح الضمان الاشتراكي شرطاً ضرورياً في نموها واطراد انتاجها، فما لم تبلغ وسائل الانتاج هذه المرحلة، لا معنى لفكرة الضمان. ولأجل ذلك تعتبر الماركسية الضمان خاصاً بمجتمعات معينة في دورة محددة من التاريخ.

٢ - مفهوم الإسلام عن تطبيق الضمان الاجتماعي: انه نتيجة للتعاطف الأخوي الذي يسود أفراد المجتمع الاسلامي. فالاخوة الإسلامية هي الاطار الذي تؤدى فريضة الضمان ضمنه. وقد جاء في

١٢٨

الحديث: «المسلم أخ المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحرمه» فيحق على المسلمين الإجتهاد والتواصل والتعاون والمواساة لأهل الحاجة.

واما الماركسية فهي: ترى ان ايجاد الضمان الاشتراكي ليس إلاّ ثمرة لصراع هائل مرير، يجب إيقاده وتعميقه، حتى اذا قامت المعركة الطبقية وأفنيت إحدى الطبقتين وتم الإنتصار للطبقة الاخرى.. ساد الضمان الإشتراكي المجتمع. فالضمان عند الماركسية ليس تعبيراً عن وحدة مرصوصة واخوة شاملة، وإنما يرتكز على تناقض مستقطب وصراع مدمر.

٣ - ان الضمان في الإسلام - بوصفه حقاً إنسانياً - لا يختص بفئة دون فئة. فهو يشمل حتى أولئك الذين يعجزون عن المساهمة في الانتاج العام بشيء، فهم مكفولون في المجتمع الإسلامي ويجب على الدولة توفير وسائل الحياة لهم. واما الضمان الماركسي فهو يستمد وجوده من الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة والطبقة الرأسمالية، الذي يكلل بظفر الطبقة العاملة وتضامنها واشتراكها في تلك الثورة. لأجل ذلك لا يوجد مبرر ماركسي لضمان حياة اولئك العاجزين الذين يعيشون بعيدين عن الصراع الطبقي، ولا يساهمون في الإنتاج العام لأنهم لم يشتركوا في المعركة لعدم انتمائهم الى الطبقة العاملة ولا

١٢٩

الى الطبقة الرأسمالية، فليس لهم حق في مكاسب المعركة وغنائمها.

٤ - ان الضمان في الماركسية من وظيفة الدولة وحدها، واما في الإسلام فهو من وظيفة الافراد والدولة معاً، وبذلك وضع الإسلام المبدأين: أحدهما: مبدأ التكافل العام، والآخر: مبدأ الضمان الاجتماعي.

فمبدأ التكافل يعني: أن كل فرد مسلم مسؤول عن ضمان معيشة الآخرين وحياتهم في حدود معينة، وفقاً لقدرته، وهذا المبدأ يجب على المسلمين تطبيقه حتى في الحالات التي يفقدون فيها الدولة التي تطبق أحكام الشرع. فقد جاء في الحديث: «أيما مؤمن منع مؤمناً شيئاً مما يحتاج اليه، وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره.. أقامه الله يوم القيامة مسوداً وجهه مزرقة عيناه، مغلولة يداه الى عنقه، فيقال: هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ثمّ يؤمر به الى النار».

ومبدأ الضمان الاجتماعي يقرر مسؤولية الدولة في هذا المجال، ويحتم عليها ضمان مستوى من العيش المرفه الكريم للجميع، من موارد ملكية الدولة والملكية العامة وموارد الميزانية(١) .

____________________

(١) لاجل التفصيل راجع اقتصادنا ( المشكلة الاقتصادية في نظر الإسلام وحلولها) ص: ٣٢٨.

١٣٠

وقد جاء في الحديث لاستعراض هذا المبدأ: « إنّ الوالي يأخذ المال فيوجهه الوجه الذي وجهه الله له على ثمانية أسهم: للفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة، وفي الرقاب والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل. ثمانية اسهم يقسمها بينهم بقدر ما يستغنون في سنتهم، بلا ضيق ولا تقية، فان فضل من ذلك شيء رد الى الوالي، وان نقص من ذلك شيء ولم يكتفوا به، كان على الوالي ان يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنون».

النجف الاشرف

محمد باقر الصدر

١٣١

١٣٢

١٣٣

١٣٤

١٣٥

١٣٦

ماذا تعرف عن الاقتصاد الإسلامي

بسِم اللّهِ الرحمَنِ الرّحيم

منذ مدة، وأنا أواجه طلباً متزيداً على المدرسة الإسلامية والحاحاً من القراء الاعزاء على اصدار حلقات جديدة منها.

وكنت أتماهل في تلبية هذا الطلب، رغبة في انجاز الكتاب الثاني من اقتصادنا، والتوفر على اكماله، وكان صدور هذا الكتاب سبباً جديداً لازدياد الطلب على اصدار حلقات صغيرة تتناول بحوثه بالتوضيح والتبسيط بقدر الإمكان، لكي تكون متيسرة ومفهومة لعدد أكبر.

وعلى هذا الاساس كتبت هذه الحلقة، متوخياً فيها التبسيط ومتجنباً ذلك المستوى الذي التزمته من الدقة والتعمق في بحوث اقتصادنا. فقد آثرت في عدة مواضع توضيح الفكرة، على اعطائها صيغتها الدقيقة التي حصلت عليه في كتبنا الموسعة.

وسوف أحاول هنا، وأنا أعرّف هذه الحلقة للقراء، ان ألخص لهم أفكارها، وأفهرس بحوثها، ليساعدهم ذلك على فهمها ومتابعة فصولها.

١٣٧

ان هذه الحلقة تشتمل على اثارة سؤال واحد ومحاولة الاجابة عليه.

والسؤال هو: هل يوجد في الإسلام مذهب اقتصادي؟

ونجيب في هذه الحلقة، على هذا السؤال بالإيجاب، نعم يوجد في الإسلام مذهب اقتصادي.

ونسير من السؤال الى الجواب، بتدرج، فبعد أن نطرح السؤال نشغل بايضاحه، وتوضيح ما يتصل به. ثمّ ندرس الجواب، في ضوء مفهومنا عن الإسلام. وندعم الجواب بالشواهد ونناقش ما يثار عادة من اعتراضات.

توضيح السؤال:

نقصد بالمذهب الإقتصادي، ايجاد طريقة لتنظيم الحياة الإقتصادية، وفقاً للعدالة. فنحن حين نتساءل عن المذهب الإقتصادي في الإسلام، نريد ان نعرف هل جاء الإسلام بطريقة لتنظيم الحياة الإقتصادية، كما جاءت الرأسمالية مثلاً، بمبدأ الحرية الإقتصادية، واتخذت منه طريقتها العامة، في تنظيم الحياة الإقتصادية.

حاجتنا الى هذا السؤال:

وحاجتنا الى هذا السؤال، نابعة من اسباب عديدة، قد يكون من أهمها سلبية الإسلام تجاه الرأسمالية والماركسية -

١٣٨

النظامين الحاكمين في العالم اليوم -. فان رفض الإسلام لهما يجعل الإنسان المسلم ينتظر من الإسلام الاتيان بطريقة أخرى في تنظيم الحياة الاقتصادية، لان المجتمع الإسلامي لا يستغني عن طريقة في التنظيم، مهما كان شكلها.

الخطأ في فهم السؤال:

وبعد أن نطرح السؤال، ونوضحه، ونشرح أهميته نستعرض الخطأ الذي قد يقع فيه بعض الناس في فهم السؤال اذ لا يميزون بين المذهب الاقتصادي وعلم الاقتصاد في الإسلام مع اننا نريد المذهب الاقتصادي لا علم الاقتصاد.

تصحيح الخطأ بالتمييز بين المذهب والعلم

ولأجل تصحيح هذا الخطأ في فهم السؤال، توسعنا في توضيح الفرق بين المذهب الاقتصادي، وعلم الاقتصاد. والحقيقة ان الفرق بينهما كبير، فان المذهب الاقتصادي، كما عرفنا يتكفل ايجاد طريقة لتنظيم الحياة الاقتصادية، وفقاً للعدالة وأما علم الاقتصاد، فهو لا يوجد طريقة للتنظيم، وانما يأخذ طريقة من الطرق المتبعة في المجتمعات، فيدرس نتائجها وآثارها كما يدرس العالم الطبيعي نتائج الحرارة وآثارها.

١٣٩

مثال على الفرق بين المذهب والعلم

وقد استعملنا الامثلة العديدة، لتوضيح الفرق بين المذهب الاقتصادي، وعلم الاقتصاد. فالمذهب الرأسمالي مثلاً ينظم الحياة الإقتصادية، على أساس مبدأ الحرية الإقتصادية، ولذلك فهو ينظم السوق، على أساس حرية البائعين في تعيين أثمان السلع. وعلم الإقتصاد لا يحاول الاتيان بطريقة أخرى، لتنظيم السوق وانما مهمته أن يدرس وضع السوق في ظل الطريقة الرأسمالية، ويبحث عن حركة الثمن، وكيف يتحدد، ويرتفع وينخفض، في السوق الحرة، التي نظمت بالطريقة الرأسمالية.

فالمذهب يوجد طريقة للتنظيم، وفقاً لتصوره للعدالة، والعلم يدرس نتائج هذه الطريقة، حين تطبق على المجتمع.

التأكيد على ان الاقتصاد الإسلامي مذهب

وبعد أن سردنا الأمثلة العديدة، لتوضيح الفرق بين المذهب والعلم، أكدنا على أن المذهب الإقتصادي الذي نتساءل عن وجوده في الإسلام، ونجيب بالإيجاب، لا نعني به علم الإقتصاد لأن الإسلام بوصفه ديناً ليس من وظيفته أن يتكلم في علم الإقتصاد، أو علم الفلك والرياضيات. وإنما هو عن إيجاد الإسلام، طريقة لتنظيم الحياة الإقتصادية، لا عن قيام الإسلام بدراسة علمية للطرق الموجودة، في عصره، ولما ينجم عنها

١٤٠