المدرسة الاسلامية

المدرسة الاسلامية0%

المدرسة الاسلامية مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 200

المدرسة الاسلامية

مؤلف: السيد محمد باقر الصدر
تصنيف:

الصفحات: 200
المشاهدات: 75208
تحميل: 6081

توضيحات:

المدرسة الاسلامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 200 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75208 / تحميل: 6081
الحجم الحجم الحجم
المدرسة الاسلامية

المدرسة الاسلامية

مؤلف:
العربية

الإسلام اقتصاداً، يبادرون قائلين: وكيف يمكن أن يكون في الإسلام اقتصاد؟ ونحن لا نجد فيه بحوثاً، كالبحوث التي نجدها عند علماء الاقتصاد، كآدم سميث، وريكاردو، وغيرهما. فالإسلام لم يحدثنا عن قانون الغلة المتناقصة، ولا عن قوانين العرض والطلب، ولم يأت بقانون، يناظر القانون الحديدي للأجور، ولم تؤثر عنه فكرة، عن تحليل القيمة ودرسها علمياً كما درسها علماء الاقتصاد. وكيف يطلب منا أن نصدق بالاقتصاد الإسلامي، ونحن جميعاً نعلم بأن بحوث علم الاقتصاد انما نشأت وتكاملت خلال القرون الاربعة الاخيرة على يد رواد الفكر الاقتصادي الاوائل كآدم سميث، ومن سبقه من التجاريين والطبيعيين.

يقول المنكرون للاقتصاد الإسلامي كل هذا، ظناً منهم بأنا ندعي قيام الإسلام، بالبحث العلمي في الاقتصاد.

واما بعد ان نعرف الفرق، بين علم الاقتصاد والمذهب الاقتصادي، وان الاقتصاد الإسلامي، مذهب وليس علماً. فلا يبقى موضع لكل ذلك القول، لان وجود المذهب الاقتصادي في الإسلام، لا يعني تحدث الإسلام الى الناس، عن قوانين العرض والطلب، بل يعني ان الإسلام، دعا الى تنظيم متميز للحياة الاقتصادية، وحدد ما ينبغي ان تقام عليه تلك الحياة من أسس ودعائم.

١٨١

ويبدو الايمان، بوجود الاقتصاد الإسلامي، على هذا الضوء أمراً معقولا، ولا غرابة فيه.

وسوف لن نبدأ في هذه الحلقة، بدراسة تفاصيل الاقتصاد الإسلامي وحين أخذ التفاصيل بالبحث والدرس في الحلقات المقبلة، سوف نقدم لك، من الكتاب والسنة، الدليل المادي المحسوس، على وجود المذهب الاقتصادي في الإسلام. فانه لا أدل على وجود الشيء، من ابرازه للحس. وهذا ما تقوم به الحلقات المقبلة، باذن الله تعالى.

والآن، وقبل أن نستدل على وجود المذهب الإقتصادي في الإسلام، بابرازه، والتعرف على مواطن استخلاصه، من الكتاب والسنة. نريد أن نقيم الدليل على وجوده، من طبيعة الشريعة الإسلامية، ومفاهيمنا المسبقة عنها، كما سنرى.

شمول الشريعة واستيعابها

ان شمول الشريعة واستيعابها، لجميع مجالات الحياة، من الخصائص الثابتة لها، لا عن طريق تتبع احكامها، في كل تلك المجالات فحسب، بل عن طريق التأكيد على ذلك، في مصادرها العامة أيضاً. فنحن نستطيع، ان نجد في هذه المصادر نصوصاً تؤكد بوضوح، على استيعاب الشريعة، وامتدادها الى جميع الحقول، التي يعيشها الإنسان، واغتنائها بالحلول لجميع

١٨٢

المشاكل التي تعترضه في شتى المجالات.

لاحظوا على سبيل المثال، النصوص التالية:

١ - روى أبو بصير، عن الإمام الصادق (ع) ، انه تحدث عن الشريعة الإسلامية، واستيعابها، واحاطة أئمة أهل البيت بكل تفاصيلها. فقال: فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج الناس اليه، حتى الارش في الخدش. وضرب بيده الى أبي بصير، فقال: أتأذن لي يا أبا محمد؟ فقال له أبو بصير: جعلت فداك، انما أنا لك، فاصنع ما شئت. فغمزه الإمام بيده وقال: حتى أرش هذا!

٢ - وعن الإمام الصادق (ع)، في نص آخر، انه قال: فيها كل ما يحتاج الناس اليه، وليس من قضية، إلاّ وهي فيها حتى ارش الخدش. (أي الغرامة التي يدفعها الشخص الى آخر اذا خدشه).

٣ - وفي نهج البلاغة، ان امير المؤمنين علياً عليه السلام قال يصف الرسول (ص)، والقرآن الكريم:

أرسله على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الامم وانتقاص من المبرم. فجاءهم بتصديق الذي بين يديه، والنور المقتدى به، ذلك القرآن، فاستنطقوه، ولن ينطق؛ ولكن أخبركم عنه، الا ان فيه ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم؛ ونظم ما بينكم.

١٨٣

ان هذه النصوص، تؤكد بوضوح، استيعاب الشريعة لمختلف مجالات الحياة.

واذا كانت الشريعة، تضمن الحلول حتى لأتفه المشاكل وحتى لارش الخدش، - أي الغرامة التي يجب على الإنسان دفعها الى الآخر، اذا خدشه -، فمن الضروري، حتماً، بمنطق تلك النصوص، أن تكون في الشريعة، حلول للمشاكل الإقتصادية وطريقة لتنظيم الحياة، في الحقل الإقتصادي. والا فأي معنى لاستيعاب الشريعة وشمولها، اذا كانت تغفل جانباً من أهم جوانب الحياة، وأوسعها، وأكثرها أهمية وتعقيداً.

هل تتصور أن الشريعة، تحدد الغرامة التي من حقك الحصول عليها، اذا خدشك شخص خدشاً بسيطاً، ولا تحدد حقك في الثروة المنتجة، ولا تنظم طريقة اتفاقك مع عمالك او مع الرأسماليين، في مختلف الوان العمل، التي تحتاج فيها الى عامل، أو رأسمالي.

وهل من المعقول، ان تحدد الشريعة، حقك حين تخدش ولا تحدد حقك، حين تحيي أرضاً، او تستخرج معدناً، أو تستنبط عين ماء، أو تستولي على غابة.

وهكذا نعرف ان من يؤمن بالشريعة ومصادرها، ونصوصها يستنتج من تلك النصوص، علاج الشريعة، للمشاكل الإقتصادية وتنظيمها للحقل الإقتصادي، وبالتالي وجود اقتصاد اسلامي

١٨٤

يمكن استخلاصه من الكتاب والسنة.

وفي ضوء تلك النصوص، يعرف القارئ، خطأ القول الشائع، عند البعض، بأن الشريعة تنظم سلوك الفرد، لا المجتمع، والمذهب الإقتصادي، تنظيم اجتماعي، فهو خارج عن نطاق الشريعة، التي تقتصر في تشريعها، على تنظيم سلوك الفرد فحسب.

ان النصوص السابقة، تبرهن على خطأ هذا القول، لأنها تكشف، عن امتداد الشريعة، الى كل ميادين الحياة، وتنظيمها للمجتمع والفرد على السواء.

والحقيقة، أن القول بأن الشريعة، تنظم سلوك الفرد لا المجتمع، يتناقض مع نفسه، اضافة الى اصطدامه بتلك النصوص لأنه حين يفصل سلوك الفرد، وتنظيمه، عن تنظيم المجتمع يقع في خطأ كبير، من ناحية، ان النظام الإجتماعي، لأي جانب من الجوانب العامة في المجتمع، سواء كان اقتصادياً، أم سياسياً، أم غير ذلك، يتجسد في سلوك الفرد، فلا يمكن تنظيم سلوك الفرد، بصورة منعزلة عن تنظيم المجتمع.

خذ اليك النظام الرأسمالي، بوصفه تنظيماً اجتماعياً، فانه ينظم الحياة الإقتصادية، على أساس مبدأ الحرية الإقتصادية وهذا المبدأ يتجسد في سلوك الرأسمالي، مع العامل، وطريقة ابرامه معه عقد العمل، وفي سلوك المرابي، مع زبائنه، الذين

١٨٥

يقرضهم بفائدة، وطريقة ابرامه معهم عقد القرض. وهكذا كل تنظيم اجتماعي، فانه يتصل بسلوك الفرد، وينعكس عليه ويتجسد فيه.

فاذا كانت الشريعة، تنظم سلوك الفرد، فلها طريقتها اذن، في تنظيم سلوكه، حين يقترض مالاً، او حين يستأجر عاملاً، او حين يؤجر نفسه، وهذا يرتبط حتماً، بالتنظيم الاجتماعي.

فكل فصل بين سلوك الفرد والمجتمع في التنظيم، يحتوي على تناقض.

فما دمنا نعترف، بأن الشريعة، تنظم سلوك الفرد، وان كل فعل من أفعال الإنسان، له حكمه الخاص، في الشريعة. ما دمنا نعترف بذلك، فلا بد ان ننساق مع اعترافنا الى النهاية ونؤمن بوجود التنظيم الاجتماعي في الشريعة.

التطبيق دليل آخر

ولا أدري، ماذا يقول هؤلاء الذين يشكون في وجود اقتصاد اسلامي، او علاج للمشاكل الاقتصادية في الإسلام. ماذا يقولون عن عصر التطبيق في صدر الإسلام؟

أفلم يكن المسلمون، يعيشون في صدر الإسلام، بوصفهم مجتمعاً له حياته الاقتصادية، وحياته في كل الميادين الاجتماعية؟

١٨٦

أفلم تكن قيادة هذا المجتمع الإسلامي، بيد النبي والإسلام.

أفلم تكن هناك حلول محددة، لدى هذه القيادة، يعالج بها المجتمع، قضايا الانتاج والتوزيع، ومختلف مشاكله الاقتصادية؟

فماذا لو ادعينا، أن هذه الحلول، تعبر عن طريقة الإسلام في تنظيم الحياة الاقتصادية، وبالتالي عن مذهب اقتصادي في الإسلام؟.

نحن اذا تصورنا، المجتمع الإسلامي على عهد النبي (ص) فلا يمكن أن نتصوره، بدون نظم اقتصادي، اذ لا يمكن أن يوجد مجتمع، بدون طريقة يتبناها، في تنظيم حياته الاقتصادية وتوزيع الثروة بين أفراده.

ولا يمكن ان نتصور النظام الاقتصادي، في مجتمع عصر النبوة، منفصلاً عن الإسلام، وعن النبي، بوصفه صاحب الرسالة الذي يتولي تطبيقها. فلا بد ان يكون النظام الاقتصادي، مأخوذاً منه، قولاً او فعلاً او تقريراً، أي مأخوذاً من نصوصه وأقواله أو من أفعاله، وطريقته للعمل الاجتماعي بوصفه رئيساً للدولة أو من تقريره لعرف سائد وقبوله به. وكل ذلك يسبغ على النظام الطابع الإسلامي.

المذهب يحتاج الى صياغة

ونحن حين نقول، بوجود اقتصاد اسلامي، او مذهب

١٨٧

اقتصادي في الإسلام، لا نريد بذلك، اننا سوف نجد في النصوص بصورة مباشرة نفس النظريات الاساسية في المذهب الاقتصادي الإسلامي، بصيغها العامة. بل ان النصوص ومصادر التشريع، تتحفنا بمجموعة كبيرة من التشريعات، التي تنظم الحياة الاقتصادية وعلاقات الإنسان، بأخيه الإنسان، في مجالات انتاج الثروة وتوزيعها، وتداولها. كأحكام الإسلام، في احياء الاراضي والمعادن، وأحكامه في الاجارة والمضاربة والربا، وأحكامه في الزكاة والخمس، والخراج وبيت المال. وهذه المجموعة من الاحكام والتشريعات، اذا نسقت ودرست دراسة مقارنة بعضها ببعض، أمكن الوصول إلى أصولها والنظريات العامة التي تعبر عنها، ومن تلك النظريات نستخلص المذهب الاقتصادي في الإسلام.

فليس من الضروري، مثلاً، أن نجد في النصوص ومصادر الشريعة، صيغة عامة لتحديد مبدأ يقابل مبدأ الحرية الاقتصادية في المذهب الرأسمالي، أو يماثله. ولكننا نجد في تلك النصوص والمصادر، عدداً من التشريعات، التي يستنتج منها، موقف الإسلام من مبدأ الحرية الاقتصادية. ويعرف عن طريقها: ما هو المبدأ البديل له، من وجهة النظر الإسلامية.

فتحريم الإسلام للاستثمار الرأسمالي الربوي، وتحريمه تملك الارض بدون احياء وعمل، واعطاء ولي الأمر صلاحية الاشراف

١٨٨

على أثمان السلع، مثلاً كل ذلك، يكون فكرتنا، عن موقف الإسلام، من الحرية الاقتصادية، ويعكس المبدأ الإسلامي العام.

اخلاقية الاقتصاد الإسلامي

قد يقال: ان الاقتصاد الذي تزعمون وجوده في الإسلام ليس مذهباً اقتصادياً، وانما هو في الحقيقة، تعاليم اخلاقية من شأن الدين ان يتقدم بها الى الناس، ويرغبهم في اتباعها. فالإسلام، كما أمر بالصدق والأمانة، وحث على الصبر وحسن الخلق، ونهى عن الغش والنميمة، كذلك، أمر بمعونة الفقراء ونهى عن الظلم، ورغب الأغنياء في مواساة البائسين، ونهاهم عن سلب حقوق الآخرين، وحذرهم من اكتساب الثروة، بطرق غير مشروعة، وفرض عبادة مالية، في جملة ما فرض من عبادات وهي الزكاة. اذ شرعها الى صف الصلاة والحج والصيام، تنويعاً لاساليب العبادة، وتأكيداً على ضرورة اعانة الفقير والإحسان اليه.

كل ذلك، قام به الإسلام، وفقاً لمنهج أخلاقي عام، ولا تعدو تلك الاوامر والنصائح والإرشادات، عن كونها تعاليم أخلاقية، تستهدف، تنمية الطاقات الخيرة في نفس الفرد المسلم والمزيد من شده الى ربه، والى أخيه الإنسان، ولا يعني ذلك

١٨٩

مذهباً اقتصادياً، على مستوى تنظيم شامل للمجتمع.

وبكلمة أخرى، أن التعاليم السابقة، ذات طابع فردي أخلاقي، هدفها اصلاح الفرد، وتنمية الخير فيه، وليست ذات طابع اجتماعي، تنظيمي، فالفرق بين تلك التعاليم، والمذهب الإقتصادي، هو الفرق بين واعظ يعتلي المنبر، فينصح الناس بالتراحم والتعاطف، ويحذرهم من الظلم والاساءة، والاعتداء على حقوق الآخرين، وبين مصلح اجتماعي، يضع تخطيطاً لنوع العلاقات، التي يجب أن تقام بين الناس، ويحدد الحقوق والواجبات.

وجوابنا على هذا كله: ان واقع الإسلام، وواقع الاقتصاد الإسلامي، لا يتفق اطلاقاً مع هذا التفسير، الذي ينزل بالاقتصاد الإسلامي عن مستوى مذهب، الى مستوى نصائح واوامر أخلاقية.

صحيح، ان الإتجاه الاخلاقي واضح، في كل التعاليم الإسلامية.

وصحيح، ان الإسلام، يحتوي على مجموعة ضخمة، من التعاليم والأوامر الاخلاقية، في كل مجالات الحياة، والسلوك البشري وفي المجال الإقتصادي خاصة.

وصحيح، ان الإسلام، حشد أروع الأساليب، لتنشئة الفرد المسلم على القيم الخلقية، وتنمية طاقاته الخيرة، وتحقيق المثل الكامل فيه.

١٩٠

ولكن هذا لا يعني، ان الإسلام، اقتصر على تربية الفرد خلقياً، وترك تنظيم المجتمع. ولا ان الإسلام، كان واعظاً للفرد، فحسب، ولم يكن الى جانب ذلك، مذهباً ونظاماً للمجتمع، في مختلف مجالات حياته، بما فيها حياته الإقتصادية.

ان الإسلام، لم ينه عن الظلم، ولم ينصح الناس بالعدل ولم يحذرهم من التجاوز على حقوق الآخرين، بدون ان يحدد مفاهيم الظلم والعدل، من وجهة نظره، ويحدد تلك الحقوق التي نهى عن تجاوزها.

ان الإسلام، لم يترك تلك المفاهيم، مفاهيم العدل والظلم والحق، غائمة غامضة، ولم يدع تفسيرها لغيره، كما يصنع الوعاظ الاخلاقيون. بل انه جاء بصورة محددة، للعدالة وقواعد عامة للتعايش بين الناس، في مجالات انتاج الثروة وتوزيعها وتداولها، واعتبر كل شذوذ وانحراف، عن هذه القواعد، وتلك الصورة، التي حددها للعدالة، ظلماً، وتجاوزاً على حقوق الآخرين.

وهذا هو الفارق، بين موقف الواعظ، وموقف المذهب الإقتصادي. فان الواعظ، ينصح بالعدل، ويحذر من الظلم ولكنه لا يضع مقاييس العدل والظلم، وانما يدع هذه المقاييس الى العرف العام المتبع، لدى الواعظ وسامعيه. واما المذهب الاقتصادي، فهو يحاول أن يضع هذه المقاييس، ويجسدها في

١٩١

نظام اقتصادي، مخطط، ينظم مختلف الحقول الاقتصادية.

فلو ان الإسلام، جاء ليقول للناس، اتركو الظلم، وطبقوا العدل، ولا تعتدوا على الآخرين، وترك للناس، ان يحددوا معنى الظلم، ويضعوا الصورة التي تجسد العدل، ويتفقوا على نوع الحقوق التي يتطلبها العدل، وفقاً لظروفهم، وثقافتهم، وما يؤمنون به من قيم، وما يدركونه من مصالح وحاجات. لو أن الإسلام ترك كل هذا للناس، واقتصر على الامر بالعدل والترغيب فيه، والنهي عن الظلم والتحذير منه، بالاساليب التي يملكها الدين للاغراء والتخويف، لكان واعظاً فحسب.

ولكن الإسلام، حين قال للناس، اتركوا الظلم، وطبقوا العدل، قدم لهم في نفس الوقت، مفاهيمه عن العدل والظلم وميز بنفسه، الطريقة العادلة، في التوزيع والتداول والانتاج عن الطريقة الظالمة. فذكر مثلاً، ان تملك الارض بالقوة، وبدون احياء، ظلم، وان الاختصاص بها، على أساس العمل والاحياء، حق، وأن حصول رأس المال، على نصيب من الثروة المنتجة باسم فائدة، ظلم، وحصوله على ربح، عدل. الى كثير من الوان العلاقات، والسلوك، التي ميز فيها الإسلام بين الظلم والعدل.

وأما حث الإسلام للاغنياء، على مساعدة اخوانهم، وجيرانهم من الفقراء، فهو صحيح، ولكن الإسلام، لم يكتف بهذا الحث

١٩٢

وهذه التربية الخلقية، للاغنياء. بل فرض، على الدولة، ضمان المعوزين، وتوفير الحياة الكريمة لهم، فرضاً يدخل في صلب النظام، الذي ينظم العلاقات، بين الراعي والرعية. ففي الحديث عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، انه ذكر، وهو يحدد مسؤولية الوالي في أموال الزكاة: ان الوالي، يأخذ المال، فيوجهه الوجه الذي وجه الله على ثمانية أسهم، للفقراء والمساكين... يقسمها بينهم، بقدر ما يستغنون في سنتهم، بلا ضيق ولا تقية. فان فضل من ذلك شيء، رد الى الوالي، وان نقص من ذلك شيء، ولم يكتفوا به، كان على الوالي ان يمونهم من عنده، بقدر سعتهم، حتى يستغنوا.

وواضح، في هذا النص، ان فكرة الضمان، وضرورة توفير الحياة الكريمة للجميع، ليست هنا فكرة وعظية، وانما هي، من مسؤوليات الوالي في الإسلام. وبذلك، تدخل في صلب تنظيم المجتمع، وتعبر عن جانب، من جوانب، التصميم الإسلامي للحياة الاقتصادية.

ان هناك، فرقاً كبيراً بين النص المأثور، القائل، ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعاناً وجاره جائع وهذا النص الذي يقول: كان على الوالي، أن يمونهم من عنده، بقدر سعتهم حتى يستغنوا. فالأول ذو طابع وعظي، وهو يبرز الجانب الاخلاقي، من التعاليم الإسلامية. واما الثاني، فطابعه تنظيمي

١٩٣

ويعكس ، لأجل ذلك، جانباً من النظام الإسلامي. ولا يمكن أن يفسر، إلاّ بوصفه جزءاً من منهج اسلامي، عام للمجتمع.

والزكاة هي عبادة، من أهم العبادات، الى صف الصلاة والصيام، لا شك في ذلك. ولكن اطارها العبادي، لا يكفي للبرهنة على انها ليست ذات مضمون اقتصادي، وانها لا تعبر عن وجود تنظيم اجتماعي، للحياة الإقتصادية في الإسلام.

ان ربط الزكاة، بولي الامر، واعتبارها أداة يستعين بها على تحقيق الضمان الإجتماعي، في المجتمع الإسلامي، - كما رأينا في النص السابق - هو وحده، يكفي، لتمييز الزكاة، عن سائر العبادات الشخصية، والتدليل على انها ليست مجرد عبادة فردية، وتمرين خلقي، للغني على الإحسان الى الفقير، وانما هي على مستوى تنظيم اجتماعي، لحياة الناس.

أضف الى ذلك، أن نفس التصميم التشريعي، لفريضة الزكاة، يعبر عن وجهة مذهبية، عامة للإسلام. فان نصوص الزكاة، دلت على انها تعطى للمعوزين، حتى يلتحقوا بالمستوى العام للمعيشة. وهذا يدل، على ان الزكاة، جزء من مخطط اسلامي عام، لايجاد التوازن، وتحقيق مستوى عام، موحد من المعيشة، في المجتمع الإسلامي. ومن الواضح، ان التخطيط المتوازن، ليس وعظاً، وانما هو فكر تنظيمي، على مستوى مذهب اقتصادي.

١٩٤

ماذا ينقص الاقتصاد الإسلامي عن غيره؟

وأنا لا ادري، لماذا يسخو المنكرون للاقتصاد الإسلامي بلقب المذهب الإقتصادي، على الرأسمالية والاشتراكية، ثمّ لا يمنحون هذا اللقب، للاقتصاد الإسلامي، بل يجعلونه مجموعة من التعاليم الاخلاقية.

فمن حقنا، أن نتساءل: بم استحقت الرأسمالية او الاشتراكية أن تكون مذهباً اقتصادياً، دون الإقتصاد الإسلامي؟.

اننا نلاحظ، ان الإسلام، عالج نفس الموضوعات التي عالجتها الرأسمالية، مثلاً، وعلى نفس المستوى، وأعطى فيها أحكاماً، من وجهة نظره الخاصة، تختلف عن وجهة النظر الرأسمالية، فلا مبرر للتفرقة بينهما، او للقول، بأن الرأسمالية مذهب، وليس في الإسلام، إلاّ المواعظ والاخلاق.

ولنوضح ذلك، في مثالين، لنبرهن، على ان الإسلام أعطى آراءه، على نفس المستوى الذي عالجته المذاهب الإقتصادية.

والمثال الاول: يتعلق بالملكية، وهي المحور الرئيسي للاختلاف بين المذاهب الإقتصادية. فان الرأسمالية، ترى ان الملكية الخاصة، هي المبدأ، وليست الملكية العامة إلاّ استثناء.

١٩٥

بمعنى ان كل نوع من أنواع الثروة، ومرافق الطبيعة، يسمح بتملكه ملكية خاصة، مالم تحتم ضرورة معينة، تأميمه واخراجه عن حقل الملكية الخاصة. والماركسية، ترى ان الملكية العامة، هي الاصل والمبدأ، ولا يسمح بالملكية الخاصة لأي نوع من أنواع الثروة الطبيعية، والمصادر المنتجة، ما لم توجد ضرورة معينة، تفرض ذلك. فيسمح بالملكية الخاصة عندئذ، في حدود تلك الضرورة، وما دامت قائمة.

والإسلام، يختلف عن كل من المذهبين، في طريقة علاجه للموضوع، فهو ينادي بمبدأ الملكية المزدوجة، أي ذات الأشكال المتنوعة. ويرى ان الملكية العامة، والملكية الخاصة، شكلان أصيلان للملكية، في مستوى واحد، ولكل من الشكلين حقله الخاص.

أفليس هذا الموقف الإسلامي، يعبر عن وجهة نظر اسلامية على مستوى المدلول المذهبي، للموقف الرأسمالي والموقف الاشتراكي؟ فلماذا يكون مبدأ الملكية الخاصة، ركناً من أركان المذهب الرأسمالي، ويكون مبدأ الملكية العامة، ركناً في المذهب الاشتراكي الماركسي، ولا يكون مبدأ الملكية المزدوجة، - أي ذات الشكل العام والخاص -، ركناً في مذهب اقتصادي اسلامي؟

والمثال الثاني: يتعلق بالكسب، القائم على أساس ملكية

١٩٦

مصادر الانتاج. فان الرأسمالية تجيز هذا الكسب. بمختلف ألوانه، فكل من يملك مصدراً من مصادر الانتاج، له أن يؤجره ويحصل على كسب، عن طريق الاجور التي يتقاضاها، بدون عمل. والاشتراكية الماركسية، تحرم كل لون من الوان الكسب القائم على أساس ملكية مصادر الانتاج، لانه كسب بدون عمل.

فالاجرة، التي يتقاضاها صاحب الطاحونة، ممن يستأجر طاحونته، والاجرة التي يتقاضاها الرأسمالي، باسم فائدة ممن يقترض منه، غير مشروعة في الاشتراكية الماركسية، بينما هي مشروعة في الرأسمالية.

والإسلام، يعالج نفس الموضوع، من وجهة نظر ثالثة فيميز بين بعض الوان الكسب، القائم على أساس ملكية مصادر الانتاج، وبعضها الآخر. فيحرم الفائدة مثلاً، ويسمح باجرة الطاحونة.

فالرأسمالية، اذن، تسمح بالفائدة، وباجرة الطاحونة معاً، تجاوباً مع مبدأ الحرية الاقتصادية.

والاشتراكية الماركسية، لا تسمح للرأسمالي، بأخذ الفائدة على القرض، ولا لصاحب الطاحونة، بالحصول على اجور، لأن العمل، هو المبرر الوحيد للكسب، والرأسمالي، حين يقرض

١٩٧

مالاً، وصاحب الطاحونة، حين يؤجر طاحونته، لا يعمل شيئاً.

والإسلام، لا يأذن للرأسمالي، بتقاضي الفائدة، ويسمح لصاحب الطاحونة، بالاكتساب عن ايجارها، وفقاً، لنظريته العامة في التوزيع، التي سوف نشرحها في الاعداد المقبلة بإذن الله تعالى.

مواقف ثلاثة مختلفة، تبعاً لاختلاف وجهات النظر العامة في التوزيع.

فلماذا يوصف الموقف الرأسمالي والماركسي، بالطابع المذهبي ولا يقال ذلك، عن الموقف الإسلامي؟ مع أنه يعبر عن وجهة نظر مذهب اقتصادي ثالث، يختلف عن كل من المذهبين.

١٩٨

الفهرس

كلمة المؤلف ٥

الإنسان المعَاصِر وَقُدرته عَلّى حَل المشكلة الاجتماعيّة ١١

الإنسانية ومعالجتها للمشكلة ١٥

رأي الماركسية ١٦

رأي المفكرين غير الماركسيين ٢٢

الفرق بين التجربة الطبيعية والاجتماعية ٢٣

الدّيمقراطيّة الرأسماليّة ٤١

الاتجاه المادي في الرأسمالية ٤٦

موضع الاخلاق من الرأسمالية ٤٩

مآسي النظام الرأسمالي ٥١

الإشتراكيّة والشيُوعيّة ٦١

الانحراف عن العملية الشيوعية ٦٤

المؤاخذات على الشيوعية ٦٨

الإسلام والمشكلة الاجتماعية ٧٧

كيف تعالج المشكلة ٨٣

رسالة الدين ٩٠

مَوقفُ الإسِلام مِنَ الحُرية وَالضّمان ١٠١

الحرية في الحضارة الرأسمالية ١٠٤

الحرية في المجال الشخصي ١١٢

الحرية في المجال الاجتماعي ١١٩

الضمان في الإسلام والماركسية ١٢٨

ماذا تعرف عن الاقتصاد الإسلامي ١٣٧

تصحيح الخطأ بالتمييز بين المذهب والعلم ١٣٩

١٩٩

مثال على الفرق بين المذهب والعلم ١٤٠

التأكيد على ان الاقتصاد الإسلامي مذهب ١٤٠

هَل يُوجَد في الإسلام اقتِصَاد ١٤٥

مَا هُوَ نوع الاقتصاد الإسلامي ١٥١

المذهب الاقتصادي وعلم الاقتصاد ١٥٣

استخلاص من الأمثلة السابقة ١٦٣

علم الاقتصاد والمذهب كالتاريخ والأخلاق ١٦٤

علم الاقتصاد كسائر العلوم ١٦٦

الفارق في المهمة لا الموضوع ١٦٧

المذهب قد يكون اطاراً للعلم ١٦٨

النتائج المستخلصة ١٧٠

المذهب لا يستعمل الوسائل العلمية ١٧١

الإقتصاد الإسلامي كما نوعظ به ١٧٩

ما هي اكبر العقبات ١٨٠

شمول الشريعة واستيعابها ١٨٢

التطبيق دليل آخر ١٨٦

المذهب يحتاج الى صياغة ١٨٧

اخلاقية الاقتصاد الإسلامي ١٨٩

ماذا ينقص الاقتصاد الإسلامي عن غيره؟ ١٩٥

٢٠٠