المدرسة الاسلامية

المدرسة الاسلامية0%

المدرسة الاسلامية مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 200

المدرسة الاسلامية

مؤلف: السيد محمد باقر الصدر
تصنيف:

الصفحات: 200
المشاهدات: 75209
تحميل: 6081

توضيحات:

المدرسة الاسلامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 200 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75209 / تحميل: 6081
الحجم الحجم الحجم
المدرسة الاسلامية

المدرسة الاسلامية

مؤلف:
العربية

المدرسة الاسلامية

الامام محمد باقر الصدر

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

كلمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل ثلاث سنوات قمنا بمحاولة متواضعة: لدراسة أعمق الأسس التي تقوم عليها الماركسية والإسلام، وكان كتاب فلسفتنا تعبيراً عن هذه المحاولة، ونقطة انطلاق لتفكير متسلسل يحاول أن يدرس الإسلام من القاعدة الى القمة.

وهكذا صدر «فلسفتنا»، وتلاه بعد سنتين تقريباً «اقتصادنا»، ولا يزال الشقيقان الفكريان بانتظار أشقاء آخرين، لتكتمل المجموعة الفكرية التي نأمل تقديمها الى المسلمين.

وقد لاحظنا منذ البدء - بالرغم من الإقبال المنقطع النظير الذي قوبلت به هذه المجموعة، حتى نفد كتاب فلسفتنا خلال عدة أسابيع تقريباً - أقول لاحظنا مدى التفاوت بين الفكر الإسلامي في مستواه العالي، وواقع الفكر الذي نعيشه في بلادنا بوجه عام، حتى صعب على كثير مواكبة ذلك المستوى العالي إلاّ بشيء كثير من الجهد. فكان لا بد من حلقات

٥

متوسطة يتدرج خلالها القارئ الى المستوى الأعلى، ويستعين بها على تفهم ذلك المستوى. وهنا نشأت فكرة: «المدرسة الإسلامية» أي محاولة إعطاء الفكر الإسلامي في مستوى مدرسي، ضمن حلقات متسلسلة تسير في اتجاه موازي للسلسلة الرئيسية: «فلسفتنا، واقتصادنا»، وتشترك معها في حمل الرسالة الفكرية للإسلام وتتفق وإياها في الطريقة والأهداف الرئيسية، وإن اختلفت في الدرجة والمستوى.

وحددنا خلال التفكير في إصدار «المدرسة الإسلامية» خصائص الفكر المدرسي، التي يتكون منها الطابع العام والمزاج الفكري للمدرسة الإسلامية التي نحاول إصدارها.

وتتلخص هذه الخصائص فيما يلي:

١ - ان الغرض المباشر من «المدرسة الإسلامية» الاقناع أكثر من الإبداع، ولهذا فهي قد تستمد موادها الفكرية من «فلسفتنا» و«اقتصادنا» وأشقائهما الفكريين، وتعرضها في مستواها المدرسي الخاص، ولا تلتزم في أفكارها أن تكون معروضة لأول مرة.

٢ - لا تتقيد «المدرسة الإسلامية» بالصيغة البرهانية للفكرة دائماً، فالطابع البرهاني فيها أقل بروزاً منه في أفكار «فلسفتنا» وأشقائها، وفقاً لدرجة السهولة والتبسيط المتوخاة في الحلقات المدرسية.

٦

٣ - تعالج «المدرسة الإسلامية» نطاقاً فكرياً أوسع من المجال الفكري الذي تباشره «فلسفتنا» وأشقاؤها، لأنها لا تقتصر على الجوانب الرئيسية في الهيكل الإسلامي العام، وإنما تتناول أيضاً النواحي الجانبية من التفكير الإسلامي، وتعالج شتى الموضوعات الفلسفية أو الاجتماعية أو التاريخية أو القرآنية التي تؤثر في تنمية الوعي الإسلامي وبناء وتكميل الشخصية الإسلامية، من الناحية الفكرية والروحية.

وقد قدر الله تعالى أن تلتقي فكرة «المدرسة الإسلامية» بفكرة أخرى عن تمهيد فلسفتنا، فتمتزج الفكرتان وتخرجان الى النور في هذا الكتاب.

وكانت الفكرة الأخرى من وحي الإلحاح المتزايد من قرائنا الأعزاء على إعادة طبع كتاب فلسفتنا، وكنت استميحهم فرصة لإنجاز الحلقة الثالثة: «اقتصادنا»، والقيام بمحاولة توسعة وتبسيط البحوث التي عالجناها في «فلسفتنا» قبل أن نستأنف طبعه للمرة الثانية، الأمر الذي يتطلب فراغاً لا أملكه الآن.

وعلى هذا الأساس أخذت رغبة القراء الأعزاء تتجه نحو تمهيد كتاب «فلسفتنا»، بالذات، لأن إعادة طبعه لا تكلف الجهد الذي يتطلبه استئناف طبع الكتاب كله. وكانت الطلبات التي ترد لا تدع مجالاً للشك في ضرورة استجابة الطلب.

٧

وهنا التقت الفكرتان، فلماذا لا يكون تمهيد كتاب فلسفتنا هو الحلقة الأولى من سلسلة المدرسة الإسلامية؟.

وهكذا كان.

ولكنا لم نكتف بطبع التمهيد فحسب، بل ادخلنا عليه بعض التعديلات الضرورية، وأعطينا بعض مفاهيمه شرحاً أوسع، كمفهومه عن غريزة حب الذات، وأضفنا اليه فصلين مهمين: أحدهما: «الإنسان المعاصر وقدرته على حل المشكلة الاجتماعية»، وهو الفصل الاول في الكتاب، يتناول مدى امكانات الإنسانية لوضع النظام الاجتماعي الكفيل بسعادتها وكمالها. والآخر: موقف الإسلام من الحرية والضمان، وهو الفصل الأخير من الكتاب قمنا فيه بدراسة مقارنة لموقف الإسلام والرأسمالية من الحرية، وموقف الإسلام والماركسية من الضمان.

وبهذا تضاعف التمهيد واكتسب إسمه الجديد، «الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية»، بوصفه «الحلقة الأولى» من «المدرسة الإسلامية» والله ولي التوفيق.

محمد باقر الصدر

٨

٩

١٠

الإنسان المعَاصِر وَقُدرته عَلّى حَل المشكلة الاجتماعيّة

بسِم اللهِ الرحمَن الرحّيم

مشكلة الإنسانية اليوم:

إن مشكلة العالم التي تملأ فكر الإنسانية اليوم، وتمس واقعها بالصميم، هي مشكلة النظام الاجتماعي التي تتلخص في إعطاء أصدق إجابة عن السؤال الآتي:

ما هو النظام الذي يصلح للإنسانية وتسعد به في حياتها الاجتماعية؟.

ومن الطبيعي أن تحتل هذه المشكلة مقامها الخطير، وأن تكون في تعقيدها وتنوع ألوان الاجتهاد في حلها مصدراً للخطر على الإنسانية ذاتها. لأن النظام داخل في حساب الحياة الإنسانية، ومؤثر في كيانها الاجتماعي بالصميم.

وهذه المشكلة عميقة الجذور في الأغوار البعيدة من تاريخ البشرية، وقد واجهها الإنسان منذ نشأت في واقعة الحياة

١١

الاجتماعية، وانبثقت الإنسانية الجماعية تتمثل في عدة أفراد تجمعهم علاقات وروابط مشتركة. فان هذه العلاقات في حاجة - بطبيعة الحال - الى توجيه وتنظيم شامل، وعلى مدى انسجام هذا التنظيم مع الواقع الإنساني ومصالحه، يتوقف استقرار المجتمع وسعادته.

وقد دفعت هذه المشكلة بالإنسانية في ميادينها الفكرية والسياسية.. الى خوض جهاد طويل وكفاح حافل بمختلف ألوان الصراع، وبشتى مذاهب العقل البشري، التي ترمي الى إقامة الصرح الإجتماعي وهندسته، ورسم خططه ووضع ركائزه. وكان جهاداً مرهقاً يضج بالمآسي والمظالم، ويزخر بالضحكات والدموع، وتقترن فيه السعادة بالشقاء. كل ذلك لما كان يتمثل في تلك الألوان الاجتماعية من مظاهر الشذوذ والانحراف، عن الوضع الاجتماعي الصحيح. ولولا ومضات شعت في لحظات من تاريخ هذا الكوكب، لكان المجتمع الإنساني يعيش في مأساة مستمرة، وسبح دائم في الأمواج الزاخرة.

ولا نريد أن نستعرض الآن أشواط الجهاد الإنساني في الميدان الاجتماعي، لأننا لا نقصد بهذه الدراسة أن نؤرخ للإنسانية المعذبة، وأجوائها التي تقلبت فيها منذ الآماد

١٢

البعيدة، وإنما نريد أن نواكب الإنسانية في واقعها الحاضر وفي أشواطها التي انتهت اليها، لنعرف الغاية التي يجب أن ينتهي اليها الشوط، والساحل الطبيعي الذي لا بد للسفينة أن تشق طريقها اليه وترسو عنده، لتصل الى السلام والخير وتؤوب الى حياة مستقرة، يعمرها العدل والسعادة.. بعد جهد وعناء طويلين وبعد تطواف عريض في شتى النواحي ومختلف الاتجاهات.

والواقع إن إحساس الإنسان المعاصر بالمشكلة الاجتماعية أشد من إحساسه بها في أي وقت مضى من أدوار التاريخ القديم. فهو الآن أكثر وعياً لموقفه من المشكلة وأقوى تحسساً بتعقيداتها، لأن الإنسان الحديث أصبح يعي أن المشلكة من صنعه. وأن النظام الاجتماعي لا يفرض عليه من أعلى بالشكل الذي تفرض عليه القوانين الطبيعية، التي تتحكم في علاقات الإنسان بالطبيعة. على العكس من الإنسان القديم الذي كان ينظر في كثير من الأحايين الى النظام الاجتماعي وكأنه قانون طبيعي، لا يملك في مقابله اختياراً ولا قدرة. فكما لا يستطيع أن يطور من قانون جاذبية الأرض، كذلك لا يستطيع أن يغير العلاقات الاجتماعية القائمة. ومن الطبيعي أن الإنسان حين بدأ يؤمن بأن هذه العلاقات مظهر من مظاهر السلوك، التي يختارها الإنسان نفسه، ولا يفقد إرادته في

١٣

مجالها.. أصبحت المشكلة الاجتماعية تعكس فيه - في الإنسان الذي يعيشها فكرياً - مرارة ثورية بدلاً من مرارة الإستسلام.

والإنسان الحديث من ناحية أخرى أخذ يعاصر تطوراً هائلاً في سيطرة الإنسانية على الطبيعة لم يسبق له نظير. وهذه السيطرة المتنامية بشكل مرعب وبقفزات العمالقة، تزيد في المشكلة الاجتماعية تعقيداً وتضاعف من أخطارها، لانها تفتح بين يدي الإنسان مجالات جديدة وهائلة للاستغلال، وتضاعف من أهمية النظام الاجتماعي، الذي يتوقف عليه تحديد نصيب كل فرد من تلك المكاسب الهائلة، التي تقدمها الطبيعة اليوم بسخاء للإنسان.

وهو بعد هذا يملك من تجارب سلفه - على مر الزمن - خبرة أوسع وأكثر شمولاً وعمقاً من الخبرات الاجتماعية، التي كان الإنسان القديم يمتلكها ويدرس المشكلة الاجتماعية في ضوئها. ومن الطبيعي أن يكون لهذه الخبرة الجديدة أثرها الكبير في تعقيد المشكلة، وتنوع الآراء في حلها والجواب عليها.

١٤

الإنسانية ومعالجتها للمشكلة

نريد الآن - وقد عرفنا المشكلة، أو السؤال الأساسي الذي واجهته الإنسانية منذ مارست وجودها الاجتماعي الواعي، وتفننت في المحاولات التي قدمتها للجواب عليه عبر تاريخها المديد - نريد وقد عرفنا ذلك.. أن نلقي نظرة عى ما تملكه الإنسانية اليوم، وفي كل زمان، من الامكانات والشروط الضرورية لإعطاء الجواب الصحيح على ذلك السؤال الأساسي السالف الذكر: ما هو النظام الذي يصلح للإنسانية وتسعد به في حياتها الاجتماعية.

فهل في مقدور الإنسانية أن تقدم هذا الجواب؟.

وما هو القدر الذي يتوفر - في تركيبها الفكري والروحي - من الشروط اللازمة للنجاح في ذلك؟.

وما هي نوعية الضمانات التي تكفل للإنسانية نجاحها في الامتحان، وتوفيقها في الجواب الذي تعطيه على السؤال، وفي الطريقة التي تختارها لحل المشكلة الاجتماعية، والتوصل الى النظام الأصلح الكفيل بسعادة الإنسانية وتصعيدها الى أرفع المستويات؟.

وبتعبير أكثر وضوحاً: كيف تستطيع الإنسانية المعاصرة

١٥

أن تدرك مثلاً: ان النظام الدمقراطي الرأسمالي، او دكتاتورية البروليتاريا الاشتراكية أو غيرهما.. هو النظام الأصلح وإذا أدركت هذا او ذاك، فما هي الضمانات التي تضمن لها أنها على حق وصواب في إدراكها؟

ولو ضمنت هذا أيضاً، فهل يكفي إدراك النظام الأصلح ومعرفة الإنسان به لتطبيقه وحل المشكلة الاجتماعية على أساسه، أو يتوقف تطبيق النظام على عوامل اخرى قد لا تتوفر بالرغم من معرفة صلاحه وجدارته؟.

وترتبط هذه النقاط التي أثرناها الآن الى حد كبير بالمفهوم العام عن المجتمع والكون، ولذلك تختلف طريقة معالجتها من قبل الباحثين، تبعاً لاختلاف مفاهيمهم العامة عن ذلك ولنبداً بالماركسية.

رأي الماركسية

ترى الماركسية أن الإنسان يتكيف روحياً وفكرياً وفقاً لطريقة الانتاج، ونوعية القوى المنتجة. فهو بصورة مستقلة عنها لا يمكنه أن يفكر تفكيراً اجتماعياً، أو أن يعرف ما هو النظام الأصلح؟. وإنما القوى المنتجة هي التي تملي عليه هذه المعرفة، وتتيح له الجواب على السؤال الأساسي الذي طرحناه

١٦

في فاتحة الحديث، وهو بدوره يردد صداها بدقة وأمانة. فالطاحونة الهوائية مثلاً، تبعث في الإنسانية الشعور بأن النظام الاقطاعي هو النظام الأصلح، والطاحونة البخارية التي خلفتها تلقن الإنسان: أن النظام الرأسمالي هو الأجدر بالتطبيق ووسائل الانتاج الكهربائية والذرية اليوم، تعطي المجتمع مضموناً فكرياً جديداً يؤمن بأن الأصلح هو النظام الاشتراكي.

فقدرة الإنسانية على ادراك النظام الأصلح، هي تماماً قدرتها على ترجمة المدلول الاجتماعي للقوى المنتجة وترديد صداها.

واما الضمانات التي تكفل للإنسانية صوابها وصحة ادراكها ونجاحها في تصورها للنظام الأصلح.. فهي تتمثل في حركة التاريخ السائرة الى الامام دوماً. فما دام التاريخ في رأي الماركسية يتسلق الهرم، ويزحف بصورة تصاعدية دائماً، فلابد أن يكون الإدراك الاجتماعي الجديد للنظام الأصلح هو الادراك الصحيح. واما الادراك التقليدي القديم فهو خاطئ، ما دام قد تكوّن ادراك اجتماعي أحدث منه. فالذي يضمن للإنسان السوفياتي اليوم صحة رأيه الاجتماعي، هو ان هذا الرأي يمثل الجانب الجديد من الوعي الاجتماعي، ويعبر عن مرحلة جديدة من التاريخ، فيجب أن يكون صحيحاً دون غيره من الآراء القديمة.

صحيح ان بعض الأفكار الاجتماعية قد تبدو جديدة

١٧

- بالرغم من زيفها - كالفكر النازي في النصف الأول من هذا القرن، حيث بدا وكأنه تعبير عن تطور تاريخي جديد. ولكن سرعان ما تنكشف أمثال هذه الأفكار المقنعة، ويظهر خلال التجربة انها ليست إلا رجعاً للأفكار القديمة، وتعبيراً عن مراحل تاريخية بالية، وليست أفكاراً جديدة بمعنى الكلمة.

وهكذا تؤكد الماركسية: على ان جدة الفكر الاجتماعي (بمعنى انبثاقه عن ظروف تاريخية جديدة التكون) هي الكفيلة بصحته ما دام التاريخ في تجدد ارتقائي.

وهناك شيء آخر وهو: ادراك الإنسانية اليوم مثلاً للنظام الاشتراكي - بوصفه النظام الأصلح -، لا يكفي في رأي الماركسية لإمكان تطبيقه، مالم تخض الطبقة التي تنتفع بهذا النظام اكثر من سواها - وهي الطبقة العاملة في مثالنا - صراعاً طبقياً عنيفاً، ضد الطبقة التي من مصلحتها الاحتفاظ بالنظام السابق. وهذا الصراع الطبقي المسعور يتفاعل مع ادراك النظام الأصلح، فيشتد الصراع كلما نمى هذا الإدراك وازداد وضوحاً، وهو بدوره يعمّق الادراك وينميه كلما اشتد واستفحل.

***

١٨

ووجهة النظر الماركسية هذه تقوم على أساس مفاهيم المادية التاريخية، التي نقدناها في دراستنا الموسعة للماركسية الاقتصادية(١) .

وما نضيفه الآن تعلية على ذلك هو: ان التاريخ نفسه يبرهن على ان الأفكار الاجتماعية بشأن تحديد نوعية النظام الأصلح.. ليست من خلق القوى المنتجة، بل للإنسان اصالته وابداعه في هذا المجال، بصورة مستقلة عن وسائل الانتاج وإلاّ فكيف تفسر لنا الماركسية ظهور فكرة التأميم، والاشتراكية وملكية الدولة في فترات زمنية متباعدة من التاريخ؟!. فلو كان الايمان بفكرة التأميم - بوصفه النظام الأصلح كما يؤمن الإنسان السوفياتي اليوم - نتيجة لنوعية القوى المنتجة السائدة اليوم فما معنى ظهور الفكرة نفسها في أزمنة سحيقة لم تكن تملك من هذه القوى المنتجة شيئاً.

أفلم يكن افلاطون يؤمن بالشيوعية ويتصور مدينته الفاضلة على أساس شيوعي؟!، فهل كان ادراكه هذا من معطيات الوسائل الحديثة في الانتاج التي لم يكن الاغريق يملك منها شيئاً؟!.

ماذا أقول؟!، بل ان الأفكار الاشتراكية بلغت قبل الفين

____________________

(١) راجع اقتصادنا ص ٣ - ١٩٦.

١٩

من السنين، من النضج والعمق في ذهنية بعض كبار المفكرين السياسيين: درجة أتاحت لها مجالاً للتطبيق كما يطبقها الإنسان السوفياتي اليوم، مع بعض الفروق. فهذا (وو - دي) أعظم الأباطرة الذين حكموا الصين من أسرة (هان)، كان يؤمن في ضوء خبرته وتجاربه بالاشتراكية، باعتبارها النظام الأصلح. فقام بتطبيقها عام (١٤٠ - ١٨٧ ق م): فجعل موارد الثروة الطبيعية ملكاً للأمة، وأمم صناعات استخراج الملح والحديد وعصر الخمر. وأراد أن يقضي على سلطان الوسطاء والمضاربين في جهاز التجارة: فأنشأ نظاماً خاصاً للنقل والتبادل تشرف عليه الدولة، وسعى بذلك للسيطرة على التجارة، حتى يستطيع منع تقلب الأسعار الفجائي. فكان عمال الدولة هم الذين يتولون شؤون نقل البضائع وتوصيلها إلى أصحابها في جميع أنحاء البلاد، وكانت الدولة نفسها تخزن ما زاد من السلع على حاجة الأهلين، وتبيعها إذا أخذت أثمانها في الإرتفاع فوق ما يجب، كما تشتريها إذا انخفضت الأسعار. وشرع يقيم المنشآت العامة العظيمة، ليوجد بذلك عملاً لملايين الناس الذين عجزت الصناعات الخاصة عن استيعابهم.

وكذلك اعتلى العرش في بداية التاريخ المسيحي (وانج مانج) فتحمس بايمان لفكرة الغاء الرق، والقضاء على العبودية ونظام الاقطاع، كما آمن الأوروبيون في بداية العصر الرأسمالي..

٢٠