أعلام الدين في صفات المؤمنين

أعلام الدين في صفات المؤمنين0%

أعلام الدين في صفات المؤمنين مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: كتب متنوعة
ISBN: 4-5503-75-2
الصفحات: 531

أعلام الدين في صفات المؤمنين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ الجليل الحسن بن ابي الحسن الديلمي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 4-5503-75-2
الصفحات: 531
المشاهدات: 124370
تحميل: 10000

توضيحات:

أعلام الدين في صفات المؤمنين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 531 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124370 / تحميل: 10000
الحجم الحجم الحجم
أعلام الدين في صفات المؤمنين

أعلام الدين في صفات المؤمنين

مؤلف:
ISBN: 4-5503-75-2
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وفيه ص 127 ، قال المصنف :

صبرتُ ولم اطلِعْ هواي على صبري

وأخفيتُ ما بي منك عن موضعِ الصبر

مخافة أن يشكوا ضميري صبابتي

إلى دمعتي سرّاً فيجري ولا أدريَ

 مؤلفاته :

1 ـ إرشاد القلوب إلى الصواب المنجي من عمل به من أليم العقاب :

وهو من أشهر مؤلفاته ، ويعرف بإرشاد الديلمي ، نقل عنه العلاّمة المجلسي في كتابه الكبير بحارالأنوار ، وقال عنه : « وكتاب إرشاد القلوب كتاب لطيف مشتمل على أخبار متينة غريبة »(1) .

واعتمده الشيخ الحرّ في موسوعته وسائل الشيعة ، وعنونه في الفائدة الرابعة من خاتمة الكتاب بعد أن قال : « الفائدة الرابعة : في ذكر الكتب التي نقلت منها أحاديث هذا الكتاب ، وشهد بصحتها مؤلّفوها وغيرهم ، وقامت القرائن على ثبوتها ، وتواترت عن مؤلفيها أو علمت صحة نسبتها إليهم وقامت بحيثٌ لم يبق فيها شكّ ولا ريب ، كوجودها بخطوط أكابر العلماء ، وتكرّر ذكرها في مصنّفاتهم ، وشهادتهم بنسبتها ، وموافقة مضامينها لروايات الكتب المتواترة ، أو نقلها بخبر واحد محفوف بالقرينة ، وغير ذلك وهي(2) : كتاب الارشاد للديلمي الحسن بن محمد »(3) .

وقال عنه الشيخ آقا بزرك الطهراني : « وهو كتاب جليل قرظه السيدعلي صدر الدين المدني المتوفى سنة 1120 برباعيتين ، إحداهما :

إذا ضلّت قلوب عن هداها

فلم تدرِالعقابَ من الثوابِ

فأرشِدْها جزاك اللّهُ خيرأ

بإرشاد القلوبِ إلى الصوابِ

__________________

(1) بحار الأنوار 1 : 33.

(2) وسائل الشيعة 20 : 43.

(3) وسائل الشيعة 20 : 36.

٢١

وثانيتهما :

هذا كتابٌ في معانيه حسَنْ

للديلمي أبي محمدٍ الحَسَنْ

أشهى إن المضنى العليلِ من الشفا

وألذّ للعينين من غمضِ الوسن(1)

وذكره إسماعيل باشا في إيضاح المكنون قائلاً : « إرشاد القلوب إلى الصواب المنجي مَن عمل به من أليم العقاب ، للشيخ أبي محمد الحسن بن أبي الحسن بن محمد الديلمي ، الواعظ الشيعي »(2) .

وقال السيد الخوانساري في الروضات : « وله كتب ومصنّفات منها كتاب إرشاد ألقلوب ، في مجلّدين ، رأيت منه نسخاً كثيرة ، وينقل عنه صاحب الوسائل والبحار كثيراً ، معتمدين عليه »(3) .

يقع الكتاب في مجلدين ، المجلد الأول في المواعظ والنصائح ونحوها ، والمجلّد الثاني في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام .

قال الشيخ الحر بعد الثناء على المؤلف : « له كتاب إرشاد القلوب مجلدان »(4) .

وقد شكّك صاحب الرياض في نسبة المجلّد الثاني من الكتاب للديلمي وقال : « وبالجملة المجلّد الثاني من كتاب إرشاده كثيراً ما يشتبه الحال فيه ، بل لا يعلم الأكثر أنه المجلد الثاني من ذلك الكتاب »(5) .

وقال السيد الخوانساري : « إلاّ أنّ في كون المجلد الثاني منه المخصوص بأخبار المناقب تصنيفا له أو جزءاً من الكتاب نظراً بيّناً ، حيث ان وضعه كما أستفيد لنا من خطبته على خمس وخمسين باباً كما في الحكم والمواعظ ، فبتمام المجلّد الأول تتصرّم عدّة الأبواب ، مضافاً إلى أنّ في الثاني توجد نقل أبيات في المناقب

__________________

(1) الذريعة 1 : 517 / 2527.

(2) إيضاح المكنون 3 : 62.

(3) روضات الجنات 2 : 291.

(4) أمل الامل 2 : 77 / 211.

(5) رياض العلماء 1 : 340.

٢٢

عن الحافظ رجب البرسي مع أنّه من علماء المائة التاسعة »(1) .

وقال السيد الأمين بعد ذكره قول الميرزا الأفنديَ والسيد الخوانساري : « يرشد إليه ما ستعرف من أسمه الدالّ على أنه في المواعظ خاصة »(2) .

نقول : أمّا ما ذهب إليه السيد الخوانساريقدس‌سره من أنّه استفاد من خطبة الكتاب أنّه صنف على خمس وخمسين باباً كلّها في الحكم والمواعظ ، وأنّ عدة الأبواب تتصرٌم بتمام المجلد الأول ـ يندفع إذا عرفنا أنّ عدة إلأبواب قبل الجزء الثاني أربعة وخمسين باباً ـ على ما في النسخة المطبوعة من الكتاب ـ وأنّ الجزء الثاني بمثابة الباب الخامس والخمسين من الكتاب ، وفي نهاية الجزء الأول من الكتاب ما لفظه : « تمّ الجزء الأول من كتاب إرشاد القلوب ...

ويليله الجزء الثاني الباب الخامس والخمسون والأخير ، وفيه فضائل الإمام عليعليه‌السلام ومناقبه وغزواته »(3) .

وأما قولهقدس‌سره « كلّها في الحكم والمواعظ » فلم نجد في خطبة الكتاب ما يدل على هذه « الكلية ».

وأمّاما في الأعيان من الاسترشاد باسم الكتاب على أنّه في المواعظ خاصة ، مندفع أيضاً ، اذ أنّ اسم الكتاب هو « إرشاد القلوب إلى الصواب المنجي مَن عمل به من أليم العقاب » لا يوحي كونه من المواعظ خاصة ، وأنّ ما في الجزءالثاني من الكتاب يندرج تحت هذا العنوان ، لأن التذكير بفضائل أميرالمؤمنينعليه‌السلام من فواضل الأمور ، أليس هو المحجة البيضاء والصراط المستقيم؟!أليس حبّه جُنّه من النار وأمانآَ من العذاب؟! وهل نجاة ترجى بدون التمسك بولايتهعليه‌السلام ؟!

نعم ، هناك بعض الإشكالات التي يمكن الاعتماد عليها في التشكيك في نسبة الكتاب للديلمي منها :

__________________

(1) روضات الجنات 2 : 291.

(2) أعيان الشيعة 5 : 250.

(3) إرشاد القلوب : 260.

٢٣

1 ـ ذكر في ص 298 من الجزء الثاني حديثاً مرفوعاً إلى الشيخ المفيد إلى سليم بن قيس الهلالي ، وقال بعده :

« وذكره المجلسيرحمه‌الله في المجلّد التاسع من كتاب بحار الأنوار والسيد البحراني في كتاب مدينة المعاجز بتغيير ما ، فمن أراده فليراجعهما ».

وهذا النص صريح في أنّ مصنّف الكتاب هو من علماء القرن الحادي عشر الهجري ـ على أقل تقدير ـ إذا لم يكن من علماء القرن الثاني عشر ، باعتبار وفاة العلامة المجلسي سنة. 1110هـ.

نعم ، قد يقال : إنّ هذه العبارة مقحمة سهواً من قبل ناشر النسخة المطبوعة للكتاب من هوامش النسخة الخطوطة ، أَو ما شابه ذلك ، باعتبار إقرار الشيخ الحر المتوفى سنة 1104 هـ في أمل الامل بكون الكتاب مجلّدين.

2 ـ لا يوجد في الجزء الثاني من الكتاب ما يدلّ على كونه للديلمي ، مع العلم أنّ الجزء الأول من الكتاب يحتوي على عدّة عبارات تؤكّد نسبة الكتاب للمصنّف ، مثل عبارة « يقول العبد الفقير إلى رحمة اللّه ورضوانه الحسن بن محمد الديلمي تغمده الله برحمته » وغيرها ، وخلوّ الجزء الثاني منها ، يعتبر تبايناً واضحاً في الشكل العام للكتاب.

ومن مظاهر الاهتمام بالكتاب ، تلخيصه من قبل الشيخ شرف الدين البحراني. قال الشيخ الطهراني : « تلخيص إرشاد القلوب تأليف الديلمي ، للشيخ شرف الدين يحيى بن عزالدين حسين بن عشيرة بن ناصر البحراني نزيل يزد ، ونائب أستاذه المحقق الكركي كما حُكي عن الرياض »(1) .

أنظر « أمل الآمل 1 : 338 ، بحار الأنوار1 : 16 ، 33 ، رياض العلماء 1 : 339 ، روضات الجنات 2 : 291 ، هدية العارفين 5 : 287 ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1 : 517 / 2527 ، الحقائق الراهنة : 38 إيضاح المكنون 3 : 62 ، الكنى والألقاب 2 : 213 ، هدية الأحباب : 137 ، أعيان الشيعة 5 : 251 ».

__________________

(1) الذريعة 4 : 419 / 1849.

٢٤

2 ـ الأربعون حديثاً : ذكره الشيخ أقا بزرك الطهراني في الذريعة ، قال : « قال الفاضل المعاصر الشيخ علي أكبر البجنوردي : إنّه كانت عندي نسخة منه وتلفت ، وكان أوّل أحاديثه حديث جنود العقل والجهل ، وثالثها حديث الغدير »(1) .

3 ـ غرر الأخبار ودرر الآثار في مناقب الأطهار : ذكره الشيخ اقا بزرك الطهراني في الذريعة وقال : « ينقل عنه المجلسي في أول البحار ، وأيضاً ينقل عن الغرر المولى محمد حسين الكوهرودي المعاصر المتوفّى بالكاظمية في 1314 هـ في تأليفاته كثيراً ، منها حديث الكساء بالترتيب الموجود في منتخب الطريحي باختلاف يسير جدّاً ، بأسانيد عديدة.

أقول : رأيت عند السيد اقا بزرك التستري نسخة من الغرر مخرومة ، وفي عدة مواضع من أواسطه : يقول العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى ورضوانه الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي ـ إلى قوله ـ وفي كتاب العيون والمحاسن للشيخ المفيد ....

وقال بعد ذكر ما جرى من بني أميّة ثمّ بني العباس على المسلمين ، بتأثير اختلاف ملوك المسلمين شرقا وغربا في ضعف الاسلام وتقوية الكفار ـ إلى قوله ـ فالكفار اليوم دون المائة سنة قد أباحوا المسلمين قتلاً ونهباً فيظهرمنه أنّه (ألّفه) بعد مائة سنة من انقراض بني العباس في 656 هـ »(2) .

وعقب السيد محسن الأمين بعد ذكره كلام الشيخ الطهراني قائلاً : « واستفاد من ذلك أنّ تأليف غرر الأخبار كان بعد انقراض دولة بني العباس بما يقرب من مائة سنة ، فيكون في أواسط المائة الثامنة ، وسواء أدلّ كلامه على ذلك أو لم يدلّ ، فهو يدل على أنّ تأليفه كان بعد انقراض دولة بني العباس ، ويكون بعد أواسط المائة السابعة »(3) .

وقال الشيخ الطهراني : « وينقل في الغررأيضاً عن كتاب « نزهة

__________________

(1) الذريعة 1 : 414 / 3144 ، أعيان الشيعة 5 : 251.

(2) الذريعة 16 : 36 / 156.

(3) روضات الجنات 5 : 250.

٢٥

السامع » الملقب بـ (المحبوبي) جملة من مطاعن معاوية وفضائحه ، وينقل فيه أيضاً عن كتاب « السقيفة » رواية أبي صالح السليل أحمد بن عيسى ، وفي بعض مواضعه عن صاحب كتاب « السقيفه » أبو صالح السليل.

وذكره الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب قائلاً : « وله كتاب غرر الأخبار ودرر الآثار قيل : إنّ حديث الكساء المشهور الذي يعد من متفردات منتخب الطريحي موجود في غرر هذا الشيخ »(1) .

وعنونه السيد محسن الأمين في جملة مؤلفات الديلمي قائلاً : « غرر الأخبار ودرر الآثار في مناقب الأطهار ، وحديث الكساء المشهور المذكور في منتخب الطريحي مذكور فيه ، وقيل : إنّه يظهر منه أنّه ألّفه في أواسط المائة الثامنة »(2) .

والكتاب لا يزال مخطوطاً ، توجد نسخة منه في مكتبة جامعة طهران.

اُنظر « رياض العلماء 1 : 339 ، بحارالأنوار 1 : 16 ، 33 ، الذريعة 16 : 36 / 156 ، الحقائق الراهنة : 38 ، روضات الجنات 2 : 292 ، أعيان الشيعة 5 : 251 ، الكنى والألقاب 2 : 213 ، هدية الأحباب : 137 ، هدية العارفين5 : 287 ».

4 ـ أعلام الدين في صفات المؤمنين : وهو الكتاب الذي بين يديك ويعتبر من الكتب المهمة للديلمي ، نقل فيه تمام كتاب « البرهان على ثبوت الايمان » لأبي الصلاح الحلبي ، ويحتوي الكتاب على مواعظ أخلاقيّة ونوادر أدبيّة ، اعتمده جمعمن أصحاب الموسوعات الروائية كالعلاّمة المجلسي في كتابه الجليل « بحارالأنوار » ، وخاتمة المحدّثين الشيخ النوري في « مستدرك الوسائل » حيث نقل عنه بتوسط كتاب « بحارالأنوار » لعدم توفر نسخة الكتاب لديه.

قال الشيخ النوري : « وأمّا ما نقلنا عنه بتوسّط كتاب « بحارالأنوار » فهو كتاب أعلام الدين في صفات المؤمنين للشيخ العارف أبي محمد الحسن

__________________

(1) الكنى والألقاب 2 : 213.

(2) أعيان الشيعة 5 : 252.

٢٦

ابن محمد الديلمي »(1) .

وعنونه الشيخ اقا بزرك الطهراني في الذريعة ، وقال : « والأعلام هذا من مآخذ بحارالأنوار ، كما ذكره العلاّمة المجلسي ، وينقل عنه فيه ، وكذا ينقل عنه الأمير محمد أشرف في فضائل السادات المطبوع »(2) .

وذكره إسماعيل باشا في إيضاح المكنون قائلاَ : « أعلام الدين في صفات المؤمنين للحسن بن محمد الواعظ الشيعي »(3) .

اُنظر » رياض العلماء 1 : 339 ، بحار الأنوار 1 : 16 ، 33 ، أعيان الشيعة 5 : 251 ، روضات ، الجنات 2 : 292 ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2 : 238 / 949 ، الحقائق الراهنة : 38 ، هدية العارفين 5 : 287 ، إيضاح المكنون3 : 102 ، الكنى والألقاب 2 : 213 ، مستدرك الوسائل 3 : 291 ».

منهج التأليف :

تُشكّل صفة الوعظ والإرشاد وألنصيحة ميزة أساسية لمنهجية الديلمي في صياغة مصنّفاته ، وتتجلّى بوضوح من خلال نظرة سريعة في كتابيه : « إرشادألقلوب » و « أعلام الدين » ، حتى أنّها تُمثّل في قاموس ما يعتقده سببآَ لتأليف كتبه ، وعلّة لتحرير مصنّفاته ، كما صرّح ـ رضوان اللّه عليه ـ في مقدمة كتابه « أعلام الدين » قائلاً في سبب تأليفه : « ليكون لي تذكرة وعدة ، ولمن يقف عليه بعدي تبصرة وعبرة ».

ولتسليط الضوء على هذا الجانب المهم من ثقافة المؤلف ـ رضوان الله عليه ـ نرى لزاماً علينا أن نتحدث عن كتابه « أعلام الدين في صفات ألمؤمنين » وما استنتجناه في مسيرة تحقيقه من ملاحظات وحقائق ، قد تمثل بمجموعها خطوطآَ عريضة وثابتة لمنهج المؤلف ، لا في كتابه المذكورفحسب ، بل يتعداه إلى

__________________

(1) مستدرك الوسائل 3 : 291.

(2) الذريعة 2 : 239.

(3) 1ايضاح المكنون 3 : 152.

٢٧

بقية مصنفاته.

يقولَ الديلمي في مقدمة كتابه « أعلام الدين » : « فأوّل ما أبدأ به ذكرالمعارف بالله تعالى وبرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحججه من بعده ، وما يجوزعليه وعليهم وما لا يجوز ، ثمّ أثنّي بذكر فضل العالم والعلوم ، وما يتبع ذلك من العلوم الدينيّة والآداب الدنيائية ، ولمْ ألتزم ذكرسندها لشهرتها عند العلماء في كتبها ألمصنفةّ المرويّة عن مشايخنا ـ رحمهم الله تعالى ـ وأحلت في ذلك على كتبهم وأسانيدهم ، إلاٌ ما شذٌ عنٌي من ذلك فلمْ أذكر إلا فصّ القول.

وسمّيت هذا الكتاب كتاب (أعلام الدين في صفات المؤمنين وكنز علوم العارفين) فحقّ على من وقف عليه ، واستفاد به ، أن يدعو لمصنّفه ، ويترحّم عليه ، ويدع الهوى والميل في إعابة شيء منه ، فإنّه يشتمل على ترك الدنيا والرغبة في الآخرة ، حسب ما يأتي ذكره وتفصيله ».

ومن هذا ألنصّ نستنتج اُموراً عِدّة ، من أهمّها أنّ المؤلّف لم يلتزم بذكر أسانيد الروايات والأحاديث التي نقلها في كتابه مكتفياً بالإحالة إلى مصادرالروايات ، ومن هذا المنطلق نستعرض عدّة نقاط ترتبط ارتباطاً وثيقآَ بما ذكره المؤلّف ، من خلال دراسة استقرائية لفصول الكتاب ، وهي :

1 ـ إنّ المؤلّف دمج بين بعض خطب الامام علي بن أبي طالبعليها‌السلام ، حتّى ظهر النصّ وكأنّه خطبة واحدة ، وبعد الرجوع إلى « نهج البلاغة » تمكنّا من تقطيع النص مع الإشارة إلى ذلك في هامش الكتاب ، راجع ص 63 و 65.

2 ـ نقل المؤلّف بعض الأحاديث تتصدّرها عبارة « وبهذا الإسناد » وهي عين العبارة الموجودة في مصدر الرواية ، كـ « ثواب الأعمال » مثلاً إلاّ أنّ نقل الحديث من مصدره بضميمة هذه العبارة من دون ألإشارة يورث وهماً سندياً ، وهوأن مرجع العبارة هو الحديث السابق في نفس كتاب أعلام الدين كما لا يخفى ، فضطررنا للإشارة للسند ألمقصود في هامش الكتاب ، راجع ص 110 و 114.

3 ـ نقل المؤلف مقاطع مطوّلة من الأحاديث والأقوال والنوادر والأشعار

٢٨

من كتب معيّنة بصورة متسلسلة ، كماحصل في ص 189 لي ـ مايليها حيث نقل عن مجموعة ورأم وأمالي الطوسي والكافي ، حتى أنّه نقل فصولاً كاملة عن كتاب كنز الفوائد للكراجكي كما في ص 157 إلى ص 186.

4 ـ أورد المصنف كتاب « البرهان على ثبوت الإيمان » لأبي الصلاح الحلبي بتمامه ، ولم نعثر على أيّ نسخة للكتاب إلاّ ما نقله الديلمي في أعلام الدين ، ممّا يعطي كتابنا هذا أهمّية خاصة لا تخفى على ذي بصيرة.

كما أورد المصنّف أيضاً « الأربعون الودعانية » بكاملها ، وهي أربعون حديثاً رواها ابن ودعان الموصلي ، راجع ص 331.

5 ـ ذكر المصنف كلاماً بمقدارعِدة صفحات ، بعد قوله : « يقول العبد الفقير جامع هذا الكتاب » وبعد التتبّع وجدنا مجمل هذه النصوص بعينها تارة ، وباختلاف يسير تارة أخرى ، في كتاب « تنبيه الخواطر » للشيخ ورّام المتوفى سنة 605 هـ ، راجع ص 240 ـ 344 ، وص 253 وقد أشرنا في هامش الصفحات المذكورة إلى هذا الأمر فتأمل!

6 ـ نقل المؤلّف نصوصاً روائية كثيرة عن كتاب « ثواب الاعمال » وكتاب « المؤمن » ، إلاّ أن الغريب في المقام أنّ المؤلف لفّق بين حديثين أو ثلاثة أو أكثر ، حتى ظهرت بصورة حديث واحد براوِ واحد ، ممّا أدى إلى أختلاط الأسانيد والروايات ، وقد أشرنا للاختلاف ، ولَتخريج كلّ حديث في هامش الكتاب ، راجع ص 356 وما بعدها وص 432 وما بعدها.

منهجية التحقيق :

اعتمدنا في تحقيق الكتاب على النسخة المحفوظة في مكتبة الإمام الرضاعليه‌السلام في مشهد المقدسة برقم 381 ، وهي النسخة الوحيدة التي استطعنا العثور عليها ، مع العلم أنّ هناك نسخة اُخرى منه في مكتبة آية اللّه ألحكيم العامة في النجف الأشرف ، كما في فهرسها المطبوع ج 1 ص 64 ، لم يتيسر لنا الحصول عليها لأنّها سجينة الإرهاب الطائفي والكبت الفكري في أرض المقدسات.

٢٩

وصف النسخة :

تقع النسخة في 146 ورقة ، بطول 24 وعرض 17 سم ، مختلفة عدد الأسطر ، تبدو عليها آثار القدم ، ويغلب على الظنّ أنها كتبت في حياة المؤلّف ، كما يظهر من الورقة الأولى حيث ورد ما لفظه : « كتاب أعلام الدين في صفات المؤمنين وكنز علوم ألعارفين تصنيف الشيخ الأوحد العالم العامل العارف الزاهد العابد الورع الفقيه أمين الدين تاج الاسلام أبي محمد الحسن بن أبي الحسن بن محمد الديلمي رفع اللّه في الدارين قدره وأطال في التأييد عمره ، وختم بالصالحات أمره ، وحشره مع مواليه المصطفين الأخيار محمد وآله الأخيار الأبرار » ولا يخفى أنّعبارة « وأطال في التأييد عمره تدلّ على أنّ النسخة كتبت في حياة المؤلّف ».

وجاء فيها ـ أيضاً ـ أنّها وقف الشيخ بهاء الدين عليه الرحمة.

وفي نفس الورقة وردت عدة تملّكات بالعربية والفارسية عَدتْ عليها يد المجلّد : منها تملّك ( هلال الكركي عامله الخفيّ بمحمد وعلي وا الأطَهار في شهر القعدة الحرام من سنة وستين وتسعمائة) وتحتها ختم المالك.

ووردت عِدّة أختام لمْ تتّضح لنا قراءتها في النسخة المصورة التي بأيدينا.

وفي الورقة الأخيرة من الكتاب ورد تأريخ الفراغ منه ولم يتّضح لنا الخط كاملاً في المصورة ، لكنْ ذكرمفهرس المكتبة :

« نصره (كذا) من أوله إلى اخره أضعف عباد اللّه وأحوجهم محمد بن عبد الحسين (أو عبدالحبيب) ابن موحد (أو أبومنصور) المؤذن بالحرم الشريف الغروي (تلفت عند التجليد) وذلك من سنة 3 كـ وسبعمائه ».

قال مفهرس النسخة : والظاهر أنّ قصده من هذا التاريخ 723 ويحتمل763(1) .

__________________

(1) فهرس مكتبة الامام الرضاعليه‌السلام : الجزء الخامس ص 381 / 26.

٣٠

وقد ورد في الورقة ألأخيرة أيضاً أبيات كل من الشعر ، هي :

يقولون لي أصدقاءُ الصفا

لم لا تشفى من الحاسدين

فقلت ذروني على غصّتي

وأملي لهم إن كيدي متين

 وفيها أيضاً : « لمحرره :

إليكم معشر الأصحاب نُصحي

ألا لا تنظروا نظر التلهى

إلى الخود الحسان الناعمات

فقد أنذرتكم ناراً تلظّى

 حرّره ناظمه أقل الخليقة ـ بل لا شيء في الحقيقة ـ أبوالحسن بن محمد الرضوي في يوم الفطر من شهور سنة 1028 هـ في المشهد المقدّس الرضوي ».

واشتركت عدّة لجان في تحقيق الكتاب موزّعة حسب الاختصاصات وهي :

1 ـ لجنة المقابلة : ومهمّتها مقابلة النسخة الخطيّة بعد الاستنساخ ، وكذلك مقابلة الكتاب بعد طبعه ، وتألفت من : الاخوة الاماجد الحاج عزالدين عبدالملك وعبدالرضا كاظم كريدي.

2 ـ لجنة تخريج الأحاديث : وقد عنيت بتخريج الأحاديث والروايات ، والمتون المنقوله من المصادر الأصلية.

3 ـ لجنة تقويم النص ، وضبط عباراته ، وتعيين المصحف من الصحيح حيث لم تسلم النسخة المذكورة من التصحيف والتحريف ، فاعتمدنا تصحيح عبارة المتن بالاستفادة من مصادر الرواية والحديث ، وفي حالة نقل المؤلف. بحوث كلامية وعقائدية لا مصدر لها كـ « كتاب البرهان على ثبوت الايمان » لأبي الصلاح الحلبي ، فضّلنا إبقاء المتن كما ورد في مصورة المخطوطة ، مع الاشارة لما نستظهره من صواب العبارة في الهامش ، وقد قام بهذه المهمة الاُستاذ المحقّق الفاضل أسد مولوي.

4 ـ لجنة ضبط الاختلافات الرجاليّة : ومهمّتها تصحيح وضبط ما ورد من أعلام في الكتاب بقرينة ما ورد في المعاجم الرجاليّة ، والاشارة إلى ذلك في الهامش ، وقد قام بهذه المهمّة حجّة الإسلام الشيخ أحمد الأهري والأخ الفاضل

٣١

كاظم الجواهري.

5 ـ الملاحظة النهائية : ومهمّتها ملاحظة الكتاب ملاحظة نهائية لجوانبه كافّة ـ متناً وهامشاً ـ لعلّ فيه ما زاغ عن البصر ، لاصلاحه. وكانت على كاهل الأخ المحقّق الفاضل حامد الخفاف مسؤول لجنة تحقيق مصادر « بحارالأنوار ».

مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام لإحياء التراث

صفر الخير 1408 هـ

٣٢

بسم الله الرحمن الرحيم

أحمد الله ذي القدرة والجلال ، والرفعة والكمال ، الذي عٌم عباده بالفضل والاحسان ، وميّزهم بالعقول والأذهان ، وشرّفهم بالعلوم ومكّن لهم الدليل والبرهان ، وهداهم إلى معرفة الحق والصواب ، بما نزّل من الوحي والكتاب ، الذي جاء به أفضل أولي العزم الكرام ، مولانا وسيدنا محمد بن عبداللّه خاتم النبيين وأشرف العالمين صلّى اللهّ عليه وعلى الأطايب من عترته ، ذوي الفضائل والمناقب ، حجج اللّه على كافة المسلمين ، الهادين المهديين ، الذين يهدون بالحق وبه يعدلون.

يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه (الحسن بن أبي الحسن الديلمي) أعانه الله على طاعته ، وتغمّده برأفته ورحمته : انني حيث بليت بدار الغربة ، وفقدت الأنيس الصالح في الوحشة ، وحملتني معرفة الناس على الوحدة ، خفت على ما عساه حفظته من الاداب الدينية والعلوم العلوية ـ وهو قليل من كثير ، ويسير من كبير ـ أن يشذ عن خاطري ، ويزول عن ناظري ـ لعدم المذاكر ـ اثبت ما سنح لي إيراده ، وسهل علي اسناده ، ليكون لي تذكرة وعدة ، ولمن يقف عليه بعدي تبصرة وعبرة وفق اللّه المراعاة له والعمل به ، وجعله خالصآَ لوجهه الكريم ، وموجباً لثوابه الجزيل العظيم ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

فأول ما أبدأ به ذكر المعارف باللّه تعالى وبرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحججه من بعده ، وما يجوز عليه وعليهم وما لا يجوز.

٣٣

ثم اثني بذكرفضل العالم والعلوم ، وما يتبع ذلك من العلوم الدينية والآداب الدنيائية ، ولم ألتزم ذكر سندها ، لشهرتها عند العلماء في كتبها ألمصنفة المروية عن مشايخنا ـ رحمهم الله تعالى ـ وأحلْتُ في ذلك على كتبهم وأسانيدهم ، إلاّ ما شذ عني من ذلك فلم أذكر إلآ فص(1) القول.

وسميت هذا الكتاب كتاب (أعلام الدين في صفات المؤمنين وكنز علوم العارفين) فحق على ، من وقف عليه ، واستفاد به ، أن يدعو لمصنفه ، ويترحّم عليه ، ويدع الهوى والميل في إعابة شيء منه ، فإنه يشتمل على ترك الدنيا والرغبة في الآخرة ، حسب ما يأتي ذكره وتفصيله.

__________________

1 ـ فص الأمر : حقيقته ، يقال : أنا آتيك بالأمر من فصه ، يعني من مخرجه الذي قد خرج منه (لسان العرب ـ فصص ـ 7 : 66).

٣٤

فصل

« في الدليل على حدث الإنسان وإثبات محدثه »

أقرب ما يستدل به الإنسان على حدثه وإثبات محدثه ، ما يراه من حاله وتغيره الواقع بغير اختياره وقصده ، كالزيادة والنقص المعترضين في جسمه وحسه ، و [ ما ](1) يتعاقب عليه من صحته وسقمه ، وينتقل إليه من شيبته وهرمه ، وأنه لايدفع فيه من ذلك طارئاً موجودا ولايعيد ماضيها مفقوداً ، لو نقصت منه جارحة لم يقدرعلى التعويض منها ، ولا يستطيع الاستغناء في الادراك بغيرها عنها ، لا يعلم غيب أمره ، ولايتحقق مبلغ عمره ، وقُدَر(2) متناهية ، وبنية ضعيفة واهية.

فيعلم بذلك أن له مصوراً صوّره ، ومدبرا دبّره لأن التصوير والتدبيرفعلان لم يحدثهما الانسان لنفسه ، ولا كانا بقدرته ، والفعل فلابد له من فاعل ، كما أن الكتابة لاغنى بها عن كاتب.

ثم يعلم ان مصوّره صانعه ومحدثه ، وأن مدبره خالقه وموجده ، لأنه لايصح وجوده إلاّ مصوراً مدبراً.

ثم يعلم أيضاً ان محدثه قادر ، إذ كان لايصح الفعل من عاجز.

ويعلم أنه حكيم عالم ، لأن الأفعال المحكمة لاتقع إلاّ من عالم.

ثم يعلم أنه واحد ، إذ لوكان اثنين لجاز اختلاف مراديهما فيه ، بأن يريد أحدهما أن يميته ، ويريد الاخر أن يحييه ، فيؤدي ذلك إلى وجود المحال ، وكونه ميتاً حيا في حال ، أو إلى انتفاء الحالين وتمانع المرادين ، فيبطل ذلك أيضاً ويستحيل ، وهذا يبيّن أن صانعه واحد ليس باثنين.

ويعلم أنه لايجوز على محدثه النقص والتغيير ، وما هو جائز على المحدثين ، لإنفي جوازذلك عليه مشابهة للمصنوعين ، وهو يقتضي وجود صانع له أحدثه وصوّره ودبّره ، إمّا محدث مثله أو قديم ، وفي استحالة تَنقّل ذلك إلى ما لا يتناهى ، دلالة على أن صانعه قديم.

__________________

1 ـ أثبتناه لضرورة السياق.

2 ـ قدٌر : جمع قدرة.

٣٥

ويعلم بمشابهة حال غيره لحاله ، أن حكمه كحكمة ، وأنه لابد من الإقرار بوجود صانع للجميع ، لبطلان التثنية حسب ما شهد به الدليل.

فصل : وقد ورد في الحديث(1) : ان أبا شاكر الديصاني وقف ذات يوم في مجلس الإمام الصادق ـ أبي عبداللّه جعفر بن محمد صلى الله عليه ـ فقال له : أبا عبداللّه ، انك لأحد النجوم الزواهر ، وكان آباؤك بدورا بواهر ، وامهاتك عقيلات طواهر(2) ، وعنصرك من أكرم العناصر ، وإذا ذكر العلماء فبك(3) تثنى الخناصر ، خبٌرنا أيها البحر الزاخر ، ما الدليل على حدث(4) العالم؟

فقال أبوعبد اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ من أقرب الدليل على ذلك ما أذكرهلك ، ثم دعا ببيضة فوضعها في راحته وقال : هذا حصن ملموم ، داخله غرقىء(5) رقيق ، يطيف به كالفضة السائلة ، والذهبة المائعة ، أشك في ذلك »؟

قال أبو شاكر : لاشك فيه.

قال الإمامعليه‌السلام : « ثم إنّه ينفلق عن صورة كالطأووس ، أدخله شيء غيرما عرفت؟

قال : لا.

قال : « فهذا الدليل على حدث العالم ».

قال أبوشاكر : دللت ـ أبا عبد اللّه ـ فأوضحت ، وقلت فأحسنت ، وذكرت فأوجزت ، وقد علمت أنا لانقبل إلاّ ما أدركت أبصارنا ، أو سمعناه بآذاننا ، أو ذقناه بأفواهنا ، أو شممناه باُنوفنا ، أو لمسناه ببشرنا.

فقال الصادقعليه‌السلام : ذكرت الحواس(6) وهي لاتنفع في الاستنباط إلاّ بدليل ، كما لاتقطع الظلمة بغيرمصباح ».

قال شيخنا المفيد أبوعبداللّه محمد بن محمد بن النعمان الحارثيرضي‌الله‌عنه :

__________________

1 ـ رواه الصدوق في الأمالي 288 / 5 والتوحيد 292 ، والمفيد في الإرشاد : 281.

2 ـ في الإرشاد : عباهر ، والعباهر : جمع عبهرة ، وهي الجامعة للحسن (القاموس المحيط ـ عبهر ـ 2 : 84).

3 ـ في الارشاد : فعليك.

4 ـ في الارشاد : حدوث.

5 ـ الغرقىء : قشر البيض الذي تحت القشر الصلب (الصحاح ـ غرقاً ـ 1 : 62).

6 ـ في الإرشاد زيادة : الخمس.

٣٦

إن الصادقعليه‌السلام أراد الحواس الخمس بغيرعقل لا توصل إلى معرفة الغائبات ، وان الذي أراه من حدوث الصورة معقول ، بني ألعلم به على محسوس(1) ،

واعلم ـ أيدك اللّه ـ أن الاجسام إذا لم تخل من ألصورة ـ التي قد ثبت حدثها ـ فهي محدثة مثلها.

دليل آخرعلى حدث العالم : الذي يدلنا على ذلك ، أنّا نرى أجسامنا لاتخلو من الحوادث المتعاقبة عليها ، ولا يتصورفي العقل أنها كانت خالية منها ، وهذا يوضح أنها ، محدثه مثلها ، لشهادة العقل بأن مالم يوجد عارياً من المحدث فإنه يجب أن يكون مثله محدثاً.

وهذه الحوادث هي : الاجتماع والافتراق ، والحركة والسكون ، والألوان والروائح والطعوم ، ونحو ذلك من صفات الأجسام.

والذي يدل على أنها أشياء غير الجسم ، مانراه من تعاقبها عليه ، وهو موجود معكل واحد منها.

وهذا يبين أيضاً حدثها ، لأن الضدين المتعاقبين لايجوزأن يكونا مجتمعين في ألجسم ، ولا يتصور اجتماعهما في العقل ، وإنما وجد أحدهما وعدم الآخر ، فالذي طرأ ووجد هو المحدث ، لأنه كائن بعد أن لم يكن ، والذي انعدم أيضاً محدث ، لأنه لو كان غير محدث لم يجز أن ينعدم ، ولأن مثله أيضاً نراه قد تجدد وحدث.

والذي يشهد بأن الأجسام لم تخل من هذه الحوادث بَدائه العقول وأوائل العلوم ، إذ كان لايتصور فيها وجود الجسم مع عدم هذه الاُمور ، ولوجاز أن يخلو الجسم منها فيما مضى ، لجازأن يخلو منها الآن فيما يستقبل من الزمان.

فالذيَ يدل على أن حكم الجسم كحكمها في الحدوث ، أن المحدث هو الذي لوجوده أول ، والقديم هو المتقدم على كل محدث وليس لوجوده أول ، فلو كان الجسم قديما لكان موجوداً قبل الحوادث كلها خالياً منها ، وفيما قدّمناه من استحالة خلوّه منها دلالة على أنه محدث مثلها ، فالحمد للّه.

* * *

__________________

1 ـ ارشاد المفيد : 381.

٣٧

فصل من السؤال والبيان(1)

إن سألك سائل عن أول ما فرض عليك؟

فقل : النظر المؤدي إلى معرفة الله.

فإن قال : لم زعمت ذلك؟

فقل : لأنه ـ سبحانه ـ أوجب معرفته ، ولا سبيل إلى معرفته إلاّ بالنظر في الأدلة المؤدية إليها.

فإن قال : فإذا كانت المعرفة باللّه ـ جل وعز ـ لا تدرك إلا بالنظر ، فقدحصل(2) المقلد غير عارف باللّه.

فقل : هو كذاك.

فإن قال : فيجب أن يكون جميع المقلدين في النار.

فقل : إن العاقل المستطيع إذا أهمل النظر والإعتبار ، واقتصر على تقليد الناس ، فقد خالف اللّه تعالى وانصرف عن(3) أمره ومراده ، ولم يكفه تقليده في أداء فرضه ، واستحق العقاب على مخالفته وتفريطه.

غير انّا نرجو العفو عمّن قلد المحق والتفضل عليه ، ولا نرجوه لمن قلد المبطل ولانعتقده فيه.

وكلّ مكلف يلزمه من النظر بحسب طاقته ونهاية إدراكه وفطنته ، وأما المقصّر الضعيف الذي ليس له استنباط صحيح ، فإنه يجزيه التمسك ـ في الجملة ـ بظاهر ما عليه المسلمون.

فإن قال : كيف يكون التقليد قبيحاً من العقلاء المميزين ، وقد قلد الناس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما أخبر به عن رب العالمين ، ورضي بذلك عنهم ، ولم يكلفهم ما تدعون؟

__________________

1 ـ أورد الكراجكي في كنزالفوائد : 98 ـ 101 ، هذا الفصل إلى بداية كتاب « البرهان على ثبوت الإيمان » الآتي.

2 ـ حصل : صار.

3 ـ في الأصل : على ، ما أثبتناه من الكنز.

٣٨

فقل : معاذ اللّه أن نقول ذلك أو نذهب إليه ، ورسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يرض من الناس التقليد دون الاعتبار ، وما دعاهم إلا إلى اللّه بالاستدلال ، ونبههم عليه بآيات ألقرآن من قوله سبحانه :( أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ ) (1) .

وقوله :( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ) (2) .

وقوله :( وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) (3) .

وقوله :( أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ) (4) .

ونحن نعلم أنه مما أراد بذلك إلا نظر الاعتبار.

فلو كانعليه‌السلام إنما دعا الناس إلى التقليد ، ولم يرد ( منهم الاستدلال )(5) ، لم يكن معنى لنزول هذه الآيات.

ولو كان أراد أن يصدقوه ويقبلوا قوله تقليداً بغيرتأمل واعتبار ، لم يحتج إلى أن يكون على يده ما ظهر من الايات والمعجزات.

فأما قبول قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد قيام الدلالة على صدقه ، فهو تسليم وليس بتقليد.

وكذلك قبولنا لما أتت به أئمتناعليهم‌السلام ، ورجوعنا إلى فتأويهم في [ شريعة ](6) الاسلام.

فإن قال قائل : فأبن لنا ما التقليد في الحقيقة ، وما التسليم؟ ليقع الفرق.

فقل : التقليد : قبول [ قول ](7) من لم يثبت صدقه ، ومأخوذ من القلادة.

والتسليم : هو قبول من ثبت صدقه ، وهذا لايكون إلا ببينة وحجة ، والحمد للّه.

__________________

1 ـ الاعراف 7 : 185

2 ـ آل عمران 3 : 190

3 ـ الذاريات 51 : 20 ، 21

4 ـ الغاشية 88 : 17.

5 ـ في الأصل : الإستدلال عنهم ، وما أثبتناه من كنز الفوائد.

6 ـ أثبتناه من الكنز.

٣٩

فصل

« من كلام جعفربن محمد عليه السلام »

قال : « وجدت علم الناس في أربع : أحدها : أن تعرف ربك ، والثاني : أنتعرف ما صنع بك ، والثالث : أن تعرف ما يخرجك عن دينك ، والرابع : أن تعرف ما أراد منك ».

قال شيخنا المفيدرحمه‌الله : هذه أقسام تحيط بالمفروض من المعارف ، لأنه أول ما يجب على العبد معرفة ربه جل جلاله ، فإذا علم أن له إلهاً وجب أن يعرف صنعه اليه ، فإذا عرف صنعه عرف نعمته ، فإذا عرف نعمته وجب عليه شكره ، فإذا أراد تأدية شكره وجب عليه معرفة مراده ليطيعه بفعله ، وإذا وجبت عليه طاعته وجب عليه معرفة ما يخرجه من دينه ليجتنبه ، فتصح(1) به طاعة ربه وشكر إنعامه(2) .

ولقد أحسن بعض أهل الفضل والعلم ، في قوله في المعرفة باللّه تعالى ، وذمالتقليد وبالغ :

إن كان جسما فما ينفك عن عرض

أو جوهراً فبذي الأقطار موجود

أو كان متصلاً بالشيء فهو به

أو كان منفصلاً فالكل محدود

لاتطلبنّ إلى التكييف من سبب

إن السبيل إلى التكييف مسدود

واستعمل الحبل حبل العقل تحظ به

فالعقل حبل إلى باريك ممدود

والزم من الدين ما قام الدليل به

فإنّ أكثردين الناس تقليد

وكلما وافق التقليد مختلق

زور وإن كثرت فيه الأسانيد

وكلما نقل الاحاد من خبر

مخالف لكتاب اللّه مردود

 * * *

__________________

1 ـ في الكنز : فتخلص

2 ـ إرشاد المفيد : 282

٤٠