كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٥

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 297

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 297
المشاهدات: 44876
تحميل: 5540


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 297 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44876 / تحميل: 5540
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 15

مؤلف:
العربية

کتاب شرح نهج البلاغة

الجزء الخامس عشر

ابن ابي الحديد

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليه‌السلام ) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

بسم الله الرحمن الرحيم و به ثقتي الحمد لله الواحد العدل

القول في أسماء الذين تعاقدوا من قريش على قتل رسول الله ص و ما أصابوه به في المعركة يوم الحرب

قال الواقدي تعاقد من قريش على قتل رسول الله ص عبد الله بن شهاب الزهري و ابن قميئة أحد بني الحارث بن فهر و عتبة بن أبي وقاص الزهري و أبي بن خلف الجمحي فلما أتى خالد بن الوليد من وراء المسلمين و اختلطت الصفوف و وضع المشركون السيف في المسلمين رمى عتبة بن أبي وقاص رسول الله ص بأربعة أحجار فكسر رباعيته و شجه في وجهه حتى غاب حلق المغفر في وجنتيه و أدمى شفتيه.قال الواقدي و قد روي أن عتبة أشظى باطن رباعيته السفلى قال و الثبت عندنا أن الذي رمى وجنتي رسول الله ص ابن قميئة و الذي رمى شفته و أصاب رباعيته عتبة بن أبي وقاص.قال الواقدي أقبل ابن قميئة يومئذ و هو يقول دلوني على محمد فو الذي يحلف به لئن رأيته لأقتلنه فوصل إلى رسول الله ص فعلاه بالسيف و رماه عتبة

٣

بن أبي وقاص في الحال التي جلله ابن قميئة فيها السيف و كان ع فارسا و هو لابس درعين مثقل بهما فوقع رسول الله ص عن الفرس في حفرة كانت أمامه.قال الواقدي أصيب ركبتاه جحشتا لما وقع في تلك الحفرة و كانت هناك حفر حفرها أبو عامر الفاسق كالخنادق للمسلمين و كان رسول الله ص واقفا على بعضها و هو لا يشعر فجحشت ركبتاه و لم يصنع سيف ابن قميئة شيئا إلا وهز الضربة بثقل السيف فقد وقع رسول الله ص ثم انتهض و طلحة يحمله من ورائه و علي ع آخذ بيديه حتى استوى قائما.قال الواقدي فحدثني الضحاك بن عثمان عن حمزة بن سعيد عن أبي بشر المازني قال حضرت يوم أحد و أنا غلام فرأيت ابن قميئة علا رسول الله ص بالسيف و رأيت رسول الله ص وقع على ركبتيه في حفرة أمامه حتى توارى في الحفرة فجعلت أصيح و أنا غلام حتى رأيت الناس ثابوا إليه.قال فأنظر إلى طلحة بن عبيد الله آخذا بحضنه حتى قام.قال الواقدي و يقال إن الذي شج رسول الله ص في جبهته ابن شهاب و الذي أشظى رباعيته و أدمى شفتيه عتبة بن أبي وقاص و الذي أدمى وجنتيه حتى غاب الحلق فيهما ابن قميئة و إنه سال الدم من الشجة التي في جبهته حتى أخضل لحيته

و كان سالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم عن وجهه و رسول الله ص يقول كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم و هو يدعوهم إلى الله تعالى فأنزل الله تعالى قوله( لَيْسَ لَكَ مِنَ اَلْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ... ) الآية

٤

قال الواقدي و روى سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله ص يومئذ اشتد غضب الله على قوم دموا فا رسول الله ص اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله ص قال سعد فلقد شفاني من عتبة أخي دعاء رسول الله ص و لقد حرصت على قتله حرصا ما حرصت على شي‏ء قط و إن كان ما علمت لعاقا بالوالد سيئ الخلق و لقد تخرقت صفوف المشركين مرتين أطلب أخي لأقتله و لكنه راغ مني روغان الثعلب فلما كان الثالثة قال رسول الله ص يا عبد الله ما تريد أ تريد أن تقتل نفسك فكففت فقال رسول الله ص اللهم لا تحولن الحول على أحد منهم قال سعد فو الله ما حال الحول على أحد ممن رماه أو جرحه مات عتبة و أما ابن قميئة فاختلف فيه فقائل يقول قتل في المعرك و قائل يقول إنه رمي بسهم في ذلك اليوم فأصاب مصعب بن عمير فقتله فقال خذها و أنا ابن قميئة فقال رسول الله ص أقمأه الله فعمد إلى شاة يحتلبها فتنطحه بقرنها و هو معتلقها فقتلته فوجد ميتا بين الجبال لدعوة رسول الله ص و كان عدو الله رجع إلى أصحابه فأخبرهم أنه قتل محمدا.قال و ابن قميئة رجل من بني الأدرم من بني فهر.و زاد البلاذري في الجماعة التي تعاهدت و تعاقدت على قتل رسول الله ص يوم أحد عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي.قال و ابن شهاب الذي شج رسول الله ص في جبهته هو عبد الله

٥

بن شهاب الزهري جد الفقيه المحدث محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب و كان ابن قميئة أدرم ناقص الذقن و لم يذكر اسمه و لا ذكره الواقدي أيضا.قلت سألت النقيب أبا جعفر عن اسمه فقال عمرو فقلت له أ هو عمرو بن قميئة الشاعر قال لا هو غيره فقلت له ما بال بني زهرة في هذا اليوم فعلوا الأفاعيل برسول الله ص و هم أخواله ابن شهاب و عتبة بن أبي وقاص فقال يا ابن أخي حركهم أبو سفيان و هاجهم على الشر لأنهم رجعوا يوم بدر من الطريق إلى مكة فلم يشهدوها فاعترض عيرهم و منعهم عنها و أغرى بها سفهاء أهل مكة فعيروهم برجوعهم و نسبوهم إلى الجبن و إلى الإدهان في أمر محمد ص و اتفق أنه كان فيهم مثل هذين الرجلين فوقع منهما يوم أحد ما وقع.قال البلاذري مات عتبة يوم أحد من وجع أليم أصابه فتعذب به و أصيب ابن قميئة في المعركة و قيل نطحته عنز فمات.قال و لم يذكر الواقدي ابن شهاب كيف مات و أحسب ذلك بالوهم منه.قال و حدثني بعض قريش أن أفعى نهشت عبد الله بن شهاب في طريقه إلى مكة فمات قال و سألت بعض بني زهرة عن خبره فأنكروا أن يكون رسول الله ص دعا عليه أو يكون شج رسول الله ص و قالوا إن الذي شجه في وجهه عبد الله بن حميد الأسدي.فأما عبد الله بن حميد الفهري فإن الواقدي و إن لم يذكره في الجماعة الذين

٦

تعاقدوا على قتل رسول الله ص إلا أنه قد ذكر كيفية قتله.قال الواقدي و يقبل عبد الله بن حميد بن زهير حين رأى رسول الله ص على تلك الحال يعني سقوطه من ضربة ابن قميئة يركض فرسه مقنعا في الحديد يقول أنا ابن زهير دلوني على محمد فو الله لأقتلنه أو لأموتن دونه فتعرض له أبو دجانة فقال هلم إلى من يقي نفس محمد ص بنفسه فضرب فرسه فعرقبها فاكتسعت ثم علاه بالسيف و هو يقول خذها و أنا ابن خرشة حتى قتله

و رسول الله ص ينظر إليه و يقول اللهم ارض عن ابن خرشة كما أنا عنه راض هذه رواية الواقدي و بها قال البلاذري إن عبد الله بن حميد قتله أبو دجانة.فأما محمد بن إسحاق فقال إن الذي قتل عبد الله بن حميد علي بن أبي طالب ع و به قالت الشيعة.و روى الواقدي و البلاذري أن قوما قالوا إن عبد الله بن حميد هذا قتل يوم بدر.فالأول الصحيح أنه قتل يوم أحد و قد روى كثير من المحدثين أن رسول الله ص قال لعلي ع حين سقط ثم أقيم اكفني هؤلاء لجماعة قصدت نحوه فحمل عليهم فهزمهم و قتل منهم عبد الله بن حميد من بني أسد بن عبد العزى ثم حملت عليه طائفة أخرى فقال له اكفني هؤلاء فحمل عليهم فانهزموا من بين يديه و قتل منهم أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة المخزومي.قال فأما أبي بن خلف فروى الواقدي أنه أقبل يركض فرسه حتى إذا دنا من رسول الله ص اعترض له ناس من أصحابه ليقتلوه فقال لهم استأخروا

٧

عنه ثم قام إليه و حربته في يده فرماه بها بين سابغة البيضة و الدرع فطعنه هناك فوقع عن فرسه فانكسر ضلع من أضلاعه و احتمله قوم من المشركين ثقيلا حتى ولوا قافلين فمات في الطريق و قال و فيه أنزلت( وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اَللَّهَ رَمى) قال يعني قذفه إياه بالحربة قال الواقدي و حدثني يونس بن محمد الظفري عن عاصم بن عمر عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال كان أبي بن خلف قدم في فداء ابنه و كان أسر يوم بدر فقال يا محمد إن عندي فرسا لي أعلفها فرقا من ذرة كل يوم لأقتلك عليها فقال رسول الله ص بل أنا أقتلك عليها إن شاء الله تعالى.و يقال إن أبيا إنما قال ذلك بمكة فبلغ رسول الله ص بالمدينة كلمته فقال بل أنا أقتله عليها إن شاء الله قال و كان رسول الله ص في القتال لا يلتفت وراءه فكان يوم أحد يقول لأصحابه إني أخشى أن يأتي أبي بن خلف من خلفي فإذا رأيتموه فآذنوني و إذا بأبي يركض على فرسه و قد رأى رسول الله ص فعرفه فجعل يصيح بأعلى صوته يا محمد لا نجوت إن نجوت فقال القوم يا رسول الله ما كنت صانعا حين يغشاك أبي فاصنع فقد جاءك و إن شئت عطف عليه بعضنا فأبى رسول الله ص و دنا أبي فتناول رسول الله ص الحربة من الحارث بن الصمة ثم انتفض كما ينتفض البعير قال فتطايرنا

٨

عنه تطاير الشعارير و لم يكن أحد يشبه رسول الله ص إذا جد الجد ثم طعنه بالحربة في عنقه و هو على فرسه لم يسقط إلا أنه خار كما يخور الثور فقال له أصحابه أبا عامر و الله ما بك بأس و لو كان هذا الذي بك بعين أحدنا ما ضره قال و اللات و العزى لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا كلهم أجمعون أ ليس قال لأقتلنه فاحتملوه و شغلهم ذلك عن طلب رسول الله ص حتى التحق بعظم أصحابه في الشعب.قال الواقدي و يقال إنه تناول الحربة من الزبير بن العوام قال و يقال إنه لما تناول الحربة من الزبير حمل أبي على رسول الله ص ليضربه بالسيف فاستقبله مصعب بن عمير حائلا بنفسه بينهما و إن مصعبا ضرب بالسيف أبيا في وجهه و أبصر رسول الله ص فرجة من بين سابغة البيضة و الدرع فطعنه هناك فوقع و هو يخور.قال الواقدي و كان عبد الله بن عمر يقول مات أبي بن خلف ببطن رابغ منصرفهم إلى مكة قال فإني لأسير ببطن رابغ بعد ذلك و قد مضى هوي من الليل إذا نار تأجج فهبتها و إذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها يصيح العطش و إذا رجل يقول لا تسقه فإن هذا قتيل رسول الله ص هذا أبي بن خلف فقلت ألا سحقا و يقال إنه مات بسرف

٩

القول في الملائكة نزلت بأحد و قاتلت أم لا

قال الواقدي حدثني الزبير بن سعيد عن عبد الله بن الفضل قال أعطى رسول الله ص مصعب بن عمير اللواء فقتل فأخذه ملك في صورة مصعب فجعل رسول الله ص يقول له في آخر النهار تقدم يا مصعب فالتفت إليه الملك فقال لست بمصعب فعرف رسول الله ص أنه ملك أيد به.قال الواقدي سمعت أبا معشر يقول مثل ذلك.قال و حدثتني عبيدة بنت نائل عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عنه قال لقد رأيتني أرمى بالسهم يومئذ فيرده عني رجل أبيض حسن الوجه لا أعرفه حتى كان بعد فظننت أنه ملك.قال الواقدي و حدثني إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده سعد بن أبي وقاص قال رأيت ذلك اليوم رجلين عليهما ثياب بيض أحدهما عن يمين رسول الله ص و الآخر عن شماله يقاتلان أشد القتال ما رأيتهما قبل و لا بعد قال و حدثني عبد الملك بن سليمان عن قطن بن وهب عن عبيد بن عمير قال لما رجعت قريش من أحد جعلوا يتحدثون في أنديتهم بما ظفروا يقولون لم نر الخيل البلق و لا الرجال البيض الذين كنا نراهم يوم بدر.قال و قال عبيد بن عمير لم تقاتل الملائكة يوم أحد.قال الواقدي و حدثني ابن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن عمر بن الحكم قال لم يمد رسول الله ص يوم أحد بملك واحد و إنما كانوا يوم بدر قال و مثله عن عكرمة.

١٠

قال و قال مجاهد حضرت الملائكة يوم أحد و لم تقاتل و إنما قاتلت يوم بدر.قال و روي عن أبي هريرة أنه قال وعدهم الله أن يمدهم لو صبروا فلما انكشفوا لم تقاتل الملائكة يومئذ

القول في مقتل حمزة بن عبد المطلبرضي‌الله‌عنه

قال الواقدي كان وحشي عبدا لابنة الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف و يقال كان لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف فقالت له ابنة الحارث إن أبي قتل يوم بدر فإن أنت قتلت أحد الثلاثة فأنت حر محمد و علي بن أبي طالب و حمزة بن عبد المطلب فإني لا أرى في القوم كفؤا لأبي غيرهم فقال وحشي أما محمد فقد علمت أني لا أقدر عليه و أن أصحابه لن يسلموه و أما حمزة فو الله لو وجدته نائما ما أيقظته من هيبته و أما علي فألتمسه قال وحشي فكنت يوم أحد ألتمسه فبينا أنا في طلبه طلع علي فطلع رجل حذر مرس كثير الالتفات فقلت ما هذا بصاحبي الذي ألتمس إذ رأيت حمزة يفري الناس فريا فكمنت له إلى صخرة و هو مكبس له كتيت فاعترض له سباع ابن أم نيار و كانت أمه ختانة بمكة مولاة لشريف بن علاج بن عمرو بن وهب الثقفي و كان سباع يكنى أبا نيار فقال له حمزة و أنت أيضا يا ابن مقطعة البظور ممن يكثر علينا هلم إلي فاحتمله حتى إذا برقت قدماه رمى به فبرك عليه فشحطه شحط الشاة ثم أقبل علي مكبا حين رآني فلما

١١

بلغ المسيل وطئ على جرف فزلت قدمه فهززت حربتي حتى رضيت منها فأضرب بها في خاصرته حتى خرجت من مثانته و كر عليه طائفة من أصحابه فأسمعهم يقولون أبا عمارة فلا يجيب فقلت قد و الله مات الرجل و ذكرت هندا و ما لقيت على أبيها و عمها و أخيها و انكشف عنه أصحابه حين أيقنوا بموته و لا يروني فأكر عليه فشققت بطنه فاستخرجت كبده فجئت بها إلى هند بنت عتبة فقلت ما ذا لي إن قتلت قاتل أبيك قالت سلني فقلت هذه كبد حمزة فمضغتها ثم لفظتها فلا أدري لم تسغها أو قذرتها فنزعت ثيابها و حليها فأعطتنيه ثم قالت إذا جئت مكة فلك عشرة دنانير ثم قالت أرني مصرعه فأريتها مصرعه فقطعت مذاكيره و جدعت أنفه و قطعت أذنيه ثم جعلت ذلك مسكتين و معضدين و خدمتين حتى قدمت بذلك مكة و قدمت بكبده أيضا معها.قال الواقدي و حدثني عبد الله بن جعفر عن ابن أبي عون عن الزهري عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال غزونا الشام في زمن عثمان بن عفان فمررنا بحمص بعد العصر فقلنا وحشي فقيل لا تقدرون عليه هو الآن يشرب الخمر حتى يصبح فبتنا من أجله و إننا لثمانون رجلا فلما صلينا الصبح جئنا إلى منزله فإذا شيخ كبير قد طرحت له زربية قدر مجلسه فقلنا له أخبرنا عن قتل حمزة و عن قتل مسيلمة فكره ذلك و أعرض عنه فقلنا ما بتنا هذه الليلة إلا من أجلك فقال إني كنت عبدا لجبير بن مطعم بن عدي فلما خرج الناس إلى أحد دعاني فقال قد رأيت مقتل طعيمة بن عدي قتله حمزة بن عبد المطلب يوم بدر فلم تزل نساؤنا في حزن

١٢

شديد إلى يومي هذا فإن قتلت حمزة فأنت حر فخرجت مع الناس و لي مزاريق كنت أمر بهند بنت عتبة فتقول إيه أبا دسمة اشف و اشتف فلما وردنا أحدا نظرت إلى حمزة يقدم الناس يهدهم هدا فرآني و قد كمنت له تحت شجرة فأقبل نحوي و تعرض له سباع الخزاعي فأقبل إليه و قال و أنت أيضا يا ابن مقطعة البظور ممن يكثر علينا هلم إلي و أقبل نحوه حتى رأيت برقان رجليه ثم ضرب به الأرض و قتله و أقبل نحوي سريعا فيعترض له جرف فيقع فيه و أزرقه بمزراق فيقع في لبته حتى خرج من بين رجليه فقتله و مررت بهند بنت عتبة فآذنتها فأعطتني ثيابها و حليها و كان في ساقيها خدمتان من جزع ظفار و مسكتان من ورق و خواتيم من ورق كن في أصابع رجليها فأعطتني بكل ذلك و أما مسيلمة فإنا دخلنا حديقة الموت يوم اليمامة فلما رأيته زرقته بالمزراق و ضربه رجل من الأنصار بالسيف فربك أعلم أينا قتله إلا أني سمعت امرأة تصيح فوق جدار قتله العبد الحبشي قال عبيد الله فقلت أ تعرفني فأكر بصره علي و قال ابن عدي لعاتكة بنت العيص قلت نعم قال أما و الله ما لي بك عهد بعد أن دفعتك إلى أمك في محفتك التي كانت ترضعك فيها و نظرت إلى برقان قدميك حتى كأنه الآن.و روى محمد بن إسحاق في كتاب المغازي قال علت هند يومئذ صخرة مشرفة و صرخت بأعلى صوتها :

نحن جزيناكم بيوم بدر

و الحرب بعد الحرب ذات سعر

ما كان عن عتبة لي من صبر

و لا أخي و عمه و بكري

شفيت نفسي و قضيت نذري

شفيت وحشي غليل صدري

١٣

فشكر وحشي على عمري

حتى ترم أعظمي في قبري

قال فأجابتها هند بنت أثاثة بن المطلب بن عبد مناف :

خزيت في بدر و غير بدر

يا بنت غدار عظيم الكفر

أفحمك الله غداة الفجر

بالهاشميين الطوال الزهر

بكل قطاع حسام يفري

حمزة ليثي و علي صقري

إذ رام شيب و أبوك قهري

فخضبا منه ضواحي النحر

قال محمد بن إسحاق و من الشعر الذي ارتجزت به هند بنت عتبة يوم أحد :

شفيت من حمزة نفسي بأحد

حين بقرت بطنه عن الكبد

أذهب عني ذاك ما كنت أجد

من لوعة الحزن الشديد المعتمد

و الحرب تعلوكم بشؤبوب برد

نقدم إقداما عليكم كالأسد

قال محمد بن إسحاق حدثني صالح بن كيسان قال حدثت أن عمر بن الخطاب قال لحسان يا أبا الفريعة لو سمعت ما تقول هند و لو رأيت شرها قائمة على صخرة ترتجز بنا و تذكر ما صنعت بحمزة فقال حسان و الله إني لأنظر إلى الحربة تهوي و أنا على فارع يعني أطمة فقلت و الله إن هذه لسلاح ليس بسلاح العرب و إذا بها تهوي إلى حمزة و لا أدري و لكن أسمعني بعض قولها أكفيكموها فأنشده عمر بعض ما قالت فقال حسان يهجوها :

أشرت لكاع و كان عادتها

لؤما إذا أشرت مع الكفر

١٤

أخرجت مرقصة إلى أحد

في القوم مقتبة على بكر

بكر ثفال لا حراك به

لا عن معاتبة و لا زجر

أخرجت ثائرة محاربة

بأبيك و ابنك بعد في بدر

و بعمك المتروك منجدلا

و أخيك منعفرين في الجفر

فرجعت صاغرة بلا ترة

منا ظفرت بها و لا وتر

و قال أيضا يهجوها :

لمن سواقط ولدان مطرحة

باتت تفحص في بطحاء أجياد

باتت تمخض لم تشهد قوابلها

إلا الوحوش و إلا جنة الوادي

يظل يرجمه الصبيان منعفرا

و خاله و أبوه سيدا النادي

في أبيات كرهت ذكرها لفحشها.قال و روى الواقدي عن صفية بنت عبد المطلب قالت كنا قد رفعنا يوم أحد في الآطام و معنا حسان بن ثابت و كان من أجبن الناس و نحن في فارع فجاء نفر من يهود يرومون الأطم فقلت دونك يا ابن الفريعة فقال لا و الله لا أستطيع القتال و يصعد يهودي إلى الأطم فقلت شد على يدي السيف ثم برئت ففعل فضربت

١٥

عنق اليهودي و رميت برأسه إليهم فلما رأوه انكشفوا قالت و إني لفي فارع أول النهار مشرفة على الأطم فرأيت المزراق فقلت أ و من سلاحهم المزاريق أ فلا أراه هوى إلى أخي و لا أشعر ثم خرجت آخر النهار حتى جئت رسول الله ص و قد كنت أعرف انكشاف المسلمين و أنا على الأطم برجوع حسان إلى أقصى الأطم فلما رأى الدولة للمسلمين أقبل حتى وقف على جدار الأطم قال فلما انتهيت إلى رسول الله ص و معي نسوة من الأنصار لقيته و أصحابه أوزاع فأول من لقيت علي ابن أخي فقال ارجعي يا عمة فإن في الناس تكشفا فقلت رسول الله ص قال صالح قلت ادللني عليه حتى أراه فأشار إليه إشارة خفية فانتهيت إليه و به الجراحة.

قال الواقدي و كان رسول الله ص يقول يوم أحد ما فعل عمي ما فعل عمي فخرج الحارث بن الصمة يطلبه فأبطأ فخرج علي ع يطلبه فيقول:

يا رب إن الحارث بن الصمة

كان رفيقا و بنا ذا ذمة

قد ضل في مهامة مهمة

يلتمس الجنة فيها ثمة

حتى انتهى إلى الحارث و وجد حمزة مقتولا فجاء فأخبر النبي ص فأقبل يمشي حتى وقف عليه فقال ما وقفت موقفا قط أغيظ إلي من هذا الموقف.فطلعت صفية فقال يا زبير أغن عني أمك و حمزة يحفر له فقال الزبير يا أمه إن في الناس تكشفا فارجعي فقالت ما أنا بفاعلة حتى أرى رسول الله ص فلما رأته قالت يا رسول الله أين ابن أمي حمزة فقال هو في الناس قالت لا أرجع حتى أنظر إليه قال الزبير فجعلت أطدها إلى الأرض حتى دفن و قال رسول الله

١٦

ص لو لا أن تحزن نساؤنا لذلك لتركناه للعافية يعني السباع و الطير حتى يحشر يوم القيامة من بطونها و حواصلها.قال الواقدي و روي أن صفية لما جاءت حالت الأنصار بينها و بين رسول الله ص فقال دعوها فجلست عنده فجعلت إذا بكت يبكي رسول الله ص و إذا نشجت ينشج رسول الله ص و جعلت فاطمة ع تبكي فلما بكت بكى رسول الله ص ثم قال لن أصاب بمثل حمزة أبدا

ثم قال ص لصفية و فاطمة أبشرا أتاني جبرائيل ع فأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع حمزة بن عبد المطلب أسد الله و أسد رسوله

قال الواقدي و رأى رسول الله ص بحمزة مثلا شديدا فحزنه ذلك و قال إن ظفرت بقريش لأمثلن بثلاثين منهم فأنزل الله عليه( وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) فقال ص بل نصبر فلم يمثل بأحد من قريش

قال الواقدي و قام أبو قتادة الأنصاري فجعل ينال من قريش لما رأى من غم رسول الله ص و في كل ذلك يشير إليه أن اجلس ثلاثا فقال رسول الله ص يا أبا قتادة إن قريشا أهل أمانة من بغاهم العواثر كبه الله لفيه و عسى إن طالت بك مدة أن تحقر عملك مع أعمالهم و فعالك مع فعالهم

١٧

لو لا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله تعالى فقال أبو قتادة و الله يا رسول الله ما غضبت إلا لله و رسوله حين نالوا منه ما نالوا فقال صدقت بئس القوم كانوا لنبيهم.قال الواقدي و كان عبد الله بن جحش قبل أن تقع الحرب قال يا رسول الله إن هؤلاء القوم قد نزلوا بحيث ترى فقد سألت الله فقلت اللهم أقسم عليك أن نلقى العدو غدا فيقتلوني و يبقروا بطني و يمثلوا بي فتقول لي فيم صنع بك هذا فأقول فيك قال و أنا أسألك يا رسول الله أخرى أن تلي تركتي من بعدي فقال له نعم فخرج عبد الله فقتل و مثل به كل المثل و دفن هو و حمزة في قبر واحد و ولي تركته رسول الله ص فاشترى لأمه مالا بخيبر.قال الواقدي و أقبلت أخته حمنة بنت جحش فقال لها رسول الله ص يا حمن احتسبي قالت من يا رسول الله قال خالك حمزة قالت( إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) غفر الله له و رحمه و هنيئا له الشهادة ثم قال لها احتسبي قالت من يا رسول الله قال أخوك عبد الله قالت( إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) غفر الله له و رحمه و هنيئا له الشهادة ثم قال احتسبي قالت من يا رسول قال بعلك مصعب بن عمير فقالت وا حزناه و يقال إنها قالت وا عقراه.قال محمد بن إسحاق في كتابه فصرخت و ولولت

قال الواقدي فقال رسول الله ص إن للزوج من المرأة مكانا ما هو لأحد و هكذا روى ابن إسحاق أيضا.قال الواقدي ثم قال لها رسول الله ص لم قلت هذا قالت ذكرت يتم بنيه فراعني فدعا رسول الله ص لولده أن يحسن الله عليهم الخلف

١٨

فتزوجت طلحة بن عبيد الله فولدت منه محمد بن طلحة فكان أوصل الناس لولد مصعب بن عمير

القول فيمن ثبت مع رسول الله ص يوم أحد

قال الواقدي حدثني موسى بن يعقوب عن عمته عن أمها عن المقداد قال لما تصاف القوم للقتال يوم أحد جلس رسول الله ص تحت راية مصعب بن عمير فلما قتل أصحاب اللواء و هزم المشركون الهزيمة الأولى و أغار المسلمون على معسكرهم ينهبونه ثم كر المشركون على المسلمين فأتوهم من خلفهم فتفرق الناس و نادى رسول الله ص في أصحاب الألوية فقتل مصعب بن عمير حامل لوائه ص و أخذ راية الخزرج سعد بن عبادة فقام رسول الله ص تحتها و أصحابه محدقون به و دفع لواء المهاجرين إلى أبي الردم أحد بني عبد الدار آخر نهار ذلك اليوم و نظرت إلى لواء الأوس مع أسيد بن حضير فناوشوا المشركين ساعة و اقتتلوا على اختلاط من الصفوف و نادى المشركون بشعارهم يا للعزى يا لهبل فأوجعوا و الله فينا قتلا ذريعا و نالوا من رسول الله ص ما نالوا لا و الذي بعثه بالحق ما زال شبرا واحدا إنه لفي وجه العدو و تثوب إليه طائفة من أصحابه مرة و تتفرق عنه مرة فربما رأيته قائما يرمي عن قوسه أو يرمي بالحجر حتى تحاجزوا و كانت العصابة التي ثبتت مع رسول الله ص أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرين و سبعة من الأنصار أما المهاجرون فعلي ع و أبو بكر و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقاص و طلحة بن عبيد الله و أبو عبيدة بن الجراح و الزبير بن العوام

١٩

و أما الأنصار فالحباب بن المنذر و أبو دجانة و عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح و الحارث بن الصمة و سهل بن حنيف و سعد بن معاذ و أسيد بن حضير.قال الواقدي و قد روي أن سعد بن عبادة و محمد بن مسلمة ثبتا يومئذ و لم يفرا و من روى ذلك جعلهما مكان سعد بن معاذ و أسيد بن حضير.قال الواقدي و بايعه يومئذ على الموت ثمانية ثلاثة من المهاجرين و خمسة من الأنصار فأما المهاجرون فعلي ع و طلحة و الزبير و أما الأنصار فأبو دجانة و الحارث بن الصمة و الحباب بن المنذر و عاصم بن ثابت و سهل بن حنيف و لم يقتل منهم ذلك اليوم أحد و أما باقي المسلمين ففروا و رسول الله ص يدعوهم في أخراهم حتى انتهى منهم إلى قريب من المهراس.قال الواقدي و حدثني عتبة بن جبير عن يعقوب بن عمير بن قتادة قال ثبت يومئذ بين يديه ثلاثون رجلا كلهم يقول وجهي دون وجهك و نفسي دون نفسك و عليك السلام غير مودع.قلت قد اختلف في عمر بن الخطاب هل ثبت يومئذ أم لا مع اتفاق الرواة كافة على أن عثمان لم يثبت فالواقدي ذكر أنه لم يثبت و أما محمد بن إسحاق و البلاذري فجعلاه مع من ثبت و لم يفر و اتفقوا كلهم على أن ضرار بن الخطاب الفهري قرع رأسه بالرمح و قال إنها نعمة مشكورة يا ابن الخطاب إني آليت ألا أقتل رجلا من قريش.و روى ذلك محمد بن إسحاق و غيره و لم يختلفوا في ذلك و إنما اختلفوا هل قرعه بالرمح و هو فار هارب أم مقدم ثابت و الذين رووا أنه قرعه بالرمح و هو هارب لم يقل

٢٠