كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٥

كتاب شرح نهج البلاغة13%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 297

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 297 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 46912 / تحميل: 6410
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

٢٨ و من كتاب له ع إلى معاوية جوابا

و هو من محاسن الكتب : أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ اِصْطِفَاءَ اَللَّهِ مُحَمَّداً ص لِدِينِهِ وَ تَأْيِيدَهُ إِيَّاهُ لِمَنْ أَيَّدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَقَدْ خَبَّأَ لَنَا اَلدَّهْرُ مِنْكَ عَجَباً إِذْ طَفِقْتَ تُخْبِرُنَا بِبَلاَءِ اَللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا وَ نِعْمَتِهِ عَلَيْنَا فِي نَبِيِّنَا فَكُنْتَ فِي ذَلِكَ كَنَاقِلِ اَلتَّمْرِ إِلَى هَجَرَ أَوْ دَاعِي مُسَدِّدِهِ إِلَى اَلنِّضَالِ وَ زَعَمْتَ أَنَّ أَفْضَلَ اَلنَّاسِ فِي اَلْإِسْلاَمِ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ فَذَكَرْتَ أَمْراً إِنْ تَمَّ اِعْتَزَلَكَ كُلُّهُ وَ إِنْ نَقَصَ لَمْ يَلْحَقْكَ ثَلْمُهُ وَ مَا أَنْتَ وَ اَلْفَاضِلَ وَ اَلْمَفْضُولَ وَ اَلسَّائِسَ وَ اَلْمَسُوسَ وَ مَا لِلطُّلَقَاءِ وَ أَبْنَاءِ اَلطُّلَقَاءِ وَ اَلتَّمْيِيزَ بَيْنَ اَلْمُهَاجِرِينَ اَلْأَوَّلِينَ وَ تَرْتِيبَ دَرَجَاتِهِمْ وَ تَعْرِيفَ طَبَقَاتِهِمْ هَيْهَاتَ لَقَدْ حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا وَ طَفِقَ يَحْكُمُ فِيهَا مَنْ عَلَيْهِ اَلْحُكْمُ لَهَا أَ لاَ تَرْبَعُ أَيُّهَا اَلْإِنْسَانُ عَلَى ظَلْعِكَ وَ تَعْرِفُ قُصُورَ ذَرْعِكَ وَ تَتَأَخَّرُ حَيْثُ أَخَّرَكَ اَلْقَدَرُ فَمَا عَلَيْكَ غَلَبَةُ اَلْمَغْلُوبِ وَ لاَ ظَفَرُ اَلظَّافِرِ فَإِنَّكَ وَ إِنَّكَ لَذَهَّابٌ فِي اَلتِّيهِ رَوَّاغٌ عَنِ اَلْقَصْدِ أَ لاَ تَرَى غَيْرَ مُخْبِرٍ لَكَ وَ لَكِنْ بِنِعْمَةِ اَللَّهِ أُحَدِّثُ أَنَّ قَوْماً اُسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اَللَّهِ تَعَالَى مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ لِكُلٍّ فَضْلٌ حَتَّى إِذَا اُسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ سَيِّدُ اَلشُّهَدَاءِ وَ خَصَّهُ رَسُولُ اَللَّهِ ص بِسَبْعِينَ تَكْبِيرَةً عِنْدَ صَلاَتِهِ عَلَيْهِ

١٨١

أَ وَ لاَ تَرَى أَنَّ قَوْماً قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ وَ لِكُلٍّ فَضْلٌ حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ قِيلَ اَلطَّيَّارُ فِي اَلْجَنَّةِ وَ ذُو اَلْجَنَاحَيْنِ وَ لَوْ لاَ مَا نَهَى اَللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَزْكِيَةِ اَلْمَرْءِ نَفْسَهُ لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائِلَ جَمَّةً تَعْرِفُهَا قُلُوبُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ لاَ تَمُجُّهَا آذَانُ اَلسَّامِعِينَ فَدَعْ عَنْكَ مَنْ مَالَتْ بِهِ اَلرَّمِيَّةُ فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا وَ اَلنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا لَمْ يَمْنَعْنَا قَدِيمُ عِزِّنَا وَ لاَ عَادِيُّ طَوْلِنَا عَلَى قَوْمِكَ أَنْ خَلَطْنَاكُمْ بِأَنْفُسِنَا فَنَكَحْنَا وَ أَنْكَحْنَا فِعْلَ اَلْأَكْفَاءِ وَ لَسْتُمْ هُنَاكَ وَ أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَ مِنَّا اَلنَّبِيُّ وَ مِنْكُمُ اَلْمُكَذِّبُ وَ مِنَّا أَسَدُ اَللَّهِ وَ مِنْكُمْ أَسَدُ اَلْأَحْلاَفِ وَ مِنَّا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ وَ مِنْكُمْ صِبْيَةُ اَلنَّارِ وَ مِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ اَلْعَالَمِينَ وَ مِنْكُمْ حَمَّالَةُ اَلْحَطَبِ فِي كَثِيرٍ مِمَّا لَنَا وَ عَلَيْكُمْ فَإِسْلاَمُنَا مَا قَدْ سُمِعَ وَ جَاهِلِيَّتُنَا لاَ تُدْفَعُ وَ كِتَابُ اَللَّهِ يَجْمَعُ لَنَا مَا شَذَّ عَنَّا وَ هُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى( وَ أُولُوا اَلْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اَللَّهِ ) وَ قَوْلُهُ تَعَالَى( إِنَّ أَوْلَى اَلنَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَ هذَا اَلنَّبِيُّ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اَللَّهُ وَلِيُّ اَلْمُؤْمِنِينَ ) فَنَحْنُ مَرَّةً أَوْلَى بِالْقَرَابَةِ وَ تَارَةً أَوْلَى بِالطَّاعَةِ وَ لَمَّا اِحْتَجَّ اَلْمُهَاجِرُونَ عَلَى اَلْأَنْصَارِ يَوْمَ اَلسَّقِيفَةِ بِرَسُولِ اَللَّهِ ص فَلَجُوا عَلَيْهِمْ فَإِنْ يَكُنِ اَلْفَلَجُ بِهِ فَالْحَقُّ لَنَا دُونَكُمْ وَ إِنْ يَكُنْ بِغَيْرِهِ فَالْأَنْصَارُ عَلَى دَعْوَاهُمْ وَ زَعَمْتَ أَنِّي لِكُلِّ اَلْخُلَفَاءِ حَسَدْتُ وَ عَلَى كُلِّهِمْ بَغَيْتُ فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَتِ اَلْجِنَايَةُ عَلَيْكَ فَيَكُونَ اَلْعُذْرُ إِلَيْكَ

١٨٢

وَ تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا

وَ قُلْتَ إِنِّي كُنْتُ أُقَادُ كَمَا يُقَادُ اَلْجَمَلُ اَلْمَخْشُوشُ حَتَّى أُبَايِعَ وَ لَعَمْرُ اَللَّهِ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُمَّ فَمَدَحْتَ وَ أَنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ وَ مَا عَلَى اَلْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَةٍ فِي أَنْ يَكُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ يَكُنْ شَاكّاً فِي دِينِهِ وَ لاَ مُرْتَاباً بِيَقِينِهِ وَ هَذِهِ حُجَّتِي إِلَى غَيْرِكَ قَصْدُهَا وَ لَكِنِّي أَطْلَقْتُ لَكَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا سَنَحَ مِنْ ذِكْرِهَا ثُمَّ ذَكَرْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِي وَ أَمْرِ عُثْمَانَ فَلَكَ أَنْ تُجَابَ عَنْ هَذِهِ لِرَحِمِكَ مِنْهُ فَأَيُّنَا كَانَ أَعْدَى لَهُ وَ أَهْدَى إِلَى مَقَاتِلِهِ أَ مَنْ بَذَلَ لَهُ نُصْرَتَهُ فَاسْتَقْعَدَهُ وَ اِسْتَكَفَّهُ أَمَّنِ اِسْتَنْصَرَهُ فَتَرَاخَى عَنْهُ وَ بَثَّ اَلْمَنُونَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَى قَدَرُهُ عَلَيْهِ كَلاَّ وَ اَللَّهِ لَقَدْ( يَعْلَمُ اَللَّهُ اَلْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَ اَلْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَ لاَ يَأْتُونَ اَلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً ) .

وَ مَا كُنْتُ لِأَعْتَذِرَ مِنْ أَنِّي كُنْتُ أَنْقِمُ عَلَيْهِ أَحْدَاثاً فَإِنْ كَانَ اَلذَّنْبُ إِلَيْهِ إِرْشَادِي وَ هِدَايَتِي لَهُ فَرُبَّ مَلُومٍ لاَ ذَنْبَ لَهُ

وَ قَدْ يَسْتَفِيدُ اَلظِّنَّةَ اَلْمُتَنَصِّحُ

وَ مَا أَرَدْتُ إِلاَّ اَلْإِصْلاَحَ مَا اِسْتَطَعْتُ وَ مَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيْبُ وَ ذَكَرْتَ أَنَّهُ لَيْسَ لِي وَ لِأَصْحَابِي عِنْدَكَ إِلاَّ اَلسَّيْفُ فَلَقَدْ أَضْحَكْتَ بَعْدَ اِسْتِعْبَارٍ مَتَى أَلْفَيْتَ بَنِي عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ عَنِ اَلْأَعْدَاءِ نَاكِلِينَ وَ بِالسَّيْفِ مُخَوَّفِينَ

١٨٣

فَلَبِّثْ قَلِيلاً يَلْحَقِ اَلْهَيْجَا حَمَلْ

فَسَيَطْلُبُكَ مَنْ تَطْلُبُ وَ يَقْرُبُ مِنْكَ مَا تَسْتَبْعِدُ وَ أَنَا مُرْقِلٌ نَحْوَكَ فِي جَحْفَلٍ مِنَ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ اَلتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ شَدِيدٍ زِحَامُهُمْ سَاطِعٍ قَتَامُهُمْ مُتَسَرْبِلِينَ سَرَابِيلَ اَلْمَوْتِ أَحَبُّ اَللِّقَاءِ إِلَيْهِمْ لِقَاءُ رَبِّهِمْ وَ قَدْ صَحِبَتْهُمْ ذُرِّيَّةٌ بَدْرِيَّةٌ وَ سُيُوفٌ هَاشِمِيَّةٌ قَدْ عَرَفْتَ مَوَاقِعَ نِصَالِهَا فِي أَخِيكَ وَ خَالِكَ وَ جَدِّكَ وَ أَهْلِكَ( وَ مَا هِيَ مِنَ اَلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ )

كتاب لمعاوية إلى علي

سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد فقلت أرى هذا الجواب منطبقا على كتاب معاوية الذي بعثه مع أبي مسلم الخولاني إلى علي ع فإن كان هذا هو الجواب فالجواب الذي ذكره أرباب السيرة و أورده نصر بن مزاحم في كتاب صفين إذن غير صحيح و إن كان ذلك الجواب فهذا الجواب إذن غير صحيح و لا ثابت فقال لي بل كلاهما ثابت مروي و كلاهما كلام أمير المؤمنين ع و ألفاظه ثم أمرني أن أكتب ما عليه علي ع فكتبته قالرحمه‌الله كان معاوية يتسقط عليا و ينعى عليه ما عساه يذكره من حال أبي بكر و عمر و أنهما غصباه حقه و لا يزال يكيده بالكتاب يكتبه و الرسالة يبعثها يطلب غرته لينفث بما في صدره من حال أبي بكر و عمر إما مكاتبة أو مراسلة فيجعل ذلك حجة

١٨٤

عليه عند أهل الشام و يضيفه إلى ما قرره في أنفسهم من ذنوبه كما زعم فقد كان غمصه عندهم بأنه قتل عثمان و مالأ على قتله و أنه قتل طلحة و الزبير و أسر عائشة و أراق دماء أهل البصرة و بقيت خصلة واحدة و هو أن يثبت عندهم أنه يتبرأ من أبي بكر و عمر و ينسبهما إلى الظلم و مخالفة الرسول في أمر الخلافة و أنهما وثبا عليها غلبة و غصباه إياها فكانت هذه الطامة الكبرى ليست مقتصرة على فساد أهل الشام عليه بل و أهل العراق الذين هم جنده و بطانته و أنصاره لأنهم كانوا يعتقدون إمامة الشيخين إلا القليل الشاذ من خواص الشيعة فلما كتب ذلك الكتاب مع أبي مسلم الخولاني قصد أن يغضب عليا و يحرجه و يحوجه إذا قرأ ذكر أبي بكر و أنه أفضل المسلمين إلى أن يخلط خطه في الجواب بكلمة تقتضي طعنا في أبي بكر فكان الجواب مجمجما غير بين ليس فيه تصريح بالتظليم لهما و لا التصريح ببراءتهما و تارة يترحم عليهما و تارة يقول أخذا حقي و قد تركته لهما فأشار عمرو بن العاص على معاوية أن يكتب كتابا ثانيا مناسبا للكتاب الأول ليستفزا فيه عليا ع و يستخفاه و يحمله الغضب منه أن يكتب كلاما يتعلقان به في تقبيح حاله و تهجين مذهبه و قال له عمرو إن عليا ع رجل نزق تياه و ما استطعمت منه الكلام بمثل تقريظ أبي بكر و عمر فاكتب فكتب كتابا أنفذه إليه مع أبي أمامة الباهلي و هو من الصحابة بعد أن عزم على بعثته مع أبي الدرداء و نسخة الكتاب من عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فإن الله تعالى جده اصطفى محمدا ع لرسالته و اختصه بوحيه و تأدية شريعته فأنقذ به من العماية و هدى به من الغواية ثم قبضه إليه رشيدا حميدا قد بلغ الشرع و محق الشرك و أخمد نار الإفك فأحسن الله جزاءه و ضاعف عليه نعمه و آلاءه ثم إن الله سبحانه اختص محمدا ع بأصحاب أيدوه و آزروه و نصروه

١٨٥

و كانوا كما قال الله سبحانه لهم( أَشِدَّاءُ عَلَى اَلْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) فكان أفضلهم مرتبة و أعلاهم عند الله و المسلمين منزلة الخليفة الأول الذي جمع الكلمة و لم الدعوة و قاتل أهل الردة ثم الخليفة الثاني الذي فتح الفتوح و مصر الأمصار و أذل رقاب المشركين ثم الخليفة الثالث المظلوم الذي نشر الملة و طبق الآفاق بالكلمة الحنيفية.فلما استوثق الإسلام و ضرب بجرانه عدوت عليه فبغيته الغوائل و نصبت له المكايد و ضربت له بطن الأمر و ظهره و دسست عليه و أغريت به و قعدت حيث استنصرك عن نصره و سألك أن تدركه قبل أن يمزق فما أدركته و ما يوم المسلمين منك بواحد.لقد حسدت أبا بكر و التويت عليه و رمت إفساد أمره و قعدت في بيتك و استغويت عصابة من الناس حتى تأخروا عن بيعته ثم كرهت خلافة عمر و حسدته و استطلت مدته و سررت بقتله و أظهرت الشماتة بمصابه حتى إنك حاولت قتل ولده لأنه قتل قاتل أبيه ثم لم تكن أشد منك حسدا لابن عمك عثمان نشرت مقابحه و طويت محاسنه و طعنت في فقهه ثم في دينه ثم في سيرته ثم في عقله و أغريت به السفهاء من أصحابك و شيعتك حتى قتلوه بمحضر منك لا تدفع عنه بلسان و لا يد و ما من هؤلاء إلا من بغيت عليه و تلكأت في بيعته حتى حملت إليه قهرا تساق بخزائم الاقتسار كما يساق الفحل المخشوش ثم نهضت الآن تطلب الخلافة و قتلة عثمان خلصاؤك و سجراؤك و المحدقون بك و تلك من أماني النفوس و ضلالات الأهواء.فدع اللجاج و العبث جانبا و ادفع إلينا قتلة عثمان و أعد الأمر شورى بين المسلمين ليتفقوا على من هو لله رضا فلا بيعة لك في أعناقنا و لا طاعة لك علينا و لا عتبى لك

١٨٦

عندنا و ليس لك و لأصحابك عندي إلا السيف و الذي لا إله إلا هو لأطلبن قتلة عثمان أين كانوا و حيث كانوا حتى أقتلهم أو تلتحق روحي بالله.فأما ما لا تزال تمن به من سابقتك و جهادك فإني وجدت الله سبحانه يقول( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اَللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) و لو نظرت في حال نفسك لوجدتها أشد الأنفس امتنانا على الله بعملها و إذا كان الامتنان على السائل يبطل أجر الصدقة فالامتنان على الله يبطل أجر الجهاد و يجعله( كَصَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَ اَللَّهُ لا يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلْكافِرِينَ ) .قال النقيب أبو جعفر فلما وصل هذا الكتاب إلى علي ع مع أبي أمامة الباهلي كلم أبا أمامة بنحو مما كلم به أبا مسلم الخولاني و كتب معه هذا الجواب.قال النقيب و في كتاب معاوية هذا ذكر لفظ الجمل المخشوش أو الفحل المخشوش لا في الكتاب الواصل مع أبي مسلم و ليس في ذلك هذه اللفظة و إنما فيه حسدت الخلفاء و بغيت عليهم عرفنا ذلك من نظرك الشزر و قولك الهجر و تنفسك الصعداء و إبطائك عن الخلفاء.قال و إنما كثير من الناس لا يعرفون الكتابين و المشهور عندهم كتاب أبي مسلم فيجعلون هذه اللفظة فيه و الصحيح أنها في كتاب أبي أمامة أ لا تراها عادت

١٨٧

في جوابه و لو كانت في كتاب أبي مسلم لعادت في جوابه.انتهى كلام النقيب أبي جعفر و نحن الآن مبتدءون في شرح ألفاظ الجواب المذكور.قوله فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا موضع التعجب إن معاوية يخبر عليا ع باصطفاء الله تعالى محمدا و تشريفه له و تأييده له و هذا ظريف لأنه يجري كإخبار زيد عمرا عن حال عمرو إذ كان النبي ص و علي ع كالشي‏ء الواحد و خبأ مهموز و المصدر الخب‏ء و منه الخابية و هي الخب‏ء إلا أنهم تركوا همزها و الخب‏ء أيضا و الخبي‏ء على فعيل ما خبئ.و بلاء الله تعالى إنعامه و إحسانه.و قوله ع كناقل التمر إلى هجر مثل قديم و هجر اسم مدينة لا ينصرف للتعريف و التأنيث و قيل هو اسم مذكر مصروف و أصل المثل كمستبضع تمر إلى هجر و النسبة إليه هاجري على غير قياس و هي بلدة كثيرة النخل يحمل منها التمر إلى غيرها قال الشاعر في هذا المعنى:

أهدي له طرف الكلام كما

يهدى لوالي البصرة التمر

قوله و داعي مسدده إلى النضال أي معلمه الرمي و هذا إشارة إلى قول القائل الأول

١٨٨

أعلمه الرماية كل يوم

فلما استد ساعده رماني

هكذا الرواية الصحيحة بالسين المهملة أي استقام ساعده على الرمي و سددت فلانا علمته النضال و سهم سديد مصيب و رمح سديد أي قل أن تخطئ طعنته و قد ظرف القاضي الأرجاني في قوله لسديد الدولة محمد بن عبد الكريم الأنباري كاتب الإنشاء:

إلى الذي نصب المكارم للورى

غرضا يلوح من المدى المتباعد

نثل الأماثل من كنانته فما

وجدت يداه سوى سديد واحد

و من الأمثال في هذا المعنى سمن كلبك يأكلك و منها أحشك و تروثني.قوله ع و زعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان و فلان أي أبو بكر و عمر.قوله ع فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله و إن نقص لم يلحقك ثلمه من هذا المعنى قول الفرزدق لجرير و قد كان جرير في مهاجاته إياه يفخر عليه بقيس عيلان فقد كانت لجرير في قيس خئولة يعيره بأيامهم على بني تميم فلما قتل بنو تميم قتيبة بن مسلم الباهلي بخراسان قال الفرزدق يفتخر:

أتاني و أهلي بالمدينة وقعة

لآل تميم أقعدت كل قائم

١٨٩

كان رءوس الناس إذ سمعوا بها

مشدخة هاماتها بالأمائم

و ما بين من لم يؤت سمعا و طاعة

و بين تميم غير جز الحلاقم

ثم خرج إلى خطاب جرير بعد أبيات تركنا ذكرها فقال:

أ تغضب إن أذنا قتيبة جزتا

جهارا و لم تغضب لقتل ابن حازم

و ما منهما إلا نقلنا دماغه

إلى الشام فوق الشاحجات الرواسم

تذبذب في المخلاة تحت بطونها

محذفة الأذناب جلح المقادم

و ما أنت من قيس فتنبح دونها

و لا من تميم في الرءوس الأعاظم

تخوفنا أيام قيس و لم تدع

لعيلان أنفا مستقيم الخياشم

لقد شهدت قيس فما كان نصرها

قتيبة إلا عضها بالأباهم

فقوله

و ما أنت من قيس فتنبح دونها

هو معنى قول علي ع لمعاوية فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كله و ابن حازم المذكور في الشعر هو عبد الله بن حازم من بني سليم و سليم من قيس عيلان و قتلته تميم أيضا و كان والي خراسان.قوله ع و ما أنت و الفاضل و المفضول الرواية المشهورة بالرفع و قد رواها قوم بالنصب فمن رفع احتج بقوله و ما أنت و بيت أبيك و الفخر.و بقوله

فما القيسي بعدك و الفخار

و من نصب فعلى تأويل مالك و الفاضل و في ذلك معنى الفعل أي ما تصنع لأن

١٩٠

هذا الباب لا بد أن يتضمن الكلام فيه فعلا أو معنى فعل و أنشدوا

فما أنت و السير في متلف

و الرفع عند النحويين أولى.ثم قال و ما للطلقاء و أبناء الطلقاء و التمييز النصب هاهنا لا غير لأجل اللام في الطلقاء.ثم قال ع بين المهاجرين الأولين و ترتيب درجاتهم و تعريف طبقاتهم هذا الكلام ينقض ما يقول من يطعن في السلف فإن أمير المؤمنين ع أنكر على معاوية تعرضه بالمفاضلة بين أعلام المهاجرين و لم يذكر معاوية إلا للمفاضلة بينه ع و بين أبي بكر و عمر فشهادة أمير المؤمنين ع بأنهما من المهاجرين الأولين و من ذوي الدرجات و الطبقات التي اشتبه الحال بينهما و بينه ع في أي الرجال منهم أفضل و أن قدر معاوية يصغر أن يدخل نفسه في مثل ذلك شهادة قاطعة على علو شأنهما و عظم منزلتهما.قوله ع هيهات لقد حن قدح ليس منها هذا مثل يضرب لمن يدخل نفسه بين قوم ليس له أن يدخل بينهم و أصله القداح من عود واحد يجعل فيها قدح من غير ذلك الخشب فيصوت بينها إذا أرادها المفيض فذلك الصوت هو حنينه.قوله و طفق يحكم فيها من عليه الحكم لها أي و طفق يحكم في هذه القصة

١٩١

أو في هذه القضية من يجب أن يكون الحكم لها عليه لا له فيها و يجوز أن يكون الضمير يرجع إلى الطبقات.ثم قال أ لا تربع أيها الإنسان على ظلعك أي أ لا ترفق بنفسك و تكف و لا تحمل عليها ما لا تطيقه و الظلع مصدر ظلع البعير يظلع أي غمز في مشيه.قوله و تعرف قصور ذرعك أصل الذرع بسط اليد يقال ضقت به ذرعا أي ضاق ذرعي به فنقلوا الاسم من الفاعلية فجعلوه منصوبا على التمييز كقولهم طبت به نفسا.قوله و تتأخر حيث أخرك القدر مثل قولك ضع نفسك حيث وضعها الله يقال ذلك لمن يرفع نفسه فوق استحقاقه.ثم قال فما عليك غلبة المغلوب و لا عليك ظفر الظافر يقول و ما الذي أدخلك بيني و بين أبي بكر و عمر و أنت من بني أمية لست هاشميا و لا تيميا و لا عدويا هذا فيما يرجع إلى أنسابنا و لست مهاجرا و لا ذا قدم في الإسلام فتزاحم المهاجرين و أرباب السوابق بأعمالك و اجتهادك فإذن لا يضرك غلبة الغالب منا و لا يسرك ظفر الظافر و يروى أن مروان بن الحكم كان ينشد يوم مرج راهط و الرءوس تندر عن كواهلها بينه و بين الضحاك بن قيس الفهري:

و ما ضرهم غير حين النفوس

أي غلامي قريش غلب

قوله ع و إنك لذهاب في التيه رواغ عن القصد يحتمل قوله ع في التيه معنيين أحدهما بمعنى الكبر و الآخر التيه من قولك تاه فلان في البيداء و منه قوله تعالى( فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي اَلْأَرْضِ ) و هذا الثاني أحسن

١٩٢

يقول إنك شديد الإيغال في الضلال و ذهاب فعال للتكثير و يقال أرض متيهة مثل معيشة أي يتاه فيها.قال ع رواغ عن القصد أي تترك ما يلزمك فعله و تعدل عما يجب عليك أن تجيب عنه إلى حديث الصحابة و ما جرى بعد موت النبي ص و نحن إلى الكلام في غير هذا أحوج إلى الكلام في البيعة و حقن الدماء و الدخول تحت طاعة الإمام.ثم قال أ لا ترى غير مخبر لك و لكن بنعمة الله أحدث أي لست عندي أهلا لأن أخبرك بذلك أيضا فإنك تعلمه و من يعلم الشي‏ء لا يجوز أن يخبر به و لكن أذكر ذلك لأنه تحدث بنعمة الله علينا و قد أمرنا بأن نحدث بنعمته سبحانه.قوله ع إن قوما استشهدوا في سبيل الله المراد هاهنا سيد الشهداء حمزةرضي‌الله‌عنه و ينبغي أن يحمل قول النبي ص فيه إنه سيد الشهداء على أنه سيد الشهداء في حياة النبي ص لأن عليا ع مات شهيدا و لا يجوز أن يقال حمزة سيده بل هو سيد المسلمين كلهم و لا خلاف بين أصحابنا رحمهم الله أنه أفضل من حمزة و جعفررضي‌الله‌عنه ما و قد تقدم ذكر التكبير الذي كبره رسول الله ص على حمزة في قصة أحد.قوله ع و لكل فضل أي و لكل واحد من هؤلاء فضل لا يجحد.قوله أ و لا ترى أن قوما قطعت أيديهم هذا إشارة إلى جعفر و قد تقدم ذلك في قصة مؤتة.قوله و لو لا ما نهى الله عنه هذا إشارة إلى نفسه ع.

١٩٣

قوله و لا تمجها آذان السامعين أي لا تقذفها يقال مج الرجل من فيه أي قذفه قوله ع فدع عنك من مالت به الرمية يقال للصيد يرمي هذه الرمية و هي فعيلة بمعنى مفعولة و الأصل في مثلها ألا تلحقها الهاء نحو كف خضيب و عين كحيل إلا أنهم أجروها مجرى الأسماء لا النعوت كالقصيدة و القطيعة.و المعنى دع ذكر من مال إلى الدنيا و مالت به أي أمالته إليها.فإن قلت فهل هذا إشارة إلى أبي بكر و عمر قلت ينبغي أن ينزه أمير المؤمنين ع عن ذلك و أن تصرف هذه الكلمة إلى عثمان لأن معاوية ذكره في كتابه و قد أوردناه و إذا أنصف الإنسان من نفسه علم أنه ع لم يكن يذكرهما بما يذكر به عثمان فإن الحال بينه و بين عثمان كانت مضطربة جدا.قال ع فإن صنائع ربنا و الناس بعد صنائع لنا هذا كلام عظيم عال على الكلام و معناه عال على المعاني و صنيعة الملك من يصطنعه الملك و يرفع قدره.يقول ليس لأحد من البشر علينا نعمة بل الله تعالى هو الذي أنعم علينا فليس بيننا و بينه واسطة و الناس بأسرهم صنائعنا فنحن الواسطة بينهم و بين الله تعالى و هذا مقام جليل ظاهره ما سمعت و باطنه أنهم عبيد الله و أن الناس عبيدهم.ثم قال لم يمنعنا قديم عزنا و عادي طولنا الطول الفضل و عادي أي قديم بئر عادية.قوله على قومك أن خلطناهم بأنفسنا فنكحنا و أنكحنا فعل الأكفاء و لستم هناك يقول تزوجنا فيكم و تزوجتم فينا كما يفعل الأكفاء و لستم أكفاءنا و ينبغي أن يحمل قوله قديم و عادي على مجازه لا على حقيقته لأن بني هاشم و بني أمية لم يفترقا في الشرف إلا مذ نشأ هاشم بن عبد مناف و عرف بأفعاله و مكارمه و نشأ حينئذ أخوه عبد شمس و عرف بمثل ذلك و صار لهذا بنون و لهذا بنون و ادعى كل من الفريقين

١٩٤

أنه أشرف بالفعال من الآخر ثم لم تكن المدة بين نش‏ء هاشم و إظهار محمد ص الدعوة إلا نحو تسعين سنة و مثل هذه المدة القصيرة لا يقال فيها قديم عزنا و عادي طولنا فيجب أن يحمل اللفظ على مجازه لأن الأفعال الجميلة كما تكون عادية بطول المدة تكون بكثرة المناقب و المآثر و المفاخر و إن كانت المدة قصيرة و لفظة قديم ترد و لا يراد بها قدم الزمان بل من قولهم لفلان قدم صدق و قديم أثر أي سابقة حسنة

مناكحات بني هاشم و بني عبد شمس

و ينبغي أن نذكرها هاهنا مناكحات بني هاشم و بني عبد شمس زوج رسول الله ص ابنتيه رقية و أم كلثوم من عثمان بن عفان بن أبي العاص و زوج ابنته زينب من أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس في الجاهلية و تزوج أبو لهب بن عبد المطلب أم جميل بنت حرب بن أمية في الجاهلية و تزوج رسول الله ص أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب و تزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب ع.و روى شيخنا أبو عثمان عن إسحاق بن عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس قال قلت للمنصور أبي جعفر من أكفاؤنا فقال أعداؤنا فقلت من هم فقال بنو أمية.و قال إسحاق بن سليمان بن علي قلت للعباس بن محمد إذا اتسعنا من البنات و ضقنا من البنين و خفنا بوار الأيامى فإلى من نخرجهن من قبائل قريش فأنشدني:

عبد شمس كان يتلو هاشما

و هما بعد لأم و لأب

١٩٥

فعرفت ما أراد و سكتت.و روى أيوب بن جعفر بن سليمان قال سألت الرشيد عن ذلك فقال زوج النبي ص بني عبد شمس فأحمد صهرهم و قال ما ذممنا من صهرنا فإنا لا نذم صهر أبي العاص بن الربيع.

قال شيخنا أبو عثمان و لما ماتت الابنتان تحت عثمان قال النبي ص لأصحابه ما تنتظرون بعثمان أ لا أبو أيم أ لا أخو أيم زوجته ابنتين و لو أن عندي ثالثة لفعلت قال و لذلك سمي ذا النورين ثم قال ع و أنى يكون ذلك أي كيف يكون شرفكم كشرفنا و منا النبي و منكم المكذب يعني أبا سفيان بن حرب كان عدو رسول الله و المكذب له و المجلب عليه و هؤلاء ثلاثة بإزاء أبي سفيان رسول الله ص و معاوية بإزاء علي ع و يزيد بإزاء الحسين ع بينهم من العداوة ما لا تبرك عليه الإبل.قال و منا أسد الله يعني حمزة و منكم أسد الأحلاف يعني عتبة بن ربيعة و قد تقدم شرح ذلك في قصة بدر.و قال الراوندي المكذب من كان يكذب رسول الله ص عنادا من قريش و أسد الأحلاف أسد بن عبد العزى قال لأن بني أسد بن عبد العزى كانوا أحد البطون الذين اجتمعوا في حلف المطيبين و هم بنو أسد بن عبد العزى و بنو عبد مناف و بنو تميم بن مرة و بنو زهرة و بنو الحارث بن فهر و هذا كلام طريف جدا لأنه لم يلحظ أنه يجب أن يجعل بإزاء النبي ص مكذب

١٩٦

من بني عبد شمس فقال المكذب من كذب النبي ص من قريش عنادا و ليس كل من كذبه ع من قريش يعير معاوية به ثم قال أسد الأحلاف أسد بن عبد العزى و أي عار يلزم معاوية من ذلك ثم إن بني عبد مناف كانوا في هذا الحلف و علي و معاوية من بني عبد مناف و لكن الراوندي يظلم نفسه بتعرضه لما لا يعلمه.قوله و منا سيدا شباب أهل الجنة يعني حسنا و حسينا ع و منكم صبية النار هي الكلمة التي قالها النبي ص لعقبة بن أبي معيط حين قتله صبرا يوم بدر و قد قال كالمستعطف له ع من للصبية يا محمد قال النار.و عقبة بن أبي معيط من بني عبد شمس و لم يعلم الراوندي ما المراد بهذه الكلمة فقال صبية النار أولاد مروان بن الحكم الذين صاروا من أهل النار عند البلوغ و لما أخبر النبي ص عنهم بهذه الكلمة كانوا صبية ثم ترعرعوا و اختاروا الكفر و لا شبهة أن الراوندي قد كان يفسر من خاطره ما خطر له.قال قوله ع و منا خير نساء العالمين يعني فاطمة ع نص رسول الله ص على ذلك لا خلاف فيه.و منكم حمالة الحطب هي أم جميل بنت حرب بن أمية امرأة أبي لهب الذي ورد نص القرآن فيها بما ورد.قوله في كثير مما لنا و عليكم أي أنا قادر على أن أذكر من هذا شيئا كثيرا و لكني أكتفي بما ذكرت.فإن قلت فبما ذا يتعلق في في قوله في كثير قلت بمحذوف تقديره هذا الكلام داخل في جملة كلام كثير تتضمن ما لنا و عليكم.قوله ع فإسلامنا ما قد سمع و جاهليتنا لا تدفع كلام قد تعلق به

١٩٧

بعض من يتعصب للأموية و قال لو كانت جاهلية بني هاشم في الشرف كإسلامهم لعد من جاهليتهم حسب ما عد من فضيلتهم في الإسلام

فضل بني هاشم على بني عبد شمس

و ينبغي أن نذكر في هذا الموضع فضل هاشم على عبد شمس في الجاهلية و قد يمتزج بذلك بعض ما يمتازون به في الإسلام أيضا فإن استقصاءه في الإسلام كثير لأنه لا يمكن جحد ذلك و كيف و الإسلام كله عبارة عن محمد ص و هو هاشمي و يدخل في ضمن ذلك ما يحتج به الأموية أيضا فنقول إن شيخنا أبا عثمان قال إن أشرف خصال قريش في الجاهلية اللواء و الندوة و السقاية و الرفادة و زمزم و الحجابة و هذه الخصال مقسومة في الجاهلية لبني هاشم و عبد الدار و عبد العزى دون بني عبد شمس.قال على أن معظم ذلك صار شرفه في الإسلام إلى بني هاشم لأن النبي ص لما ملك مكة صار مفتاح الكعبة بيده فدفعه إلى عثمان بن طلحة فالشرف راجع إلى من ملك المفتاح لا إلى من دفع إليه و كذلك دفع ص اللواء إلى مصعب بن عمير فالذي دفع اللواء إليه و أخذه مصعب من يديه أحق بشرفه و أولى بمجده و شرفه راجع إلى رهطه من بني هاشم.قال و كان محمد بن عيسى المخزومي أميرا على اليمن فهجاه أبي بن مدلج فقال:

قل لابن عيسى المستغيث

من السهولة بالوعورة

الناطق العوراء في

جل الأمور بلا بصيرة

ولد المغيرة تسعة

كانوا صناديد العشيرة

١٩٨

و أبوك عاشرهم كما

نبتت مع النخل الشعيرة

إن النبوة و الخلافة

و السقاية و المشورة

في غيركم فاكفف إليك

يدا مجذمة قصيرة

قال فانبرى له شاعر من ولد كريز بن حبيب بن عبد شمس كان مع محمد بن عيسى باليمن يهجو عنه ابن مدلج في كلمة له طويلة قال فيها:

لا لواء يعد يا ابن كريز

لا و لا رفد بيته ذي السناء

لا حجاب و ليس فيكم سوى الكبر

و بغض النبي و الشهداء

بين حاك و مخلج و طريد

و قتيل يلعنه أهل السماء

و لهم زمزم كذاك و جبريل

و مجد السقاية الغراء

قال شيخنا أبو عثمان فالشهداء علي و حمزة و جعفر و الحاكي و المخلج هو الحكم بن أبي العاص كان يحكي مشية رسول الله ص فالتفت يوما فرآه فدعا عليه فلم يزل مخلج المشية عقوبة من الله تعالى و الطريد اثنان الحكم بن أبي العاص و معاوية بن المغيرة بن أبي العاص و هما جدا عبد الملك بن مروان من قبل أمه و أبيه.و كان النبي ص طرد معاوية بن المغيرة هذا من المدينة و أجله ثلاثا فحيره الله و لم يزل يتردد في ضلاله حتى بعث في أثره عليا ع و عمارا فقتلاه فأما القتلى فكثير نحو شيبة و عتبة ابني ربيعة و الوليد بن عتبة و حنظلة بن أبي سفيان و عقبة بن أبي معيط و العاص بن سعيد بن أمية و معاوية بن المغيرة و غيرهم قال أبو عثمان و كان اسم هاشم عمرا و هاشم لقب و كان أيضا يقال له القمر و في ذلك يقول مطرود الخزاعي

١٩٩

إلى القمر الساري المنير دعوته

و مطعمهم في الأزل من قمع الجزر

قال ذلك في شي‏ء كان بينه و بين بعض قريش فدعاه مطرود إلى المحاكمة إلى هاشم و قال ابن الزبعرى:

كانت قريش بيضة فتفلقت

فالمخ خالصة لعبد مناف

الرائشون و ليس يوجد رائش

و القائلون هلم للأضياف

عمرو العلي هشم الثريد لقومه

و رجال مكة مسنتون عجاف

فعم كما ترى أهل مكة بالأزل و العجف و جعله الذي هشم لهم الخبز ثريدا فغلب هذا اللقب على اسمه حتى صار لا يعرف إلا به و ليس لعبد شمس لقب كريم و لا اشتق له من صالح أعماله اسم شريف و لم يكن لعبد شمس ابن يأخذ بضبعه و يرفع من قدره و يزيد في ذكره و لهاشم عبد المطلب سيد الوادي غير مدافع أجمل الناس جمالا و أظهرهم جودا و أكملهم كمالا و هو صاحب الفيل و الطير الأبابيل و صاحب زمزم و ساقي الحجيج و ولد عبد شمس أمية بن عبد شمس و أمية في نفسه ليس هناك و إنما ذكر بأولاده و لا لقب له و لعبد المطلب لقب شهير و اسم شريف شيبة الحمد قال مطرود الخزاعي في مدحه:

يا شيبة الحمد الذي تثني له

أيامه من خير ذخر الذاخر

المجد ما حجت قريش بيته

و دعا هذيل فوق غصن ناضر

و الله لا أنساكم و فعالكم

حتى أغيب في سفاه القابر

و قال حذافة بن غانم العدوي و هو يمدح أبا لهب و يوصي ابنه خارجة بن حذافة بالانتماء إلى بني هاشم:

أ خارج إما أهلكن فلا تزل

لهم شاكرا حتى تغيب في القبر

٢٠٠

بني شيبة الحمد الكريم فعاله

يضي‏ء ظلام الليل كالقمر البدر

لساقي الحجيج ثم للشيخ هاشم

و عبد مناف ذلك السيد الغمر

أبو عتبة الملقى إلي جواره

أغر هجان اللون من نفر غر

أبوكم قصي كان يدعى مجمعا

به جمع الله القبائل من فهر

فأبو عتبة هو أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم و ابناه عتبة و عتيبة و قال العبدي حين احتفل في الجاهلية فلم يترك:

لا ترى في الناس حيا مثلنا

ما خلا أولاد عبد المطلب

و إنما شرف عبد شمس بأبيه عبد مناف بن قصي و بني ابنه أمية بن عبد شمس و هاشم شرف بنفسه و بأبيه عبد مناف و بابنه عبد المطلب و الأمر في هذا بين و هو كما أوضحه الشاعر في قوله:

إنما عبد مناف جوهر

زين الجوهر عبد المطلب

قال أبو عثمان و لسنا نقول إن عبد شمس لم يكن شريفا في نفسه و لكن الشرف يتفاضل و قد أعطى الله عبد المطلب في زمانه و أجرى على يديه و أظهر من كرامته ما لا يعرف مثله إلا لنبي مرسل و إن في كلامه لأبرهة صاحب الفيل و توعده إياه برب الكعبة و تحقيق قوله من الله تعالى و نصره وعيده بحبس الفيل و قتل أصحابه بالطير الأبابيل و حجارة السجيل حتى تركوا كالعصف المأكول لأعجب البرهانات و أسنى الكرامات و إنما كان ذلك إرهاصا لنبوة النبي ص و تأسيسا لما يريده الله به من الكرامة و ليجعل ذلك البهاء متقدما له و مردودا عليه و ليكون أشهر في الآفاق و أجل في صدور الفراعنة و الجبابرة و الأكاسرة و أجدر أن يقهر المعاند و يكشف غباوة الجاهل و بعد فمن يناهض و يناضل رجالا ولدوا محمدا ص و لو عزلنا

٢٠١

ما أكرمه الله به من النبوة حتى نقتصر على أخلاقه و مذاهبه و شيمه لما وفى به بشر و لا عدله شي‏ء و لو شئنا أن نذكر ما أعطى الله به عبد المطلب من تفجر العيون و ينابيع الماء من تحت كلكل بعيره و أخفافه بالأرض القسي و بما أعطي من المساهمة و عند المقارعة من الأمور العجيبة و الخصال البائنة لقلنا و لكنا أحببنا ألا نحتج عليكم إلا بالموجود في القرآن الحكيم و المشهور في الشعر القديم الظاهر على ألسنة الخاصة و العامة و رواة الأخبار و حمال الآثار.قال و مما هو مذكور في القرآن عدا حديث الفيل قوله تعالى( لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ) و قد اجتمعت الرواة على أن أول من أخذ الإيلاف لقريش هاشم بن عبد مناف فلما مات قام أخوه المطلب مقامه فلما مات قام عبد شمس مقامه فلما مات قام نوفل مقامه و كان أصغرهم و الإيلاف هو أن هاشما كان رجلا كثير السفر و التجارة فكان يسافر في الشتاء إلى اليمن و في الصيف إلى الشام و شرك في تجارته رؤساء القبائل من العرب و من ملوك اليمن و الشام نحو العباهلة باليمن و اليكسوم من بلاد الحبشة و نحو ملوك الروم بالشام فجعل لهم معه ربحا فيما يربح و ساق لهم إبلا مع إبله فكفاهم مئونة الأسفار على أن يكفوه مئونة الأعداء في طريقه و منصرفه فكان في ذلك صلاح عام للفريقين و كان المقيم رابحا و المسافر محفوظا فأخصبت قريش بذلك و حملت معه أموالها و أتاها الخير من البلاد السافلة و العالية و حسنت حالها و طاب عيشها قال و قد ذكر حديث الإيلاف الحارث بن الحنش السلمي و هو خال هاشم و المطلب و عبد شمس فقال:

إن أخي هاشما

ليس أخا واحد

الآخذ الإيلاف و

القائم للقاعد

قال أبو عثمان و قيل إن تفسير قوله تعالى( وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ) هو خوف من كان هؤلاء الإخوة يمرون به من القبائل و الأعداء و هم مغتربون و معهم

٢٠٢

الأموال و هذا ما فسرنا به الإيلاف آنفا و قد فسره قوم بغير ذلك قالوا إن هاشما جعل على رؤساء القبائل ضرائب يؤدونها إليه ليحمي بها أهل مكة فإن ذؤبان العرب و صعاليك الأحياء و أصحاب الغارات و طلاب الطوائل كانوا لا يؤمنون على الحرم لا سيما و ناس من العرب كانوا لا يرون للحرم حرمة و لا للشهر الحرام قدرا مثل طيئ و خثعم و قضاعة و بعض بلحارث بن كعب و كيفما كان الإيلاف فإن هاشما كان القائم به دون غيره من إخوته.قال أبو عثمان ثم حلف الفضول و جلالته و عظمته و هو أشرف حلف كان في العرب كلها و أكرم عقد عقدته قريش في قديمها و حديثها قبل الإسلام لم يكن لبني عبد شمس فيه نصيب

قال النبي ص و هو يذكر حلف الفضول لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت و يكفي في جلالته و شرفه أن رسول الله ص شهده و هو غلام و كان عتبة بن ربيعة يقول لو أن رجلا خرج مما عليه قومه لداخلت في حلف الفضول لما أرى من كماله و شرفه و لما أعلم من قدره و فضيلته.قال و لفضل ذلك الحلف و فضيلة أهله سمي حلف الفضول و سميت تلك القبائل الفضول فكان هذا الحلف في بني هاشم و بني المطلب و بني أسد بن عبد العزى و بني زهرة و بني تميم بن مرة تعاقدوا في دار ابن جدعان في شهر حرام قياما يتماسحون بأكفهم صعدا ليكونن مع المظلوم حتى يؤدوا إليه حقه ما بل بحر صوفة و في التأسي في المعاش و التساهم بالمال و كانت النباهة في هذا الحلف للزبير بن عبد المطلب و لعبد الله بن جدعان أما ابن جدعان فلأن الحلف عقد في داره و أما الزبير فلأنه الذي نهض فيه و دعا إليه و حث عليه و هو الذي سماه حلف الفضول و ذلك لأنه لما سمع الزبيدي المظلوم

٢٠٣

ثمن سلعته قد أوفى على أبي قبيس قبل طلوع الشمس رافعا عقيرته و قريش في أنديتها قائلا:

يا للرجال لمظلوم بضاعته

ببطن مكة نائي الحي و النفر

إن الحرام لمن تمت حرامته

و لا حرام لثوبي لابس الغدر

حمي و حلف ليعقدن حلفا بينه و بين بطون من قريش يمنعون القوي من ظلم الضعيف و القاطن من عنف الغريب ثم قال:

حلفت لنعقدن حلفا عليهم

و إن كنا جميعا أهل دار

نسميه الفضول إذا عقدنا

يعز به الغريب لدى الجوار

و يعلم من حوالي البيت أنا

أباة الضيم نهجر كل عار

فبنو هاشم هم الذين سموا ذلك الحلف حلف الفضول و هم كانوا سببه و القائمين به دون جميع القبائل العاقدة له و الشاهدة لأمره فما ظنك بمن شهده و لم يقم بأمره.قال أبو عثمان و كان الزبير بن عبد المطلب شجاعا أبيا و جميلا بهيا و كان خطيبا شاعرا و سيدا جوادا و هو الذي يقول

و لو لا الحمس لم يلبس رجال

ثياب أعزة حتى يموتوا

ثيابهم شمال أو عباء

بها دنس كما دنس الحميت

و لكنا خلقنا إذا خلقنا

لنا الحبرات و المسك الفتيت

و كأس لو تبين لهم كلاما

لقالت إنما لهم سبيت

تبين لنا القذى إن كان فيها

رضين الحلم يشربها هبيت

٢٠٤

و يقطع نخوة المختال عنا

رقيق الحد ضربته صموت

بكف مجرب لا عيب فيه

إذا لقي الكريهة يستميت

قال و الزبير هو الذي يقول:

و أسحم من راح العراق مملا

محيط عليه الجيش جلد مرائره

صبحت به طلقا يراح إلى الندى

إذا ما انتشى لم يختصره معاقره

ضعيف بجنب الكأس قبض بنانه

كليل على جلد النديم أظافره

قال و بنو هاشم هم الذين ردوا على الزبيدي ثمن بضاعته و كانت عند العاص بن وائل و أخذوا للبارقي ثمن سلعته من أبي بن خلف الجمحي و في ذلك يقول البارقي:

و يأبى لكم حلف الفضول ظلامتي

بني جمح و الحق يؤخذ بالغصب

و هم الذين انتزعوا من نبيه بن الحجاج قتول الحسناء بنت التاجر الخثعمي و كان كابره عليها حين رأى جمالها و في ذلك يقول نبيه بن الحجاج:

و خشيت الفضول حين أتوني

قد أراني و لا أخاف الفضولا

إني و الذي يحج له شمط

إياد و هللوا تهليلا

لبراء مني قتيلة يا للناس

هل يتبعون إلا القتولا

و فيها أيضا يقول:

لو لا الفضول و أنه

لا أمن من عروائها

لدنوت من أبياتها

و لطفت حول خبائها

٢٠٥

في كلمته التي يقول فيها:

حي النخيلة إذ نأت

منا على عدوائها

لا بالفراق تنيلنا

شيئا و لا بلقائها

حلت بمكة حلة

في مشيها و وطائها

في رجال كثير انتزعوا منهم الظلامات و لم يكن يظلم بمكة إلا رجال أقوياء و لهم العدد و العارضة منهم من ذكرنا قصته.قال أبو عثمان و لهاشم أخرى لا يعد أحد مثلها و لا يأتي بما يتعلق بها و ذلك أن رؤساء قبائل قريش خرجوا إلى حرب بني عامر متساندين فكان حرب بن أمية على بني عبد شمس و كان الزبير بن عبد المطلب على بني هاشم و كان عبد الله بن جدعان على بني تيم و كان هشام بن المغيرة على بني مخزوم و كان على كل قبيلة رئيس منها فهم متكافئون في التساند و لم يحقق واحد منهم الرئاسة على الجميع ثم آب هاشم بما لا تبلغه يد متناول و لا يطمع فيه طامع و ذلك

أن النبي ص قال شهدت الفجار و أنا غلام فكنت أنبل فيه على عمومتي فنفى مقامه ع أن تكون قريش هي التي فجرت فسميت تلك الحرب حرب الفجار و ثبت أن الفجور إنما كان ممن حاربهم و صاروا بيمنه و بركته و لما يريد الله تعالى من إعزاز أمره و إعظامه الغالبين العالين و لم يكن الله ليشهده فجرة و لا غدرة فصار مشهده نصرا و موضعه فيهم حجة و دليلا.قال أبو عثمان و شرف هاشم متصل من حيث عددت كان الشرف معك كابرا عن كابر و ليس بنو عبد شمس كذلك فإن الحكم بن أبي العاص كان عاديا في الأعلام و لم يكن له سناء في الجاهلية.

٢٠٦

و أما أمية فلم يكن في نفسه هناك و إنما رفعه أبوه و كان مضعوفا و كان صاحب عهار يدل على ذلك قول نفيل بن عدي جد عمر بن الخطاب حين تنافر إليه حرب بن أمية و عبد المطلب بن هاشم فنفر عبد المطلب و تعجب من إقدام حرب عليه و قال له:

أبوك معاهر و أبوه عف

و ذاد الفيل عن بلد حرام

و ذلك أن أمية كان تعرض لامرأة من بني زهرة فضربه رجل منهم بالسيف فأراد بنو أمية و من تبعهم إخراج زهرة من مكة فقام دونهم قيس بن عدي السهمي و كانوا أخواله و كان منيع الجانب شديد العارضة حمي الأنفس أبي النفس فقام دونهم و صاح أصبح ليل فذهبت مثلا و نادى الآن الظاعن مقيم و في هذه القصة يقول وهب بن عبد مناف بن زهرة جد رسول الله ص:

مهلا أمي فإن البغي مهلكة

لا يكسبنك يوم شره ذكر

تبدو كواكبه و الشمس طالعة

يصب في الكأس منه الصبر و المقر

قال أبو عثمان و صنع أمية في الجاهلية شيئا لم يصنعه أحد من العرب زوج ابنه أبا عمرو امرأته في حياته منه فأولدها أبا معيط بن أبي عمرو بن أمية و المقيتون في الإسلام هم الذين نكحوا نساء آبائهم بعد موتهم فإما أن يتزوجها في حياة الأب و يبني عليها و هو يراه فإنه شي‏ء لم يكن قط.قال أبو عثمان و قد أقر معاوية على نفسه و رهطه لبني هاشم حين قيل له أيهما كان أسود في الجاهلية أنتم أم بنو هاشم فقال كانوا أسود منا واحدا و كنا

٢٠٧

أكثر منهم سيدا فأقر و ادعى فهو في إقراره بالنقص مخصوم و في ادعائه الفضل خصيم.و قال جحش بن رئاب الأسدي حين نزل مكة بعد موت عبد المطلب و الله لأتزوجن ابنة أكرم أهل هذا الوادي و لأحالفن أعزهم فتزوج أميمة بنت عبد المطلب و حالف أبا سفيان بن حرب و قد يمكن أن يكون أعزهم ليس بأكرمهم و لا يمكن أن يكون أكرمهم ليس بأكرمهم و قد أقر أبو جهل على نفسه و رهطه من بني مخزوم حين قال تحاربنا نحن و هم حتى إذا صرنا كهاتين قالوا منا نبي فأقر بالتقصير ثم ادعى المساواة أ لا تراه كيف أقر أنه لم يزل يطلب شأوهم ثم ادعى أنه لحقهم فهو مخصوم في إقراره خصيم في دعواه و قد حكم لهاشم دغفل بن حنظلة النسابة حين سأله معاوية عن بني هاشم فقال هم أطعم للطعام و أضرب للهام و هاتان خصلتان يجمعان أكثر الشرف.قال أبو عثمان و العجب من منافرة حرب بن أمية عبد المطلب بن هاشم و قد لطم حرب جارا لخلف بن أسعد جد طلحة الطلحات فجاء جاره فشكا ذلك إليه فمشى خلف إلى حرب و هو جالس عند الحجر فلطم وجهه عنوة من غير تحاكم و لا تراض فما انتطح فيه عنزان ثم قام أبو سفيان بن حرب مقام أبيه بعد موته فحالفه أبو الأزيهر الدوسي و كان عظيم الشأن في الأزد و كانت بينه و بين بني الوليد بن المغيرة محاكمة في مصاهرة كانت بين الوليد و بينه فجاءه هشام بن الوليد و أبو الأزيهر قاعد في مقعد أبي سفيان بذي المجاز فضرب عنقه فلم يدرك به أبو سفيان عقلا و لا قودا في بني المغيرة و قال حسان بن ثابت يذكر ذلك

٢٠٨

غدا أهل حصني ذي المجاز بسحرة

و جار ابن حرب لا يروح و لا يغدو

كساك هشام بن الوليد ثيابه

فأبل و أخلق مثلها جددا بعد

فهذه جملة صالحة مما ذكره شيخنا أبو عثمان.و نحن نورد من كتاب أنساب قريش للزبير بن بكار ما يتضمن شرحا لما أجمله شيخنا أبو عثمان أو لبعضه فإن كلام أبي عثمان لمحة و إشارة و ليس بالمشروح.قال الزبير حدثني عمر بن أبي بكر العدوي من بني عدي بن كعب قال حدثني يزيد بن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل عن أبيه قال اصطلحت قريش على أن ولي هاشم بعد موت أبيه عبد مناف السقاية و الرفادة و ذلك أن عبد شمس كان يسافر قل أن يقيم بمكة و كان رجلا معيلا و كان له ولد كثير و كان هاشم رجلا موسرا فكان إذا حضر الحج قام في قريش فقال يا معشر قريش إنكم جيران الله و أهل بيته و إنه يأتيكم في هذا الموسم زوار الله يعظمون حرمة بيته فهم لذلك ضيف الله و أحق ضيف بالكرامة ضيف الله و قد خصكم الله بذلك و أكرمكم به ثم حفظ منكم أفضل ما حفظ جار من جاره فأكرموا ضيفه و زواره فإنهم يأتون شعثا غبرا من كل بلد ضوامر كالقداح و قد أرجفوا و تفلوا و قملوا و أرملوا فأقروهم و أعينوهم قال فكانت قريش تترافد على ذلك حتى إن كل أهل بيت ليرسلون بالشي‏ء اليسير على قدر حالهم و كان هاشم يخرج في كل سنة مالا كثيرا و كان قوم من قريش يترافدون و كانوا أهل يسار فكان كل إنسان ربما أرسل بمائة مثقال ذهب هرقلية

٢٠٩

و كان هاشم يأمر بحياض من أدم تجعل في مواضع زمزم من قبل أن تحفر يستقي فيها من البئار التي بمكة فيشرب الحاج و كان يطعمهم أول ما يطعم قبل يوم التروية بيوم بمكة و بمنى و بجمع و عرفة و كان يثرد لهم الخبز و اللحم و السمن و السويق و التمر و يحمل لهم الماء فيسقون بمنى و الماء يومئذ قليل إلى أن يصدر الحاج من منى ثم تنقطع الضيافة و تتفرق الناس إلى بلادهم.قال الزبير و إنما سمي هاشما لهشمه الثريد و كان اسمه عمرا ثم قالوا عمرو العلا لمعاليه و كان أول من سن الرحلتين رحلة إلى الحبشة و رحلة إلى الشام ثم خرج في أربعين من قريش فبلغ غزة فمرض بها فمات فدفنوه بها و رجعوا بتركته إلى ولده و يقال إن الذي رجع بتركته إلى ولده أبو رهم عبد العزى بن أبي قيس العامري من بني عامر بن لؤي.قال الزبير و كان يقال لهاشم و المطلب البدران و لعبد شمس و نوفل الأبهران.قال الزبير و قد اختلف في أي ولد عبد مناف أسن و الثبت عندنا أن أسنهم هاشم و قال آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عمر بن عبد العزيز بن مروان:

يا أمين الله إني قائل

قول ذي دين و بر و حسب

عبد شمس لا تهنها إنما

عبد شمس عم عبد المطلب

عبد شمس كان يتلو هاشما

و هما بعد لأم و لأب

قال الزبير و حدثني محمد بن حسن عن محمد بن طلحة عن عثمان بن عبد الرحمن قال قال عبد الله بن عباس و الله لقد علمت قريش أن أول من أخذ الإيلاف و أجاز لها العيرات لهاشم و الله ما شدت قريش رحالا و لا حبلا بسفر و لا أناخت بعيرا لحضر

٢١٠

إلا بهاشم و الله إنه أول من سقى بمكة ماء عذبا و جعل باب الكعبة ذهبا لعبد المطلب.قال الزبير و كانت قريش تجارا لا تعدو تجارتهم مكة إنما تقدم عليهم الأعاجم بالسلع فيشترونها منهم يتبايعون بها بينهم و يبيعون من حولهم من العرب حتى رحل هاشم بن عبد مناف إلى الشام فنزل بقيصر فكان يذبح كل يوم شاة و يصنع جفنة من ثريد و يدعو الناس فيأكلون و كان هاشم من أحسن الناس خلقا و تماما فذكر لقيصر و قيل له هاهنا شاب من قريش يهشم الخبز ثم يصب عليه المرق و يفرغ عليه اللحم و يدعو الناس قال و إنما كانت الأعاجم و الروم تصنع المرق في الصحاف ثم تأتدم عليه بالخبز فدعا به قيصر فلما رآه و كلمه أعجب به و جعل يرسل إليه فيدخل عليه فلما رأى مكانه سأله أن يأذن لقريش في القدوم عليه بالمتاجر و أن يكتب لهم كتب الأمان فيما بينهم و بينه ففعل فبذلك ارتفع هاشم من قريش قال الزبير و كان هاشم يقوم أول نهار اليوم الأول من ذي الحجة فيسند ظهره إلى الكعبة من تلقاء بابها فيخطب قريشا فيقول يا معشر قريش أنتم سادة العرب أحسنها وجوها و أعظمها أحلاما و أوسطها أنسابا و أقربها أرحاما يا معشر قريش أنتم جيران بيت الله أكرمكم بولايته و خصكم بجواره دون بني إسماعيل و حفظ منكم أحسن ما حفظ منكم جار من جاره فأكرموا ضيفه و زوار بيته فإنهم يأتونكم شعثا غبرا من كل بلد فو رب هذه البنية لو كان لي مال يحمل ذلك لكفيتموه ألا و إني مخرج من طيب مالي و حلاله ما لم تقطع فيه رحم و لم يؤخذ بظلم و لم يدخل فيه حرام فواضعه فمن شاء منكم أن يفعل مثل ذلك فعل و أسألكم بحرمة هذا البيت ألا يخرج منكم رجل من ماله لكرامة زوار بيت الله و معونتهم إلا طيبا لم يؤخذ ظلما و لم تقطع فيه رحم و لم يغتصب قال فكانت قريش تخرج من صفو أموالها ما تحتمله أحوالها و تأتي بها إلى هاشم فيضعه في دار الندوة لضيافة الحاج.

٢١١

قال الزبير و مما رثى به مطرود الخزاعي هاشما قوله:

مات الندى بالشام لما أن ثوى

أودى بغزة هاشم لا يبعد

فجفانه رذم لمن ينتابه

و النصر أدنى باللسان و باليد

و من مراثيه له:

يا عين جودي و أذري الدمع و احتفلي

و ابكي خبيئة نفسي في الملمات

و ابكي على كل فياض أخي حسب

ضخم الدسيعة وهاب الجزيلات

ماضي الصريمة عالي الهم ذي شرف

جلد النحيزة حمال العظيمات

صعب المقادة لا نكس و لا وكل

ماض على الهول متلاف الكريمات

محض توسط من كعب إذا نسبوا

بحبوحة المجد في الشم الرفيعات

فابكي على هاشم في وسط بلقعة

تسقي الرياح عليه وسط غزات

يا عين بكي أبا الشعث الشجيات

يبكينه حسرا مثل البنيات

يبكين عمرو العلا إذ حان مصرعه

سمح السجية بسام العشيات

يبكينه معولات في معاوزها

يا طول ذلك من حزن و عولات

محزمات على أوساطهن لما

جر الزمان من أحداث المصيبات

أبيت أرعى نجوم الليل من ألم

أبكي و تبكي معي شجوا بنياتي

قال الزبير و حدثني إبراهيم بن المنذر عن الواقدي عن عبد الرحمن بن الحارث عن عكرمة عن ابن عباس قال أول من سن دية النفس مائة من الإبل عبد المطلب فجرت في قريش و العرب سنته و أقرها رسول الله ص قال و أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد من بني النجار من الأنصار و كان سبب

٢١٢

تزوج هاشم بها أنه قدم في تجارة له المدينة فنزل على عمرو بن زيد فجاءته سلمى بطعام فأعجبت هاشما فخطبها إلى أبيها فأنكحه إياها و شرط عليه أن تلد عند أهلها فبنى عليها بالمدينة و أقام معها سنتين ثم ارتحل بها إلى مكة فحملت و أثقلت فخرج بها إلى المدينة فوضعها عند أهلها و مضى إلى الشام فمات بغزة من وجهه ذلك و ولدت عبد المطلب فسمته شيبة الحمد لشعرة بيضاء كانت في ذوائبه حين ولد فمكث بالمدينة ست سنين أو ثمانيا ثم إن رجلا من تهامة مر بالمدينة فإذا غلمان ينتضلون و غلام منهم يقول كلما أصاب أنا ابن هاشم بن عبد مناف سيد البطحاء فقال له الرجل من أنت يا غلام قال أنا ابن هاشم بن عبد مناف قال ما اسمك قال شيبة الحمد فانصرف الرجل حتى قدم مكة فيجد المطلب بن عبد مناف جالسا في الحجر فقال قم إلي يا أبا الحارث فقام إليه فقال تعلم أني جئت الآن من يثرب فوجدت بها غلمانا ينتضلون...و قص عليه ما رأى من عبد المطلب و قال إنه أضرب غلام رأيته قط فقال له المطلب أغفلته و الله أما إني لا أرجع إلى أهلي و مالي حتى آتيه فخرج المطلب حتى أتى المدينة فأتاها عشاء ثم خرج براحلته حتى أتى بني عدي بن النجار فإذا الغلمان بين ظهراني المجلس فلما نظر إلى ابن أخيه قال للقوم هذا ابن هاشم قالوا نعم و عرفه القوم فقالوا هذا ابن أخيك فإن كنت تريد أخذه فالساعة لا نعلم أمه فإنها إن علمت حلنا بينك و بينه فأناخ راحلته ثم دعاه فقال يا ابن أخي أنا عمك و قد أردت الذهاب بك إلى قومك فاركب قال فو الله ما كذب أن جلس على عجز الراحلة و جلس المطلب على الراحلة ثم بعثها فانطلقت فلما علمت أمه قامت تدعو حزنها على ابنها فأخبرت أنه عمه و أنه ذهب به إلى قومه قال فانطلق به المطلب فدخل به مكة ضحوة مردفه خلفه و الناس في أسواقهم و مجالسهم فقاموا يرحبون به و يقولون من هذا الغلام معك فيقول عبد لي ابتعته بيثرب ثم خرج به

٢١٣

حتى جاء إلى الحزورة فابتاع له حلة ثم أدخله على امرأته خديجة بنت سعد بن سهم فرجلت شعره ثم ألبسه الحلة عشية فجاء به فأجلسه في مجلس بني عبد مناف و أخبرهم خبره فكان الناس بعد ذلك إذا رأوه يطوف في سكك مكة و هو أحسن الناس يقولون هذا عبد المطلب لقول المطلب هذا عبدي فلج به الاسم و ترك به شيبة.و روى الزبير رواية أخرى أن سلمى أم عبد المطلب حالت بين المطلب و بين ابنها شيبة و كان بينها و بينه في أمره محاورة ثم غلبها عليه و قال:

عرفت شيبة و النجار قد حلفت

أبناؤها حوله بالنبل تنتضل

فأما الشعر الذي لحذافة العذري و الذي ذكره شيخنا أبو عثمان فقد ذكره الزبير بن بكار في كتاب النسب و زاد فيه:

كهولهم خير الكهول و نسلهم

كنسل الملوك لا يبور و لا يجري

ملوك و أبناء الملوك و سادة

تفلق عنهم بيضة الطائر الصقر

متى تلق منهم طامحا في عنانه

تجده على أجراء والده يجري

هم ملكوا البطحاء مجدا و سؤددا

و هم نكلوا عنها غواة بني بكر

و هم يغفرون الذنب ينقم مثله

و هم تركوا رأي السفاهة و الهجر

أ خارج إما أهلكن فلا تزل

لهم شاكرا حتى تغيب في القبر

قال الزبير و حدثني عن سبب هذا الشعر محمد بن حسن عن محمد بن طلحة عن أبيه قال إن ركبا من جذام خرجوا صادرين عن الحج من مكة ففقدوا رجلا منهم عالية بيوت مكة فيلقون حذافة العذري فربطوه و انطلقوا به فتلقاهم عبد المطلب مقبلا من الطائف و معه ابنه أبو لهب يقود به و عبد المطلب حينئذ قد ذهب بصره فلما نظر إليه حذافة بن غانم هتف به فقال عبد المطلب لابنه

٢١٤

ويلك من هذا قال هذا حذافة بن غانم مربوطا مع ركب قال فالحقهم فسلهم ما شأنهم و شأنه فلحقهم أبو لهب فأخبروه الخبر فرجع إلى أبيه فأخبره فقال ويحك ما معك قال لا و الله ما معي شي‏ء قال فالحقهم لا أم لك فأعطهم بيدك و أطلق الرجل فلحقهم أبو لهب فقال قد عرفتم تجارتي و مالي و أنا أحلف لكم لأعطينكم عشرين أوقية ذهبا و عشرا من الإبل و فرسا و هذا ردائي رهن فقبلوا ذلك منه و أطلقوا حذافة فلما أقبل به و قربا من عبد المطلب سمع عبد المطلب صوت أبي لهب و لم يسمع صوت حذافة فصاح به و أبي إنك لعاص ارجع لا أم لك قال يا أبتا هذا الرجل معي فناداه عبد المطلب يا حذافة أسمعني صوتك قال ها أنا ذا بأبي أنت و أمي يا ساقى الحجيج أردفني فأردفه حتى دخل مكة فقال حذافة هذا الشعر.قال الزبير و حدثني عبد الله بن معاذ عن معمر عن ابن شهاب قال أول ما ذكر من عبد المطلب أن قريشا خرجت فارة من الحرم خوفا من أصحاب الفيل و عبد المطلب يومئذ غلام شاب فقال و الله لا أخرج من حرم الله أبغي العز في غيره فجلس في البيت و أجلت قريش عنه فقال عبد المطلب:

لا هم إن المرء يمنع

رحله فامنع حلالك

لا يغلبن صليبهم

و محالهم أبدا محالك

فلم يزل ثابتا في الحرم حتى أهلك الله الفيل و أصحابه فرجعت قريش و قد عظم فيهم بصبره و تعظيمه محارم الله عز و جل فبينا هو على ذلك و كان أكبر ولده و هو الحارث بن عبد المطلب قد بلغ الحلم أري عبد المطلب في المنام فقيل له احفر زمزم خبيئة الشيخ الأعظم فاستيقظ فقال اللهم بين لي الشيخ فأري في المنام مرة أخرى

٢١٥

احفر تكتم بين الفرث و الدم في مبحث الغراب في قرية النمل مستقبلة الأنصاب الحمر فقام عبد المطلب فمشى حتى جلس في المسجد الحرام ينتظر ما سمي له من الآيات فنحر بقرة في الحزورة فأفلتت من جازرها بحشاشة نفسها حتى غلب عليها الموت في المسجد في موضع زمزم فاحتمل لحمها من مكانها و أقبل غراب يهوي حتى وقع في الفرث فبحث عن قرية النمل فقام عبد المطلب يحفرها فجاءته قريش فقالت له ما هذا الصنع إنا لم نكن نراك بالجهل لم تحفر في مسجدنا فقال عبد المطلب إني لحافر هذا البئر و مجاهد من صدني عنها فطفق يحفر هو و ابنه الحارث و ليس له يومئذ ولد غيره فيسفه عليهما الناس من قريش فينازعونهما و يقاتلونهما و تناهى عنه ناس من قريش لما يعلمون من زعيق نسبه و صدقه و اجتهاده في دينهم يومئذ حتى إذا أتعبه الحفر و اشتد عليه الأذى نذر إن وفى له عشرة من الولدان ينحر أحدهم ثم حفر فأدرك سيوفا دفنت في زمزم حين دفنت فلما رأت قريش أنه قد أدرك السيوف قالت يا عبد المطلب أحذنا مما وجدت فقال عبد المطلب بل هذه السيوف لبيت الله ثم حفر حتى أنبط الماء فحفرها في القرار ثم بحرها حتى لا تنزف ثم بنى عليها حوضا و طفق هو و ابنه ينزعان فيملآن ذلك الحوض فيشرب منه الحاج و يكسره قوم حسدة له من قريش بالليل فيصلحه عبد المطلب حين يصبح فلما أكثروا فساده دعا عبد المطلب ربه فأري فقيل له قل اللهم إني لا أحلها لمغتسل و هي لشارب حل و بل ثم كفيتهم فقام عبد المطلب حين اختلف قريش في المسجد فنادى بالذي أري ثم انصرف فلم يكن يفسد حوضه عليه أحد من قريش إلا رمي في جسده بداء حتى تركوا حوضه ذلك و سقايته ثم تزوج عبد المطلب النساء فولد له عشرة رهط فقال اللهم إني

٢١٦

كنت نذرت لك نحر أحدهم و إني أقرع بينهم فأصيب بذلك من شئت فأقرع بينهم فطارت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب أبي رسول الله ص و كان أحب ولده إليه فقال عبد المطلب اللهم هو أحب إليك أم مائة من الإبل فنحرها عبد المطلب مكان عبد الله و كان عبد الله أحسن رجل رئي في قريش قط.و روى الزبير أيضا قال حدثني إبراهيم بن المنذر عن عبد العزيز بن عمران عن عبد الله بن عثمان بن سليمان قال سمعت أبي يقول لما حفرت زمزم و أدرك منها عبد المطلب ما أدرك وجدت قريش في أنفسها مما أعطي عبد المطلب فلقيه خويلد بن أسد بن عبد العزى فقال يا ابن سلمى لقد سقيت ماء رغدا و نثلت عادية حسدا فقال يا ابن أسد أما إنك تشرك في فضلها و الله لا يساعدني أحد عليها ببر و لا يقوم معي بارزا إلا بذلت له خير الصهر فقال خويلد بن أسد:

أقول و ما قولي عليهم بسبة

إليك ابن سلمى أنت حافر زمزم

حفيرة إبراهيم يوم ابن هاجر

و ركضة جبريل على عهد آدم

فقال عبد المطلب ما وجدت أحدا ورث العلم الأقدم غير خويلد بن أسد.قال الزبير فأما ركضة جبريل فإن سعيد بن المسيب قال إن إبراهيم قدم بإسماعيل و أمه مكة فقال لهما كلا من الشجر و اشربا من الشعاب و فارقهما فلما ضاقت الأرض تقطعت المياه فعطشا فقالت له أمه اصعد و انصب في هذا الوادي فلا أرى موتك و لا ترى موتي ففعل فأنزل الله تعالى ملكا من السماء على أم إسماعيل فأمرها فصرحت به فاستجاب لها و طار الملك فضرب بجناحيه مكان زمزم فقال اشربا فكان سيحا يسيح و لو تركاه ما زال كذلك أبدا لكنها فرقت عليه من العطش فقرت له في السقاء و حفرت في البطحاء فلما نضب الماء طوياه ثم

٢١٧

هلك الناس و دفنته السيول ثم أري عبد المطلب في المنام أن احفر زمزم لا تثرب و لا تذم تروي الحجيج الأعظم ثم أري مرة أخرى أن احفر الرواء أعطيتها على رغم الأعداء ثم أري مرة أخرى أن احفر تكتم بين الأنصاب الحمر في قرية النمل فأصبح يحفر حيث أري فطفقت قريش يستهزءون به حتى إذا بدا عن الطي وجد فيها غزالا من ذهب و حلية سيف فضرب عليها بالسهام فخرج سهم البيت فكان أول حلي حلى به الكعبة.قال الزبير و كان حرب بن أمية بن عبد شمس نديم عبد المطلب و كان عبيد بن الأبرص تربه و بلغ عبيد مائة و عشرين سنة و بقي عبد المطلب بعده عشرين سنة.قال و قال بعض أهل العلم توفي عبد المطلب عن خمس و تسعين سنة و يقال كان يعرف في عبد المطلب نور النبوة و هيبة الملك و فيه يقول الشاعر:

إنني و اللات و البيت الذي

لز بالهبرز عبد المطلب

قال الزبير حدثني عمي مصعب بن عبد الله قال بينا عبد المطلب يطوف بالبيت بعد ما أسن و ذهب بصره إذ زحمه رجل فقال من هذا فقيل رجل من بني بكر.قال فما منعه أن ينكب عني و قد رآني لا أستطيع لأن أنكب عنه فلما رأى بنيه قد توالوا عشرة قال لا بد لي من العصا فإن اتخذتها طويلة شقت علي و إن اتخذتها قصيرة قويت عليها و لكن ينحدب لها ظهري و الحدبة ذل فقال بنوه أو غير ذلك يوافيك كل يوم منا رجل تتوكأ عليه فتطوف في حوائجك قال و لذلك قال الزبير و مكارم عبد المطلب أكثر من أن يحاط بها كان سيد قريش غير مدافع نفسا و أبا و بيتا و جمالا و بهاء و كمالا و فعالا قال أحد بني كنانة يمدحه

٢١٨

إني و ما سترت قريش و الذي

تعزو لآل كلهن ظباء

و و حق من رفع الجبال منيفة

و الأرض مدا فوقهن سماء

مثن و مهد لابن سلمى مدحة

فيها أداء ذمامه و وفاء

قال الزبير فأما أبو طالب بن عبد المطلب و اسمه عبد مناف و هو كافل رسول الله ص و حاميه من قريش و ناصره و الرفيق به الشفيق عليه و وصي عبد المطلب فيه فكان سيد بني هاشم في زمانه و لم يكن أحد من قريش يسود في الجاهلية بمال إلا أبو طالب و عتبة بن ربيعة.قال الزبير أبو طالب أول من سن القسامة في الجاهلية في دم عمرو بن علقمة ثم أثبتتها السنة في الإسلام و كانت السقاية في الجاهلية بيد أبي طالب ثم سلمها إلى أخيه العباس بن عبد المطلب.قال الزبير و كان أبو طالب شاعرا مجيدا و كان نديمه في الجاهلية مسافر بن عمرو بن أمية بن عبد شمس و كان قد حبن فخرج ليتداوى بالحيرة فمات بهبالة فقال أبو طالب يرثيه

ليت شعري مسافر ابن أبي عمرو

و ليث يقولها المحزون

كيف كانت مذاقة الموت إذ مت

و ما ذا بعد الممات يكون

رحل الركب قافلين إلينا

و خليلي في مرمس مدفون

بورك الميت الغريب كما بورك

نضر الريحان و الزيتون

٢١٩

رزء ميت على هبالة قد حالت

فياف من دونه و حزون

مدرة يدفع الخصوم بأيد

و بوجه يزينه العرنين

كم خليل و صاحب و ابن عم

و حميم قفت عليه المنون

فتعزيت بالجلادة و الصبر

و إني بصاحبي لضنين

قال الزبير فلما هلك مسافر نادم أبو طالب بعده عمرو بن عبد بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي و لذلك قال عمرو لعلي ع يوم الخندق حين بارزه إن أباك كان لي صديقا.قال الزبير و حدثني محمد بن حسن عن نصر بن مزاحم عن معروف بن خربوذ قال كان أبو طالب يحضر أيام الفجار و يحضر معه النبي ص و هو غلام فإذا جاء أبو طالب هزمت قيس و إذا لم يجي‏ء هزمت كنانة فقالوا لأبي طالب لا أبا لك لا تغب عنا ففعل.قال الزبير فأما الزبير بن عبد المطلب فكان من أشراف قريش و وجوهها و هو الذي استثنته بنو قصي على بني سهم حين هجا عبد الله بن الزبعرى بن قصي فأرسلت بنو قصي عتبة بن ربيعة بن عبد شمس إلى بني سهم فقال لهم إن قومكم قد كرهوا أن يعجلوا عليكم فأرسلوني إليكم في هذا السفيه الذي هجاهم في غير ذنب اجترموا إليه فإن كان ما صنع عن رأيكم فبئس الرأي رأيكم و إن كان عن غير رأيكم فادفعوه إليهم فقال القوم نبرأ إلى الله أن يكون عن رأينا قال فأسلموه إليهم فقال بعض بني سهم إن شئتم فعلنا على أن من هجانا منكم دفعتموه إلينا فقال عتبة ما يمنعني أن أقول ما تقول إلا أن الزبير بن عبد المطلب غائب بالطائف

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297