كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٥

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 297

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 297
المشاهدات: 44878
تحميل: 5540


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 297 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44878 / تحميل: 5540
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 15

مؤلف:
العربية

أحد منهم إنه هرب حين هرب عثمان و لا إلى الجهة التي فر إليها عثمان و إنما هرب معتصما بالجبل و هذا ليس بعيب و لا ذنب لأن الذين ثبتوا مع رسول الله ص اعتصموا بالجبل كلهم و أصعدوا فيه و لكن يبقى الفرق بين من أصعد في الجبل في آخر الأمر و من أصعد فيه و الحرب لم تضع أوزارها فإن كان عمر أصعد فيه آخر الأمر فكل المسلمين هكذا صنعوا حتى رسول الله ص و إن كان ذلك و الحرب قائمة بعد تفرق.و لم يختلف الرواة من أهل الحديث في أن أبا بكر لم يفر يومئذ و أنه ثبت فيمن ثبت و إن لم يكن نقل عنه قتل أو قتال و الثبوت جهاد و فيه وحده كفاية.و أما رواة الشيعة فإنهم يروون أنه لم يثبت إلا علي و طلحة و الزبير و أبو دجانة و سهل بن حنيف و عاصم بن ثابت و منهم من روى أنه ثبت معه أربعة عشر رجلا من المهاجرين و الأنصار و لا يعدون أبا بكر و عمر منهم روى كثير من أصحاب الحديث أن عثمان جاء بعد ثالثة إلى رسول الله ص فسأله إلى أين انتهيت فقال إلى الأعرض فقال لقد ذهبت فيها عريضة.روى الواقدي قال كان بين عثمان أيام خلافته و بين عبد الرحمن بن عوف كلام فأرسل عبد الرحمن إلى الوليد بن عقبة فدعاه فقال اذهب إلى أخيك فأبلغه عني ما أقول لك فإني لا أعلم أحدا يبلغه غيرك قال الوليد أفعل قال قل له يقول لك عبد الرحمن شهدت بدرا و لم تشهدها و ثبت يوم أحد و وليت و شهدت بيعة الرضوان و لم تشهدها فلما أخبره قال عثمان صدق أخي تخلفت عن بدر على ابنة رسول الله ص و هي مريضة فضرب لي رسول الله ص بسهمي و أجري فكنت بمنزلة من

٢١

حضر بدرا و وليت يوم أحد فعفا الله عني في محكم كتابه و أما بيعة الرضوان فإني خرجت إلي أهل مكة بعثني رسول الله ص و قال إن عثمان في طاعة الله و طاعة رسوله و بايع عني بإحدى يديه على الأخرى فكان شمال النبي خيرا من يميني فلما جاء الوليد إلى عبد الرحمن بما قال قال صدق أخي.قال الواقدي و نظر عمر إلى عثمان بن عفان فقال هذا ممن عفا الله عنه و هم الذين تولوا يوم التقى الجمعان و الله ما عفا الله عن شي‏ء فرده قال و سأل رجل عبد الله بن عمر عن عثمان فقال أذنب يوم أحد ذنبا عظيما فعفا الله عنه و أذنب فيكم ذنبا صغيرا فقتلتموه و احتج من روى أن عمر فر يوم أحد بما روى أنه جاءته في أيام خلافته امرأة تطلب بردا من برود كانت بين يديه و جاءت معها بنت لعمر تطلب بردا أيضا فأعطى المرأة و رد ابنته فقيل له في ذلك فقال إن أبا هذه ثبت يوم أحد و أبا هذه فر يوم أحد و لم يثبت.و روى الواقدي أن عمر كان يحدث فيقول لما صاح الشيطان قتل محمد قلت أرقى في الجبل كأني أروية و جعل بعضهم هذا حجة في إثبات فرار عمر و عندي أنه ليس بحجة لأن تمام الخبر فانتهيت إلى رسول الله ص و هو يقول( وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ ) الآية و أبو سفيان في سفح الجبل في كتيبته يرومون أن يعلوا الجبل فقال رسول الله ص اللهم إنه ليس لهم أن يعلونا فانكشفوا و هذا يدل على أن رقيه في الجبل قد كان بعد إصعاد رسول الله ص فيه و هذا بأن يكون منقبة له أشبه.و روى الواقدي قال حدثني ابن أبي سبرة عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم اسم أبي جهم عبيد قال كان خالد بن الوليد يحدث و هو بالشام فيقول الحمد لله

٢٢

الذي هداني للإسلام لقد رأيتني و رأيت عمر بن الخطاب حين جال المسلمون و انهزموا يوم أحد و ما معه أحد و إني لفي كتيبة خشناء فما عرفه منهم أحد غيري و خشيت إن أغريت به من معي أن يصمدوا له فنظرت إليه و هو متوجه إلى الشعب قلت يجوز أن يكون هذا حقا و لا خلاف أنه توجه إلى الشعب تاركا للحرب لكن يجوز أن يكون ذلك في آخر الأمر لما يئس المسلمون من النصرة فكلهم توجه نحو الشعب حينئذ و أيضا فإن خالدا متهم في حق عمر بن الخطاب لما كان بينه و بينه من الشحناء و الشنئان فليس بمنكر من خالد أن ينعى عليه حركاته و يؤكد صحة هذا الخبر و كون خالد عف عن قتل عمر يومئذ ما هو معلوم من حال النسب بينهما من قبل الأم فإن أم عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة و خالد هو ابن الوليد بن المغيرة فأم عمر ابنة عم خالد لحا و الرحم تعطف.حضرت عند محمد بن معد العلوي الموسوي الفقيه على رأى الشيعة الإماميةرحمه‌الله في داره بدرب الدواب ببغداد في سنة ثمان و ستمائة و قارئ يقرأ عنده مغازي الواقدي فقرأ حدثنا الواقدي قال حدثني ابن أبي سبرة عن خالد بن رياح عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد قال سمعت محمد بن مسلمة يقول سمعت أذناي و أبصرت عيناي رسول الله ص يقول يوم أحد و قد انكشف الناس إلى الجبل و هو يدعوهم و هم لا يلوون عليه سمعته يقول إلي يا فلان إلي يا فلان أنا رسول الله فما عرج عليه واحد منهما و مضيا فأشار ابن معد إلي أن اسمع فقلت و ما في هذا قال هذه كناية عنهما فقلت و يجوز ألا يكون عنهما لعله عن غيرهما قال ليس في الصحابة من

٢٣

يحتشم و يستحيا من ذكره بالفرار و ما شابهه من العيب فيضطر القائل إلى الكناية إلا هما قلت له هذا وهم فقال دعنا من جدلك و منعك ثم حلف أنه ما عنى الواقدي غيرهما و أنه لو كان غيرهما لذكره صريحا و بان في وجهه التنكر من مخالفتي له.روى الواقدي قال لما صاح إبليس أن محمدا قد قتل تفرق الناس فمنهم من ورد المدينة فكان أول من وردها يخبر أن محمدا قد قتل سعد بن عثمان أبو عبادة ثم ورد بعده رجال حتى دخلوا على نسائهم حتى جعل النساء يقلن أ عن رسول الله تفرون و يقول لهم ابن أم مكتوم أ عن رسول الله تفرون يؤنب بهم و قد كان رسول الله ص خلفه بالمدينة يصلي بالناس ثم قال دلوني على الطريق يعني طريق أحد فدلوه فجعل يستخبر كل من لقي في الطريق حتى لحق القوم فعلم بسلامة النبي ص ثم رجع و كان ممن ولى عمر و عثمان و الحارث بن حاطب و ثعلبة بن حاطب و سواد بن غزية و سعد بن عثمان و عقبة بن عثمان و خارجة بن عمر بلغ ملل و أوس بن قيظى في نفر من بني حارثة بلغوا الشقرة و لقيتهم أم أيمن تحثي في وجوههم التراب و تقول لبعضهم هاك المغزل فاغزل به و هلم و احتج من قال بفرار عمر بما رواه الواقدي في كتاب المغازي في قصة الحديبية قال قال عمر يومئذ يا رسول الله أ لم تكن حدثتنا أنك ستدخل المسجد الحرام و تأخذ مفتاح الكعبة و تعرف مع المعرفين و هدينا لم يصل إلى البيت و لا نحر فقال رسول الله ص أ قلت لكم في سفركم هذا قال عمر لا قال أما إنكم ستدخلونه و آخذ مفتاح الكعبة و أحلق رأسي و رءوسكم ببطن مكة و أعرف مع المعرفين ثم أقبل على عمر و قال أ نسيتم يوم

٢٤

أحد( إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى‏ أَحَدٍ ) و أنا أدعوكم في أخراكم أ نسيتم يوم الأحزاب( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ اَلْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ اَلْقُلُوبُ اَلْحَناجِرَ ) أ نسيتم يوم كذا و جعل يذكرهم أمورا أ نسيتم يوم كذا فقال المسلمون صدق الله و صدق رسوله أنت يا رسول الله أعلم بالله منا فلما دخل عام القضية و حلق رأسه قال هذا الذي كنت وعدتكم به فلما كان يوم الفتح و أخذ مفتاح الكعبة قال ادعوا إلي عمر بن الخطاب فجاء فقال هذا الذي كنت قلت لكم قالوا فلو لم يكن فر يوم أحد لما قال له أ نسيتم يوم أحد إذ تصعدون و لا تلوون

القول فيما جرى للمسلمين بعد إصعادهم في الجبل

قال الواقدي حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال لما صاح الشيطان لعنه الله أن محمدا قد قتل يحزنهم بذلك تفرقوا في كل وجه و جعل الناس يمرون على النبي ص لا يلوي عليه أحد منهم و رسول الله يدعوهم في أخراهم حتى انتهت هزيمة قوم منهم إلى المهراس فتوجه رسول الله ص يريد أصحابه في الشعب فانتهى إلى الشعب و أصحابه في الجبل أوزاع يذكرون مقتل من قتل منهم و يذكرون ما جاءهم عن رسول الله ص قال كعب بن مالك فكنت أول من عرفه و عليه المغفر فجعلت أصيح و أنا في الشعب هذا رسول الله ص حي فجعل يومئ إلي بيده على فيه أي اسكت ثم دعا بلأمتي فلبسها و نزع لأمته.قال الواقدي طلع رسول الله ص على أصحابه في الشعب بين السعدين

٢٥

سعد بن عبادة و سعد بن معاذ يتكفأ في الدرع و كان إذا مشى تكفأ تكفؤا و يقال إنه كان يتوكأ على طلحة بن عبيد الله.قال الواقدي و ما صلى يومئذ الظهر إلا جالسا للجرح الذي كان أصابه.قال الواقدي و قد كان طلحة قال له إن بي قوة فقم لأحملك فحمله حتى انتهى إلى الصخرة التي على فم شعب الجبل فلم يزل يحمله حتى رفعه عليها ثم مضى إلى أصحابه و معه النفر الذين ثبتوا معه فلما نظر المسلمون إليهم ظنوهم قريشا فجعلوا يولون في الشعب هاربين منهم ثم جعل أبو دجانة يليح إليهم بعمامة حمراء على رأسه فعرفوه فرجعوا أو بعضهم.قال الواقدي روي أنه لما طلع عليهم في النفر الذين ثبتوا معه و هم أربعة عشر سبعة من المهاجرين و سبعة من الأنصار جعلوا يولون في الجبل خائفين منهم يظنونهم المشركين جعل رسول الله ص يتبسم إلى أبي بكر و هو على جنبه و يقول له ألح إليهم فجعل أبو بكر يليح إليهم و هم لا يعرجون حتى نزع أبو دجانة عصابة حمراء على رأسه فأوفى على الجبل فجعل يصيح و يليح فوقفوا حتى عرفوهم و لقد وضع أبو بردة بن نيار سهما على كبد قوسه فأراد أن يرمي به رسول الله ص و أصحابه فلما تكلموا و ناداهم رسول الله ص أمسك و فرح المسلمون برؤيته حتى كأنهم لم تصبهم في أنفسهم مصيبة و سروا لسلامته و سلامتهم من المشركين.قال الواقدي ثم إن قوما من قريش صعدوا الجبل فعلوا على المسلمين و هم في الشعب قال فكان رافع بن خديج يحدث فيقول إني يومئذ إلى جنب أبي مسعود الأنصاري و هو يذكر من قتل من قومه و يسأل عنهم فيخبر برجال منهم سعد بن

٢٦

الربيع و خارجة بن زهير و هو يسترجع و يترحم عليهم و بعض المسلمين يسأل بعضا عن حميمه و ذي رحمه فيهم يخبر بعضهم بعضا فبينا هم على ذلك رد الله المشركين ليذهب ذلك الحزن عنهم فإذا عدوهم فوقهم قد علوا و إذا كتائب المشركين بالجبل فنسوا ما كانوا يذكرون و ندبنا رسول الله ص و حضنا على القتال و الله لكأني أنظر إلى فلان و فلان في عرض الجبل يعدوان هاربين قال الواقدي فكان عمر يحدث يقول لما صاح الشيطان قتل محمد أقبلت أرقى إلى الجبل فكأني أروية فانتهيت إلى النبي ص و هو يقول( وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ ) الآية و أبو سفيان في سفح الجبل فقال رسول الله ص يدعو ربه اللهم ليس لهم أن يعلوا فانكشفوا.قال الواقدي فكان أبو أسيد الساعدي يحدث فيقول لقد رأيتنا قبل أن يلقى النعاس علينا في الشعب و إنا لسلم لمن أرادنا لما بنا من الحزن فألقي علينا النعاس فنمنا حتى تناطح الحجف ثم فزعنا و كانا لم يصبنا قبل ذلك نكبة قال و قال الزبير بن العوام غشينا النعاس فما منا رجل إلا و ذقنه في صدره من النوم فأسمع معتب بن قشير و كان من المنافقين يقول و إني لكالحالم( لَوْ كانَ لَنا مِنَ اَلْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا ) فأنزل الله تعالى فيه ذلك.قال و قال أبو اليسر لقد رأيتني ذلك اليوم في رجال من قومي إلى جنب رسول الله ص و قد أنزل الله علينا النعاس أمنة منه ما منهم رجل إلا يغط غطيطا حتى إن الحجف لتناطح و لقد رأيت سيف بشر بن البراء بن معرور سقط من يده

٢٧

و ما يشعر به حتى أخذه بعد ما تثلم و إن المشركين لتحتنا و سقط سيف أبي طلحة أيضا و لم يصب أهل الشك و النفاق نعاس يومئذ و إنما أصاب النعاس أهل الإيمان و اليقين فكان المنافقون يتكلم كل منهم بما في نفسه و المؤمنون ناعسون.قلت سألت ابن النجار المحدث عن هذا الموضع فقلت له من قصة أحد تدل على أن المسلمين كانت الدولة لهم بادئ الحال ثم صارت عليهم و صاح الشيطان قتل محمد فانهزم أكثرهم ثم ثاب أكثر المنهزمين إلى النبي ص فحاربوا دونه حربا كثيرة طالت مدتها حتى صار آخر النهار ثم أصعدوا في الجبل معتصمين به و أصعد رسول الله ص معهم فتحاجز الفريقان حينئذ و هذا هو الذي يدل عليه تأمل قصة أحد إلا أن بعض الروايات التي ذكرها الواقدي يقتضي غير ذلك نحو روايته في هذا الباب أن رسول الله ص لما صاح الشيطان إن محمدا قد قتل كان ينادي المسلمين فلا يعرجون عليه و إنما يصعدون في الجبل و إنه وجه نحو الجبل فانتهى إليهم و هم أوزاع يتذاكرون بقتل من قتل منهم و هذه الرواية تدل على أنه أصعد ص في الجبل من أول الحرب حيث صاح الشيطان و صياح الشيطان كان حال كون خالد بن الوليد بالجبل من وراء المسلمين لما غشيهم و هم مشتغلون بالنهب و اختلط الناس فكيف هذا فقال إن الشيطان صاح قتل محمد دفعتين دفعة في أول الحرب و دفعة في آخر الحرب لما تصرم النهار و غشيت الكتائب رسول الله ص و قد قتل ناصروه و أكلتهم الحرب فلم يبق معه إلا نفر يسير لا يبلغون عشرة و هذه كانت أصعب و أشد من الأولى و فيها اعتصم و ما اعتصم في صرخة الشيطان الأولى بالجبل بل ثبت و حامى عنه أصحابه و لقد لقي في الأولى مشقة عظيمة من ابن قميئة و عتبة بن أبي وقاص و غيرهما

٢٨

و لكنه لم يفارق عرصة الحرب و إنما فارقها و علم أنه لم يبق له وجه مقام في صرخته الثانية.قلت له فكان القوم مختلطين في الصرخة الثانية حتى يصرخ الشيطان قتل محمد قال نعم المشركون قد أحاطوا بالنبي ص و بمن بقي معه من أصحابه فاختلط المسلمون بهم و صاروا مغمورين بينهم لقلتهم بالنسبة إليهم و ظن قوم من المشركين أنهم قد قتلوا النبي ص لأنهم فقدوا وجهه و صورته فنادى الشيطان قتل محمد و لم يكن قتل ص و لكن اشتبهت صورته عليهم و ظنوه غيره و أكثر من حامى عنه في تلك الحال علي ع و أبو دجانة و سهل بن حنيف و حامى هو عن نفسه و جرح قوما بيده تارة بالسهام و تارة بالسيف و لكن لم يعلموا بأعيانهم لاختلاط القوم و ثوران النقع و كانت قريش تظنه واحدا من المسلمين و لو عرفوه بعينه في تلك الثورة لكان الأمر صعبا جدا و لكن الله تعالى عصمه منهم بأن أزاغ أبصارهم عنه فلم يزل هؤلاء الثلاثة يجالدون دونه و هو يقرب من الجبل حتى صار في أعلى الجبل أصعد من فم الشعب إلى تدريج هناك في الجبل و رقي في ذلك التدريج صاعدا حتى صار في أعلى الجبل و تبعه النفر الثلاثة فلحقوا به.قلت له فما بال القوم الذين صعدوا الجبل من المشركين و كيف كان إصعادهم و عودهم.قال أصعدوا لحرب المسلمين لا لطلب رسول الله ص لأنهم ظنوا أنه قد قتل و هذا هو كان السبب في عودهم من الجبل لأنهم قالوا قد بلغنا الغرض

٢٩

الأصلي و قتلنا محمدا فما لنا و التصميم على الأوس و الخزرج و غيرهم من أصحابه مع ما في ذلك من عظم الخطر بالأنفس قلت له فإذا كان هذا قد خطر لهم فلما ذا صعدوا في الجبل.قال يخطر لك خاطر و يدعوك داع إلى بعض الحركات فإذا شرعت فيها خطر لك خاطر آخر يصرفك عنها فترجع و لا تتمها قلت نعم فما بالهم لم يقصدوا قصد المدينة و ينهبوها.قال كان فيها عبد الله بن أبي في ثلاثمائة مقاتل و فيها خلق كثير من الأوس و الخزرج لم يحضروا الحرب و هم مسلمون و طوائف أخر من المنافقين لم يخرجوا و طوائف أخرى من اليهود أولو بأس و قوة و لهم بالمدينة عيال و أهل و نساء و كل هؤلاء كانوا يحامون عن المدينة و لم تكن قريش تأمن مع ذلك أن يأتيها رسول الله ص من ورائها بمن يجامعه من أصحابه فيحصلوا بين الأعداء من خلفهم و من أمامهم فكان الرأي الأصوب لهم العدول عن المدينة و ترك قصدها.قال الواقدي حدثني الضحاك بن عثمان عن حمزة بن سعيد قال لما تحاجزوا و أراد أبو سفيان الانصراف أقبل يسير على فرس له حوراء فوقف على أصحاب النبي ص و هم في عرض الجبل فنادى بأعلى صوته أعل هبل ثم صاح أين ابن أبي كبشة يوم بيوم بدر ألا إن الأيام دول.و في رواية أنه نادى أبا بكر و عمر أيضا فقال أين ابن أبي قحافة أين ابن الخطاب ثم قال الحرب سجال حنظلة بحنظلة يعنى حنظلة بن أبي عامر بحنظلة بن

٣٠

أبي سفيان فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله أجيبه قال نعم فأجبه فلما قال أعل هبل قال عمر الله أعلى و أجل.و يروى أن رسول الله ص قال لعمر قل له الله أعلى و أجل فقال أبو سفيان إن لنا العزى و لا عزى لكم فقال عمر أو قال رسول الله ص قل له الله مولانا و لا مولى لكم فقال أبو سفيان إنها قد أنعمت فقال عنها يا ابن الخطاب فقال سعيد بن أبي سفيان ألا إن الأيام دول و إن الحرب سجال فقال عمر و لا سواء قتلانا في الجنة و قتلاكم في النار فقال أبو سفيان إنكم لتقولون ذلك لقد جبنا إذا و خسرنا ثم قال يا ابن الخطاب قم إلي أكلمك فقام إليه فقال أنشدك بدينك هل قتلنا محمدا قال اللهم لا و إنه ليسمع كلامك الآن قال أنت عندي أصدق من ابن قميئة ثم صاح أبو سفيان و رفع صوته إنكم واجدون في قتلاكم عنتا و مثلا إلا أن ذلك لم يكن عن رأي سراتنا ثم أدركته حمية الجاهلية فقال و أما إذ كان ذلك فلم نكرهه ثم نادى ألا إن موعدكم بدر الصفراء على رأس الحول فوقف عمر وقفة ينتظر ما يقول رسول الله ص فقال له قل نعم فانصرف أبو سفيان إلى أصحابه و أخذوا في الرحيل فأشفق رسول الله ص و المسلمون من أن يغيروا على المدينة فيهلك الذراري و النساء فقال رسول الله ص لسعد بن أبي وقاص اذهب فأتنا بخبر القوم فإنهم إن ركبوا الإبل و جنبوا الخيل فهو الظعن إلى مكة و إن ركبوا الخيل و جنبوا الإبل فهو الغارة على المدينة و الذي نفسي بيده إن ساروا إليها لأسيرن إليهم ثم لأناجزنهم قال سعد فتوجهت أسعى و أرصدت نفسي إن أفرعني شي‏ء رجعت إلى النبي ص و أنا أسعى فبدأت بالسعي حين ابتدأت فخرجت في آثارهم

٣١

حتى إذا كانوا بالعقيق و أنا بحيث أراهم و أتأملهم ركبوا الإبل و جنبوا الخيل فقلت إنه الظعن إلى بلادهم ثم وقفوا وقفة بالعقيق و تشاوروا في دخول المدينة فقال لهم صفوان بن أمية قد أصبتم القوم فانصرفوا و لا تدخلوا عليهم و أنتم كالون و لكم الظفر فإنكم لا تدرون ما يغشاكم فقد وليتم يوم بدر لا و الله ما تبعوكم و كان الظفر لهم فيقال إن رسول الله ص قال نهاهم صفوان فلما رآهم سعد على تلك الحال منطلقين و قد دخلوا في المكمن رجع إلى رسول الله ص و هو كالمنكسر فقال وجه القوم يا رسول الله إلى مكة امتطوا الإبل و جنبوا الخيل فقال ما تقول قلت ما قلت يا رسول الله فخلا بي فقال أ حقا ما تقول قلت نعم يا رسول الله قال فما بالي رأيتك منكسرا فقلت كرهت أن آتي المسلمين فرحا بقفولهم إلى بلادهم فقال ص إن سعدا لمجرب.قال الواقدي و قد روي خلاف هذا روي أن سعدا لما رجع رفع صوته بأن جنبوا الخيل و امتطوا الإبل فجعل رسول الله ص يشير إلى سعد خفض صوتك فإن الحرب خدعة فلا ترى الناس مثل هذا الفرح بانصرافهم فإنما ردهم الله تعالى.

قال الواقدي و حدثني ابن أبي سبرة عن يحيى بن شبل عن أبي جعفر قال قال رسول الله ص لسعد بن أبي وقاص إن رأيت القوم يريدون المدينة فأخبرني فيما بيني و بينك و لا تفت في أعضاد المسلمين فذهب فرآهم قد امتطوا الإبل فرجع فما ملك أن جعل يصيح سرورا بانصرافهم.قال الواقدي و قيل لعمرو بن العاص كيف كان افتراق المسلمين و المشركين يوم

٣٢

أحد فقال ما تريدون إلى ذلك قد جاء الله بالإسلام و نفي الكفر و أهله ثم قال لما كررنا عليهم أصبنا من أصبنا منهم و تفرقوا في كل وجه و فاءت لهم فئة بعد فتشاورت قريش فقالوا لنا الغلبة فلو انصرفنا فإنه بلغنا أن ابن أبي انصرف بثلث الناس و قد تخلف الناس من الأوس و الخزرج و لا نأمن أن يكروا علينا و فينا جراح و خيلنا عامتها قد عقرت من النبل فمضينا فما بلغنا الروحاء حتى قام علينا عدة منها و انصرفنا إلى مكة.قال الواقدي حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عائشة قال سمعت أبا بكر يقول لما كان يوم أحد و رمي رسول الله ص في وجهه حتى دخلت في وجهه حلقتان من المغفر أقبلت أسعى إلى رسول الله ص و إنسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا فقلت اللهم اجعله طلحة بن عبيد الله حتى توافينا إلى رسول الله ص فإذا أبو عبيدة بن الجراح فبدرني فقال أسألك بالله يا أبا بكر إلا تركتني فأنتزعه من وجه رسول الله ص قال أبو بكر فتركته و قال رسول الله ص عليكم صاحبكم يعني طلحة فأخذ أبو عبيدة بثنيته حلقة المغفر فنزعها و سقط على ظهره و سقطت ثنية أبي عبيدة ثم أخذ الحلقة بثنيته الأخرى فكان أبو عبيدة في الناس أثرم و يقال إن الذي نزع الحلقتين من وجه رسول الله ص عقبة بن وهب بن كلدة و يقال أبو اليسر.قال الواقدي و أثبت ذلك عندنا عقبة بن وهب بن كلدة.قال الواقدي و كان أبو سعيد الخدري يحدث أن رسول الله ص

٣٣

أصيب وجهه يوم أحد فدخلت الحلقتان من المغفر في وجنتيه فلما نزعتا جعل الدم يسرب كما يسرب الشن فجعل مالك بن سنان يمج الدم بفيه ثم ازدرده

فقال رسول الله ص من أحب أن ينظر إلى من خالط دمه بدمي فلينظر إلى مالك بن سنان فقيل لمالك تشرب الدم فقال نعم أشرب دم رسول الله ص

فقال رسول الله ص من مس دمه دمي لم تصبه النار قال الواقدي و قال أبو سعيد كنا ممن رد من الشيخين لم نجئ مع المقاتلة فلما كان من النهار بلغنا مصاب رسول الله ص و تفرق الناس عنه جئت مع غلمان بني خدرة نعرض لرسول الله ص ننظر إلى سلامته فنرجع بذلك إلى أهلنا فلقينا الناس متفرقين ببطن قناة فلم يكن لنا همة إلا النبي ص ننظر إليه فلما رآني قال سعد بن مالك قلت نعم بأبي أنت و أمي و دنوت منه فقبلت ركبته و هو على فرسه فقال آجرك الله في أبيك ثم نظرت إلى وجهه فإذا في وجنتيه مثل موضع الدرهم في كل وجنة و إذا شجة في جبهته عند أصول الشعر و إذا شفته السفلى تدمى و إذا في رباعيته اليمنى شظية و إذا على جرحه شي‏ء أسود فسألت ما هذا على وجهه فقالوا حصير محرق و سألت من أدمى وجنتيه فقيل ابن قميئة فقلت فمن شجه في وجهه فقيل ابن شهاب فقلت من أصاب شفتيه قيل عتبة بن أبي وقاص فجعلت أعدو بين يديه حتى نزل ببابه ما نزل إلا محمولا و أرى ركبتيه مجحوشتين يتكئ على السعدين سعد بن معاذ و سعد بن عبادة حتى دخل بيته فلما غربت الشمس و أذن بلال بالصلاة خرج على تلك الحال

٣٤

يتوكأ على السعدين سعد بن عبادة و سعد بن معاذ ثم انصرف إلى بيته و الناس في المسجد يوقدون النيران يتمكدون بها من الجراح ثم أذن بلال بالعشاء حين غاب الشفق فلم يخرج رسول الله ص فجلس بلال عند بابه ص حتى ذهب ثلث الليل ثم ناداه الصلاة يا رسول الله فخرج و قد كان نائما قال فرمقته فإذا هو أخف في مشيته منه حين دخل بيته فصليت معه العشاء ثم رجع إلى بيته قد صفف له الرجال ما بين بيته إلى مصلاه يمشي وحده حتى دخل و رجعت إلى أهلي فخبرتهم بسلامته فحمدوا الله و ناموا و كانت وجوه الأوس و الخزرج في المسجد على النبي ص يحرسونه فرقا من قريش أن تكر.قال الواقدي و خرجت فاطمة ع في نساء و قد رأت الذي بوجه أبيها ص فاعتنقته و جعلت تمسح الدم عن وجهه و رسول الله ص يقول اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسوله و ذهب علي ع فأتى بماء من المهراس و قال لفاطمة أمسكي هذا السيف غير ذميم فنظر إليه رسول الله ص مختضبا بالدم فقال لئن كنت أحسنت القتال اليوم فلقد أحسن عاصم بن ثابت و الحارث بن الصمة و سهل بن حنيف و سيف أبي دجانة غير مذموم هكذا روى الواقدي.و روى محمد بن إسحاق أن عليا ع قال لفاطمة بيتي شعر و هما:

أ فاطم هاء السيف غير ذميم

فلست برعد يد و لا بلئيم

لعمري لقد جاهدت في نصر أحمد

و طاعة رب بالعباد رحيم

فقال رسول الله ص لئن كنت صدقت القتال اليوم لقد صدق معك سماك بن خرشة و سهل بن حنيف.

٣٥

قال الواقدي فلما أحضر علي ع الماء أراد رسول الله ص أن يشرب منه فلم يستطع و قد كان عطشا و وجد ريحا من الماء كرهها فقال هذا ماء آجن فتمضمض منه للدم الذي كان بفيه ثم مجه و غسلت فاطمة به الدم عن أبيها ص فخرج محمد بن مسلمة يطب مع النساء و كن أربع عشرة امرأة قد جئن من المدينة يتلقين الناس منهن فاطمة ع يحملن الطعام و الشراب على ظهورهن و يسقين الجرحى و يداوينهم.قال الواقدي قال كعب بن مالك رأيت عائشة و أم سليم على ظهورهما القرب تحملانها يوم أحد و كانت حمنة بنت جحش تسقي العطشى و تداوي الجرحى فلم يجد محمد بن مسلمة عندهن ماء و رسول الله ص قد اشتد عطشه فذهب محمد بن مسلمة إلى قناة و معه سقاؤه حتى استقى من حسى قناة عند قصور التميميين اليوم فجاء بماء عذب فشرب منه رسول الله ص و دعا له بخير و جعل الدم لا ينقطع من وجهه ع و هو يقول لن ينالوا منا مثلها حتى نستلم الركن فلما رأت فاطمة الدم لا يرقأ و هي تغسل جراحه و علي يصب الماء عليها بالمجن أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادا ثم ألصقته بالجرح فاستمسك الدم و يقال إنها داوته بصوفة محرقة و كان رسول الله ص بعد يداوي الجراح الذي في وجهه بعظم بال حتى ذهب أثره و لقد مكث يجد وهن ضربة ابن قميئة على عاتقه شهرا أو أكثر من شهر و يداوي الأثر الذي في وجهه بعظم.قال الواقدي و قال رسول الله ص قبل أن ينصرف إلى المدينة من يأتينا بخبر سعد بن الربيع فإني رأيته و أشار بيده إلى ناحية من الوادي قد شرع فيه اثنا عشر سنانا فخرج محمد بن مسلمة و يقال أبي بن كعب نحو تلك الناحية قال فأنا وسط القتلى لتعرفهم إذ مررت به صريعا في الوادي فناديته فلم يجب ثم قلت إن رسول الله ص أرسلني إليك قال فتنفس كما يتنفس الطير ثم قال

٣٦

و إن رسول الله ص لحي قلت نعم و قد أخبرنا أنه شرع لك اثنا عشر سنانا فقال طعنت اثنتي عشرة طعنة كلها أجافتني أبلغ قومك الأنصار السلام و قل لهم الله الله و ما عاهدتم عليه رسول الله ص ليلة العقبة و الله ما لكم عذر عند الله إن خلص إلى نبيكم و منكم عين تطرف فلم أرم من عنده حتى مات فرجعت إلى النبي ص فأخبرته فرأيته استقبل القبلة رافعا يديه يقول اللهم الق سعد بن الربيع و أنت عنه راض.قال الواقدي و خرجت السمداء بنت قيس إحدى نساء بني دينار و قد أصيب ابناها مع النبي ص بأحد النعمان بن عبد عمر و سليم بن الحارث فلما نعيا لها قالت فما فعل رسول الله ص قالوا بخير هو بحمد الله صالح على ما تحبين فقالت أرونيه أنظر إليه فأشاروا لها إليه فقالت كل مصيبة بعدك يا رسول الله جلل و خرجت تسوق بابنيها بعيرا تردهما إلى المدينة فلقيتها عائشة فقالت ما وراءك فأخبرتها قالت فمن هؤلاء معك قالت ابناي حل حل تحملهما إلى القبر.قال الواقدي و كان حمزة بن عبد المطلب أول من جي‏ء به إلى النبي ص بعد انصراف قريش أو كان من أولهم فصلى عليه رسول الله ص ثم قال رأيت الملائكة تغسله قالوا لأن حمزة كان جنبا ذلك اليوم و لم يغسل رسول الله ص الشهداء يومئذ و قال لفوهم بدمائهم و جراحهم فإنه ليس أحد يجرح في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة لون جرحه لون الدم و ريحه ريح المسك ثم

٣٧

قال ضعوهم فأنا الشهيد على هؤلاء يوم القيامة و كان حمزة أول من كبر عليه أربعا ثم جمع إليه الشهداء فكان كلما أتي بشهيد وضع إلى جنب حمزة فصلى عليه و على الشهيد حتى صلى عليه سبعين مرة لأن الشهداء سبعون.قال الواقدي و يقال كان يؤتى بتسعة و حمزة عاشرهم فيصلي عليهم و ترفع التسعة و يترك حمزة مكانه و يؤتى بتسعة آخرين فيوضعون إلى جنب حمزة فيصلي عليه و عليهم حتى فعل ذلك سبع مرات و يقال إنه كبر عليه خمسا و سبعا و تسعا.قال الواقدي و قد اختلفت الرواية في هذا و كان طلحة بن عبيد الله و ابن عباس و جابر بن عبد الله يقولون صلى رسول الله ص على قتلى أحد و قال أنا شهيد على هؤلاء فقال أبو بكر أ لسنا إخوانهم أسلمنا كما أسلموا و جاهدنا كما جاهدوا قال بلى و لكن هؤلاء لم يأكلوا من أجورهم شيئا و لا أدري ما تحدثون بعدي فبكى أبو بكر و قال إنا لكائنون بعدك.و قال أنس بن مالك و سعيد بن المسيب لم يصل رسول الله ص على قتلى أحد.قال الواقدي و قال لأهل القتلى احفروا و أوسعوا و أحسنوا و ادفنوا الاثنين و الثلاثة في القبر و قدموا أكثرهم قرآنا و أمر بحمزة أن تمد بردته عليه و هو في القبر و كانت قصيرة فكانوا إذا خمروا بها رأسه بدت رجلاه و إذا خمروا بها رجليه انكشف وجهه فبكى المسلمون يومئذ فقالوا يا رسول الله عم رسول الله يقتل فلا يوجد له ثوب فقال بلى إنكم بأرض جردية ذات أحجار و ستفتح يعني الأرياف و الأمصار فيخرج الناس إليها ثم يبعثون إلى أهليهم و المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون

٣٨

و الذي نفسي بيده لا تصبر نفس على لأوائها و شدتها إلا كنت لها شفيعا أو قال شهيدا يوم القيامة.قال الواقدي و أتى عبد الرحمن بن عوف في خلافة عثمان بثياب و طعام فقال و لكن حمزة لم يوجد له كفن و مصعب بن عمير لم يوجد له كفن و كانا خيرا مني.قال الواقدي و مر رسول الله ص بمصعب بن عمير و هو مقتول مسجى ببردة خلق فقال لقد رأيتك بمكة و ما بها أحد أرق حلة و لا أحسن لمة منك ثم أنت اليوم أشعث الرأس في هذه البردة ثم أمر به فقبر و نزل في قبره أخوه أبو الروم و عامر بن ربيعة و سويبطة بن عمرو بن حرملة و نزل في قبر حمزة علي ع و الزبير و أبو بكر و عمر و رسول الله ص جالس على حفرته.قال الواقدي ثم إن الناس أو عامتهم حملوا قتلاهم إلى المدينة فدفن بالبقيع منهم عدة عند دار زيد بن ثابت و دفن بعضهم ببني سلمة فنادى منادي رسول الله ص ردوا القتلى إلى مضاجعهم و كان الناس قد دفنوا قتلاهم فلم يرد أحد أحدا منهم إلا رجلا واحدا أدركه المنادي و لم يدفن و هو شماس بن عثمان المخزومي كان قد حمل إلى المدينة و به رمق فأدخل على عائشة فقالت أم سلمة ابن عمي يدخل إلى غيري فقال رسول الله ص احملوه إلى أم سلمة فحملوه إليها فمات عندها فأمر رسول الله ص أن يرد إلى أحد فيدفن هناك كما هو في ثيابه التي مات فيها و كان قد مكث يوما و ليلة و لم يذق شيئا فلم يصل عليه رسول الله ص و لا غسله.قال الواقدي فأما القبور المجتمعة هناك فكثير من الناس يظنها قبور قتلى أحد و كان طلحة بن عبيد الله و عباد بن تميم المازني يقولان هي قبور قوم من الأعراب كانوا

٣٩

عام الرمادة في عهد عمر هناك فماتوا فتلك قبورهم و كان ابن أبي ذئب و عبد العزيز بن محمد يقولان لا نعرف تلك القبور المجتمعة إنما هي قبور ناس من أهل البادية قالوا إنا نعرف قبر حمزة و قبر عبد الله بن حزام و قبر سهل بن قيس و لا نعرف غير ذلك.قال الواقدي و كان رسول الله ص يزور قتلى أحد في كل حول و إذا لقوه بالشعب رفع صوته يقول السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار و كان أبو بكر يفعل مثل ذلك و كذلك عمر بن الخطاب ثم عثمان ثم معاوية حين يمر حاجا و معتمرا.قال و كانت فاطمة بنت رسول الله ص تأتيهم بين اليومين و الثلاثة فتبكي عندهم و تدعو و كان سعد بن أبي وقاص يذهب إلى ما له بالغابة فيأتي من خلف قبور الشهداء فيقول السلام عليكم ثلاثا و يقول لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا عليه السلام إلى يوم القيامة قال و مر رسول الله ص على قبر مصعب بن عمير فوقف عليه و دعا و قرأ( مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اَللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) ثم قال إن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة فأتوهم فزوروهم و سلموا عليهم و الذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه و كان أبو سعيد الخدري يقف على قبر حمزة فيدعو و يقرأ و يقول مثل ذلك و كانت أم سلمة رحمها الله تذهب فتسلم عليهم في كل شهر فتظل يومها فجاءت يوما و معها غلامها أنبهان فلم يسلم فقالت أي لكع أ لا تسلم عليهم و الله لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا عليه إلى يوم القيامة.قال و كان أبو هريرة و عبد الله بن عمر يذهبان فيسلمان عليهم قالت فاطمة

٤٠