الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة16%

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 344

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة
  • البداية
  • السابق
  • 344 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34826 / تحميل: 6837
الحجم الحجم الحجم
الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

مؤلف:
العربية

الصوارم المهرقة في جواب

الصواعق المحرقة

السيد السند السعيد القاضي نور الله التستري

الشهيد في سنة ١٠١٩ هجرية قمرية.

وطاب ثراهقدس‌سره

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى

قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

الصوارم المهرقة في جواب

الصواعق المحرقة

تأليف

السيد السند السعيد القاضي نور الله التستري

الشهيد في سنة ١٠١٩ هجرية قمرية.

قدس‌سره وطاب ثراه

عنيّ بتصحيحه

السيد جلال الدين المحدث

طهران چابخانة نهضت

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما حجر عنا حجارة إبن حجر وصير نار صواعقه رمادا بلا أثر فبهت الذي كفر وكأنه التقم الحجر والشكر على ما أيدنا بصوارم حجج قاطعة حاكمة فيما شجر وأعلمنا إنا على الحق الذي لا يزدجر ولو ساقونا إلى سعفات هجر ثم الصلاة على سيد الوبر والمدر الذي سبح في كفه الحصى وإستلمه الحجر وعلى إثنتي عشرة عينا بإشارتهم الى الحجر قد نبع الماء منه وإنفجر وشهد بإمامتهم البيت والركن والحجر وبعد فإن الشيخ الجاهل الجامد الحامل للزجاج الكامل في نقص الفطرة وسوء المزاج أبو المدر إبن حجر رخام الإنحراف وبرام الأعوجاج وراج بمشاركة إسم الحافظ العسقلاني بعض الرواج قد أظهر في مقام إيراد الشبهة والإحتجاج غاية الحماقة واللجاج فلم يميز العذب الفرات من الملح الأجاج ولا ضوء الصبح على المظلم الداج ورام رمي الناس بالحجر مع كون بيته من الزجاج بل حاول بيد قاصرة عن إقتباس قبس الإحتحاج وقدم داحضة في ميادين الحجاج

٤

معارضة المقتبسين عن مشكاة القرآن والولاية بالطبع الوهاج ومبارزة رجال المنايا وأسود الهياج المتدرعين بسوابغ ولاء أدلاء المنهاج المؤيدين بصوارم كأنها لذي الفقار نتاج مطفئة بحدة ماءها الأجاج حر صواعق كل متمجس أجاج فبادر الي تسويد كتاب يستهزء به الألباب لبيان حقية خلافة أبي فصيل وإبن الخطاب ومع إحتوائه على المصادرة وسوء المكابرة وإنطوائه على الأحاديث الموضوعة والآثار المصنوعة والإيرادات الباردة والإعتراضات الجامدة سماه بالصواعق المحرقة لمحا الى إنه يحرق قلوب الشيعة ويخرق صدور تلك الفرقة الناجية الرفيعة وسيكشف لك ضوء ما قابلناه به من الصوارم المهرقة إنه لا يحرق إلا لحيته ولا يخرق إلا أليته والله يحق الحق ويهدي السبيل.

١ ـ قال: أحرقه الله بنار صواعقه في خطبة كتابه المذموم : الحمد لله الذي خص نبيه محمداً بأصحاب كالنجوم وأوجب على الكافة تعظيمهم وإعتقاد حقية ماكانوا عليه من حقائق المعارف والعلوم.

أقول : أشار بقوله أصحاب كالنجوم الى مارووا من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابي كالنجوم فبأيهم أقتديتم إهتديتم وفيه بحث سنداً ومتناً.

أما أولاً فلما قال بعض الفضلاء من أولاد الشافعي في شرح كتاب الشفاء للقاضي عياض المالكي إن حديث أصحابي كالنجوم أخرجه الدار قطني في الفضائل وإبن عبد في العلم من طريقه من حديث جابر وقال هذا إسناد لا يقوم به حجة لأن في طريقه الحارث بن غضين وهو مجهول ورواه عبد بن حميد في مسنده من رواية عبدالرحيم بن زيد عن أبيه عن المسيب عن عمر قال البزار منكر ولا يصح ورواه إبن عدي في الكامل

٥

من رواية حمزة بن أبي حمزة النصيبي عن نافع عن عمر بلفظ بأيهم أخذتم بدل قوله إقتديتم واسناده ضعيف لأجل حمزة لأنه متهم بالكذب ورواه البيهقي في المدخل من حديث إبن عباس وقال متنه مشهور واسانيده ضعيفة لم يثبت في هذا الباب اسناد وقال ابن حزم إنه مكذوب موضوع باطل وقال الحافظ زين الدين العراقي وكان ينبغي للمصنف أن لا يذكر هذا الحديث بصيغة الجزم لما عرفت حاله عند علماء الفن إنتهى كلام شارح الشفاء وهو كاف شاف في الرد على أهل الشفاء

وأما ثانيا فلأن المخاطبين في متن الحديث بلفظ إقتديتم وإهتديتم إن كانوا هم الصحابة أو الصحابة مع غيرهم فلا يستقيم إذ لا مساغ للفصيح أن يقول لأصحابه أولهم مع غير هم أصحابي كالنجوم بأيهم إقتديتم وهو ظاهر وإن كانوا غير الصحابة فهو خلاف الظاهر إذ الظاهر {ن كل من خاطبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الخطاب المتبادر من الخطاب الشفاهي كان بمرأى منهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكان صحابيا ولو سلم ذلك لكان الظاهر اخبار رواية بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لجميع من اسلم غير الصحابة اصحابي كالنجوم الخ ولما لم يكن في روايتكم شيء من هذا التخصيص بطل إدعاؤكم في ذلك

وأيضا يلزم على هذا التقدير {ن كل من إقتدى بقول بعض الجهال بل الفساق من الصحابة او المنافقين منهم وترك العمل بقول بعض العلماء الصالحين منهم يكون مهتدياً وان يكون المقتدي بقتلة عثمان والذي تقاعد عن نصرته تابعاً للحق مهتديا وان يكون المقتدي بعائشة وطلحة والزبير الذين بغوا وخرجوا على عليعليه‌السلام وقتلوه مهتديا وان يكون المقتول من

٦

الطرفين في الجنة ولو إن رجلا إقتدى بمعاوية في صفين فحارب معه الى نصف النهار ثم عاد في نصفه فحارب مع عليعليه‌السلام الى آخر النهار لكان في الحالين جميعا مهتديا تابعا للحق والتوالي بأسرها باطلة ضرورة وإتفاقا والذي يسد باب كون عموم الصحابة كالنجوم ماقال الفاضل التفتازاني في شرح المقاصد من أن ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على السنة الثقاة يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طرق الحق وبلغ حد الظلم والفسق وكان الباعث عليه الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرئاسات والميل الى اللذات والشهوات إذ ليس كل صحابي معصوما ولا كل من لقى النبي بالخير موسوماً إلا إن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآلله وآله ذكر والها محامل وتأويلات بها يليق وذهبوا إلى إنهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق صونا لعقائد المسلمين من الزيغ والضلالة في حق كبار الصحابة سيما المهاجرين منهم والأنصار المبشرين بالثواب في دار القرار إنتهى.

ويتوجه على ماذكره آخراً من تعليل ذكر العلماء المحامل والتأويلات لما وقع بين الصحابة بحسن ظنهم فيه إن بعد العلم بوقوع ماوقع بينهم لا وجه لحسن الظن بالكل الى التعصب فيهم وأما من زعموه كبار الصحابة وعنوا به الثلاثة فهم أول من أسس أساس الظلم والعدوان بغصب الخلافة عن أهل البيت والإقدام بكيت وكيت وإنما صاروا كباراً بغصبهم الخلافة وحكومتهم على الناس بالجلافة ولهذا قال بعض علماء الامة كل زينته الخلافة إلا علي بن أبي طالبعليه‌السلام وروى هذا الشيخ الجامد في الفصل الثالث في ثناء الصحابة والسلف على عليعليه‌السلام

٧

انه لما دخل عليعليه‌السلام الكوفة دخل عليه حكيم من العرب فقال والله ياأمير المؤمنين لقد زينت الخلافة وما زينتك ورفعتها وما رفعتك وهي كانت أحوج اليك منك اليها إنتهي

وأما ماذكره من البشارة لهم بالثواب في دار القرار فإن أشار به الى حديث بشارة العشرة فهو موضوع لا يصح إلا في واحد منهعليه‌السلام كما سيأتي بيانه وإن أشار به الى غيره من الأحاديث فلعل بعد ظهور صحته يكون بشارة الثواب فيه مشروطا بشروطه كما روي عن مولانا الرضاعليه‌السلام إنه لما سئل عن صحة رواية قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « من قال لا إله إلا الله وجبت له الجنة» فقال نعم بشروطها وأنا من شروطها أي من ملة شروطها الإعتقاد بإمامتي ووجوب طاعتي والحاصل إنه لا يتحتم بمجرد الصحابية الحكم بإن الإيمان والعدالة وحسن الظن فيهم واستيهالهم للإقتداء بهم والإستهداء منهم وذلك لأنه لاريب في أن الصحابي من لقي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مؤمنا به وموته على الإسلام وإن الإيمان والعدالة مكسبان ليسا طبيعين جبليين فالصحابي كغيره في إنه لايثبت إيمانه إلا بحجة لكن قد جازف اهل السنة كل المجازفة فحكموا بعدالة كل الصحابة من لابس منهم الفتن ومن لم يلابس وقد كان فيهم المقهورون على الإسلام والداخلون على غير بصيرة والشكاك كما وقع من فلتات ألسنتهم كثيرا وكان فيهم شاربوا الخمر وقاتلوا النفس وسارقوا الرداء وغيرها من المناكير بل كان فيهم المنافقون كما أخبر به الباري جل ثناؤه ورواه البخاري في صحيحه وغيره في غيره وكانوا في عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله ساكنين في مدينته يصحبونه ويجلسون في مجلسه ويخاطبهم ويخاطبونه ويدعون بالصحابة ولم يكونوا بالنفاق معروفين ولا متميزين ظاهراً قال الله سبحانه

٨

ولو نشاء لأربكناهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول بل كان فيهم من يبتغي له الغوائل ويتربص به الدوائر ويمكر ويسعى في هدم أمره كما ذكره أبو بكر أحمد البيهقي في كتاب دلائل النبوة حيث قال أخبرنا أبو عبدالله الحافظ وذكر الإسناد مرفوعا الى ابي الأسود عن عروة قال لما رحع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تبوك الى المدينة حتى إذا كان ببعض الطريق مكر به ناس من أصحابه فأتمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق وارادوا ان يسلكوه معه فأخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خبرهم فقال من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم فأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله العقبة وأخذ الناس بطن الوادي إلا النفر الذين أرادوا المكر به فاستعدوا أو تلثموا وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر فمشيا معه وامر عمارا ان يأخذ بزمام الناقة وامر حذيفه ان يسوقها فبينما هم يسيرون إذ سمعوا ذكرة القوم من ورائهم قد غشوهم فغضب رسول الله وامر حذيفة ان يردهم فرجعوا متلثمين فرعبهم الله حين ابصروا حذيفة وظن ان مكرهم قد ظهر واسرعوا حتى خالطوا الناس واقبل حذيفة حتى اقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما ادركه قال له اضرب الراحلة ياحذيفة وامش انت ياعمار فاسرعوا وخرجوا من العقبة ينتظرون الناس فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ياحذيفة هل عرفت من هؤلاء الرهط والركب احداً ؟ فقال حذيفة عرفت راحلة فلان وفلان وكانت ظلمة الليل غشيتهم وهم متلثمون فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله هل علمتما ما شأن الركب وما أرادوا ؟ قالا لا يارسول الله (ص) قال فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا أظلمت لي العقبة طرحوني منها قالا أفلا تأمر بهم يارسول الله إذا جاءك

٩

الناس فنضرب أعناقهم قال أكره أن يتحدث الناس فيقولون أن محمدا قد وضع يده في أصحابه فسماهم لهم ثم قال أكتماهم وفي كتاب أبان بن عثمان قال الأعمش وكانوا إثني عشر سبعة من قريش وعلى تقدير ثبوت الإيمان والعدالة يمكن زوالهما كما في بلعم صاحب موسىعليه‌السلام حيث قال سبحانه وتعالى واتلو عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد الى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب أن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون وكان بلعم أوتي علم بعض كتب الله وقيل يعرف إسم الله الأعظم ثم كفر بآيات الله وكما وقع من الطامة الكبرى في سبعين الفا من بني إسرائيل واولاد الأنبياء الذين كانوا في دين موسىعليه‌السلام فإرتدوا في حياته بمحرد غيبته عنهم مدة قليلة الى الطور وإستضعفوا وصيه هارون النبي (ع) وكادوا يقتلونه ويدفعونه باليد والرجل وإقتدوا بالسامري في عبادة العجل وإذا كان هذا حال هؤلاء النجباء من أولاد الأنبياء الذين لم يدنسهم سبق الشرك والكفر في حياة نبيهم ووجود نبي آخر ووصيه فيهم فما ظنك بحال جماعة مضى أكثر عمرهم في الكفر والجاهليه بعد وفاة نبيهم مع أنه لم يكن يحصل لهؤلاء عن ذلك العجل الحنيد جاه أو مال عتيد وكان لمن وافق أبا بكر في غصب خلافة نبينا الحميد من طمع الجاه والمال ما ليس عليه مزيد فعقدوا لواء السلطنة بسيفهم خالد بن الوليد وسدوا لسان أبي سفيان بتفويض ولاية الشام إلى ولده يزيد ودفعوا فتنة الزبير بما أراد وأريد وفضوا الى غيرهم كالمغيرة وأبا عبيدة حكومة صنعاء وزبيد الى غير ذلك مما يطول به النشيد وإذا كان كذلك

١٠

فلا بد من تتبع أحوالهم واقوالهم في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

وبعد موته ليعلم من مات منهم على الإيمان والعدالة ومن مات ميتة الجاهلية مثل أبي بكر الذي إدعى الإمامة ونص الكتاب والحديث المتواتر ودليل العقل ناطق بأنه حق عليعليه‌السلام ومن فاطمةعليها‌السلام أرثها وكتاب الله ناطق بأن لها الإرث

وقتاله لبني حنيف الملتزمين للدين الحنيف الى غير ذلك مما يخالف الشرع الشريف وعمر الذي إدعى ما إدعاه وقال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مرض موته من الهجر والهذيان ما قال وفعل مافعل من منع كتابته (ص) ما يصون الأمة من الضلال وإقدامه بتخريق الكتاب الذي كتبه أبو بكر لفاطمةعليها‌السلام في أخذها لفدك وقوله متعتان كانتا على عهد رسول الله حلالين وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما وإحداثه بدعة الجماعة في التراويح

وتفضيل العرب على العجم في العطايا ، الى غير ذلك من الطوام التي لا تحملها المطايا ، وعثمان الذي ولى أمور المسلمين وولى عليهم من لا يصلح لها مع ظهور فسقه وفساد حاله ودعائه حكم بن العاص طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإيوائه وإعطائه المال العظيم من بيت مال المسلمين رعاية لقرابته وإعراضا عن الدين وهتكاً لحرمة سيد المرسلين وإيذائه لأبي ذر وعمار بن ياسر وإبن مسعود وغيرهم من أكابر الصحابة الذين كانوا أسود الغابة وغيرها مما هو بهذه المثابة ومعاوية الطليق الباغي الفاسق الذي مال عن علي وسمّ الحسنعليهما‌السلام وغيّر سنّة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في كثير من الأحكام حتى إنه كان يلبس الحرير فقال له إبن عباس رض : إن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال « إنه محرم على رجال أمتي » فقال هواناً : لا أرى به بأساً فقال إبن عباس : من عذيري من معاوية إبن

١١

أبي سفيان أنا أقول له قال رسول الله وهو يقول أنا لا أرى بأسا الى غير ذلك من المناكير والأباطيل الصادرة عنهم التي لا يحتملها مقام المقال ويضيق عن ذكرها المجال

وروى مسلم في صحيحه عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه قال : ليردنّ على الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم رفعوا الي واختلجوا دوني فلا قولن أي أصيحابي أصيحابي فليقالن إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك إنتهى

ومثله مذكور في صحيح البخاري الذي هو أصح كتب الأحاديث عندهم في تفسير قوله تعالى : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم الآية

قال النووي في حديث مسلم « أما إختلجوا فمعناه إقتطعوا وأما اصحابي فقد وقع في الروايات مصغرا مكررا وفي بعض النسخ أصحابي مكبرا مكرراً

وقال القاضي هذا دليل لصحة تأويل من تأول إنهم أهل الردة ولهذا قال فيهم سحقاً سحقاً ولا يقول ذلك في مذنبي الأمة بل يشفع لهم ويهتم لأمره قال وقيل هؤلاء صنفان أحدهما عصاة مرتدون عن الإستقامة لا عن الإسلام وهؤلاء مبدلون الأعمال الصالحة بالسيئة والثاني مرتدون الى الكفر حقيقة ناكصون على أعقابهم واسم التبديل يشمل الصنفين إنتهى.

واقول : بل المراد بالمرتدين المحدثون في دين الله الغاصبون للخلافة والآكلون لمال فدك ظلما وجورا على فاطمةعليها‌السلام ولهذا قال فيهم في بعض الروايات سحقا سحقا فافهم واذا كان الحال بهذا المنوال من الإختلاف ووقع الإرتداد من الصحابة فلا يجوز الحكم بالإيمان والعدالة لأحد منهم إلا إذا تحقق إتصافه بهما وموته عليهما ولا يعلم ذلك إلا بتتبع الأحوال وإستقراء الآثار الدالة على بقاء الإيمان والعدالة أو الزوال

قال الفاضل التفتازاني في التلويح « إن الجزم بالعدالة يختص بمن

١٢

إشتهر بطول الصحبة على طريق التتبع والأخذ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والباقون كسائر الناس فيهم عدول وغير عدول »

وقال الفقيه الأسنوي الشافعي « إن المراد من قول العلماء : الصحابة بأسرهم عدول مطلقا إن مجرد الصحبة شاهد التعديل مغن عن البحث عنهم فإن ظهر عن أحد منهم ما يفضي الى التفسير فليس بعدل كسارق رداء صفوان ومن ثبت زنائه ولذا غير بعضهم عبارتهم بأن قال : انهم عدول إلا من تحققنا قيام المانع فيه وليس المراد من كونه عدولا إنه يلزم إتصافهم بذلك ويستحيل خلافه فإن هذا معنى العصمة المختصة بالأنبياءعليهم‌السلام إنتهى كلامه.

ومن العجب إنه زاد بعضهم في المجازفة والمخارفة فحكم بأنهم كلهم كانوا مجتهدين وهذا مما يقطع من له أدنى عقل بفساده لأنه كان فيهم الأعراب ومن أسلم قبل موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بيسير والأميون الذين يجهلون أكثر قواعد الإحكام وشرائع الدين فضلاً عن الخوض فيه في الإستدلال كيف والإجتهاد ملكة لا تحصل إلا بعد فحص كثير وممارسة تامة بغير خلاف ، وإمكان حصول التفقه والإجتهاد لهم لا يمنعه إلا إنه لا يقتضي الحكم بذلك لأنه خلاف العلم العادي والذي ألجأهم الى هذا القول البارد السمج الناشيء عن العصبية ما قد تحققوه من وقوع الإختلاف والفتن بينهم وإنه كان يفسق ويكفر بعضهم بعضا ويضرب بعضهم رقاب بعض ، فحاولوا أن يجعلوا له طريقا الى التخلص كما جوّزوا الأتمام بكل بر وفاجر ليروّجوا أمر الفساق الجهال من خلفائهم وأئمتهم.

وأما ثالثا فلما ذكر شارح الشفاء ايضا من أن للقائل بالمذهب المختار من أن

١٣

قول الصحابي ليس بحجة مطلقاً أن يقول : الحديث وإن كان عاما في أشخاص الصحابة فلا دلالة فيه على عموم الإهتداء بهم في كل ما يقتدى فيه وعند ذلك فيمكن حمله على الإقتداء بهم فيما يروونه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وليس الحمل على غيره بأولى من الحمل عليه إنتهى

ويؤيد وجوب إرتكاب التخصيص فيه إن هذا الشيخ الجامد المتولد من الحجر ، إستحسن أن يكون المراد بأهل البيت الذين هم أمان في الحديث الذي أسبقنا(١) نقله من علمائهم معللاً بأنهم الذين يهتدى بهم كالنجوم ولا ريب إن إستحسان التخصيص المذكور في ذلك الحديث يوجب إستحسان مثله في هذا الحديث بطريق أولى وما ذكره من التعليل يقتضي وجوب التأويل بذلك كما لا يخفى ولنعم ماقال بعض الفضلاء رحمة الله تعالى عليهم :

( شعر )

( صحابه كرچه ايشان كالنجومند

ولي بعض كواكب نحس وشومند )

وإذا بطل الحمل على العموم بطل إستدلالهم بذلك على إستيهال الصحابة الثلاثة وأمثالهم بالإقتداء بهم ووضع الخلافة فيهم والإستهداء منهم فوجب تنزيله على اصحابهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أهل بيتهعليهم‌السلام لدلالة الآية والرواية والإتفاق على عدالتهم وطهارتهم بل على علو عصمتهم فوجب الإعتصام بحبلهم المتين والإقتداء بهديهم المبين

٢ ـ قال : فإني سئلت قديما في تأليف كتاب يبين حقيقة خلافة الصديق وإمارة ابن الخطاب فأجبت الى ذلك مسارعة في خدمة هذا الجناب ، ثم سئلت في إقرائه لكثرة الشيعة والرفضة ونحوهما الآن بمكة المشرفة أشرف بلاد الإسلام فأجبت الى

____________________

(١) كذا كان والظاهر إنه سهو لأنه لم يسبق شيئا بالنسبة الى هذا الحديث.

١٤

ذلك رجاء لهداية بعض من زل به قدمه عن واضح المسالك.

أقول : أيها الشيخ الجامد ، لعمرك ما زدت بذلك إلا إبراز زلة قدمك وإظهار جهلك المركب على الشيعة بحيث يضحكون على تأليف هذا لما أشرنا اليه من إبتنائه على مجرد المصادرة وسوء المكابره الذين أخذتهما بإرث التعصب من الأشاعرة …. لكن قد عمى منكم القلب والبصر والمسمار لا يؤثر في الحجر

ثم إن أراد بالرفضه الغلاة من الشيعة الذين قالوا بإلوهية عليعليه‌السلام أو نبوته فهم كانوا جماعة قليلة قد حكم سائر طوائف الشيعة أيضاً بكفرهم بل بنجاستهم العينية وقد إنقرضوا قبل خمسمائة من زماننا هذا

وأن اراد بهم الشيعة الإمامية الذين هم عيون طوائف الشيعة المدار عليهم الطاعنين في خلافة المشايخ الثلاثة فليس في تلقبهم بهذا الأجل ماذكر شناعة كما يشعر به سياق كلام هذا الشيخ الجاهل وأصحابه لأنه مآل هذا الرفض يرجع عند التحقيق الى رفض الباطل وهو إعتقاد صحة خلافة المشايخ الثلاثة وإنما الشناعة في أصل تلقب مخالفيهم بأهل السنة والجماعة فإن هذا اللقب قد وضع في زمان معاوية وأرادوا بالسنة سنة معاوية من سب عليعليه‌السلام على المنابر ونحوه من الكفر والبدعة وبالجماعة جماعته كما يشعر به ما سيذكره هذا الجامد في باب خلافة الحسنعليه‌السلام حيث قال « وكان نزول الحسن عن الخلافة في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين فسمي هذا العام عام الجماعة لإجتماع الأمة على خليفة واحد إنتهى

ثم لما ظهرت دولة بني العباس ومعاداتهم لبني أمية وأتباعهم خافوا عن الحمل على ذلك وقالوا مرادنا بالسنة سنة النبي وبالجماعة جماعة أصحابه فقد ظهر إنهم في الحقيقة أهل السنة والجماعة

١٥

لا أهل سنة النبي وجماعته ولنعم ماقال صاحب الكشاف فيهم :

( لجماعة سموا هواهم سنة

وجماعة حمر لعمري موكفة )

قد شبهوه بخلقه فتخوفوا

شنع الورى فتستروا بالبلكفة(١)

٣ ـ قال : المقدمة الأولى ، اعلم أن الحامل الداعي الى التأليف في ذلك ، وان كنت قاصرا عن حقائق ما هنالك ، ما أخرجه الخطيب البغدادي في الجامع وغيره إنه صلى الله عليه

____________________

(١) ذكرهما الزمخشري في الكشاف في تفسير قوله تعالى ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ، قال ربي أرني أنظر اليك ، قال لن تراني ولكن إنظر الى الجبل فإن إستقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً ، وخر موسى صعقاً فلما أفاق ، قال سبحانك تبت اليك وأنا أول المؤمنين وهي الآية الثانية والأربعون بعد المائة من سورة الأعراف يعير بهما القائلين بالرؤية وعبارته قبل البيتين هكذا ( ٣٥٠ /١ المطبوع بمصر سنة ١٣٠٧ ) « ثم تعجب من المتسمين بالإسلام ، المتسمين بأهل السنة والجماعة ، كيف إتخذوا هذه العظيمة مذهبا ؟ ولا يغرنك تسترهم بالبلفكة فإنه من منصوبات أ شياخهم والقول ماقال بعض العدلية فيهم لجماعة سمو الخ »

وانت خبير بأن صريح عبارته إنهما من إنشائات بعض العدلية ويمكن أن يقال إن هذا التعبير خوفاً من متعصبي العامة وجهالهم ولذا قال محب الدين الأفندي في كتاب تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات المطبوع في ذيل الجزء الثاني من الكشاف (ص ٨٨ ) بعد نقل البيتين « البيتان للزمخشري عند قوله تعالى : لن تراني ولكن إنظر الى الجبل الى آخر الآية

موكفة من الأكاف وهو البردعة

والبلتفة قولك بلا كيف يقرر مذهبه في نفي الرؤية ويقدح في أهل السنة والجماعة الذين يصدقون بأن رؤية الله تعالى حق ويقولون نرى ربنا يوم القيامة بل كيف كما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته » وكان الشافعيرضي‌الله‌عنه يتمسك في إثبات الرؤية بقوله تعالى كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون قال لم حجب الكفار بالسخط دل على أن الأولياء يرونه في الرضا وسئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن رؤية العباد ربهم يوم القيامة فقال منهم من ينظر الى ربه في الجمعة مرة ومنهم من ينظر الى ربه بكرة وعشية رزقنا الله تعالى رؤيته في الآخرة كما رزقنا في الدنيا بكرمه معرفته ولقد عورض ما أنشده وأنشأه من الهذيان بأبيات ذكرها السكوني في التمييز وهي

سميت جهلاً صدر أمة أحمد

وذوي البصائر بالحمير الموكفة

ورميتهم عن نبعة سميتها

رمى الوليد غدا يمزق مصحفه

وزعمت إن قد شبهوه بخلقه

وتخوفوا وتستروا بالبلكفة

نطق الكتاب وأنت تنطق بالهوى

فهوى الهوى بك في المهاوي المتلفة

وجب الخسار عليك فانظر منصفا

في آية الأعراف فهي المنصفة

أترى الكريم أتى بجهل ما أتى؟

وأوتوا شيوخك ما أتوا عن معرفه ؟

=

١٦

وآله قال « إذا ظهرت الفتن ( أو قال البدع ) وسب أصحابي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لايقبل الله له صرفا ولا عدلاً

أقول : إعترافه بالقصور عن حقائق هذه المسألة حق كما سيظهر وليس فيه هضم نفس كما قد يتوهمه بعض أوليائه وما ذكره من الحديث فلا يصلح حاملا باعثاً على تأليفه هذا ، لجواز أن يكون المراد من البدع ما أبدعه خلفائه الثلاثة في دين رب العالمين كما أشرنا اليه سابقا وسيأتي لاحقاً والمراد بمن سب من الأصحاب هو مولانا أمير

____________________

=ويؤيد كونهما للزمخشري ما هو مشهور منه ومذكور في ترجمته حتى ترجمته المطبوعة في آخر الكشاف ايضاً ( ٥٧٣ /٢ ) من قوله :

إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به

وأكتمه كتمانه لي أسلم

فإن حنفياً قلت قالوا بأنني

أبيح الطلا وهو الشراب المحرم

وإن مالكيا قالوا بأنني

أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم

وإن شافعيا قلت قالوا بأنني

أبيح نكاح البنت والبنت تحرم

وإن حنبليا قلت قالوا بأنني

ثقيل حلو لي بغير مجسم

وإن قلت من أهل الحديث وحزبه

يقولون تيس ليس يدري ويفهم

تعجبت من هذا الزمان وأهله

فما أحد من ألسن الناس يسلم

وأخرني دهري وقدم معشرا

على إنهم لا يعلمون وأعلم

ومذ أفلح الجهال أيقنت أنني

أنا الميم والأيام أفلح وأعلم

١٧

المؤمنينعليه‌السلام ومن تابعه من المهاجرين والأنصار فإن معاوية ومن بعده من فراعنة بني أمية سبوهم على منابرهم ثمانين سنة كما هو المشهور المذكور على ألسنة الجمهور.

٤ ـ قال : والطبراني « من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ».

أقول : هذا حجة عليه لا له حيث وقر في كتابه هذا جماعة هم أول من أبدعوا في دين الإسلام بل حجة على الصحابة الذين وقروا الثلاثة ومكنوهم من غصب الخلافة وإحداث فنون البدع والكثافة.

٥ ـ قال : وسيتلى عليك ما تعلم منه علما قطعيا إن الرافضة والشيعة وما نحوهما من أكابر أهل البدعة.

١٨

أقول : لعمرك ، أن هذا العلم إنما حصل لك من فرط تقليدك للآباء والأمهات ، ونموك في عدواة أهل الحق من شيعة الأئمة الهداة ، وإلا فالإستدلال على ذلك بما نسجته من الطامات ، والأحاديت الموضوعات، التي وضعها أمثالك لنصرة المذهب ، لا يصير حجة على الخصم ولا يورث ظناً ضعيفا فضلاً عن العلم القطعي ولو سلم أنها من أكابر أهل البدعة فأكبرهم أكابر خلفائك الثلاث وسينجلي لك إنما ذكرته مكابرة إنشاء الله تعالى.

٦ ـ قال : وأخرج المحاملي والطبراني والحاكم عن عويمر بن ساعدانه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال « إن الله إختارني وإختار لي أصحاب فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهاراً فمن حفظني فيهم حفظه الله ومن آذاني فيهم آذاه الله.

آقول : لو صح هذا الحديث فالمراد بالوزراء فيه عليعليه‌السلام والجميع بالتعظيم كما قاله المفسرون فيما نزل في شأنه (ع) من قوله تعالى والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون إذا لم يتعدد وزيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما هو الأصل بل كان واحداً وهو عليعليه‌السلام عند الشيعة ولو سلم إن المراد غيره فهو من الأنصار لما سيذكر هذا الرجل في الفصل الأول من الباب الأول رواية عن أحمد مايدل على حصر الوزارة في الأنصار وعلى هذا يكون لفظ الأنصار في هذا الحديث بمنزلة عطف تفسير للوزراء فإفهم وكذا الكلام في الأصهار لظهور أن الأصهار على تقدير سليم كون عثمان صهراً للنبي (ص) أيضاً لا يبلغ مرتبة الجمعية بالأتفاق.

١٩

٧ ـ قال : وأخرج هو يعني أبا ذر الهروي والذهبي عن إبن عباس مرفوعاً « يكون في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الإسلام فإقتلوهم فإنهم مشركون.

أقول : بعد منع صحة السند قد مر إن الكلام في هذا المبحث في كل عصر إنما كان مع الشيعة الأمامية دون من لايعبأ بهم من الغلاة ، ومن الظاهر الذي لايخفى على كل أحد إن الإمامية لا يقولون بتعدد الآله ولا بإلوهية أحد من الأئمة المعصومينعليهم‌السلام حتى يكونوا مشركين فلو صح الحديث كان المراد من الرفضه المذكوره فيه الغلاة من الشيعة الذين يفرطون في حبّ عليعليه‌السلام الى أن يعتقدوا الربوبية فيه كما يدل عليه الحديث الذي سيذكره بعد ذلك بقوله : وأخرج الدارقطني عن علي كرم الله وجهه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « سيأتي من بعدي قوم لهم نبز يقال لهم الرافضه فإن أدركتهم فإقتلهم فإنهم مشركون، قال قلت يارسول الله ما العلامة فيهم ؟ قال يفرطونك بما ليس فيك ويطعون على السلف » إنتهى

بل المراد بالرافضة كلما وقع في آثار السلف هم الغلاة وجعله شاملا للشيعة الإمامية تعنت من مخالفيهم وأما قوله « ويطعنون على السلف » فمن إضافات الخلف فهو خلف باطل كما لا يخفى.

٨ ـ قال : الطبراني عن إبن عباسرضي‌الله‌عنه « من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ».

أقول : الظاهر إن المراد سب جميع الأصحاب بحيث يدخل فيه المقبول

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

البركة فيه؛ وذلك لأن الفعل يحمل في طيّاته الطبيعة العامة والسنّة الإلهية الشاملة؛ ولذا قال اللَّه عزّ وجلّ في نفس سورة يوسف: ( لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ ) (1) ، وقال تعالى أيضاً في السورة ذاتها: ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى ) (2) .

إذن، آية الاستشفاء ومشروعيته عامّة والمورد لا يخصّص الوارد.

هل الآية دليل على مشروعية الاستشفاء فقط؟

لابدّ من التنبيه هنا على أن الاستشفاع والتوسّل والاستغاثة والتبرّك والاستشفاء كلّها من باب واحد، وتندرج تحت طبيعة واحدة وإن تعدّدت عناوينها، فهي أصناف لطبيعة واحدة عامّة، وهي توسيط الواسطة لنجح المسؤول ونيل المطلوب.

فالتبرك مثلاً هو طلب البركة، أي طلب الحاجة بواسطة ما جعله اللَّه عزّ وجلّ من الحظوة والبركة في ذوات الأنبياء والأولياء المقدّسة أو ما يتعلّق بهم وينتسب إليهم.

وكذا الاستغاثة طلب قضاء الحاجة بواسطة المستغاث به في حالة خاصة، وهكذا بقيّة العناوين الأخرى كما ستأتي الإشارة إلى بعضها عند ذكر الفرق بين التوسّل والاستشفاع والشفاعة في الفصل الرابع.

وبناء على هذا يكون الاستشفاء بقميص يوسف عليه‌السلام المذكور في الآية

____________________

(1) يوسف: 7.

(2) يوسف: 111.

١٤١

المباركة توسيط وتبرّك وتوسّل بالقميص إلى اللَّه عزّ وجلّ.

وتكون هذه الآية الكريمة دالّة على مشروعية مطلق التوسيط بكلّ أصنافه، وليست الآية خاصة بالاستشفاء فقط، وهذا من الاستدلال على مشروعية النوع أو الجنس بمشروعية الصنف أو النوع.

هذا تمام الكلام في هذه الآية.

2 - قصة البقرة، الواردة في قوله تعالى: ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) (1) ، فإن هذه القصة تتحدّث عن إحياء شخص من بني إسرائيل، قتل ظلماً واختلفوا في قاتله فأمرهم اللَّه تعالى للكشف عن قاتله أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها، لتعود إليه الحياة ويتكلّم بذكر قاتله، قال عزّ وجلّ: ( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَاتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (2) ، فهنا الباري تعالى مع كون الإحياء من فعله وليس هو بالأمر الهين، بل هو من الأمور العظيمة والكمالات الأولية لا الثانوية، مع ذلك جعل الوسيلة إليه الضرب بلحم بقرة مذكّاة، فكيف بك بالأنبياء والأوصياء، ألا تُستدرُّ بهم رحمة اللَّه عزّ وجلّ؟!

وتجدر الإشارة إلى أن البقرة لم تكن بقرة عادية، بل كانت محلّ العناية الإلهية، وقد ذُكرت لها أوصافاً خاصّة في الآيات المباركة وإن كان الاستقرار عليها بعناد من بني إسرائيل.

____________________

(1) البقرة: 67.

(2) البقرة: 72 - 73.

١٤٢

والفرق بين ما هو مذكور في هذه الآيات المباركة وبين تقديس البقر وعبادتها، هو وجود الأمر الإلهي وعدمه، وقد جعل اللَّه عزّ وجلّ البقرة سبباً من الأسباب الإلهية وموضعاً من مواضع قدره وإبرام قضائه في القصة المذكورة.

ويشهد على ما ذكرنا قوله تعالى في ذيل الآية الكريمة: ( وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) .

ومعنى ذلك أن اللَّه عزّ وجلّ جعل البقرة آية وواسطة لإحياء الموتى بإذنه ومشيئته.

3 - قصة التابوت، التي وردت في قوله تعالى: ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ َلآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (1) .

فالتابوت الذي فيه سكينة وبقيّة ممَّا ترك آل موسى وآل هارون جُعل آية معجزة لمُلك طالوت وإمامته، فتلك التركة بسبب علقتها بآل موسى وآل هارون واكتسابها البركة لإضافتها إليهم تصل إلى درجة الإعجاز والآية البيّنة لإثبات مطالب حقّة، وهي إمامة طالوت، وتوجب بروز ظواهر خارقة للعادة للتابوت تكوّن منه معجزة كما ورد في روايات الفريقين.

فهذه الواسطة تجاوزت حدّ الكرامة والبركة لتصل إلى درجة الحجّية

____________________

(1) البقرة: 247 - 248.

١٤٣

والإعجاز؛ ولذا قال اللَّه عزّ وجلّ في ذيل الآية الكريمة: ( إِنَّ فِي ذَلِكَ َلآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) وذلك لبيان أن التابوت آية وعلامة وواسطة يتوسّط ويتوسل بها لإثبات مُلك طالوت وإمامته.

4 - قصة السامري صاحب العجل، التي وردت في قوله تعالى في بني إسرائيل عندما ذهب موسى عليه‌السلام إلى ربّه: ( قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ) (1) ، إلى أن قال اللَّه عزّ وجلّ حكاية عن لسان موسى عليه‌السلام : ( قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ) (2) ، والرسول في الآية الكريمة كما في بعض الروايات هو جبرئيل عليه‌السلام عندما هبط وتمثّل على حصان ليستنقذ موسى عليه‌السلام وبني إسرائيل من فرعون وجنوده ويرشدهم إلى الطريق، من أجل العبور من مصر إلى الطرف الآخر، فكان على حصان نوريّ تمثّلي، وكان السامري من خواصّ النبيّ موسى عليه‌السلام ، فلاحظ أن حافر حصان جبرئيل عليه‌السلام عندما كان يخطو الحصان ينبت الزرع دفعة واحدة من تحته، فقبض قبضة من أثر حصان الرسول فنبذها في العجل، فإذا هو له خوار.

وقد وردت هذه القصة في روايات الفريقين:

ففي تفسير القمي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: (وكان السامري على مقدّمة موسى يوم أغرق اللَّه فرعون وأصحابه، فنظر إلى جبرئيل وكان على حيوان في صور

____________________

(1) طه: 87 - 88.

(2) طه: 95 - 96.

١٤٤

رمكة (1) ، فكانت كلّما وضعت حافرها على موضع من الأرض تحرك ذلك الموضع، فنظر إليه السامري، وكان من خيار أصحاب موسى، فأخذ التراب من تحت حافر رمكة جبرئيل وكان يتحرك، فصرّه في صرّة، وكان عنده يفتخر به على بني إسرائيل، فلمَّا جاءهم إبليس واتخذوا العجل، قال للسامري: هات التراب الذي معك، فجاء به السامري، فألقاه إبليس في جوف العجل، فلمَّا وقع التراب في جوفه تحرك وخار) (2) .

وفي جامع البيان للطبري قال: (وقوله: ( فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ) يقول: قبضت قبضة من أثر حافر فرس جبرئيل)، ثم أخرج عن ابن عباس قوله: (لمَّا قذفت بنو إسرائيل ما كان معهم من زينة آل فرعون في النار وتكسّرت، ورأى السامري أثر فرس جبرئيل عليه‌السلام فأخذ تراباً من أثر حافره، ثم أقبل إلى النار فقذفه فيها، وقال: كن عجلاً جسداً له خوار، فكان للبلاء والفتنة) وفي‏ حديث آخر عنه أيضاً: (فألقى القبضة على حُليّهم فصار عجلاً جسداً له خوار).

وأخرج أيضاً عن مجاهد في قول اللَّه تعالى: ( فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ) قال: (من تحت حافر فرس جبرئيل، نبذه السامري على حلية بني إسرائيل فانسبك عجلاً جسداً له خوار) (3) .

فإذا كان أثر التراب الذي لامس حافر فرس جبرئيل عليه‌السلام له ذلك التأثير مع أن السامري استخدمه في طريق الضلالة والغواية، فما بالك بمَن هو أشرف من جبرئيل عليه‌السلام ؟! ألا تكون المواضع التي وقف فيها الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبره

____________________

(1) الرمكة: الأنثى من الخيل.

(2) تفسير القُمِّي، ج2، ص62.

(3) جامع البيان، ج16، ص254 - 255.

١٤٥

والمواطن التي لامست بدنه الشريف ذات بركة وتأثير خارق لِمَا هو المعتاد، لا سيما إذا كان في طريق الهداية والانصياع للأوامر الإلهية؟!

5 - عصا موسى عليه‌السلام ؛ حيث كانت وسيلة وواسطة للعديد من المعاجز الإلهية كانقلابها أفعى، وضرب البحر بها فكان كلّ فرق كالطود العظيم، وضرب الحجر بها فانفجرت اثنتا عشرة عيناً؛ كلّ ذلك لكونها مضافة إلى موسى عليه‌السلام ، فهي مباركة ببركة موسى عليه‌السلام وواسطة للكثير من المعاجز، فكيف بك بنفس موسى ومَن هو أفضل من موسى، ألا يكون واسطة ووسيلة لقضاء الحوائج التي هي لا تصل في العظمة والخطورة إلى حدّ المعجزة؟!

6 - البيت الحرام؛ حيث جعله اللَّه عزّ وجلّ مباركاً تُطلب فيه البركة ويدعى فيه لقضاء الحوائج، وهو نوع توسيط لأجل طلب البركة، وذلك ما جاء في قوله تعالى: ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ) (1) .

____________________

(1) آل عمران: 96.

١٤٦

الفصل الثالث:

شرطية التوسّل وضرورته في مقامات ثلاثة:

* قبول التوبة.

* قبول العبادات.

* نيل المقامات الإلهيّة.

١٤٧

الدليل الأول: معطيات الشهادة الثانية.

الدليل الثاني: التوسّل ضرورة عقلية.

الدليل الثالث: عموم وجوب طاعة اللَّه ورسوله وأولي الأمر.

الدليل الرابع: اقتران اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام بأعظم العبادات.

الدليل الخامس: ابتغاء الوسيلة ضرورة قرآنية.

الدليل السادس: شرطية الاستجارة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في طلب المغفرة.

الدليل السابع: التوسّل بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ميثاق مأخوذ على الأنبياء.

الدليل الثامن: ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِم ) .

الدليل التاسع: الاستكبار والصدّ عن آيات اللَّه تعالى موجب لحبط الأعمال.

الدليل العاشر: خضوع الملائكة لوليّ اللَّه وخليفته.

١٤٨

شرطية التوسّل

وضرورته في مقامات ثلاثة

نريد أن نبيّن تحت هذا العنوان دور التوسّل وشرطيته في مقامات ثلاثة، وهي كالتالي:

المقام الأول: إن من شرائط التوبة وقبولها التوسّل بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام .

المقام الثاني: إن من شرائط قبول وصحة الإيمان (العقيدة) والعبادات مطلقاً التوسّل والتوجّه بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام .

المقام الثالث: إن أي توجّه إلى الحضرة الربوبية في صدد نيل مقام من المقامات الإلهية أو حظوة عند اللَّه تعالى لابدّ فيه من التوجّه بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام والتوسّل بهم.

فإن فقهاء الإمامية وغيرهم أيضاً ذكروا أن ولاية أهل البيت عليهم‌السلام شرط في تلك المقامات الثلاثة، بمعنى معرفتهم والإيمان بإمامتهم.

وليس هذا ما نريد إثباته هنا؛ إذ هو مع وضوحه خارج عن محلّ البحث.

إذن؛ ما نريد بيانه هنا هو شرطية التوسّل بالنبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام في تلك المقامات الثلاثة.

١٤٩

ولأجل اشتراك ما ادّعيناه في المقامات الثلاثة في طبيعة الأدلّة، نستعرضها ببيان واحد؛ وذلك يكون صالحاً لإثبات المدّعيات الثلاثة في المقامات المذكورة.

وإليك فيما يلي استعراض الأدلّة:

الدليل الأول: معطيات الشهادة الثانية

إن المعرفة والعقيدة والإيمان - الذي هو من العبادات، بل أعظم الفرائض الإلهية؛ لأنه إذعان وإخبات وتسليم وخضوع وانقياد للَّه تعالى، وهذه المعرفة الإيمانية للعقل والقلب هي عبادتهما وطوعانيتهما للَّه - نوع توجّه ولقاء للَّه تعالى ووفود على الحضرة الربوبية وزلفى وقرب بتوسّط الإيمان القلبي، وهذه العبادة القلبية العظيمة ممتنعة بلا واسطة، وذلك لعظمة اللَّه عزّ وجل، فلا اكتناه ولا إحاطة ولا مماسّة ولا ملامسة ولا مواجهة جسمية أو عقلية أو نفسية؛ إذ لا يُجابه الجسم إلّا ما يماثله في الجسمية، ولا يُجابه النفس أو العقل إلّا ما يماثلهما، واللَّه تعالى منزّه عن كونه جسماً أو نفساً أو عقلاً؛ لكونها من الممكنات المحدودة بحدود الماهية والفقر والحاجة.

إذن لابدّ من الوسيلة والواسطة في الإيمان، الذي هو أعظم العبادات وأعظم أنواع التوجّه إلى اللَّه تعالى؛ والواسطة هي الإيمان بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله والإقرار بالشهادة الثانية في مقام الإدلاء بالشهادة التوحيدية المقبولة عند اللَّه تعالى، والموجبة للخروج من حظيرة الشرك إلى التوحيد الإسلامي الخالص؛ لأنه أعظم آية للحقّ سبحانه.

وإذا كان للوسيلة هذا الدور الخطير في المعرفة وأن التوجّه إليها في المعرفة

١٥٠

توجّهاً إلى اللَّه تعالى، والمعرفة أعظم شأناً من سائر العبادات، فكيف لا يكون التوجّه في عبادة البدن والنفس إلى اللَّه تعالى بالوسيلة؟! وكيف لا يسوغ التوجّه في الخطاب الكلامي بألفاظ الدعاء إلى الوسيلة، ويكون دعاؤها دعاء بها إلى اللَّه تعالى؟!

ففي حاقِّ وعمق عبادة الإيمان والتوجّه القلبي لابدّ من التوجّه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للوفود على اللَّه عزّ وجل، فلا يتحقّق التوحيد ولا يكون المرء مؤمناً، إلّا إذا توجّه بقلبه إلى اللَّه تعالى بالشهادة الأولى والشهادة الثانية، ومَن ينفي أي اسم أو واسطة مع اللَّه تعالى عند التوجّه إليه فهو واقع في مغبّة الشرك والوثنية من حيث يشعر أو لا يشعر، نظير وثنية قريش؛ حيث كانوا لا يدينون اللَّه تعالى بطاعة وولاية نبيّه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وإذا كان الإيمان والمعرفة كذلك، فكيف بباقي العبادات التي هي أقلّ شأناً وخطورة؟!

والحاصل: أن المعرفة والإيمان والتوحيد الذي يتضمّن الدين بأجمعه لا يحصل إلّا بالتوسل بآيات اللَّه الكبرى، ومزاوجة الشهادة الثانية بالشهادة الأولى، وهذا يعني أن أي شأن من الشؤون الدينية كالتوبة أو العبادة أو نيل مقام من المقامات الإلهية لا يمكن أن يتحقّق إلّا بالمحافظة على الشهادة الثانية، والإقرار بها وبمعطياتها وتداعياتها ومقتضياتها في كافّة أصول وفروع المعارف التوحيدية، ولا شك أن الإيمان بالشهادة الثانية توجّه قلبي بالنبي الأكرم للَّه عزّ وجل؛ إذ الإيمان كما أسلفنا طلب للقرب والزلفى ولقاء اللَّه تعالى، وهذا القرب إنما يتحقّق بتوسيط الشهادة الثانية، وهي شهادة أن محمّداً رسول

١٥١

اللَّه ووليّه وخليفته في أرضه.

فالإسلام يدعو إلى التوجّه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الإيمان والاعتقاد، وهو أفضل عبادة، فضلاً عن بقيّة العبادات الأخرى، والإباء عن التوجّه في العبادة بخاتم الأنبياء إنكار للشهادة الثانية ودعوة إلى الشرك باسم التوحيد، وهذا ما أخفق فيه السلفيُّون؛ حين جحدوا التوسّل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا تراهم يقرنون لون الشهادة الثانية ومؤداها ومعطياتها بلون الشهادة الأولى في رسم بناء التوحيد في أدبيات كتبهم، فيقتصرون على تفسير الشهادة الأولى في التوحيد، من دون أن يهتدوا إلى كيفية ركنية مؤدّى الشهادة الثانية في أركان التوحيد، وكيفية ضرورة الربط والارتباط بين مؤدّى كل من الشهادتين في رسم أصل التوحيد، ومنه يظهر أن التوسّل والتوجّه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرورة وليس مجرد خيار مشروعية.

الدليل الثاني: التوسّل ضرورة عقلية

على الرغم من أن هناك من أعلام السُّنَّة من أكّد على رجحان التوسّل ومشروعيّته، كالقاضي عياض في كتابه: (الشفا بتعريف حقوق المصطفى)، والسُبكي في: (شفاء السقام والسيف الصقيل)، والسمهودي في: (وفاء الوفا)، وتقي الدين الحصني الشافعي في كتابه: (دفع الشبه عن الرسول والرسالة) وغيرهم.

إلّا أن ما نرمي إليه في هذه الأبحاث أبعد من ذلك؛ إذ إن الرجحان والمشروعية لا يثبتان سوى التخيير وكون التوسّل أمراً مرغوباً فيه، يجوز للمكلف تعاطيه وله تركه أيضاً، وما نريد التأكيد عليه هنا هو أن مبدأ التوسّل أمر ضروري يحكم العقل بلا بُدِّيَّته وعدم إمكان المحيص عنه؛ وذلك لأن نفي

١٥٢

الواسطة والوسيلة بين العبد وبين ربّه في مقام التوجّه إليه تعالى لا يخرج عن أحد فروض ثلاثة كلّها باطلة:

الأول: فرض المجابهة والمواجهة المباشرة للَّه تعالى حين التوجّه إليه في الدعاء والعبادة، وبطلان هذا الفرض واضح؛ إذ يلزم منه التشبيه للذات الإلهية، وقد ثبت بطلانه في الأبحاث العقائدية؛ لتنافيه مع الصفات الكمالية اللّامتناهية لواجب الوجود.

بيان الملازمة:

إن مجابهة ومواجهة البشر العاديين المباشرة للذات الإلهية المقدّسة إمَّا أن تكون حسّية جسمانية أو نفسانية روحية أو عقلية، وهذه الأقسام الثلاثة من المجابهة المباشرة هي التشبيه الباطل بعينه؛ وذلك لأن ارتباط المواجهة الجسمية إنما يفرض مع ما هو جسم، لقانون التضايف بين المتجابهين، وهكذا توجّه المواجهة الروحية والقلبية لِمَا هو روح والمواجهة العقلية لِمَا هو عقل أيضاً. فكلّ هذه الأقسام المفروضة للمواجهة المباشرة للَّه تعالى لم تخرج عن دائرة التشبيه للذات المقدّسة بكونها جسماً أو روحاً أو عقلاً، وهو الشرك بعينه؛ لكونه موجباً لسلب واجب الوجود عن واجبيَّته وكماله المطلق اللّامتناهي، ووصفه بصفات المخلوق المحدود بحدود الإمكان والماهية والفقدان والاحتياج والافتقار.

وحاصل هذا الفرض هو: مواجهة البشر العاديين المباشرة للَّه تعالى، وهو فرض التشبيه الباطل بكلّ مراتبه.

١٥٣

الثاني: القول بالتعطيل وعدم السبيل إلى اللَّه تعالى ومعرفته والتوجّه إليه، وهو باطل؛ لأن معرفة اللَّه تعالى واجبة والتي هي نوع لقاء للَّه عزّ وجل وتوجّه إليه وزلفى.

الثالث: دعوى أن الناس بأجمعهم لهم ارتباط مباشر مع اللَّه تعالى فوق الجسم والروح والقلب والعقل بما لا يستلزم التشبيه، وهذا باطل بالوجدان، وقد رفض القرآن الكريم أيضاً الإيحاء والوحي إلى جميع البشر واستنكر ذلك على المشركين، كما في قوله تعالى: ( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِيٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً ) (1) . وقد ردّ اللَّه عزّ وجل في آيات أخرى على هذه المقالة الباطلة؛ حيث قال: ( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِىَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ) (2) .

ومع بطلان هذه الفروض الثلاثة تكون النتيجة ضرورة الإيمان بالوسائل والوسائط والآيات، والرجال المؤهّلين للارتباط باللَّه تعالى، وهم الأنبياء والأولياء والمصطفين، الذين اصطفاهم اللَّه عزّ وجل وجعلهم وسائط بينه وبين خلقه في كلّ ما يحتاج الخلق إليه وفي كلّ توجّه وطلب ودعاء وزلفى إلى اللَّه تعالى، سواء كان على مستوى التوبة أو سائر العبادات أو نيل مقام من المقامات الإلهية، وليس ضرورة التوسيط إلّا لعظمة اللَّه عزّ وجل وعلوه عن التجسيم

____________________

(1) المدّثر: 52.

(2) الأنعام: 124.

١٥٤

والتشبيه والتعطيل.

ثم إن آيات اللَّه الكبرى وأسمائه العظمى - التي جعلها واسطة في التوجّه إليه - هي أيضاً لا تتوجّه إلى اللَّه عزّ وجل بالمباشرة، ولا تجابهه إلّا بذواتها، فتوجّه الوسائط أيضاً إلى اللَّه تعالى إنما يكون بذواتها التي هي آية لمعرفة اللَّه عزّ وجل، ولا توجد أي مجابهة بالمباشرة لأيّ مخلوق من المخلوقات.

التوسّل في كل النشآت، ولأصناف المخلوقات:

والحاصل: أن اللَّه تعالى لعظمته وعظيم صفاته لا يجابه ولا يواجه إلّا بالوسائل والآيات، ولا يستثنى من ذلك القانون وتلك السنّة الإلهية التكوينية أي مخلوق من المخلوقات في كلّ شأن من شؤونه المعرفية والعبادية في هذه النشأة وفي جميع النشآت؛ ولذا قالت الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها‌السلام في مستهل خطبتها المعروفة في هذا المجال: (فاحمدوا اللَّه الذي بعظمته ونوره ابتغى مَن في السماوات ومَن في الأرض إليه الوسيلة، فنحن وسيلته في خلقه، ونحن آل رسوله، ونحن حجّة غيبه وورثة أنبيائه) (1) .

وكذا قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : (وبعظمته ونوره ابتغى مَن في السماوات والأرض مِن جميع خلائقه إليه الوسيلة) (2) .

إذن قانون ومبدأ التوسّل ضرورة يدركها العقل ويُقرّ بها - لعظمة اللَّه تعالى - وليس أمراً تخييرياً ولا مشروعاً فحسب.

____________________

(1) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج16، ص211، وأبو بكر الجوهري البغدادي، السقيفة وفدك، ص101.

(2) الكافي، ج1، ص129.

١٥٥

الدليل الثالث: عموم طاعة اللَّه ورسوله وأولي الأمر

إن ضرورة المسلمين قائمة على أن جميع العبادات فيها ما هو فرائض قرآنية إلهية ومنها ما هو سنن نبويّة، كما في الصلاة والصيام والحجّ والزكاة والجهاد وغيرها؛ إذ هي فرائض إلهية في أصل وجوبها في الدين. وأمَّا تفاصيلها وأجزائها وشرائطها وأقسامها، فهي سنن نبويّة وصلتنا عن طريق أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لكلّ المسلمين بتلك التفاصيل والتشريعات الخاصة. ومن أمثلة ذلك ما ورد في روايات الفريقين من أن الصلوات كان فرضها من اللَّه تعالى ركعتين لكلّ صلاة وما زاد عليها في كلّ صلاة كان من سنّة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمره وفرضه (1) ، وهكذا بقيّة التفصيلات والتشريعات القانونية النبويّة ضمن الفرائض الإلهية، وكتب الحديث مليئة بالأوامر النبويّة في مجمل الأبواب الفقهية وغيرها.

إذن، فيكون الإتيان بالصلاة والزكاة والحجّ وغيرها طاعة لأمر اللَّه وأمر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا تُستعلم طاعة اللَّه عزّ وجل من دون طاعة الرسول الأكرم في أوامره ونواهيه، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله باب طاعته تعالى؛ لأنه هو الدالّ والمبيّن والناطق الرسمي عن أوامر اللَّه عزّ وجل ونواهيه.

وهذا ما كنّا نُعبّر عنه بتداعيات ومقتضيات الشهادة الثانية؛ إذ هي تستدعي الإتيان والالتزام بجملة الدين طاعة للَّه ورسوله.

وهذا ما تكاثرت ودلّت عليه جملة من الآيات القرآنية، كما في قوله تعالى:

____________________

(1) وسائل الشيعة، أبواب القراءة في الصلاة، ب1، ح4، ومسند أحمد، ج6، ص241، ومسند عائشة، والهيثمي، مجمع الزوائد، ج2، ص154.

١٥٦

( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ) (1) .

وقوله تعالى: ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (2) .

ثم إن اللَّه عزّ وجل حذّر المسلمين من المخالفة لأوامر الرسول الأكرم، وبيّن في آيات عديدة العواقب الوخيمة التي تترتب على مخالفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في أوامره، كما في قوله تعالى: ( لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (3) ، وكذا قوله تعالى: ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ) (4) ، وقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) (5) ، وقوله عزّ وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) (6) ، إلى غير ذلك من الآيات القرآنية التي جاءت في ضمن السلك العام والسنّة الإلهية الشاملة لطاعة الرُّسُل كافّة، كما في قوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) (7) ، ومن الجدير بالالتفات أن تتمة هذه الآية المباركة هو قوله

____________________

(1) آل عمران: 32.

(2) آل عمران: 132.

(3) النور: 63.

(4) المائدة: 92.

(5) الأنفال: 20.

(6) محمد: 33.

(7) النساء: 64.

١٥٧

عزّ وجل: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ) (1) والتي سيأتي الاستدلال بها على شرطية التوسّل في المقامات الثلاثة المتقدّمة.

والحاصل: أن أوامر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اقترنت بأوامر اللَّه وفرائضه في مجمل أحكام الدين الإسلامي، وقد أكّدت الآيات القرآنية على وجوب اقتران طاعة اللَّه تعالى بطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذه طاعة عامّة كطاعة اللَّه عزّ وجل في كلّ أبواب الدين برمّته، بلا استثناء لأي جانب من جوانب الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي؛ ومعنى ذلك أن نيّة القربة إلى اللَّه تعالى وطاعته في جميع العبادات إنما تتحقّق بتوجّه العبد إلى ربّه بطاعة نبيّه، ففي كلّ عبادة إنما يتوجّه العبد إلى اللَّه تعالى للتقرّب إليه بطاعته وطاعة رسوله.

فذلكة صناعية لأخذ التوسّل في نية القربة:

ولا شك أن حقيقة العبادات بالنيّة القربيّة، والنيّة القربيّة إنما تحصل بالسبب المؤدّي إلى القربة، والقربى غاية مسبّبة سببها الطاعة لأوامر للَّه تعالى، وطاعة اللَّه عزّ وجل لا تتحقّق إلّا إذا كانت مقترنة بطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ إنَّ النيّة التي هي روح العبادة إنما تحصل بوسيلة وواسطة طاعة النبي، ومَن لم ينوِ القربة بهذا النحو في العبادة تكون عبادته شركاً باللَّه تعالى؛ لعدم التوجّه إلى اللَّه عزّ وجل بأبوابه التي أمر بتوسيطها وطاعتها وامتثال العبادات انقياداً لأوامرها.

ومَن يريد أن يفصل في صلاته وحجّه وصومه طاعة اللَّه عن طاعة الرسول

____________________

(1) النساء: 64.

١٥٨

يكون على الوثنية الجاهلية التي يشنؤها اللَّه عزّ وجل وعبّر عنها في قرآنه الكريم بالشرك والنجس، وطاعة كلّ مَن لم يأمر اللَّه بطاعته وثن من الأوثان، بل حتى صلاته تصبح وثناً إذا كانت صادرة عن طاعة غير مَن أمر اللَّه بطاعته، وإن كان ذلك المطاع هو الهوى وتحكيم سلطان الذات على سلطان اللَّه عزّ وجل، كما في الوثنية القرشية التي ذمّها القرآن الكريم.

ومن ذلك يتّضح أن أي عبادة من العبادات أو قربة من القربات أو نيل مقام من المقامات القُربية أو الفوز بحظوة عند اللَّه تعالى لا يمكن أن تتحقّق من دون توسيط طاعة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك العبادة أو ذلك المقام.

ففي مقام التقرّب والنيّة والقصد جُعلت القبلة المعنوية طاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والتدين بولايته والخضوع له، الذي هو خضوع للَّه عزّ وجل، كخضوع الملائكة لآدم؛ لأنه باب اللَّه تعالى.

هذا كلّه في مقتضيات الشهادة الثانية وضرورة اقترانها بالشهادة الأولى.

كذلك أكّدت الآيات القرآنية على ضرورة الشهادة الثالثة واقترانها بالشهادة الثانية تبعاً للشهادة الأولى.

والشهادة الثالثة عبارة عن طاعة أولي الأمر، الذين أمر اللَّه بطاعتهم في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأوِيلاً ) (1) ؛ حيث قرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد بيّن اللَّه تبارك وتعالى في قرآنه الكريم المراد من أولي الأمر الذين تجب

____________________

(1) النساء: 59.

١٥٩

طاعتهم، بعد أن بيّن تعالى المقصود من الأمر الذي هم أولياؤه، وأنه أمر ملكوتي من عالم كن فيكون، كما في قوله تعالى: ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (1) ، وقوله تعالى: ( وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) (2) ، وكذا قوله عزّ وجل: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ) (3) ، وقوله تعالى: ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (4) ، ثم أفصحت الآيات القرآنية عن كون الأمر عبارة عن تدبير السماوات والأرض، قال تعالى: ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) (5) .

إذن؛ أولو الأمر هم الذين يتنزّل عليهم الأمر في ليلة القدر وفيها يفرق كلّ أمر حكيم، قال تعالى: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) (6) ، وقال عزّ وجلّ في وصف ليلة القدر: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (7) ، ثم بيّن اللَّه عزّ وجلَّ أن شريعة النبي الأكرم من ذلك الأمر الحكيم الذي يفرق في ليلة القدر؛ حيث قال عزّ وجلَّ مخاطباً نبيّه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ

____________________

(1) يس: 82.

(2) القمر: 50.

(3) الشورى: 52.

(4) الأعراف: 54.

(5) السجدة: 5.

(6) القدر: 3 - 5.

(7) الدخان: 3 - 6.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344