الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة0%

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 344

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

مؤلف: السيد السند السعيد القاضي نور الله التستري
تصنيف:

الصفحات: 344
المشاهدات: 32338
تحميل: 5896

توضيحات:

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 344 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32338 / تحميل: 5896
الحجم الحجم الحجم
الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

مؤلف:
العربية

الإعوجاج وهو الواضح غرة صحته كبياض الصبح وضوء السراج.

وأما سادساً فلأن قوله « إذ ليس لنحو الرافضة ؛ الى آخره » مردود بأنه إن أراد بنحو الرافضة مايشمل الإمامية فهو مكابرة على المتواترات المشتهرة بأن نقل أحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبار أهل البيتعليهم‌السلام وآدابهم وعباداتهم وسننهم وعاداتهم ومذهبهم في أصول الفقه وفروعه ومعتقداتهم بين الشيعة الإمامية أظهر من أن يخفى وقد نقلوا عن ذلك مايزيد على ما في الصحاح الست بأسانيد معتبرة ونقحوا رجال الأسانيد بالجرج والتعديل غاية التنقيح ولم يقبلوا إلا رواية من ثبت ثقته أو إتفق عليه الفريقان كأكثر الأحاديث الواردة في طعن الثلاثة وأئمتهم ، ومجتهدوهم من لدن علي بن أبي طالبعليه‌السلام لايقصرون عن علماء فرقة من الفرق بل هم في كل زمان أعلم وأتقى والذي يشهد عليه بعناده في نفي الرواية والدراية عن الشيعة خصوصاً الإمامية ما قاله إبن الأثير الجزري في جامع الأصول من إن مجدد مذهب الإمامية في المائة الثانية علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام وما قاله محمد الشهرستاني في كتاب الملل والنحل عن ذكر الباقرية والجعفرية من الشيعة إن أبا عبدالله جعفر بن محمد الصادقعليهما‌السلام وهو ذو علم غزير في الدين ودأب كامل في الحكمة ، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات وقد اقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين اليه ويفيض الموالين له اسرار العلوم انتهى

وأما مازعمه من قلة عدد الشيعة فلا يوجب نقصاً في شأنهم كما مر مراراً بل هي دليل حقيتهم إذ كلما كان في الدنيا أقل فهو أعز كالأنبياء في نوع الإنسان والعلماء والأتقياء ونحو ذلك كالجواهر والمسك والمعادن.

وأما سابعاً فلأن قوله وإنما غاية أمرهم إن يقع في خلال بعض الأسانيد من هو رافضي ؛ الى آخره » مدفوع بأن عدم ذكر أهل السنة لرجال الشيعة لا يدل على قلة

٣٠١

روايتهم فضلاً عن قلة ذكرهم إياهم ضرورة إن إقبال الخصم سيما إذا كان معانداً الى إعتبار قول الخصم وروايته وإن كان حقاً صدقاً نادر قليل جداً مع إنما يشعر به كلامه من غاية قلة المذكورين من الشيعة في خلال أحاديث أهل السنة مكابرة لا يخفى على من تتبع كتب أهل السنة سيما كتاب الميزان للذهبي وتاريخ إبن عساكر وتاريخ الكامل لإبن الأثير وتاريخ المنتظم لإبن الجوزي وتاريخ القاضي لإبن خلكان وتاريخ الشيخ عماد الدين إبن كثير الشامي وتاريخ اليافعي وانساب السمعاني ونظائرها فإن أحوال المذكورين في هذه الكتب من علماء الشيعة يبلغ مجلداً ضخما.

وأما ثامنا فلأن جمهور الشيعة لا يكفر أهل السنة في تفضيلهم لأبي بكر وإنما حكم بذلك شذوذ منهم ذهاباً منه الى إن المطلب ضروري ودعوى الشبهة والإشتباه تعنت وعناد أو لأمور أخر إنضمت الى ذلك كإعتقادهم بغض أهل السنة لعليعليه‌السلام ولهذا يعبرون عن جمهور أهل السنة بالناصبة وقد أرشدهم الى ذلك كلام القاضي إبن خلكان من علماء أهل السنة في تاريخه المشهور عند بيان أحوال علي بن جهم القرشي حيث قال ما حاصله « إن التسنن لايجتمع مع حب علي بن ابي طالب » وما كتبه أهل ما وراء النهر في زمان السلطان الأعظم الأمير تيمور وغيره من فتوى إشتراط بغض عليعليه‌السلام بقدر شعيرة أو حبة رمانة في صحة الإسلام مشهور ، وفي السنة الجمهور مذكور ، وأما مايشعر به كلامه سود الله وجهه عن زعمه لكون أهل السنة هم السواد الأعظم المراد من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « عليكم بالسواد الأعظم » لايبيض وجة دعواه اصلاً فإن السواد الأعظم بمعنى أكثر الناس على ما فهمه أهل السنة لا يركن الى إعتباره إلا القلوب الساذجة والأنفس الخالية من معرفة الحق واليقين الغافلة عن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « كلهم في النار إلا واحدة » فإنه دل على إن الناجي قليل بل نادر بالنسبة الى كثير من

٣٠٢

السالكين كما مر مراراً ويؤيد ماذكرنا مارواه الطيبي في شرح المشكاة عن سفيان الثوري في تفسير الجماعة حيث قال لو إن فقيهاً على رأس جبل لكان هو الجماعة والحق إن مرادهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالسواد الأعظم مولانا أمير المؤمنين عليعليه‌السلام كما يشعر به كلام الزمخشري وفخر الدين الرازي في تفسيريهما لما نزل في شأن عليعليه‌السلام من قوله تعالى وتعيها أذن واعية فإنهما قالا « فإن قيل لما قال إذن واعية على التوحيد والتنكير قلنا للإيذان بأن الوعاة فيهم قلة ولتوبيخ الناس بقلة من يعي فيهم وللدلالة على إن الأذن الواحدة إذا وعت فهو السواد الأعظم وإنما سواها لا يلتفت اليه وإن إمتلأ العالم منه » إنتهى فظهر إن الحديث النبويصلى‌الله‌عليه‌وآله لنا لا علينا.

وأما تاسعاً فلأن قوله « وهل أن علياً أفضل من أبي بكر في نفس الأمر ؛ الى آخره » مدخول بأن هذا الكلام لو تم لدل على كون الشيعة معذورين في حكمهم ببطلان خلافة الثلاثة وإستحقاقهم اللعن لأنهم أيضاً إنما حكموا بذلك لأدلة صرحت لهم وهم مجتهدون ؛ الى آخر ماذكره على إنا قد بينا عدم صراحة تلك الأدلة بل عدم دلالتها على ماقصدوه اصلاً وإنهم إنما تشبثوا بذلك عناداً وفساداً على العوام كدعوى معاوية وغيره من البغاة الغاوية إجتهادهم في الخروج على الإمام الحق عليعليه‌السلام من غير جهد أو إجتهاد في تحقق ذلك المرام مع ظهور الأمر على سائر الصحابة الكرام وعلماء تلك الأيام.

وأما عاشراً فلأن ما ذكره من « إن الشيعة لم يشقوا عن قلب علي حتى يعلموا إن ذلك تقية بل قرائن أحواله وما كان عليه من عظم الشجاعة والإقدام ؛ الى آخره » مدفوع بأن إستعلاام الأمور لا يحتاج الى شق القلوب وصدع الصدور فإنه (ع) كان يعلن لشيعته المخلصين المخصوصين به ما كان يضمره عن غيره من المخالفين وقد نصب لشيعته

٣٠٣

في مواضع أعماله للتقية ، القرائن والإمارات الجلية كما مر سابقاً بما لا مزيد عليه فتذكر.

٩٧ ـ قال : الفصل الثاني في

ذكر فضائل أبي بكر الواردة في وحده وفيها آيات وأحاديث

أما الآيات فالأولى قوله تعالى سيجنبها الأتقى ، الذي يؤتي ماله يتزكى ، وما لأحد عنده من نعمة تجزى ، إلا إبتغاء وجه ربه الأعلى ، ولسوف يرضى قال إبن الجوزي أجمعوا على إنها نرلت في أبي بكر ففيها التصريح بأنه إتقى من سائر الأمة والأتقى هو الأكرم عند الله لقوله تعالى « إن أكرمكم عند الله اتقاكم » والأكرم عند الله هو الأفضل فنتج إنه أفضل من بقية الأمة ولا يمكن حملها على علي خلافاً لما إفتراه بعض الجهلة لأن قوله تعالى وما لاحد عنده من نعمة تجزى يصرفه عن حمله على علي لأن النبي رباه فله عليه نعمة أي نعمة تجزى فإذا خرج على تعيين أبي بكر للإجماع على إن ذلك الأتقى هو أحدهما وأخرج إبن حاتم والطبراني إن أبا بكر أعتق سبعة كلهم يعذب في الله فأنزل الله قوله وسيجنبها الأتقى الذي ، الى آخر السورة إنتهى.

اقول : فيه نظر من وجوه

أما أولاً فلأنا لانسلم صحة الرواية في شأن أبي بكر فضلاً عن الأجماع عليه والسند ماذكره بعضهم إنها نزلت في حق أبي الدحداح وقد روى هذا ابو الحسن علي بن أحمد الواحدي في تفسيره الموسوم بأسباب النزول بإسناده المرفوع الى عكرمة وإبن عباس إن رجلاً في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير وصاحب النخلة يصعد ليأخذ منها التمر فربما سقطت تمرة فيأخذها صبيان الفقير فينزل الرجل من نخلته حتى يأخذ التمر من أيديهم فإن وجدها في أحدهم أدخل إصبعه في فيه فشكى الفقير الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مما يلقى من صاحب النخلة فقال النبي صلى

٣٠٤

الله عليه وآله إذهب ولقى النبي ص صاحب النخلة وقال له إعطني نخلتك المائلة التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة فقال الرجل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إن لي نخلاً كثيراً وما فيها نخلة أعجب اليّ تمرة منها فكيف أعطيك ثم ذهب الرجل في شغله فقال رجل كان يسمع كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أتعطيني ما أعطيت الرجل أعني التخلة التي في الجنة إن أنا أخذتها فقال : النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نعم فذهب الرجل ولقى صاحب النخلة فساومها منه فقال تعرف إن محمداً اعطاني نخلة في الجنة فقلت له يعجبني تمرها وأن لي نخلاِ كثيراً وما فيه كله نخلة أعجب اليّ تمراً منها ؟ فقال الرجل لصاحب النخلة أتريد بيعها ؟ قال لا إلا أن أعطي مالا أظنه أعطي قال فما مناك ؟ قال اربعون نخلة فقال الرجل لصاحب النخلة لقد جئت بعظيم ، تطلب بنخلتك المائلة اربعين نخله ؟ ثم قال الرجل أنا اعطيك اربعين نخلة فقال صاحب النخلة إشهد لي إن كنت صادقاً فمر الرجل على أناس ودعاهم واشهد لصاحب النخلة ثم ذهب الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يارسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن النخلة صارت في ملكي فهي لك فذهب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الى الفقير وقال له : النخلة لك ولعيالك فانزل الله تعالى والليل إذا يغشى السورة وعن عطاء إنه قال اسم الرجل أبو الدحداح فأما من اعطي وأتقى هو أبو الدحداح وأما من بخل واستغنى صاحب النخلة وهو سمرة حبيب وقوله لا يصليها إلا الأشقى ، الذي كذب وتولى المراد به صاحب النخلة وقوله يجنبها الأتقى هو أبو الدحداح ولا يخفى إن مع وجود هذه الرواية إدعاء نزوله في أبي بكر ثم حصر نزولها فيه يكون باطلاً مع ما لايخفي من شدة إرتباط هذه الرواية لمتن الآية بخلاف ما روى إنه نزلت في شأن أبي بكر حين إشترى جماعة يؤذيهم المشركون فأعتقهم في الله تعالى إذ لايقال لمن يؤذي عبده إنه بخيل ولا إنه كذب وتولى فتدبر.

٣٠٥

وأما ثانياً فلأنه يرد على إستدلالهم بهذه الآية ما أورده كثير منهم كصاحب المواقف وغيره على إستدلالنا بحديث الطير حيث قالوا إنه لايدل على إن علياًعليه‌السلام أحب الخلق مطلقاً ب يمكن أن يكون أحب الخلق بالنظر الى شيء إذ يصح الإستفسار بأن يقال أحب خلقك في كل شيء أو في بعض الأشياء على غيره الزيادة لا في كل شيء بل جاز أن يكون غيره أزيد ثواباً منه في شيء آخر وذلك إن للمعارض أن يقول إن هذه الآية لاتدل على أن أبا بكر إتقى الخلق مطلقاً لجواز الترديد والإستفسار بانه أتقى الكل أو البعض ومن كل وجه أو من بعض الوجوه كما ذكرتم في حديث الطير حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.

وأما ثالثاً فلأنا لانسلم إن معنى قوله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم ما فهمه بل المراد به كما صرحه به بعض المفسرين « إن اكرمكم عند الله أعملكم بالتقية » وأما رابعاً فلأنه إن اريد بالأتقى من كان أتقى من جميع المؤمنين عند نزول الآية فينحصر في النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وإن إرتكب التخصيص وإن أريد به كان أتقى من بعض المؤمنين فلا يلزم منه أفضلية أبي بكر وأكرميته مطلقاً فضلاً عن عليعليه‌السلام لوجهين الأول إنا لانسلم حينئذ إن علياًعليه‌السلام داخل في ذلك البعض حتى يكون ابو بكر أفضل منه الثاني إن الأكرم عند الله هو الذي يكون أتقى من جميع المؤمنين كما قال الله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم لا الأتقى من بعض المؤمنين وبالجملة إذا تطرق التخصيص في الأتقى سقط الإستدلال بظاهر المقال.

وأما خامساً فلأنا لانسلم رواية الشيعة ذلك في شأن عليعليه‌السلام بل إنما ذكروا ذلك على سبيل الإحتمال في مقام البحث والجدال ولهذا لايوجد في تفاسيرهم المتداولة

٣٠٦

عن هذه الرواية عين ولا أثر وإنما إحتملوا ذلك لمناسبة قوله تعالى ويأتون الزكاة وهم راكعون في حق عليعليه‌السلام إتفاقاً لقوله تعالى ها هنا الأتقى ، الذي يؤتي ماله يتزكى ومناسبة ماورد في حقهعليه‌السلام أيضاً من قوله ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا ، إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولا شكورا لقوله وما لا حد عنده من نعمة تجزى ، إلا إبتغاء وجه ربه الأعلى

وأما سادساً فلأنه إن كان المراد بقوله تعالى وما لا حد عنده من نعمة تجزى أن لايكون عنده نعمة يكافيء عليها أعم من أن يكون ذلك الأحد من الذين آتاهم شيئاً أم لا فلا نسلم إن أبا بكر كان بهذه المثابة إذ الظاهر إنه لا يوجد شخص لا يكون لأحد في حقه حق نعمة من طعام أو شراب ونحوهما مع إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يسلم من ذلك لكونه في حجر تربية عمه أبي طالبرضي‌الله‌عنه ومع أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحرض أصحابه على التحبب والإتحاد وأكل بعضهم من بيوت بعض والقول بأن مثل ذلك ليس نعمة تجزى مكابرة ظاهرة وغاية الأمر أن يكون جزاءه أقل ويرشد الى ماذكرنا قول الشاعر على طبق كلام أهل العرف في محاوراتهم

شعر حق نان ونمك تبه كردن بشكند مرد را سرو كردن

هر آنكس باتودارد حق آبي فراموشش مكن در هيج بابي

وإن كان المراد به أن لايكون عنده لأحد من الذين آتاهم النعمة نعمة تجزى كما هو الظاهر ويدل عليه سياق الآية أي لم يفعل الأتقى مايفعل من إيتاء المال وإنفاقه في سبيل الله الا إبتغاء وجه ربه الأعلى فلا نسلم إنه لايجوز أن يكون المراد به علياًعليه‌السلام خصوصاً مع قيام القرائن والمناسبات التي مر ذكرها.

٣٠٧

وأما سابعاً فلأن إستدلاله على صرف حمله عن عليعليه‌السلام بقوله « إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رباه ؛ الى آخره » مدخول بأنه مر منا إنه ليس المقصود في الآية نفي مجرد نعمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك الأتقى بل نفى نعمة كل واحد من آحاد الناس وكما إن علياًعليه‌السلام كان في حجر تربية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان ابو بكر في حجر ابيه وامه والفرق بين التربيتين تحكم صرف لا يقوم به بليد ، أو مكابر عنيد.

وأما ثامناً فلأن أقل الأمر إن عند أبي بكر نعمة هداية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فكيف ينفي عنه نعمة الكل حتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وما توهمه رئيس المشككين فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير من أن نعمة الهداية لا تجزي مستدلاً عليه بقوله تعالى قل لا أسئلكم عليه أجراً معارض بل مخصص بقوله تعلى أيضاً قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ويدل على إن المراد من الأجر المنفي في مثل هذه الآية هو المال لا مطلق الأجر قوله تعالى في سورة هو حكاية عن نوحعليه‌السلام ويا قوم لا أسئلكم عليه مالاً إن أجري إلا على الله ؛ الآية والضمير في عليه راجع الى ماسبق من قوله إني لكم نذير مبين.

وأما تاسعاً فلأن قوله آخراً « للإجماع على إن ذلك الأتقى هو أحدهما لا غير » يناقض ظاهر قوله أولاً « إجمعوا على إنها نزلت في أبي بكر » لأن الإجماع على الواحد المعين غير الإجماع على المردد بين الإثنين كما لا يخفى ولنعم ماقيل « الكذوب لاحافضة له فاحفظ هذا.

٩٨ ـ قال : الآية الثانية قوله تعالى والليل إذا يغشى ، والنهار إذا تجلى ، وما خلق الذكر والأنثى ، إن سعيكم لشتى وأخرج إبن أبي حاتم عن إبن مسعود إن أبا بكر إشترى بلالاً من أمية بن خلف وأبي بن خلف ببردة وعشرة أوراق فاعتقه لله فانزل الله هذه الآية أي إن سعي أبي بكر وأمية وأبي لمفترق فرقاً عظيماً فشتان ما بينهما انتهى.

٣٠٨

اقول : بعد تسليم صحة رواية النزول في كون معنى الآية ماذكره هذا الشيخ النازل لا دلالة فيها إلا على الفرق بين سعي أبي بكر وسعي كافرين وليس في هذا فضيلة كما لا فضيلْة بين فرعون ونحوه من كل جبار عنيد في أن يقال : إنه أصلح من الشيطان المريد.

٩٩ ـ قال : الآية الثالثة قوله تعالى ثاني إثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فانزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها أجمع المسلمون على إن المراد بالصاحب ها هنا أبو بكر ومن ثم من انكر صحبته كفر إجماعاً واخرج إبن أبي حاتم عن إبن عباس إن الضمير في فانزل الله سكينته عليه لأبي بكر ولا ينافيه وأيده بجنود إرجاعاً للضمير في كل الى مايليق به وجلالة إبن عباس قاضية بأنه لولا علمه في ذلك نصاً لما حمل الآية عليه مع مخالفة ظاهرها له انتهى.

اقول : الإستدلال بهذه الإيه على فضيلة أبي بكر أما من حيث مجرد كونه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار ، وأما من حيث وصفه بكونه ثاني إثنين للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه كما ذكر فخر الدين اتلرازي في تفسيره ، أو من حيث تسميته صاحباً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا دلالة لشيء منها على ذلك ؛

أما الأول فلأنه شاهد عليه بالنقص والعار ، وإستحقاقه لسخط الملك الجبار ، لا الفضيلة والإعتبار لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأخذه معه للأنس به كما توهموه لأن الله تعالى قد آنسه بالملائكة ووحيه وتصحيح إعتقاده إنه تعالى ينجز له جميع ماوعده وإنما أخذه لأنه لقيه في طريقه فخاف أن يظهر أمره من جهته فأخذه معه إحتياطاً في تمام سره ولم دخل معهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار في حرز حريز ومكان مصون بحيث يأمن الله تعالى على نبيه

٣٠٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله مع ما ظهر له من تعشيش الطائر ونسج العنكبوت على بابه لم يثق مع هذه الأمور بالسلامة ولا صدق بالآيه وأظهر الحزن والمخافة حتى غلبه بكاءه وتزايد قلقه واضطرابه وابتلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في تلك الحال بمماشاته واضطر الى مداراته ونهاه عن الحزن وزجزه النبي ونهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وزجره لا يتوجه بالحقيقة إلا الى القبيح ولا سبيل الى صرفه الى المجاز بغير دليل وقد ظهر من جزعه وبكائه ما يكون في مثله فساد الحال في الإختفاء فهو إنما نهى عن إستلزامه ما وقع منه ولو سكن نفسه الى ما وعد الله تعالى ونبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصدقه فيما أخبره به من نجاته لم يحزن حيث يجب أن يكون آمنه ولا إنزعج قلبه في الموضع الذي يقتضي سكوته فتدبر.

وأما الثاني فلأن قوله تعالى ثاني إثنين بيان حال للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله باعتبار دخوله الغار ثانياً ودخول أبي بكر أولاً كما نقل السير لا عكس ذلك كما توهموه وعلى التقديرين لا فضيلة فيه لأبي بكر لأنه إخبار عن عدد ونحن نعلم ضرورة إن مؤمناً وكافراً إثنان كما نعلم إن مؤمنا ومؤمن إثنان فليس في الإستدلال بذكر هذا العدد طائل يعتمد عليه وكذا الإستدلال بما يلزمه ما إجتماع أبي بكر مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك المكان لأن المكان يجتمع فيه المؤمنون والكفار وأيضاً فإن مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أشرف من الغار وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار وفي ذلك قوله تعالى فما للذين كفروا قبلك مهطعين ، عن اليمين وعن الشمال عزين وايضاً فإن سفينة نوح قد جمعت النبي والشيطان والبهيمة فاستدلالهم بالآية على إن أبا بكر كان ثاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار ثم التخطي عنه الى كونه ثانياً في الشرف والفضل كما فعله فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير كما ترى ، وبالجملة لفظ « ثاني إثنين » في الآية لايستلزم كون أبي بكر ثاني إثنين للنبي في الشرف لما عرفت من إنه كان متقدماً في دخول الغار والحصول فيه والنبي

٣١٠

صلى‌الله‌عليه‌وآله تأخر عنه في الدخول وأما التفاوت بحسب الشرف والرتبة فلم يستعمل الآية فيها ولا هو لازم منها والألزم أن يكون المعنى على ما أوضحناه إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مؤخر عن أبي بكر في الشرف والفضل وهذا كفر صريح كما لا يخفى فاتضح إن استعماله لتلك العبارة في شأن أبي بكر وتداولها في مدحه على رؤوس منابر إنما هو حيلة منه في أيهامهم للعوام إن صريح عبارة الآية نازلة في شأن ابي بكر وإنه ثاني إثنين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع الأمور وقد بينا بحمد الله تعالى ضعف حيلتهم ووهن وسيلتهم.

وأما الثالث فلأن الصاحب المذكور في متن مانقله من الإجماع على تقدير صحة النقل أعم من الصاحب اللغوي والإصطلاحي كالمذكور في أصل الآية وحينئذ لا فضيلة فيه لأبي بكر إذ لامانع من أن يكون صاحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالمعنى كافراً أو فاسقاً كيف وقد سمى الله تعالى في محكم كتابه ايضاً الكافر صاحباً لهم كما في قوله تعالى عن لسان يوسفعليه‌السلام ياصاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ؟ وقد صرح القاضي البيضاوي في تفسيره وغيره بأن المراد ياصاحبي في السجن وحينئذ تسمية أبي بكر بالصاحب لا تدل على إسلامه وسلامته فضلاً عن أن تدل على فضله وكرامته فأي فضيلة في آية الغار يفتخر فيها لأبي بكر ؟ لولا المكابرة والعناد والبعد عن فهم المراد ولقد ظهر بما قررناه إنه إنما يلزم من الإجماع المذكور بعد صحته تكفير من أنكر صحبة أبي بكر مطلقاً لا صحبته بالمعنى الإصطلاحي المتنازع فيه.

وأما ما أخرجه إبن أبي حاتم عن إبن عباس فالمنافاة فيه ظاهرة ولو وافق فيه لإبن عباس جميع من في الدنيا وإنما يندفع لو لم يكن نزول السكينة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يعاقبه مع إنه وقع حكاية نزولها عليه في مواضع من القرآن كما سيأتي ولا ريب في أن إرتكاب إنفكاك الضمير بلا قرينة ظاهرة لا يليق بفصيح الكلام فضلاً عن أفصح الكلام.

وأما ماذكره من « إن جلالة إبن عباس قاضية بأنه لولا علم ؛ الى آخره »

٣١١

فمدفوع بأنه لاكلام في جلالة إبن عباسرضي‌الله‌عنه لكن الكلام في رداءة الراوي عنه المتهم بإباحته للوضع على أفضل من إبن عباس من نصرة مذهبه كإبن أبي حاتم أو غيره من الوسائط المذكورة في الإسناد هذا وقد أفاد بعض أجلة مشايخناقدس‌سره إن الله سبحانه لم ينزل السكينة على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله في موطن كان معه فيه أحد من أهل الإيمان إلا عمه بنزول السكينة وشملهم بذلك كما في قوله تعالى ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ولم لم يكن مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في الغار إلا أبو بكر أفرد الله سبحانه نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالسكينة وأيده بجنود لم تروها فلو كان الرجل مؤمناً يجري مجرى المؤمنين في عموم السكينة لهم ولولا إنه أحدث بحزنه في الغار منكراً لأجله توجه النهى اليه عن إستدامته لما حرمه الله تعالى من السكينة ما تفضل به على غيره من المؤمنين الذين كانوا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المواطن على ماجاء في القرآن ، ونطق به محكم الذكر بالبيان وهذا ما أبين لمن تأمله إنشاء الله وقد ألفنا قبل ذلك في تحقيق هذه الآية الكريمة رسالة شريفة قد تعرضنا فيها لتشكيكات فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير لم نغادر فيها صغيراً ولا كبيراً ينفعك اليها المصير والله سبحانه نعم المولى ونعم النصير.

١٠٠ ـ قال : الآية الرابعة قوله تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون أخرج البزار وإبن عساكر إن علياً قال في تفسيرها : الذي جاء بالحق هو محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذي صدق به أبو بكر قال إبن عساكر : هكذا الرواية بالحق ولعلها قراءة لعلي إنتهى.

أقول : قد نقل صاحب كشف الغمة عن الحافض أبي بكر موسى بن مردويه

٣١٢

بإسناده إن الذي جاء بالصدق محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله والذي صدق به علي بن أبي طالبعليه‌السلام وأما نزول ذلك في شأن أبي بكر فهو شيء قد تفرد به فخر الدين الرازي الصديقي بمجرد ملاحظة مناسبة التصديق المذكور في الآية لما وضع أولياء أبي بكر من لقب الصديق عليه وهذا دأب الرجل في تفسير كثير من الآيات كما لايخفى على المتتبع البصير ولا ينبئك مثل خبير ؛ ولو حاولوا إثبات وجود رواية نزول الآية في شأن أبي بكر في شيء من كتب المتقدمين على الرازي ومن تبعه كإبن عساكر بلا إستعمال كذب وميل ، فرجعوا بخفي حنين ومن وقاحات الرازي إنه لم يكتف في ذلك بالكذب على الله تعالى حتى وضع ذلك على لسان عليعليه‌السلام قاصداً به سد باب تجويز القاصرين من الناضر من كون ذلك وارداً في عليعليه‌السلام ثم لدفع التهمة التي غلبت على الكاذب الخائن الخائف نسب ذلك الى المفسرين على الإجمال ، ولكن الذكي الفطن لا يخفى عليه حقيقة الحال ، ويدل على عدم ورود الرواية في شأن أبي بكر وعلي وصول الرواية الدالة على إن المراد بالآية هو علي الى الرازي ماذكره بعد ذلك حيث قال : إنه هذا يتناول أسبق الناس الى التصديق وأجمعوا على أن الأسبق الأفضل أما أبو بكر وأما علي لكن هذا اللفظ على أبي بكر اولى لأن علياًرضي‌الله‌عنه كان في وقت البعث صغيراً فكان كالولد الصغير الذي يكون في البيت ومعلوم إن إقدامه على التصديق لايفيد لمزيد قوة وشوكة في الإسلام فكان حمل هذا اللفظ على ابي بكر أولي إنتهى

ووجه دلالته على الأمرين بل على ماذكرنا من إنه بني على مجرد المناسبة إنه لو كان هناك رواية في شأن أبي بكر لذكرها ولما إحتاج الى تكلف الإستدلال المذكور ولا الى ذكر عليعليه‌السلام فيه ولو على سبيل الإحتمال ؛ على إن الإستدلال المذكور كسائر تشكيكاته ظاهر البطلان لأن درجة النبوة اعلى مرتبة الإسلام « خ ل : الإيمان» وإذا جاز نبوة الصبي كان صحة إيمانه أجوز وقد قال تعالى

٣١٣

في شأن يحيىعليه‌السلام وآتيناه الحكم صبيا وقال حكاية عن عيسىعليه‌السلام في صباه إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وقال في شأن يوسفعليه‌السلام في حال صباه وعند القاءه في غيابة الجب وأوحينا اليه لتنبئنهم بأمرهم هذا ولا يشعرون وقال سبحانه وتعالى ففهمناها سليمان وكل آتيناه حكما وعلماً وكان عمره عندما جعل نبياً أحدى عشر سنة وإذا جاز أن يكون الصبي صاحب النبوة والوحي جاز أن يكون صاحب الإيمان بطريق أولى وأيضاً كما لايقال لمن تولد مؤمناً في فطرة الإسلام إنه آمن لأنه ولد عليه فكذا في علي لأنه تولد في حضرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يعبد صنماً قط لكن أبو بكر قد عهد الأصنام أزيد من أربعين سنة فكان عليه الإتيان بالإيمان بعدما لم يكن مؤمناً وأيضاً فعند أصحابنا إن علياًعليه‌السلام حين آمن بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عمره خمسة عشر سنه وقيل أربعة عشر والروايتان جائتا أيضاً من طريق الخصم ذكر ذلك شارح الطوالع عن أصحابه في شرحه والعاقولي في شرحه للمصابيح قال « روى الحسن البصري إن عمره كان خمسة عشر سنة عند إسلامه » وأما شارح الطوالع فروى أربع عشر سنة وهذا ما جاء في صحيح البخاري قد تجاوز البلوغ لأنه أول نقل عن المغيرة إنه قال : إحتلمت وانا إبن إثني عشر سنة وايضاً فقد روي إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دعاه الى الإسلام وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله لايدعو الى الإسلام إلا من يصح منه ذلك كما قاله المأمون حين ناظر أبا العتاهية وايضاً قد صح واشتهر إنهعليه‌السلام كتب الى معاوية أبياتاً من جملتها قولهعليه‌السلام :

شعر سبقتكم الى الإسلام طراً

غلاماً مابلغت أوان حلمي

ولم ينكر عليه معاوية مع عداوته وتعنته فكيف يزيد عليه الرازي وهو من جماعته في ذلك وأيضاً مرجع الإسلام الى التصديق بما جاء به

٣١٤

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنه رسول الله وذلك من التكاليف العقلية ومعلوم إن التكليف بالعقليات إنما يتوقف على كمال العقل وإن كان الرجل إبن خمس سنين أو خمسين سنة وعليعليه‌السلام قد كان كاملاً عقله حين أسلم والبلوغ إنما هو شرط في التكاليف الشرعيه الفرعية على إنه لا يمتنع أن يكون من خصائصه صحة إسلامه حال الصبا والصغر كما كان إبنه الحسنعليه‌السلام يطالع اللوح المحفوظ في حال رضاعه كما شهد به الشيخ إبن حجر العسقلاني شارح البخاري في شرح حديث وضع الحسن في رضاعه تمرة من تمرات الصدقة في فيه سهواً وإشارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اليه برميها عن فيه قائلاً « كخ كخ » وإعتراضه عليه بقوله : أما علمت إن الصدقة حرام علينا ؟ وبالجملة يجوز إختصاصهعليه‌السلام بمزيد فضيلة في الخلقة أوجب حصول البلوغ الشرعي قبل العدد وما ذاك بعجب منه فإنه مظهر العجائب ومنبع الغرائب.

وأما ماذكره الرازي « من إنه لما كان لتصديق أبي بكر مزيد قوة للإسلام كان حمل هذا اللفظ عليه أولى » فمع قطع النظر عما ذكرناه وعن إن مثل هذا المزيد والزيادة قد حصل أيضاً بتصديق غير أبي بكر كحمزةرضي‌الله‌عنه ورؤساء الأنصار ومن شاكلهم معارض بما روى جلال الدين السيوطي الشافعي في كتاب الوجيز عن عباد بن عبدالله قال سمعت علياً يقول : أنا عبدالله وأخو رسوله ، وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب وهذا الحديث مما أخرجه النسائي وصححه الحاكم على شرط البخاري ومسلم كذا في تذكرة الموضوعات وبما قاله الرازي المذكور نفسه في تفسير قوله تعالى وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ؛ الآية إنه روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنه قال : الصديقون ثلاثة ؛ حبيب النجار مؤمن آل يس ؛ ومؤمن آل فرعون الذي قال أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ، والثالث علي بن أبي طالب وهو أفضلهم انتهى

ووجه المعارضة ظاهر إذ في كل الحديثين وقع التعبير

٣١٥

عنهعليه‌السلام بالصديق الأكبر أما الحديث الأول فظاهر جداً وأما الثاني فللتصريح فيه بأنه أفضل الصديقين الثلاثة فيكون أكبر وأكمل وحمل اللفظ على الفرد الأكمل المتبادر الى الفهم عرفاً أولى وأجدر ، على إنما وقع في الحديث الثاني من حصر الصديقين في الثلاثة بنفي كون أبي بكر من الصديقين أصلاً ورأساً فضلاً عن أن يكون مراداً من لفظ الآية والله ولي الصدق والتصديق ، وبيده أعنة التحقيق وأزمة التوفيق.

١٠١ ـ قال : الآية الخامسة قوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان أخرج إبن أبي حاتم عن إبن شودب إنها نزلت في أبي بكر إنتهى.

أقول : لانسلم صحة ماذكره في شأن النزول لأنه خبر واحد مجهول عند الخصم وأقل خبر واحد يليق تلقيه بالقبول كونه مروياً عن إثنين من الفريقين كما أشرنا اليه سابقاً هذا مع إقتضاء لفظ من الموصولة العموم والشمول.

١٠٢ ـ قال : الآية السادسة قوله تعالى وشاورهم في الأمر أخرج الحاكم عن إبن عباس إنها نزلت في أبي بكر وعمر ويؤيده الخبر الآتي : إن الله أمرني أن أستشير أبا بكر وعمر إنتهى.

أقول : بعد تسليم صحة الخبر لا دلالة في الآية على فضل أبي بكر وصاحبه عمر لجواز أن يكون ذلك الأمر لتأليف قلوبهم وتطييب خواطرهم لا للحاجة الى رأيهم فغاية مايلزم منها أن يكونا من مؤلفة القلوب وقال بعض مشايخنا قدس الله سره : إن الله تعالى أعلم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إن في إمته بل في صحابته الملازمين له كما مر من رواية البيهقي في دلائل النبوة وغيره من يتبغى له الغوائل ، ويتربص به الدوائر ، ويسر خلافه ، ويبطن مقته ، ويسعى في هدم أمره ، وينافقه في دينه ، ولم يعرفه أعيانهم ، ولا دله عليهم

٣١٦

بأسمائهم ، فقال تعالى : ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم ، نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم وقال جل إسمه وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم الى بعض هل يريكم من أحد ثم إنصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون وقال تعالى يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لايرضى عن القوم الفاسقين ، ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون وقال جلت عظمته وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وأن قولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون وقال عز قائلاً ولا ينفقون إلا وهم كارهون وقال جل ذكره وإذا أقاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراؤن الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً ثم قال تبارك وتعالى بعد أن نبأ عنهم في الجملة ولو نشاء لأريناكم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ثم أمره بمشورتهم ليصل بما يظهر منهم الى باطنهم فإن الناصح يبدو نصيحته في مشورته والغاش المنافق يظهر ذلك في مقالته فاستشارهمصلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك ولأن الله تعالى جعل مشورتهم الطريق له الى معرفتهم ، ألا ترى إنهم لما أشاروا ببدر عليه في الأسرى فصدرت مشورتهم عن نيات مشوبة في نصيحتهم كشف الله تعالى ذلك وذمهم عليه وأبان عن إدغالهم فيه فقال جل قائلاً ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض يريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فوجه التوبيخ اليهم والتعنيف على رأيهم وأبان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن حالهم فعلم إن المشورة بهم لم تكن للفقر الى آرائهم وإنما كانت لما ذكرناه.

١٠٣ ـ قال : الآية السابعة قوله تعالى فإن الله هو موليه وجبريل وصالح مؤمنين اخرج الطبراني عن عمر ، وإبن عباس إنها نزلت فيهما انتهى.

٣١٧

اقول : إخراج الطبراني الخارجي وحده من دون مشاركة واحد من فريق الخصم معه خارج عن الإعتبار كما سبقالتصريح به ولإشعار ، مع إنه نقل صاحب كشف الغمة رواية نزولها في شأن عليعليه‌السلام عن عز الدين عبدالرزاق المحدث الحنبلي وعن الحافظ أبي بكر بن مردويه بإسناده الى أسماء بنت عميس وهي مذكورة في تفسير أبي يوسف بن سفيان النسوي بإسناده الى إبن عباس ورواها السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن إب عباس ورواها الثعلبي في تفسيره بإسنادين الى غير ذلك وايضأص حمل لفظ صالح مفرداً على رجلين إثنين مخالف للوضع والإستعمال لأنه موضوع للمفرد وقد استعمل في الجمع للتعظيم وأما إستعماله في إثنين فقط فلم نجده في كلام الفصحاء.

وأما ماذكره الرازي هاهنا « من إنه يجوز أن يراد بلفظ صالح مفرداً الواحد والإثنان والجمع مستنداً الى ، ماقاله أبو علي الفارسي من إنه قد جاء فعيل مقرداً يراد به الكثرة كقوله تعالى ولايسأل حميم حميماً فضعفه ظاهر لأن قياس فاعل على فعيل بلا سند يقيد به غير مسموع ولو سلم فحميم إنما أريد به الكثرة الشاملة للإثنين فما فوقهما بقرينة تنكيره الذي قد يكون للتكثير وربما يتعين فيه لمعاونة الحال والمقام ولا تكير فيما نحن فيه فيكون قياس صالح في ذلك على حميم قياساً مع الفارق كما لايخفى ؛ هذا والذي شجع الطبراني على وضع هذا الخبر مناسبة نزول ما في الآية من العتاب في شأن عائشة وحفصة وإن أبا بكر وعمر أبواهما فحمل صالح المؤمنين كحمل الجاهلين على أبي بكر وعمر وذهب كما قال غيره من أتباعه الى إن مراد الإية إنهما كانا ينصحان بتقيتهما بترك الأفعال التي تكون للضرات وليس الأمر كما زعموه بل الوجه في التعبير هاهنا بصالح المؤمنين عن عليعليه‌السلام ماروي إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فوض ولاية طلاق نسائه الى عليعليه‌السلام ولهذا روى إنه بقية عائشة على عنادها بعد إنقضاء حرب الجمل

٣١٨

أيضاً وامتنعت عن أمر عليعليه‌السلام في مضيها الى المدينة المشرفة وكونها في بيتها الذي أسكنها الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ارسلعليه‌السلام إبن عباسرضي‌الله‌عنه اليها مهدداً لها بأنك لو لم تنتهي عن العناد والخلاف لطلقتك بما أنت تفرق من ولايتي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك فلا يبقى لك رجاء شفاعة أصلاً فسكتت وإرتحلت في الحال.

١٠٤ ـ قال : الآية الثامنة قوله تعالى هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات الى النور أخرج عبد بن حميد عنه مجاهد لما نزل : إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما قال أبو بكر : يارسول الله ماأنزل الله عليه خيراً إلا اشركنا فيه فنزل : هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات الى النور انتهى

اقول : ظاهر الآية عموم صلواته تعالى ورحمته لسائر عباده وإن غاية ذلك في الكل إخراجهم من الظلمة الى النور لكن الكلام في إن هذه الغاية والمصلحة والغرض هل حصلت في شأن أبي بكر من الفاتحة الى الخاتمة أولاً ؟ مع إن الخصم من وراء المنع على أصل الإخراج تدبر

١٠٥ ـ قال : الآية التاسعة قوله تعالى ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً ، وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال ربي أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وان أعمل صالحاً ترضاه واصلح لي في ذريتي إني تبت وإني من المسلمين ، اولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ماعملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون أخرج إبن عساكر عن إبن عباس إن ذلك جميعه نزل في أبي بكر ومن

٣١٩

تأمل ذلك وجد فيه من العظيم المنقبة له والمنة عليه ما لم يوجد نظيره لأحد من أصحابة انتهى.

اقول : الكلام في صحة رواية هذا الخبر ايضا كسوابقه ولا دلالة لشيء من الاوصاف والالقاب التي اثبتها اولياء ابي بكر له ولعلهم زعموا مناسبة قوله تعالى وبلغ اربعين سنة لما صححه جماعة منهم لبعض المصالح من أن عمر ابي بكر كان عند اسلامه اربعين سنة مع أن الخلاف في ذلك بالزيادة عليه مشهور بينهم ايضا وايضا لم يكن ما تضمنته الآية من قوله تعالى رب اوزعني ؛ الآية نازلة عند اسلام ابي بكر فكيف تلاه ابو بكر وقال عند بلوغه اربعين سنة : رب اوزعني الآية وهذا أوضح آية من آيات وضع الخبر كما لايخفى.

١٠٦ ـ قال : الآية العاشرة قوله تعالى « ونزعنا ما في صدورهم من غل أخواناً على سرر متقابلين » نزلت في أبي بكر وعمر كما مر ذلك عن علي بن الحسينرضي‌الله‌عنه ما انتهى.

أقول : قد مر بنا أيضاً منع صحة الرواية عن علي بن الحسينعليهما‌السلام في ذلك وعارضناه بما في مسند أحمد بن حنبل من إنها نزلت في عليعليه‌السلام وقد تكلمنا على دلالة متن الآية على ماقصدوه بوجه ينزع غل الملال ويزيل صدأ ذهن الناظر في المقال.

١٠٧ ـ قال الآية الحادية عشر قوله تعالى ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولو القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا واليصفحوا ، إلا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم نزلت كما في البخاري وغيره عن عائشة في أبي بكر لما حلف أن لاينفق على مسطح لكونه كان في جملة من رمى عائشة بالأفك الذي تولى الله

٣٢٠