الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة0%

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة مؤلف:
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 344

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

مؤلف: السيد السند السعيد القاضي نور الله التستري
تصنيف:

الصفحات: 344
المشاهدات: 32329
تحميل: 5896

توضيحات:

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 344 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32329 / تحميل: 5896
الحجم الحجم الحجم
الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة

مؤلف:
العربية

الجواب بل توقف علي (ع) عن الحرب مع هؤلاء المتظاهرين بالإسلام أظهر في الصواب كما لا يخفى على أولي الألباب.

٢٤ ـ قال: ولا يقدح في حكاية الإجماع تأخر علي والزبير والعباس وطلحة مدة لأمور

منها إنهم رأوا إن الأمر تم بمن تيسر حضوره حينئذ من أهل الحل والعقد

ومنها إنهم لما جاءوا وبايعوا إعتذروا كما مر عن الأولين من طرق بأنهم أخروا عن المشورة مع إن لهم فيها حقاً لا للقدح في خلافة الصديق هذا مع الإحتياج في هذا الأمر لخطره الى المشورة التامة ولهذا مر عن عمر بسند صحيح إن تلك البيعة كانت فلتة لكن وقى الله شرها انتهى.

اقول: أولاً إن عدم القدح مقدوح كيف والإجماع إتفاق جميع أهل الحل والعقد فإذا تخلف البعض لا ينعقد الإجماع

وثانياً إنما ذكره في وجه عدم القدح أولاً من إنهم رأوا إن الأمر بمن تيسر حضوره من أهل الحل والعقد غير متجه بل هو رأي فاسد لا دليل عليه من العقل والنقل

وثالثاِ إن ماذكره من إنهم لما جاءوا وبايعوا إعتذروا الخ مردود بما مر من إن بيعتهم في ثاني الحال لم يكن عن طيب النفس والرضا والتسليم وعلى تقدير التسليم يلزم أن تكون خلافته قبل ذلك واقعة على غير سبيل المؤمنين وكفى به منقصة

وأما ماذكره كذباً وإفتراء من إعتذارهم بأنهم أخروا عن المشورة مع إن لهم فيها حقاً مدخول بأن المشورة لم تقع في بيعة أبي بكر اصلاً كما يذكره هذا الشيخ الجاهل متصلاً بذلك من قوله وعن عمر بسند صحيح إن تلك البيعة كانت فلتة فكيف يتوقعون هم إدخالهم في المشوررة دون سائر المهاجرين والأنصار حتى يعتذروا بالتأخير بذلك العذر الواهي بل لا معنى لتأخرهم عن المشورة أصلاً ولا لكونهم فيها حقاً قطعاً.

٨١

٢٥ ـ قال: لكن جمع بعضهم بين الخبر المار عن عائشة الدال على تأخر بيعة عليعليه‌السلام الى موت فاطمة وبين الخبر الذي مر عن أبي سعيد من إن علياً والزبير بايعا من أول الأمر بأن علياً بايع اولاً ثم إنقطع عن أبي بكر لما وقع بينه وبين فاطمة ماوقع في مخلفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم بعد موتها بايعه مبايعة أخرى فتوهم من ذلك بعض من لايعرف باطن الأمر إن تخلفه إنما هو لعدم رضاه ببيعته فاطلق ذلك من اطلق ومن ثم أظهر علي مبايعته لأبي بكر

ثانياً بعد موتها على المنبر لازالت هذه الشبهة انتهى.

اقول : سيفرق هذا الجمع ماسيذكره قبيل الفصل الخامس حيث قال: إن أبا بكر أرسل اليهم بعد ذلك يعني الى علي والعباس والزبير والمقداد فجاءوا فقال للصحابة هذا علي ولا بيعة لي على عنقه وهو بالخيار في أمره إلا فإنكم بالخيار جميعاً في بيعتكم إياي فإن رأيتم لها غيري فأنا أول من بايعه الخ وأيضاً لا وجه لتجديد البيعة الواقعة على رؤوس الأشهاد لأجل إنقطاع المبايع وعزلته في بيته في بعض الأغراض من غير إظهاره لمن بايعه ليخلعه وينكر عليه وإلا لوجب تجديد بيعة كل من سافر عن أبي بكر مثلاً بعد البيعة الى مدة ثم رجع اليه وهل هذا إلا إضحوكة يتلهى بها الصبيان كما إن فساد تقييد ذلك التجديد ووقوعه على المنبر مما يكاد يبصره العميان.

٢٦ـ قال: وحى النووي بأسانيد صحيحة عن سفيان الثوري إن من قال: إن علياً كان أحق بالولاية فقد خطأ أبا بكر وعمر والمهاجرين وما أراه يرفع له عمل الى السماء إنتهى.

اقول: النووي عندنا أحقر من نواة الحشف البالي، والثوري عجل جسد له خوار عالي؛ وتخطئة أبي بكر وعمر واتباعهما مما وافق فيه السماوات والأرض فلا يبالي بها

٨٢

الشيعة يوم العرض، بل يرون ذلك من ارفع اعمال الفرض وقد سبق منا زيادة كلام يتعلق بما في هذه التخطئة فيما كتبناه على اوائل الفصل الثاني فتذكر.

٢٧ ـ

قال: الفصل الثالث في النصوص السمعية الدالة على خلافته من القرآن والسنة

أما النصوص القرآنية فمنها قوله يا أيها الذين آمنوا من يتردد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم أخرج البيهقي عن الحسن البصري انه قال: هو والله أبو بكر لما إردت العرب جاهدهم هو وأصحابه حتى ردهم الى الإسلام انتهى.

اقول: ليس لأحد ممن حاربهم ابو بكر باصحابه من اهل الردة كما ذكره إبن حزم في مسئلة احكام المرتدين من كتابه الموسوم بالمجلى حيث قال: ان المتسمين باهل الردة قسمان قسم لم يؤمن قط كأصحاب مسيلمة وسجاح فهؤلاء حربيون لم يسلموا قط لايختلف أحد في إنه يقبل توبتهم وإسلامهم والثاني قوم أسلموا ولم يكفروا بعد إسلامهم لكن منعوا الزكاة من أن يدفعوها الى أبي بكر فعلى هذا قوتلوا ولم يختلف الحنفيون والشافعيون في إن هؤلاء ليس لهم حكم المرتد أصلاً وهم قد خالفوا فعل أبي بكر فيهم ولا نسميهم أهل الردة ودليل ماقلناه شعر الحطيئة المشهور الذي يقول فيه:

شعر أطعنا رسول الله ما كان بيننا

فيا لهفاً مابال دين أبي بكر

أيورثها بكر إذا مات بعده

فتلك لعمر الله قاصمة الظهر

وأين التي طالبتم فمنعتم

لك التمر أو أحلى لديّ من التمر

فيا ليتني دودان رحلي وناقتي

عشبة نجد بالرماح أبو بكر

٨٣

(إنتهى ) بل قد ذكر صاحب الفتوح عند ذكر بني حنيف وبني كندة إن منشأ مخالفة طوائف العرب الذين منعوا أبا بكر في أيام خلافته عن الزكاة حتى سماهم بأهل الردة وقاتلهم عليه إنما كا إعتقادهم حقية خلافة أهل البيتعليهم‌السلام وقدحهم في خلافة أبي بكر فقد روى بعض المتقدمين إنه لما بويع لأبي بكر دخل مالك بن نويرة سيد بني حنيفرضي‌الله‌عنه المدينة لينظر من قام بالأمر بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يوم الجمعة فلما دخل المسجد وصعد ابو بكر ليخطب على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلما نظر اليه قال هذا أخو تيم ؟ قالوا نعم قال فما فعل وصي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أمرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بإتباعه وموالاته فقال له المغيرة بن شعبة إنك غبت وشهدنا الأمر يحدث بعد الأمر فقال مالك بالله ماحدث شيء ولكنكم خنتم الله في رسوله ثم تقدم الى أبي بكر وقال يا أبا بكر لما رقيت منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصي رسول الله جالس فقال ابو بكر إخرجوا الإعرابي البوال على عقبيه من المسجد فقام اليه عمر وخالد وقنفذ فلم يزالوا يلكزونه في ظهره حتى أخرجوه من المسجد كرهاً بعد إهانة وضرب فركب مالك راحلته وهو يقول:

شعر أطعنا رسول الله ماكان بيننا

فيا قوم ما شأني وشأن ابي بكر

إذا مات بكر قام بكر مقامه

فتلك وبيت الله قاصمة الظهر

فلو قام بالأمر الوصي عليهم

أقمنا ولو كان القيام على الجمر

قال الرواي فلما توطأ الأمر لأبي بكر بعث خالد بن الوليد في جيش وقال علمت ماقال إبن نويرة في المسجد على رؤوس الأشهاد وما أنشده من شعره ولسنا نأمن من أن ينفتق علينا منه فتق لا يلتأم والرأي أن تخدعه وتقتله وتقتل كل من يبارزك دونه وتسبي

٨٤

حريمهم إتهاماً لهم بأنهم قد إرتدوا ومنعوا الزكاة فسار خالد وجرى من فعله ما إشتهر من الغلبة والغدر ، الذي يضيق بإستماعه الصدر ،على إنه روى عن الباقرعليه‌السلام وإبن عباس وعماررضي‌ الله‌ عنهما إن هذه الآية قد وردت في شأن الناكثين من اصحاب الجمل الذين جاهدهم عليعليه‌السلام بل الظاهر إن المراد من الآية ما هو أعم من ذلك بأن يكون خطاباً لكافة المؤمنين في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وإعلاماً منه تعالى إن منهم من يرتد بعد وفاته بالتساهل على وصيته وإنكارهم للنص عليه وذلك هو ما يقوله جمهور أصحابنا من إن دافعي النص كفرة والإرتداد هو قطع الإسلام بما يوجب الكفر فيكون ذلك شاملاً لأصحاب الجمل وغيرهم وهو قول عليعليه‌السلام يوم الجمل « ماقوتل أهل هذه الآية حتى اليوم » ذلك حق وصدق فإن منكري إمامته من المتقدمين لم يقع بينه وبينهم قتال بل أول قتال وقع له بعهد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هو حرب الجمل ولذلك قال ماقال ومهما أمكن حمل الكلام على عمومه كان أولى ويدل على إن الإرتداد بإنكار النص والقيام على مخالفة أمير المؤمنينعليه‌السلام ذكر أوصافهعليه‌السلام في متن الآية بقوله « يحبهم ويحبونه » فهو كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله له يوم خيبر « لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كراراً غير فرار » فإن الوصف بمحبته لله ومحبة الله له وصف مجمع عليه في عليعليه‌السلام محتلف فيه في أبي بكر ثم قال تعالى إذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ومعلوم بلا خلاف حالة أمير المؤمنينعليه‌السلام في التخاشع والتواضع عند غضبه وإيذائه مارأى قط طائشاً ولا مستطيراً في حال من الأحوال ومعلوم حال أبي بكر وعمر في هذا الباب أما الأول فلأنه أعترف طوعاً بأن له شيطاناً يعتريه عند غضبه وأما الثاني فكان معروفاً بالحدة والعجلة مشهوراً بالفضاضة والغلضة وأما النصرة على الكفار فإنما تكون بقتالهم وجهادهم والإنتصاف منهم وهذه حال لم يسبق أمير المؤمنينعليه‌السلام

٨٥

اليها سابق ولا لحقه فيها لاحق ثم قال تعالى يجاهدون في سبيل الله وهذا وصف امير المؤمنينعليه‌السلام مستحق له بالإجماع وهو منتف عن أبي بكر وصاحبه بالإجماع لأنه لا قتيل لهما في الإسلام ولا جهاد بين يدي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وكذا قوله تعالى ولا يخافون لومة لائم فإن الخوف من لومة اللائم إنما ان يتوهم في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين الذين كان أكثرهم من أصحاب سيد الآنام ومتظاهرين بالإسلام وأما قتال من زعموا إنه إرتد من العرب في زمان أبي بكر فلم يكن فيه توهم لومة اللائم حتى يوصف فاعله بعدم خوفه من ذلك وبهذا التفسير والتقرير سقط إستدلاله بالآية على خلافة أبي بكر وهو ظاهر جداً ويزيده سقوطاً إن فخر الدين الرازي قال عند تفسير هذه الآية « إ هذه الآية من أدل الدلائل على فساد مذهب الإمامية لأن الذين إتفقوا على إمامة أبي بكر لو كانوا أنكروا نصاً جلياً على إمامة عليعليه‌السلام لكان كلهم مرتدين ولجاء الله بقوم يحاربهم ويردهم الى الحق ولما لم يكن الأمر كذلك بل الأمر بالضد فإن الشيعة مقهورون أبداً حصل الجزم بعدم النص » وأجاب عنه العلامة النيشابوري الشافعي في تفسيره بقوله « ولناصر مذهب الشيعة ان يقول ما يدريك إنه تعالى لا يجيء بقوم يحاربهم ولعل المراد بخروج المهدي هو ذلك فإن محاربة من دان بدين الأوائل هي محاربة الأوائل » ثم قال خوفاً وتقية: إن هذا الجواب إنما ذكرته بطريق المنع لا لأجل العصبية والميل فإن إعتقاد إرتداد الصحابة الكرام أمر فضيع إنتهى وفي عذره هذا ايضاً إشارات لا تخفى على أولي النهى وإذا عرفت مما ذكرناه وما لم نذكره من القرائن والآثار في شأن القوم الذين وصفهم الله تعالى بالصفة التي إشتق منها إسم نبيه فدعاه بنبيه فقد إطلعت على حقيقة النسبة التي بين النبي والولي وظهر لك إن إنكار الإمامة كإنكار النبوة وإنكار النبوة كإنكار إلوهية الله تعالى فعلم إن معرفة الإمام والإعتراف بحقه شرط الإيمان رغماً لأنف من يتأنف عن ذلك

٨٦

ولولا ذلك لم يحكم الله سبحانه وتعالى على منكرذ بالإرتداد إذ محصل معنى الآية وعيد لمن انكرها وارتد بذلك عن دين الإسلام قوم يعرفون صاحبها ويعترفون بحقه يحبهم الله ويحبونه لمحبتهم اياه والقيام بمودته والبرائة من اعدائه اللهم اجعلنا من زمرة الذين انعمت عليهم بمحبة احبائك والبرائة من اعدائك انك على كل شيء قدير وبالإجابة والتفضل حقيق جدير وأما الرواية في ذلك عن الحسن البصري فقد ر إنه ضعيف فلا يفيد برهانه القسمي ونح نعارضه باضعاف ذلك القسم على خلافه فليضحك قليلاً وليبك كثيراً.

٢٧ ـ قال: قال النووي في تهذيبه: واستدل أصحابنا على عظيم علم الصديق بقوله في الحديث الثابت في الصحيحين « والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لقاتلتهم على منعه » واستدل الشيخ ابو إسحاق بهذا وغيره في طبقاته على إن أبا بكر أعلم الصحابة لأنهم كلهم وقفوا عن فهم الحكم في المسألة إلا هو ثم ظهر لهم بمباحثته لهم إن قوله هو الصواب فرجعوا اليه انتهى.

اقول: قد بينا سابقاً نقلاً عن إبن حزم إن من منع أبا بكر عن إداء الزكاة اليه لم كونوا مرتدين حقيقة إتفاقاً وإنهم لم يمنعوا الزكاة مستحلين في الدين بل منعوه عن أبي بكر لإعتقادهم عدم إستحقاقه للخلافة كما مر فحكمه بقتالهم يكون جهلاً لا علماً وبالجملة إن اراد بذلك العلم العلم الذي كان يسدعيه إنتظام خلافته وحصول مصلحته بالإنتقام منهم فهو مسلم لكن لا يجدي نفعاً وإن اراد العلم المطابق لحكم الله تعالى ورسوله فهو ممنوع كيف وقد روى صاحب الفتوح ما سيعترف به هذا الشيخ الجامد عند تقرير

٨٧

الشبهة الخامسة من أن عمر أنكر على ذلك وخاطب خالد بن الوليد الذي إرتكب ذلك بقوله « ياعدو الله » وأراد أن يقتص منه بقتله لمالك بن نويرة سيد بني حنيف فنصحه ابو بكر فقال له لا تلم خالداً فإنه سيف الله وإنما فعل مافعل بأمري وكانت المصلحة فيه فلم يتكلم عمر في ذلك مدة خلافة أبي بكر حتى وصلت الخلافة اليه وهرب عنه خالد الى الشام وجمع عمر من بقيّ من قوم مالك وأخذ ماكان من نسائهم وذراريهم عند المسلمين وسلمهم اليهم فإن كان حكم أبي بكر علماً كان منع عمر جهلاً وإن كان بالعكس فالعكس فليختر أوليائهما من هذين ماشاؤا ويدل على ماذكرناه من إنهم لم يجحدوا اصل الزكاة لأنه لايعقل من مالك وأصحابه ذلك مع القيام على الصلاة فإنهما جميعاً في قرن واحد لأن العلم الضروري حاصل للكل بأنهما من دينهعليه‌السلام وشريعته على حد واحد وهل نسبة مالك الى الردة مع ماذكرناه إلا قدح في الإصول ونقض في الدين من إن الزكاة معلومة ضرورة من دينهعليه‌السلام وقد روي جميع أهل النقل إن ابي بكر وصى الجيش الذين أنفذهم بأن يؤذنوا ويقيموا فإن أذن القوم بأذانهم واقاموا كفوا عنهم فإن لم يفعلوا أعادوا عليهم فجعل إمارة الإسلام والبراءة من الردة إلاذان والإقامة وقصة مالك معروفة عند من تأملها من النقل لأنه كان على صدقات قومه والياً من قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلما بلغته وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمسك عن أخذ الصدقات من قومه وقال لهم تربصوا بها حتى يقوم قائم بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ونظر مايكون من أمر وقد صرح بذلك في بعض أشعاره المشهورة المذكورة في كتاب الكافي وغيره وروي بعضهم أنه أخذ الصدقات وفرقها على فقراء قومه والله أعلم وإذ قد علم بما قررناه إنما ذكره هذا الشيخ الجامد من تصويب جميع الصحابة بقتالهم كذب صريح إرتكبه ترويجاً لحال أبي بكر وسداً لباب الطعن القديم المشهور في ذلك عليه

٨٨

ومن أين يثبت العلم لمن لم يعلم من القرآن الذي عرضوه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مراراً معنى الأب والكلالة وغيرهما مما فصل في كتب الجمهور، هذا وسيجيء منافي ذكر هذا الرجل للشبهة الثانية من شبهة الشيعة مايزيد المطلوب وضوحاً فلا تغفل.

٢٩ ـ قال: ومن الآيات الدالة على خلافته أيضاً قل للمخالفين من الأعراب ستدعون الى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً وأن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً اليماً فإن قلت يمكن ان يراد بالداعي في الآية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو عليعليه‌السلام قلت لايمكن ذلك مع قوله تعالى قل لن تتبعونا ومن ثم لم يدعوا الى محاربة في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله إجماعاً كما مر وأما عليعليه‌السلام فلم يتفق له في خلافته قتال لطلب الإسلام بل لطلب الإمامة ورعاية حقوقها وأما من بعده فهم عندنا ظلمة وعندهم كفار فتعين إن ذلك الداعي الذي يجب بإتباعه الأجر الحسن وبعصيانه العذاب أحد الخلفاء الثلاثة وحينئذ سيلزم عليه خلافة ابي بكر على كل تقدير لأن حقية خلافة الآخرين فرع عن حقية خلافته إذ هما فرعاها النانشئان عنها المتربتان عليها.

اقول: قد علم مما قدمنا في تقرير الآية السابقة إن هذه الآية أيضاً إنما تنطبق على عليعليه‌السلام في قتاله الطوائف الثلاثة ولو سلم إن مفاد هذه الآية مافهمه هذا الشيخ الجامد فغاية مايلزم منه ترتب الثواب على فعل المأمور به في الآية والعقاب على تركه من حيث إنه كان إطاعة أو مخالفة لله تعالى ولا يلزم منه ترتبها على مجرد إطاعة الداعي المذكور في الآية أو على مجرد مخالفته من حيث إنه إطاعته أو مخالفته حتى يلزم منه فضيلة الداعي وكون إطاعته مثلاً من حيث إنه إطاعته مستلزمة للثواب

٨٩

والعقاب وكيف يلزم ماذكر وقد صح عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « إن الله تعالى ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر » وأما ماذكره من إنه لم يتفق لعليعليه‌السلام في خلافته قتال لطلب الإسلام بل لطلب الإمامة ورعاية حقوقها فبطلانه واضح لأن طلب الإمامة طلب الإسلام لأن الإمامة عندنا من أصول دين الإسلام كما يدل عليه وجوه من الأدلة

منها الحديث المشهور المتفق عليه من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « من مات ولم يعرف أمام زمانه مات ميتة جاهلية » لظهور إن الجاهل لشيء من الفروع لا يكون ميتة كذلك قال الشريف الرضيرضي‌الله‌عنه : قد تعلق أبو علي الجبائي من المعتزلة على عدم كون المراد من الآية من حاربهم امير المؤمنينعليه‌السلام من أهل الجمل وأهل صفين وأهل النهر بقوله تعالى فيها أو يسلمون وإنهم كانوا مسلمين وأول ما فيه إنهم غير مسلمين عنده وعند اصحابه لأن الكبائر تخرج عن الإسلام عندهم كما تخرج عن الإيمان إذ كان الإيمان هو الإسلام على مذهبهم ثم مذهبنا في محاربي أمير المؤمنينعليه‌السلام معروف لأنهم عندنا كانوا كفاراً

لوجوه منها إن من حاربه كان مستحلاً لقتله مظهراً لأنه في إرتكابه على حق ونحن نعلم إن من أظهر إستحلال شرب جرعة خمر فهو كافر بالإجماع وإستحلال دم المؤمن فضلاً عن أفاضلهم وأكابرهم أعظم من شرب الخمر واستحلاله فيجب أن يكونوا من هذا الوجه كفاراً

ومنها وإنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لهعليه‌السلام بلا خلاف بين أهل النقل « حربك ياعلي حربي وسلمك سلمي » ونحن نعلم إنه لم يرد إلا التشبيه بينهما في الأحكام ومن أحكام محاربي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الكفر بلا خلاف

ومنها إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال له بلا خلاف أيضاً « اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله » وقد ثبت عندنا أن العداوة من الله لا تكون إلا للكفار الذين يعادونه دون فساق أهل الملة إنتهى فلا يلزم إسلام هؤلاء قطعاً ولا مزاعمه من خلافة ابي بكر وأما تعليله لذلك بأن حقية خلافة الآخرين

٩٠

فرع خلافتهما الى آخره فالخلف فيه ظاهر لأنا لا نسلم أصل خلافة أبي بكر فضلاً عن كونه أصلاً بالنسبة الى خلافة عليعليه‌السلام وهل هذا إلا مصادرة ظاهرة.

٣٠ـ قال: ومن تلك الآيات أيضاً قوله تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما إستخلف الذين من قبلهم وليمكننهم دينهم الذي إرتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لايشركون بي شيئاً قال إبن كثير هذه الآية منطبقة على خلافة الصديق انتهى.

اقول: لا إنطباق له بما قصده اصلاً إذ لم يتحقق الى يومنا هذا تبديل الخوف بالأمن في أكثر الأقطار ولا إنتفاء الشرك بالكلية كما يدل عليه قوله تعالى لا يشركون بي شيئاً وإنما تنطبق الآية على خلافة المهدي المنتظرعليه‌السلام لما دل عليه الحديث المتواتر المتفق عليه في أنه من إنه عند ظهوره يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

٣١ ـ قال: ومنها قوله تعالى للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله اولئك هم الصادقون وجه الدلالة إن الله سماهم صادقين ومن شهد الله سبحانه له بالصدق لا يكذب فلزم إنما أطبقوا عليه من قولهم لأبي بكر ياخليفة رسول الله صادقون فيه فحينئذ كانت الآية ناصة على خلافته انتهى.

اقول : فيه نظر ظاهر لأنه قد وصف الله تعالى بالصدق من تكاملت له الشرائط المذكورة

ومنها ما هو مشاهد كالهجرة والإخراج من الديار والأموال

ومنها ماهو باطن لايعلمه الا الله تعالى وهو إبتغاء الفضل والرضوان من الله ونصرة الله ورسوله ولا ريب إن الإعتبار في

٩١

ذلك ليس بما يظهر بالبواطن والنيات ولا نسلم إن المهاجرين الذين اطبقوا على خلافة أبي بكر كانوا ممن تكاملت لهم الشرائط حتى يلزم أن يكونوا متصفين بالصدق فيجب على الخصوم أن يثبتوا إجتماع هذه الصفات في كل من هاجر وأخرج من دياره وأمواله ولا يثب ذلك إلا بدليل من خارج ووجوده أبعد من وجود العنقاء ونقول بوجه آخر إن أراد إن الآية تدل على صدق المجموع من أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله كما إستدل به صاحب الشرح المسمى بالتحقيق في أصول الحنفية فهب أن يكون كذلك لكن هذا في الحقيقة يرجع الى الإستدلال بالإجماع الذي أثبتوا حجيته بهذه الأمة لا بالآية وقد مر إن الإجماع غير ثابت في حق خلافة أبي بكر وإن اراد به صدق بعضهم فلا يفيد إلا إذا أثبت إن ذلك البعض قالوا لأبي بكر خليفة رسول الله ودون إثباته خرط القتاد على إن القول بذلك إنما يجدي لو قصد القائل به الخلافة الحقيقية الإلهية أما لو قصد به المعنى اللغوي وهو مجيء واحد خلف آخر فلا يثبت مطلوبهم كما لا يخفى.

٣٢ ـ قال: ومنها قوله تعالى إهدنا السراط المستقيم، سراط الذين أنعمت عليهم قال الفخر الرازي: هذه الآية تدل على إمامة أبي بكر لأنا ذكرنا إن تقدير الآية إهدنا سراط الذين أنعمت عليهم والله تعالى قد بين في آية أخرى إن الذين أنعم عليهم من هم بقوله تعالى اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ولا شك إن رأس الصديقين ورئيسهم أبو بكر فكان معنى الآية إن الله تعالى أمر أن نطلب الهداية التي كان عليها أبو بكر وسائر الصديقين ولو كان أبو بكر ظالماً لما جاز الإقتداء به فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على إمامة أبي بكر انتهى.

اقول: تسمية أبي بكر بالصديق إنما كان من عند أولياءه الكذابين الذين صدقوه لأغراض لا تخفى على أولي النهى وقصدوا بهذه التسمية ترويج أمره لا من عند الله

٩٢

تعالى وعند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فكونه داخلاً في الآية غير مسلم ولو ثبت مازعمه من كون أبي بكر رأس الصديقين ورئيسهم لكفى ذلك في إثبات خلافته ولا حاجة معه الى إنظمام الآية اليه كما لا يخفى.

٣٣ ـ قال: وأما النصوص الواردة عنه المصرحة بخلافته والمشيرة اليها فكثيرة جداً.

أقول ـ إن كان مرجع الضمير في عنه هو أبا بكر كما هو الظاهر فتوجه التهمة والمصادرة اليه ظاهر؛ وإن كان المرجع هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فجميع ماروي في شأنه عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله موضوعات عندنا لا تنهض أيضاً حجة علينا خصوصاً وقد ساعدنا في ذلك إمام محدثي أهل السنة وأفضل متأخريهم الشيخ مجد الدين الفيروز آبادي صاحب القاموس في كتابه المشهور الموسوم بسفر السعادة حيث قال: إنما ورد في فضائل أبي بكر فهي من المفتريات التي يشهد بديهية العقل بكذبها إنتهى فتدبر.

٣٤ ـ قال: الأول أخرج الشيخان عن جبير بن مطعم قال: أتت أمرأة الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأمرها أن ترجع اليه فقالت أرأيت إن جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت قال « إن لم تجديني فأتي ابا بكر » وأخرج إبن عساكر عن إبن عباس قال جائت إمرأة الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسأله شيئاً فقال لها تعودين فقالت يارسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن عدت فلم أجدك تعرض بالموت فقال إن جئت فلم تجديني فأتي أبا بكر فإنه الخليفة من بعدي.

اقول: لانسلم صحة الحديث كسائر ما رووه في مدحه ولو سلم جاز حمل الخليفة على المعنى اللغوي كما مر إذ لم يتبين في الحديث إن أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله برجوع السائل اليه أولاً والى أبي بكر ثانياً كان في أمر ديني يتعلق بالخلافة الشرعية فجاز أن

٩٣

يكون في أمر ديوي لا إختصاص له بالخلافة الخقيقية.

٣٥ ـ قال: الثاني، أخرج أبو القاسم البغوي بسند حسن عن عبدالله بن عمر قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول « يكون خلفي إثنى عشر خليفة ابو بكر لا يلبث إلا قليلاً » قال الأئمة صدر هذا الحديث مجمع على صحته وارد من عدة طرق اخرجه الشيخان وغيرهما فمن تلك الطرق « لايزال هذا الأمر عزيزاً ينصرون على من ناواهم عليه الى إثني عشر خليفة كلهم من قريش » رواه عبدالله بن أحمد بسند صحيح ومنها « لا يزال هذا الأمر صالحاً » ومنها « لايزال هذا الأمر ماضياً » رواه أحمد ومنها « لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم إثنى عشر رجلاً » ومنها «إن هذا الأمر لاينقضي حتى يمضي فيهم إثني عشر خليفة » ومنها لايزال الإسلام عزيزاً منيعاً الى إثني عشر خليفة » رواها مسلم ومنها للبنرار « لايزال أمر أمتي قائماً حتى يمضي إثنى عشر خليفة كلهم من قريش » زاد ابو داود فلما رجع الى منزله أتته قريش فقال ثم يكون ماذا ؟ قال : ثم يكون الهرج » ومنها لأبي داود « لايزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم إثني عشر خليفة كلهم يجتمع عليه الأمة » وعن إبن مسعود بسند حسن إنه سئل « كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال : سألنا عنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال إثني عشر كعدة نقباء بني إسرائيل » قال القاضي عياض: لعل المراد بالإثني عشر في هذه الأحاديث وما شابهها إنهم يكونون في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والإجتماع على من يقوم بالخلافة وقد وجد هذا فيمن إجتمع عليه الناس الى أن إضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة في زمن الوليد بن يزيد فاتصلت تلك الفتن بينهم الى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم قال شيخ الإسلام في فتح الباري: كلام القاضي هذا أحسن ماقيل في هذا الحديث وارجحه لتأييده بقوله في بعض طرقه صحيحة كلهم يجتمع عليه الناس والمراد باجتماعهم إنقيادهم لبيعته والذي إجتمعوا عليه هم الخلفاء الثلاثة ثم علي الى أن وقع أمر

٩٤

الحكمين في صفين فتسمى معاوية يومئذ بالخلافة ثم إجتمعوا عليه عند صلح الحسن ثم على ولده يزيد لم ينتظم للحسين امر بل قتل قبل ذلك ثم لما مات يزيد إختلفوا الى أن أجتمعوا على عبدالملك بعد قتل إبن الزبير ثم على أولاده الأربعة؛ الوليد، فسليمان، فيزيد، فهشام، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبدالعزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين والثاني عشر الوليد بن يزيد بن عبدالملك اجتمعوا عليه لما مات عمه هشام فوليّ نحو أربع سنين ثم قاموا عليه فقتلوه فانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك لوقوع الفتن بين من بقيّ من بني أمية ولخروج المغرب الأقصى عن العباسيين بتغلب المروانيين على الأندلس الى أن تسموا بالخلافة وانفطر الأمر الى أن لم يبق في الخلافة إلا الإسم بعد أن كان يخطب لعبدالملك في جميع اقطار الأرض شرقاً وغرباً يميناً وشمالاً مما غلب عليه المسلمون ولا يتولى أحد في بلد إمارة في شيء الا بأمر الخليفة وقيل: المراد وجود إثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام الى يوم القيامة يعملون بالحق وإن لم يتولوا أو يؤيده قول أبي الجلد كلهم يعمل بالهدى ودين الحق منهم رجلان من أهل بيت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليه المراد بالهرج الفتن الكبار كالدجال وما بعده وبالإثني عشر الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبدالعزيز وقيل: يحتمل أن يضم اليهم المهدي العباسي لأنه في العباسيين كعمر بن عبدالعزيز بالأمويين والطاهر العباسي ايضاً لما أوتيه من العدل ويبقى الإثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنه من اهل بيت المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله وحمل بعض المحديثن الحديث السابق على من يأتي بعد المهدي لرواية « ثم يلي الأمر بعده إثني عشر رجلاً ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسينعليهم‌السلام وآخر من غيرهم لكن سيأتي في الكلام لى الآية الثانية عشر من فضائل أهل البيت إن هذه الرواية واهية جداً فلا يعول عليها إنتهى

٩٥

اقول: قد إستدل أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم بالصحاح من هذه الأحاديث على حقية خلافة الأئمة الإثني عشرعليهم‌السلام إذ لا قائل بانحصار الأئمة في هذا العدد سوى الإمامية فإن الإمامة والخلافة على ما دل عليه دليل العقل والنقل أن يكون الشخص المتصف بها معصوماً منصوصً من الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يقدح في ذلك عدم جريان احكام بعض الأئمةعليهم‌السلام في الظاهر ولهذا قالعليه‌السلام مشيراًالى الحسنينعليهما‌السلام « إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا » وبالجملة لايقدح في مرادنا كونهمعليهم‌السلام منعوا الخلافة والمنصب الذي إختارهم الله له واستبد غيرهم به إذ لم يقدح في نبوة الأنبياءعليهم‌السلام تكذيب من كذبهم ولا وقع الشك فيهم لإنحراف من إنحرف عنهم ولا شوه وجوه محاسنهم تقبيح من قبحها ولا نقص شرفهم خلاف من عاندهم ونصب لهم العداوة وجاهرهم بالعصيان وقال عليعليه‌السلام « وما على المؤمنين من عضاضة في ان يكون مظلوماً ما لم يكن شاكاً في دينه ولا مرتاباً في بيقينه » وقال عمار بن ياسررضي‌الله‌عنه « والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا إنا على الحق وإنهم على الباطل » وهذا واضح لمن تأمله قال السيد الفاضل رضي الدين علي بن طاوسرضي‌الله‌عنه في كتاب ربيع الشيعة: وإذا كانت الفرقة المخالفة قد نقلت أحاديث النص على عد الأئمة الإثني عشرعليهم‌السلام كما نقلته الشيعة الإمامية ولم تنكر ماتضمنه الخبر فهو أدل دليل على إن الله تعالى سخرهم لروايته إقامة لحجته وإعلاء لكلمته وما هذا الأمر إلا كالخارق للعادة، والخارج عن الأمور المعتادة، لا يقدر عليه الا الله سبحانه الذي يذلل الصعب، ويقلب القلب، ويسهل العسير، وهو على كل شيء قدير.

وأما إستدلال هذا الشيخ الجامد بها على خلافة الثلاثة وعلي والحسن وبعض من بعدهم من بني أمية وبني العباس ففيه نظر من وجوه

أما أولاً فلمنع صحة الحديث الأول سيما واول راويه عبدالله بن عمر الذي لم يعمل بحديثه أبو حنيفة قط كما مر سابقاً بشهادة

٩٦

أبي المعالي الجويني الشافعي والذي لم يعرف من غاية الجهل كيفية طلاق إمرأته والذي قعد عن بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ثم جاء بعد ذلك الى الحجاج وطرقه ليلاً وقال هات يدك أبايعك لأمير المؤمنين عبدالملك فإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول« من مات وليس عليه بيعة إمام فموتته جاهلية »فانكر عليه الحجاج ذلك مع كفره وعتوه وقال له: بالأمس تقعد عن بيعة علي بن أبي طالبعليه‌السلام وأنت اليوم تأتيني تسألني البيعة من عبدالملك بن مروان؛ يدي عنك مشتغلة لكن هذه رجلي وقد روي الحميدي في الجمع بين الصحيحين من تلزمة بيعة يزيد بن معاوية ما يتعجب منه العاقل فمن ذلك في المتفق عليه من الحديث الحادي والثمانين عن نافع قال لما خلع أهل المدينه يزيد بن معاوية جمع إبن عمر حشمه وولده وقال : إني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول « لكل غادر لواء يوم القيامة » وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله وإني لأعلم عذراً أعظم من أن يبايع رجل على بيعة الله ورسوله ثم ينصب له القتال وإني لا أعلم رجلاً منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلا وإنه الفيصل بيني وبينه هذا لفظه أفما كان علي بن أبي طالب وولدهعليهم‌السلام أو أحد من بني هاشم يجرون مجرى يزيد فى أن يبايعه إنه هذا من الطرايف ..!

وأما ثانياً فلأن ما في روايته عن أبي داود من وصف الإثني عشر بكون كلهم مجمعاً عليه الأمة مخل في مطلوبه لأن أحداً من الخلافاء الثلاثة بل الأربعة لم يجتمع عليه الأمة إجتماعاً حقيقياً شرعياً بل تخلف عن كل واحد جماعة وإنما ثبتت خلافتهم عند أهل السنة ببيعة الواحد الإثنين كما مر وإن اردا بذلك الإجتماع الإجتماع اللغوي فعلى تقدير تحققه في بعضهم فهو لايصلح إمارة على الخلافة الحقيقة حتى يليق من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجعل ذلك إمرة عليه وبهذا يضعف كلام قاضيهم وشيخ إسلامهم كما يظهر عند التأمل.

وأما ماذكره شيخ إسلامهم من إن المراد بإجماعهم إنقيادهم لبيعته فهو إصلاح

٩٧

جديد منه في رسم الإجماع ومع ذلك لا يؤدي الى طائل على أن حصول الإنقياد الباطني في ذلك للثلاثة وإضطرابهم غير مسلم كما مر.

وأما ثالثاً فلأنه يلزم على تأويل قاضيهم أن يكون معاوية الباغي، وجروه الخمير العاوي، داخلاً في الخلفاء الذين يكون الإسلام بهم عزيزاً

ومما إفتخر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بوجودهم بعده وفساد ذلك ظاهر جداً هذا مع إعتراف محققي الجمهور بأن معاوية وجروه لن يكونا من الخلفاء بل كانا من ملوك الإسلام وكذلك الكلام في إبن الزبير فقد قال إبن عبد البر الشافعي في كلام الإستيعاب « إنه كانت فيه خلال لا تصلح معها للخلافة لأنه كان بخيلاً ضيق العطن، سيء الخلق، حسوداً كثير الخلاف، أخرج محمد بن الحنفية ونفي عبدالملك بن العباس الى الطائف » وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :« مازال الزبير يعد منا أهل البيت حتى نشأ عبدالله؛ انتهى » ومع ظهور بغيه وفساده لم يلحقه الندامة على ذلك أصلاً وكان مصراً على عداوة أهل البيتعليهم‌السلام حتى ذكر في كتاب كشف الغمة ذلك وغيره « إنه في أيام إمارته كان يخطب ولا يصلي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقيل له في ذلك فقال: إن له أهيل سوء إذا ذكرته اشروا وشمخوا بإنوفهم » وأيضاً يلزم خلوا الأزمنة الفاصلة بي الخليفتين الصالحين المنتجبين لهم من بني أمية وما بعد تمام الإثني عشر منهم عن الخليفة والإمام فيلزم عليهم أن يكون الأحكام المنوطة على آراء الخلفاء خصوصاً عند الشافعي معطلة في تلك الأزمنة الخالية وهو كما ترى.

وأما رابعاً فلأن قوله « لم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك » مدخول بأن الحسينعليه‌السلام كان إماماً معصوماً ولطفاً عظيماً من الحق سبحانه الى الخير وهم أختاروا النار، بإطفاء نوره في هوى يزيد الخمار كما إن زكريا ويحيى كان لطفين من الله تعالى الى الخلق واختار الخلق في قتلهما الضلالة على الهدى اولئك الذين إشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت

٩٨

تجارتهم وما كانوا مهتدين

ولقد إتضح بما قررناه بقاء هذه الأحاديث صريحة في إن خلفاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ونقباءهم الأئمة الإثنى عشر من اهل البيتعليهم‌السلام كما اشرنا اليه سابقاً وإن كل مانقله هذا الشيخ إلا برد من التأويلات الباردة لايوجب برد الخاطر ولقد أنضف حيث شهد بما ذكرنا المولى فصيح الدين الدشتبياضي الذي كان إستاذ الأمير علي شير المشهور برسالته الموسومة بإلجام البغاة وإلزام الغلاة حيث قال : وقد أشكل على مفهوم الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وهو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله « إن هذا الأمر لاينقضي حتى يمضي فيهم إثنى عشر خليفة كلهم من قريش » وفي رواية « لايزال الإسلام عزيزاً الى إثني عشر خليفة كلهم من قريش » قال في شرح المشارق والمصابيح « يريد بهذا الأمر الخلافة وأما العدد فقيل: ينبغي أن يحمل على العادلين منهم فإنهم إذا كانوا على سنة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وطريقته يكونون خلفاء وإلا فلا ولا يلزم أن يكون على الولاء هذا ماقالوه لكن لإمتنع فيه والله أعلم بما هو المراد منه» انتهى كلام الفصيح، وكفى بهم نصح النصيح، لمن سلك الإعوجاج الفضيح

ومما ينبغي أن ينبه عليه ان قوله « ولكن لإمتنع فيه » قد وقع على سبيل رعاية الأدب لأصحابه وإلا فبطلانه ظاهر جداً كما عرفت

والحاصل إنه إن اعتبر خلافة إثني عشر على الولاء يلزم أن يكون معاوية الباغي، وجروه الغاوي والوليد الزنديق المرتد المريد، المستهدف لمصحف المجيد ، وأمثالهم من الخلفاء والأئمة الذين يكون بهم الإسلام عزيزاً وهذا مما لا يتفوه به مسلم

وايضاً يلزم أن تكون الأحكام المنوطة على آراء خلفاء الدين خصوصاً على مذهب الشافعي معطلة بعد إنقضاء هؤلاء الإثني عشر الى يوم الدين وإن لم يعتبر ذلك واعتبر إنتخاب العادلين منهم فمع لزوم خطائهم في بعض الإنتخابات يلزم خلوا الأزمنة الفاصلة بين الخليفتين العادلين منهم عن

٩٩

الخليفة والإمام، مع مايلزم ذلك من تعطيل الأحكام كما مر فتدبر.

٣٦ ـ قال: الثالث اخرج أحمد والترمذي وحسنه أبن ماجه والحاكم وصححه عن حذيفة قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر انتهى.

اقول:

يتوجه عليه القدح من وجوه

أما أولاً فلأن في إسناده خللاً لأنه يعري الى عبدالملك بن عمر عن ربعي بن خداش ثم يرفعونه منهما تارة الى حذيفة اليماني ؛ وتارة الى حفصة بنت عمر، فأما عبدالملك فهو من أهل الشام ، واخلاف محاربي أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومن المشهورين بالنصب والعداوة له، ولم يزل يتقرب الي بني أمية بتوليد الأخبار الكاذبة في أبي بكر وعمر، والطعن على أمير المؤمنينعليه‌السلام حتى قلدوه القضاء وكان يقبل فيه الرشى ويحكم بالجور والعدوان وكان متظاهراً بالفجور والعبث بالنساء، وله مع كلثم بنت سريع حيث قاضى بينها وبين أخيها الوليد بن سريع قصة مشهورة مذكورة في كتب الجمهور نقلها صاحب كتاب الأنوار من أصحابنا، طويناها على غرها لضيق المقام ثم إن ربعي بن خداش عند اصحاب الحديث من المعدودين في جملة الروافض المتهمين على أبي بكر وعمر فأضافته اليه مع ماوصفناه ظاهر البطلان

وأما روايته عن حفصة بنت عمر فهي من أظهر البراهين على فساده ووجوب سقوطه في الإحتجاج لأن حفصة متهمة فيما روته من فضل أبيها وصاحبه لعداوتهما لأمير المؤمنينعليه‌السلام وظاهرها ببغضه لهوى أختها عائشة ولما تضمنه من جر النفع اليها والى أبيها.

وأما ثانياً فلأنه إن اريد به تخصيص الإقتداء بهما من كل وجه فيلزم نفي إمامة

١٠٠