هوية التشيع

هوية التشيع8%

هوية التشيع مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 237

هوية التشيع
  • البداية
  • السابق
  • 237 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38702 / تحميل: 7480
الحجم الحجم الحجم
هوية التشيع

هوية التشيع

مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

كما أن من الطبيعي أن يثير دهشتهم، ويذهلهم.. بعد أن لم يكن بينهم رجالات كفاة، يدركون ألاعيب السياسة، ودهاء ومكر الرجال. وقد عبر عن دهشتهم هذه نفس الخليفة الذي اختاروه، واستعاضوا به عن المأمون. فلقد قال ابن شكلة معاتبا العباسيين:

فـلا جزيت بنو العباس خيراً

على رغمي ولا اغتبطت بري

أتـوني مـهطعين، وقد أتاهم

بـوار الـدهر بالخبر الجلي

وقد ذهل الحواضن عن بنيها

وصـد الثدي عن فمه الصبي

وحـل عصائب الأملاك منها

فـشدت فـي رقاب بني علي

فضجت أن تشد على رؤوس

تـطالبها بـميراث النبي(١)

ب ـ ولكن دهشتهم وغضبهم لا قيمة لهما، في جانب ذهاب الخلافة عنهم بالكلية، وسفك دمائهم.. وقد أوضح لهم ذلك في رسالة منه إليهم، حيث قال: (.. وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى، بعد استحقاق منه لها في نفسه، فما كان ذلك مني إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم.). والرسالة مذكورة في أواخر هذا الكتاب.

وقريب من ذلك ما جاء في وثيقة العهد، مخاطباً (أهل بيت أمير المؤمنين) حيث قال لهم: (.. راجين عائدته في ذلك (أي في البيعة للرضاعليه‌السلام ) في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم، ولم شعثكم، وسد ثغوركم.) فليغضبوا إذن قليلاً، فإنهم سوف يفرحون في نهاية الأمر كثيراً، وذلك عندما يعرفون الأهداف الحقيقية، التي كانت تكمن وراء تلك اللعبة، وأنها لم تكن إلا من أجل الإبقاء عليهم، واستمرار وجودهم في الحكم، والقضاء على أخطر خصومهم، الذين لن يكون الصدام المسلح معهم في صالحهم، إنهم دون شك عندما تؤتي تلك اللعبة ثمارها سوف يشكرونه، ويعترفون له بالجميل، ويعتبرون أنفسهم مدينين له مدى الحياة، ولسوف يذكرون دائما قوله لهم في رسالته المشار إلها آنفاً: (.. فإن تزعموا أني أردت أن يؤول إليهم (يعني للعلويين) عاقبة ومنفعة، فإني في تدبيركم، والنظر لكم، ولعقبكم، ولأبنائكم من بعدكم.).

____________

(١) التنبيه والإشراف ص ٣٠٣، والولاة والقضاة للكندي ص ١٦٨.

١٨١

ومضمون هذه العبارة بعينه ـ تقريباً ـ قد جاء في وثيقة العهد، حيث قال فيها، موجها كلامه للعباسيين، رجاء أن يلتفتوا لما يرمي إليه من لعبته تلك.. فبعد أن طلب منهم بيعة منشرحة لها صدورهم ـ قال ـ: (.. عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها، وآثر طاعة الله، والنظر لنفسه، ولكم فيها، شاكرين الله على ما ألهم أمير المؤمنين، من قضاء حقه في رعايتكم، وحرصه على رشدكم، وصلاحكم، راجين عائدته في ذلك في جمع ألفتكم، وحقن دمائكم إلخ. ما قومناه..).

لا شك أنه إذا غضب عليه العباسيون، فإنه يقدر على إرضائهم في المستقبل، (وقد حدث ذلك بالفعل) عندما يطلعهم على حقيقة نواياه، ومخططاته، وأهدافه، ولكنه إذا خسر مركزه، وخلافته، فإنه لا يستطيع ـ فيما بعد ـ أن يستعيدها بسهولة، أو أن يعتاض عنها بشيء ذي بال.

ج ـ: إن من الإنصاف هنا أن نقول: إن اختيار المأمون للرضاعليه‌السلام ولياً للعهد، كان اختياراً موفقاً للغاية، كما سيتضح، وإنه لخير دليل على حنكته ودهائه، وإدراكه للأسباب الحقيقية للمشاكل التي كان يواجهها المأمون، ويعاني منها ما يعاني.

د ـ: إن من الأمور الجديرة بالملاحظة هنا هو أن اختيار المأمون لولي عهده، الذي لم يقبل إلا بعد التهديد بالقتل.. كان ينطوي في بادئ الرأي على مغامرة لا تنسجم مع ما هو معروف عن المأمون من الدهاء والسياسة، إذا ما أخذت مكانة الإمامعليه‌السلام ، ونفوذه بنظر الاعتبار، سيما مع ملاحظة: أنه هو الذي كان يشكل أكبر مصدر للخطر على المأمون، ونظام حكمه، حيث إنه كان يحظى بالاحترام والتقدير، والتأييد الواسع في مختلف الفئات والطبقات في الأمة الإسلامية.

ولكننا إذا دققنا الملاحظة نجد أن المأمون لم يقدم على اختيار الإمام وليا للعهد، إلا وهو على ثقة من استمرار الخلافة في بني أبيه، حيث كان الإمامعليه‌السلام يكبره بـ (٢٢) سنة، وعليه فجعل ولاية العهد لرجل بينه، وبين الخليفة الفعلي هذا الفارق الكبير بالسن، لم يكن يشكل خطراً على الخلافة، إذ لم يكن من المعروف، ولا المألوف أن يعيش ولي العهد ـ وهو بهذه السن المتقدمة ـ لو فرض سلامته من الدسائس والمؤامرات!.. إلى ما بعد الخليفة الفعلي، فإن ذلك من الأمور التي يبعد احتمالها جداً.

١٨٢

ه‍ ـ: ولهذا.. ولأن ما أقدم عليه لم يكن منتظراً من مثله، وهو الذي قتل أخاه من أجل الخلافة والملك، ولأنه من تلك السلالة المعادية لأهل البيتعليهم‌السلام .. احتاج المأمون إلى أن يثبت صدقه، وإخلاصه فيما أقدم عليه، وأن يقنع الناس بصفاء نيته، وسلامة طويته.. فأقدم لذلك. على عدة أعمال:

فأولاً: أقدم على نزع السواد شعار العباسيين، ولبس الخضرة شعار العلويين وكان يقول: إنه لباس أهل الجنة(١) . حتى إذا ما انتهى دور هذه الظاهرة بوفاة الإمام الرضاعليه‌السلام وتمكنه هو من دخول بغداد عاد إلى لبس السواد شعار العباسيين، بعد ثمانية أيام فقط من وصوله، على حد قول أكثر المؤرخين، وقيل: بل بقي ثلاثة أشهر. نزع الخضرة رغم أن العباسيين، تابعوه، وأطاعوه في لبسها، وجعلوا يحرقون كل ملبوس يرونه من السواد، على ما صرح به في مآثر الإنافة، والبداية والنهاية، وغير ذلك.

____________

(١) الإمام الرضا ولي عهد المأمون ص ٦٢ عن ابن الأثير.

١٨٣

وثانياً: ولنفس السبب(١) أيضاً نراه قد ضرب النقود باسم الإمام الرضاعليه‌السلام .

وثالثاً: أقدم للسبب نفسه على تزويج الإمام الرضاعليه‌السلام ابنته، رغم أنها كانت بمثابة حفيدة له، حيث كان يكبرها الإمامعليه‌السلام بحوالي أربعين سنة. كما أنه زوج ابنته الأخرى للإمام الجوادعليه‌السلام الذي كان لا يزال صغيراً، أي ابن سبع سنين(٢) .

ومن يدري: فلعله كان يهدف من تزويجهما أيضاً إلى أن يجعل عليهما رقابة داخلية. وأن يمهد السبيل، لكي تكون الأداة الفعالة، التي

____________

(١) التربية الدينية ص ١٠٠.

(٢) راجع مروج الذهب ج ٣ / ٤٤١، وغيره من كتب التاريخ. وفي الطبري ج ١١ / ١١٠٣، طبع ليدن، والبداية والنهاية ج ١٠ / ٢٦٩: أنهعليه‌السلام لم يدخل بها إلا في سنة ٢١٥ للهجرة، ولكن يظهر من اليعقوبي ج ٢ / ٤٥٤ ط صادر: أنه زوج الجواد ابنته بعد وصوله إلى بغداد، وأمر له بألفي ألف درهم، وقال: إني أحببت أن أكون جداً لامرئ ولده رسول الله، وعلي بن أبي طالب، فلم تلد منه انتهى. وهذا يدل على أنه قد بادر إلى تزويج الجواد بعد قتل أبيه الرضاعليه‌السلام ليبرئ نفسه من الاتهام بقتل الرضاعليه‌السلام ، حيث إن الناس كانوا مقتنعين تقريباً بذلك ومطمئنين إليه، وسيأتي في أواخر الكتاب البحث عن ظروف وملابسات وفاتهعليه‌السلام ويلاحظ: أن كلمة المأمون هذه تشبه إلى حد بعيد كلمة عمر بن الخطاب حينما أراد أن يبرر إصراره غير الطبيعي على الزواج بأم كلثوم بنت عليعليه‌السلام حتى لقد استعمل أسلوباً غير مألوف في التهديد والوعيد من أجل الوصول إلى ما يريد.

١٨٤

يستعملها في القضاء على الإمامعليه‌السلام ، كما كان الحال بالنسبة لولده الإمام الجواد، الذي قتل بالسم الذي دسته إليه ابنة المأمون، بأمر من عمها المعتصم(١) ، فيكون بذلك قد أصاب عدة عصافير بحجر واحد. كما يقولون..

ويجب أن نتذكر هنا: أن المأمون كان قد حاول أن يلعب نفس هذه اللعبة مع وزيره الفضل بن سهل، فألح عليه أن يزوجه ابنته فرفض، وكان الرأي العام معه، فلم يستطع المأمون أن يفعل شيئاً، كما سنشير إليه.. لكن الإمامعليه‌السلام لم يكن له إلى الرفض سبيل، ولم يكن يستطيع أن يصرح بمجبوريته على مثل هكذا زواج. لأن الرأي العام لا يقبل ذلك منه بسهولة.. بل ربما كان ذلك الرفض سبباً في تقليل ثقة الناس بالإمام، حيث يرون حينئذٍ أنه لا مبرر لشكوكه تلك، التي تجاوزت ـ بنظرهم حينئذٍ ـ كل الحدود المألوفة والمعروفة..

وعلى كل حال: فإن كل الشواهد والدلائل تشير إلى أن زواج الإمام من ابنة المأمون كان سياسياً، مفروضاً إلى حد ما.. كما أننا لا نستبعد أن يكون زواج المأمون من بوران بنت الحسن بن سهل سياسياً أيضاً، حيث أراد بذلك أن يوثق علاقاته مع الإيرانيين، ويجعلهم يطمئنون إليه، خصوصاً بعد عودته إلى بغداد، وتركه مروا، وليبرئ نفسه من دم الفضل بن سهل، ويكتسب ثقة أخيه الحسن بن سهل، المعرف بثرائه ونفوذه.

ورابعاً: وللسبب نفسه أيضاً كان يظهر الاحترام والتبجيل للإمامعليه‌السلام ـ وإن كان يضيق عليه في الباطن(٢) ـ وكذلك كانت الحال بالنسبة لإكرامه للعلويين، حيث قد صرح هو نفسه بأن إكرامه لهم ما كان إلا سياسة منه ودهاء، ومن أجل الوصول إلى أهداف سياسية معينة، فقد قال في رسالته للعباسيين، المذكورة في أواخر هذا الكتاب: (.. وأما ما كنت أردته من البيعة لعلي بن موسى.. فما كان ذلك مني، إلا أن أكون الحاقن لدمائكم، والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم. وهي الطريق أسلكها في إكرام آل أبي طالب، ومواساتهم في الفيء، بيسير ما يصيبهم منه.).

____________

(١) ولعله قد استفاد ذلك من سلفه معاوية، وما جرى له مع الإمام الحسن السبطعليه‌السلام .

(٢) وقد سبقه إلى مثل ذلك سليمان عم الرشيد، عندما أرسل غلمانه، فأخذوا جنازة الكاظمعليه‌السلام من غلمان الرشيد، وطردوهم. ثم نادوا عليه بذلك النداء المعروف، اللائق بشأنه، فمدحه الرشيد، واعتذر إليه، ولام نفسه، حيث لم يأخذ في اعتباره ما يترتب على ما أقدم عليه من ردة فعل لدى الشيعة، ومحبي أهل البيتعليهم‌السلام ، والذين قد لا يكون للرشيد القدرة على مواجهتهم. وتبعه أيضاً المتوكل، حيث جاء بالإمام الهاديعليه‌السلام إلى سامراء، فكان يكرمه في ظاهر الحال، ويبغي له الغوائل في باطن الأمر، فلم يقدره الله عليه.. على ما صرح به ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص ٢٢٦، والمجلسي في البحار ج ٥٠ / ٢٠٣، والمفيد في الإرشاد ص ٣١٤.

١٨٥

ويذكرني قول المأمون: (ومواساتهم في الفيء إلخ..) بقول إبراهيم بن العباس الصولي ـ وهو كاتب القوم وعاملهم ـ في الرضا عندما قربه المأمون:

يـمن عـليكم بأموالكم

وتعطون من مئة واحدا

و ـ: إن المأمون ـ ولا شك ـ كان يعلم: أن ذلك كله ـ حتى البيعة للإمام ـ لا يضره ما دام مصمما على التخلص من ولي عهده هذا بأساليبه الخاصة. بعد أن ينفذ ما تبقى من خطته الطويلة الأجل، للحط من الإمام قليلاً قليلاً، حتى يصوره للرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر ـ كما صرح هو نفسه(١) ، وكما صرح بذلك أيضاً عبد الله بن موسى في رسالته إلى المأمون، والتي سوف نوردها في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله، حيث يقول له فيها: (.. وكنت ألطف حيلة منهم. بما استعملته من الرضا بنا، والتستر لمحننا، تختل واحداً فواحداً منا إلخ.)(٢) .

إلى غير ذلك من الشواهد والدلائل، التي لا تكاد تخفى على أي باحث، أو متتبع..

أهداف المأمون من البيعة:

هذا.. وبعد كل الذي قدمناه، فإننا نستطيع في نهاية المطاف: أن نجمل أهداف المأمون، وما كان يتوخاه من أخذ البيعة للرضاعليه‌السلام بولاية العهد بعده.. على النحو التالي:

الهدف الأول:

أن يأمن الخطر الذي كان يتهدده من قبل تلك الشخصية الفذة، شخصية الإمام الرضاعليه‌السلام الذي كانت كتبه تنفذ في المشرق والمغرب، وكان الأرضى في الخاصة والعامة ـ باعتراف نفس المأمون ـ، حيث لا يعود باستطاعة الإمامعليه‌السلام أن يدعو الناس إلى الثورة ولا أن يأتي بأية حركة ضد الحكم، بعد أن أصبح هو ولي العهد فيه. ولسوف لا ينظر الناس إلى أية بادرة عدائية منه لنظام الحكم القائم إلا على أنها نكران للجميل، لا مبرر لها، ولا منطق يدعمها.

____________

(١) سنتكلم في القسم الرابع من هذا الكتاب، حول تصريحات المأمون، وخططه بنوع من التفصيل إن شاء الله تعالى.

(٢) مقاتل الطالبيين ص ٦٢٩.

١٨٦

وقد أشار المأمون إلى ذلك، عندما صرح بأنه: خشي إن ترك الإمام على حاله: أن ينفتق عليه منه ما لا يسده، ويأتي منه عليه ما لا يطيقه فأراد أن يجعله ولي عهده ليكون دعاؤه له. كما سيأتي بيانه في فصل: مع بعض خطط المأمون إن شاء الله تعالى.

الهدف الثاني:

أن يجعل هذه الشخصية تحت المراقبة الدقيقة، والواعية من قرب، من الداخل والخارج، وليمهد الطريق من ثم إلى القضاء عليها بأساليبه الخاصة. وقد أشرنا فيما سبق، إلى أننا لا نستبعد أن يكون من جملة ما كان يهدف إليه من وراء تزويجه الإمام بابنته، هو: أن يجعل عليه رقيبا داخليا موثوقا عنده هو، ويطمئن إليه الإمام نفسه.

وإذا ما لاحظنا أيضاً، أن: (المأمون كان يدس الوصائف هدية ليطلعنه على أخبار من شاء..)(١) ، وأنه كان: للمأمون على كل واحد صاحب خبر(٢) . (.. فإننا نعرف السر في إرساله بعض جواريه إلى الإمام الرضاعليه‌السلام بعنوان: هدية.. وقد أرجعها الإمامعليه‌السلام إليه مع عدة أبيات من الشعر، عندما رآها اشمأزت من شيبه)(٣) .

ولم يكتف بذلك، بل وضع على الإمامعليه‌السلام عيوناً آخرين، يخبرونه بكل حركة من حركاته، وكل تصرف من تصرفاته.

فقد كان: (هشام بن إبراهيم الراشدي من أخص الناس عند الرضاعليه‌السلام ، وكانت أمور الرضا تجري من عنده، وعلى يده، ولكنه لما حمل إلى مرو اتصل هشام بن إبراهيم بذي الرئاستين، والمأمون،

____________

(١) تاريخ التمدن الإسلامي ج ٥ جلد ٢ ص ٥٤٩، نقلاً عن: العقد الفريد ج ١ / ١٤٨.

(٢) تاريخ التمدن الإسلامي ج ٤ جلد ٢ ص ٤٤١، نقلاً عن: المسعودي ج ٢ / ٢٢٥، وطبقات الأطباء ج ١ / ١٧١، (٣) البحار ج ٤٩ / ١٦٤، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ١٧٨.

١٨٧

فحظي بذلك عندهما. وكان لا يخفي عليهما شيئاً من أخباره، فولاه المأمون حجابة الرضا. وكان لا يصل إلى الرضا إلا من أحب، وضيق على الرضا، فكان من يقصده من مواليه، لا يصل إليه. وكان لا يتكلم الرضا في داره بشيء إلا أورده هشام على المأمون، وذي الرئاستين..)(١) وعن أبي الصلت: أن الرضا (كان يناظر العلماء، فيغلبهم، فكان الناس يقولون: والله، إنه أولى بالخلافة من المأمون، فكان أهل الأخبار يرفعون ذلك إليه..)(٢) وأخيراً.. فإننا نلاحظ: أن جعفر بن محمد بن الأشعث، يطلب من الإمامعليه‌السلام : أن يحرق كتبه إذا قرأها، مخافة أن تقع في يد غيره، ويقول الإمامعليه‌السلام مطمئناً له: «إني إذا قرأت كتبه إلي أحرقتها.)(٣) إلى غير ذلك من الدلائل والشواهد الكثيرة، التي لا نرى أننا بحاجة إلى تتبعها واستقصائها.

الهدف الثالث:

أن يجعل الإمامعليه‌السلام قريباً منه، ليتمكن من عزله عن الحياة الاجتماعية، وإبعاده عن الناس، وإبعاد الناس عنه، حتى لا يؤثر عليهم بما يمتلكه من قوة الشخصية، وبما منحه الله إياه من العلم، والعقل، والحكمة. ويريد أن يحد من ذلك النفوذ له، الذي كان يتزايد باستمرار، سواء في خراسان، أو في غيرها.

وأيضاً.. أن لا يمارس الإمام أي نشاط لا يكون له هو دور رئيس فيه، وخصوصاً بالنسبة لرجال الدولة، إذ قد يتمكن الإمامعليه‌السلام من قلوبهم، ومن ثم من تدبير شيء ضد النظام القائم. دون أن يشعر أحد.

____________

(١) البحار ج ٤٩ / ١٣٩، ومسند الإمام الرضا ج ١ / ٧٧، ٧٨، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ١٥٣.

(٢) شرح ميمية أبي فراس ص ٢٠٤، والبحار ج ٤٩ / ٢٩٠، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ٢٣٩.

(٣) كشف الغمة ج ٣ / ٩٢، ومسند الإمام الرضا ج ١ / ١٨٧، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ٢١٩.

١٨٨

والأهم من ذلك كله:

أنه كان يريد عزل الإمامعليه‌السلام عن شيعته، ومواليه، وقطع صلاتهم به، وليقطع بذلك آمالهم، ويشتت شملهم، ويمنع الإمام من أن يصدر إليهم من أوامره، ما قد يكون له أثر كبير على مستقبل المأمون، وخلافته.

وبذلك يكون أيضاً قد مهد الطريق للقضاء على الإمامعليه‌السلام نهائياً، والتخلص منه بالطريقة المناسبة، وفي الوقت المناسب.

وقد قال المأمون إنه: (يحتاج لأن يضع من الإمام قليلاً قليلا، حتى يصوره أمام الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر. ثم يدبر فيه بما يحسم عنه مواد بلائه.) كما سيأتي.

وقد قرأنا آنفاً أنه: (كان لا يصل إلى الرضا إلا من أحب ـ أي هشام بن إبراهيم ـ وضيق على الرضا، فكان من يقصده من مواليه، لا يصل إليه).

كما أن الرضا نفسه قد كتب في رسالته منه إلى أحمد بن محمد البيزنطي، يقول:((وأما ما طلبت من الإذن علي، فإن الدخول إلي صعب، وهؤلاء قد ضيقوا علي في ذلك الآن، فلست تقدر الآن، وسيكون إن شاء الله...)) (١) .

____________

(١) رجال المامقاني ج ١ / ٧٩، وعيون أخبار الرضا ج ٢ / ٢١٢.

١٨٩

كما أننا نرى أنه عندما وصل إلى القادسية، وهو في طريقه إلى مرو، يقول لأحمد بن محمد بن أبي نصر: (إكتر لي حجرة لها بابان: باب إلى الخان، وباب إلى خارج، فإنه أستر عليك..)(١) .

ولعل ذلك هو السبب في طلبه من الإمامعليه‌السلام ، ومن رجاء بن أبي الضحاك: أن يمرا عن طريق البصرة، فالأهواز إلخ.. ما سيأتي: ولا نستبعد أيضاً أن يكون عزل الإمام عن الناس، هو أحد أسباب إرجاع الإمام الرضا عن صلاة العيد مرتين(٢) . وللسبب نفسه أيضاً فرق عنه تلامذته، عندما أخبر أنه يقوم بمهمة التدريس، وحتى لا يظهر علم الإمام، وفضله.. إلى آخر ما هنالك من صفحات تاريخ المأمون السوداء.

الهدف الرابع:

إن المأمون في نفس الوقت الذي يريد فيه أن يتخذ من الإمام مجناً يتقي به سخط الناس على بني العباس، ويحوط نفسه من نقمة الجمهور. يريد أيضاً، أن يستغل عاطفة الناس ومحبتهم لأهل البيت ـ والتي زادت ونمت بعد الحالة التي خلفتها الحرب بينه وبين أخيه ـ ويوظف ذلك في صالحه هو، وصالح الحكم العباسي بشكل عام.

أي أنه كان يهدف من وراء لعبته تلك، والتي كان يحسب أنها سوف تكون رابحة جداً ـ إلى أن يحصل على قاعدة شعبية، واسعة، وقوية. حيث كان يعتقد ويقدر: أن نظام حكمه سوف ينال من التأييد، والقوة، والنفوذ، بمقدار ما كان لتلك الشخصية من التأييد، والنفوذ والقوة.. وإذا ما استطاع في نهاية الأمر أن يقضي عليها، فإنه يكون قد أمن خطراً عظيماً، كان يتهدده من قبلها، بمقدار ما كان لها من العظمة والخطر.

____________

(١) بصائر الدرجات ص ٢٤٦، ومسند الإمام الرضا ج ١ / ١٥٥.

(٢) هذه القضية معروفة ومشهورة، فراجع: الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ٢٤٦، ٢٤٧، ومطالب السؤول، لمحمد بن طلحة الشافعي، طبعة حجرية ص ٨٥، وإثبات الوصية للمسعودي ص ٢٠٥، ومعادن الحكمة ص، ١٨٠، ١٨١، ونور الأبصار ص ١٤٣، وشرح ميمية أبي فراس ص ١٦٥، وإعلام الورى ص ٣٢٢، ٣٢٣، وروضة الواعظين ج ١ / ٢٧١، ٢٧٢، وأصول الكافي ج ١ / ٤٨٩، ٤٩٠، والبحار ج ٤٩ / ١٣٥، ١٣٦، ١٧١، ١٧٢، وعيون أخبار الرضا، وإرشاد المفيد، وأعيان الشيعة، وكشف الغمة، وغير ذلك.

ولسوف يأتي فصل: خطة الإمام، وغيره من الفصول، ما يتعلق بذلك إن شاء الله تعالى.

١٩٠

إن المأمون قد اختار لولاية عهده رجلاً يحظى بالاحترام والتقدير من جميع الفئات والطبقات، وله من النفوذ، والكلمة المسموعة، ما لم يكن لكل أحد سواه في ذلك الحين. بل لقد كان الكثيرون يرون: أن الخلافة حق له، وينظرون إلى الهيئة الحاكمة على أنها ظالمة له وغاصبة لذلك الحق:

يقول الدكتور الشيبي، وهو يتحدث عن الرضاعليه‌السلام : (إن المأمون جعله ولي عهده، لمحاولة تألف قلوب الناس ضد قومه العباسيين، الذين حاربوه، ونصروا أخاه..)(١) .

ويقول:. (.. وقد كان الرضا من قوة الشخصية، وسمو المكانة: أن التف حوله المرجئة، وأهل الحديث، والزيدية، ثم عادوا إلى مذاهبهم بعد موته.)(٢) .

وكذلك هو يقول ـ وهو مهم فيما نحن بصدده ـ: (.. إن الرضا لم يكن بعد توليته العهد إمام الشيعة وحدهم، وإنما مر بنا:

____________

(١) الصلة بين التصوف والتشيع ص ٢٢٣، ٢٢٤.. ونحن لا نوافق الدكتور الشيبي على أنه كان يريد التقوي بذلك على العباسيين، كما اتضح، وسيتضح إن شاء الله.

(٢) المصدر السابق ص ٢١٤.

١٩١

أن الناس، حتى أهل السنة، والزيدية، وسائر الطوائف الشيعية المتناحرة.. قد اجتمعت على إمامته، وإتباعه، والالتفاف حوله.)(١) .

وهذا كما ترى تصريح واضح منه بهدف المأمون، الذي نحن بصدد بيانه.

ويقول محمد بن طلحة الشافعي مشيراً إلى ذلك، في معرض حديثه عن الإمام الرضاعليه‌السلام : (.. نما إيمانه، وعلا شأنه، وارتفع مكانه، وكثر أعوانه، وظهر برهانه، حتى أدخله الخليفة المأمون محل مهجته، وأشركه في مملكته.)(٢) .

وتقدم أنهعليه‌السلام كان ـ باعتراف المأمون ـ (الأرضى في الخاصة والعامة) وأن كتبه كانت تنفذ في المشرق والمغرب، حتى إن البيعة له بولاية العهد، لم تزده في النعمة شيئاً.. وأنه كان له من قوة الشخصية ما دفع أحد أعدائه لأن يقول في حقه للمأمون: (هذا الذي بجنبك والله صنم يعبد دون الله) إلى آخر ما هنالك، مما قدمنا (غيضاً من فيض منه).

كما وتقدم أيضاً قول المأمون في رسالته للعباسيين: (.. وإن تزعموا: أني أردت أن يؤول إليهم عاقبة ومنفعة ـ يعني للعلويين ـ، فإني في تدبيركم، والنظر لكم. ولعقبكم، وأبنائكم من بعدكم..)، وأيضاً عبارته التي كتبها المأمون بخط يده في وثيقة العهد، فلا نعيد.

وهكذا.. فما على العباسيين إلا أن ينعموا بالاً، ويقروا عيناً، فإن المأمون كان يدبر الأمر لصالحهم ومن أجلهم.. وليس كما يقوله الدكتور الشيبي، وغيره من أنه أراد أن يحصل على التأييد الواسع، ليقابل العباسيين، ويقف في وجههم.

____________

(١) المصدر السابق ص ٢٥٦.

(٢) مطالب السؤول ص ٨٤، ٨٥. وقريب منه ما في: الإتحاف بحب الأشراف ص ٥٨.

١٩٢

إشارة هامة لا بد منها:

هذا.. ويحسن بنا أن نشير هنا: إلى ما قاله ابن المعتز في الروافض. وإلقاء نظرة فاحصة على السبب الذي جعلهم مستحقين لهذه الحملة الشعواء منه.. فهو يقول:

لـقد قـال الروافض في علي

مـقالاً جـامعاً كـفراً وموقا

زنـادقة أرادت كـسب مـال

مـن الـجهال فـاتخذته سوقا

وأشـهـد أنـه مـنهم بـريّ

وكـان بـأن يـقتلهم خـليقا

كـما كـذبوا عـليه وهو حي

فـأطعم نـاره مـنهم فـريقا

وكـانوا بالرضا شغفوا زماناً

وقـد نفخوا به في الناس بوقا

وقـالـوا: إنـه رب قـديرا

فكم لصق السواد به لصوقا(١)

وهذه الأبيات تعبر عن مدى صدمة ابن المعتز، وخيبة أمله في الروافض، الذين ضايقه جداً امتداد دعوتهم في طول البلاد الإسلامية، وعرضها. وخصوصاً في زمن الرضا. والذي لم يجد شيئاً يستطيع أن ينتقص به إمامهم الرضاعليه‌السلام سوى أنه كان أسود اللون، وأن الروافض قالوا: إنه رب قدير.. وسر حنقه هذا على الروافض ليس هو إلا عقيدتهم في عليعليه‌السلام ـ التي كان يراها خطراً حقيقياً على القضية العباسية ـ والتي تتلخص بأنهعليه‌السلام : يستحق الخلافة بالنص. وهذه العقيدة والمقالة هي التي جعلتهم يستحقون من ابن المعتز أن يجمع لهم بين وصفي الكفر والزندقة، واتهامه لهم، بأنهم يقصدون بذلك كسب المال من الجهال. ثم يتهمهم بأنهم قد قالوا بنفس هذه المقالة في علي الرضاعليه‌السلام ، فقالوا: إنه الإمام الثابت إمامته بالنص، وشهروا بذلك، حتى علم به عامة الناس، ونفخوا به في الناس بوقاً.. وحتى لقد التف حوله أهل الحديث، والزيدية. بل والمرجئة، وأهل السنة، على حد تعبير الشيبي، وقالوا: بإمامة أبيه، ثم بإمامته.

____________

(١) ديوان ابن المعتز ص ٣٠٠، ٣٠١، والأدب في ظل التشيع ص ٢٠٦.

١٩٣

وبديهي.. أن لا يرتاح ابن المعتز، الذي كان في صميم الأسرة العباسية لهذا الامتداد للتشيع، ولمقالة الروافض، حيث إن ذلك يعني أن الأئمة الذين هم بين الرضا، وعلي أمير المؤمنينعليهما‌السلام ، كلهم تثبت إمامتهم بالنص.

ولقد بلغ من حنقه عليهم، بسبب ذلك الامتداد الواسع لعقيدتهم ـ وخصوصاً في زمان الرضا ـ أن دفعه إلى أن يخلط عن عمد، أو عن غير عمد بين عقيدة الروافض هذه، وبين عقيدة الغلاة، حيث أضاف إلى مقالة الروافض تلك مقالة أخرى، هي: القول بإلوهية عليعليه‌السلام .

وإذا كنا واثقين من أن الفرق الشاسع بين عقيدة الروافض، وعقيدة الغلاة، لم يكن ليخفى على مثل ابن المعتز، بل على من هو أقل منه بمراتب، فإننا سوف ندرك بما لا مجال معه للشك: أن يقصد بهذا الخلط المتعمد: التشنيع على الروافض، وتهجين عقيدتهم، إذ أنه يقصد ب‍ـ (الروافض)، ـ حسبما هو صريح كلامه ـ خصوص القائلين بإمامة الرضا، وإمامة علي أمير المؤمنين، ومن بينهما. وهو يعلم وكل أحد يعلم: أنه ليس فيهم من يقول بإلوهية أحدهما، أو إلوهيتهما، أو إلوهية غيرهما من أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

وأخيراً.. فإن قول واعتراف ابن المعتز هذا ـ وهو من نعلم ـ لخير دليل على مدى تحرر الشيعة في زمن الرضا، واتساع نفوذهم، وعلى أن شخصية الرضاعليه‌السلام ، كانت قد استقطبت قطاعاً واسعاً، إن لم نقل: أنه القطاع الأكبر من الأمة الإسلامية، في طول البلاد وعرضها، في تلك الفترة من الزمن، وقد تقدم بعض ما يدل على ذلك، فلا نعيد.

الهدف الخامس:

هذا.. ونستطيع أن نقول أيضاً: إنه كان يريد أن يقوي من دعائم حكمه، حيث قد أصبح الحكم يمتلك شخصية تعنو لها الجباه بالرضا والتسليم، ولقد كان الحكم بأمس الحاجة إلى شخصية من هذا القبيل. في مقابل أولئك المتزلفين القاصرين، الذين كانوا يتجمعون حول الحكم العباسي، طلبا للشهرة، وطمعا بالمال، والذين لم يعد يخفى على أحد حالهم ومآلهم.. وعلى الأخص بعد أن رأى فشلهم في صد حملات علماء الملل الأخرى، والذين كانوا قد ضاعفوا نشاطاتهم، عندما رأوا ضعف الدولة، وتمزقها، وتفرقها إلى جماعات وأحزاب.

نعم.. لقد كان الحكم يحتاج إلى العلماء الأكفاء، والأحرار في تفكيرهم، وفي نظرتهم الواعية للإنسان والحياة، ولم يعد بحاجة إلى المتزلفين، والجامدين، والانهزاميين، ولهذا نراه يستبعد أصحاب الحديث الجامدين، الذين كان أكثرهم في الجهة المناوئة له، يشدون من أزرها، ويقيمون أودها..

١٩٤

ويقرب المعتزلة: كبشر المريسي، وأبي الهذيل العلاف وأضرابهما. ولكن الشخصية العلمية، التي لا يشك أحد في تفوقها على جميع أهل الأرض علماً وزهدا، وورعاً وفضلاً الخ. كانت منحصرة في الإمام الرضاعليه‌السلام ، باعتراف من نفس المأمون، كما قدمنا، ولهذا فقد كان الحكم يحتاج إليها أكثر من احتياجه لأية شخصية أخرى، مهما بلغت.

الهدف السادس:

ولعل من الأهمية بمكان بالنسبة إليه، أنه يكون في تلك الفترة المليئة بالقلاقل والثورات، قد أتى الأمة بمفاجئة مثيرة، من شأنها أن تصرف أنظار الناس عن حقيقة ما يجري، وما يحدث، وعن واقع المشاكل التي كان يعاني الحكم والأمة منها، وما أكثرها.

وقد عبر إبراهيم بن المهدي، عن دهشة بني العباس في أبياته المتقدمة. حتى لقد ذهل ـ على حد قوله ـ الحواضن عن بنيها! وصد الثدي عن فمه الصبي!

وبعد هذا. فلسنا بحاجة إلى كبير عناء، لإدراك مدى دهشة غيرهم: ممن رأوا وسمعوا بمعاملة العباسيين لأبناء عمهم. ولسوف ندرك مدى عظمة دهشتهم تلك إذا ما لاحظنا: أنهم كانوا سياسياً أقل وعيا وتجربة من مثل إبراهيم بن المهدي، الذي عاش في أحضان الخلافة. وكان بمرأى ومسمع من ألاعيب السياسة، ومكر الرجال.

الهدف السابع:

طبيعي بعد هذا: أنه قد أصبح يستطيع أن يدعي، بل لقد ادعى بالفعل ـ على ما في وثيقة العهد ـ: أن جميع تصرفاته، وأعماله، لم يكن يهدف من ورائها، إلا الخير للأمة، ومصلحة المسلمين، وحتى قتله أخاه، لم يكن من أجل الحكم، والرياسة، بقدر ما كان من أجل خير المسلمين، والمصلحة العامة، يدل على ذلك: أنه عندما رأى أن خير الأمة، إنما هو في إخراج الخلافة من بني العباس كلية، وهم الذين ضحوا الكثير في سبيلها، وقدموا من أجلها ما يعلمه كل أحد ـ عندما رأى ذلك ـ وأن ذلك لا يكون إلا بإخراجها إلى ألد أعدائهم، سارع إلى ذلك، بكل رضى نفس، وطيبة خاطر.. وليكون بذلك قد كفر عن جريمته النكراء، والتي كانت أحد أسباب زعزعة ثقة الناس به، ألا وهي: قتله أخاه الأمين، العزيز على العباسيين والعرب. وليكون بذلك، قد ربط الأمة بالخلافة، وكسب ثقتها فيها، وشد قلوب الناس، وأنظارهم إليها، حيث أصبح باستطاعتهم أن ينتظروا منها أن تقيم العدل، وترفع الظلم، وأن تكون معهم، وفي خدمتهم، وتعيش قضاياهم. وليكون لها من ثم من المكانة والتقدير، وما يجعلها في منأى ومأمن من كل من يتحينون بها الفرص، ويبغون لها الغوائل.

١٩٥

ويدل على ذلك ـ عدا عما ورد في وثيقة العهد ـ ما ورد من أن المأمون كتب إلى عبد الجبار بن سعد المساحقي، عامله على المدينة: أن اخطب الناس، وادعهم إلى بيعة الرضا، فقام خطيبا، فقال:

(يا أيها الناس، هذا الأمر الذي كنتم فيه ترغبون، والعدل الذي كنتم تنتظرون، والخير الذي كنتم ترجون، هذا علي بن موسى، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي بن أبي طالب:

ســتـة آبــاؤهـم مــا هــم

من أفضل من يشرب صوب الغمام(١)

وقد أكد ذلك بحسن اختياره، إذ قد اختار هذه الشخصية، التي تمثل ـ في الحقيقة ـ أمل الأمة، ورجاءها، في حاضرها، ومستقبلها، وتكون النتيجة ـ بعد ذلك ـ أنه يكون قد حصل على حماية لكل تصرف يقدم عليه في المستقبل، وكل عمل يقوم به.. مهما كان غريباً، ومهما كان غير معقول، فإن على الأمة أن تعتبره صحيحاً وسليماً، لا بد منه، ولا غنى عنه، وإن لم تعرف ظروفه، ودوافعه الحقيقية. بل وحتى مع علمها بها، فإن عليها أن تؤول ما يقبل التأويل، وإلا. فإن عليها أن تدفن رأسها في التراب، وتتناسى ما تعلم. أو أن تعتبر نفسها قاصرة عن إدراك المصالح الحقيقية الكامنة في تلك التصرفات الغريبة، وأن ما أدركته ـ ولو كان حقاً ـ لا واقع له، ولا حقيقة وراءه. ويدل على ذلك بشكل واضح أبيات ابن المعتز الآتية ص ٣٠٥/٣٠٦ يقول ابن المعتز:

وأعـطاكم الـمأمون حـق خلافة

لـنا حـقها لـكنه جـاد بـالدنيا

لـيعلمكم أن الـتي قـد حرصتموا

عليها وغودرتم على أثرها صرعى

يـسير عـليه فـقدها غـير مكثر

كـما ينبغي للصالحين ذوي التقوى

____________

(١) العقد الفريد ج ٣ / ٣٩٢، طبع مصطفى محمد بمصر سنة ١٩٣٥ و (ما) في البيت زائدة.. ولا يخفى ما في البيت، وقد أثبتناه، كما وجدناه.

١٩٦

وعلى كل حال، فإنه يتفرع على ما ذكرناه:

أولاً: إنه بعد أن أقدم على ما أقدم عليه، فليس من المنطقي بعد للعرب أن يسخطوا عليه، بسبب معاملة أبيه، أو أخيه، وسائر أسلافه لهم، فإن المرء بما كسب هو، لا بما كسب أهله، ولا تزر وازرة وزر أخرى.

وكيف يجوز لهم أن يغضبوا بعد، وهو قد أرجع الخلافة إليهم، بل وإلى أعرق بيت فيهم. وعرفهم عملا: أنه لا يريد لهم، ولغيرهم، إلا الصلاح والخير..

وليس لهم بعد حق في أن ينقموا عليه معاملته القاسية لهم، ولا قتله أخاه، ولا أن يزعجهم، ويخيفهم تقريبه للإيرانيين، ولا جعله مقر حكمه مروا إلى آخر ما هنالك.. ما دام أن الخلافة قد عادت إليهم، على حسب ما يشتهون، وعلى وفق ما يريدون.

ومن هنا.. فلا يجب أن نعجب كثيراً، حين نراهم: قد تلقوا بيعة الرضا بنفوس طيبة، وقلوب رضية. حتى أهل بغداد نرى أنهم قد تقبلوها إلى حد كبير، فقد نص المؤرخون ـ ومنهم الطبري، وابن مسكويه ـ على أن بعضهم وافق، والبعض الآخر ـ وهم أنصار بني العباس ـ رفض. وهذا يدل دلالة واضحة: على أن بغداد، معقل العباسيين الأول، كانت تتعاطف مع العلويين إلى درجة كبيرة..

١٩٧

بل ونص المؤرخون، على أن: إبراهيم بن المهدي، المعروف بابن شكلة، الذي بويع له في بغداد غضبا من تولية الرضا للعهد: لم يستطع أن يسيطر إلا على بغداد، والكوفة والسواد(١) ، بل وحتى الكوفة قد استمرت الحرب قائمة فيها على ساق وقدم أشهراً عديدة بين أنصار المأمون، وعليهم الخضرة، وأنصار العباسيين وعليهم السواد(٢) .

وثانياً: وأما الإيرانيون عامة، والخراسانيون خاصة، والمعروفون بتشيعهم للعلويين، فقد ضمن المأمون استمرار تأييدهم له، وثقتهم به، بعد أن حقق لهم غاية أمانيهم. وأغلى أحلامهم، وأثبت لهم عملاً، حبه لمن يحبون، ووده لمن يودون.. وأن لا ميزة عنده لعباسي على غيره، ولا لعربي على غيره، وأن الذي يسعى إليه، هو ـ فقط خير الأمة، ومصلحتها، بجميع فئاتها، ومختلف طبقاتها، وأجناسها.

ملاحظة هامة:

إن من الجدير بالملاحظة هنا: أن الرضاعليه‌السلام كان قد قدم إلى إيران قبل ذلك. والظاهر أنه قدمها في حدود سنة ١٩٣ ه‍. أي في الوقت المناسب لوفاة الرشيد، فقد ذكر الرضي المعاصر للمجلسي في كتابه: ضيافة الإخوان: أن علياً الرضاعليه‌السلام كان مستخفياً في قزوين في دار داوود بن سليمان الغازي أبي عبد الله، ولداوود نسخة يرويها عن الرضاعليه‌السلام ، وأهل قزوين يروونها عن داوود، كإسحاق بن محمد، وعلي بن مهرويه(٣) .

وقال الرافعي في التدوين: (وقد اشتهر اجتياز علي بن موسى الرضا بقزوين. ويقال: إنه كان مستخفيا في دار داوود بن سليمان الغازي، روى عنه النسخة المعروفة، وروى عنه إسحاق بن محمد، وعلي بن مهرويه، وغيرهما.

____________

(١) راجع البداية والنهاية ج ١٠ / ٢٤٨، وغيره من كتب التاريخ. وزاد أحمد شلبي في كتابه: التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج ٣ / ١٠٥ ـ زاد على ذلك: المدائن أيضاً.

(٢) راجع: الكامل لابن الأثير ج ٥ / ١٩٠، والبداية والنهاية ج ١٠ / ٢٤٨، وغير ذلك.

(٣) راجع كتاب: ضيافة الإخوان مخطوط في مكتبة المدرسة الفيضية في قم، في ترجمة أبي عبد الله القزويني، وعلي بن مهرويه القزويني.

١٩٨

قال الخليل: وابنه المدفون في مقبرة قزوين، يقال: إنه كان ابن سنتين، أو أصغر)(١) انتهى كلام الرافعي.

والمراد بالخليل في كلامه، هو الخليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الخليلي، القزويني، وهو الحافظ المشهور، مصنف كتاب الإرشاد، وكتاب تاريخ قزوين، الذي فرغ من تأليفه حوالي سنة أربعمائة هجرية، وكانت وفاته سنة ٤٤٦ ه‍.

الهدف الثامن:

لقد كان من نتائج اختياره الإمام، والبيعة له بولاية العهد ـ التي كان يتوقعها ـ: أن أخمد ثورات العلويين في جميع الولايات والأمصار.

ولعله لم تقم أية ثورة علوية ضد المأمون ـ بعد البيعة للرضا، سوى ثورة عبد الرحمان بن أحمد في اليمن. وكان سببها ـ باتفاق المؤرخين ـ هو فقط: ظلم الولاة وجورهم، وقد رجع إلى الطاعة بمجرد الوعد بتلبية مطالبه.

بل لا بد لنا أن نضيف إلى ذلك:

أ ـ : إنه ليس فقط أخمد ثوراتهم. بل لقد حصل على ثقة الكثيرين منهم، ومن والاهم، وشايعهم. والخراسانيون منهم، ويشير المأمون إلى هذا المعنى في رسالته، التي أرسلها إلى عبد الله بن موسى، حيث يقول:

(.. ما ظننت أحداً من آل أبي طالب يخافني، بعد ما عملته بالرضا) والرسالة مذكورة في أواخر هذا الكتاب.. كما أنه كتب للعباسيين في بغداد في رسالته، التي أشرنا إليها غير مرة، يقول لهم: إنه يريد بذلك أن يحقن دماءهم، ويذود عنهم، باستدامة المودة بنيهم، وبين العلويين.

ب: بل ونزيد هنا على ما تقدم: أنه قد بايعه منهم ومن أشياعهم من لم يكن بعد قد بايعه، وهم قسم كبير جداً، بل لقد بايعه أكثر المسلمين، ودانوا له بالطاعة، بعد أن كانوا مخالفين له ممتنعين عن بيعته، حسبما قدمناه.

وهذه دون شك هي إحدى أمنيات المأمون، بل هي أجل أمنياته وأغلاها.

ج: قال ابن القفطي في معرض حديثه عن عبد الله بن سهل ابن نوبخت:

(.. هذا منجم مأموني، كبير القدر في صناعته، يعلم المأمون قدره في ذلك. وكان لا يقدم إلا عالما مشهودا له، بعد الاختيار..

____________

(١) التدوين قسم ٢ ورقة ٢٣٥ مخطوط في مكتبة دار التبليغ الإسلامي في قم، ترجمة علي الرضا..

١٩٩

وكان المأمون قد رأى آل أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب متخشين، متخفين، من خوف المنصور، ومن جاء بعده من بني العباس. ورأى العوام قد خفيت عنهم أمورهم بالاختفاء، فظنوا ما يظنونه بالأنبياء، ويتفوهون بما يخرجهم عن الشريعة، من التغالي.

فأراد معاقبة العامة على هذا الفعل.

ثم فكر: أنه إذا فعل هذا بالعوام زادهم إغراء به، فنظر نظراً دقيقاً، وقال: لو ظهروا للناس، ورأوا فسق الفاسق منهم، وظلم الظالم، لسقطوا من أعينهم، ولانقلب شكرهم لهم ذماً.

ثم قال: إذا أمرناهم بالظهور خافوا، واستتروا، وظنوا بنا سوءاً، وإنما الرأي: أن نقدم أحدهم، ويظهر لهم إماماً، فإذا رأوا هذا أنسوا، وظهروا، وأظهروا ما عندهم من الحركات الموجودة في الآدميين، فيحقق للعوام حالهم، وما هم عليه، مما خفي بالاختفاء، فإذا تحقق ذلك أزلت من أقمته، ورددت الأمر إلى حالته الأولى. وقوي هذا الرأي عنده، وكتم باطنه عن خواصه.. وأظهر للفضل ابن سهل: أنه يريد أن يقيم إماماً من آل أمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه).

وفكر هو وهو: فيمن يصلح، فوقع إجماعهما على الرضا، فأخذ الفضل بن سهل في تقرير ذلك. وترتيبه وهو لا يعلم باطن الأمر. وأخذ في اختيار وقت لبيعة الرضا، فاختار طالع السرطان، وفيه المشتري الخ)(١) .

ثم ذكر أن عبد الله بن سهل أراد اختبار المأمون، فأخبره أن البيعة لا تتم إذا وقعت في ذلك الوقت، فهدده المأمون بالقتل إن لم تقع البيعة في ذلك الوقت بالذات، لأنه سوف يعتبر أنه هو الذي أفسد عليه ما كان دبره الخ..

وابن القفطي هنا، لا يبدو أنه يعتبر الإمام الرضاعليه‌السلام من أولئك الذين يريد المأمون إظهار تفاهاتهم للناس، ولكنه يوجه نظره إلى بقية العلويين في ذلك.. ونحن إن كنا لا نستبعد من المأمون ما ذكره ابن القفطي هنا لكننا لا نستطيع أن نعتبر أن هذا كان من الأسباب الرئيسية لدى المأمون، إذ لا نعتقد أن المأمون كان من السذاجة بحيث يجهل أن بقية العلويين لم يكونوا ـ إجمالاً ـ على الحال التي كان يريد أن يظهرهم عليها للناس، وأنهم كانوا أكثر تديناً والتزاماً من أي فئة أخرى على الإطلاق..

____________

(١) تاريخ الحكماء ص ٢٢١، ٢٢٢.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

مِن عُثمان بالثورة، فقال: ما كان أحدٌ أدفع عن عُثمان مِن عليٍّ، فقيل له: ما لكم تَسبّونه على المنابر؟ فقال: لا يستقيم لنا الأمر إلاّ بذلك (١) .

ويبدو أنّ بعض الناس لا يُصدّق أنّ هذه الإِفتراءات لا أساس لها؛ لأنّ تصديقه بذلك فيه تَبرئة للروافض، ومعناه تَرك بعض الناس بدون عَمل، على أنّي لا أشكُّ أنّ كثيراً مِن الناس لا مَصلحة لهم في أمثال هذه التُهم، لكن ليس مِن السهل التَخلّص مِن محتوى نفسي نشأ مَعهم خلال أدوار العُمر، ولكن ذلك لا يُبرّر الإِصرار على الخطأ.

ك - إنّ الله تعالى يقول: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً ) ، وعليّ عند البعثة طفل ابن سبع سِنين، فالآية تَنصُّ على أنّ النُبوّة لا تكون إلاّ لرجل.

وفي ختام هذا الفصل يَحسن بِنا الإِشارة إلى ما كَتَبه جهابذةُ الشيعة في كُتُب العقائد عن النُبوّة، وشخص النبيّ الكريم (ص)، وأنا أُلفِت النظر إلى: عقائد الصدوق وأوائل المقالات للمفيد، والشريف المرتضى في تنزيه الأنبياء وغيرهم، وأكتفي بفقرتين:

الأولى: يقول السيد محسن الأمين العاملي:

إنّ مَن شكَّ في نبوّة النبيّ، وجعل له شريكاً في النُبوّة، فهو خارج عن دين الإِسلام (٢) .

الثانية: يقول محمد رضا المُظفّر في عقائد الإماميّة:

نعتقد أنّ صاحب الرسالة الإسلاميّة هو محمّد بن عبد الله، وهو خاتم النبيّين وسيد المرسلين، وأفضلهم على الإِطلاق كما أنّه سيد البشر جميعاً، لا يوازيه فاضل في فضل، ولا يُدانيه أحدٌ في مَكرمة، وأنّه لعلى خُلُق عظيم (٣) .

____________________

(١) الصواعق المُحرقة لابن حَجَر: ص٥٣.

(٢) أعيان الشيعة: ١/٩٢.

(٣) عقائد الإماميّة: ص٦٤.

٢٢١

النَموذجُ الثالث: رَميُ التَشَيُّع بالشُعوبيّة

والشعوبيّة لُغَة: جمعُ شعوبي نِسبة للشعب، وقد تُطلق ويُراد بها النزعة العدائيّة للعرب، وهي بالإِطلاق الثاني مَصدر صناعي.

والشعوبي في إطلاق آخر: هو الذي يُسوِّي بين العَربي وغيره، ولا يُفضِّل العربي، وقد اشتُقَّ هذا الإِسم مِن الآية الكريمة: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) الحجرات: ١٣.

وذلك لأنّ المُسلِمينَ مِن غير العَرَب دعوا إلى التسوية، وكانت هذه الآية مِن شعاراتهم، ومِن شعاراتهم الحديث النبوي الشريف: (لا فضل لعربي على أعجمي، كُلّكم لآدم وآدم مِن تراب).

ثمّ تَوسّع العَرَب فأطلقوا لَفظ الشعوبي على مَن يُحقّر العَرَب، وتوسعوا بعد ذلك، فأطلقوه على الزِنديق والمُلحد، معتبرين الزَندقة والإِلحاد مظهراً ينمُّ على كَره العَرَب؛ لأنّه كُره لدينهم، ثمّ أُطلق بعد ذلك على الموالي.

أسبابُ نُشوء الشُعوبيّة:

تنقسم الأسباب إلى قسمين:

القسمُ الأوّل:

فِعل، والثاني ردُّ فعل، وهذا الأخير - أعني ردّة الفعل - مُلخّصه: أنّ العَرَب كانوا في الجاهليّة مُمزّقين لا تجمعهم جامعة، وكانت الدولة لغيرهم، فجاء الإِسلام ووحّدهم وأوطأهم عُروش كِسرى وقيصر، فَنَظر العَرَب فجأة، فإذا بهم أُمّة عظيمة بِيَدها أكثر مِن سلاح، تَخافها الأُمم، وينظر إليها الناس بإجلال باعتبارها المُبشِّرة بالإِسلام، والحاملة لتعاليمه؛ فنَفَخ ذلك فيهم روح الغُرور، وأخذوا يُعاملون الشعوب التي افتتحوها مُعاملةً فيها كثير مِن الغَطرسة والصَلف، ولم يُسوّوهم بهم، ومنعوا الموالي مِن الزواج بالعربيّة، وسمّوا مَن يولد مِن زواج كهذا

٢٢٢

هجيناً، وكانوا إذا نَزل عربيٌّ بحيّ مِن أحيائهم، فمن العار أن يُباع عليه الطعام بيعاً، بل يُقدّم له بعكس الموالي.

يقول جرير الشاعر: وقد نزل ببني العنبر، فلم يُضيّفوه، وباعوه القِرى بيعاً:

يا مالك بن طريف إنّ بَيعَكُم

رفد القرى مُفسدٌ للدين والحَسَب

قالوا نبيعكم بيعاً فقلت لهم

بيعوا الموالي واستحيوا مِن العَرَب (١)

وذكر ابن عَبد رَبّه الأندلسي في العقد الفريد: إنّ العَرَب كانوا يقولون، لا يَقطع الصلاة إلاّ ثلاثة: حِمار، أو كلب، أو مولى. وكانوا لا يُكنّون المولى، ولا يَمشون معه في الصف، ولا يواكلونه، بل يقفُ على رؤوسهم، فإذا أشركوه بالطعام خصّصوا له مكاناً؛ ليُعرَف أنّه مولى، وكانت الأمَة لا تُخطب مِن أبيها وأخيها، وإنّما مِن مولاها، وكانوا في الحرب يركبون الخيل، ويتركون الموالي مُشاة (٢) .

ومِن الحق أن يُشار إلى أنّ فِعل العَرَب هذا بالموالي، هو ردّة فِعل لما كان يُعامل به العَرَب مِن قِبَل الروم والفُرس، وكان ما أشرنا إليه مِن مُعاملة للموالي هو على مستوى سائر الناس، أمّا ما كان على مُستوى الحُكّام، فكان لا يلتقي بحال مِن الأحوال مع الإِنسانيّة، وخصوصاً وُلاة الأُموييّن كالحجّاج الذي لم يرفع الجزية عمّن أسلم مِن أهل الذِمّة، والذي وَسَم أيدي الموالي، وردّهم إلى القُرى لمّا هاجروا للمُدن (٣) . كلّ ذلك دفع هؤلاءِ الموالي إلى تبنّي شِعار الإِسلام، والدعوة للمُساواة فسُمّوا أهل التسوية، ثمّ مَرّت ظُروف أدّت إلى رفع شأن الموالي، خُصوصاً أيّام عُمَر بن عبدالعزيز وما بعده، فتحفّزوا لإِثبات وجودهم، وتَطوّر الأمر بعد ذلك أن بدأت رُدود الفعل تشتدُّ؛ فتصل إلى احتقار العَرَب وشتمهم.

أمّا القسم الثاني:

الذي هو فِعل، فهو امتداد للعُصور السالفة عندما كان العَرَب أيّام الأكاسرة

____________________

(١) الكامل للمُبرّد: ٢.

(٢) مظاهر الشُعوبيّة لمحمّد نبيه حجاب: ص٥١.

(٣) تاريخ الطبري: ٨/٣٥.

٢٢٣

والقياصرة ليس لهم شأن يذكر، وقد اختفت هذه النظرة للعرب لفترة طويلة بعد حُكم الإِسلام هذه الشعوب، ولكن عادت إلى الظُهور بفضل عوامل كثيرة لا سبيل للإِفاضة بها هُنا، وساعد على هذا أنّ الموالي مِن أُمم ذات خلفيّة حضاريّة، فكان أن نَبَغ مجموعة مِن الشعوبييّن في مُختَلف الشؤون الإداريّة والعلميّة؛ فلعبوا دوراً كبيراً في أبعاد المُجتمع المُختلفة، يُضاف لذلك أنّ الدولة العباسيّة اعتمدت على كثير مِنهم؛ لأمرين:

الأوّل: لحاجتها لتنظيم شؤون الدولة، والإِستفادة مِن خُبرات هذه الأُمم في التطبيق، وما لهم مِن قِدَم وعَراقة في ذلك، وتشبّهاً بهم في البذخ والتَرَف.

والثاني: للإِستعانة بهم في كَسر شوكة العَرَب؛ لأنّهم خافوا مِن العَرَب، وخصوصاً عندما شاهدوا مَيل العَرَب للعَلويّين، وقد لَعِب الفُرس والتُرك دوراً شَرِساً في كسر شوكة العَرَب، وتحقيق مآرب العباسيّين في ذلك، ولكنّهم بعد ذلك قَضوا على الخلافة العباسيّة، وحَتّى على مظهرها العربي، وأحالوا بغداد إلى مؤسّسة انمحت فيها آثار العُروبة في تفصيل ليس مَحلّه هنا.

مَظاهرُ الشُعوبيّة:

المجالات التي ظهرت فيها الشُعوبيّة أهمها الأدب بقسميه: الشعر والنثر، ابتداءً مِن أيّام الأُموييّن حتّى العصر العبّاسي، وظهرت في التاريخ مرويّات تَحطُّ مِن شأن العَرَب، وترفع مِن غيرهم، ومظاهر أُخرى تَجسّدت في إحياء طُقوس وعادات وعقائد كانت عند بَعض تلك الأُمم التي دَخلت الإِسلام، وحَتّى السُلوك الاجتماعي عند الحُكّام والمواطنين في الأكل واللباس، وانماط السُلوك الاجتماعي الأُخرى ظهرت عليها سِمات غير عربيّة، وكان طبيعيّاً أن يكون هُناك اقتباس لو اقتصر على ذلك، ولكنّه اقتباس يُرافقه تحدّي وفخر بهذا المَظهر، وحطّ مِن مظاهر العَرَب، وانتقاص مِن انماط معيشتها وحياتها.

٢٢٤

علاقةُ الشُعوبيّة بالتَشَيُّع:

وبعد هذه الجُمل الموجزة عن الشُعوبيّة نتساءل: ما هي علاقة الشُعوبيّة بالتَشَيُّع؟

وما هو منشأ رمي التَشَيُّع بالشعوبية؟ الأمر الذي دفع مثل الدكتور أحمد أمين أن يقول: وأمّا التَشَيُّع، فقد كان عشّ الشُعوبيّة الذي يأوون إليه، وستارهم الذي يتستّرون به (١) .

إنّ رمي التَشَيُّع بالشعوبيّة أمرٌ يدعو للاستغراب، فليس هناك أيّ علاقة بين الشُعوبيّة والتَشَيُّع، وسنُحاول استقصاء الأُمور التي تكون علامة أو منشأ للشعوبيّة؛ لنرى أين مكان الشيعة مِن هذه الأُمور، وبالتالي ما هي قيمة هذه التُهمة؟

١ - الأصلُ غير العربي:

لم يكن الشيعة الروّاد والذين يَلونهم مِن الموالي أو مِن أيّ عُنصر - غير العُنصر العربي - كما أسلفنا ذلك، وذكرناه مُفصّلاً فيما سَبق مِن هذا الكتاب فلا حاجة لإعادته.

٢ - مواقف الشيعة إزاء العروبة:

لقد وقف مؤلّفوا ومُفكّروا الشيعة إزاء العروبة والعرب موقفاً جليلاً في تكريم العَرَب، وتكريم الفِكر العربي، والإِشادة بإسهامه في خدمة الشريعة، مُبرهنين على أن الله تعالى كَرّم العَرَب بحملهم للرسالة، وجعل لُغة القرآن الكريم لغتهم، واعتبر أرضهم مهداً لا نطلاق الدعوة، والذود عن حياضها، وقد شرحنا موقفهم مِن اللُغَة، وعروبة الخليفة وغير ذلك مُفصّلاً.

٣ - موقفهم مِن حضارة العَرَب:

لم يكن للشيعة موقف سلبي إزاء حضارة العَرَب، بل العكس، فالشيعة هُم الروّاد الأوائل في خدمة الحضارة العربيّة في مُختلف أبعادها.

وإليك شريحة مِن

____________________

(١) ضحى الإِسلام: ١/٦٣.

٢٢٥

مَصادرُ الكِتابِ

٢٢٦

٢٢٧

حَرفُ الألف

١ - الأُصول العامّة للفقه المُقارن، محمّد تقي الحكيم، طبع بيروت ١٩٦٣.

٢ - أعيان الشيعة، محسن الأمين العاملي، طبع دمشق ١٩٣٥.

٣ - أُسد الغابة، علي بن محمّد بن الأثير، طبعة أوفست، وطبعة دمشق ١٩٣٨.

٤ - الإِستيعاب، يوسف بن عبد الله بن عبد البر، طبع حيدر آباد ١٣٣٦.

٥ - إحياء العُلوم، محمّد أبو حامد الغزالي، طبع مصر ١٣٤٦ هـ.

٦ - الأحوال الشَخصيّة، محمّد أبو زُهرة، ط الأولى.

٧ - أُصول الفقه، محمّد رضا المُظفّر، طبع النجف ١٩٧١، ومصر ١٩٧٣.

٨ - الإِمام علي، عبد الفتّاح عبد المقصود، الطبعة الأولى، طبع مصر.

٩ - الإِمام الصادق، أسد حيدر، طبع بيروت ١٩٦٩، وطبع النجف ١٣٧٧.

١٠ - الإِمام الشافعي، محمّد أبو زُهرة، طبع مصر الأولى.

١١ - أوائل المقالات، محمّد بن محمّد بن النعمان المُفيد، طبع النجف ١٩٧٣، وإيران ١٣٧١.

١٢ - أحسن التقاسيم، محمّد بن أحمد الشاري، طبع بريل ١٩٠٩.

١٣ - الإِصابة، أحمد بن علي بن محمّد بن حَجَر العسقلاني، طبع مصر ١٩٥٨.

١٤ - إعتقادات فِرَق المُسلِمينَ، الفخر الرازي محمّد بن عُمَر، طبع مصر ١٩٣٨.

١٥ - الأربعين، الفخر الرازي محمّد بن عُمَر، طبع حيدر آباد ١٣٥٣ هـ.

١٦ - الألفين، يوسف بن المُطهّر العلاّمة الحلّي، طبع النجف غير مؤرّخ.

٢٢٨

١٧ - أعلام الموقعين، محمّد بن أبي بكر، ابن قيم الجوزية، طبع مصر ١٣٧٤هـ.

١٨ - أحكام القرآن، ابن العربي المالكي، طبع مصر ١٣٣١.

١٩ - الانتصار، عبد الرحيم بن محمّد الخيّاط، طبع مصر ١٣٤٤.

٢٠ - الأحوال الشَخصيّة، محمّد أبو زهرة، طبع مصر الثانية غير مؤرّخ.

٢١ - الإعتصام، إبراهيم بن موسى الغرناطي الشاطبي، طبع مصر ١٣٣٢.

٢٢ - الأغاني، علي بن الحسين أبو الفرج الأصبهاني، طبع مصر الساسي غير مؤرّخ.

٢٣ - ابن الفوطي، محمّد رضا الشبيبي، طبع بغداد ١٩٥٠.

٢٤ - آراء وأحاديث في الوطنيّة والقوميّة، ساطع الحصري ١٩٤٤.

حَرفُ الباء

٢٥ - البيان والتعريف، إبراهيم بن محمّد الحنفي، طبع حَلَب ١٣٢٩هـ.

٢٦ - البيان في تفسير القرآن، أبو القاسم الخوئي، طبع بيروت ١٩٧٤.

٢٧ - البحار، محمّد باقر المجلسي، طبع إيران كومباني ١٣٠١هـ.

٢٨ - بدائع الصنائع، علاء الدين بن أبي بكر بن مسعود الكاساني، طبع مصر ١٣٢٧.

حَرفُ التاء

٢٩ - تاج العروس، محمّد مرتضى الزبيدي، طبع بيروت ١٩٦٦.

٣٠ - تاريخ ابن خُلدون، عبد الرحمان بن خُلدون، طبع بيروت ١٩٥٦.

٣١ - تاريخ الإِسلام، الدكتور حسن إبراهيم، طبع مصر ١٩٣٥.

٣٢ - تاريخ اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، طبع النجف ١٣٥٨.

٣٣ - تاريخ الشعوب الإسلاميّة، بروكلمان، طبع بيروت ١٩٦٥.

٣٤ - تاريخ الطبري، محمّد بن جرير، طبع مصر ١٩٣٢، ١٩٣٩.

٣٥ - تاريخ ابن الأثير، علي بن محمّد الجزري، طبع مصر ١٣٠١.

٣٦ - تاريخ أبي الفداء، إسماعيل بن علي بن محمود، طبع مصر ١٣٢٣.

٢٢٩

٣٧ - تاريخ الخميس، حسين بن محمّد الديار بَكري، طبع بيروت غير مؤرّخ.

٣٨ - تاريخ المذاهب الإسلاميّة، محمّد أبو زُهرة، طبع مصر- دار الفِكر العربي غير مُؤرَّخ.

٣٩ - تاريخ الإِمامة وأسلافهم، عبد الله الفيّاض، طبع بغداد ١٩٧٠.

٤٠ - تاريخ الخطيب البغدادي، أحمد بن علي، طبع مصر ١٩٣١.

٤١ - ترتيب المدارك، القاضي عياض، طبع بيروت ١٩٧٦.

٤٢ - تفسير الطبري، محمّد بن جرير، طبع مصر ١٩٥٤.

٤٣ - تفسير الثعلبي، أحمد بن محمّد، طبع مصر غير مُؤرَّخ.

٤٤ - تفسير الكشّاف، الزمخشري محمود بن عُمَر جارالله، طبع مصر ١٢٨١.

٤٥ - تفسير المنار، محمّد رشيد رضا، طبع مصر ١٣٦٧هـ.

٤٦ - التمهيد، الباقلاّني أبو بكر بن الطيّب، طبع مصر ١٩٤٧.

٤٧ - تهذيب التهذيب، ابن حَجَر أحمد بن علي، طبع حيدر أباد ١٣٢٥.

٤٨ - التمهيد والبيان، محمّد بن يحيى طبع بيروت ١٩٦٤.

٤٩ - توفيق التطبيق، علي بن فضل الله الجيلاني، طبع مصر ١٩٥٤.

٥٠ - تَطوّر المُجتمع الإِسلامي، محمود حلمي، طبع مصر ١٩٧٤.

٥١ - التَشَيُّع والشيعة، أحمد كسروي، طبع طهران ١٣٦٤هـ.

٥٢ - التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، محمّد بن أحمد الملطي، طبع لا يبزك ١٩٣٦.

٥٣ - تأسيس الشيعة لعلوم الإِسلام، حسن الصدر، طبع بغداد غير مُؤرَّخ.

٥٤ - التراتيب الإِدارية، عبد الحي الكتّاني، طبع بيروت غير مُؤرَّخ.

حرفُ الحاء

٥٥ - الحضارة الإسلاميّة في القرن الرابع، آدم متز، طبع مصر ١٣٧٧هـ.

٥٦ - حياة محمّد، محمّد حسنين هيكل، طبع مصر ١٣٥٤.

٢٣٠

حرفُ الخاء

٥٧ - خطط الشام، محمّد كُرد علي، طبع مصر ١٩٦٣.

حَرفُ الدال

٥٨ - دائرة معارف القرن العشرين، محمّد فريد وجدي، طبع مصر ١٩٢٤.

٥٩ - الدرّ المنثور، عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي، طبع مصر ١٣١٤هـ.

٦٠ - الدولة العربيّة، علي حسين الخربوطلي، طبع مصر ١٩٦٠.

٦١ - دائرة المعارف الإسلاميّة، تعريب خورشيد والشنيناوي، طبع مصر غير مُؤرَّخ.

٦٢ - دراساتٌ في الفِرَق والعقائد الإسلاميّة، عرفان عبد الحميد، طبع بغداد ١٩٧٧.

٦٣ - دراسات في الكافي والصحيح، هاشم معروف، طبع بيروت الأولى.

٦٤ - ديوان المرتضى، علي بن الحسين، طبع مصر ١٩٥٨.

٦٥ - ديوان الرضي، محمّد بن الحسين، طبع بيروت ١٩٦١.

٦٦ - ديوان المتنبي، أحمد بن الحسين، طبع مصر دار السعادة غير مُؤرَّخ.

حَرفُ الراء

٦٧ - رَوضاتُ الجنّات للخونساري، طبع إيران غير مُؤرَّخ.

٦٨ - روح المعاني: محمود الألوسي، طبع بيروت تصوير غير مُؤرَّخ.

حَرفُ الزاء

٦٩ - الزندقة والشُعوبيّة، سميرة الليثي، طبع مصر الأولى.

٧٠ - زُعماء الإصلاح في العصر الحديث، أحمد أمين، طبع مصر ١٩٧١.

حَرفُ السين

٧١ - السيف اليماني، مصطفى البرلسي البولاقي، طبع مصر ١٣٢٤هـ.

٢٣١

٧٢ - السيرة الحلبيّة، برهان الدين الحلبي، طبع مصر الأولى.

٧٣ - انحلال الأُمّة العربيّة، محمّد سعيد العرفي، ط دمشق ١٩٦٦.

حَرفُ الشين

٧٤ - شرح نهج البلاغة، عبدالحميد ابن أبي الحديد، طبع مصر الأولى.

٧٥ - الشيعة والخوارج، فلهوزن، طبع مصر الأولى.

٧٦ - الشيعة والرجعة، محمّد رضا الطبسي، طبع النجف ١٣٧٥هـ.

٧٧ - شذرات الذهب، ابن العماد الحنبلي، طبع مصر ١٣٥٠هـ.

٧٨ - شرح عقائد الصدوق، محمّد بن محمّد بن النُعمان المُفيد، طبع إيران الثانية غير مُؤرَّخ.

٧٩ - شرح فتح القدير، محمّد بن عبد الواحد بن الهُمام، طبع مصر ١٣٥٦هـ.

٨٠ - شرح الشافية، أحمد فخري زاده، طبع إيران ١٢٩٦هـ.

حَرفُ الصاد

٨١ - صحاح الجوهري، إسماعيل بن حمّاد، طبع مصر - دار الكتاب العربي غير مُؤرَّخ.

٨٢ - الصِلة بين التصوُّف والتَشَيُّع، الطبعة الأولى بغداد، والثانية مصر ١٩٦٩.

٨٣ - الصواعق المُحرقة، أحمد بن حَجَر الهَيتمي، طبع مصر ١٣٧٥هـ.

٨٤ - صِفّين، نصر بن مزاحم، طبع مصر الأولى.

٨٥ - صحيح البُخاري، محمّد بن إسماعيل، طبع مصر ١٩١٤، واسطنبول ١٣١٥.

٨٦ - صحيح مُسلِم، مُسلِم بن الحجّاج القشيري، طبع مصر الأولى.

٨٧ - صفوة البيان في تفسير القرآن، حسنين محمّد مخلوف، طبع مصر ١٩٥٦.

حَرفُ الضاد

٨٨ - ضحى الإِسلام، أحمد أمين، طبع مصر ١٩٣٨، و١٩٥٦.

٢٣٢

حَرفُ الطاء

٨٩ - طبقات ابن سعد، طبع مصر ١٣٠٨، وبيروت ١٩٥٧.

٩٠ - طبقات الحنابلة، القاضي أبو يعلى، طبع مصر غير مُؤرَّخ.

٩١ - طبقات الفقهاء، الشيرازي، طبع بغداد ١٣٥٦هـ.

حَرفُ العين

٩٢ - العقيدة والشريعة، جولد تسيهر، طبع مصر الأولى.

٩٣ - عوامل وأهداف نشأة عِلم الكلام، يحيى فرغل، طبع مصر ١٩٧٢.

٩٤ - عالم الفكر- مجلّة - تُصدرها جامعة الكويت، العدد الخاص باللُغة.

٩٥ - العِقد الفريد، ابن عَبد رَبّه الأندلسي، طبع مصر ١٩٥٦.

٩٦ - عقيدة الشيعة، دونالدسن، طبع مصر ١٩٤٦.

٩٧ - عمدة التحقيق هامش روض الرياض، إبراهيم العبيدي، طبع مصر ١٣١٥هـ.

حَرفُ الفاء

٩٨ - فجر الإِسلام، أحمد أمين، طبع مصر ١٩٥٥.

٩٩ - الفصل في المِلَل والنِحَل، علي بن أحمد بن حَزم، طبع مصر ١٣٢١هـ.

١٠٠ - فِرق الشيعة، الحسن بن موسى النوبختي، طبع النجف غير مُؤرَّخ.

١٠١ - الفهرست، ابن النديم، طبع بيروت ١٩٦٤.

١٠٢ - الفَرقُ بينَ الفِرَق، عبد القاهر بن طاهر البغدادي، طبع مصر ١٣٢٨هـ.

١٠٣ - الفُصول المُهمّة، عبدالحسين شرف الدين، طبع النجف ١٩٥٦.

١٠٤ - الفقه على المذاهب الأربعة، أحمد الجزيري، طبع غير مُؤرَّخ.

١٠٥ - فضائل الخمسة مِن الصحاح الستّة، مرتضى الفيروز آبادي، طبع النجف ١٣٨٣.

١٠٦ - فلسفة العقوبة، محمّد أبو زُهرة، طبع مصر ١٩٦٣.

٢٣٣

حَرفُ القاف

١٠٧ - القاموس الإِسلامي، محمّد عطيّة الله، طبع مصر ١٩٧٠.

١٠٨ - القوميّة العربيّة، حازم زكي نسيبه، طبع بيروت ١٩٦٢.

حَرفُ الكاف

١٠٩ - الكامل هامش رغبة الأمل، المُبرّد، طبع مصر ١٩٢٩.

١١٠ - كنز العرفان، المقداد بن عبد الله السيوري، طبع إيران ١٣٨٤.

١١١ - الكُنى والألقاب، عبّاس القُمّي، طبع صيدا لبنان ١٢٥٨هـ.

١١٢ - كشف المراد، جمال الدين بن المُطهّر العلاّمة الحلّي، طبع الهند ١٣١٠.

حَرفُ اللام

١١٣ - لسان العَرَب، ابن منظور، طبع بيروت دار صادر.

١١٤ - لسان الميزان، ابن حَجَر، طبع حيدر أباد ١٣٣٠هـ.

١١٥ - اللُمعة الدِمشقيّة وشرحها، للشهيدين علي ومحمّد، طبع النجف ١٩٦٧.

حَرفُ الميم

١١٦ - منهاج الصالحين، أبو القاسم الخوئي، طبع النجف ١٣٩٤ هـ.

١١٧ - مُقدّمة في تاريخ صدر الإِسلام، عبد العزيز الدوري، طبع بغداد ١٩٤٩.

١١٨ - مُسنَد الإِمام أحمد، أحمد بن حنبل، طبع بيروت ١٩٦٩.

١١٩ - مفاتيح الغيب، محمّد عُمَر الرازي، طبع مصر الأولى ١٣٢٧هـ.

١٢٠ - مدخل موسوعة العتبات المُقدّسة، جعفر الخليلي، طبع بيروت ١٩٦٥.

١٢١ - مُروج الذهب، علي بن الحسين المسعودي، طبع مصر ١٩٦٤.

١٢٢ - مُقدّمة ابن خُلدون، عبد الرحمان بن خُلدون، طبع بيروت ١٩٦٦.

١٢٣ - مُستدرك الحاكم، الحاكم النيسابوري، طبع الرياض - مطبعة النصر غير مُؤرَّخ.

١٢٤ - مُعجم البلدان، ياقوت الحموي، طبع بيروت ١٩٥٧.

١٢٥ - مناقب أبي حنيفة، الموفق بن أحمد المكّي، طبع حيدر آباد ١٣٢١هـ.

٢٣٤

١٢٦ - مناقب الشافعي، محمّد بن عُمَر الرازي، طبع مصر الأولى.

١٢٧ - معجم المؤلّفين، رضا كحالة، طبع دمشق ١٣٨٠هـ.

١٢٨ - المُناظرات، محمّد بن عُمَر الرازي، طبع حيدر آباد الأولى.

١٢٩ - المِلَل والنِحَل، محمّد عبد الكريم الشهرستاني، طبع مصر ١٣٢١هـ.

١٣٠ - المنخول، محمّد الغزالي، طبع دمشق، تاريخ مقدمته ١٩٧٠.

١٣١ - المقالات والفِرَق، سعد بن عبد الله الأشعري، طبع طهران ١٩٦٣.

١٣٢ - منهاج السُنّة، أحمد بن عبد الحليم بن تيميّة، طبع مصر ١٩٦٢.

١٣٣ - معالم الفلسفة، محمّد جواد مُغنية، طبع بيروت ١٩٦٠.

١٣٤ - المستصفى، محمّد الغزالي، طبع مصر ١٣٢٢هـ.

١٣٥ - مظاهر الشُعوبيّة، محمّد نبيه حجاب، طبع مصر ١٩٦١.

١٣٦ - ميزان الاعتدال، الذهبي، طبع مصر ١٩٦٣.

١٣٧ - مصباح الظلام، محمّد بن عبد الله الجرداني، طبع مصر ١٣٤٧.

١٣٨ - المُحلّى، علي بن أحمد بن حزم، طبع مصر دار الكتاب العربي غير مُؤرَّخ.

١٣٩ - المغني، عبد الله بن أحمد بن قُدامة، طبع مصر ١٣٦٧.

١٤٠ - مَقتل الحسين، عبد الرزاق المُقرّم، طبع النجف ١٩٥٦.

١٤١ - مجمع البيان، علي بن الحسين الطبرسي، طبع صيدا لبنان ١٣٧٩.

١٤٢ - المواقف، عبد الرحمان الإيجي، طبع بيروت غير مُؤرَّخ.

حَرفُ النون

١٤٣ - نَظريّة الإِمامة، أحمد محمود صبحي، طبع مصر ١٩٦٩.

١٤٤ - النهاية، علي بن محمّد بن الأثير، طبع مصر الطبعة الأولى.

١٤٥ - نشأة الفكر الفلسفي، علي سامي النشّار، طبع مصر ١٩٦٥.

١٤٦ - نهاية الإقدام، محمّد عبد الكريم الشهرستاني، طبع أكسفورد ١٩٣٤.

١٤٧ - نحو الوحدة العربيّة، يوسف هيكل، طبع مصر ١٩٤٣.

حَرفُ الواو

١٤٨ - وَفَيَات الأعيان، ابن خلكان، طبع إيران غير مُؤرَّخ.

١٤٩ - وُعّاظ السلاطين، علي الوردي، طبع بغداد ١٩٥٤.

٢٣٥

الفهرس

مُقدّمة الطَبعَة الثانية ‌ ٣

مُقدّمةُ الطَبعَةِ الأُولى ‌ ٥

تمهيد ١١

الباب الأوّل ٢١

الفصل الأوّل ٢٣

الفَصلُ الثاني: الأدلّة على تَكوّن التَشيُّع أيّام النَبيّ ٢٩

الفَصل الثالث: روّاد التَشَيُّع الأوائل ٣٣

الفصل الرابع: الشيعة غير الرَوافض ٤٠

البابُ الثاني ٤٩

الفَصلُ الأوّل: فارسيّة التَشَيُّع ٥١

أسبابُ دُخولِ الفُرسِ للتَشَيُّعِ في نَظَرِ السُنّةِ ٦٤

الفَصْلُ الثاني: أقوالُ الباحثينَ في فارسيَّةِ التَشَيُّع ٧٢

تَعْقيبٌ على الأقوالِ ٧٦

الفَصلُ الثالِث: هُويَّة التَشَيُّع العِرقيَّة وآراءُ الباحثينَ فيها ٨٠

مُقَوِّماتِ الهُويَّةِ العِرقِيَّةِ ٨١

الفَصلُ الرابِع: أئمَةُ الشيعَةِ مَنْ هُمْ؟ ٨٨

الفَصلُ الخامِس: اللُغَةُ والمَذاهِبُ الإسلاميَّة ٩٤

الفَصلُ السَادِس: أسبابُ رَمي التَشَيُّع بالفارسية ١٠٧

كيفَ صارَ الفُرسُ شيعةً ١١٣

البابُ الثالِث: هُويَّة التَشَيُّع العَقائِديّة ١١٧

الفصل الأوّل ١١٩

عقائدهم بأقلامهم ١٢٥

الفَصلُ الثاني: عبد الله بن سَبَأ ١٢٩

٢٣٦

الفصلُ الثالث: لِماذا تُنْسَبُ الشِيعةُ لابنِ سَبَأ؟ ١٤١

عِصمّة الأئمّة وأدِلَّتِها العَقْلِيّة ١٤٥

الأدِلَّةُ النَقليَّة على عِصمة الإِمام ١٤٦

الفَصلُ الرابِع: مُناقَشَةُ كِتاب نشأة الآراء والمذاهب ١٦٢

المَردودُ السَلبي في عَقيدة المهدي ١٧٤

أقوال فرق المُسلِمينَ فيها ١٧٨

الفصل الخامس: مِن عقائدنا: المهدي ١٨٥

البابُ الرابِع: مِن الافتراءاتِ على الشيعةِ ٢١١

أسبابُ نُشوء الشُعوبيّة: ٢٢٢

علاقةُ الشُعوبيّة بالتَشَيُّع: ٢٢٥

٢٣٧