هوية التشيع

هوية التشيع25%

هوية التشيع مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 237

هوية التشيع
  • البداية
  • السابق
  • 237 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38648 / تحميل: 7449
الحجم الحجم الحجم
هوية التشيع

هوية التشيع

مؤلف:
الناشر: مؤسسة دارِ الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

هُويَّةُ التَشَيُّع

الدكتور أحمد الوائلي

الطبعة الجديدة مُنَقّحَة ومَزيدة

مؤسَسَة دارِ الكتاب الإسلامي

١

٢

مُقدّمة الطَبعَة الثانية ‌

بِسمِ الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمّد وآله الأطهار، وصحبه الأبرار، ومَن تبعهم بإحسان وبعد:

لقد كان لهذا الكُتيِّب على وجازته، صدى استحسان في نفوس القُرّاء، وذلك للمنهج الذي اختطّه هذا الكتاب أكثر مِنه للكتاب نفسه، لوضوح أنّ مضمون الكتاب ليس مِن الضخامة بحيث يُشكّل رقماً فريداً، بل هو بضعة وُريقات ربما أُحسن فيها التعبير، وحُسن الاختيار، والالتفات لمواطن ذات وقع خاصٍّ بالنفوس، ذلك مضافاً للمنهج، وكان مِن المؤشّرات على إقبال القرّاء عليه نفاذ نُسَخ الطبعة سريعاً، مع أنّنا لم ننوّه عَنه في صحيفة أو دعاية، بل طُرِحَ في السوق بصورة عاديّة.

إنّ هذه الظاهرة تشجّعنا على الكتابة في أمثال هذا الموضوع، مِمّا هو مَحلّ أخذ وردّ بين فِرَق المُسلِمينَ، لا لزيادة الركام بل لصهره حتّى يذوب، على أن يكون مِن وراء الكتابة في هذه المواضيع روح مؤمن يَنشد وجه الله تعالى، ويتوخّى إزالة الضباب عن طريق المعالِم المُشتركة بين المُسلِمينَ، في مُختلف أبعاد الحضارة الإسلاميّة، مِمّا هو في حُكمٍ شرعيٍّ، أو عقيدة إسلاميّة، أو تاريخ مُسَلَّم، ولعلَّ مِن نافلة القول أن نُنوّه بأنّ ثمرات الأقلام النظيفة، مِن الوسائل الناجعة لخدمة المُسلِمينَ، ومِن الطُرق الصحيحة لتِفاهُم المُسلِمينَ.

هذا بالإضافة إلى أنّ ذلك يقطع الطريق على الأقلام المأجورة، التي ترتزق

٣

بإشعال النار وبثِّ الألغام في المجتمع المُسلِم، مِمّا نراه عند كثير مِن المأجورين بين آونة وأُخرى، حيث يزيد ذلك مِن قناعتنا بأنّ وراء ذلك أصابع تقليديّة ما برحت تُمارس لُعبتها الخبيثة كلّما سنحت لها الفرص.

وأُكرّر ما سبق أن أشرت إليه في الطبعة الأولى، عن وجود شيء مِن التشنُّج في التعبير، مِمّا قد يُعتبر كاشفاً عن ضغنٍ، أو حقدٍ - معاذ الله - في حين لا يعدو أن يكون غًضبة إيمانيّة مِن روح حسّاس، إزاء كلّ ما يمسُّ وحدة المُسلِمينَ، وقد يُبَرِّره تصوّر بفاعليّة هذا الأسلوب مِن غيره.

ولمّا كان الكمال لله وحده، والإِنسان محلُّ النقص، كانت محاولة الازدياد في التكامُل مِن الأُمور المحبوبة. ومِن هذا المنطق قُمتُ بشيء مِن التهذيب والإضافات التي أراها مُتَمِّمة لمواضيع الكتاب. وأمَلي بالقارئ الكريم أن يرى في الكتاب صورة مِن صور النقد الموضوعي البنّاء. وصرخةً في وجه بعض هواة الشتائِم، الّذين ينبزون غيرهم بأمرٍ هو عندهم، قبل كونه عند خصومهم، ولكنّ الهَوى يُعمي ويصمّ.

وما أروع ما قيل مِن أنّ شخصاً قيل له: لماذا تبدّلون حَرفُ الذال بالزاي، والقاف بالغين في نُطقكم؟. فقال: كلاّ (نحن لا نغول زلك).

وفي نهاية هذه السطور أدعو القارئ الكريم أن يوجّهني بالتنبيه على ما في الكتاب مِن عيب، أو شطحات، فالمؤمن مرآة المؤمن.

هدانا الله لِما يحبُّ ويرضى والحمد لله أوّلاً وآخِراً.

المؤلّف

٤

مُقدّمةُ الطَبعَةِ الأُولى ‌

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيم

والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين، وصحبه المُنتَجَبين وبعد:

هناك أُمورٌ لا غنىً لقارئ هذا الكتاب عن الإلمام بها، قبل الدّخول في صُلب الموضوع؛ لأنّها تتضمّن الإجابة لِما قد يَعنّ للقارئ مِن سؤال خلال قراءته للكتاب، كما أنّها ستجعل القارئ يفهم الكتاب في حدود عناوينه؛ لئلاّ يكبر العنوان على المعنون أو العكس. وتتلخّص هذه الأُمور في الآتي:

١ - قد يتبادر إلى ذهن القارئ مِن عنوان الكتاب - هُويّة التَشَيُّع - أنّ الكتاب سيبحث كلّ ما للتشيُّع مِن سِمات وخَواصٍّ، سواء كانت مِن المقوّمات، أو مِن السِمات التي أُضيفت إليه.

ولكي أُبعِد القارئ عن هذا التصوّر، أُلفِتُ نظره إلى أنّي لم أستوعبْ كلّ ما للتشيُّع مِن نُعوت وصفات، إنّما تعرَّضتُ هُنا لأُمور تكفي لإيضاح هُويّة التَشَيُّع، وفي الوقت ذاته يدور حولها نزاع بين مُختلف الفِرَق الإسلاميّة مِن جانب، وبين الإماميّة مِن فِرق المُسلِمينَ. وما يزال الجَدَل يَحتدم حولها بِرغم ما كُتِبَ حولها، وبرغم إشباعها بالبحث مُنذ أزمنة طويلة، وهي تتناول مِن التَشَيُّع جوانب عِرقيّة وجوانب فكريّة.

٢ - وعلى وجه القطع هُناك كثيرون كتبوا في موضوع الشيعة والتَشَيُّع كُتُباً أكثر عُمقاً، وأوفى استيعاباً، وأطول نفساً مِمّا كُتِب هُنا، ولكنّي أتصوَّر أنّي عالجتها هُنا بنمط وأسلوب يختلف عن الأنماط الأُخرى، ولستُ أُريد أن أُفضّل هذا النَمط

٥

الذي اخترته على الأنماط الأُخرى، ولكنّي أعتقد أنّه أوصل إلى نفس القارئ مِن غيره، فإن كان ذلك هو الواقع فَهو المطلوب، وإلاّ فلَستُ بأوّل مَن اجتهد وأخطأ، وما أكثرهم على امتداد تاريخنا.

٣ - وسَيَجِدُ القارئ في ثنايا هذا الكتاب بعض الالتهابات التي سبّبتها الجروح المُزمنة في تاريخ المُسلِمينَ، وسَيَجد ما يتبع الالتهابات مِن ألَمٍ وتشنُّج، مِمّا هو ظاهرةٌ طبعيّةٌ لا طبيعيّة يسبِّبها إفلات الزمام أحياناً، بالرغم مِن ترويض الأعصاب وقسرها على التَحمّل، وكلّ مَن مارس الكِتابة في أمثال هذه المواضيع يعلم مقدار الحَرَج والمشقَّة في ضبط الأعصاب هُنا، لِما يَرى - ومع الأسف الشديد - مِن مُناولات بين فِرَق المُسلِمينَ، فيها كثير مِن عدم الموضوعيّة، وفُقدان الشُعور بمسؤوليّة الكلمة وأهميّتها، الأمر الذي تكوّنَ معه على مرِّ الأّيام خَزين وركام مِن التَرِكة الخَطِرة، والوباء الأسود، الذي يَعمد بين الآونة والأخرى جَماعة مِمَّن هُم ليسوا ببعيدين عن الشُبهات إلى إثارته، والاصطياد خلال أجوائه المُظلمة، وسوف يَبقى هذا الوضع خَطِراً ما دام هذا الرُكام موجوداً بمُتناول أيدينا، دون أن نعمل على تصفيته، وتسليط الأضواء عليه، وتَعريتهِ تَعريةً كاملةً؛ لنصل إلى رأيٍ في وجوده وآثاره.

وأعود لأقول: إنّ ضبط الأعصاب في مِثل هذا الموقف أمرٌ ليس بالهيِّن؛ بداهة أنّ الإِنسان مُسيّر بأموره النفسيّة، أكثر مِمّا هو مُسيّر بأموره العقليّة، إلاّ مَن عَصِمه الْخُلُق، وهذَّبه الدين، والله المسؤول أن يجعلنا مِنهم.

٤ - وقد يقول قائل: إنّه مع ما ذكرتَ آنفاً، فما هي جدوى الكتابة في أمثال هذه المواضيع؟ ونحن نجد إصراراً عَجيباً على طرحها كلّ مرّة، كما هي كأنّها لم تُعالَج، ولم يَكثُر حولها الأخذ والردُّ، ولم تُحصَل الإجابة على مضامينها في أكثر مِن مورد ومورد.

إنّ هذه الوضعيّة تكادُ تَجعلُ الإِنسان يقتنع بعدم جدوى علاج أمثال هذه الأُمور، ويحرص على الوقت مِن أن يُهدر في أمثال هذه الميادين.

وللإجابة على ذلك أقول: إنّ افتراض أنّ الباب موصدٌ في وجه

٦

الإصلاح، هو انهزاميّة أمام التحدّي، وما كانت الفتوح في أيّ ميدان، إلاّ مُقابلة التحدّي بِمِثله.

إنّ الباحثين عن الواقع لم يَخلُ مِنهم عصر مِن العصور، وإنّ الّذين غلبت عليهم شُبهاتٍ تاهوا فيها ليسوا بالقليلين، وتركُ أمثال هذين بدون التعاون معهما، أمرٌ ليس مِمّا يَستَسيغُهُ مَن يحمل رسالة في دفع الحياة إلى الأفضل، كما أنّه ليس مِن الدين في شيء.

إنّ تمكين الأقلام المشبوهة مِن نُفوس المُسلِمينَ وأفكارهم لِتَتَّخذ مِنها فَرائس، هو إسهام بشكل وآخر مع تلك الأقلام فيما تَجتَرِحَه مِن إثمّ.

إنّنا مدعوّون لكنس هذا الرُكام عن طريق المُسلِمينَ؛ حتّى يكون الدرب سَمِحاً لاحِباً أمام خُطاهُم. وكلّ نتائج تُحرز في هذا الميدان هي فَتح، وانسجام مع دعوة الإِسلام للجهاد بالقَلَم والفِكر، وليس من المنطق في شيء أن نترك المَريض يُصارع الداء، بدون أن نُعطيه جُرعة دواء، ونحن نملك القُدرة فيما نظنُّ على ذلك.

وكم مِن إِنسان عاش دهراً طويلاً فريسةً لِعجزٍ أو عصبيّةٍ، ثمّ رجع إلى الموضوعيّة نتيجة إلحاح الأقلام على تنقية الأجواء، خصوصاً إذا استطاعت الأقلام أن تُسافر بِنا عَبر دُنيانا إلى فَجرنا الأصيل، الذي شعَّ بالتسامح، ورفَّت فيه نَسائم مِن نقاء الروح، وطَهر الضمير، وطُبِعَت الحياة فيه على مِزاج الإِسلام الطَهور.

٥ - وما يُهوّن الخطب أنّ مَوَاطِن الخلاف بين فِرَقِ المُسلِمينَ، مُنذ كانت لم تصل إلى الأُصول، وإنّما هي في نِطاق الفُروع، وإن حاول كثير مِنهم أن يوصلها إلى الأُصول، عن طريق عناوين ثانويّة، ولوازم تُحاول الدُخول مِن أبواب خلفيّة. لكنّها وبشيءٍ مِن التأمُّل والتحليل، تَرتَدُّ عن الأُصول إلى الفُروع، وما دام الإِسلام في روحه الكريمة، يفترض الصحّة في فِعل المُسلِم ابتداءً، فعلينا مُعالجة هذه الأُمور بوحيٍ مِن هذه الروح.

وما دامت العقولُ متفاوتة، والمداركُ مُختلفة، فَمِن المنطق أن نقول: إنّ الاختلاف في مَسائل الفِكر سُنَةُ الكَون، وسجيّة النُفوس، وخاصّة العقول، وإنّما يَحمِل على نسيان هذه الحقائق الأُفُق الضيِّق، والعصبيّة الرَعناء، والتسرّع في الاندفاع، وما أجدرنا بالابتعاد عنها.

٧

٦ - ولمّا كانت مواضيع الكِتاب ومَسائله مُختَلِفَة، فسوف لا يَجد القارئ وَحدة في الموضوع، وتَبعاً لذلك فَسَيَختَلف أُسلوب المُعالجة، ونَمَط التناول، والمزاج الذي يُمليه الموقف. مع إدراكنا أنّ هذه المسائل يَجمعها عُنوان العقائد، ولكنّ أجزاء هذا العنوان متنوِّعة. ونحن نُدرِك أنّ تسمية كثير مِمّا يَحمله الإِنسان المُسلِم ويَنتحِله عقيدة فيه كثير مِن التَجوّز، فقد لا يَعتقد ولا يُدين بما يَحمله مِن أفكار أحياناً، وإنّما هو مُجرّد شِعار تُمليه مَصلحة، أو تُحَتِّمه عصبيّة، أو تَفرضه تَقاليد دُرج عليها الإِنسان.

وهذا هو سرُّ تَمسُّك بعض الناسِ بأفكارٍ يَعلمُ بُطلانها سَلَفَاً، ولكنّه التَمَذهُب الإيديولوجي الناتج مِن مُختلفِ الأسباب، والذي هو مِن مصائبنا التي نرجو أن يُعافينا الله مِنها.

٧ - وكلّ الذي أرجوه مِن القارئ، أن لا يُسَمّي بعضَ معالجاتِ هذا الكتابِ دعوةً للطائفيّةِ، عن طريقِ الدعوةِ إلى تَركِ الطائفيّةِ مِمّا هو مِن قبيل المُصادرة على المطلوب؛ وذلك لأنّ منطقَ المُقارعةِ أحياناً مِن طرقِ تصحيحِ المسارِ، فإنّ مِبضَعَ الجَرّاح لا يُريدُ الانتقامَ وإن سَبَّبَ ألَماً، وإنّ وضعَ السيفِ أمامَ السيفِ، قد لا يكونُ دعوةً إلى القتالِ، بل دعوةً إلى تركِه، وإنّ الحَمل على باب شرب الدواء ليس عن بُغض وإن كان الدواء مُرّاً.

وستبقى الأهداف دائماً وراء الأعمال، تُحَدِّدُ هُويّاتها، وتُشكِّل مُبَرِّراً لِما قد يكون في وسائلها مِن قسوة، شريطةَ أن لا تنزل الوسائل إلى المُستويات المُلوَّثة، وما دام الهدف كبيراً فسوف تُستَساغُ بعضُ الوسائل في حالات كثيرة، كما يُمليها العقلُ ويُقرُّها الواقع.

٨ - وبعدَ ذلكَ كُلّه، فإنّي ومِن منطلق كوني إماميّاً، أدعو كلَّ قارئٍ أن يَتَلبّس الأدوار التي مرَّت بالشيعة، والظُروف والمُلابسات التي اكتنفتهم، وجوداً، واستمراراً، ثمّ يَتَصوّر ما تُفرِزه تلك الحالات مِن مظاهر سلوكيّة؛ حتّى تكونَ مِعياراً بين يديه، يُفسِّر خلال أجوائها المُعاشة كثيراً مِن مظاهر السُلوك الفكري والاجتماعي عند الشيعة، وبذلك يبتعد عن الشَطَط في الحُكم عليهم. فإذا رآهم يُشَدِّدون على فِكرَة التَقيّة، فَليَعلَم أنَّهم لم يَخرجوا بها عن نطاق واقع مُرٍّ

٨

تكيّفوا مَعَه ضِمن مقاييس الشَرع، وإذا رأى أنّ رُدودَ الفعلِ عن بَعضِهم في بعض المواقف عَنيفة، فلا يَنسى عُنف الفِعل ذاته وهكذا.

ليكن الإِنسان نفسه مقياساً للآخرين، وميزاناً يَزِن به سلوك غيره.

٩ - أُضَمِّن هذه الوُريقات دعوة إلى كلّ فِرَقِ المُسلِمينَ، أن يدرسوا بعضهم البعض بِروح عَمليّة، وأن يتبيّنوا هذه الخَلفيّات المشبوهة، التي لَعِبت دوراً كبيراً وما زالت في تمزيق المُسلِمينَ، ثمّ ليُقَيِّموا نتائج هذا الوضع؛ ليروا مَن هو الذي يَقطف الثِمار مِن وراء هذا الوضع، وبعد ذلك كُلّه نحن مَدعوون إلى وضع التاريخ في ساحة الاتِّهام وبالحروف الكبيرة، لنُحاكِمَه ونَنتهي إلى التَخلُّصِ مِن كثير مِن مآسيه التي نعيشها، فالتاريخ فاعل في داخلنا وإن بَعُدَ العهد بيننا وبين موادّهِ ومُكوِّناته.

نسأل الله تعالى العون على مسيرتنا في درب الحياة الوَعِر، وإضاءة طريقنا بنور مِنه، والحمد لله أولاً وآخراً.

٩

١٠

تمهيد

التَشَيُّع لُغة:

هو المُشايَعة، أي: المُتابعة والمُناصرة والموالاة (١) .

فالشيعة بالمعنى اللُغوي: هُم الأتباع والأنصار، وقد غَلب هذا الاسم على أتباع عليٍّ (ع)، حتّى اختصّ بِهم، وأصبح إذا أُطلِق يَنصرف إليهم.

وبهذا المعنى اللُغوي استعمل القرآن الكريم لفظة الشيعة، كما في قوله تعالى: ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ) الصافّات: ٨٣.

وكقوله تعالى: ( هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ) القصص: ١٥.

التَشَيُّع اصطلاحاً:

هو: الاعتقاد بآراء وأفكار مُعيّنة، وقد اختلف الباحثون في هذه الأفكار والآراء كثرةً وقلّةً، وسَيمرُّ علينا ذلك مُفصّلاً، فالتَشَيُّع بالمعنى الثاني أعمّ منه بالمعنى الأوّل. وبينهما مِن النِسَبِ عُموم وخُصوص مٌطلق، والعُموم في جانب التَشَيُّع بالمعنى الثاني؛ لشموله لكلٍّ مِنهما.

وانطلاقاً مِن كون التَشَيُّع اعتقاداً بآراء مُعيّنة، ذهب العلماء والباحثون تبعاً لذلك إلى تعريفه على اختلاف بَينهم في سِعة مدى هذه التعاريف وضيقها.

وإليك نَماذج مِن تَعريفاتهم:

____________________

(١) صحاح الجوهري: ٣/١٥٦، وتاج العروس، ولسان الميزان مادّة شَيَعَ.

١١

١ - الشهيد الثاني في كتابه شرح اللُمعة قال:

والشيعة مِن شايعَ عليّاً - أي اتّبعه وقدّمه على غيره في الإِمامة، وإن لم يوافق على إمامة باقي الأئمّة، فيدخل فيهم الإماميّة، والجاروديّة مِن الزيديّة، والإِسماعيليّة غير الملاحِدة مِنهم، والواقفيّة، والفطحيّة (١) .

٢ - الشيخ المُفيد في كتاب الموسوعة، كما نقله عنه المؤلّف قال:

الشيعة هُم مَن شايع عليّاً وقَدّمه على أصحاب رسول الله صلوات الله عليه وآله، واعتقد أنّه الإِمام بوصيّة مِن رسول الله، أو بإرادة مِن الله تعالى، نصّاً كما يرى الإماميّة، أو وصفاً كما يرى الجاروديّة.

وقد نَقل هذا المضمون نفسه كامل مصطفى الشيبي في كتابه الصِلة (٢) .

٣ - الشهرستاني في المِلَل والنِحَل قال:

الشيعة هم الّذين شايعوا عليّاً وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصاية، أمّا جليّاً وإمّا خفيّاً، واعتقدوا أنّ الإِمامة لا تخرج مِن أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون مِن غيره، أو بتقيّة مِن عنده (٣) .

٤ - النوبختي في كتابه الفِرَق قال:

الشيعة هُم فرقةُ عليِّ بن أبي طالب المُسَمون بشيعة عليٍّ في زمن النبيّ، ومَن وافق مودّته مودّة عليٍّ (٤) .

٥ - محمّد فريد وجدي في كتابه دائرة معارف القرن العشرين قال:

الشيعة هم الّذين شايعوا عليّاً في إمامته، واعتقدوا أنّ الإِمامة لا تخرج عن أولاده، ويقولون بعصمة الأئمّة مِن الكبائر والصغائر، والقول بالتَولِّي والتَبرِّي

____________________

(١) شرح اللُمعة: ٢/٢٢٨.

(٢) موسوعة العتبات المُقدّسة، المدخل ص٩١.

(٣) المِلَل والنِحَل ص١٠٧.

(٤) فِرَق الشيعة.

١٢

قولاً وفعلاً إلاّ في حال التَقيّة، إذا خافوا بطش ظالم (١) .

هذه النماذج مِن التعريفات إنّما قدّمتُها لنعرف ما هي مُقوّمات التَشَيُّع في نظر الباحثين. وقد تبيّن مِن بعضها:

الاقتصار على وصف الشيعة بأنّهم يقدّمون عليّاً على غيره؛ لوجود نصوص في ذلك، أو وجود صفات اختصّ بها، ولم تتوفّر لغيره. والواضح مِن ذلك أنّ جوهر التَشَيُّع هو الالتزام بإمامة عليٍّ ووُلدهِ، وتقديمه على غيره؛ لوجود نصوص عندهم في ذلك، وينتج مِن ذلك الالتزام بأمرين:

الأوّل: بما أنّ الإِمامة وليدة النُصوص، فهي امتداد للنبوَّة، يترتّب عليها ما يترتّب على النُبوّة مِن لوازم، عدا الوحي، فإنّ نزوله مُختصٌّ بالأنبياء.

الثاني: أنّ الإِمامة لا تتمُّ بالانتخاب والاختيار، وإنّما بالتعيين مِن الله تعالى، فهو الذي ينصُّ على الإِمام عن طريق النبيّ، وإنّما يختاره لتوفر مؤهّلات عنده، لا توجد عند غيره.

أمّا الزيادة على ما ذكرناه، والتي وردت في التعريفات التي نقلناها، والتي قد توجد في كُتُب الشيعة الأُخرى، فهي مُستفادة مِن أخبارٍ، وهي أعمُّ مِن كونها مِن أصول المذهب، أو مِن أصول الإِسلام، كما سنرى ذلك فيما يأتي أنّ الغرض مِن هذه الإِشارة، هو إلقاء الضوء على نقطةٍ، يؤكّد عليها الباحثون عند استعراضهم لذكر الشيعة وعقائدهم: ألا وهي التأكيد على إدخال آراء أريد لها أن تكون خُيوطاً تصل بين التَشَيُّع واليهوديّة، أو النصرانيّة، أو الزندقة. ومحاولة إيصال التَشَيُّع لعرقيّات مُعينّة. وهي محاولة لا تخفى على أعيُن النُقّاد بأنّها غير موضوعيّة. إنّ هذه المحاولة تُريد تصوير التَشَيُّع بأنّه تَطوّر لا كما تتطوّر العقائد والمذاهب الأُخرى. وفي التوسع وقبول الإِضافات السليمة، نتيجة تبرّعم بعض الآراء، وإنّما هو تَطوّر غير سليم، وغير نظيف أفسد مضمون التَشَيُّع.

____________________

(١) دائرة المعارف ٥/٤٢٤.

١٣

وسأستعرض بعض هذه الأقوال؛ لتكون مُجرّد مؤشِّر على هذا الاتّجاه، وسأُعقّب عليها بما أراه:

تَطوّر التَشَيُّع

١ - رَسَم الدكتور عبد العزيز الدوري هذا التطوّر، عن طريق تقسيمه للتشيُّع إلى روحيّ بدأ أيّام النبيّ عليه الصلاة والسلام، وسياسيّ حدث بعد مقتل الإِمام عليٍّ، وقد استدلّ لذلك بأنّ التَشَيُّع بمعناه البسيط، دون باقي خواصّه الاصطلاحية، قد استعمل في صحيفة التحكيم التي نصّت على شيعة لعليٍّ وشيعة لمعاوية، مِمّا يعطي معنى المشايعة والمناصرة فقط، دون باقي الصفات والأبعاد السياسيّة التي حدثت بعد ذلك (١) .

٢ - محمّد فريد وجدي في دائرة المعارف قال:

الشيعة هم الّذين شايعوا عليّاً في إمامته، واعتقدوا أنّ الإِمامة لا تخرج عن أولاده، ويقولون بعصمة الأئمّة مِن الصغائر والكبائر، والقول بالتولِّي والتبرّي قولاً وفعلاً، إلاّ في حال التَقيّة إذا خافوا بطش ظالم، وهُم خمس فِرَق: (كيسانيّة، وزيديّة، وإماميّة، وغُلاة، وإسماعيليّة) وبعضهم يميل في الأُصول إلى الاعتزال، وبعضهم إلى السُنّة، وبعضهم إلى التشبيه (٢) .

إنّ هذه المقتطفة مِن فريد وجدي سبق أن ذَكرتُ قِسماً مِنها في التعريف بالتشيّع، وذكرت هُنا المقتطفة بكاملها؛ ليتّضح مِنها أنّ مضمونها يُغطّي التَشَيُّع منذ أيّامه الأولى حتّى الآن؛ لأنّ مِن الواضح أنّ هذه المضامين لم تولد دفعة واحدة، وإنّما دخلت لمضمون التَشَيُّع تدريجاً. وقد خلط فريد وجدي فيها بين السِّمات والمقوِّمات، وجعل مَن ليس مِن الشيعة مِنهم، ونَسَب لهم ما هم منه بُراء، ولا أريد أن أتعجَّل الرد عليه، فستمرُّ علينا أمثال هذه النسب الرد عليها في مكانها مِن الكتاب.

____________________

(١) مُقدّمة في تاريخ صدر الإِسلام: ص٧٢.

(٢) دائرة معارف فريد وجدي: ٥/٤٢٤.

١٤

٣ - الدكتور كامل مصطفى في كتابه الصِّلة قال:

ويتّضح بعد ذلك أنّ التَشَيُّع قد عاصر بِدء الإِسلام باعتباره جوهراً له، وأنّه ظهر كحركة سياسيّة بعد أن نازع معاويةُ عليّاً على الإِمارة وتدبير شؤون المُسلِمينَ، ويتبيّن بعد ذلك أنّ تَبلور الحَركة السياسيّة تحت اسم الشيعة، كان بعد قتل الحسين (ع) مباشرة، وإن كانت الحَركة سَبقت الاصطلاح، وبذلك يُمكننا أن نلُخّص هذا الفصل في كلمة بيانها: أنّ التَشَيُّع كان تكتُّلاً إسلاميّاً ظهرت نَزعته أيّام النبيّ، وتبلور اتّجاهه السياسي بعد قتل عُثمان، واستقلّ الاصطلاح الدال عليه بعد قتل الحسين (١) .

وواضح مِن هذا النصّ أنّ التَشَيُّع مرّ بأدوارٍ تَطوّر فيها كما يَقول كامل.

٤ - الدكتور أحمد أمين قال:

إنّ التَشَيُّع بدأ بمعنى ساذج، وهو أنّ عليّاً أولى مِن غيره مِن وجهتين: كفايته الشَخصيّة، وقرابته للنبي.

ولكنّ هذا التَشَيُّع أخذ صبغة جديدة بدُخول العناصر الأُخرى في الإِسلام مِن يهوديّة ونصرانيّة ومجوسيّة، وحيث أنّ أكبر عنصر دخل الإِسلام الفُرس فلَهم أكبر الأثر بالتَشيّع (٢) .

وواضح هُنا مِمّا ذكره أحمد أمين أنّ التَشَيُّع تَطوّر لا بشيء مِن داخله، وإنّما بإضافات وإسباغ مِن عناصر أُخرى دخلت الإِسلام واختارت التَشَيُّع، فنَقلت ما عندها مِن أفكار وعقائد إليه، حتّى أصبحت جُزءاً منه، وإنّ الفُرس بالذّات تَركوا بَصَماتهم على المَذهب أكثر مِن غيرهم، كما يُريد أحمد أمين أن يُصوّره، وهو زعمٌ أخَذه أحمد أمين مِن غيره، وغيرُهُ أخذه مِن غيره، وهكذا حتّى أوشك أن يصبح مِن الأُمور المُتسالم عليها عند الباحثين، وقريباً سأُوقفك على زَيف هذه الدعوى، والهدف مِن الإِصرار على ربط التَشَيُّع بالفارسيّة شكلاً ومضموناً.

٥ - الدكتور أحمد محمود صُبحي قال:

____________________

(١) الصِلة بين التصوّف والتَشَيُّع: ص٢٣.

(٢) فجر الإِسلام: ص٢٧٦.

١٥

- بعد ذِكر الروّاد مِن الشيعة - والتَشَيُّع بالنسبة للشيعة المتأخّرين، مِثل الزُهد في عصر الرسول والخُلفاء الراشدين، والفَرْقُ بينه وبين التَصَوُّف الذي شابَتْهُ عناصر غنوصيّة، وتأثَّرَ بتيّاراتٍ فكريّةٍ مُتباينةٍ، كما عُرِفَ لدى محيي الدين بن عَربي والسهروردي مثلاً (١) .

وبعد أن استعرضنا هذه الأمثلة مِن أقوال الكُتّاب، التي فرَّقوا بها بين التَشَيُّع في الصدر الأوّل، وما تلا ذلك مِن عُصور أودُّ أن أُعقِّبَ على ذلك بما يلي:

١ - إنّ كميّة الأفكار والمُعتقدات في المضمون الشيعي، تتّسِع في الأزمنة المُتأخّرة عمّا كانت عليه في الصدر الأوّل دون شكٍّ في ذلك، ولكنّ هذه الزيادة ليست أكثر مِن المضمون الأصلي للتشيُّع، وإنّما هي تفصيل وبيان لمُجمله، إنّها ليست بإضافة أجزاء، وإنّما هي ظُهور جزئيّات انطبق عليها المَفهوم الكُلّي للتشيُّع، وقد ظهرت هذه الجُزيّئات بفعل تَطوّر الزمن.

وكمثال لذلك: موضوع النُصوص التي وردت على لسان النبيّ عليه الصلاة والسلام، هل هي مُجرّد إشارة لفضل الإِمام عليٍّ، أم أنّها على شكلٍ يُلزِم المُسلِمينَ بالقول بإمامته؟ وعلى نحو الوصيّة له بالخلافة.

وتبعاً لذلك، هل إنّ هذه الإِمامة تَقف عند حَدِّ المؤهّلات، أم إنّ الإِمام يَجب أن يكون النموذج المثالي؟ فيكون أشجع الناس، وأعلَم الناس، وأعدَل الناس. وهكذا تبرعم موضوع العصمة وغيره.

وكلّ هذه الأُمور داخلة في صُلب موضوع الإِمامة، وليست هي بأمور زائدة على الموضوع، بل اشتقاقات أولدها التطوّر الفِكري، وزيادة أعداد وأنواع مُعتنقيّ المذهب.

٢ - إنّ مَثَل هذا التطوّر كَمِثلِ كلّ تَطوّر حَدَث، ومِن ذلك تَطوّر الإِسلام بصفته مَقْسَمَاً للمذاه

ب. فالمسلمون منذ وُجِدوا كان مِن عقيدتهم الاعتراف بالله عزّ وجل، ووجوده، ووحدانيّته، واتّصافه بصفات الكمال، وتَنَزّهه عن صفات النقص، وكلّ ذلك على نحو الإِجمال. وعندما اتّسعت مجالات التفكير، وانفتح العالم الإِسلامي على أممٍ وثقافاتٍ مُتنوِّعة تَبَرعمت أسئلة وَجَدَّتْ أفكار، فَرَجِع

____________________

(١) نَظريّة الإِمامة: ص٣٥.

١٦

المسلمون إلى ما آمنوا به إجمالاً يُبيّنون مُجمله، ويُفصِّلون مُختصره، فنشأ مِن إيمانهم بأنّ الله خالق كلّ شيء: النزاع بإعطاء السَبب الطبيعي صِفة الخَلق، وذلك يُؤدّي إلى تَعدُّد الخالق كما تصوّروا، أم أنّ ذلك لا يقدح بانفراد الله تعالى بصفة الخالق، إذ أنّ لله تعالى جهة تأثير ليست مِن مقدورات المخلوقين، وكلّ ما للمخلوقين إنّما هو مِن جهة أُخرى، ولا يقدح ذلك في كون الله تعالى أحسن الخالقين. وتَبرعمت عن هذه المسألة، مسألة خَلق أفعال العباد، وربط ذلك كُلّه بالجبر والاختيار، وهكذا.

ومَثَل آخر: هو إيمان المُسلِمينَ منذ وُجِدوا بحجيّة ظواهر القرآن الكريم، فنشأ مِن ذلك النِزاع حول حُجيّة ظواهر بعض الآيات؛ لأنّ لاّزم ذلك نسبة ما لا يصحُّ إلى الله تعالى، وذلك مثل قوله تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) القيامة: ٢٢.

حيث ذهب أهل السُنّة إلى جواز رؤية الله تعالى يوم القيامة، استناداً إلى ظاهر الآية، بينما ذهب الإماميّة إلى استحالة رؤيته تعالى؛ لاستلزام الرؤية الجسميّة، وبالتالي التركيب، فالحاجة، فالحُدوث، وانتهاء كلّ ذلك إلى نفي الأُلوهيّة. وقد أوَّلوا النظر هُنا بأنّه انتظار الرحمة، كما يقول شخصٌ لآخر ينتظر منه الرحمة، أنا انظر: إليك وإلى عَطفك، وذلك شائع في لُغة العَرَب وحضارتهم، والقرآن نَزَلَ بِلُغَة العَرَب، وسَلك منهجهم في المحاورات.

هذا، بالإِضافة إلى أنّ الله تعالى نَسَب هُنا النظر إلى الوجوه، وهي ليست مِن أعضاء النظر، مِن قبيل قوله تعالى: ( مَا يَنظُرُونَ إِلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ) يس: ٤٩.

مثال آخر أذكره للتدليل على اتّساع المضمون الإِسلامي عمّا كان عليه في الصدر الأوّل، فقد آمن المسلمون مُنذُ وُجِدوا بأنّ الله تعالى لا يفعل العَبَث، وجاءت ظواهر الآيات تؤيِّد ذلك، فقد جاء في قوله تعالى: ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ ) الملك: ٢.

وجاء بقوله: ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ ) الدخان: ٣٨.

فتنازع المسلمون بعد ذلك في أنّ أفعال الله تعالى هل هي مُعَلَّلَة - ولازم ذلك نِسبَة النقص إلى الله؛ لأنّ كلّ فاعل لِلعلّة إنّما يحتاج لتِلك العلّة - أم أنّ أفعاله تعالى غير مُعَلَّلَة؟ ولازم ذلك أنّ فعله

١٧

عَبث، تعالى الله عن ذلك.

فذهب أهل السُنّة إلى أنّ أفعاله غير مُعَلَّلَة، وذهب الإماميّة إلى أنّها مُعَلَّلَة بدون حاجة منه تعالى لِلعلّة، وإنّما يعود نفع العِلّة للعباد أنفسهم، وبذلك يُجمَع بين الأمرين مِن كونه تعالى لا يفعل العَبَث، ومِن كونه غنيّاً عن الحاجة.

ومع جميع ما ذكرناه لا يُقال: إنّ المُسلِمينَ تَطورّت عقائدهم، وزاد مضمون الإِسلام عَمّا كان عليه في الصدر الأوّل، وإنّما الذي حَدَث أنّ المُسلِمينَ توسَّعوا في شَرح الأُمور المُجمَلَة، عندما اضطرّوا لذلك نتيجة تفاعُلِهم مع ثقافات مُختَلِفة، وأفكار متنوّعة، فالمسلم في صدر الإِسلام والمسلم في أيّامنا، مصدر تشريعه الكتاب والسُنّة، ولكنّه فيما مضى أخذهما مُجمَلَين، والآن احتاج إلى التفصيل؛ لوجود دواعي وُجِدَت ولم تكن موجودة في الصدر الأوّل، فإذا كان التَطوّر المنسوب إلى التَشَيُّع على هذا النحو الذي حَدث في الإِسلام نفسه، فهو واقع بهذا المعنى لا نزاع في ذلك، أمّا إذا كان استحداث آراء جديدة وبعيدة عن روح الإِسلام فلا؛ لأنّ كلّ ما يأباه الإِسلام يأباه التَشَيُّع بالضرورة.

إنّ التطوّر الذي حَدث في الإِسلام على الشِكل الذي ذكرناه، لم يُشكّل قدحاً في عقائد فِرَق المُسلِمينَ، وإذا كان ما حَدث في التَشَيُّع مِن تَطوّر مثل ما حَدث في الإِسلام كَكُل، فما له هُنا يُشكّل قدحاً في العقيدة، ويُثيرُ شُكوكاً لا مُبرِرَ لها؟.

٣ - ومع التَنزّل وافتراض دُخول عُضو إضافيٍّ على جِسم التَشَيُّع - كما يُريد أن يُثبته البَعض اعتباطاً وهو منفيّ - فإنّ مثل هذا الفرض يأباه الفِكر الشيعي، إذا كان مِمّا لا يلتقي مع كتاب الله تعالى، وسُنّة نبيّه صلّى الله عليه وآله، والخطوط الإسلاميّة العامة.

إنّ مثل هذا الفرض هو رأي يَرِدُّ إلى نَحرِ قائله، فكلُّ ما هو ليس مِن الإِسلام فهو ليس مِن التَشَيُّع في شيءٍ؛ بداهة أنّ التَشَيُّع مِن عَطاء فِكر أهل البيت، وهُم عِدْلُ الكتاب، وهُم مَثلُ سفينة نوح، فعلى هذا يكون ما يُنسَبُ إلى التَشَيُّع مِن هذا القبيل إنّما هو خَلطٌ بين التَشَيُّع والشيعة، وكثير مِمَّن يُنعت بأنّه مِن الشيعة يرفضه الهيكل الشيعي فيما له مِن حدود، وهو ما سَنَمرُّ عليه ونذكر أدلّته، والشأن في ذلك شأن التفكير السُنّي الذي ينفي عنه بعض المنتسبين إليه مِمَّن تثبت انحرافهم عن خطوط الإِسلام، ولا يقدح وجود أمثالهم عند أهل السُنّة، ولا يُنتَزع مِن وجود

١٨

أمثال هؤلاءِ حُكم عامٌّ يُعَمَّمُ على أهل السُنّة.

وعلى أسوأ الفُروض لو وُجِدَت أفكار إضافيّة طارئة على جسم أيِّ مذهب مِن المذاهب، وزائدة على مُحتواه الأصلي كما هو الفرض، ولكنّها لا تُشكّل إنكار ضروريّة مِن ضروريّات الدين، ولا رِدَةً ولا انحرافاً، فإنّ أمثالها لا يُبَرِر رَمي مَن وُجِدت عنده بالمُروق عن الدين، والخروج عن الإِسلام، وربطهم باليهوديّة والنصرانيّة، وأمثال ذلك مِن النِسب التي لا يَتَفَوّه بها مُسلِم على أخيه، وله ضميرٌ وخُلُقُ مُسلِم يصدر في سلوكه عن تعاليم الإِسلام.

فمتى كان القول بالوصاية مثلاً، وأنّ لكلّ نبيّ وصيّاً، وأنّ الأوصياء يجب كونهم معصومين؛ حتّى يتحقق الغرض مِن نصبهم قادة للأمّة، والاعتقاد بأنّ المهديّ حيٌّ، وأمثال ذلك مِن العقائد موجِباً للخروج مِن الدين، ومِدعاة لشنِّ حَملات شعواء كانت وما تزال يَجترُّها الخَلف عن السَلف، دون أن يتبيّن ما هي مصادرها؟ ودون أن يُحَلِّلُها ويُناقشها.

إنّ صَرف هذه الطاقات في ميادين التهريج أقلُّ ما يُوصف به أنّه عملٌ غير مسؤول، بالإِضافة إلى إمكان توجيه هذه الطاقات إلى ميادين إيجابيّة في الخَلْقِ والإِبداع، وفي جَمعِ الشَمل، ولَمِّ الشَعَثِ، وتنظيف الأجواء الإسلاميّة مِن الحِقدِ والكراهية التي لا يستفيد مِنها إلاّ أعداء الإِسلام.

إنّ الّذين يَقفون وراء نَعرات التشويش والفِرقة قوم بعيدون عن روح الإِسلام وجوهره، وليسوا ببعيدين عن الشبهات خُصوصاً وأنّ أمثال هذه المواضيع يجب أن تبقى مَحصورة في نِطاق العُلَماء فقط، وأن لا تنزل إلى مستوى الأوساط مِن الناس، فضلاً عن العامّة؛ وذلك لأنّ للعُلماء مَناعَة تُبعِدُهُم عن النظرة المُرتجَلَة، والنَعرة الجاهليّة كما هو المفروض.

إنّ المفاعلات الطائفيّة في تصوّري أخطر على الإِنسانيّة مِن المفاعلات النَوويّة، وحَسْبَ تاريخ المُسلِمينَ خلافات كانت وما تزال غُصّةً في فَمِ كلّ مؤمن بالله تعالى وبدينه، وكلّ داعٍ لرسالات السماء التي مِن أوّل أهدافها تأصيل الروح الإِنسانيّة في كلّ أنماط السُلُوك عند البشر.

١٩

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وضعتْ إلاّ على يحيى بن زَكريّا والحسين بن عليِّعليهم‌السلام، قلت: أيّ شيء كان بكاؤها؟ قال: كانت إذا استقبلت بثوب وقع على الثَّوب شبه أثر البراغيث من الدَّم ».

١٣ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وعليُّ بن الحسين، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن موسى بن الفضل(*) ، عن حنان « قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : ما تقول في زيارة قبر أبي عبدالله الحسينعليه‌السلام ؛ فإنّه بلغنا عن بعضهم أنّها تَعدِلُ حَجّة وعُمرة؟ قال: لا تعجب بالقول هذا كلّه(١) ، ولكن زُرْه ولا تجفه فإنَّه سيِّد الشُّهداء؛ وسيِّد شَباب أهل الجنّة، وشبيهه يحيى بن زَكريّا وعليهما بكتِ السّماء والأرض ».

حدَّثني أبي؛ ومحمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصَفّار، عن عبدالصَّمد بن محمّد، عن حَنان بن سَدير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام مثله سواء.

حدَّثني أبي - رحمه الله تعالى - وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن حَنان بن سَدير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام مثله.

١٤ - وبهذا الإسناد عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى - عن غير واحدٍ - عن جعفر بن بَشير، عن حمّاد، عن عامِر بن مِعقَل، عن الحسن بن زياد، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: كان قاتل يحيى بن زكريّا ولد زنا، وقاتل الحسينعليه‌السلام ولد زنا، ولم تبكِ السّماء عَلى أحدٍ إلاّ عليهما، قال: قلت: وكيف تبكي؟ قال: تطلع الشَّمس في حمرة، وتغيب في حمرة ».

حدَّثني محمّد بن جعفر القرشيّ، عن محمّد بن الحسين، عن جعفر بن بشير بإسناده مثله.

١٥ - وحدَّثني أبي؛ وعليُّ بن الحسين - رحمهما الله - جميعاً، عن سعد بن

__________________

١ - في بعض النّسخ، وفي البحار: « لا تعجب، ما أصاب مَن يقول هذا كلّه ». وقال المجلسي ( ره ) -: قوله: « ما أصاب » محمولٌ على التّقيّة.

* - فيه كلام، راجع ص ٣٠٥.

١٠١

عبدالله، عن أحمدَ بنِ محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليٍّ الوَشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن عبدالله بن هِلال، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعته يقول: إنَّ السَّماء بَكَتْ على الحسين بن عليٍّ ويحيى بن زَكريّا، ولم تبكِ على أحدٍ غيرهما، قلت: وما بُكاؤها؟ قال: مَكثوا أربعين يوماً تطلع الشّمس بحُمْرَة وتَغرُب بحُمرَة، قلت: فذاك بُكاؤها؟ قال: نَعَم ».

١٦ - وعنهما، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد، عن البرقيِّ محمّد بن خالد، عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسنيِّ، عن الحسن بن الحكم النَّخَعيِّ، عن كثير بن شِهاب الحارثيّ « قال: بينما نحن جلوس عند أمير المؤمنينعليه‌السلام في الرُّحْبَة إذ طلع الحسين عليه فضَحِك عليُّعليه‌السلام ضَحْكاً حتى بَدَتْ نَواجِذُه، ثمَّ قال: إنّ الله ذكر قوماً وقال: «فَما بَكَتْ عَلَيْهمُ السَّماءُ وَالأرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرينَ »، والّذي فَلَق الحبَّةَ وبرَأ النَّسَمَةَ ليُقتلنَّ هذا ولتبكينّ عليه السَّماء والأرض ».

١٧ - وحدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد، عن البرقيِّ، عن عبدالعظيم الحسنيِّ، عن الحسن(١) ، عن أبي سَلَمَة « قال: قال جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : ما بكتِ السَّماء والأرض إلاّ على يحيى بن زَكريّا والحسينعليهم‌السلام ».

١٨ - حدَّثني أبي؛ وأخي - رحمهما الله - عن أحمدَ بن إدريس؛ ومحمّد بن يحيى جميعاً، عن العَمْرَكي بن عليٍّ البوفكيِّ قال: حدَّثنا يحيى - وكان في خدمة أبي جعفر الثّانيعليه‌السلام - عن عليِّ(٢) ، عن صَفوانَ الجمّال، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سألته في طريق المدينة - ونحن نُريد المكّة - فقلت: يا ابن رسول الله ما لي أراك كئيباً حَزيناً مُنْكسراً؟! فقال: لو تسمع ما أسمع لشَغَلَك عن مسألتي، قلت: فما الَّذي تَسمَعُ؟! قال: ابتهال الملائِكة إلى اللهِ(٣) عزَّوجلَّ على قَتَلةِ أمير المؤمنين وقتلة الحسينعليهما‌السلام ، ونوح الجنّ وبُكاء الملائكة الَّذين حوله وشدَّة

__________________

١ - الظّاهر هو ابن الوشّاء، أو المراد ما تقدّم « ابن الحكم النّخعيّ »، والأوّل أظهر، وأبو سلمة هو سالم بن مُكرم.

٢ - كأنّه ابن الحكم الكوفيّ الثّقة.

٣ - ابتهل إلى الله: تضرّع ودعا.

١٠٢

جَزعِهم، فمن يتهنّأ مع هذا بطعام أو بشراب أو نوم؟!! - وذكر الحديث - ».

١٩ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله؛ وعبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقيِّ، عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسنيِّ العَلويّ، عن الحسن بن الحكم النّخعيِّ، عن كثير ابن شِهاب الحارثيِّ « قال: بينما نحن جلوس عند أمير المؤمنينعليه‌السلام بالرُّحْبة إذ طلع الحسينعليه‌السلام قال: فضحك عليٌّعليه‌السلام حتّى بَدَتْ نَواجذه، ثمَّ قال: إنّ الله ذكر قوماً فقال: «فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ والأرضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ »، والَّذي فَلَق الحَبّة وبَرَأ النَّسَمَة لَيقتلنَّ هذا ولتبكينَّ عليه السّماء والأرض »(١) .

٢٠ - وعنه، عن نَصر بن مُزاحم، عن عُمَرَ بن سعد(٢) قال: حدَّثني أبو مُعْشر، عن الزُّهْريّ « قال: لمّا قتل الحسينعليه‌السلام أمطرتِ السّماء دماً ». وقال عمر بن سعد: وحدَّثني أبو مَعْشَر، عن الزَّهريّ « قال: لمّا قتل الحسينعليه‌السلام لم يبق في بيت المَقْدِس حَصاةٌ إلاّ وجد تحتها دمٌ عَبيط ».

٢١ - حدّثني أبيرحمه‌الله عن(٣) محمّد بن الحسن بن مَهزيار(٤) ، عن أبيه، عن عليِّ بن مَهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن فَضالَة بن أيّوبَ، عن داودَ ابن فَرْقَد « قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: كان الَّذي قَتَلَ الحسينَ بنَ عليٍّعليهما‌السلام ولد زنا، والَّذي قَتل يحيى بن زَكريّا ولد زنا، وقال: احمرَّتِ السَّماء حين قُتل الحسين بن عليٍّ سنة، ثمّ قال: بَكتِ السَّماء والأرض على الحسين بن عليٍّ وعلى يحيى بن زَكريّا، وحُمرتها بُكاؤها ».

* * * * *

__________________

١ - تقدّم الخبر آنفاً بتفاوت يسير تحت رقم ١٦.

٢ - تقدّم ذكره في ص ٧١، وأبو مَعشَر هو يوسف بن يزيد البرّاء العطّار، المعنون في تهذيب التّهذيب.

٣ - كذا في النّسخ والبحار، والظّاهر تصحيف الواو بـ « عن ».

٤ - هو محمّد بن الحسن بن عليّ بن مهزيار.

١٠٣

الباب التّاسع والعشرون

( نوح الجنِّ على الحسين بن عليٍّ عليهما السلام)

١ - حدَّثني محمّد بن جعفر القرشيُّ الرَّزَّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن نصر بن مُزاحِم، عن عُمَرَ بنِ سعد، عن عَمرو بن ثابت، عن حبيب بن أبي ثابت، عن اُمّ سلمة زوجة النَّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله قالتْ: ما سمعت نوح الجنّ منذ قبض الله نبيَّه إلاّ اللَّيلة، ولا أراني إلاّ وقد أصبت بابني الحسين، قالتْ: وجاءت الجنّيَّة منهم وهي تقول:

أيا عَينايّ فَانْهَمِلا بِجهْدٍ

فَمنْ يَبْكي عَلى الشُّهداء بَعْدي

عَلى رَهْطٍ تُقُودُهُمُ المنايا

إلى مُتَجبِّرٍ مِنْ نَسْلِ عَبْد (١)

٢ - حدّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن إبراهيم بن عُقْبَة، عن أحمدَ بن عَمرو بن مسلم، عن المَيثميّ(٢) « قال: خمسة من أهل الكوفة أرادوا نصر الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام فمرُّوا(٣) بقرية يقال لها: شاهيّ(٤) إذ أقبل عليهم رَجلان: شيخٌ وشابٌّ فسلّما عليهم، قال: فقال الشّيخ: أنا رَجلٌ من الجنّ وهذا ابن أخي أردنا نَصرَ هذا الرَّجل المظلوم، قال: فقال لهم الشّيخ الجنّي: قد رَأيت رأياً، فقال الفتية الإنسيّون: وما هذا الرَّأي الَّذي رأيت؟ قال: رأيت أن أطير فآتيكم بخبر القوم فتذهبون على بصيرة، فقالوا له: نِعْمَ ما

__________________

١ - في أمالي الصّدوق: « في ملك عبد ». وقوله: « فانهملا » فيه: « فانهملي ».

٢ - كان من أولاد ميثم التّمّار، وهو أحمد بن الحسن بن إسماعيل، مِن أصحاب الكاظمعليه‌السلام ، وهو ثقة.

٣ - في البحار: « فعرّسوا ».

٤ - قال العلاّمة الأمينيرحمه‌الله : « شاهي » موضع بقرب القادسيّة، وأظنّها تنسب إلى شاه بن شاه بن لان بن نريمان الّذي هبط إلى تلك الدّيار بأمر كسرى بن هرمز لمحاربة الأتراك النّازلة بها.

١٠٤

رأيتَ، قال: فغابَ يومه وليلته، فلمّا كان من الغد إذا هم بصَوتٍ يسمعونه ولا يَرَونَ الشّخص وهو يقول:

وَاللهِ ما جِئتُكُمْ حَتّى بَصُرْتُ بِهِ

بِالطَّفِّ مُنْعَفَر الخَدَّينِ مَنحُورا

وَحَولَهُ فِتْيَةٌ تَدْمي نُحورُهُم

مِثْلَ المصابيح يَملُونَ (١) الدُّجى نُورا

وَقَدْ حَثَثْتُ قَلوصي (٢) كَيْ اُصادِفَهم

مِن قَبْلِ ما أنْ يُلاقُوا الخُرُدُ الحُورا (٣)

كان الحُسَينُ سِراجاً يُسْتَضاءُ بِهِ

اللهُ يَعْلم أنّي لم أقُلِ زُورا

مجاوِراً لِرَسُولِ اللهِ في غُرَفٍ

وَلِلْبَتول (٤) وَلِلطَّيّارِ مَسْرُورا

 فأجابه بعض الفِتْية من الإنسِيّين يقول:

اذْهَبْ فلا زالَ قَبرٌ أنْتَ ساكِنُهُ

إلى القِيامَةِ يَسْقَى الْغَيث ممطُورا

وَقَدْ سَلَكْتُ سَبيلاً أنْتَ سالِكُهُ

وَقَدْ شَرِبْتُ بكَأسٍ كانَ مَغْزورا (٥)

وفِتْيَةٌ فَرَّغُوا لله أنْفُسَهُم

وفارَقُوا المالَ والأحْبابَ والدُّورا

 ٣ - حدَّثني حكيم بن داودَ بنِ حكيم، عن سَلَمة بن الخطّاب قال: حدّثني عُمَرُ بن سعد؛ وعَمروُ بنُ ثابت، عن أبي زياد القَندي (٦) « قال: كان

__________________

١ - في مجالس المفيد: « يعلون ».

٢ - القلوص: بالفتح -: النّاقة الطّويلة القوائم، خاصّ بالإناث.

٣ - قال الفيروزآبادي: « الخَرِيدُ، وبِهَاءٍ، والخَرودُ: البِكْر لم تُمْسَس، أو الخَفِرَةُ الطَّويلةُ السُّكوتِ، الخافِضَةُ الصَّوتِ المُتَسَتَّرَةُ، والجمع: خَرائِد وخُرُد و [خُرَّد] » وقال الشّارح في التّاج: الأخيرة ( يعني خُرَّد ) نادرة، لاُنّ فعيلة لا تجمع على فُعَّل. وفي البحار - نقلاً عن أمالي الشّيخ ومجالس المفيد « الحرد » - بالحاء المهملة -، وله بيان راجع ج ٤٥ ص ٢٤٠.

٤ - في مجالس المفيد: « وللوصيّ ».

٥ - في القاموس: « الغَزير: الكثير من كلّ شي ء، ومن الآبار والينابيع: الكثيرة الماء ». وفي بعض النّسخ: « مغروراً » بالرّاء المهملة. وما في المتن مثل ما في البحار.

٦ - كذا في النّسخ، وفي مجمع الزّوائد الهيثميّ: « عن أبي جناب الكلبيّ » مكان « عن أبي زياد القنديّ »، وفيه: « قال: حدّثني الجصّاصون قالوا: كنّا إذا خرجنا إلى الجبّان باللَّيل عند مقتل الحسين سمعنا الجنّ ينوحون عليه ويقولون: مسح الرّسول - إلخ ».

١٠٥

الجَصّاصون (١) يسمعون نَوحَ الجنِّ حين قُتل الحسينعليه‌السلام في السَّحر بالجَبّانَة (٢) وهم يقولون:

مَسَحَ الرَّسُولُ جَبينَهُ

فَلَهُ بَريقٌ في الخدُود

أبَواهُ مِنْ عُلْيا قُرَيْشٍ

جَدُّهُ خَيرُ الجدُودِ

 ٤ - حدَّثني حكيم بن داود بن حكيم، عن سَلَمة بن الخطّاب قال: قال عُمَرُ بن سعد: حدَّثني الوليد بن غَسّان - عمّن حدَّثه - « قال: كانت الجنّ تنوح على الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام تقول:

لمنِ الاُبْياتُ بِالطَّفِّ عَلى كُرْه بَنينه

تلك أبياتُ الحسين يَتَجاوَبْنَ الرَّنيِنَه (٣)

٥ - حدَّثني حكيم بن داود بن حكيم، عن سَلَمة قال: حدَّثني أيّوب بن سليمانَ بن أيّوب الفَزاري(٤) ، عن عليِّ بن الحَزَوَّر(٥) « قال: سمعت ليلى وهي تقول: سمعت نوح الجنّ على الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام وهي تقول:

يا عينُ جُودي بالدُّمُوعِ فإنَّما

يَبْكي الحَزِينُ بِحُرْقَةٍ وتَفَجَّع

يا عَينُ ألْهاكَ الرِّقابُ بِطيبةٍ

مِنْ ذِكْرِ آل مُحَمَّدٍ وَتَوجّع

باتَتْ ثَلاثاً بالصَّعيدِ جُسُومُهُمْ

بَين الوُحوشِ وكُلُّهم في مَصْرَع

٦ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين، عن نَصر بن مُزاحم، عن عبدالرَّحمن بن أبي حمّاد، عن أبي ليلى الواسِطيّ، عن

__________________

١ - الجصّ - بفتح الموحّدة وكسرها -: ما تُطلى به البيوت، والجصّاص: عامله.

٢ - الجبّانة - بالفتح ثمّ التّشديد -؛ والجبّان في الأصل الصّحراء، وأهل الكوفة يسمّون المقابر جبّانة كما يسمّيها أهل البصرة المقبرة، وبالكوفة محالّ تسمّى بهذا الاسم وتضاف إلى القبائل. ( المعجم ).

٣ - الرَّنين: الصّوت مطلقاً وقيل: الصّوت مع بكاء، وفي أساس البلاغة: سمعت له رنّة ورَنيناً، أي صيحة حزينة.

٤ - نسبة إلى حيٍّ من غَطَفان أبوها فَزارة بن ذُبيان.

٥ - الحَزَوَّر - بالحاء المهملة والزّاي المفتوحتين، والواو المشدّدة بعدها راء -.

١٠٦

عبدالله بن حَسّان الكِنانيّ قال: بَكتِ الجنُّ على الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام فقالت:

ماذا تَقُولونَ إذْ قالَ النَّبي لَكم

ماذا فَعلْتم وَأنْتم آخِرُ الاُمم؟

بأهْلِ بَيْتي وإخْواني ومَكْرُمَتي

مِنْ بَين أسْرى وَقَتْلى ضُرِّجُوا بِدَم؟

٧ - حدَّثني حكيم بن داودَ بنِ حكيم قال: حدَّثني سَلَمةُ قال: حدَّثني عليُّ بن الحسن(١) ، عن مُعَمّر بن خَلاّد، عن أبي الحسن الرّضاعليه‌السلام « قال: بينما الحسينعليه‌السلام يسير في جوف اللّيل وهو متوجّه إلى العِراق وإذا برجل يَرتجز ويقول:؛

وحدّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى، عن مُعمّر بن خلاّد، عن الرّضاعليه‌السلام ، مثل ألفاظ سَلَمَةَ، قال: وهو يقول:

يا ناقَتي لا تَذْعَري مِنْ زَجْري

وشَمِّري قَبْل طُلُوعِ الْفَجر

بِخَيرِ رُكْبانٍ وخَيْر سَفْرِ

حتّى تَحلّى بِكَريمِ النّجْر

بماجِد الجدِّ رَحيبِ الصَّدْرِ

أتى بِهِ اللهُ (٢) لِخير أمر

 ثَمَّتَ أبقاهُ بقاءَ الدَّهْر

سَأمْضي وما بِالمَوتِ عارٌ عَلى الْفَتى

إذا ما نَوى حَقّاً وجَاهَد مُسْلِماً

وآسَى الرِّجالَ الصّالِحينَ بنَفسِه

وفارَقَ مَبْثوراً وخالَفَ مُجْرماً

فَإنْ عِشْتُ لَمْ أنْدَم وَإنْ مِتُّ لَمْ اُلَم

كَفى بِكَ ذُلا أنْ تَعيشَ وَترْغَماً (٣)

٨ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله بن أبي خَلَف، عن محمّد بن يحيى المُعاذيِّ قال: حدَّثني الحسين(٤) بن موسى الأصمّ، عن عَمرو، عن جابر(٥) ، عن محمّد بن عليّعليهما‌السلام « قال: لمّا همَّ الحسينعليه‌السلام « قال: لمّا همَّ الحسينعليه‌السلام بالشُّخوص من المدينة أقْبَلَتْ نساءُ بني عبدالمطّلب فاجتمعن للنِّياحة مشى فيهنِّ

__________________

١ - الظّاهر هو ابن فضّال.

٢ - كذا في النّسخ، ولعلّ الصّواب: « أثابه الله ».

٣ - في بعض النّسخ: « كفى بك موتاً أن تذلّ وتغرماً ».

٤ - في بعض النّسخ، « الحسن ».

٥ - هو جابر بن يزيد الجعفيّ الكوفيّ، وراويه هو عمرو بن شمر الجعفيّ الكوفيّ.

١٠٧

الحسينعليه‌السلام فقال: أنشدكنّ الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله، فقالت له نِساء بني عبدالمطّلب: فلمن نستبقي النِّياحة والبُكاء فهو عندنا كيوم مات فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليٌّ، وفاطمةُ ورقيّةُ وزينبُ واُمُّ كلثوم (١) ؟!! فننشدك الله جعلنا الله فِداك من الموت، يا حبيب الأبرار من أهل القبور، وأقبلتْ بعض عَمَاته تبكي وتقول: اشهد يا حسين لقد سمعتُ الجنَّ ناحَتْ بنَوحِك وهم يقولون:

فإنَّ قَتيلَ الطَّفِّ مِن آلِ هاشِم

أذلَّ رِقاباً مِنْ قُرَيْش فَذَلت

حَبيبُ رَسولِ اللهِ لم يَكُ فاحِشاً

أبانَتْ مُصيبَتُكَ الاُنوفَ وَجَلَّت

 وقلن أيضاً:

بَكُّوا (٢) حُسَيناً سَيِّداً

وَلِقَتْلِهِ شابَ الشَّعَر

وَلِقَتْلِهِ زَلْزَلتم

وَلِقَتْلِهِ انْخَسَفَ القَمَر (٣)

وَاحْمَرَّت آفاقُ السَّماءِ

مِنَ الْعَشيَّةِ وَالسَّحَر

وَتَغَبّرَتْ شَمْسُ الْبِلاد

بهم واظلَمَتِ الْكُوَر (٤)

ذاكَ ابنُ فاطمةَ المُصابُ

بِهِ الخَلائقُ والبَشَر

أورَثْتنا ذُلا بِهِ

جَدّعَ الاُنوفُ مَعَ الغَرَر

 ٩ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن يحيى المُعاذيّ، عن عبّاد بن يعقوبَ، عن عَمرو بن ثابت، عن عمرِ[و] بن عِكرِمَة قال: أصبحنا صَبيحة(٥) قتل الحسينعليه‌السلام بالمدينة فإذا مولى لنا يقول: سمعنا البارِحَةَ مُنادياً ينادي ويقول:

أيُّها القاتِلونَ ظلماً (٦) حُسَيناً

أبْشِرُوا بالْعَذابِ والتَّنْكيل

__________________

١ - كلّهنّ بنات رسول الله صلوات الله عليه وعليهنّ.

٢ - في بعض النّسخ: « أبكي ».

٣ - في جلّ النّسخ: « انكسف القمر ».

٤ - المراد بالشّمس ضياؤها لا اصلها، والكور جمع كورة، وهي البقعة الّتي جمع فيها المساكن والقرى.

٥ - في جلّ النّسخ: « ليلة ».

٦ - في جلّ النّسخ: « جهلاً ».

١٠٨

كلُّ أهلِ السَّماءِ يَدعُو عَلَيكم

مِن نَبيٍّ ومَلأَكٍ وَقَبيل

قد لُعِنْتم عَلى لِسانِ ابن داوُ

دَ وذي الرُّوح (١) حامل الإنجيل

١٠ - حدّثني حكيم بن داودَ بن حكيم، عن سَلَمةَ بنِ الخطّاب قال: حدَّثني عبدالله بن محمّد بن سِنان، عن عبدالله بن القاسم بن الحارث، عن داودَ الرَّقيّ قال: حدَّثتْني جدَّتي أنَّ الجنّ لمّا قتل الحسينعليه‌السلام بَكَتْ عليه بهذه الأبيات:

يا عَينُ جُودي بالعِبَر وابكي فقد حَقّ الخبر

أبكي ابنَ فاطمةَ الَّذي وَرَد الفُراتَ فما صدَر(٢)

الجِنُّ تَبْكي شَجْوَها(٣) لما اُتي مِنْهُ الخَبَر

قُتِلَ الحسينُ وَرَهْطُهُ تَعْساً لِذلِكَ(٤) مِنْ خبر

فلأبْكينَّكَ حُرقَةً عِنْدَ العِشاء وبالسَّحر

ولأبينَّك ما جَرى عِرقٌ وما حمل الشَّجر

* * * * *

الباب الثّلاثون

( دعاء الحمام ولعْنها على قاتل الحسين عليه السلام)

١ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وعليُّ بن الحسين، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسين بن يَزيدَ النَّوفَليِّ، عن إسماعيلَ بن أبي زياد السَّكونيِّ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: اتّخذوا الحمام الرَّاعبيّة في بيوتكم(٥) ، فإنّها تلعن قَتلةَ الحسينعليه‌السلام ».

٢ - حدَّثني أبي؛ وأخي؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسن جميعاً، عن أحمدَ بن إدريس بن أحمد، عن أبي عبدالله الجامورانيِّ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي

__________________

١ - كذا، وفي التّواريخ و « مثير الأحزان » لابن نما: « ابن داوود وموسى وحامل الإنجيل ».

٢ - أي لم يرجع.

٣ - الشّجو: الهمّ والحزن.

٤ - التَّعْس: الهلاك.

٥ - المراد بالرّاعبيّة الحمامة، وهي ترعب في صوتها ترعيباً.

١٠٩

حمزةَ، عن صَندل (١) ، عن داودَ بن فَرْقَد « قال: كنت جالساً في بيت أبي عبداللهعليه‌السلام فنظرت إلى الحمام الرَّاعي يُقَرقِر (٢) طَويلاً، فنظر إليَّ أبو عبداللهعليه‌السلام فقال: يا داودُ أتدري ما يقول هذا الطّير؟ قلت: لا جُعلتُ فِداك، قال: تدعو على على قَتَلة الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام ، فاتّخذوه في منازلكم ».

وحدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن أبي عبدالله الجامورانيِّ بإسناده مثله.

الباب الحادي والثّلاثون

( نَوح البوم (٣) ومصيبتها على الحسين عليه السلام)

١ - حدَّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بنِ الوليد؛ وجماعةُ مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن عيسى بن عُبَيد، عن صفوانَ بن يحيى، عن الحسين بن أبي غُنْدَر، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سَمعتُه يقول في البومة، قال: هل أحدٌ منكم رآها بالنّهار، قيل له: لا، تَكاد تظهر بالنّهار ولا تظهر إلاّ ليلاً، قال: أما إنّها لم تزل تأوي العمران أبداً، فلمّا أن قتل الحسينعليه‌السلام آلت على نفسها أن لا تأوي العُمْران ابداً ولا تأوي إلاّ الخراب، فلا تزال نهارها صائمة حزينة حتّى يجنّها اللّيل فإذا جنّها اللّيل ( كذا ) فلا تزال ترنّم على الحسينعليه‌السلام حتّى تصبح ».

٢ - حدَّثني حكيم بن داودَ بنِ حكيم، عن سَلَمة بن أبي الخطّاب، عن الحسين بن عليِّ بن صاعد البَربَريِّ قيّماً لقبر الرّضاعليه‌السلام قال: حدَّثني أبي « قال: دخلتُ على الرِّضاعليه‌السلام فقال لي: تَرى هذه البوم ما يقول النّاس؟ قال: قلت: جُعِلتُ فِداك جِئنا نَسألك، فقال: هذه البومة كانت(٤) على عهد جدِّي

__________________

١ - في بعض النّسخ: « صفوان ».

٢ - قرقرت الحمامة والدّجاجة: ردّدت صوتها.

٣ - البوم طائر الظّلام، وهي بالفارسية: « جغد ».

٤ - في البحار: « دخلت على الرّضا عليه السلام فقال لي: ما يقول النّاس؟ قال: قلت: جعلت فداك جئنا نسألك، قال: فقال لي: ترى هذه البومة كانت - إلخ ».

١١٠

رَسولِ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تأوي المنازل والقصور والدُّور، وكانت إذا أكل النّاس الطّعام تطير وتقع أمامَهم، فيرمى إليها بالطّعام وتسقي وترجع إلى مكانها، فلمّا قتل الحسينعليه‌السلام خرجت من العُمران إلى الخراب والجبال والبراري، وقالت: بئس الاُمّة أنتم! قتلتم ابن بنت نبيّكم، ولا آمنكم على نفسي ».

٣ - حدّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال - عن رجل - عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: إنّ البوم لتصوم النّهار فإذا أفطرت تدلّهت(١) على الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام حتّى تصبح ».

٤ - حدّثني عليُّ بن الحسين بن موسى، عن سعد بن عبدالله، عن موسى بن عُمَرَ، عن الحسن بن عليِّ، الميثميِّ(٢) « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : يا يعقوب(٣) رأيت بومةً بالنّهار تنفّس قطّ، فقال: لا، قال: وتدري لم ذلك؟ قال: لا، قال: لأنّها تظلُّ يومها صائمة على ما رزقها الله، فإذا جَنّها اللّيل أفطرت على ما رُزقت، ثمَّ لم تزل ترنّم على الحسين بن عليّعليهما‌السلام حتى تصبح ».

الباب الثّاني والثّلاثون

( ثواب مَن بكى على الحسين بن علي عليهما السلام)

١ - حدِّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: كان عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يقول: أيّما مؤمنٍ دمعتْ عَيناه لقتل الحسين

__________________

١ - قال في القاموس: « الدَّلْه، ويحرّك، والدلُوه: ذَهاب الفُؤاد من هَمٍّ ونحوه. ودَلَّهه العِشْقُ تَدْليهاً فتَدَلَّه » وفي جلّ النّسخ: « اندبت »، وما في المتن مثل ما في البحار.

٢ - في جلّ نسخ الكتاب: « عن الحسن بن علي الميثمي »، والصّواب ما في المتن.

٣ - كأنّه ابن شعيب بن ميثم الأسديّ الثّقة.

١١١

ابن عليٍّعليهما‌السلام دمعةً حتّى تسيل على خدِّه بوَّأه الله بها في الجنّة غُرفاً يسكنها أحقاباً، وأيّما مؤمن دَمَعَتْ عيناه حتّى تسيل على خَدِّه فينا لاُذى مسّنا مِن عَدوِّنا في الدُّنيا بوَّأه الله بها في الجنّة مبوَّأ صِدقٍ، وأيّما مؤمنٍ مَسَّه أذىً فينا فَدَمَعَتْ عيناه حتّى تسيل على خَدِّه مِن مَضَاضةِ (١) ما اُوذِي فينا صرَّف اللهُ عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة مِن سَخطه والنّار ».

٢ - حدّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن أبي عبدالله الجامورانيِّ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: سمعته يقول: إنَّ البكاء والجزع مكروهٌ للعبد في كلِّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّعليهما‌السلام ، فإنّه فيه مأجورٌ ».

٣ - وحدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن خاله محمّد بن الحسين الزَّيّات، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عُقْبة، عن أبي هارون المكفوف « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام - في حديث طويل له -: ومَن ذُكِر الحسينُعليه‌السلام عنده فخرج مِن عينه مِن الدُّموع مقدار جناح ذُباب كان ثوابه على الله عزَّوجلَّ ولم يرض له بدون الجنّة ».

٤ - حكيم بن داود بن حكيم، عن سلمة بن الخطاب قال: حدثنا بكار بن أحمد القسام؛ والحسن بن عبدالواحد، عن مخول بن إبراهيم، عن الربيع ابن منذر، عن أبيه « قال: سمعت علي بن الحسينعليهما‌السلام يقول: من قطرت عيناه فينا قطرةً ودمعت عيناه فينا دمعةً بوّأه الله بها في الجنة غُرَفاً يسكنها أحقاباً وأحقاباً ».

٤ - حدَّثني أبيرحمه‌الله وجماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمدَ بن محمّد، عن حمزة بن عليَّ الأشعريّ، عن الحسن بن معاوية بن وَهب - عمّن حدّثه - عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان عليُّ بن الحسينعليه‌السلام يقول: - وذكر مثل حديث محمّد بن جعفر الرَّزَّاز سواء(٢) .

__________________

١ - المَضاضَة - بالفتح -: وجع المصيبة. ( البحار ).

٢ - أي ما تقدّم تحت رقم ١.

١١٢

٥ - حدّثني محمّد بن جعفر القُرشيِّ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن عليٍّ، عن ابن أبي عُمَير، عن عليِّ بن المغيرة، عن أبي عُمارة المنشِد « قال: ما ذكر الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام عند أبي عبدالله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام في يومٍ قطّ فرُئي أبو عبداللهعليه‌السلام في ذلك اليوم متبسِّماً قطّ إلى اللَّيل ».

٦ - حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ، عن أبيه، عن عليِّ بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبدالله بن حماد البصريّ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ، عن مِسْمَع بن عبدالملك كِرْدين البصريّ « قال: قال لي أبو عبداللهعليه‌السلام : يا مِسْمَع أنت مِن أهل العِراق؛ أما تأتي قبر الحسينعليه‌السلام ؟ قلت: لا؛ أنا رَجلٌ مشهورٌ عند أهل البصرة، وعندنا مَن يتّبع هوى هذا الخليفة، وعدوّنا كثير مِن أهل القبائل مِن النُّصّاب وغيرهم، ولستُ آمنهم أنْ يرفعوا حالي عند ولد سليمان(١) فيُمثِّلون بي(٢) ، قال لي: أفما تذكر ما صنع به؟ قلت: نعم، قال: فتجزع؟ قلت: إي والله وأستعبر لذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليَّ فأمتنع مِن الطّعام حتّى يستبين ذلك في وَجهي، قال: رحِمَ الله دَمعتَك، أما إنّك مِن الَّذين يُعدُّون مِن أهل الجزع لنا، والّذينَ يَفرحون لِفَرحِنا ويحزنون لِحُزننا ويخافون لَخوْفنا ويأمنون إذا أمنّا، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك ووصيّتهم ملكَ الموت بك، وما يلقّونك به مِن البشارة أفضل، ولملك الموت أرقّ عليك وأشدُّ رَحمةً لك من الاُمّ الشّفيقة على ولدها، قال: ثمَّ استعبر واستعبرتُ معه، فقال: الحمد للهِ الّذي فضّلنا على خلقِه بالرَّحمة وخصَّنا أهل البيت بالرَّحمة، يا مِسمَع إنَّ الأرض والسَّماء لتبكي مُنذُ قُتل أمير المؤمنينعليه‌السلام رَحمةً لنا، وما بكى لنا مِن الملائكة أكثر وما رَقأتْ دُموع الملائكة منذ قُتلنا، وما بكى أحدٌ رَحمةً لنا ولما لقينا إلاّ رحمه الله قبل أن تخرج الدَّمعة من عينه، فإذا سالَتْ دُموعُه على خَدِّه، فلو أنَّ قطرةً مِن دُموعِه سَقَطتْ في جهنَّم لأطْفَئتْ حَرَّها حتّى لا

__________________

١ - يعني سليمان بن عبدالملك، والمراد ولده حاكم الكوفة.

٢ - مثّل بفلان أي نكّله، وصنع به صنيعاً يحذّر غيره.

١١٣

يوجد لها حَرٌّ، وإنّ الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند مَوته فرحَةً لا تزال تلك الفرْحَة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض، وإنّ الكوثر ليفرح بمحبِّنا إذا ورد عليه حتّى أنّه ليذيقه مِن ضروب الطَّعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه، يا مِسْمع مَن شرب منه شَربةً لم يظمأ بعدها أبداً، ولم يستق بعدها أبداً، وهو في بَرْدِ الكافور وريح المِسْك وطعم الزَّنجبيل، أحلى مِن العَسل، وألين مِن الزَّبد، وأصْفى مِن الدَّمع، وأذكى مِن العَنبر يخرج من تَسْنيم (١) ، ويمرُّ بأنهار الجِنان يجري على رَضْراض (٢) الدُّرِّ والياقوت، فيه من القِدْحان أكثرُ من عدد نجوم السَّماء، يوجد ريحه مِن مَسيرةِ ألف عام، قِدْحانه مِن الذَّهب والفِضّة وألوان الجوهر، يفوح في وجه الشّارب منه كلُّ فائحة حتّى يقول الشّارب منه: يا ليتني تركت ههنا لا أبغي بهذا بَدلاً، ولا عنه تَحويلاً، أما إنّك يا [ابن] كِرْدين ممّن تروي منه، وما مِن عَين بَكتْ لنا إلاّ نَعِمَتْ بالنّظر إلى الكوثر وسُقِيتْ منه (٣) ، وأنَّ الشَّارب منه ممّن أحبَّنا ليعطى مِن اللَّذَّة والطَّعم والشَّهوة له أكثر ممّا يعطاه مَن هو دونه في حُبِّنا.

وإنْ على الكوثر أمير المؤمنينعليه‌السلام وفي يده عصاً مِن عَوسَج يحطم بها أعداءَنا، فيقول الرَّجل منهم: إنّي أشهد الشَّهادتين، فيقول: انطلقْ إلى إمامك فلانٍ فاسأله أنْ يشفع لك، فيقول: تبرَّأ منّي إمامي الَّذي تذكره، فيقول: ارجع إلى ورائِك فقلْ للَّذي كنتَ تتولاّه وتقدِّمه على الخلق فاسأله إذ كان خير الخلق عِندَك أن يشفعَ لك، فإنَّ خيرَ الخلق مَن يَشفَع(٤) ، فيقول: إنّي اُهلك عَطَشاً، فيقول له: زادكَ اللهُ ظَمأُ وزادَكَ اللهُ عَطَشاً.

قلت: جُعِلتُ فِداك وكيف يقدر على الدُّنوّ مِن الحوض ولم يقدر عليه

__________________

١ - هو عين في الجنّه وهو أشرف شراب في الجنّة. ( مجمع البيان ).

٢ - الرّضراض: الحصاء، أو الصِّغار منها.

٣ - إسناد السَّقْي إلى العين مجازيٌّ لسببيّتها لذلك. ( البحار ).

٤ - في بعض النّسخ: « حقيقٌ أن لا يردّ إذا شفع ».

١١٤

غيره؟ فقال: ورع عن أشياء قبيحةٍ، وكفّ عن شتمنا [أهل البيت] إذا ذكرنا، وترك أشياء اجترء عليها غيره، وليس ذلك لِحبّنا ولا لِهوى منه لنا، ولكن ذلك لشدَّة اجتهاده في عبادته وتَدَيُّنه ولما قد شغل نفسه به عن ذكر النّاس، فأمّا قلبه فمنافق ودينه النَّصب واتّباع أهل النَّصب وولاية الماضينَ وتقدُّمه لهما على كلِّ أحدٍ ».

٧ - حدَّثني أبيرحمه‌الله عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن عبدالله بن المغيرة، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ، عن عبدالله بن بُكَير الاُرجانيِّ(١) . وحدَّثني أبيرحمه‌الله عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عبدالله بن زُرارة، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ، عن عبدالله بن بُكَير « قال: حَجَجْتُ مع أبي عبداللهعليه‌السلام - في حديث طويل(٢) - فقلت: ياابن رسول الله لو نُبِش قبرُ الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام هل كان يُصابُ في قبره شيءٌ؟ فقال: ياابن بُكَير ما أعظم مسائِلُك، إنَّ الحسينعليه‌السلام مع أبيه واُمّه وأخيه في منزل رَسول اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه يُرزقون ويحبون(٣) وأنّه لعَلى يمين العَرش متعلّق ( كذا ) يقول: يارَبِّ أنْجزْ لي ما وَعَدتَني، وإنّه لينظر إلى زُوَّاره، وأنّه أعرف بهم وبأسمائهم وأسماءِ آبائهم وما في رِحالهم من أحَدِهم بولده، وأنّه لينظر إلى مَن يبكيه فيستغفر له ويسأل أباه الاستغفار له، ويقول: أيّها الباكي

__________________

١ - قال العلاّمة الأمينّيرحمه‌الله : أرّجان بفتح أوّله وتشديد ثانيه تارة، وبالتّخفيف اُخرى -: مدينة مِن بلاد فارِس، وفي بعض النّسخ: « ارحمانيّ »، وأظنّه تصحيف أرْخُمانيّ - بالفتح ثم السكون وضم الخاء المعجمة -: بلدة من مدن فارس. و « عبدالله بن بكير » أو « عبدالله بن بكر » - كما في بعض النسخ - ليس هو من ولد أعين، وله ابن اسمه الحسين ابن عبدالله الأرجانيّ.

٢ - سيأتي الخبر بتمامه في باب نوادر الزّيارات تحت رقم ٢.

٣ - فيه سقط، والسّاقط قوله: « كما يرزقون، فلو نُبِشَ في أيّامه لوُجِدَ، وأمّا اليوم فهو حيُّ عند ربّه يرزق وينظر إلى مُعَسكَره، وينظر إلى العرش متى يؤمر أن يحمله - إلخ ». كما يأتي في النّوادر.

١١٥

لَو عَلِمتَ ما أعدّ اللهُ لك لَفَرِحْتَ أكثر ممّا حَزِنْتَ، وإنّه ليستغفر له مِن كلِّ ذنبٍ وخطيئةٍ ».

٨ - حدَّثني حكيم بن داود، عن سَلَمةَ، عن يعقوبَ بن يزيدَ، عن ابن أبي عُمير، عن بكر بن محمّد، عن فُضيل بن يَسار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن ذُكِرنا عندَه ففاضَتْ عَيناه ولو مثل جَناح بَعُوضةٍ(١) غُفِرَ له ذنوبُه ولو كانت مِثلَ زَبَد البَحر ».

حدَّثني محمّد بن عبدالله، عن أبيه، عن أحمدَ بنِ أبي عبدالله البَرقيِّ، عن أبيه، عن بَكرِ بنِ محمّد، عن أبي عبداللهعليه‌السلام مثله.

٩ - حدَّثني حكيم بن داود، عن سَلَمة بن الخطّاب، عن الحسن بن عليِّ، عن العَلاء بن رَزين القَلاّء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام « قال: أيّما مؤمنٍ دَمَعَتْ عيناه لِقَتلِ الحسينعليه‌السلام دَمْعَةً حتّى تَسيل على خَدِّه بَوَّأه الله بها غُرفاً في الجنّة يَسكنها أحقاباً ».

١٠ - وعنه، عن سَلَمَةَ، عن عليِّ بن سَيف، عن بَكر بن محمّد، عن فَضَيل بن فَضالة(٢) ، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن ذُكِرْنا عِنده ففاضَتْ عَيناه حرَّم اللهُ وَجْهَه على النّار ».

الباب الثّالث والثّلاثون

( مَن قال في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبْكى)

١ - حدَّثنا أبو العبّاس القُرشيُّ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عُقْبَة، عن أبي هارونَ المكفوف « قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : يا أبا هارون أنشدني في الحسينعليه‌السلام ؟ قال: فأنشدته فبكى،

__________________

١ - في بعض النّسخ: « مثل جناح ذُباب ».

٢ - عدَّه الشّيخ في رجاله من أصحاب الصّادق عليه السلام، وقال: « الفضيل بن فضالة التّغلبيّ، كوفيّ ». وفي بعض النّسخ: « عن فضيل؛ وفضالة، عن أبي عبدالله عليه السلام ».

١١٦

فقال: أنشدني كما تنشدون - يعني بالرّقّة - قال: فأنشدته:

امْرُرْ عَلى جَدَثِ (١) الحسينِ

فَقُلْ لأعْظُمِهِ الزَّكيَّة

 قال: فبكى، ثمَّ قال: زِدْني، قال: فأنشدته القصيدة الاُخْرى، قال: فبكى، وسمعتُ البكاء مِن خلفِ السَّتر، قال: فلمّا فرغتُ قال لي: يا أبا هارون مَن أنشد في الحسين شِعراً فبكى وأبكى عَشْراً كُتبتْ لهم الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شِعراً فبكى وأبكى خمسةً كُتبت لهم الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كُتبتْ لهما الجنّة، ومَن ذكر الحسينعليه‌السلام عنده فخَرج مِن عينه مِن الدُّموع مِقدار جَناح ذُباب كان ثوابه على الله، ولم يَرضَ له بدون الجنّة ».

٢ - حدَّثني أبو العبّاس(٢) ، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن عليِّ بن أبي عثمان، عن الحسن بن عليِّ بن أبي المغيرة، عن أبي عُمارة المُنْشِد، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: قال لي: يا أبا عُمارة أنْشِدْني في الحسينعليه‌السلام ، قال: فأنشدته فبكى، ثمَّ أنشدته فبكى، ثمّ أنشدته فبكى، قال: فوالله ما زلتُ أُنشِدُه ويبكي حتّى سَمعتُ البكاء مِن الدَّار، فقال لي: يا أبا عُمارة مَن أنشَدَ في الحسين شِعراً فأبكى خمسينَ فله الجنَّة، ومَن أنشَدَ في الحسين شِعراً فأبكى أربعين فلَه الجنّة، ومَن أنشد في الحسين شِعراً فأبكى ثلاثين فلَهُ الجنة، ومَن أنشَدَ في الحسينِ شِعراً فأبكى عشرين فلَه الجنّة، ومن أنشدَ في الحسين شِعراً فأبكى عشرة فلَه الجنّة، ومَن أنشَدَ في الحسينعليه‌السلام شِعراً فأبكى واحِداً فله الجنّة، ومَن أنشَدَ في الحسين شِعراً فبكى فلَه الجنّة، ومَن أنشَدَ في الحسين شِعراً فتباكى فلَه الجنّة ».

٣ - حدَّثني محمّد بن جعفر، عن محمّد بن الحسين، عن ابن أبي عُمَير، عن عبدالله بن حسّان، عن ابن أبي شعبة(٣) ، عن عبدالله بن غالب « قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام فأنشدته مَرْثِيةَ الحسينعليه‌السلام ، فلمّا انتهيتُ إلى هذا الموضع:

لَبلِيَّة تَسقو حُسَيناً

بمَسقاةِ الثَّرى غَير التُّرابِ

 فصاحت باكية من وراء السّتر: واأبتاه!!! ».

__________________

١ - الجدث: القبر.

٢ - يعني الرّزّاز.

٣ - هو عبيدالله بن علي بن أبي شعبة الحلبيّ.

١١٧

٤ - وعنه، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عُقْبَة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن أنشَدَ في الحسينعليه‌السلام بيت شعرٍ فبكى وأبكى عشرةً فله ولهم الجنّة، ومَن أنشد في الحسين بيتاً فبكى وأبكى تسعةً فله ولهم الجنّة، فلم يزل حتّى قال: مَن أنشد في الحسين بيتاً فبكى - وأظنّه قال: أو تباكى - فله الجنّة ».

٥ - حدَّثني محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصّفّار، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيلَ، عن صالح بن عُقْبَة، عن أبي هارونَ المكفوف « قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام فقال لي: أنشِدْني، فأنشدتُه، فقال: لا؛ كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره، قال: فأنشدته:

أُمْرُرُ عَلى جَدَثِ الحُسَينِ

فَقُل لأعْظُمِهِ الزَّكيَّةِ

قال: فلمّا بكى أمسكت أنا، فقال: مُرَّ، فمررت، قال: ثمَّ قال: زِدني زِدني، قال: فأنشدته:

يا مَريمُ قُومي فانْدُبي مَولاكِ

وَعَلى الحُسَين فأسْعِدي بِبُكاكِ

قال: فبكى وتهايج النّساء!! قال: فلمّا أن سَكتن قال لي: يا أبا هارون مَن أنشد في الحسينعليه‌السلام فأبكى عشرة فله الجنّة، ثمَّ جعل ينقّص واحِداً واحِداً حتّى بلغ الواحد، فقال: من أنشد في الحسين فأبكى واحِداً فله الجنّة، ثمّ قال: مَن ذَكرَه فبكى فله الجنّة ».

٦ - وروي عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: لكلِّ شيءٍ ثواب إلاّ الدَّمعة فينا »(١) .

٧ - حدّثني محمّد بن أحمد بن الحسين العسكريّ، عن الحسن بن عليِّ بن مهزيار، عن أبيه، عن محمّد بن سِنان، عن محمّد بن إسماعيل، عن صالح بن عُقْبة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: مَن أنشد في الحسين بيتَ شعرٍ فبكى وأبكى

__________________

١ - أي ثواب معيّن إلاّ الدّمعة فينا، فلها ثواب لا يعلم حدّه، وذلك كناية عن كثرة الثَواب. وفي البحار: « لكلّ سرّ - إلخ » وله بيان راجع ج ٤٤ ص ٢٨٧.

١١٨

عشرةً فله ولهم الجنّة، ومَن أنشد في الحسين بيتاً فبكى وأبكى تسعةً فله ولهم الجنّة، فلم يزل حتّى قال: مَن أنشد في الحسين بيتاً فبكى - وأظنّه قال: أو تباكى - فله الجنّة ».

الباب الرّابع والثّلاثون

( ثواب مَن شَرِب الماءَ وذَكر الحسين عليه السلام ولعنَ قاتلَه)

١ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز الكوفيُّ، عن محمّد بن الحسين، عن الخشّاب، عن عليِّ بن حَسّان، عن عبدالرَّحمن بن كثير، عن داودَ الرَّقّيّ « قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام إذ استسقى الماءَ، فلمّا شربه رأيته قد استعبر واغْرَورَقتْ عَيناه بدُمُوعِه، ثمَّ قال لي: يا داودُ لعن الله قاتل الحسين، فما مِن عبدٍ شرب الماءَ فذكر الحسينعليه‌السلام ولعنَ قاتله إلاّ كتب الله له مائة ألف حَسَنةٍ، وحطّ عنه مائة ألف سيّئةٍ، ورفع له مائة ألف درجةٍ، وكأنّما أعتق مائة ألف نَسَمةٍ، وحَشَره الله تعالى يوم القيامة ثلجَ الفُؤاد(١) ».

حدَّثني محمّد بن يعقوبَ، عن عليِّ بن محمّد، عن سَهل بن زياد، عن جعفر بن إبراهيم الحَضرَميّ، عن سعد بن سعد مثله(٢) .

الباب الخامس والثّلاثون

( بكاء « عليّ بن الحسين » على « الحسين بن علي » عليهم السلام)

١ - حدّثني أبيرحمه‌الله عن جماعة مشايخي، عن سعد بن عبدالله، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أبي داود المُسترق - عن بعض أصحابنا - عن

__________________

١ - أي مطمئنّة.

٢ - فيه كلام، راجع البحار ج ٤٤ ص ٣٠٣ و ٣٠٤. والخبر مذكور في الكافي ج ٦ ص ٣٩١ وسنده غير ما ذكر في الكتاب، وكذا في البحار.

١١٩

أبي عبداللهعليه‌السلام « قال: بكى عليُّ بن الحسين على أبيه حسين بن عليٍّ صلوات الله عليهما عشرين سَنَة - أو أربعين سَنَة(١) -، وما وضع بين يديه طعاماً إلاّ بكى على الحسين حتّى قال له مولى له: جُعلتُ فِداك يا ابن رَسول الله إنّي أخاف عليك أن تكون مِن الهالِكين، قال: «إنَّما أشْكُو بَثِّي وَحُزْني إلى اللهِ وأعْلمُ مِنَ اللهِ ما لا يَعْلَمُون (٢) »، إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خَنَقَتني العَبرة(٣) لذلك ».

٢ - حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الزَّيّات، عن عليِّ بن أسباط، عن إسماعيلَ بن منصور - عن بعض أصحابنا - « قال: أشرف مولى لعليِّ بن الحسينعليهما‌السلام وهو في سقيفة له ساجدٌ يبكي، فقال له: يا مولاي يا عليَّ بن الحسين أما آنَ لِحُزنك أن ينقضي؟ فرفع رأسَه إليه وقال: ويلك - أو ثَكَلَتكَ اُمُّك - [والله] لقد شكى يعقوبُ إلى رَبّه في أقلّ ممّا رأيت حتّى قال: « يا أسَفى عَلى يُوسُفَ(٤) »، إنّه فَقَدَ ابْناً واحِداً، وأنا رَأيت أبي وجماعة أهل بيتي يُذبَّحون حَولي، قال: وكان عليُّ بن الحسينعليهما‌السلام يميل إلى ولد عقيل، فقيل له: ما بالك تميل إلى بني عَمّك هؤلاء دون آل جعفر؟ فقال: إنّي أذكر يومهم مع أبي عبدالله الحسين بن عليٍّعليهما‌السلام فأرقّ لهم »(٥) .

__________________

١ - الشّكّ من الرّاوي. وعاش السّجّاد بعد أبيهعليهما‌السلام ٣٤ سنة.

٢ - يوسف: ٨٦. وهو قول يعقوبعليه‌السلام حين قال ولده: «تَالله تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّى تَكُونَ حَرَضاً أوْ تَكُونَ مِنَ الهلكينَ *قال إنّما أشكو - الآية ». وقال في المجمع: قيل: البث ما أبداه والحزن ما أخفاه.

٣ - خنقه خنقاً عصر حلقه حتى يموت.

٤ - يوسف: ٨٤.

٥ - الّذين قتلوا مع الحسينعليه‌السلام مِن أولاد عقيل ستّة بل سبعة، وهم: ١ - عبدالرّحمن بن عقيل واُمّه اُمّ ولد، ٢ - جعفر بن عقيل، واُمّه اُمّ الثّغر بنت عامر، ٣ - عبدالله بن عقيل، واُمّه اُمّ ولد. ٤ - محمّد بن مسلم بن عقيل، واُمّه اُمّ ولد، ٥ - عبدالله بن مسلم، واُمّه رقية بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام ،

٦ - محمّد بن أبي سعيد الأحول ابن عقيل، اُمّه اُمّ ولد، وهؤلاء مع مسلم بن عقيل صاروا سبعة، وأمّا من أولاد جعفر بن أبي طالب المقتول بكربلاء ثلاثة، وهم: عون بن عبدالله بن جعفر، واُمّه زينب عليها السلام، محمّد وعبيدالله ابنا عبدالله بن جعفر، واُمّهما خوصاء. ثمّ إنّ عقيل عاش معدماً، وعبدالله بن جعفر بخلافه، كما في الإصابة لابن حجر وغيرها.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237