كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٦

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 297

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 297
المشاهدات: 30462
تحميل: 5093


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 297 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30462 / تحميل: 5093
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 16

مؤلف:
العربية

کتاب شرح نهج البلاغة

الجزء السادس عشر

ابن ابي الحديد

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما‌السلام ) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل

29 و من كتاب له ع إلى أهل البصرة

وَ قَدْ كَانَ مِنِ اِنْتِشَارِ حَبْلِكُمْ وَ شِقَاقِكُمْ مَا لَمْ تَغْبَوْا عَنْهُ فَعَفَوْتُ عَنْ مُجْرِمِكُمْ وَ رَفَعْتُ اَلسَّيْفَ عَنْ مُدْبِرِكُمْ وَ قَبِلْتُ مِنْ مُقْبِلِكُمْ فَإِنْ خَطَتْ بِكُمُ اَلْأُمُورُ اَلْمُرْدِيَةُ وَ سَفَهُ اَلآْرَاءِ اَلْجَائِرَةِ إِلَى مُنَابَذَتِي وَ خِلاَفِي فَهَأَنَذَا قَدْ قَرَّبْتُ جِيَادِي وَ رَحَلُتْ رِكَابِي وَ لَئِنْ أَلْجَأْتُمُونِي إِلَى اَلْمَسِيرِ إِلَيْكُمْ لَأُوقِعَنَّ بِكُمْ وَقْعَةً لاَ يَكُونُ يَوْمُ اَلْجَمَلِ إِلَيْهَا إِلاَّ كَلَعْقَةِ لاَعِقٍ مَعَ أَنِّي عَارِفٌ لِذِي اَلطَّاعَةِ مِنْكُمْ فَضْلَهُ وَ لِذِي اَلنَّصِيحَةِ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَجَاوِزٍ مُتَّهَماً إِلَى بَرِيٍّ وَ لاَ نَاكِثاً إِلَى وَفِيٍّ ما لم تغبوا عنه أي لم تسهوا عنه و لم تغفلوا يقال غبيت عن الشي‏ء أغبي غباوة إذا لم يفطن و غبي الشي‏ء علي كذلك إذا لم تعرفه و فلان غبي على فعيل أي قليل الفطنة و قد تغابى أي تغافل يقول لهم قد كان من خروجكم يوم الجمل عن الطاعة

٣

و نشركم حبل الجماعة و شقاقكم لي ما لستم أغبياء عنه فغفرت و رفعت السيف و قبلت التوبة و الإنابة.و المدبر هاهنا الهارب و المقبل الذي لم يفر لكن جاءنا فاعتذر و تنصل.ثم قال فإن خطت بكم الأمور خطا فلان خطوة يخطو و هو مقدار ما بين القدمين فهذا لازم فإن عديته قلت أخطيت بفلان و خطوت به و هاهنا قد عداه بالباء.و المردية المهلكة و الجائرة العادلة عن الصواب و المنابذة مفاعلة من نبذت إليه عهده أي ألقيته و عدلت عن السلم إلى الحرب أو من نبذت زيدا أي أطرحته و لم أحفل به.قوله قربت جيادي أي أمرت بتقريب خيلي إلى لأركب و أسير إليكم.و رحلت ركابي الركاب الإبل و رحلتها شددت على ظهورها الرحل قال

رحلت سمية غدوة أجمالها

غضبى عليك فما تقول بدا لها

كلعقة لاعق مثل يضرب للشي‏ء الحقير التافه و يروى بضم اللام و هي ما تأخذه الملعقة.ثم عاد فقال مازجا الخشونة باللين مع أني عارف فضل ذي الطاعة منكم و حق ذي النصيحة و لو عاقبت لما عاقبت البري‏ء بالسقيم و لا أخذت الوفي بالناكث.خطب زياد بالبصرة الخطبة الغراء المشهورة و قال فيها و الله لآخذن البري‏ء بالسقيم و البر باللئيم و الوالد بالولد و الجار بالجار أو تستقيم إلي قناتكم فقام أبو بلال مرداس

٤

ابن أدية يهمس و هو حينئذ شيخ كبير فقال أيها الأمير أنبأنا الله بخلاف ما قلت و حكم بغير ما حكمت قال سبحانه( وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏) فقال زياد يا أبا بلال إني لم أجهل ما علمت و لكنا لا نخلص إلى الحق منكم حتى نخوض إليه الباطل خوضا.و في رواية الرياشي لآخذن الولي بالولي و المقيم بالظاعن و المقبل بالمدبر و الصحيح بالسقيم حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول انج سعد فقد هلك سعيد أو تستقيم لي قناتكم.

٥

30 و من كتاب له ع إلى معاوية

فَاتَّقِ اَللَّهَ فِيمَا لَدَيْكَ وَ اُنْظُرْ فِي حَقِّهِ عَلَيْكَ وَ اِرْجِعْ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا لاَ تُعْذَرُ بِجَهَالَتِهِ فَإِنَّ لِلطَّاعَةِ أَعْلاَماً وَاضِحَةً وَ سُبُلاً نَيِّرَةً وَ مَحَجَّةً نَهْجَةً وَ غَايَةً مُطَّلَبَةً يَرِدُهَا اَلْأَكْيَاسُ وَ يُخَالِفُهَا اَلْأَنْكَاسُ مَنْ نَكَبَ عَنْهَا جَارَ عَنِ اَلْحَقِّ وَ خَبَطَ فِي اَلتِّيهِ وَ غَيَّرَ اَللَّهُ نِعْمَتَهُ وَ أَحَلَّ بِهِ نِقْمَتَهُ فَنَفْسَكَ نَفْسَكَ فَقَدْ بَيَّنَ اَللَّهُ لَكَ سَبِيلَكَ وَ حَيْثُ تَنَاهَتْ بِكَ أُمُورُكَ فَقَدْ أَجْرَيْتَ إِلَى غَايَةِ خُسْرٍ وَ مَحَلَّةِ كُفْرٍ فَإِنَّ نَفْسَكَ قَدْ أَوْلَجَتْكَ شَرّاً وَ أَقْحَمَتْكَ غَيّاً وَ أَوْرَدَتْكَ اَلْمَهَالِكَ وَ أَوْعَرَتْ عَلَيْكَ اَلْمَسَالِكَ قوله و غاية مطلبة أي مساعفة لطالبها بما يطلبه تقول طلب فلان مني كذا فأطلبته أي أسعفت به قال الراوندي مطلبة بمعنى متطلبة يقال طلبت كذا و تطلبته و هذا ليس بشي‏ء و يخرج الكلام عن أن يكون له معنى.و الأكياس العقلاء و الأنكاس جمع نكس و هو الدني‏ء من الرجال و نكب عنها عدل.قوله و حيث تناهت بك أمورك الأولى ألا يكون هذا معطوفا و لا متصلا

٦

بقوله فقد بين الله لك سبيلك بل يكون كقولهم لمن يأمرونه بالوقوف حيث أنت أي قف حيث أنت فلا يذكرون الفعل و مثله قولهم مكانك أي قف مكانك.قوله فقد أجريت يقال فلان قد أجرى بكلامه إلى كذا أي الغاية التي يقصدها هي كذا مأخوذ من إجراء الخيل للمسابقة و كذلك قد أجرى بفعله إلى كذا أي انتهى به إلى كذا و يروى قد أوحلتك شرا أو أورطتك في الوحل و الغي ضد الرشاد.و أقحمتك غيا جعلتك مقتحما له.و أوعرت عليك المسالك جعلتها وعرة.وأول هذا الكتاب أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر مشاغبتي و تستقبح موازرتي و تزعمني متحيرا و عن الحق مقصرا فسبحان الله كيف تستجيز الغيبة و تستحسن العضيهة أي لم أشاغب إلا في أمر بمعروف أو نهي عن منكر و لم أتجبر إلا على باغ مارق أو ملحد منافق و لم آخذ في ذلك إلا بقول الله سبحانه( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اَللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ ) و أما التقصير في حق الله تعالى فمعاذ الله و إنما المقصر في حق الله جل ثناؤه من عطل الحقوق المؤكدة و ركن إلى الأهواء المبتدعة و أخلد إلى الضلالة المحيرة و من العجب أن تصف يا معاوية الإحسان و تخالف البرهان و تنكث الوثائق التي هي لله عز و جل طلبة و على عباده حجة مع نبذ الإسلام و تضييع الأحكام و طمس الأعلام

٧

و الجري في الهوى و التهوس في الردى فاتق الله فيما لديك و انظر في حقه عليك الفصل المذكور في الكتاب.و في الخطبة زيادات يسيرة لم يذكرها الرضيرحمه‌الله منها

و إن للناس جماعة يد الله عليها و غضب الله على من خالفها فنفسك نفسك قبل حلول رمسك فإنك إلى الله راجع و إلى حشره مهطع و سيبهظك كربه و يحل بك غمه في يوم لا يغني النادم ندمه و لا يبل من المعتذر عذره( يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ )

٨

31 و من وصيته ع للحسن ع كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين

مِنَ اَلْوَالِدِ اَلْفَانِ اَلْمُقِرِّ لِلزَّمَانِ اَلْمُدْبِرِ اَلْعُمُرِ اَلْمُسْتَسْلِمِ لِلدَّهْرِ اَلذَّامِّ لِلدُّنْيَا اَلسَّاكِنِ مَسَاكِنَ اَلْمَوْتَى اَلظَّاعِنِ عَنْهَا غَداً إِلَى اَلْمَوْلُودِ اَلْمُؤَمِّلِ مَا لاَ يُدْرِكُ اَلسَّالِكِ سَبِيلَ مَنْ قَدْ هَلَكَ غَرَضِ اَلْأَسْقَامِ وَ رَهِينَةِ اَلْأَيَّامِ وَ رَمِيَّةِ اَلْمَصَائِبِ وَ عَبْدِ اَلدُّنْيَا وَ تَاجِرِ اَلْغُرُورِ وَ غَرِيمِ اَلْمَنَايَا وَ أَسِيرِ اَلْمَوْتِ وَ حَلِيفِ اَلْهُمُومِ وَ قَرِينِ اَلْأَحْزَانِ وَ نُصُبِ اَلآْفَاتِ وَ صَرِيعِ اَلشَّهَوَاتِ وَ خَلِيفَةِ اَلْأَمْوَاتِ

ترجمة الحسن بن علي و ذكر بعض أخباره

قال الزبير بن بكار في كتاب أنساب قريش ولد الحسن بن علي ع للنصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة و سماه رسول الله ص حسنا و توفي لليال خلون من شهر ربيع الأول سنة خمسين.قال و المروي أن رسول الله ص سمى حسنا و حسينارضي‌الله‌عنه ما يوم سابعهما و اشتق اسم حسين من اسم حسن.

٩

قال و روى جعفر بن محمد ع أن فاطمة ع حلقت حسنا و حسينا يوم سابعهما و وزنت شعرهما فتصدقت بوزنه فضة

قال الزبير و روت زينب بنت أبي رافع قالت أتت فاطمة ع بابنيها إلى رسول الله ص في شكوه الذي توفي فيه فقالت يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئا فقال أما حسن فإن له هيبتي و سوددي و أما حسين فإن له جرأتي و جودي.و روى محمد بن حبيب في أماليه أن الحسن ع حج خمس عشرة حجة ماشيا تقاد الجنائب معه و خرج من ماله مرتين و قاسم الله عز و جل ثلاث مرات ماله حتى أنه كان يعطي نعلا و يمسك نعلا و يعطي خفا و يمسك خفا.وروى أبو جعفر محمد بن حبيب أيضا أن الحسن ع أعطى شاعرا فقال له رجل من جلسائه سبحان الله أ تعطي شاعرا يعصي الرحمن و يقول البهتان فقال يا عبد الله إن خير ما بذلت من مالك ما وقيت به عرضك و إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر.و روى أبو جعفر قال قال ابن عباسرحمه‌الله أول ذل دخل على العرب موت الحسن ع.وروى أبو الحسن المدائني قال سقي الحسن ع السم أربع مرات فقال لقد سقيته مرارا فما شق علي مثل مشقته هذه المرة فقال له الحسين ع أخبرني من سقاك قال لتقتله قال نعم قال ما أنا بمخبرك إن يكن صاحبي الذي أظن فالله أشد نقمة و إلا فما أحب أن يقتل بي بري‏ء.

١٠

و روى أبو الحسن قال قال معاوية لابن عباس و لقيه بمكة يا عجبا من وفاة الحسن شرب علة بماء رومة فقضى نحبة فوجم ابن عباس فقال معاوية لا يحزنك الله و لا يسوءك فقال لا يسوءني ما أبقاك الله فأمر له بمائة ألف درهم.و روى أبو الحسن قال أول من نعى الحسن ع بالبصرة عبد الله بن سلمة نعاه لزياد فخرج الحكم بن أبي العاص الثقفي فنعاه فبكى الناس و أبو بكرة يومئذ مريض فسمع الضجة فقال ما هذا فقالت امرأته ميسة بنت سخام الثقفية مات الحسن بن علي فالحمد لله الذي أراح الناس منه فقال اسكتي ويحك فقد أراحه الله من شر كثير و فقد الناس بموته خيرا كثيرا يرحم الله حسنا.قال أبو الحسن المدائني و كانت وفاته في سنة تسع و أربعين و كان مرضه أربعين يوما و كانت سنه سبعا و أربعين سنة دس إليه معاوية سما على يد جعدة بنت الأشعث بن قيس زوجة الحسن و قال لها إن قتلتيه بالسم فلك مائة ألف و أزوجك يزيد ابني فلما مات وفى لها بالمال و لم يزوجها من يزيد قال أخشى أن تصنع بابني كما صنعت بابن رسول الله ص.وروى أبو جعفر محمد بن حبيب عن المسيب بن نجبة قال سمعت أمير المؤمنين ع يقول أنا أحدثكم عني و عن أهل بيتي أما عبد الله ابن أخي فصاحب لهو و سماح و أما الحسن فصاحب جفنة و خوان فتى من فتيان قريش و لو قد التقت حلقتا البطان لم يغن عنكم شيئا في الحرب و أما أنا و حسين فنحن منكم و أنتم منا

١١

قال أبو جعفر و روى ابن عباس قال دخل الحسن بن علي ع على معاوية بعد عام الجماعة و هو جالس في مجلس ضيق فجلس عند رجليه فتحدث معاوية بما شاء أن يتحدث ثم قال عجبا لعائشة تزعم أني في غير ما أنا أهله و أن الذي أصبحت فيه ليس لي بحق ما لها و لهذا يغفر الله لها إنما كان ينازعني في هذا الأمر أبو هذا الجالس و قد استأثر الله به فقال الحسن أ و عجب ذلك يا معاوية قال إي و الله قال أ فلا أخبرك بما هو أعجب من هذا قال ما هو قال جلوسك في صدر المجلس و أنا عند رجليك فضحك معاوية و قال يا ابن أخي بلغني أن عليك دينا قال إن لعلي دينا قال كم هو قال مائة ألف فقال قد أمرنا لك بثلاثمائة ألف مائة منها لدينك و مائة تقسمها في أهل بيتك و مائة لخاصة نفسك فقم مكرما و اقبض صلتك فلما خرج الحسن ع قال يزيد بن معاوية لأبيه تالله ما رأيت رجلا استقبلك بما استقبلك به ثم أمرت له بثلاثمائة ألف قال يا بني إن الحق حقهم فمن أتاك منهم فاحث له وروى أبو جعفر محمد بن حبيب قال قال علي ع لقد تزوج الحسن و طلق حتى خفت أن يثير عداوة قال أبو جعفر و كان الحسن إذا أراد أن يطلق امرأة جلس إليها فقال أ يسرك أن أهب لك كذا و كذا فتقول له ما شاءت أو نعم فيقول هو لك فإذا قام أرسل إليها بالطلاق و بما سمى لها.و روى أبو الحسن المدائني قال تزوج الحسن بن علي ع هندا بنت سهيل ابن عمرو و كانت عند عبد الله بن عامر بن كريز فطلقها فكتب معاوية إلى أبي هريرة أن يخطبها على يزيد بن معاوية فلقيه الحسن ع فقال أين تريد قال أخطب هندا بنت سهيل بن عمرو على يزيد بن معاوية قال الحسن ع

١٢

فاذكرني لها فأتاها أبو هريرة فأخبرها الخبر فقالت اختر لي فقال أختار لك الحسن فتزوجته فقدم عبد الله بن عامر المدينة فقال للحسن إن لي عند هند وديعة فدخل إليها و الحسن معه فخرجت حتى جلست بين يدي عبد الله بن عامر فرق لها رقة عظيمة فقال الحسن أ لا أنزل لك عنها فلا أراك تجد محللا خيرا لكما مني قال لا ثم قال لها وديعتي فأخرجت سفطين فيهما جوهر ففتحهما و أخذ من أحدهما قبضة و ترك الآخر عليها و كانت قبل ابن عامر عند عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فكانت تقول سيدهم جميعا الحسن و أسخاهم ابن عامر و أحبهم إلي عبد الرحمن بن عتاب.و روى أبو الحسن المدائني قال تزوج الحسن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر و كان المنذر بن الزبير يهواها فأبلغ الحسن عنها شيئا فطلقها فخطبها المنذر فأبت أن تتزوجه و قالت شهر بي فخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب فتزوجها فأبلغه المنذر عنها شيئا فطلقها فخطبها المنذر فقيل لها تزوجيه فقالت لا و الله ما أفعل و قد فعل بي ما قد فعل مرتين لا و الله لا يراني في منزله أبدا.و روى المدائني عن جويرية بن أسماء قال لما مات الحسن ع أخرجوا جنازته فحمل مروان بن الحكم سريره فقال له الحسين ع تحمل اليوم جنازته و كنت بالأمس تجرعه الغيظ قال مروان نعم كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال.وروى المدائني عن يحيى بن زكريا عن هشام بن عروة قال قال الحسن عند وفاته ادفنوني عند قبر رسول الله ص إلا أن تخافوا أن يكون في ذلك شر فلما أرادوا دفنه قال مروان بن الحكم لا يدفن عثمان في حش كوكب و يدفن الحسن هاهنا

١٣

فاجتمع بنو هاشم و بنو أمية و أعان هؤلاء قوم و هؤلاء قوم و جاءوا بالسلاح فقال أبو هريرة لمروان أ تمنع الحسن أن يدفن في هذا الموضع وقد سمعت رسول الله ص يقول الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة قال مروان دعنا منك لقد ضاع حديث رسول الله ص إذ كان لا يحفظه غيرك و غير أبي سعيد الخدري و إنما أسلمت أيام خيبر قال أبو هريرة صدقت أسلمت أيام خيبر و لكنني لزمت رسول الله ص و لم أكن أفارقه و كنت أسأله و عنيت بذلك حتى علمت من أحب و من أبغض و من قرب و من أبعد و من أقر و من نفى و من لعن و من دعا له فلما رأت عائشة السلاح و الرجال و خافت أن يعظم الشر بينهم و تسفك الدماء قالت البيت بيتي و لا آذن لأحد أن يدفن فيه و أبى الحسين ع أن يدفنه إلا مع جده فقال له محمد بن الحنفية يا أخي إنه لو أوصى أن ندفنه لدفناه أو نموت قبل ذلك و لكنه قد استثنى و قال إلا أن تخافوا الشر فأي شر يرى أشد مما نحن فيه فدفنوه في البقيع.قال أبو الحسن المدائني وصل نعي الحسن ع إلى البصرة في يومين و ليلتين فقال الجارود بن أبي سبرة:

إذا كان شر سار يوما و ليلة

و إن كان خير أخر السير أربعا

إذا ما بريد الشر أقبل نحونا

بإحدى الدواهي الربد سار و أسرعا

و روى أبو الحسن المدائني قال خرج على معاوية قوم من الخوارج بعد دخوله الكوفة و صلح الحسن ع له فأرسل معاوية إلى الحسن ع يسأله أن يخرج فيقاتل الخوارج فقال الحسن سبحان الله تركت قتالك و هو لي حلال لصلاح الأمة و ألفتهم أ فتراني أقاتل معك فخطب معاوية أهل الكوفة فقال يا أهل الكوفة

١٤

أ تروني قاتلتكم على الصلاة و الزكاة و الحج و قد علمت أنكم تصلون و تزكون و تحجون و لكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم و على رقابكم و قد آتاني الله ذلك و أنتم كارهون ألا إن كل مال أو دم أصيب في هذه الفتنة فمطلول و كل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين و لا يصلح الناس إلا ثلاث إخراج العطاء عند محله و إقفال الجنود لوقتها و غزو العدو في داره فإنهم إن لم تغزوهم غزوكم ثم نزل.

قال المدائني فقال المسيب بن نجبة للحسن ع ما ينقضي عجبي منك بايعت معاوية و معك أربعون ألفا و لم تأخذ لنفسك وثيقة و عقدا ظاهرا أعطاك أمرا فيما بينك و بينه ثم قال ما قد سمعت و الله ما أراد بها غيرك قال فما ترى قال أرى أن ترجع إلى ما كنت عليه فقد نقض ما كان بينه و بينك فقال يا مسيب إني لو أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر عند اللقاء و لا أثبت عند الحرب مني و لكني أردت صلاحكم و كف بعضكم عن بعض فارضوا بقدر الله و قضائه حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر.قال المدائني و دخل عبيدة بن عمرو الكندي على الحسن ع و كان ضرب على وجهه ضربة و هو مع قيس بن سعد بن عبادة فقال ما الذي أرى بوجهك قال أصابني مع قيس فالتفت حجر بن عدي إلى الحسن فقال لوددت أنك كنت مت قبل هذا اليوم و لم يكن ما كان إنا رجعنا راغمين بما كرهنا و رجعوا مسرورين بما أحبوا فتغير وجه الحسن و غمز الحسين ع حجرا فسكت فقال الحسن ع يا حجر ليس كل الناس يحب ما تحب و لا رأيه كرأيك و ما فعلت إلا إبقاء عليك و الله كل يوم في شأن.

١٥

قال المدائني و دخل عليه سفيان بن أبي ليلى النهدي فقال له السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال الحسن اجلس يرحمك الله إن رسول الله ص رفع له ملك بني أمية فنظر إليهم يعلون منبره واحدا فواحدا فشق ذلك عليه فأنزل الله تعالى في ذلك قرآنا قال له( وَ ما جَعَلْنَا اَلرُّؤْيَا اَلَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ اَلشَّجَرَةَ اَلْمَلْعُونَةَ فِي اَلْقُرْآنِ ) و سمعت عليا أبيرحمه‌الله يقول سيلي أمر هذه الأمة رجل واسع البلعوم كبير البطن فسألته من هو فقال معاوية و قال لي إن القرآن قد نطق بملك بني أمية و مدتهم قال تعالى( لَيْلَةُ اَلْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) قال أبي هذه ملك بني أمية.

قال المدائني فلما كان عام الصلح أقام الحسن ع بالكوفة أياما ثم تجهز للشخوص إلى المدينة فدخل عليه المسيب بن نجبة الفزاري و ظبيان بن عمارة التيمي ليودعاه فقال الحسن : الحمد لله الغالب على أمره لو أجمع الخلق جميعا على ألا يكون ما هو كائن ما استطاعوا فقال أخوه الحسين ع : لقد كنت كارها لما كان طيب النفس على سبيل أبي حتى عزم علي أخي فأطعته و كأنما يجذ أنفي بالمواسي فقال المسيب إنه و الله ما يكبر علينا هذا الأمر إلا أن تضاموا و تنتقصوا فأما نحن فإنهم سيطلبون مودتنا بكل ما قدروا عليه فقال الحسين يا مسيب نحن نعلم أنك تحبنا فقال الحسن ع سمعت أبي يقول سمعت رسول الله ص يقول من أحب قوما كان معهم فعرض له المسيب و ظبيان بالرجوع فقال ليس لي إلى ذلك سبيل فلما كان من غد خرج فلما صار بدير هند نظر إلى الكوفة و قال:

و لا عن قلى فارقت دار معاشري

هم المانعون حوزتي و ذماري

١٦

ثم سار إلى المدينة.قال المدائني فقال معاوية يومئذ للوليد بن عقبة بن أبي معيط بعد شخوص الحسن ع يا أبا وهب هل رمت قال نعم و سموت.قال المدائني أراد معاوية قول الوليد بن عقبة يحرضه على الطلب بدم عثمان:

ألا أبلغ معاوية بن حرب

فإنك من أخي ثقة مليم

قطعت الدهر كالسدم المعنى

تهدر في دمشق و لا تريم

فلو كنت القتيل و كان حيا

لشمر لا ألف و لا سئوم

و إنك و الكتاب إلى علي

كدابغة و قد حلم الأديم

وروى المدائني عن إبراهيم بن محمد عن زيد بن أسلم قال دخل رجل على الحسن ع بالمدينة و في يده صحيفة فقال له الرجل ما هذه قال هذا كتاب معاوية يتوعد فيه على أمر كذا فقال الرجل لقد كنت على النصف فما فعلت فقال له الحسن ع أجل و لكني خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفا أو ثمانون ألفا تشخب أوداجهم دما كلهم يستعدي الله فيم هريق دمه.قال أبو الحسن و كان الحصين بن المنذر الرقاشي يقول و الله ما وفى معاوية للحسن بشي‏ء مما أعطاه قتل حجرا و أصحاب حجر و بايع لابنه يزيد و سم الحسن.

١٧

قال المدائني و روى أبو الطفيل قال قال الحسن ع لمولى له أ تعرف معاوية بن خديج قال نعم قال إذا رأيته فأعلمني فرآه خارجا من دار عمرو ابن حريث فقال هو هذا فدعاه فقال له أنت الشاتم عليا عند ابن آكلة الأكباد أما و الله لئن وردت الحوض و لم ترده لترينه مشمرا عن ساقيه حاسرا عن ذراعيه يذود عنه المنافقين قال أبو الحسن و روى هذا الخبر أيضا قيس بن الربيع عن بدر بن الخليل عن مولى الحسن ع.

قال أبو الحسن و حدثنا سليمان بن أيوب عن الأسود بن قيس العبدي إن الحسن ع لقي يوما حبيب بن مسلمة فقال له يا حبيب رب مسير لك في غير طاعة الله فقال أما مسيري إلى أبيك فليس من ذلك قال بلى و الله و لكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة فلئن قام بك في دنياك لقد قعد بك في آخرتك و لو كنت إذ فعلت شرا قلت خيرا كان ذلك كما قال عز و جل( خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً ) و لكنك كما قال سبحانه( كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ )

قال أبو الحسن طلب زياد رجلا من أصحاب الحسن ممن كان في كتاب الأمان فكتب إليه الحسن من الحسن بن علي إلى زياد أما بعد فقد علمت ما كنا أخذنا من الأمان لأصحابنا و قد ذكر لي فلان أنك تعرضت له فأحب ألا تعرض له إلا بخير و السلام.

١٨

فلما أتاه الكتاب و ذلك بعد ادعاء معاوية إياه غضب حيث لم ينسبه إلى أبي سفيان فكتب إليه من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن أما بعد فإنه أتاني كتابك في فاسق تؤويه الفساق من شيعتك و شيعة أبيك و ايم الله لأطلبنه بين جلدك و لحمك و إن أحب الناس إلي لحما أن آكله للحم أنت منه و السلام.فلما قرأ الحسن ع الكتاب بعث به إلى معاوية فلما قرأه غضب و كتب من معاوية بن أبي سفيان إلى زياد أما بعد فإن لك رأيين رأيا من أبي سفيان و رأيا من سمية فأما رأيك من أبي سفيان فحلم و حزم و أما رأيك من سمية فما يكون من مثلها إن الحسن بن علي ع كتب إلي بأنك عرضت لصاحبه فلا تعرض له فإني لم أجعل لك عليه سبيلا و إن الحسن ليس ممن يرمى به الرجوان و العجب من كتابك إليه لا تنسبه إلى أبيه أو إلى أمه فالآن حين اخترت له و السلام.قلت جرى في مجلس بعض الأكابر و أنا حاضر القول في أن عليا ع شرف بفاطمة ع فقال إنسان كان حاضر المجلس بل فاطمة ع شرفت به و خاض الحاضرون في ذلك بعد إنكارهم تلك اللفظة و سألني صاحب المجلس أن أذكر ما عندي في المعنى و أن أوضح أيما أفضل علي أم فاطمة فقلت أما أيهما أفضل فإن أريد بالأفضل الأجمع للمناقب التي تتفاضل بها الناس نحو العلم و الشجاعة و نحو ذلك فعلي أفضل و إن أريد بالأفضل الأرفع منزلة عند الله فالذي

١٩

استقر عليه رأي المتأخرين من أصحابنا أن عليا أرفع المسلمين كافة عند الله تعالى بعد رسول الله ص من الذكور و الإناث و فاطمة امرأة من المسلمين و إن كانت سيدة نساء العالمين و يدل على ذلك أنه قد ثبت أنه أحب الخلق إلى الله تعالى بحديث الطائر و فاطمة من الخلق و أحب الخلق إليه سبحانه أعظمهم ثوابا يوم القيامة على ما فسره المحققون من أهل الكلام و إن أريد بالأفضل الأشرف نسبا ففاطمة أفضل لأن أباها سيد ولد آدم من الأولين و الآخرين فليس في آباء علي ع مثله و لا مقارنه و إن أريد بالأفضل من كان رسول الله ص أشد عليه حنوا و أمس به رحما ففاطمة أفضل لأنها ابنته و كان شديد الحب لها و الحنو عليها جدا و هي أقرب إليه نسبا من ابن العم لا شبهة في ذلك.فأما القول في أن عليا شرف بها أو شرفت به فإن عليا ع كانت أسباب شرفه و تميزه على الناس متنوعة فمنها ما هو متعلق بفاطمة ع و منها ما هو متعلق بأبيها ص و منها ما هو مستقل بنفسه.فأما الذي هو مستقل بنفسه فنحو شجاعته و عفته و حلمه و قناعته و سجاحة أخلاقه و سماحة نفسه و أما الذي هو متعلق برسول الله ص فنحو علمه و دينه و زهده و عبادته و سبقه إلى الإسلام و إخباره بالغيوب.و أما الذي يتعلق بفاطمة ع فنكاحه لها حتى صار بينه و بين رسول الله ص الصهر المضاف إلى النسب و السبب و حتى إن ذريته منها صارت ذرية لرسول الله ص و أجزاء من ذاته ع و ذلك لأن الولد إنما يكون من مني الرجل و دم المرأة و هما جزءان من ذاتي الأب و الأم ثم هكذا أبدا في ولد الولد و من بعده من البطون دائما فهذا هو القول في شرف علي ع بفاطمة.

٢٠