كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٦

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 297

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 297
المشاهدات: 30466
تحميل: 5094


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 297 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30466 / تحميل: 5094
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 16

مؤلف:
العربية

عتقت من حل و من رحلة

يا ناق إن أدنيتني من قثم

إنك إن أدنيت منه غدا

حالفني اليسر و مات العدم

في كفه بحر و في وجهه

بدر و في العرنين منه شمم

أصم عن قيل الخنا سمعه

و ما على الخير به من صمم

لم يدر ما لا و بلا قد درى

فعافها و اعتاض منها نعم

١٤١

34 و من كتاب له ع إلى محمد بن أبي بكر

لما بلغه توجده من عزله بالأشتر عن مصر ثم توفي الأشتر في توجهه إلى هناك قبل وصوله إليها : أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي مَوْجِدَتُكَ مِنْ تَسْرِيحِ اَلْأَشْتَرِ إِلَى عَمَلِكَ وَ إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ اِسْتِبْطَاءً لَكَ فِي اَلْجَهْدَ وَ لاَ اِزْدِيَاداً لَكَ فِي اَلْجِدِّ وَ لَوْ نَزَعْتُ مَا تَحْتَ يَدِكَ مِنْ سُلْطَانِكَ لَوَلَّيْتُكَ مَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكَ مَئُونَةً وَ أَعْجَبُ إِلَيْكَ وِلاَيَةً إِنَّ اَلرَّجُلَ اَلَّذِي كُنْتُ وَلَّيْتُهُ أَمْرَ مِصْرَ كَانَ رَجُلاً لَنَا نَاصِحاً وَ عَلَى عَدُوِّنَا شَدِيداً نَاقِماً فَرحمه‌الله فَلَقَدِ اِسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ وَ لاَقَى حِمَامَهُ وَ نَحْنُ عَنْهُ رَاضُونَ أَوْلاَهُ اَللَّهُ رِضْوَانَهُ وَ ضَاعَفَ اَلثَّوَابَ لَهُ فَأَصْحِرْ لِعَدُوِّكَ وَ اِمْضِ عَلَى بَصِيرَتِكَ وَ شَمِّرْ لِحَرْبِ مَنْ حَارَبَكَ وَ اُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ وَ أَكْثِرِ اَلاِسْتِعَانَةَ بِاللَّهِ يَكْفِكَ مَا أَهَمَّكَ وَ يُعِنْكَ عَلَى مَا يُنْزِلُ بِكَ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ

محمد بن أبي بكر و بعض أخباره

أم محمدرحمه‌الله أسماء بنت عميس الخثعمية و هي أخت ميمونة زوج النبي ص

١٤٢

و أخت لبابة أم الفضل و عبد الله زوج العباس بن عبد المطلب و كانت من المهاجرات إلى أرض الحبشة و هي إذ ذاك تحت جعفر بن أبي طالب ع فولدت له هناك محمد بن جعفر و عبد الله و عونا ثم هاجرت معه إلى المدينة فلما قتل جعفر يوم مؤتة تزوجها أبو بكر فولدت له محمد بن أبي بكر هذا ثم مات عنها فتزوجها علي ع و ولدت له يحيى بن علي لا خلاف في ذلك.و قال ابن عبد البر في الإستيعاب ذكر ابن الكلبي أن عون بن علي اسم أمه أسماء بنت عميس و لم يقل ذلك أحد غيره.و قد روي أن أسماء كانت تحت حمزة بن عبد المطلب فولدت له بنتا تسمى أمة الله و قيل أمامة و محمد بن أبي بكر ممن ولد في عصر رسول الله ص.قال ابن عبد البر في كتاب الإستيعاب ولد عام حجة الوداع في عقب ذي القعدة بذي الحليفة حين توجه رسول الله ص إلى الحج فسمته عائشة محمدا و كنته أبا القاسم بعد ذلك لما ولد له ولد سماه القاسم و لم تكن الصحابة ترى بذلك بأسا ثم كان في حجر علي ع و قتل بمصر و كان علي ع يثني عليه و يقرظه و يفضله و كان لمحمدرحمه‌الله عبادة و اجتهاد و كان ممن حضر عثمان و دخل عليه فقال له لو رآك أبوك لم يسره هذا المقام منك فخرج و تركه و دخل عليه بعده من قتله و يقال إنه أشار إلى من كان معه فقتلوه.قوله و بلغني موجدتك أي غضبك وجدت على فلان موجدة و وجدانا لغة قليلة و أنشدوا:

كلانا رد صاحبه بغيظ

على حنق و وجدان شديد

١٤٣

فأما في الحزن فلا يقال إلا وجدت أنا بالفتح لا غير.و الجهد الطاقة أي لم أستبطئك في بذل طاقتك و وسعك و من رواها الجهد بالفتح فهو من قولهم اجهد جهدك في كذا أي أبلغ الغاية و لا يقال هذا الحرف هاهنا إلا مفتوحا.ثم طيب ع نفسه بأن قال له لو تم الأمر الذي شرعت فيه من ولاية الأشتر مصر لعوضتك بما هو أخف عليك مئونة و ثقلا و أقل نصبا من ولاية مصر لأنه كان في مصر بإزاء معاوية من الشام و هو مدفوع إلى حربه.ثم أكد ع ترغيبه بقوله و أعجب إليك ولاية.فإن قلت ما الذي بيده مما هو أخف على محمد مئونة و أعجب إليه من ولاية مصر قلت ملك الإسلام كله كان بيد علي ع إلا الشام فيجوز أن يكون قد كان في عزمه أن يوليه اليمن أو خراسان أو أرمينية أو فارس.ثم أخذ في الثناء على الأشتر و كان علي ع شديد الاعتضاد به كما كان هو شديد التحقق بولايته و طاعته.و ناقما من نقمت على فلان كذا إذا أنكرته عليه و كرهته منه.ثم دعا له بالرضوان و لست أشك بأن الأشتر بهذه الدعوة يغفر الله له و يكفر ذنوبه و يدخله الجنة و لا فرق عندي بينها و بين دعوة رسول الله ص و يا طوبى لمن حصل له من علي ع بعض هذا.قوله و أصحر لعدوك أي ابرز له و لا تستتر عنه بالمدينة التي أنت فيها أصحر الأسد من خيسه إذا خرج إلى الصحراء.و شمر فلان للحرب إذا أخذ لها أهبتها

١٤٤

35 و من كتاب له ع إلى عبد الله بن العباس بعد مقتل محمد بن أبي بكر

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مِصْرَ قَدِ اِفْتُتِحَتْ وَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍرحمه‌الله قَدِ اُسْتُشْهِدَ فَعِنْدَ اَللَّهِ نَحْتَسِبُهُ وَلَداً نَاصِحاً وَ عَامِلاً كَادِحاً وَ سَيْفاً قَاطِعاً وَ رُكْناً دَافِعاً وَ قَدْ كُنْتُ حَثَثْتُ اَلنَّاسَ عَلَى لَحَاقِهِ وَ أَمَرْتُهُمْ بِغِيَاثِهِ قَبْلَ اَلْوَقْعَةِ وَ دَعَوْتُهُمْ سِرّاً وَ جَهْراً وَ عَوْداً وَ بَدْءاً فَمِنْهُمُ اَلآْتِي كَارِهاً وَ مِنْهُمُ اَلْمُعْتَلُّ كَاذِباً وَ مِنْهُمُ اَلْقَاعِدُ خَاذِلاً أَسْأَلُ اَللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ لِي مِنْهُمْ فَرَجاً عَاجِلاً فَوَاللَّهِ لَوْ لاَ طَمَعِي عِنْدَ لِقَائِي عَدُوِّي فِي اَلشَّهَادَةِ وَ تَوْطِينِي نَفْسِي عَلَى اَلْمَنِيَّةِ لَأَحْبَبْتُ أَلاَّ أَبْقَى أَلْقَى مَعَ هَؤُلاَءِ يَوْماً وَاحِداً وَ لاَ أَلْتَقِيَ بِهِمْ أَبَداً انظر إلى الفصاحة كيف تعطي هذا الرجل قيادها و تملكه زمامها و اعجب لهذه الألفاظ المنصوبة يتلو بعضها بعضا كيف تواتيه و تطاوعه سلسة سهلة تتدفق من غير تعسف و لا تكلف حتى انتهى إلى آخر الفصل فقال يوما واحدا و لا ألتقي بهم أبدا و أنت و غيرك من الفصحاء إذا شرعوا في كتاب أو خطبة جاءت القرائن و الفواصل

١٤٥

تارة مرفوعة و تارة مجرورة و تارة منصوبة فإن أرادوا قسرها بإعراب واحد ظهر منها في التكلف أثر بين و علامة واضحة و هذا الصنف من البيان أحد أنواع الإعجاز في القرآن ذكره عبد القاهر قال انظر إلى سورة النساء و بعدها سورة المائدة الأولى منصوبة الفواصل و الثانية ليس فيها منصوب أصلا و لو مزجت إحدى السورتين بالأخرى لم تمتزجا و ظهر أثر التركيب و التأليف بينهما.ثم إن فواصل كل واحد منهما تنساق سياقة بمقتضى البيان الطبيعي لا الصناعة التكلفية ثم انظر إلى الصفات و الموصوفات في هذا الفصل كيف قال ولدا ناصحا و عاملا كادحا و سيفا قاطعا و ركنا دافعا لو قال ولدا كادحا و عاملا ناصحا و كذلك ما بعده لما كان صوابا و لا في الموقع واقعا فسبحان من منح هذا الرجل هذه المزايا النفيسة و الخصائص الشريفة أن يكون غلام من أبناء عرب مكة ينشأ بين أهله لم يخالط الحكماء و خرج أعرف بالحكمة و دقائق العلوم الإلهية من أفلاطون و أرسطو و لم يعاشر أرباب الحكم الخلقية و الآداب النفسانية لأن قريشا لم يكن أحد منهم مشهورا بمثل ذلك و خرج أعرف بهذا الباب من سقراط و لم يرب بين الشجعان لأن أهل مكة كانوا ذوي تجارة و لم يكونوا ذوي حرب و خرج أشجع من كل بشر مشى على الأرض قيل لخلف الأحمر أيما أشجع عنبسة و بسطام أم علي بن أبي طالب فقال إنما يذكر عنبسة و بسطام مع البشر و الناس لا مع من يرتفع عن هذه الطبقة فقيل له فعلى كل حال قال و الله لو صاح في وجوههما لماتا قبل أن يحمل عليهما و خرج أفصح من سحبان و قس و لم تكن قريش بأفصح العرب كان غيرها أفصح منها قالوا أفصح العرب جرهم و إن لم تكن لهم نباهة و خرج أزهد الناس في الدنيا و أعفهم مع أن قريشا ذوو حرص و محبة للدنيا و لا غرو فيمن كان

١٤٦

محمد ص مربيه و مخرجه و العناية الإلهية تمده و ترفده أن يكون منه ما كان.يقال احتسب ولده إذا مات كبيرا و افترط ولده إذا مات صغيرا قوله فمنهم الآتي قسم جنده أقساما فمنهم من أجابه و خرج كارها للخروج كما قال تعالى( كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى اَلْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ ) و منهم من قعد و اعتل بعلة كاذبة كما قال تعالى( يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَ ما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً ) و منهم من تأخر و صرح بالقعود و الخذلان كما قال تعالى( فَرِحَ اَلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اَللَّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ ) و المعنى أن حاله كانت مناسبة لحال النبي ص و من تذكر أحوالهما و سيرتهما و ما جرى لهما إلى أن قبضا علم تحقيق ذلك.ثم أقسم أنه لو لا طمعه في الشهادة لما أقام مع أهل العراق و لا صحبهم.فإن قلت فهلا خرج إلى معاوية وحده من غير جيش إن كان يريد الشهادة قلت ذلك لا يجوز لأنه إلقاء النفس إلى التهلكة و للشهادة شروط متى فقدت فلا يجوز أن تحمل إحدى الحالتين على الأخرى

١٤٧

36 و من كتاب له ع إلى أخيه عقيل بن أبي طالب في ذكر جيش أنفذه إلى بعض الأعداء

و هو جواب كتاب كتبه إليه عقيل : فَسَرَّحْتُ إِلَيْهِ جَيْشاً كَثِيفاً مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ شَمَّرَ هَارِباً وَ نَكَصَ نَادِماً فَلَحِقُوهُ بِبَعْضِ اَلطَّرِيقِ وَ قَدْ طَفَّلَتِ اَلشَّمْسُ لِلْإِيَابِ فَاقْتَتَلُوا شَيْئاً كَلاَ وَ لاَ فَمَا كَانَ إِلاَّ كَمَوْقِفِ سَاعَةٍ حَتَّى نَجَا جَرِيضاً بَعْدَ مَا أُخِذَ مِنْهُ بِالْمُخَنَّقِ وَ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مِنْهُ غَيْرُ اَلرَّمَقِ فَلَأْياً بِلَأْيٍ مَا نَجَا فَدَعْ عَنْكَ قُرَيْشاً وَ تَرْكَاضَهُمْ فِي اَلضَّلاَلِ وَ تَجْوَالَهُمْ فِي اَلشِّقَاقِ وَ جِمَاحَهُمْ فِي اَلتِّيهِ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى حَرْبِي كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اَللَّهِ ص قَبْلِي فَجَزَتْ قُرَيْشاً عَنِّي اَلْجَوَازِي فَقَدْ قَطَعُوا رَحِمِي وَ سَلَبُونِي سُلْطَانَ اِبْنِ أُمِّي وَ أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ رَأْيِي فِي اَلْقِتَالِ فَإِنَّ رَأْيِي قِتَالُ اَلْمُحِلِّينَ حَتَّى أَلْقَى اَللَّهَ لاَ يَزِيدُنِي كَثْرَةُ اَلنَّاسِ حَوْلِي عِزَّةً وَ لاَ تَفَرُّقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً وَ لاَ تَحْسَبَنَّ اِبْنَ أَبِيكَ وَ لَوْ أَسْلَمَهُ اَلنَّاسُ مُتَضَرِّعاً مُتَخَشِّعاً وَ لاَ مُقِرّاً لِلضَّيْمِ وَاهِناً وَ لاَ سَلِسَ اَلزِّمَامِ لِلْقَائِدِ وَ لاَ وَطِئَ اَلظَّهْرِ لِلرَّاكِبِ اَلْمُقْتَعِدِ اَلْمُتَقَعِّدِ وَ لَكِنَّهُ كَمَا قَالَ أَخُو بَنِي سَلِيمٍ:

فَإِنْ تَسْأَلِينِي كَيْفَ أَنْتَ فَإِنَّنِي

صَبُورٌ عَلَى رَيْبِ اَلزَّمَانِ صَلِيبُ

يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ تُرَى بِي كَآبَةٌ

فَيَشْمَتَ عَادٍ أَوْ يُسَاءَ حَبِيبُ

١٤٨

قد تقدم ذكر هذا الكتاب في اقتصاصنا ذكر حال بسر بن أرطاة و غارته على اليمن في أول الكتاب.و يقال طفلت الشمس بالتشديد إذا مالت للغروب و طفل الليل مشددا أيضا إذا أقبل ظلامه و الطفل بالتحريك بعد العصر حين تطفل الشمس للغروب و يقال أتيته طفلي أي في ذلك الوقت.و قوله ع للإياب أي للرجوع أي ما كانت عليه في الليلة التي قبلها يعني غيبوبتها تحت الأرض و هذا الخطاب إنما هو على قدر أفهام العرب كانوا يعتقدون أن الشمس منزلها و مقرها تحت الأرض و أنها تخرج كل يوم فتسير على العالم ثم تعود إلى منزلها فتأوي إليه كما يأوي الناس ليلا إلى منازلهم.و قال الراوندي عند الإياب عند الزوال و هذا غير صحيح لأن ذلك الوقت لا يسمى طفلا ليقال إن الشمس قد طفلت فيه.قوله ع فاقتتلوا شيئا كلا و لا أي شيئا قليلا و موضع كلا و لا نصب لأنه صفة شيئا و هي كلمة تقال لما يستقصر وقته جدا و المعروف عند أهل اللغة كلا و ذا قال ابن هانئ المغربي:

و أسرع في العين من لحظة

و أقصر في السمع من لا و ذا

و في شعر الكميت كلا و كذا تغميضة.و قد رويت في نهج البلاغة كذلك إلا أن في أكثر النسخ كلا و لا و من الناس من يرويها كلا و لات و هي حرف أجري مجرى ليس و لا تجي‏ء

١٤٩

حين إلا أن تحذف في شعر و من الرواة من يرويها كلا و لأي و لأي فعل معناه أبطأ.قوله ع نجا جريضا أي قد غص بالريق من شدة الجهد و الكرب يقال جرض بريقه يجرض بالكسر مثال كسر يكسر و رجل جريض مثل قدر يقدر فهو قدير و يجوز أن يريد بقوله فنجا جريضا أي ذا جريض و الجريض الغصة نفسها و في المثل حال الجريض دون القريض قال الشاعر:

كان الفتى لم يغن في الناس ليلة

إذا اختلف اللحيان عند الجريض

قال الأصمعي و يقال هو يجرض بنفسه أي يكاد يموت و منه قول إمرئ القيس:

و أفلتهن علباء جريضا

و لو أدركنه صفر الوطاب

و أجرضه الله بريقه أغصه.قوله ع بعد ما أخذ منه بالمخنق هو موضع الخنق من الحيوان و كذلك الخناق بالضم يقال أخذ بخناقه فأما الخناق بالكسر فالحبل تخنق به الشاة و الرمق بقية الروح.قوله ع فلأيا بلأي ما نجا أي بعد بطء و شدة و ما زائدة أو مصدرية و انتصب لأيا على المصدر القائم مقام الحال أي نجا مبطئا و العامل في المصدر محذوف أي أبطأ بطئا و الفائدة في تكرير اللفظة المبالغة في وصف البطء الذي نجا موصوفة به أي لأيا مقرونا بلأي

١٥٠

و قال الراوندي هذه القصة و هذا الهارب جريضا و بعد لأي ما نجا هو معاوية قال و قد قيل إن معاوية بعث أمويا فهرب على هذه الحال و الأول أصح و هذا عجيب مضحك وددت له ألا يكون شرح هذا الكتاب.قوله فدع عنك قريشا إلى قوله على حرب رسول الله ص هذا الكلام حق فإن قريشا اجتمعت على حربه منذ يوم بويع بغضا له و حسدا و حقدا عليه فأصفقوا كلهم يدا واحدة على شقاقه و حربه كما كانت حالهم في ابتداء الإسلام مع رسول الله ص لم تخرم حاله من حاله أبدا إلا أن ذاك عصمه الله من القتل فمات موتا طبيعيا و هذا اغتاله إنسان فقتله.قوله فجزت قريشا عني الجوازي فقد قطعوا رحمي و سلبوني سلطان ابن أمي هذه كلمة تجري مجرى المثل تقول لمن يسي‏ء إليك و تدعو عليه جزتك عني الجوازي يقال جزاه الله بما صنع و جازاه الله بما صنع و مصدر الأول جزاء و الثاني مجازاة و أصل الكلمة أن الجوازي جمع جازية كالجواري جمع جارية فكأنه يقول جزت قريشا عني بما صنعت لي كل خصلة من نكبة أو شدة أو مصيبة أو جائحة أي جعل الله هذه الدواهي كلها جزاء قريش بما صنعت بي و سلطان ابن أمي يعني به الخلافة و ابن أمه هو رسول الله ص لأنهما ابنا فاطمة بنت عمرو بن عمران بن عائذ بن مخزوم أم عبد الله و أبي طالب و لم يقل سلطان ابن أبي لأن غير أبي طالب من الأعمام يشركه في النسب إلى عبد المطلب.قال الراوندي الجوازي جمع جازية و هي النفس التي تجزي أي جزاهم و فعل بهم ما يستحقون عساكر لأجلي و في نيابتي و كافأهم سرية تنهض إليهم و هذا إشارة إلى بني أمية يهلكون من بعده و هذا تفسير غريب طريف.

١٥١

و قال أيضا قوله سلطان ابن أمي يعني نفسه أي سلطانه لأنه ابن أم نفسه قال و هذا من أحسن الكلام و لا شبهة أنه على تفسير الراوندي لو قال و سلبوني سلطان ابن أخت خالتي أو ابن أخت عمتي لكان أحسن و أحسن و هذا الرجل قد كان يجب أن يحجر عليه و لا يمكن من تفسير هذا الكتاب و يؤخذ عليه أيمان البيعة ألا يتعرض له.قوله فإن رأيي قتال المحلين أي الخارجين من الميثاق و البيعة يعني البغاة و مخالفي الإمام و يقال لكل من خرج من إسلام أو حارب في الحرم أو في الأشهر الحرم محل و على هذا فسر قول زهير

و كم بالقنان من محل و محرم

أي من لا ذمة له و من له ذمة و كذلك قول خالد بن يزيد بن معاوية في زوجته رملة بنت الزبير بن العوام:

ألا من لقلب معنى غزل

يحب المحلة أخت المحل

أي ناقضة العهد أخت المحارب في الحرم أو أخت ناقض بيعة بني أمية و روي متخضعا متضرعا بالضاد.و مقرا للضيم و بالضيم أي هو راض به صابر عليه و واهنا أي ضعيفا.السلس السهل و مقتعد البعير راكبه.و الشعر ينسب إلى العباس بن مرداس السلمي و لم أجده في ديوانه و معناه ظاهر و في الأمثال الحكمية لا تشكون حالك إلى مخلوق مثلك فإنه إن كان صديقا أحزنته و إن كان عدوا أشمته و لا خير في واحد من الأمرين

١٥٢

37 و من كتاب له ع إلى معاوية

فَسُبْحَانَ اَللَّهِ مَا أَشَدَّ لُزُومَكَ لِلْأَهْوَاءَ اَلْمُبْتَدَعَةِ وَ اَلْحَيْرَةِ اَلْمُتَّبَعَةِ مَعَ تَضْيِيعِ اَلْحَقَائِقِ وَ اِطِّرَاحِ اَلْوَثَائِقِ اَلَّتِي هِيَ لِلَّهِ تَعَالَى طِلْبَةٌ وَ عَلَى عِبَادِهِ حُجَّةٌ فَأَمَّا إِكْثَارُكَ اَلْحِجَاجَ عَلَى عُثْمَانَ وَ قَتَلَتِهِ فَإِنَّكَ إِنَّمَا نَصَرْتَ عُثْمَانَ حَيْثُ كَانَ اَلنَّصْرُ لَكَ وَ خَذَلْتَهُ حَيْثُ كَانَ اَلنَّصْرُ لَهُ وَ اَلسَّلاَمُ أول هذا الكتاب

قوله أما بعد فإن الدنيا حلوة خضرة ذات زينة و بهجة لم يصب إليها أحد إلا و شغلته بزينتها عما هو أنفع له منها و بالآخرة أمرنا و عليها حثثنا فدع يا معاوية ما يفنى و اعمل لما يبقى و احذر الموت الذي إليه مصيرك و الحساب الذي إليه عاقبتك و اعلم أن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا حال بينه و بين ما يكره و وفقه لطاعته و إذا أراد الله بعبد سوءا أغراه بالدنيا و أنساه الآخرة و بسط له أمله و عاقه عما فيه صلاحه و قد وصلني كتابك فوجدتك ترمي غير غرضك و تنشد غير ضالتك و تخبط في عماية

١٥٣

و تتيه في ضلالة و تعتصم بغير حجة و تلوذ بأضعف شبهة فأما سؤالك المتاركة و الإقرار لك على الشام فلو كنت فاعلا ذلك اليوم لفعلته أمس و أما قولك إن عمر ولاكه فقد عزل من كان ولاه صاحبه و عزل عثمان من كان عمر ولاه و لم ينصب للناس إمام إلا ليرى من صلاح الأمة إماما قد كان ظهر لمن قبله أو أخفى عنهم عيبه و الأمر يحدث بعده الأمر و لكل وال رأي و اجتهاد فسبحان الله ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة و الحيرة المتبعة إلى آخر الفصل.و أما قوله ع إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك إلى آخره فقد روى البلاذري قال لما أرسل عثمان إلى معاوية يستمده بعث يزيد بن أسد القسري جد خالد بن عبد الله بن يزيد أمير العراق و قال له إذا أتيت ذا خشب فأقم بها و لا تتجاوزها و لا تقل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فإنني أنا الشاهد و أنت الغائب.قال فأقام بذي خشب حتى قتل عثمان فاستقدمه حينئذ معاوية فعاد إلى الشام بالجيش الذي كان أرسل معه و إنما صنع ذلك معاوية ليقتل عثمان فيدعو إلى نفسه.و كتب معاوية إلى ابن عباس عند صلح الحسن ع له كتابا يدعوه فيه إلى بيعته و يقول له فيه و لعمري لو قتلتك بعثمان رجوت أن يكون ذلك لله رضا و أن يكون رأيا صوابا فإنك من الساعين عليه و الخاذلين له و السافكين دمه و ما جرى بيني و بينك صلح فيمنعك مني و لا بيدك أمان.فكتب إليه ابن عباس جوابا طويلا يقول فيه و أما قولك إني من الساعين على عثمان و الخاذلين له و السافكين دمه و ما جرى بيني و بينك صلح فيمنعك مني

١٥٤

فأقسم بالله لأنت المتربص بقتله و المحب لهلاكه و الحابس الناس قبلك عنه على بصيرة من أمره و لقد أتاك كتابه و صريخه يستغيث بك و يستصرخ فما حفلت به حتى بعثت إليه معذرا بأجرة أنت تعلم إنهم لن يتركوه حتى يقتل فقتل كما كنت أردت ثم علمت عند ذلك أن الناس لن يعدلوا بيننا و بينك فطفقت تنعى عثمان و تلزمنا دمه و تقول قتل مظلوما فإن يك قتل مظلوما فأنت أظلم الظالمين ثم لم تزل مصوبا و مصعدا و جاثما و رابضا تستغوي الجهال و تنازعنا حقنا بالسفهاء حتى أدركت ما طلبت( وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتاعٌ إِلى‏ حِينٍ )

١٥٥

38 و من كتاب له ع إلى أهل مصر لما ولى عليهم الأشتر

مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ إِلَى اَلْقَوْمِ اَلَّذِينَ غَضِبُوا لِلَّهِ حِينَ عُصِيَ فِي أَرْضِهِ وَ ذُهِبَ بِحَقِّهِ فَضَرَبَ اَلْجَوْرُ سُرَادِقَهُ عَلَى اَلْبَرِّ وَ اَلْفَاجِرِ وَ اَلْمُقِيمِ وَ اَلظَّاعِنِ فَلاَ مَعْرُوفٌ يُسْتَرَاحُ إِلَيْهِ وَ لاَ مُنْكَرٌ يُتَنَاهَى عَنْهُ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَبْداً مِنْ عِبَادِ اَللَّهِ لاَ يَنَامُ أَيَّامَ اَلْخَوْفِ وَ لاَ يَنْكُلُ عَنِ اَلْأَعْدَاءِ سَاعَاتِ اَلرَّوْعِ أَشَدَّ عَلَى اَلْفُجَّارِ مِنْ حَرِيقِ اَلنَّارِ وَ هُوَ مَالِكُ بْنُ اَلْحَارِثِ أَخُو مَذْحِجٍ فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِيعُوا أَمْرَهُ فِيمَا طَابَقَ اَلْحَقَّ فَإِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اَللَّهِ لاَ كَلِيلُ اَلظُّبَةِ وَ لاَ نَابِي اَلضَّرِيبَةَ فَإِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تَنْفِرُوا فَانْفِرُوا وَ إِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تُقِيمُوا فَأَقِيمُوا فَإِنَّهُ لاَ يُقْدِمُ وَ لاَ يُحْجِمُ وَ لاَ يُؤَخِّرُ وَ لاَ يُقَدِّمُ إِلاَّ عَنْ أَمْرِي وَ قَدْ آثَرْتُكُمْ بِهِ عَلَى نَفْسِي لِنَصِيحَتِهِ لَكُمْ وَ شِدَّةِ شَكِيمَتِهِ عَلَى عَدُوِّكُمْ هذا الفصل يشكل علي تأويله لأن أهل مصر هم الذين قتلوا عثمان و إذا شهد أمير المؤمنين ع أنهم غضبوا لله حين عصي في الأرض فهذه شهادة قاطعة على عثمان بالعصيان و إتيان المنكر و يمكن أن يقال و إن كان متعسفا إن الله تعالى

١٥٦

عصي في الأرض لا من عثمان بل من ولاته و أمرائه و أهله و ذهب بينهم بحق الله و ضرب الجور سرادقه بولايتهم و أمرهم على البر و الفاجر و المقيم و الظاعن فشاع المنكر و فقد المعروف يبقى أن يقال هب أن الأمر كما تأولت فهؤلاء الذين غضبوا لله إلى ما ذا آل أمرهم أ ليس الأمر آل إلى أنهم قطعوا المسافة من مصر إلى المدينة فقتلوا عثمان فلا تعدو حالهم أمرين إلا أن يكونوا أطاعوا الله بقتله فيكون عثمان عاصيا مستحقا للقتل أو يكونوا أسخطوا الله تعالى بقتله فعثمان إذا على حق و هم الفساق العصاة فكيف يجوز أن يبجلهم أو يخاطبهم خطاب الصالحين و يمكن أن يجاب عن ذلك بأنهم غضبوا لله و جاءوا من مصر و أنكروا على عثمان تأميره الأمراء الفساق و حصروه في داره طلبا أن يدفع إليهم مروان ليحبسوه أو يؤدبوه على ما كتبه في أمرهم فلما حصر طمع فيه مبغضوه و أعداؤه من أهل المدينة و غيرها و صار معظم الناس إلبا عليه و قل عدد المصريين بالنسبة إلى ما اجتمع من الناس على حصره و مطالبته بخلع نفسه و تسليم مروان و غيره من بني أمية إليهم و عزل عماله و الاستبدال بهم و لم يكونوا حينئذ يطلبون نفسه و لكن قوما منهم و من غيرهم تسوروا داره فرماهم بعض عبيده بالسهام فجرح بعضهم فقادت الضرورة إلى النزول و الإحاطة به و تسرع إليه واحد منهم فقتله ثم إن ذلك القاتل قتل في الوقت و قد ذكرنا ذلك فيما تقدم و شرحناه فلا يلزم من فسق ذلك القاتل و عصيانه أن يفسق الباقون لأنهم ما أنكروا إلا المنكر و أما القتل فلم يقع منهم و لا راموه و لا أرادوه فجاز أن يقال إنهم غضبوا لله و أن يثنى عليهم و يمدحهم.ثم وصف الأشتر بما وصفه به و مثل قوله لا ينام أيام الخوف قولهم لا ينام ليلة يخاف و لا يشبع ليلة يضاف و قال

١٥٧

فأتت به حوش الفؤاد مبطنا

سهدا إذا ما نام ليل الهوجل

ثم أمرهم أن يطيعوه فيما يأمرهم به مما يطابق الحق و هذا من شدة دينه و صلابته ع لم يسامح نفسه في حق أحب الخلق إليه أن يهمل هذا القيد

قال رسول الله ص لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.و قال أبو حنيفة قال لي الربيع في دهليز المنصور إن أمير المؤمنين يأمرني بالشي‏ء بعد الشي‏ء من أمور ملكه فأنفذه و أنا خائف على ديني فما تقول في ذلك قال و لم يقل لي ذلك إلا في ملإ الناس فقلت له أ فيأمر أمير المؤمنين بغير الحق قال لا قلت فلا بأس عليك أن تفعل بالحق قال أبو حنيفة فأراد أن يصطادني فاصطدته.و الذي صدع بالحق في هذا المقام الحسن البصري قال له عمر بن هبيرة أمير العراق في خلافة يزيد بن عبد الملك في ملإ من الناس منهم الشعبي و ابن سيرين يا أبا سعيد إن أمير المؤمنين يأمرني بالشي‏ء اعلم أن في تنفيذه الهلكة في الدين فما تقول في ذلك قال الحسن ما ذا أقول إن الله مانعك من يزيد و لن يمنعك يزيد من الله يا عمر خف الله و اذكر يوما يأتيك تتمخض ليلته عن القيامة أنه سينزل عليك ملك من السماء فيحطك عن سريرك إلى قصرك و يضطرك من قصرك إلى لزوم فراشك ثم ينقلك عن فراشك إلى قبرك ثم لا يغني عنك إلا عملك فقام عمر بن هبيرة باكيا يصطك لسانه.قوله فإنه سيف من سيوف الله هذا لقب خالد بن الوليد و اختلف فيمن

١٥٨

لقبه به فقيل لقبه به رسول الله ص و الصحيح أنه لقبه به أبو بكر لقتاله أهل الردة و قتله مسيلمة.و الظبة بالتخفيف حد السيف و النابي من السيوف الذي لا يقطع و أصله نبا أي ارتفع فلما لم يقطع كان مرتفعا فسمي نابيا و في الكلام حذف تقديره و لا ناب ضارب الضريبة و ضارب الضريبة هو حد السيف فأما الضريبة نفسها فهو الشي‏ء المضروب بالسيف و إنما دخلته الهاء و إن كان بمعنى مفعول لأنه صار في عداد الأسماء كالنطيحة و الأكيلة.ثم أمرهم بأن يطيعوه في جميع ما يأمرهم به من الإقدام و الإحجام و قال إنه لا يقدم و لا يؤخر إلا عن أمري و هذا إن كان قاله مع أنه قد سنح له أن يعمل برأيه في أمور الحرب من غير مراجعته فهو عظيم جدا لأنه يكون قد أقامه مقام نفسه و جاز أن يقول إنه لا يفعل شيئا إلا عن أمري و إن كان لا يراجعه في الجزئيات على عادة العرب في مثل ذلك لأنهم يقولون فيمن يثقون به نحو ذلك و قد ذهب كثير من الأصوليين إلى أن الله تعالى قال لمحمد ص احكم بما شئت في الشريعة فإنك لا تحكم إلا بالحق و إنه كان يحكم من غير مراجعته لجبرائيل و إن الله تعالى قد قال في حقه( وَ ما يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوى‏ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى‏ ) و إن كان ع قال هذا القول عن الأشتر لأنه قد قرر معه بينه و بينه ألا يعمل شيئا قليلا و لا كثيرا إلا بعد مراجعته فيجوز و لكن هذا بعيد لأن المسافة طويلة بين العراق و مصر و كانت الأمور هناك تقف و تفسد.ثم ذكر أنه آثرهم به على نفسه و هكذا قال عمر لما أنفذ عبد الله بن مسعود إلى الكوفة في كتابه إليهم قد آثرتكم به على نفسي و ذلك أن عمر كان يستفتيه في الأحكام و علي ع كان يصول على الأعداء بالأشتر و يقوي أنفس جيوشه بمقامه بينهم فلما بعثه إلى مصر كان مؤثرا لأهل مصر به على نفسه

١٥٩

39 و من كتاب له ع إلى عمرو بن العاص

فَإِنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ دِينَكَ تَبَعاً لِدُنْيَا اِمْرِئٍ ظَاهِرٍ غَيُّهُ مَهْتُوكٍ سِتْرُهُ يَشِينُ اَلْكَرِيمَ بِمَجْلِسِهِ وَ يُسَفِّهُ اَلْحَلِيمَ بِخِلْطَتِهِ فَاتَّبَعْتَ أَثَرَهُ وَ طَلَبْتَ فَضْلَهُ اِتِّبَاعَ اَلْكَلْبِ لِلضِّرْغَامِ يَلُوذُ بِمَخَالِبِهِ وَ يَنْتَظِرُ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْ فَضْلِ فَرِيسَتِهِ فَأَذْهَبْتَ دُنْيَاكَ وَ آخِرَتَكَ وَ لَوْ بِالْحَقِّ أَخَذْتَ أَدْرَكْتَ مَا طَلَبْتَ فَإِنْ يُمَكِّنِ يُمَكِّنِّي اَللَّهُ مِنْكَ وَ مِنِ اِبْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَجْزِكُمَا بِمَا قَدَّمْتُمَا وَ إِنْ تُعْجِزَا وَ تَبْقَيَا فَمَا أَمَامَكُمَا شَرٌّ لَكُمَا وَ اَلسَّلاَمُ كل ما قاله فيهما هو الحق الصريح بعينه لم يحمله بغضه لهما و غيظه منهما إلى أن بالغ في ذمهما به كما يبالغ الفصحاء عند سورة الغضب و تدفق الألفاظ على الألسنة و لا ريب عند أحد من العقلاء ذوي الإنصاف أن عمرا جعل دينه تبعا لدنيا معاوية و أنه ما بايعه و تابعه إلا على جعالة جعلها له و ضمان تكفل له بإيصاله و هي ولاية مصر مؤجلة و قطعة وافرة من المال معجلة و لولديه و غلمانه ما ملأ أعينهم.فأما قوله ع في معاوية ظاهر غيه فلا ريب في ظهور ضلاله و بغيه و كل باغ غاو.

١٦٠