كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٦

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 297

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 297
المشاهدات: 30469
تحميل: 5094


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 297 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30469 / تحميل: 5094
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 16

مؤلف:
العربية

فإن تصفحوا يغنم و إن تتجرموا

فتعذيبكم حلو المذاقة عذبه

و آية صدق الصب أن يعذب الأذى

إذ كان من يهوى عليه يصبه

و منها:

إذا فكرت فيك يحار عقلي

و ألحق بالمجانين الكبار

و أصحو تارة فيشوب ذهني

و يقدح خاطري كشواظ نار

فيا من تاهت العقلاء فيه

فأمسوا كلهم صرعى عقار

و يا من كاعت الأفكار عنه

فآبت بالمتاعب و الخسار

و يا من ليس يعلمه نبي

و لا ملك و لا يدريه دار

و يا من ليس قداما و خلفا

و لا جهة اليمين و لا اليسار

و لا فوق السماء و لا تدلى

من الأرضين في لجج البحار

و يا من أمره من ذاك أجلى

من ابن ذكاء أو صبح النهار

سألتك باسمك المكتوم إلا

فككت النفس من رق الإسار

وجدت لها بما تهوى فأنت

العليم بباطن اللغز الضمار

و منها:

يا رب إنك عالم

بمحبتي لك و اجتهادي

و تجردي للذب عنك

على مراغمة الأعادي

بالعدل و التوحيد أصدع

معلنا في كل نادي

و كشفت زيغ ابن الخطيب

و لبسه بين العباد

و نقضت سائر ما بناه

من الضلالة و الفساد

٨١

و أبنت عن إغوائه

في دين أحمد ذي الرشاد

و جعلت أوجه ناصريه

محممات بالسواد

و كففت من غلوائهم

بعد التمرد و العناد

فكأنما نخل الرماد

عليهم بعد الرماد

و قصدت وجهك أبتغي

حسن المثوبة في المعاد

فأفض على العبد الفقير

إليكم نور السداد

و ارزقه قبل الموت

معرفة المصائر و المبادي

و افكك أسير الحرص

باللأصفاد من أسر الصفاد

و اغسل بصفو القرب من

أبوابكم كدر البعاد

و أعضه من حر الغليل

بوصلكم برد الفؤاد

و ارحم عيونا فيك

هامية و قلبا فيك صاد

يا ساطح الأرض المهاد

و ممسك السبع الشداد

يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ أَنْبَأْتُكَ عَنِ اَلدُّنْيَا وَ حَالِهَا وَ زَوَالِهَا وَ اِنْتِقَالِهَا وَ أَنْبَأْتُكَ عَنِ اَلآْخِرَةِ وَ مَا أُعِدَّ لِأَهْلِهَا وَ ضَرَبْتُ لَكَ فِيهِمَا اَلْأَمْثَالَ لِتَعْتَبِرَ بِهَا وَ تَحْذُوَ عَلَيْهَا إِنَّمَا مَثَلُ مَنْ خَبَرَ اَلدُّنْيَا كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ نَبَا بِهِمْ مَنْزِلٌ جَدِيبٌ فَأَمُّوا مَنْزِلاً خَصِيباً وَ جَنَاباً مَرِيعاً فَاحْتَمَلُوا وَعْثَاءَ اَلطَّرِيقِ وَ فِرَاقَ اَلصَّدِيقِ وَ خُشُونَةَ اَلسَّفَرِ وَ جُشُوبَةَ اَلمَطْعَمِ لِيَأْتُوا سَعَةَ دَارِهِمْ وَ مَنْزِلَ قَرَارِهِمْ فَلَيْسَ يَجِدُونَ لِشَيْ‏ءٍ مِنْ ذَلِكَ أَلَماً وَ لاَ يَرَوْنَ نَفَقَةً فِيهِ مَغْرَماً وَ لاَ شَيْ‏ءَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِمَّا قَرَّبَهُمْ مِنْ مَنْزِلِهِمْ

٨٢

وَ أَدْنَاهُمْ إِلَى مِنْ مَحَلَّتِهِمْ وَ مَثَلُ مَنِ اِغْتَرَّ بِهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانُوا بِمَنْزِلٍ خَصِيبٍ فَنَبَا بِهِمْ إِلَى مَنْزِلٍ جَدِيبٍ فَلَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِمْ وَ لاَ أَفْظَعَ عِنْدَهُمْ مِنْ مُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فِيهِ إِلَى مَا يَهْجُمُونَ عَلَيْهِ وَ يَصِيرُونَ إِلَيْهِ حذا عليه يحذو و احتذى مثاله يحتذي أي اقتدى به و قوم سفر بالتسكين أي مسافرون.و أموا قصدوا و المنزل الجديب ضد المنزل الخصيب.و الجناب المريع بفتح الميم ذو الكلإ و العشب و قد مرع الوادي بالضم.و الجناب الفناء و وعثاء الطريق مشقتها.و جشوبة المطعم غلظه طعام جشيب و مجشوب و يقال إنه الذي لا أدم معه.يقول مثل من عرف الدنيا و عمل فيها للآخرة كمن سافر من منزل جدب إلى منزل خصيب فلقي في طريقه مشقة فإنه لا يكترث بذلك في جنب ما يطلب و بالعكس من عمل للدنيا و أهمل أمر الآخرة فإنه كمن يسافر إلى منزل ضنك و يهجر منزلا رحيبا طيبا و هذا من قول رسول الله ص الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر

٨٣

يَا بُنَيَّ اِجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ غَيْرِكَ فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَ اِكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا وَ لاَ تَظْلِمْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ وَ أَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ وَ اِسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ وَ اِرْضَ مِنَ اَلنَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ وَ لاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَ إِنْ قَلَّ مَا تَعْلَمُ وَ لاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَلْإِعْجَابَ ضِدُّ اَلصَّوَابِ وَ آفَةُ اَلْأَلْبَابِ فَاسْعَ فِي كَدْحِكَ وَ لاَ تَكُنْ خَازِناً لِغَيْرِكَ وَ إِذَا أَنْتَ هُدِيتَ لِقَصْدِكَ فَكُنْ أَخْشَعَ مَا تَكُونُ لِرَبِّكَ

جاء في الحديث المرفوع لا يكمل إيمان عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه و يكره لأخيه ما يكره لنفسه و قال بعض الأسارى لبعض الملوك افعل معي ما تحب أن يفعل الله معك فأطلقه و هذا هو معنى قوله ع و لا تظلم كما لا تحب أن تظلم.و قوله و أحسن من قول الله تعالى( وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اَللَّهُ إِلَيْكَ ) .و قوله و استقبح من نفسك سئل الأحنف عن المروءة فقال أن تستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك و روي و ارض من الناس لك و هي أحسن.و أما العجب و ما ورد في ذمة فقد قدمنا فيه قولا مقنعا.

٨٤

قوله ع و اسع في كدحك أي أذهب ما اكتسبت بالإنفاق و الكدح هاهنا هو المال الذي كدح في حصوله و السعي فيه إنفاقه و هذه كلمة فصيحة و قد تقدم نظائر قوله و لا تكن خازنا لغيرك.ثم أمره أن يكون أخشع ما يكون لله إذ هداه لرشده و ذلك لأن هدايته إياه إلى رشده نعمة عظيمة منه فوجب أن يقابل بالخشوع لأنه ضرب من الشكر : وَ اِعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ طَرِيقاً ذَا مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ وَ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَ أَنَّهُ لاَ غِنَى بِكَ فِيهِ عَنْ حُسْنِ اَلاِرْتِيَادِ وَ قَدْرِ بَلاَغِكَ مِنَ اَلزَّادِ مَعَ خِفَّةِ اَلظَّهْرِ فَلاَ تَحْمِلَنَّ عَلَى ظَهْرِكَ فَوْقَ طَاقَتِكَ فَيَكُونَ ثِقْلُ ذَلِكَ وَبَالاً عَلَيْكَ وَ إِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ اَلْفَاقَةِ مَنْ يَحْمِلُ لَكَ زَادَكَ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ فَيُوَافِيكَ بِهِ غَداً حَيْثُ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَاغْتَنِمْهُ وَ حَمِّلْهُ إِيَّاهُ وَ أَكْثِرْ مِنْ تَزْوِيدِهِ وَ أَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَلَعَلَّكَ تَطْلُبُهُ فَلاَ تَجِدُهُ وَ اِغْتَنِمْ مَنِ اِسْتَقْرَضَكَ فِي حَالِ غِنَاكَ لِيَجْعَلَ قَضَاءَهُ لَكَ فِي يَوْمِ عُسْرَتِكَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ عَقَبَةً كَئُوداً اَلْمُخِفُّ فِيهَا أَحْسَنُ حَالاً مِنَ اَلْمُثْقِلِ وَ اَلْمُبْطِئُ عَلَيْهَا أَقْبَحُ أَمْراً حَالاً مِنَ اَلْمُسْرِعِ وَ أَنَّ مَهْبِطَهَا بِكَ مَهْبِطَكَ بِهَا لاَ مَحَالَةَ إِمَّا عَلَى جَنَّةٍ أَوْ عَلَى نَارٍ فَارْتَدْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ نُزُولِكَ وَ وَطِّئِ اَلْمَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ فَلَيْسَ بَعْدَ اَلْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ وَ لاَ إِلَى اَلدُّنْيَا مُنْصَرَفٌ

٨٥

أمره في هذا الفصل بإنفاق المال و الصدقة و المعروف فقال إن بين يديك طريقا بعيد المسافة شديد المشقة و من سلك طريقا فلا غنى له عن أن يرتاد لنفسه و يتزود من الزاد قدر ما يبلغه الغاية و أن يكون خفيف الظهر في سفره ذلك فإياك أن تحمل من المال ما يثقلك و يكون وبالا عليك و إذا وجدت من الفقراء و المساكين من يحمل ذلك الثقل عنك فيوافيك به غدا وقت الحاجة فحمله إياه فلعلك تطلب مالك فلا تجده

جاء في الحديث المرفوع خمس من أتى الله بهن أو بواحدة منهن أوجب له الجنة من سقى هامة صادية أو أطعم كبدا هافية أو كسا جلدة عارية أو حمل قدما حافية أو أعتق رقبة عانية قيل لحاتم الأصم لو قرأت لنا شيئا من القرآن قال نعم فاندفع فقرأ( الم ذلِكَ اَلْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) يكنزون فقالوا أيها الشيخ ما هكذا أنزل قال صدقتم و لكن هكذا أنتم : وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَلَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ اَلسَّمَاوَاتِ وَ اَلْأَرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي اَلدُّعَاءِ وَ تَكَفَّلَ لَكَ بِالْإِجَابَةِ وَ أَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ وَ تَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ وَ لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَهُ وَ بَيْنَكَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ وَ لَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ

٨٦

وَ لَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ اَلتَّوْبَةِ وَ لَمْ يُعَاجِلْكَ بِالنِّقْمَةِ وَ لَمْ يُعَيِّرْكَ بِالْإِنَابَةِ وَ لَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ تَعَرَّضْتَ لِلْفَضِيحَةِ اَلْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى وَ لَمْ يُشَدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ اَلْإِنَابَةِ وَ لَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ وَ لَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ اَلرَّحْمَةِ بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ اَلذَّنْبِ حَسَنَةً وَ حَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً وَ حَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً وَ فَتَحَ لَكَ بَابَ اَلْمَتَابِ وَ بَابَ اَلاِسْتِعْتَابِ فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاكَ وَ إِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ فَأَفْضَيْتَ إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ وَ أَبْثَثْتَهُ ذَاتَ نَفْسِكَ وَ شَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَكَ وَ اِسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ وَ اِسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ وَ سَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غَيْرُهُ مِنْ زِيَادَةِ اَلْأَعْمَارِ وَ صِحَّةِ اَلْأَبْدَانِ وَ سَعَةِ اَلْأَرْزَاقِ ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ فَمَتَى شِئْتَ اِسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِهِ وَ اِسْتَمْطَرْتَ شَآبِيبَ رَحْمَتِهِ فَلاَ يُقْنِطَنَّكَ يُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ فَإِنَّ اَلْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ اَلنِّيَّةِ وَ رُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ اَلْإِجَابَةُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لِأَجْرِ اَلسَّائِلِ وَ أَجْزَلَ لِعَطَاءِ اَلآْمِلِ وَ رُبَّمَا سَأَلْتَ اَلشَّيْ‏ءَ فَلاَ تُعْطَاهُ تُؤْتَاهُ وَ أُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجِلاً أَوْ آجِلاً أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلاَكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ فَلْتَكُنْ مَسْأَلَتُكَ فِيمَا يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ وَ يُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ فَالْمَالُ لاَ يَبْقَى لَكَ وَ لاَ تَبْقَى لَهُ قد تقدم القول في الدعاء.قوله بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة هذا متفق عليه بين أصحابنا و هو أن تارك القبيح لأنه قبيح يستحق الثواب.

٨٧

قوله حسب سيئتك واحدة و حسب حسنتك عشرا هذا إشارة إلى قوله تعالى( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى‏ إِلاَّ مِثْلَها ) .قوله و أبثثته ذات نفسك أي حاجتك.ثم ذكر له وجوها في سبب إبطاء الإجابة منها أن ذلك أمر عائد إلى النية فلعلها لم تكن خالصة.و منها أنه ربما أخرت ليكون أعظم لأجر السائل لأن الثواب على قدر المشقة.و منها أنه ربما أخرت ليعطي السائل خيرا مما سائل إما عاجلا أو آجلا أو في الحالين.و منها أنه ربما صرف ذلك عن السائل لأن في إعطائه إياه مفسدة في الدين.قوله فالمال لا يبقى لك و لا تبقى له لفظ شريف فصيح و معنى صادق محقق فيه عظة بالغة و قال أبو الطيب:

أين الجبابرة الأكاسرة الألى

كنزوا الكنوز فما بقين و لا بقوا

و يروى من يحجبه عنك.و روى حيث الفضيحة أي حيث الفضيحة موجودة منك.و اعلم أن في قوله قد أذن لك في الدعاء و تكفل لك بالإجابة إشارة إلى قوله تعالى( اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .و في قوله و أمر أن تسأله ليعطيك إشارة إلى قوله( وَ سْئَلُوا اَللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ) .

٨٨

و في قوله و تسترحمه ليرحمك إشارة إلى قوله( وَ ما كانَ اَللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) .و في قوله و لم يمنعك إن أسأت من التوبة إشارة إلى قوله( إِلاَّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اَللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اَللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) :وَ اِعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلآْخِرَةِ لاَ لِلدُّنْيَا وَ لِلْفَنَاءِ لاَ لِلْبَقَاءِ وَ لِلْمَوْتِ لاَ لِلْحَيَاةِ وَ أَنَّكَ فِي مَنْزِلِ قُلْعَةٍ وَ دَارِ بُلْغَةٍ وَ طَرِيقٍ إِلَى اَلآْخِرَةِ وَ أَنَّكَ طَرِيدُ اَلْمَوْتِ اَلَّذِي لاَ يَنْجُو مِنْهُ هَارِبُهُ وَ لاَ يَفُوتُهُ طَالِبُهُ وَ لاَ بُدَّ أَنَّهُ مُدْرِكُهُ فَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ أَنْ يُدْرِكَكَ وَ أَنْتَ عَلَى حَالِ سَيِّئَةٍ قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ فَيَحُولَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ ذَلِكَ فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ يَا بُنَيَّ أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ اَلْمَوْتِ وَ ذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ وَ تُفْضِي بَعْدَ اَلْمَوْتِ إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ وَ قَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ وَ شَدَدْتَ لَهُ أَزْرَكَ وَ لاَ يَأْتِيَكَ بَغْتَةً فَيَبْهَرَكَ وَ إِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلاَدِ أَهْلِ اَلدُّنْيَا إِلَيْهَا وَ تَكَالُبِهِمْ عَلَيْهَا فَقَدْ نَبَّأَكَ اَللَّهُ عَنْهَا وَ نَعَتَتْ لَكَ نَفْسَهَا نَعَتْ هِيَ لَكَ عَنْ نَفْسِهَا وَ تَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوِيهَا فَإِنَّمَا أَهْلُهَا كِلاَبٌ عَاوِيَةٌ وَ سِبَاعٌ ضَارِيَةٌ يَهِرُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضِ وَ يَأْكُلُ عَزِيزُهَا ذَلِيلَهَا وَ يَقْهَرُ كَبِيرُهَا صَغِيرَهَا

٨٩

نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ وَ أُخْرَى مُهْمَلَةٌ قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَهَا وَ رَكِبَتْ مَجْهُولَهَا سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ وَعْثٍ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ يُقِيمُهَا وَ لاَ مُسِيمٌ يُسِيمُهَا سَلَكَتْ بِهِمُ اَلدُّنْيَا طَرِيقَ اَلْعَمَى وَ أَخَذَتْ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْ مَنَارِ اَلْهُدَى فَتَاهُوا فِي حَيْرَتِهَا وَ غَرِقُوا فِي نِعْمَتِهَا وَ اِتَّخَذُوهَا رَبّاً فَلَعِبَتْ بِهِمْ وَ لَعِبُوا بِهَا وَ نَسُوا مَا وَرَاءَهَا رُوَيْداً يُسْفِرُ اَلظَّلاَمُ كَأَنْ قَدْ وَرَدَتِ اَلْأَظْعَانُ يُوشِكُ مَنْ أَسْرَعَ أَنْ يَلْحَقَ يقول هذا منزل قلعة بضم القاف و سكون اللام أي ليس بمستوطن و يقال هذا مجلس قلعة إذا كان صاحبه يحتاج إلى أن يقوم مرة بعد مرة و يقال أيضا هم على قلعة أي على رحلة و القلعة أيضا هو المال العارية وفي الحديث بئس المال القلعة و كله يرجع إلى معنى واحد.قوله و دار بلغة و البلغة ما يتبلغ به من العيش.قوله سروح عاهة و السروح جمع سرح و هو المال السارح و العاهة الآفة أعاه القوم أصابت ماشيتهم العاهة.و واد وعث لا يثبت الحافر و الخف فيه بل يغيب فيه و يشق على من يمشي فيه.و أوعث القوم وقعوا في الوعث.و مسيم يسيمها راع يرعاها.قوله رويدا يسفر الظلام إلى آخر الفصل ثلاثة أمثال محركة لمن عنده

٩٠

استعداد و استقرأني أبو الفرج محمد بن عبادرحمه‌الله و أنا يومئذ حدث هذه الوصية فقرأتها عليه من حفظي فلما وصلت إلى هذا الموضع صاح صيحة شديدة و سقط و كان جبارا قاسي القلب

أقوال حكيمة في وصف الدنيا و فناء الخلق

و اعلم أنا قدمنا في وصف الدنيا و الفناء و الموت من محاسن كلام الصالحين و الحكماء ما فيه الشفاء و نذكر الآن أشياء آخر.فمن كلام الحسن البصري يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة فإذا مضى يوم مضى بعضك.عن بعض الحكماء رحم الله امرأ لا يغره ما يرى من كثرة الناس فإنه يموت وحده و يقبر وحده و يحاسب وحده.و قال بعضهم لا وجه لمقاساة الهموم لأجل الدنيا و لا الاعتداد بشي‏ء من متاعها و لا التخلي منها أما ترك الاهتمام لها فمن جهة أنه لا سبيل إلى دفع الكائن من مقدورها و أما ترك الاعتداد بها فإن مرجع كل أحد إلى تركها و أما ترك التخلي عنها فإن الآخرة لا تدرك إلا بها.و من كلام بعض الحكماء أفضل اختيار الإنسان ما توجه به إلى الآخرة و أعرض به عن الدنيا و قد تقدمت الحجة و أذنا بالرحيل و لنا من الدنيا على الدنيا دليل و إنما أحدنا في مدة بقائه صريع لمرض أو مكتئب بهم أو مطروق بمصيبة أو مترقب لمخوف لا يأمن المرء أصناف لذته من المطعوم و المشروب أن يكون موته فيه و لا يأمن مملوكه

٩١

و جاريته أن يقتلاه بحديد أو سم و هو مع ذلك عاجز عن استدامة سلامة عقله من زوال و سمعه من صمم و بصره من عمى و لسانه من خرس و سائر جوارحه من زمانة و نفسه من تلف و ماله من بوار و حبيبه من فراق و كل ذلك يشهد شهادة قطعية أنه فقير إلى ربه ذليل في قبضته محتاج إليه لا يزال المرء بخير ما حاسب نفسه و عمر آخرته بتخريب دنياه و إذا اعترضته بحار المكاره جعل معابرها الصبر و التأسي و لم يغتر بتتابع النعم و إبطاء حلول النقم و أدام صحبة التقي و فطم النفس عن الهوى فإنما حياته كبضاعة ينفق من رأس المال منها و لا يمكنه أن يزيد فيها و مثل ذلك يوشك فناؤه و سرعة زواله.و قال أبو العتاهية في ذكر الموت:

ستباشر الترباء خدك

و سيضحك الباكون بعدك

و لينزلن بك البلى

و ليخلفن الموت عهدك

و ليفنينك مثل ما

أفنى أباك بلى و جدك

لو قد رحلت عن القصور

و طيبها و سكنت لحدك

لم تنتفع إلا بفعل

صالح قد كان عندك

٩٢

و ترى الذين قسمت مالك

بينهم حصصا و كدك

يتلذذون بما جمعت

لهم و لا يجدون فقدك

وَ اِعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ مَنْ كَانَتْ مَطِيَّتُهُ اَللَّيْلَ وَ اَلنَّهَارَ فَإِنَّهُ يُسَارُ بِهِ وَ إِنْ كَانَ وَاقِفاً وَ يَقْطَعُ اَلْمَسَافَةَ وَ إِنْ كَانَ مُقِيماً وَادِعاً وَ اِعْلَمْ يَقِيناً أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ وَ لَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ وَ أَنَّكَ فِي سَبِيلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ فَخَفِّضْ فِي اَلطَّلَبِ وَ أَجْمِلْ فِي اَلْمُكْتَسَبِ فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَبٍ قَدْ جَرَّ إِلَى حَرَبٍ وَ لَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ بِمَرْزُوقٍ وَ لاَ كُلُّ مُجْمِلٍ بِمَحْرُومٍ وَ أَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَ إِنْ سَاقَتْكَ إِلَى اَلرَّغَائِبِ فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً وَ لاَ تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَ قَدْ جَعَلَكَ اَللَّهُ حُرّاً وَ مَا خَيْرُ خَيْرٍ لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِشَرٍّ وَ يُسْرٍ لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِعُسْرٍ وَ إِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا اَلطَّمَعِ فَتُورِدَكَ مَنَاهِلَ اَلْهَلَكَةِ وَ إِنِ اِسْتَطَعْتَ أَلاَّ يَكُونَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اَللَّهِ ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ فَإِنَّكَ مُدْرِكٌ قَسْمَكَ وَ آخِذٌ سَهْمَكَ وَ إِنَّ اَلْيَسِيرَ مِنَ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ وَ أَعْظَمُ أَعْظَمُ وَ أَكْرَمُ مِنَ اَلْكَثِيرِ مِنْ خَلْقِهِ وَ إِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُ

٩٣

مثل الكلمة الأولى قول بعض الحكماء وقد نسب أيضا إلى أمير المؤمنين ع أهل الدنيا كركب يسار بهم و هم نيام.قوله فخفضن في الطلب من قول رسول الله ص إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فأجملوا في الطلب.و قال الشاعر:

ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله

عوضا و لو نال الغنى بسؤال

و إذا النوال إلى السؤال قرنته

رجح السؤال و خف كل نوال

و قال آخر:

رددت رونق وجهي عن صحيفته

رد الصقال بهاء الصارم الخذم

و ما أبالي و خير القول أصدقه

حقنت لي ماء وجهي أم حقنت دمي

و قال آخر:

و إني لأختار الزهيد على الغنى

و أجزأ بالمال القراح عن المحض

و أدرع الإملاق صبرا و قد أرى

مكان الغنى كي لا أهين له عرضي

و قال أبو محمد اليزيدي في المأمون:

أبقى لنا الله الإمام و زاده

شرفا إلى الشرف الذي أعطاه

و الله أكرمنا بأنا معشر

عتقاء من نعم العباد سواه

و قال آخر:

كيف النهوض بما أوليت من حسن

أم كيف أشكر ما طوقت من نعم

٩٤

ملكتني ماء وجه كاد يسكبه

ذل السؤال و لم تفجع به هممي

و قال آخر:

لا تحرصن على الحطام فإنما

يأتيك رزقك حين يؤذن فيه

سبق القضاء بقدره و زمانه

و بأنه يأتيك أو يأتيه

و كان يقال ما استغنى أحد بالله إلا افتقر الناس إليه.و قال رجل في مجلس فيه قوم من أهل العلم لا أدري ما يحمل من يوقن بالقدر على الحرص على طلب الرزق فقال له أحد الحاضرين يحمله القدر فسكت.أقول لو كنت حاضرا لقلت لو حمله القدر لما نهاه العقلاء عن الحرص و لما مدحوه على العفة و القناعة فإن عاد و قال و أولئك ألجأهم القدر إلى المدح و الذم و الأمر و النهي فقد جعل نفسه و غيره من الناس بل من جميع الحيوانات بمنزلة الجمادات التي يحركها غيرها و من بلغ إلى هذا الحد لا يكلم.و قال الشاعر:

أراك تزيدك الأيام حرصا

على الدنيا كأنك لا تموت

فهل لك غاية إن صرت يوما

إليها قلت حسبي قد رضيت

أبو العتاهية:

أي عيش يكون أطيب من عيش

كفاف قوت بقدر البلاغ

قمرتني الأيام عقلي و مالي

و شبابي و صحتي و فراغي

و أوصى بعض الأدباء ابنه فكتب إليه

٩٥

كن حسن الظن برب خلقك

بني و احمده على ما رزقك

و اعلم بأن الحرص يطفي رونقك

فجانب الحرص و حسن خلقك

و اصدق و صادق أبدا من صدقك

دار معاديك و مق من ومقك

و اجعل لأعدائك حزما ملقك

و جنبن حشو الكلام منطقك

هذي وصاة والد قد عشقك

وصاة من يقلقه ما أقلقك

أرشدك الله لها و وفقك

أبو العتاهية:

أجل الغنى مما يؤمل أسرع

و أراك تجمع دائما لا تشبع

قل لي لمن أصبحت تجمع دائبا

أ لبعل عرسك لا أبا لك تجمع

و أوصى زياد ابنه عبيد الله عند موته فقال لا تدنسن عرضك و لا تبذلن وجهك و لا تخلقن جدتك بالطلب إلى من إن ردك كان رده عليك عيبا و إن قضى حاجتك جعلها عليك منا و احتمل الفقر بالتنزه عما في أيدي الناس و الزم القناعة بما قسم لك فإن سوء عمل الفقير يضع الشريف و يخمل الذكر و يوجب الحرمان : وَ تَلاَفِيكَ مَا فَرَطَ مِنْ صَمْتِكَ أَيْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ مِنْ مَنْطِقِكَ وَ حِفْظُ مَا فِي اَلْوِعَاءِ بِشَدِّ اَلْوِكَاءِ وَ حِفْظُ مَا فِي يَدَيْكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ طَلَبِ مَا فِي يَدَيْ غَيْرِكَ وَ مَرَارَةُ اَلْيَأْسِ خَيْرٌ مِنَ اَلطَّلَبِ إِلَى اَلنَّاسِ وَ اَلْحِرْفَةُ مَعَ اَلْعِفَّةَ خَيْرٌ مِنَ اَلْغِنَى مَعَ اَلْفُجُورِ وَ اَلْمَرْءُ أَحْفَظُ لِسِرِّهِ وَ رُبَّ سَاعٍ فِيمَا يَضُرُّهُ

٩٦

مَنْ أَكْثَرَ أَهْجَرَ وَ مَنْ تَفَكَّرَ أَبْصَرَ قَارِنْ أَهْلَ اَلْخَيْرِ تَكُنْ مِنْهُمْ وَ بَايِنْ أَهْلَ اَلشَّرِّ تَبِنْ عَنْهُمْ بِئْسَ اَلطَّعَامُ اَلْحَرَامُ وَ ظُلْمُ اَلضَّعِيفِ أَفْحَشُ اَلظُّلْمِ إِذَا كَانَ اَلرِّفْقُ خُرْقاً كَانَ اَلْخُرْقُ رِفْقاً رُبَّمَا كَانَ اَلدَّوَاءُ دَاءً وَ اَلدَّاءُ دَوَاءً وَ رُبَّمَا نَصَحَ غَيْرُ اَلنَّاصِحِ وَ غَشَّ اَلْمُسْتَنْصَحُ وَ إِيَّاكَ وَ اَلاِتِّكَالَ عَلَى اَلْمُنَى فَإِنَّهَا بَضَائِعُ اَلنَّوْكَى وَ اَلْعَقْلُ حِفْظُ اَلتَّجَارِبِ وَ خَيْرُ مَا جَرَّبْتَ مَا وَعَظَكَ بَادِرِ اَلْفُرْصَةَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ غُصَّةً لَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ يُصِيبُ وَ لاَ كُلُّ غَائِبٍ يَئُوبُ وَ مِنَ اَلْفَسَادِ إِضَاعَةُ اَلزَّادِ وَ مَفْسَدَةُ اَلْمَعَادِ وَ لِكُلِّ أَمْرٍ عَاقِبَةٌ سَوْفَ يَأْتِيكَ مَا قُدِّرَ لَكَ اَلتَّاجِرُ مُخَاطِرٌ وَ رُبَّ يَسِيرٍ أَنْمَى مِنْ كَثِيرٍ هذا الكلام قد اشتمل على أمثال كثيرة حكمية.أولها قوله تلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك و هذا مثل قولهم أنت قادر على أن تجعل صمتك كلاما و لست بقادر على أن تجعل كلامك صمتا و هذا حق لأن الكلام يسمع و ينقل فلا يستطاع إعادته صمتا و الصمت عدم الكلام فالقادر على الكلام قادر على أن يبدله بالكلام و ليس الصمت بمنقول و لا مسموع فيتعذر استدراكه.

٩٧

و ثانيها قوله حفظ ما في يديك أحب إلي من طلب ما في أيدي غيرك هذا مثل قولهم في المثل البخل خير من سؤال البخيل و ليس مراد أمير المؤمنين ع وصايته بالإمساك و البخل بل نهيه عن التفريط و التبذير قال الله تعالى( وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ اَلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ) و أحمق الناس من أضاع ماله اتكالا على مال الناس و ظنا أنه يقدر على الاستخلاف قال الشاعر:

إذا حدثتك النفس أنك قادر

على ما حوت أيدي الرجال فكذب

و ثالثها قوله مرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس من هذا أخذ الشاعر قوله:

و إن كان طعم اليأس مرا فإنه

ألذ و أحلى من سؤال الأراذل

و قال البحتري:

و اليأس إحدى الراحتين و لن ترى

تعبا كظن الخائب المغرور

و رابعها قوله الحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور و الحرفة بالكسر مثل الحرف بالضم و هو نقصان الحظ و عدم المال و منه قوله رجل محارف بفتح الراء يقول لأن يكون المرء هكذا و هو عفيف الفرج و اليد خير من الغنى مع الفجور و ذلك لأن ألم الحرفة مع العفة و مشقتها إنما هي في أيام قليلة و هي أيام العمر و لذة الغنى إذا كان مع الفجور ففي مثل تلك الأيام يكون و لكن يستعقب عذابا طويلا فالحال الأولى خير لا محالة و أيضا ففي الدنيا خير أيضا للذكر الجميل فيها و الذكر القبيح في الثانية و للمحافظة على المروءة في الأولى و سقوط المروءة في الثانية.

٩٨

و خامسها قوله المرء أحفظ لسره أي الأولى ألا تبوح بسرك إلى أحد فأنت أحفظ له من غيرك فإن أذعته فانتشر فلا تلم إلا نفسك لأنك كنت عاجزا عن حفظ سر نفسك فغيرك عن حفظ سرك و هو أجنبي أعجز قال الشاعر:

إذا ضاق أصدر المرء عن حفظ سره

فصدر الذي يستودع السر أضيق

و سادسها قوله رب ساع فيما يضره قال عبد الحميد الكاتب في كتابه إلى أبي مسلم لو أراد الله بالنملة صلاحا لما أنبت لها جناحا.و سابعها قوله من أكثر أهجر يقال أهجر الرجل إذا أفحش في المنطق السوء و الخنى قال الشماخ:

كماجدة الأعراق قال ابن ضرة

عليها كلاما جار فيه و أهجرا

و هذا مثل قولهم من كثر كلامه كثر سقطه و قالوا أيضا قلما سلم مكثار أو أمن من عثار.و ثامنها قوله من تفكر أبصر قالت الحكماء الفكر تحديق العقل نحو المعقول كما أن النظر البصري تحديق البصر نحو المحسوس و كما أن من حدق نحو المبصر و حدقته صحيحة و الموانع مرتفعة لا بد أن يبصره كذلك من نظر بعين عقله و أفكر فكرا صحيحا لا بد أن يدرك الأمر الذي فكر فيه و يناله.و تاسعها قوله قارن أهل الخير تكن معهم و باين أهل الشر تبن عنهم كأن يقال حاجبك وجهك و كاتبك لسانك و جليسك كلك و قال الشاعر:

عن المرء لا تسأل و سل عن قرينه

فكل قرين بالمقارن مقتد

٩٩

و عاشرها قوله بئس الطعام الحرام هذا من قوله تعالى( إِنَّ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ اَلْيَتامى‏ ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) .و حادي عشرها قوله ظلم الضعيف أفحش الظلم رأى معاوية ابنه يزيد يضرب غلاما فقال يا بني كيف لا يسع حلمك من تضربه فلا يمتنع منك و أمر المأمون بإشخاص الخطابي القاص من البصرة فلما مثل بين يديه قال له يا سليمان أنت القائل العراق عين الدنيا و البصرة عين العراق و المربد عين البصرة و مسجدي عين المربد و أنا عين مسجدي و أنت أعور فإن عين الدنيا عوراء قال يا أمير المؤمنين لم أقل ذاك و لا أظن أمير المؤمنين أحضرني لذلك قال بلغني أنك أصبحت فوجدت على سارية من سواري مسجدك

رحم الله عليا إنه كان تقيا

فأمرت بمحوه قال يا أمير المؤمنين كان و لقد كان نبيا فأمرت بإزالته فقال كذبت كانت القاف أصح من عينك الصحيحة ثم قال و الله لو لا أن أقيم لك عند العامة سوقا لأحسنت تأديبك قال يا أمير المؤمنين قد ترى ما أنا عليه من الضعف و الزمانة و الهرم و قلة البصر فإن عاقبتني مظلوما فاذكر قول ابن عمك علي ع ظلم الضعيف أفحش الظلم و إن عاقبتني بحق فاذكر أيضا قوله لكل شي‏ء رأس و الحلم رأس السؤدد فنهض المأمون من مجلسه و أمر برده إلى البصرة و لم يصله بشي‏ء و لم يحضر أحد قط مجلس المأمون إلا وصله عدا الخطابي و ليس هذا هو المحدث الحافظ المشهور ذاك أبو سليمان أحمد بن محمد بن أحمد البستي كان في أيام المطيع و الطائع و هذا قاص بالبصرة كان يقال له أبو زكريا سليمان بن محمد البصري.و ثاني عاشرها قوله إذا كان الرفق خرقا كان الخرق رفقا يقول إذا كان استعمال

١٠٠