آيات الغدير بحث في خطب حجة الوداع وتفسير آيات الغدير

آيات الغدير بحث في خطب حجة الوداع وتفسير آيات الغدير0%

آيات الغدير بحث في خطب حجة الوداع وتفسير آيات الغدير مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 373

آيات الغدير بحث في خطب حجة الوداع وتفسير آيات الغدير

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف:

الصفحات: 373
المشاهدات: 89958
تحميل: 5569

توضيحات:

آيات الغدير بحث في خطب حجة الوداع وتفسير آيات الغدير
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 373 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89958 / تحميل: 5569
الحجم الحجم الحجم
آيات الغدير بحث في خطب حجة الوداع وتفسير آيات الغدير

آيات الغدير بحث في خطب حجة الوداع وتفسير آيات الغدير

مؤلف:
العربية

فلما كان يوم صفين خرج عمار بن ياسر الى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له: يا أخا رسول الله، أتاذن لي في القتال؟

قال مهلاً رحمك الله، فلما كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام فأجابه بمثله، فأعاد عليه ثالثاً فبكى أمير المؤمنين وقال: إنه اليوم الذي وصفه لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فنزل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن بغلته وعانق عماراً وودعه، ثم قال:

يا أبا اليقظان جزاك الله عن الله وعن نبيك خيراً، فنعم الأخ كنت، ونعم الصاحب كنت. ثم بكى عليه‌السلام وبكى عمار.

ثم قال: والله يا أمير المؤمنين ما تبعتك إلا ببصيرة، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم خيبر: يا عمار ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فاتبع علياً وحزبه، فإنه مع الحق والحق معه، وستقاتل الناكثين والقاسطين، فجزاك الله يا أمير المؤمنين عن الإسلام أفضل الجزاء، فلقد أديت وأبلغت ونصحت.

ثم ركب وركب أمير المؤمنين عليه‌السلام ثم برز الى القتال، ثم دعا بشربةٍ من ماء فقيل له ما معنا ماء، فقام اليه رجل من الأنصار فأسقاه شربةً من لبن، فشربه ثم قال: هكذا عهد الي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكون آخر زادي من الدنيا شربةٌ من لبن.

ثم حمل على القوم فقتل ثمانية عشر نفساً، فخرج اليه رجلان من أهل الشام فطعناه وقتل رحمه‌الله .

فلما كان في الليل طاف أمير المؤمنين عليه‌السلام في القتلي، فوجد عماراً ملقىً بين القتلى، فجعل رأسه على فخذه، ثم بكى عليه‌السلام وأنشأ يقول:

ألا أيها الموت الذي لست تاركي

أرحني فقد أفنيت كل خليلِ

أراك بصيراً بالذين أحبهم

كأنك تمضي نحوهم بدليلِ

- وقال في ص 180 في باب ما جاء عن أم سلمة:

حدثنا علي بن الحسن بن محمد بن مندة قال: حدثنا أبو الحسين زيد بن جعفر بن محمد بن الحسين الخزاز بالكوفة في سنة سبع وسبعين وثلثمائة قال: حدثنا العباس بن العباس الجوهري ببغداد في دار عميرة قال: حدثني عفان بن مسلم قال:

٨١

حدثني حماد بن سلمة، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن سداد بن أوس قال: لما كان يوم الجمل قلت: لا أكون مع علي ولا أكون عليه، وتوقفت عن القتال الى انتصاف النهار، فلما كان قرب الليل ألقى الله في قلبي أن أقاتل مع علي، فقاتلت معه حتى كان من أمره ما كان، ثم إني أتيت المدينة فدخلت على أم سلمة، قالت: من أين أقبلت؟

قلت: من البصرة.

قالت: مع أي الفريقين كنت؟

قلت: يا أم المؤمنين إني توقفت عن القتال الى انتصاف النهار، وألقى الله عز و جل أن أقاتل مع علي.

قالت: نعم ما عملت، لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من حارب علياً فقد حاربني، ومن حاربني فقد حارب الله.

قلت: فترين أن الحق مع علي؟

قالت: إي والله، عليٌّ مع الحق والحق معه، والله ما أنصف أمة محمد نبيهم، إذ قدموا من أخره الله عز وجل ورسوله، وأخروا من قدمه الله تعالى ورسوله! وأنهم صانوا حلائلهم في بيوتهم، وأبرزوا حليلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الفناء! والله سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لأمتي فرقة وجعلة، فجامعوها إذا اجتمعت، وإذا افترقت فكونوا من النمط الأوسط، ثم ارقبوا أهل بيتي فإن حاربوا فحاربوا، وإن سالموا فسالموا، وإن زالوا فزالو معهم، فإن الحق معهم حيث كانوا.

قلت: فمن أهل بيته؟

قالت: أهل بيته الذين أمرنا بالتمسك بهم؟

قالت: هم الأئمة بعده كما قال: عدد نقباء بني إسرائيل: علي وسبطاه، وتسعة من صلب الحسين، هم أهل بيته هم المطهرون، والأئمة المعصومون.

قلت: إنا لله هلك الناس إذاً؟!.

قالت: كل حزب بما لديهم فرحون. انتهى.

* *

٨٢

البحث الثالث

الأسس الإسلامية في خطب الوداع

اتضح مما تقدم أن خطبة عرفات في حجة الوداع تضمنت بشارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأئمة الإثني عشر من بعده، ووصيته بهم ..

فماذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخطب الخمس الباقية؟ في مكة يوم التروية، وفي منى يوم العيد، ووسط أيام التشريق، وفي مسجد الخيف يوم النفر. وفي غدير خم؟.

مع أن المصادر نقلت القليل من هذه الخطب وخلطت بين مضامينها لكنك تجد في رواياتها المتعددة أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرح كل الأمور المهمة التي تحتاج اليها الأمة من بعده فقد تضمنت الخطب فقرات نبوية في المحاور أو الأسس الخمس التالية:

1 - أساس المساواة الإنسانية

- مبدأ الوحدة الإنسانية بين البشر، وإلغاء التمايز القومي.

- مبدأ حسن معاملة النساء، وعدم ظلمهن.

2 - أساس وحدة الأمة الإسلامية

- مبدأ إلغاء آثار الجاهلية ومآثرها وتشريعاتها المخالفة للاسلام.

- مبدأ الأخوة والتكافؤ بين المسلمين.

- مبدأ احترام الملكية الشخصية - تحريم أموال المسلمين على بعضهم.

٨٣

- مبدأ احترام حياة المسلم - تحريم دمائهم على بعضهم.

- مبدأ احترام عرض المسلم وكرامته - تحريم أعراضهم على بعضهم.

- مبدأ: من قال لا إله إلا الله، فقد عصم ماله ودمه.

- مبدأ ختام النبوة به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وختام الأمم بأمته.

- مبدأ شهادة النبي على الأمة في الآخرة، وموافاتها له على الحوض.

- مبدأ ضرورة الدقة والحذر من محقرات الأعمال، التي تجر الى الإنحراف.

- مبدأ التحذير من الكذب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتحقيق فيما ينقل عنه.

3 - أساس وحدة الشريعة ووحدة ثقافة المسلمين

- مبدأ أداء الأمانة

- قوانين الإرث

- قوانين الديات والقصاص

- تشريعات مناسك الحج ( خذوا عني مناسككم )

4 - مبادئ مسيرة الدولة والحكم بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

- مبدأ البشارة بالأئمة الإثني عشر من عترته.

- مبدأ التأكيد على الثقلين القرآن والعترة.

- مبدأ إعلان أن علياً ولي الأمة من بعده، والإمام الأول من الإثني عشر.

- مبدأ أداء الفرائض، وإطاعة ولاة الأمر.

- مبدأ تخليد تعاهد قريش وكنانة على حصار بني هاشم.

- مبدأ تحذير قريش أن تطغى من بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

- مبدأ تحذيره الصحابة من الإرتداد بعده والصراع على السلطة

5 - أساس عقوبة المخالفين للخط النبوي

- مبدأ لعن من ادعى الى غير أبيه، أو تولى غير مواليه.

٨٤

ولا يتسع المجال لبحث هذه الأسس والمبادئ الإلهية بالتفصيل، لذا نكتفي بذكر نماذج من الخطب الشريفة، ثم نذكر فقرات الخطب المتعلقة بالمبادئ المذكورة، مع التوضيحات الضرورية.

ولا بد أن نشير أولاً الى أن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له في كل واحدة من هذه المبادئ بياناتٌ متعددةٌ في غير حجة الوداع، وأنها تشكل مع ما جاء منها في خطب الوداع الستة كلاماً موحداً، لا يمكن فصل بعضه عن بعض فكلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن هو إلا وحيٌ يوحى يكمل بعضه بعضاً، ويفسر بعضه بعضاً، ويشكل في كل موضوع وحدةً عقيدية وتشريعية متكاملة البناء، في صرح الإسلام الرباني الشامل.

نماذج من نصوص خطب الوداع

- تحف العقول ص 30 لابن شعبة الحراني المتوفى حدود سنة 350

خطبته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع:

الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.

من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحثكم على العمل بطاعته، وأستفتح الله بالذي هو خير.

أما بعد: أيها الناس! إسمعوا مني ما أبين لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.

أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم عليكم حرام، الى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.

فمن كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها.

٨٥

وإن ربا الجاهلية موضوع، وإن أول ربا أبدأ به ربا العباس بن عبد المطلب.

وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب.

وإن مآثر الجاهلية موضوعة، غير السدانة والسقاية.

والعمد قود، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر، وفيه مائة بعير، فمن ازداد فهو من الجاهلية.

أيها الناس: إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه قد رضي بأن يطاع فيما سوى ذلك، فيما تحتقرون من أعمالكم.

أيها الناس: إنما النسئ زيادة في الكفر، يضل به الذين كفروا، يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً، ليواطؤوا عدة ما حرم الله.

وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض، منها أربعة حرم، ثلاثة متوالية، وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب بين جمادى وشعبان. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.

أيها الناس: إن لنسائكم عليكم حقاً، ولكم عليهن حقاً، حقكم عليهن أن لا يوطئن أحداً فرشكم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم، إلا بإذنكم، وألا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإذا انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكتاب الله، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيراً.

أيها الناس: إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.

فلا ترجعن كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

٨٦

ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد.

أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم. وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى.

ألا هل بلغت؟

قالوا: نعم.

قال: فليبلغ الشاهد الغائب.

أيها الناس: إن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا تجوز لوارثٍ وصية في أكثر من الثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر.

من ادعى الى غير أبيه، ومن تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً. والسلام عليكم ورحمة الله.

- وقال الكليني في الكافي: 1 / 403

عن الحكم بن مسكين، عن رجل من قريش من أهل مكة قال: قال سفيان الثوري: إذهب بنا الى جعفر بن محمد، قال فذهبت معه إليه، فوجدناه قد ركب دابته، فقال له سفيان: ياأبا عبد الله حدثنا بحديثِ خطبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجد الخيف.

قال: دعني حتى أذهب في حاجتى فإني قد ركبت، فإذا جئت حدثتك.

فقال: أسألك بقرابتك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما حدثتني.

قال: فنزل، فقال له سفيان: مر لي بدواة وقرطاس حتى أثبته، فدعا به ثم قال:

أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. خطبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجد الخيف:

نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم تبلغه.

يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب، فرب حامل فقهٍ ليس بفقيه، ورب حامل فقه الى من هو أفقه منه.

ثلاثٌ لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطةٌ من ورائهم.

٨٧

المؤمنون إخوةٌ تتكافى دماؤهم، وهم يدٌ على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم.

فكتبه سفيان ثم عرضه عليه، وركب أبو عبد الله عليه‌السلام وجئت أنا وسفيان، فلما كنا في بعض الطريق قال لي: كما أنت، حتى أنظر في هذا الحديث.

قلت له: قد والله ألزم أبو عبد الله رقبتك شيئاً لا يذهب من رقبتك أبداً!

فقال: وأي شيء ذلك؟

فقلت له: ثلاثٌ لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، قد عرفناه. والنصيحة لأئمة المسلمين، من هؤلاء الأئمة الذين يجب علينا نصيحتهم؟ معاوية بن أبي سفيان، ويزيد بن معاوية، ومروان بن الحكم، وكل من لا تجوز الصلاة خلفهم؟

وقوله: واللزوم لجماعتهم، فأي الجماعة؟ مرجئ يقول: من لم يصل ولم يصم ولم يغتسل من جنابة وهدم الكعبة ونكح أمه فهو على إيمان جبرئيل وميكائيل؟!

أو قدري يقول: لا يكون ما شاء الله عز وجل، ويكون ما شاء إبليس؟!

أو حروري يتبرأ من علي بن أبي طالب، ويشهد عليه بالكفر؟!

أو جهمي يقول: إنما هي معرفة الله وحده، ليس الإيمان شيء غيرها؟!

قال: ويحك، وأي شيء يقولون؟!

فقلت: يقولون: إن علي بن أبي طالب عليه‌السلام والله الإمام الذي وجب علينا نصيحته. ولزوم جماعتهم: أهل بيته.

قال: فأخذ الكتاب فخرقه، ثم قال: لا تخبر بها أحداً. انتهى.

- وفي تفسير علي بن ابراهيم: 1 / 171

وحج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجة الوداع لتمام عشر حجج من مقدمه المدينة، فكان من قوله بمنى أن حمد الله واثنى عليه، ثم قال:

أيها الناس: إسمعوا قولي واعقلوه عني، فإني لا أدري لا ألقاكم بعد عامي هذا.

ثم قال: هل تعلمون أي يوم أعظم حرمة؟

٨٨

قال الناس: هذا اليوم.

قال: فأي شهر؟

قال الناس: هذا.

قال: وأي بلد أعظم حرمة؟

قالوا: بلدنا هذا.

قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، الى يوم تلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم.

ألا هل بلغت أيها الناس؟

قالوا: نعم.

قال: اللهم اشهد.

ثم قال: ألا وكل مأثرةٍ أو بدعةٍ كانت في الجاهلية، أو دمٍ أو مالٍ، فهو تحت قدميَّ هاتين، ليس أحدٌ أكرم من أحدٍ إلا بالتقوى.

ألا هل بلغت؟

قالوا: نعم.

قال: اللهم اشهد.

ثم قال: ألا وكل رباً كان في الجاهلية فهو موضوع، وأول موضوع منه ربا العباس بن عبد المطلب.

ألا وكل دمٍ كان في الجاهلية فهو موضوع، وأول موضوعٍ دم ربيعة.

ألا هل بلغت؟

قالوا: نعم.

قال: اللهم اشهد.

ثم قال: ألا وإن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه راض بما تحتقرون من أعمالكم، ألا وإنه إذا أطيع فقد عبد!

٨٩

ألا أيها الناس: إن المسلم أخ المسلم حقاً، لا يحل لامرئ مسلم دم امرئ مسلم وماله إلا ما أعطاه بطيبة نفس منه. وإني أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها، وحسابهم على الله.

ألا هل بلغت أيها الناس؟

قالوا: نعم.

قال: اللهم اشهد.

ثم قال: أيها الناس: إحفظوا قولي تنتفعوا به بعدي، وافهموه تنعشوا. ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدنيا، فإن فعلتم ذلك - ولتفعلن - لتجدوني في كتيبة بين جبرئيل وميكائيل أضرب وجوهكم بالسيف ثم التفت عن يمينه فسكت ساعة ثم قال - إن شاء الله أو علي بن أبي طالب -

ثم قال: ألا وإني قد تركت فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا، ومن خالفهما فقد هلك.

ألا هل بلغت؟

قالوا: نعم.

قال: اللهم اشهد.

ثم قال: ألا وإنه سيرد عليَّ الحوض منكم رجالٌ فيدفعون عني، فأقول: رب أصحابي؟ فيقول: يا محمد إنهم أحدثوا بعدك وغيروا سنتك، فأقول: سحقاً سحقا.

فلما كان آخر يوم من أيام التشريق أنزل الله: إذا جاء نصر الله والفتح، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نُعِيَتْ اليَّ نفسي، ثم نادى الصلاة جامعة في مسجد الخيف، فاجتمع الناس فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:

نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، وبلغها من لم يسمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه الى من هو أفقه منه.

٩٠

ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لائمة المسلمين، ولزم جماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم.

المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم. أيها الناس: إني تارك فيكم الثقلين.

قالوا: يا رسول الله وما الثقلان؟

قال: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترفا حتى يردا عليَّ الحوض، كإصبعي هاتين - وجمع بين سبابتيه - ولا أقول كهاتين وجمع سبابته والوسطى، فتفضل هذه على هذه.

فاجتمع قوم من أصحابه وقالوا يريد محمد أن يجعل الإمامة في أهل بيته، فخرج أربعة نفر منهم الى مكة ودخلوا الكعبة، وتعاهدوا وتعاقدوا وكتبوا فيما بينهم كتاباً: إن مات محمد أو قتل أن لا يردوا هذا الأمر في أهل بيته أبداً!

فأنزل الله على نبيه في ذلك: أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون. أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم، بلى ورسلنا لديهم يكتبون انتهى.

* *

- وفي صحيح البخاري: 5 / 126

عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان.

أي شهر هذا.

قلنا: الله ورسوله أعلم.

فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال:

٩١

أليس ذو الحجة؟

قلنا: بلى.

قال: فأي بلد هذا؟

قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال:

أليس البلدة؟

قلنا: بلى.

قال: فأي يوم هذا؟

قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال:

أليس يوم النحر؟

قلنا: بلى.

قال: فإن دماءكم وأموالكم - قال محمد وأحسبه قال وأعراضكم - عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فسيسألكم عن أعمالكم.

ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض.

ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه. انتهى. ويلاحظ أن فيه كلمة ضلالاً بدل كفاراً في غيره.

- وفي صحيح البخاري: 1 / 24

عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه ذكر النبى صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه، ثم قال:

أي يوم هذا؟

فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه.

قال: أليس يوم النحر؟

قلنا: بلى.

٩٢

قال: فأي شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.

فقال: أليس بذي الحجة؟

قلنا: بلى.

قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه.

- وفي صحيح مسلم: 4 / 41

فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس، أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس، وقال:

إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل. وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله.

فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن كسوتهن بالمعروف.

وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله.

وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟

قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.

فقال بإصبعه السبابة يرفعها الى السماء وينكتها الى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات.

٩٣

- ورواه ابن ماجة: 2 / 1024، وفيه:

ثم أذن بلال، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً.

ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف ..

- وفي مستدرك الحاكم: 1 / 77

وخطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال:

يا أيها الناس إني فرط لكم على الحوض، وإن سعته ما بين الكوفة الى الحجر الأسود، وآنيته كعدد النجوم، وإني رأيت أناساً من أمتي لما دنوا مني، خرج عليهم رجلٌ فمال بهم عني، ثم أقبلت زمرةٌ أخرى ففعل بهم كذلك، فلم يفلت إلا كمثل النعم!!

فقال أبو بكر: لعلي منهم يا نبي الله؟!

قال لا، ولكنهم قوم يخرجون بعدكم ويمشون القهقرى!. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وقد حدث به الحجاج بن محمد أيضاً عن الليث ولم يخرجاه.

- وفي سنن ابن ماجة: 2 / 1016

حدثنا إسماعيل بن توبة، ثنا زافر بن سليمان، عن أبي سنان، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته المخضرمة بعرفات، فقال:

أتدرون أي يوم هذا وأي شهر هذا وأي بلد هذا؟

قالوا: هذا بلدٌ حرام وشهر حرم ويوم حرام.

قال: ألا وإن أموالكم ودماءكم عليكم حرام كحرمة شهركم هذا في بلدكم هذا في يومكم هذا.

ألا وإني فرطكم على الحوض، وأكاثر بكم الأمم، فلا تسودوا وجهي.

ألا وإني مستنقذٌ أناساً، ومستنقذ مني أناس، فأقول: يا رب أصحابي؟ فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك! في الزوائد: إسناده صحيح.

٩٤

- وفي سنن ابن ماجة: 2 / 1300

باب لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض:

عن جرير بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في حجة الوداع استنصت الناس، فقال: لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض.

عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

ويحكم أو ويلكم، لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض.

عن الصنابح الأحمسي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إني فرطكم على الحوض وإني مكاثرٌ بكم الأمم، فلا تقتتلن بعدي.

في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.

- وفي سنن الترمذي: 2 / 61

سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخطب في حجة الوداع فقال: إتقوا الله ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم.

قال: قلت لأبي أمامة: منذ كم سمعت هذا الحديث؟

قال: سمعت وأنا ابن ثلاثين سنة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

- وفي مسند أحمد: 5 / 412

عن مرة قال حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة حمراء مخضرمة، فقال:

أتدرون أي يومكم هذا؟

قال قلنا يوم النحر.

قال: صدقتم يوم الحج الأكبر. أتدرون أي شهركم هذا؟

قلنا ذو الحجة.

قال: صدقتم شهر الله الأصم. أتدرون أي بلد بلدكم هذا؟

٩٥

قال قلنا: المشعر الحرام.

فقال: صدقتم، قال فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، أو قال كحرمة يومكم هذا وشهركم هذا وبلدكم هذا، ألا وإني فرطكم على الحوض أنظركم وإني مكاثرٌ بكم الأمم، فلا تسودوا وجهي! ألا وقد رأيتموني وسمعتم مني وستسألون عني، فمن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار ألا وإني مستنقذٌ رجالاً أو أناساً، ومستنقذٌ مني آخرون، فأقول: يا رب أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك!!

- وفي مجمع الزوائد: 3 / 265

( باب الخطب في الحج ) عن أبي حرة الرقاشي عن عمه قال: كنت آخذاً بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق أذود عنه الناس، فقال: يا أيها الناس هل تدرون في أي شهر أنتم، وفي أي يوم أنتم، وفي أي بلد أنتم؟

قالوا: في يوم حرام وبلد حرام وشهر حرام.

قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، الى يوم تلقونه.

ثم قال: إسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، ألا لا تظلموا، إنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.

ألا وإن كل دم وماء ومال كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه الى يوم القيامة، وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل.

ألا وإن كل رباً في الجاهلية موضوعٌ، وإن الله عز وجل قضى أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب. لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون.

ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض، ثم قرأ: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة

٩٦

حرم ذلك الدين القيم، فلا تظلموا فيهن أنفسكم.

ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض.

ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون، ولكنه في التحريش بينكم.

واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوانٌ لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإن لهن عليكم حقاً، ولكم عليهن حقاً أن لايوطئن فرشكم أحداً غيركم، ولا يأذنن في بيوتكم لأحد تكرهونه، فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح - قال حميد قلت للحسن ما المبرح؟ قال: المؤثر - ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما أخذتموهن بأمانة بالله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله عز وجل.

ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها.

وبسط يده وقال ألا هل بلغت، ألا هل بلغت؟

ثم قال ليبلغ الشاهد الغائب، فإنه رب مبلغ أسعد من سامع.

قال حميد قال الحسن حين بلغ هذه الكلمة: قد والله بلغوا أقواما كانوا أسعد به.

قلت: روى أبو داود منه ضرب النساء فقط رواه أحمد وأبو حرة الرقاشي وثقة أبو داود وضعفه ابن معين. وفيه علي بن زيد وفيه كلام.

وعن أبي نضرة قال حدثني من سمع خطبة النبى صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال:

يا أيها الناس إن ربكم واحد وأباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربى، ولا أسود على أحمر ولا أحمر على أسود، إلا بالتقوى.

أبلغت؟

قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال: أي يوم هذا؟

قالوا: يوم حرام.

٩٧

ثم قال: أي بلد هذا؟

قالوا: بلد حرام.

قال فإن الله عز وجل قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم - قال ولا أدري قال وأعراضكم أم لا - كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.

أبلغت؟

قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: ليبلغ الشاهد الغائب. رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ( أحمد: 5 / 72 )

وعن ابن عمر قال نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمنى في أوسط أيام التشريق فعرف أنه الموت، فأمر براحلته القصواء فرحلت له فركب فوقف للناس بالعقبة، واجتمع له ما شاء الله من المسلمين فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال:

أما بعد أيها الناس، فإن كل دمٍ كان في الجاهلية فهو هدر، وإن أول دمائكم أهدر دم ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني ليث فقتلته هذيل. وكل رباً كان في الجاهلية فهو موضوع، وإن أول رباكم أضع ربا العباس بن عبد المطلب.

أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، رجب مضر الذى بين جمادى وشعبان وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم، إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً، ليواطئوا عدة ما حرم الله. كانوا يحلون صفر عاماً ويحرمون المحرم عاماً فذلك النسيء.

يا أيها الناس: من كانت عنده وديعةٌ فليؤدها الى من ائتمنه عليها.

أيها الناس: إن الشيطان أيس أن يعبد ببلادكم آخر الزمان، وقد رضي منكم بمحقرات الأعمال، فاحذروا على دينكم محقرات الأعمال.

أيها الناس: إن النساء عندكم عوان، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن

٩٨

بكلمة الله، لكم عليهن حق ولهن عليكم حق، ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يعصينكم في معروف، فإن فعلن ذلك فليس لكم عليهن سبيل، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، فإن ضربتم فاضربوا ضرباً غير مبرح.

لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه.

أيها الناس: إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله فاعملوا به.

أيها الناس: أي يوم هذا؟

قالوا: يوم حرام.

قال: فأي بلد هذا؟

قالوا: بلد حرام.

قال: فأي شهر هذا؟

قالوا: شهر حرام.

قال: فإن الله تبارك وتعالى حرم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة هذا اليوم وهذا الشهر وهذا البلد. ألا ليبلغ شاهدكم غائبكم، لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم. ثم رفع يديه فقال: اللهم اشهد. قلت في الصحيح وغيره طرف منه - رواه البزار وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف.

- وفي مجمع الزوائد: 3 / 272

وعن فهد بن البحيرى بن شعيب بن عمرو بن الأزرق قال: خرجت الى مكة فلما صرت بالصحرية، قال لي بعض إخواني: هل لك في رجلٍ له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: نعم، قال صاحب القبة المضروبة في موضع كذا وكذا، فقلت لأصحابى: قوموا بنا إليه، فقمنا فانتهينا الى صاحب القبة، فسلمنا فرد السلام فقال: مَنِ القوم؟

قلنا: قومٌ من أهل البصرة بلغنا أن لك صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: نعم، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدت تحت منبره يوم حجة

٩٩

الوداع، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: إن الله يقول:

يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، فليس لعربي على عجمي فضل، ولا لعجمي على عربي فضل، ولا لأسود على أحمر فضل، ولا لأحمر على أسود فضل، إلا بالتقوى.

يا معشر قريش لا تجيئوا بالدنيا تحملونها على رقابكم وتجئ الناس بالآخرة، فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً.

قلنا: ما اسمك؟ قال: أنا العداء بن خالد بن عمرو بن عامر، فارس الضحياء في الجاهلية. رواه الطبراني في الكبير بأسانيد هذا ضعيف. وتقدم له إسناد صحيح في الخطبة يوم عرفة.

وعن أبي قبيلة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس في حجة الوداع فقال: لا نبي بعدي، ولا أمة بعدكم، فاعبدوا ربكم، وأقيموا خمسكم، وصوموا شهركم، وأطيعوا ولاة أمركم، ثم ادخلوا جنة ربكم. رواه الطبراني في الكبير، وفيه بقية وهو ثقة ولكنه مدلس، وبقية رجاله ثقات.

- وفي سنن الدارمي: 2 / 47

فلما كان يوم التروية وجه الى منى فأهللنا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ثم مكث قليلاً حتى إذا طلعت الشمس، أمر بقبة من الشعر تضرب له بنمرة، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار، لا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية في المزدلفة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت بنمرة فنزلها، حتى إذا زاغت يعني الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس، وقال:

إن دماء كم وأموالكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وأول

١٠٠