فرائد الاصول الجزء ١

فرائد الاصول0%

فرائد الاصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 406

فرائد الاصول

مؤلف: الشيخ مرتضى الأنصاري
تصنيف:

الصفحات: 406
المشاهدات: 47405
تحميل: 9768


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 406 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 47405 / تحميل: 9768
الحجم الحجم الحجم
فرائد الاصول

فرائد الاصول الجزء 1

مؤلف:
العربية

وجب الاخذ بالكل بعد بطلان التخيير بالاجماع وتعسر ضبط البعض الذي لا يلزم العسر من الاحتياط فيه.

ثم على تقدير صحة تقرير الانسداد على وجه الكشف، فالذي ينبغي أن يقال: أن اللازم على هذا، أولا، هو الاقتصار على المتيقن من الظنون.

وهل يلحق به كل ما قام المتيقن على إعتباره؟ وجهان، أقواهما العدم، كما تقدم، إذ بناء على هذا التقرير لا نسلم كشف العقل بواسطة مقدمات الانسداد إلا عن إعتبار الظن في الجملة في الفروع دون الاصول، والظن بحجية الامارة الفلانية ظن بالمسألة الاصولية.

نعم مقتضى تقرير الدليل على وجه حكومة العقل أنه لا فرق بين تعلق الظن بالحكم الفرعي أو بحجية طريق.

ثم إن كان القدر المتيقن كافيا في الفقه، بمعنى أنه لا يلزم من العمل بالاصول في مجاريها المحذور اللازم على تقدير الاقتصار على المعلومات، فهو، وإلا فالواجب الاخذ بما هو المتيقن من الامارات الباقية الثابتة بالنسبة إلى غيرها.

فإن كفى في الفقه بالمعنى الذي ذكرنا فهو، وإلا فيؤخذ بما هو المتيقن بالنسبة، وهكذا.

ثم لو فرضنا عدم القدر المتيقن بين الامارات أو عدم كفاية ما هو القدر المتيقن مطلقا أو بالنسبة: فإن لم يكن على شئ منها أمارة، فاللازم الاخذ بالكل، لبطلان التخيير بالاجماع وبطلان طرح الكل بالفرض وفقد المرجح، فتعين الجمع.

وإن قام على بعضها أمارة: فإن كانت أمارة واحدة، كما إذا قامت الشهرة على حجية جملة من الامارات، كان اللازم الاخذ بها، لتعيين الرجوع إلى الشهرة في تعيين المتبع من بين الظنون، وإن كانت امارات متعددة قامت كل واحدة منها على حجية ظن مع الحاجة إلى جميع تلك الظنون في الفقه وعدم كفاية بعضها عمل بها.

ولا فرق حينئذ بين تساوي تلك الامارات القائمة من حيث الظن بالاعتبار والعدم وبين تفارتها في ذلك.

وأما لو قامت كل واحدة منها على مقدار من الامارات كاف في الفقه: فإن لم تتفاوت الامارات القائمة في الظن بالاعتبار وجب الاخذ بالكل، كالامارة الواحدة لفقد المرجح، وإن تفاوتت: فما قام متيقن أو مظنون الاعتبار على إعتباره يصير معينا لغيره، كما إذا قام الاجماع المنقول بناء على كونه مظنون الاعتبار على حجية أمارة غير مظنون الاعتبار وقامت تلك الامارة، فإنها تتعين بذلك.

٢٤١

هذا كله على تقدير كون دليل الانسداد كاشفا.

وأما، على ما هو المختار من كونه حاكما، فسيجئ الكلام فيه بعد الفراغ عن المعممات التى ذكروها لتعميم النتيجة، إن شاء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك، فاللازم على المجتهد أن يتأمل في الامارات، حتى يعرف المتيقن منها حقيقة أو بالاضافة إلى غيرها، ويحصل ما يمكن تحصيله من الامارات القائمة على حجية تلك الامارات، ويميز بين تلك الامارات القائمة من حيث التساوي والتفاوت من حيث الظن بحجية بعضها من أمارة أخرى، ويعرف كفاية ما أحرز إعتباره من تلك الامارات وعدم كفايته في الفقه.

وهذا يحتاج إلى سير مسائل الفقه إجمالا حتى يعرف أن القدر المتيقن من الاخبار، مثلا، لا يكفي في الفقه بحيث يرجع، في موارد خلت عن هذا الخبر، إلى الاصول التي يقتضيها الجهل بالحكم في ذلك المورد.

فأنه إذا إنضم إليه قسم آخر من الخبر، لكونه متيقنا إضافيا، أو لكونه مظنون الاعتبار بظن متبع، هل يكفي أم لا؟ فليس له الفتوى على وجه يوجب طرح سائر الظنون حتى يعرف كفاية ما أحرزه من جهة اليقين أو الظن المتبع.

وفقنا الله للاجتهاد الذي هو أشد من طول الجهاد، بحق محمد وآله الامجاد.

الثاني من طرق التعميم ما سلكه غير واحد من المعاصرين من عدم الكفاية حيث إعترفوا - بعد تقسيم الظنون إلى مظنون الاعتبار ومشكوكه - وموهومه بأن مقتضى القاعدة بعد إهمال النتيجة الاقتصار على مظنون الاعتبار، ثم على المشكوك، ثم يتسرى إلى الموهوم.

لكن الظنون المظنونة الاعتبار غير كافية، إما بأنفسها، بناء على إنحصارها في الاخبار الصحيحة بتزكية عدلين، وإما لاجل العلم الاجمالي بمخالفة كثير من ظواهرها للمعانى الظاهرة منها ووجود ما يظن منه ذلك في الظنون المشكوكة الاعتبار.

فلا يجوز التمسك بتلك الظواهر، للعلم الاجمالي المذكور، فيكون حالها حال ظاهر الكتاب والسنة المتواترة في عدم الوفاء بمعظم الاحكام.

فلا بد من التسري، بمقتضى قاعدة الانسداد ولزوم المحذور من الرجوع إلى الاصول، إلى الظنون المشكوكة الاعتبار التي دلت على إرادة خلاف الظاهر في ظواهر مظنون الاعتبار، فيعمل بما هو من مشكوك الاعتبار مخصص لعمومات مظنون الاعتبار ومقيد لاطلاقاته وقرائن لمجازاته.

فإذا وجب العلم بهذه الطائفة من مشكوك الاعتبار، ثبت وجوب العمل لغيرها مما ليس فيها معارضة لظواهر الامارات المظنونة الاعتبار، بالاجماع على عدم الفرق بين أفراد مشكوك

٢٤٢

الاعتبار.

فإن أحدا لم يفرق بين الخبر الحسن المعارض لاطلاق الصحيح وبين خبر حسن آخر غير معارض لخبر صحيح، بل بالاولوية القطعية.

لانه إذا وجب العمل بمشكوك الاعتبار الذي له معارضة لظاهر مظنون الاعتبار، فالعمل بما ليس له معارض أولى.

ثم نقول: إن في ظواهر مشكوك الاعتبار موارد كثيرة تعلم إجمالا بعدم إرادة المعاني الظاهرة، والكاشف عن ذلك ظنا هي الامارات الموهومة الاعتبار، فنعملا بتلك الامارات، ثم نعمل بباقي أفراد الموهوم الاعتبار بالاجماع المركب.

حيث أن أحدا لم يفرق بين الشهره المعارضة للخبر الحسن بالعموم والخصوص وبين غير المعارض له، بل بالاولوية، كما عرفت.

أقول: الانصاف: أن التعميم بهذا الطريق أضعف من التخصيص بمظنون الاعتبار، لان هذا المعمم قد جمع ضعف القولين، حيث إعترف بأن مقتضى القاعدة، لولا عدم الكفاية، الاقتصار على مظنون الاعتبار.

وقد عرفت أنه لا دليل على إعتبار مطلق الظن بالاعتبار إلا إذا ثبت جواز العمل بمطلق الظن عند إنسداد باب العلم.

وأما ما ذكره من التعميم لعدم الكفاية.

ففيه: أولا، أنه مبني على زعم كون مظنون الاعتبار منحصرا في الخبر الصحيح بتزكية عدلين.

وليس كذلك، بل الامارات الظنية من الشهرة ومنا دل على إعتبار قول الثقة، مضافا إلى ما استفيد من سيرة القدماء في العمل بما يوجب سكون النفس من الروايات وفي تشخيص أحوال الرواة، توجب الظن القوي بحجية الخبر الصحيح بتزكية عدل واحد، والخبر الموثق، والضعيف المنجبر بالشهرة من حيث الرواية.

ومن المعلوم كفاية ذلك وعدم لزوم محذور من الرجوع في موارد فقد تلك الامارات إلى الاصول.

وثانيا، أن العلم الاجمالي الذي إدعاه يرجع حاصله إلى العلم بمطابقة بعض مشكوكات الاعتبار للواقع من جهة كشفها عن المرادات في مظنونات الاعتبار.

ومن المعلوم أن العمل بها لاجل ذلك لا يوجب التعدي إلى ما ليس فيه هذه العلة، أعني مشكوكات الاعتبار الغير الكاشفة عن مرادات مظنونات الاعتبار، فإن العلم الاجمالي بوجود شهرات متعددة مقيدة لاطلاقات الاخبار أو مخصصة لعموماتها لا يوجب التعدي إلى الشهرات الغير المزاحمة للاخبار بتقييد أو تخصيص، فضلا عن التسري إلى الاستقراء والاولوية.

ودعوى الاجماع لا يخفى ما فيها، لان الحكم بالحجية في القسم الاول لعلة غير مطردة في القسم الثاني حكم عقلي.

فعلم بعدم تعرض الامام - عليه السلام - له قولا ولا فعلا، إلا من باب تقرير

٢٤٣

حكم العقل.

والمفروض عدم جريان حكم العقل في غير مورد العلة، وهي وجود العلم الاجمالي.

ومن ذلك: يعرف الكلام في دعوى الاولوية، فإن المناط في العمل بالقسم الاول إذا كان هو العمل الاجمالي، فكيف يتعدى إلى ما لا يوجد فيه المناط فضلا عن كونه أولى.

وكأن متوهم الاجماع رأى أن أحدا من العلماء لم يفرق بين أفراد الخبر الحسن أو أفراد الشهرة، ولم يعلم أن الوجه عندهم ثبوت الدليل عليهما مطلقا أو نفيه كذلك، لانهم أهل الظنون الخاصة، بل لو ادعى الاجماع - على أن كل من عمل بجملة من الاخبار الحسان أو الشهرات لاجل العلم الاجمالي بمطابقة بعضها للواقع، لم يعمل بالباقي الخالي عن هذا العلم الاجمالي - كان في محله.

الثالث من طرق التعميم ما ذكره بعض مشايخنا، طاب ثراه، من قاعدة الاشتغال بناء على أن الثابت من دليل الانسداد العمل بالظن في الجملة.

فإذا لم يكن قدر متيقن كاف في الفقه وجب العمل بكل ظن.

ومنع جريان قاعدة الاشتغال هنا - لكون ما عدا واجب العمل من الظنون محرم العمل - فقد عرفت الجواب عنه في بعض أجوبة الدليل الاول من أدلة إعتبار الظن بالطريق.

ولكن فيه: أن قاعدة الاشتغال في مسألة العمل بالظن معارضة في بعض الموارد بقاعدة الاشتغال في المسألة الفرعية.

كما إذا اقتضي الاحتياط في الفروع وجوب السورة، وكان ظن مشكوك الاعتبار على عدم وجوبها، فإنه يجب مراعاة قاعدة الاحتياط في الفروع وقراء‌ة السورة لاحتمال وجوبها.

ولا ينافيه الاحتياط في المسألة الاصولية، لان الحكم الاصولي المعلوم بالاجمال - وهو وجوب العمل بالظن القائم على عدم الوجوب - معناه وجوب العمل على وجه ينطبق مع عدم الوجوب.ويكفي فيه أنه يقع الفعل لا على وجه الوجوب.ولاتنافي بين الاحتياط بفعل السورة لاحتمال الوجوب وكونه لا على وجه الوجوب الواقعي.

وتوضيح ذلك: أن معنى وجوب العمل بالظن وجوب تطبيق عمله عليه.

فإذا فرضنا أنه يدل على عدم وجوب شئ، فليس معنى وجوب العمل به إلا أنه لا يتعين عليه ذلك الفعل.

فإذا إختار فعل ذلك فيجب أن يقع الفعل لا على وجه الوجوب، كما لو لم يكن هذا الظن وكان غير واجب بمقتضى الاصل.

لا أنه يجب أن يقع على وجه عدم الوجوب، إذ لا يعتبر في الافعال الغير الواجبة قصد عدم الوجوب.

نعم يجب التشرع والتدين بعدم الوجوب، سواء فعله أو

٢٤٤

تركه من باب وجوب التدين بجميع ما علم من الشرع.

وحينئذ فإذا تردد الظن الواجب العمل المذكور بين ظنون تعلقت بعدم وجوب أمور، فمعنى وجوب ملاحظة ذلك الظن المجمل المعلوم إجمالا وجوبه أن لا يكون فعله لهذه الامور على وجه الوجوب.

كما لو لم يكن هذه الظنون وكان هذه الامور مباحة بحكم الاصل ولذا يستحب الاحتياط وإتيان الفعل، لاحتمال أنه واجب.

ثم إذا فرض العلم الاجمالي من الخارج بوجوب أحد هذه الاشياء على وجه يجب الاحتياط والجمع بين تلك الامور.

فيجب على المكلف الالتزام بفعل كل واحد منها لاحتمال أن يكون هو الواجب.

وما اقتضاه الظن القائم على عدم وجوبه من وجوب أن يكون فعله لا على وجه الوجوب باق بحاله.

لان الاحتياط في الجميع لا يقتضي إتيان كل منها بعنوان الوجوب الواقعي، بل بعنوان أنه محتمل الوجوب.

والظن القائم على عدم وجوبه لا يمنع من لزوم إتيانه على الوجه.

كما أنه لو فرضنا ظنا معتبرا معلوما بالتفصيل، كظاهر الكتاب، دل على عدم وجوب شئ لم يناف مؤداه لاستحباب الاتيان بهذا الشئ لاحتمال الوجوب، هذا.

وأما ما قرع سمعك - من تقديم قاعدة الاحتياط في المسألة الاصولية على الاحتياط في المسألة الفرعية أو تعارضهما - فليس في مثل المقام.

بل مثال الاول منهما ما إذا كان العمل بالاحتياط في المسألة الاصولية مزيل للشك الموجب للاحتياط في المسألة الفرعية.

كما إذا تردد الواجب بين القصر والاتمام ودل على أحدهما أمارة من الامارات التي يعلم إجمالا بوجوب العمل ببعضها، فإنه إذا قلنا بوجوب العمل بهذه الامارات يصير حجة معينة لاحدى الصلاتين.

إلا أن الاحتياط في المسألة الاصولية إنما يقتضي إتيانها لا نفي غيرها.

فالصلاة الاخرى حكمها حكم السورة في عدم جواز إتيانها على وجه الوجوب.

فلا تنافي وجوب إتيانها، لاحتمال الوجوب، فيصير نظير ما نحن فيه.

وأما الثاني، وهو مورد المعارضة - فهو كما إذا علمنا إجمالا بحرمة شئ من بين أشياء، ودلت على وجوب كل منها أمارات نعلم إجمالا بحجية إحداهما، فإن مقتضى هذا وجوب الاتيان بالجميع، ومقتضى ذلك ترك الجميع، فافهم.

وأما دعوى (أنه إذا ثبت وجوب العمل بكل ظن في مقابل غير الاحتياط من الاصول وجب العمل به في مقابل الاحتياط للاجماع المركب)، فقد عرفت شناعته.

فإن قلت: إذا عملنا في مقابل الاحتياط بكل ظن يقتضي التكليف وعملنا في مورد الاحتياط

٢٤٥

بالاحتياط لزم العسر والحرج، إذ يجمع حينئذ بين كل مظنون الوجوب وكل مشكوك الوجوب أو موهوم الوجوب مع كونه مطابقا للاحتياط اللازم.

فإذا فرض لزوم العسر من مراعاة الاحتياطين معا في الفقه تعين دفعه بعدم وجوب الاحتياط في مقابل الظن.

فإذا فرض هذا الظن مجملا لزم العمل بكل ظن مما يقتضي الظن بالتكليف إحتياطا.

وأما الظنون المخالفة للاحتياط اللازم فيعمل بها فرارا عن لزوم العسر.

قلت: دفع العسر يمكن بالعمل ببعضها، فما المعمم؟ فيرجع الامر إلى أن قاعدة الاشتغال لا ينفع ولا يثمر في الظنون المخالفة للاحتياط، لانك عرفت أنه لا يثبت وجوب التسري إليها فضلا عن التعميم فيها، لان التسري إليها كان للزوم العسر، فافهم.

هذا كله على تقدير تقرير مقدمات دليل الانسداد على وجه يكشف عن حكم الشارع بوجوب العمل بالظن في الجملة.

وقد عرفت أن التحقيق خلاف هذا التقرير، وعرفت أيضا ما ينبغي سلوكه على تقدير تماميته من وجوب إعتبار المتيقن حقيقة أو بالاضافة، ثم ملاحظة مظنون الاعتبار بالتفصيل الذي تقدم في آخر المعمم من المعممات الثلاثة.

وأما على تقدير تقريرها على وجه يوجب حكومة العقل - بوجوب الاطاعة الظنية والفرار عن المخالفة الظنية وأنه يقبح من الشارع تعالى إرادة أزيد من ذلك - كما يقبح من المكلف الاكتفاء بما دون ذلك - فالتعميم وعدمه لا يتصور بالنسبة إلى الاسباب، لاستقلال العقل بعدم الفرق فيما إذا كان المقصود الانكشاف الظني بين الاسباب المحصلة له.

كما لا فرق فيما إذا كان المقصود الانكشاف الجزمي بين أسبابه.

وإنما يتصور من حيث مرتبة الظن ووجوب الاقتصار على الظن القوي الذي يرتفع معه التحير عرفا.

بيان ذلك: أن الثابت من مقدمتي بقاء التكليف وعدم التمكن من العلم التفصيلي هو وجوب الامتثال الاجمالي بالاحتياط في إتيان كل ما يحتمل الوجوب وترك كل ما يحتمل الحرمة.

لكن المقدمة الثالثة النافية للاحتياط إنما أبطلت وجوبه على وجه الموجبة الكلية بأن يحتاط في كل واقعة قابلة للاحتياط او يرجع إلى الاصل كذلك.ومن المعلوم أن إبطال الموجبة الكلية لا يستلزم صدق السالبة الكلية.

وحينئذ فلا يثبت من ذلك إلا وجوب العمل بالظن على خلاف الاحتياط والاصول في الجملة.

ثم إن العقل حاكم بأن الظن القوي الاطميناني أقرب إلى العلم عند تعذره، وأنه إذا لم يمكن القطع بإطاعة مراد الشارع وترك ما يكرهه وجب تحصيل ذلك بالظن الاقرب إلى العلم.

٢٤٦

وحينئذ فكل واقعة تقتضي الاحتياط الخاص بنفس المسألة أو الاحتياط العام من جهة كونها إحدى المسائل التي يقطع بتحقق التكليف فيها إن قام على خلاف مقتضى الاحتياط أمارة ظنية توجب الاطمينان بمطابقة الواقع، تركنا الاحتياط وأخذنا بها.

وكل واقعة ليست فيها أمارة كذلك نعمل فيها بالاحتياط، سواء لم يوجد أمارة أصلا كالوقائع المشكوكة أو كانت ولم تبلغ مرتبة الاطمينان.

وكل واقعة لم يمكن فيها الاحتياط تعين التخيير في الاول والعمل بالظن في الثاني وإن كان في غاية الضعف، لان الموافقه الظنية أولى من غيرها.والمفروض عدم جريان البراء‌ة والاستصحاب، لانتقاضهما بالعلم الاجمالي.

فلم يبق من الاصول إلا التخيير، ومحله عدم رجحان أحد الاحتمالين، وإلا فيؤخذ بالراجح.

ونتيجة هذا هو الاحتياط في المشكوكات والمظنونات بالظن الغير الاطميناني إن أمكن وإلا فبالاصول والعمل بالظن في الوقائع المظنونة بالظن الاطميناني.

فإذا علم المكلف قطع بأنه لم يترك القطع بالموافقة الغير الواجب على المكلف من جهة العسر إلا إلى الموافقه الاطمينانية، فيكون مدار العمل على العلم بالبراء‌ة والظن الاطميناني بها.

وأما مورد التخيير، فالعمل فيه على الظن الموجود في المسألة وإن كان ضعيفا فهو خارج عن الكلام، لان العقل لا يحكم فيه بالاحتياط حتى يكون التنزل منه إلى شئ آخر، بل التخيير أو العمل بالظن الموجود تنزل من العلم التفصيلي إليهما بلا واسطة.

وإن شئت قلت: إن العمل في الفقه في مورد الانسداد على الظن الاطميناني ومطلق الظن والتخيير، كل في مورد خاص.وهذا هو الذي يحكم به العقل المستقل.

وقد سبق لذلك مثال في الخارج: وهو ما إذا علمنا بوجود شياه محرمة في قطيع، وكان أقسام القطيع بحسب إحتمال كونها مصداقا للمحرمات خمسة، قسم منها يظن كونها محرمة بالظن القوي الاطميناني، لا أن المحرم منحصر فيه، وقسم منها يظن ذلك فيها بظن قريب من الشك والتحير، وثالث يشك في كونها محمرمة، وقسم منها في مقابل الظن الاول، وقسم منها موهوما في مقابل الظن الثاني.ثم فرضنا في المشكوكات.

وهذا القسم من الموهومات ما يحتمل أن يكون واجب الارتكاب.

وحينئذ فمقتضى الاحتياط وجوب إجتناب الجميع مما لا يحتمل الوجب.

فإذا إنتفى وجوب الاحتياط لاجل العسر واحتيج إلى إرتكاب موهوم الحرمة كان إرتكاب الموهوم في مقابل الظن الاطميناني أولى من الكل، فيبنى على العمل به، ويتخير في المشكوك الذي يحتمل الوجوب، ويعمل بمطلق الظن في المظنون منه.

٢٤٧

لكنك خبير بأن هذا ليس من حجية مطلق الظن ولا الظن الاطميناني في شئ، لان معنى حجيته أن يكون دليلا في الفقه، بحيث يرجع في موارد وجوده إليه لا إلى غيره، وفي موارد عدمه إلى مقتضى الاصل الذي يقتضيه.

والظن هنا ليس كذلك، إذ العمل، إما في موارد وجوده، ففيما طابق منه الاحتياط فالعمل على الاحتياط، لا عليه، إذ لم يدل على ذلك مقدمات الانسداد، وفيما خالف الاحتياط لا يعول عليه إلا بمقدار مخالفة الاحتياط لدفع العسر، وإلا فلو فرض فيه جهة أخرى لم يكن معتبرا من تلك الجهة.

كما لو دار الامر بين شرطية شئ وإباحته وإستحبابه فظن بإستحبابه، فإن لا يدل مقدمات دليل الانسداد إلا على عدم وجوب الاحتياط في ذلك الشئ والاخذ بالظن في عدم وجوبه، لا في إثبات إستحبابه.

وإما في موارد عدمه، وهو الشك، فلا يجوز العمل إلا بالاحتياط الكلي الحاصل من إحتمال كون الواقعة من موارد التكليف المعلومة إجمالا وإن كان لا يقتضيه نفس المسألة.

كما إذا شك في حرمة عصير التمر او وجوب الاستقبال بالمحتضر، بل العمل على هذا الوجه تبعيض في الاحتياط وطرحه في بعض الموارد دفعا للحرج، ثم يعين العقل للطرح البعض الذي يكون وجود التكليف فيها إحتمالا ضعيفا في الغاية.

فإن قلت: إن العمل بالاحتياط في المشكوكات منضمة إلى المظنونات يوجب العسر فضلا عن إنضمام العمل به في الموهومات المقابلة للظن الغير القوي، فيثبت وجوب العمل بمطلق الظن و وجوب الرجوع في المشكوكات إلى مقتضى الاصل.

وهذا مساو في المعنى لحجية الظن المطلق، وإن كان حقيقة تبعيضا في الاحتياط الكلي، لكنه لا يقدح بعد عدم الفرق في العمل.

قلت: لا نسلم لزوم الحرج من مراعاة الاحتياط في المظنونات بالظن الغير القوي في نفي التكليف فضلا عن لزومه من الاحتياط في المشكوكات فقط بعد الموهومات.وذلك، لان حصول الظن الاطميناني في الاخبار وغيرها غير عزيز.

أما في غيرها، فلانه كثيرا ما يحصل الاطمينان من الشهرة والاجماع والاستقراء والاولوية.

وأما الاخبار فلان الظن المبحوث عنه في هذا المقام هو الظن بصدور المتن، هو يحصل غالبا من خبر من يوثق بصدقه ولو في خصوص الرواية وإن لم يكن إماميا او ثقة على الاطلاق، إذ ربما يتسامح في غير الروايات بما لا يتسامح فيها.

وأما إحتمال الارسال، فمخالف لظاهر كلام الراوي، وهو داخل في ظواهر الالفاظ، فلا يعتبر

٢٤٨

فيها إفادة الظن فضلا عن الاطميناني منه.

فلو فرض عدم حصول الظن بالصدور لاجل عدم الظن بالاسناد، لم يقدح في إعتبار ذلك الخبر، لان الجهة التي يعتبر فيها إفادة الظن الاطيماني هو جهة صدق الراوي في إخباره عمن يروي عنه.

وأما أن إخباره بلا واسطة فهو ظهور لفظي لا بأس بعدم إفادته للظن.

فيكون صدور المتن غير مظنون أصلا، لان النتيجة تابعة لاخس المقدمتين.

وبالجملة، فدعوى (كثرة الظنون الاطمينانية في الاخبار وغيرها من الامارات بحيث لا يحتاج إلى ما دونها ولا يلزم من الرجوع في الموارد الخالية عنها إلى الاحتياط محذور وإن كان هناك ظنون لا تبلغ مرتبة الاطمينان)، قريبة جدا.

إلا أنه يحتاج إلى مزيد تتبع في الروايات وأحوال الرواة وفتاوى العلماء.

وكيف كان، فلا أرى الظن الاطميناني الحاصل من الاخبار وغيرها من الامارات اقل عددا من الاخبار المصححة بعدلين، بل لعل هذا أكثر.

ثم إن الظن الاطميناني من أمارة أو أمارات إذا تعلقت بحجية أمارة ظنية كانت في حكم الاطمينان وإن لم تفده، بناء على ما تقدم من عدم الفرق بين الظن بالحكم والظن بالطريق، إلا أن يدعي مدع قلتها بالنسبة إلى نفسه، لعدم الاطمينان له غالبا من الامارات القوية وعدم ثبوت حجية أمارة بها أيضا.

وحينئذ فيتعين في حقه التعدي منه إلى مطلق الظن.

وأما العمل في المشكوكات بما يقتضيه الاصل في المورد، فلم يثبت، بل اللازم بقاؤه على الاحتياط نظرا إلى كون المشكوكات من المحتملات التي يعلم إجمالا بتحقق التكليف فيها وجوبا و تحريما.

ولا عسر في الاحتياط فيها نظرا إلى قلة ألمشكوكات، لان أغلب المسائل يحصل فيها الظن باحد الطرفين، كما لا يخفى.

مع أن الفرق بين الاحتياط في جميعها والعمل بالاصول الجارية في خصوص مواردها إنما يظهر في الاصول المخالفة للاحتياط.

ولا ريب أن العسر لا يحدث بالاحتياط فيها، خصوصا مع كون مقتضى الاحتياط في شبهه التحريم الترك، وهو غير موجب للعسر.

وحينئذ فلا يثبت المدعى من حجية الظن وكونه دليلا بحيث يرجع في موارد عدمه إلى الاصل، بل يثبت عدم وجوب الاحتياط في المظنونات.

والحاصل: أن العمل بالظن من باب الاحتياط لا يخرج المشكوكات عن حكم الاحتياط الكلي الثابت بمقتضى العلم الاجمالي في الوقائع.

نعم لو ثبت بحكم العقل أن الظن عند إنسداد باب العلم مرجعه في الاحكام الشرعية نفيا

٢٤٩

وإثباتا، كالعلم، إنقلب التكليف إلى الظن، وحكمنا بأن الشارع لا يريد إلا الامتثال الظني.

وحيث لا ظن كما في المشكوكات، فالمرجع إلى الاصول الموجودة في خصوصيات المقام.

فيكون كما لو إنفتح باب العلم أو الظن الخاص، فيصير لزوم العسر حكمة في عدم ملاحظة الشارع العلم الاجمالي في الامتثال بعد تعذر التفصيلي، لا علة حتى يدور الحكم مدارها.

ولكن الانصاف: أن المقدمات المذكورة لا تنتج هذه النتيجة، كما يظهر لمن راجعها وتأملها.

نعم لو ثبت أن الاحتياط في المشكوكات يوجب العسر ثبتت النتيجة المذكورة، لكن عرفت فساد دعواه في الغاية.

كدعوى أن العلم الاجمالي المقتضي للاحتياط الكلي إنما هو في موارد الامارات دون المشكوكات، فلا مقتضي فيها للعدول عما يقتضيه الاصول الخاصة في مواردها، فإن هذه الدعوة يكذبها ثبوت العلم الاجمالي بالتكليف الالزامي قبل إستقصاء الامارات، بل قبل الاطلاع عليها، وقد مر تضعيفه سابقا، فتأمل فيه، فإن إدعاء ذلك ليس كل البعيد.

ثم إن نظير هذا الاشكال الوارد في المشكوكات من حيث الرجوع فيها بعد العمل بالظن إلى الاصول العملية وارد فيها، من حيث الرجوع فيها بعد العمل بالظن إلى الاصول اللفظية الجارية في ظواهر الكتاب والسنة المتواترة والاخبار المتيقن كونها ظنونا خاصة.

توضيحه: أن مقدمات دليل الانسداد تقتضي إثبات عدم جواز العمل بأكثر تلك الظواهر، للعلم الاجمالى بمخالفة ظواهرها في كثير من الموارد، فتصير مجملة لا تصلح للاستدلال.

فإذا فرضنا رجوع الامر إلى ترك الاحتياط في المظنونات أو في المشكوكات أيضا، وجواز العمل بالظن المخالف للاحتياط وبالاصل المخالف للاحتياط، فما الذي أخرج تلك الظواهر عن الاجمال حتى يصح بها الاستدلال في المشكوكات، إذ لم يثبت كون الظن مرجعا، كالعلم، بحيث يكفي في الرجوع إلى الظواهر عدم الظن بالمخالفة.

مثلا إذا أردنا التمسك ب‍ (أوفوا بالعقود)، لاثبات صحة عقد إنعقدت أمارة، كالشهرة أو الاجماع المنقول، على فساده.

قيل: لا يجوز التمسك بعمومه، للعلم الاجمالى بخروج كثير من العقود من هذا العموم لا نعلم تفصيلها.

ثم إذا ثبت وجوب العمل بالظن من جهة عدم إمكان الاحتياط في بعض الموارد وكون الاحتياط في جميع موارد إمكانه مستلزما للحرج، فإذا شك في صحة عقد لم يقم على حكمه أمارة

٢٥٠

ظنية، قيل: إن الواجب الرجوع إلى عموم الاية.

ولا يخفى أن إجمالها لا يرتفع بمجرد حكم العقل بعدم وجوب الاحتياط فيما ظن فيه بعدم التكليف.

ودفع هذا - كالاشكال السابق - منحصر في أن يكون نتيجة دليل الانسداد حجية الظن كالعلم، ليرتفع الاجمال في الظواهر، لقيامه في كثير من مواردها من جهة ارتفاع العلم الاجمالي، كما لو علم تفصيلا بعض تلك الموارد، بحيث لا يبقى علم إجمالا في الباقي، أو يدعى أن العلم الاجمالي الحاصل في تلك الظواهر إنما هو بملاحظة موارد الامارات، فلا يقدح في المشكوكات، سواء ثبت حجية الظن أم لا.

وأنت خبير بأن دعوى النتيجة على الوجه المذكور يكذبها مقدمات دليل الانسداد.

ودعوى: (إختصاص المعلوم إجمالا من مخالفة الظواهر بموارد الامارات)، مضعفة بأن هذا العلم حاصل من دون ملاحظة الامارات ومواردها.

وقد تقدم أن المعيار في دخول طائفة من المحتملات في أطراف العلم الاجمالي لنراعي فيها حكمه وعدم دخولها هو تبديل طائفه من محتملات المعلوم لها دخل في العلم الاجمالي بهذه الطائفة المشكوك دخولها.

فإن حصل العلم الاجمالي كانت من أطراف العلم، وإلا فلا.

وقد يدفع الاشكالان بدعوى قيام الاجماع بل الضرورة على أن المرجع في المشكوكات إلى العمل بالاصول اللفظية إن كانت، وإلا فإلى الاصول العملية.

وفيه: أن هذا الاجماع مع ملاحظة الاصول في أنفسها، وأما مع طرو العلم الاجمالي بمخالفتها في كثير من الموارد غاية الكثرة، فالاجماع، على سقوط العمل بالاصول مطلقا، لا على ثبوته.

ثم إن هذا العلم الاجمالي وإن كان حاصلا لكل أحد قبل تمييز الادلة عن غيرها، إلا أن من تعينت له الادلة وقام الدليل القطعي عنده على بعض الظنون عمل بمؤداها وصار المعلوم بالاجمال عنده معلوما بالتفصيل.

كما إذا نصب أمارة طريقا لتعيين المحرمات في القطيع الذي علم بحرمة كثير من شياهها، فإنه يعمل بمقتضى الامارة، ثم يرجع في مورد فقدها إلى أصالة الحل، لان المعلوم إجمالا صار معلوما بالتفصيل.

والحرام الزائد عليه غير معلوم التحقق في أول الامر.

وأما من لم يقم عنده الدليل على أمارة، إلا أنه ثبت له عدم وجوب الاحتياط والعمل بالامارات، لا من حيث أنها أدلة، بل من حيث أنها مخالفة للاحتياط وترك الاحتياط فيها موجب لاندفاع العسر، فلا دافع لذلك العلم الاجمالي لهذا الشخص بالنسبة إلى المشكوكات.

فعلم مما ذكرنا أن مقدمات دليل الانسداد على تقرير الحكومة وإن كانت تامة في الانتاج إلا

٢٥١

أن نتيجتها لا تفي بالمقصود من حجية الظن وجعله كالعلم أو كالظن الخاص.

وأما على تقرير الكشف فالمستنتج منها وإن كان عين المقصود إلا أن الاشكال والنظر بل المنع في إستنتاج تلك النتيجة.

فإن كنت تقدر على إثبات حجية قسم من الخبر لا يلزم من الاقتصار عليه محذور، كان احسن، وإلا فلا تتعد على تقرير الكشف عما ذكرناه من المسلك في آخره، وعلى تقدير الحكومة ما بينا هنا أيضا من الاقتصار في مقابل الاحتياط على الظن الاطميناني بالحكم أو بطريقية أمارة دلت على الحكم وإن لم تفد إطمينانا، بل ولا ظنا، بناء على ما عرفت مسلكنا المتقدم من عدم الفرق بين الظن بالحكم والظن بالطريق.

وأما في ما لا يمكن الاحتياط فالمتبع فيه - بناء على ما تقدم في المقدمات من سقوط الاصول عن الاعتبار، للعلم الاجمالي بمخالفة الواقع فيها - هو مطلق الظن إن وجد وإلا فالتخيير.

وحاصل الامر عدم رفع اليد عن الاحتياط في الدين مهما أمكن إلا مع الاطمينان بخلافه.

وعليك بمراجعة ما قدمنا من الامارات على حجية الاخبار، عساك تظفر فيها بأمارات توجب الاطمينان بوجوب العمل بخبر الثقة عرفا إذا أفاد الظن وإن لم يفد الاطمينان.

بل لعلك تظفر فيها بخبر مصحح بعدلين مطابق لعمل المشهور مفيد للاطمينان، يدل على حجية المصحح بواحد عدل، نظرا إلى حجية قول الثقة المعدل في تعديله، فيصير بمنزلة المعدل بعدلين حتى يكون المصحح بعدل واحد متبعا، بناء على دليل الانسداد بكلا تقريريه، لان المفروض حصول الاطمينان من الخبر القائم على حجية قول الثقة المعدل المستلزم لحجية المصحح بعدل واحد، بناء على شمول دليل إعتبار خبر الثقة للتعديلات، فيقضي به تقرير الحكومة، وكون مثله متيقن الاعتبار من بين الامارات فيقضي به تقرير الكشف.

٢٥٢

المقام الثالث: تعميم الظن على تقرير الكشف أو على تقرير الحكومة

في أنه إذا بني على تعميم الظن، فإن كان التعميم على تقرير الكشف، بأن يكون مقدمات الانسداد كاشفة عن حكم الشارع بوجوب العمل بالظن في الجملة ثم تعميمه بإحدى المعممات المتقدمة، فلا إشكال من جهة العلم بخروج القياس عن هذا العموم، لعدم جريان المعمم فيه بعد وجود الدليل على حرمة العمل به، فيكون التعميم بالنسبة إلى ما عداه، كما لا يخفى على من راجع المعممات المتقدمة.

وأما على تقرير الحكومة، بأن يكون مقدمات الدليل موجبة لحكومة العقل بقبح إرادة الشارع ما عدا الظن وقبح إكتفاء المكلف على ما دونه، فيشكل توجيه خروج القياس، وكيف يجامع حكم العقل بكون الظن كالعلم مناطا للاطاعة والمعصية ويقبح عن الآمر والمأمور التعدي عنه.

ومع ذلك يحصل الظن او خصوص الاطمينان من القايس، ولا يجوز الشارع العمل به.

فإن المنع عن العمل بما يقتضيه العقل من الظن أو خصوص الاطمينان لو فرض ممكنا جرى في غير القياس فلا يكون العقل مستقلا، إذ لعله نهى عن امارة، مثل ما نهى عن القياس بل وأزيد، واختفى علينا.

ولا دافع لهذا الاحتمال إلا قبح ذلك على الشارع، إذ إحتمال صدور الممكن بالذات عن الحكيم لا يرتفع إلا بقبحه.

وهذا من أفراد ما إشتهر من أن الدليل العقلي لا يقبح التخصيص، ومنشأة لزوم التناقض.

ولا يندفع إلا بكون الفرد الخارج عن الحكم خارجا عن الموضوع وهو التخصص.

وعدم التناقض في تخصيص العمومات اللفظية إنما هو لكون العموم صوريا، فلا يلزم إلا التناقض الصوري.

٢٥٣

ثم إن الاشكال هنا في مقامين:

أحدهما في خروج مثل القياس وأمثاله مما نقطع بعدم إعتباره.

الثاني في حكم الظن الذي قام على عدم إعتباره ظن آخر، حيث أن الظن المانع والممنوع متساويان في الدخول تحت دليل الانسداد ولا يجوز العمل بهما، فهل يطرحان أو يرجح المانع أو الممنوع منه أو يرجع إلى الترجيح؟ وجوه بل أقوال.

أما المقام الاول [ وهو خروج القياس وأمثاله مما نقطع بعدم إعتباره ]

فقد قيل في توجيهه أمور:

الاول: ما مال إليه أو قال به بعض، من منع حرمة العمل بالقياس في أمثال زماننا.

وتوجيهه، بتوضيح منا، أن الدليل على الحرمة إن كان هي الاخبار المتواترة معنى في الحرمة، فلا ريب أن بعض تلك الاخبار في مقابلة معاصري الائمة، صلوات الله عليهم، من العامة التاركين للثقلين، حيث تركوا الثقل الاصغر الذي عنده علم الثقل الاكبر، ورجعوا إلى إجتهاداتهم وآرائهم، فقاسوا واستحسنوا وضلوا وأضلوا.

وإليهم أشار النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، في بيان من يأتى من بعده من الاقوام.

فقال: (برهة يعملون بالقياس).

والامير، صلوات الله عليه، بما معناه: (إن قوما تفلتت عنهم الاحاديث أن يحفظوها وأعوزتهم النصوص أن يعوها فتمسكوا بآرائهم)، إلى آخر الرواية.

وبعض منها إنما يدل على الحرمة من حيث أنه ظن لا يغني من الحق شيئا.

٢٥٤

وبعض منها يدل على الحرمة من حيث إستلزامه لابطال الدين ومحق السنة، لاستلزامه الوقوع غالبا في خلاف الواقع.

وبعض منها يدل على الحرمة و وجوب التوقف إذا لم يوجد ما عداه، ولازمه الاختصاص بصورة التمكن من إزالة التوقف، لاجل العمل بالرجوع إلى أئمة الهدى، عليهم السلام، أو بصورة ما إذا كانت المسألة من غير العمليات أو نحو ذلك.

ولا يخفى أن شيئا من الاخبار الواردة على أحد هذه الوجوه المتقدمة، لا يدل على حرمة العمل بالقياس الكاشف عن صدور الحكم عموما أو خصوصا عن النبي، صلى الله عليه وآله، أو أحد أمنائه، صلوات الله عليهم أجمعين، مع عدم التمكن من تحصيل العلم به ولا الطريق الشرعي، ودوران الامر بين العمل بما يظن أنه صدر منهم عليهم السلام، والعمل بما يظن أن خلافه صدر منهم عليهم السلام، كمقتضى الاصول المخالفة للقياس في موارده أو الامارات المعارضة له.وما ذكرنا واضح على من راعى الانصاف وجانب الاعتساف.

وإن كان الدليل هو الاجماع بل الضرورة عند علماء المذهب، كما ادعي، فنقول: إنه كذلك، إلا أن دعوى الاجماع على الحرمة في كل زمان ممنوعة.

ألا ترى أنه لو فرض - والعياذ بالله - إنسداد باب الظن من الطرق السمعية لعامة المكلفين أو لمكلف واحد بإعتبار ما سنح له من البعد عن بلاد الاسلام، فهل تقول: إنه يحرم عليه العمل بما يظن بواسطة القياس أنه الحكم الشرعي المتداول بين المتشرعة وأنه مخير بين العمل به والعمل بما يقابله من الاحتمال الموهوم، ثم تدعي الضرورة على ما ادعيته من الحرمة، حاشاك.

ودعوى: (الفرق بين زماننا هذا وزمان إنطماس جميع الامارات السمعية) ممنوعة، لان المفروض أن الامارات السمعية الموجودة بأيدينا لم يثبت كونها متقدمة في نظر الشارع على القياس، لان تقدمها على القياس إن كان لخصوصية فيها، فالمفروض بعد إنسداد باب الظن الخاص عدم ثبوت خصوصية فيها، واحتمالها بل ظنها لا يجدي، بل نفرض الكلام فيما إذا قطعنا بأن الشارع لم ينصب تلك الامارات بالخصوص وإن كان لخصوصية في القياس أوجبت كونه دونها في المرتبة، فليس الكلام إلا في ذلك.

وكيف كان، فدعوى الاجماع والضرورة في ذلك في الجملة مسلمة، وأما كليته فلا، وهذه الدعوى ليست بأولى من دعوى السيد ضرورة المذهب على حرمة العمل باخبار الآحاد.

لكن الانصاف: أن إطلاق بعض الاخبار وجميع معاقد الاجماعات يوجب الظن المتاخم

٢٥٥

للعلم، بل العلم بأنه ليس مما يركن إليه في الدين مع وجود الامارات السمعية.

فهو حينئذ مما قام الدليل على عدم حجيته، بل العمل بالقياس المفيد للظن في مقابل الخبر الصحيح، كما هو لازم القول بدخول القياس في مطلق الظن المحكوم بحجيته، ضروري البطلن في المذهب.

الثاني: منع إفادة القياس للظن، خصوصا بعد ملاحظة أن الشارع جمع في الحكم بين ما يتراء‌ى متخالفة وفرق بين ما يتخيل متوالفة.

وكفاك في هذا عموم ما ورد من: (أن دين الله لا يصاب بالعقول، وأن السنة إذا قيست محق الدين، وأنه لا شئ أبعد عن عقول الرجال من دين الله)، وغيرها، مما دل على غلبة مخالفة الواقع في العمل بالقياس، وخصوص رواية أبان بن تغلب الواردة في دية أصابع الرجل والمرأة الاتية.

وفيه: أن منع حصول الظن من القياس في بعض الاحيان مكابرة مع الوجدان.

وأما كثرة تفريق الشارع بين المؤتلفات وتأليفه بين المختلفات، فلا يؤثر في منع الظن، لان هذه الموارد بالنسبة إلى موارد الجمع بين المؤتلفات أقل قليل.

نعم الانصاف أن ما ذكر من الاخبار في منع العمل بالقياس موهن قوي يوجب غالبا إرتفاع الظن الحاصل منه في بادي النظر.

وأما منعه عن ذلك دائما فلا، كيف؟ وقد يحصل من القياس القطع، وهو المسمى عندهم بتنقيح المناط القطعي.

وأيضا فالاولوية الاعتبارية من أقسام القياس، ومن المعلوم إفادتها للظن، لا ريب أن منشأ الظن فيها هو إستنباط المناط ظنا، وأما آكديته في الفرع فلا مدخل له في حصول الظن.

الثالث: أن باب العلم في مورد القياس ومثله مفتوح، للعلم بأن الشارع أرجعنا في هذه الموارد إلى الاصول اللفظية أو العملية، فلا يقضتي دليل الانسداد إعتبار ظن القياس في موارده.

وفيه: أن هذا العلم إنما حصل من جهة النهي عن القياس.

ولا كلام في وجوب الامتناع عنه بعد منع الشارع، إنما الكلام في توجيه صحة منع الشارع عن العمل به، مع أن موارده وموارد سائر الامارات متساوية.

فإن أمكن منع الشارع عن العمل بالقياس أمكن ذلك في أمارة أخرى، فلا يستقل العقل بوجوب العمل بالظن وقبح الاكتفاء بغيره من المكلف.

وقد تقدم أنه لولا ثبوت القبح في التكليف بالخلاف لم يستقل العقل بتعين العمل بالظن، إذ لا مانع عقلا عن وقوع الفعل الممكن ذاتا من الحكيم إلا قبحه.

والحاصل: ان الانفتاح المدعى إن كان مع قطع النظر عن منع الشارع فهو خلاف المفروض.

٢٥٦

وإن كان بملاحظة منع الشارع، فالاشكال.في صحة المنع ومجامعته مع إستقلال العقل بوجوب العمل بالظن.

فالكلام هنا في توجيه المنع، لا في تحققه.

الرابع: أن مقدمات دليل الانسداد، أعنى إنسداد باب العلم مع العلم ببقاء التكليف، إنما توجب جواز العمل بما يفيد الظن في نفسه ومع قطع النظر عما يفيد ظنا أقوى.

وبالجملة هي تدل على حجية الادلة الظنية دون مطلق الظن النفس الامري.

والاول أمر قابل للاستثناء، إذ يصح أن يقال: (إنه يجوز العمل بكل ما يفيد الظن بنفسه ويدل على مراد الشارع ظنا إلا الدليل الفلاني، وبعد إخراج ما خرج عن ذلك يكون باقي الادلة المفيدة للظن حجة معتبرة.

فإذا تعارضت تلك الادلة لزم الاخذ بما هو الاقوى وترك ما هو الاضعف، فالمعتبر حينئذ هو الظن بالواقع ويكون مفاد الاقوى حنيئذ ظنا والاضعف وهما، فيؤخذ بالظن ويترك غيره)، إنتهى.

أقول: كأن غرضه، بعد فرض جعل الاصول من باب الظن وعدم وجوب العمل بالاحتياط، أن انسداد باب العلم في الوقائع مع بقاء التكليف فيها يوجب عقلاالرجوع إلى طائفة من الامارات الظنية.

وهذه القضية يمكن أن تكون مهملة، ويكون القياس خارجا عن حكمها، لا أن العقل يحكم بعمومها ويخرج الشارع القياس، لان هذا عين ما فر منه من الاشكال.

فإذا علم بخروج القياس عن هذا الحكم، فلا بد من إعمال الباقي في مواردها.

فإذا وجد في مورد أصل وأمارة - والمفروض أن الاصل لا يفيد الظن في مقابل الامارة - وجب الاخذ بها.

وإذا فرض خلو المورد عن الامارة أخذ بالاصل، لانه يوجب الظن بمقتضاه.

وبهذا التقرير يجوز منع الشارع عن القياس.

بخلاف ما لو قررنا دليل الانسداد على وجه يقتضي الرجوع في كل مسألة إلى الظن الموجود فيها.

فإن هذه القضية لا تقبل الاهمال ولا التخصيص، إذ ليس في كل مسألة إلا ظن واحد.

وهذا معنى قوله في مقام آخر: (إن القياس مستثنى من الادلة الظنية، لا أن الظن القياسي مستثنى من مطلق الظن).

والمراد بالاستثناء هنا إخراج ما لولاه لكان قابلا للدخول، لا داخلا بالفعل، وإلا لم يصح بالنسبة إلى المهملة.

هذا غاية ما يخطر بالبال في كشف مراده.

وفيه: أن نتيجة المقدمات المذكورة لا تتغير بتقريرها على وجه دون وجه، فإن مرجع ما ذكر من

٢٥٧

الحكم بوجوب الرجوع إلى الامارات الظنية في الجملة إلى العمل بالظن في الجملة، إذ ليس لذات الامارة مدخلية في الحجية في لحاظ العقل، والمناط هو وصف الظن، سواء اعتبر مطلقا أو على وجه الاهمال.

وقد تقدم: أن النتيجة على تقدير الحكومة ليست مهملة، بل هي معينة للظن الاطميناني مع الكفاية ومع عدمها فمطلق الظن، وعلى كلا التقديرين لا وجه لاخراج القياس.وأما على تقرير الكشف فهي مهملة لا يشكل معها خروج القياس.

إذ الاشكال مبني على عدم الاهمال وعموم النتيجة، كما عرفت.

الخامس: أن دليل الانسداد إنما يثبت حجية الظن الذي لم يقم على عدم حجيته دليل.فخروج القياس على وجه التخصص دون التخصيص.

توضيح ذلك: أن العقل إنما يحكم بإعتبار الظن عدم الاعتناء بالاحتمال الموهوم في مقام الامتثال، لان البراء‌ة الظنية تقوم مقام العلمية.

أما إذا حصل بواسطة منع الشارع القطع بعدم البراء‌ة بالعمل بالقياس، فلا يبقى براء‌ة ظنية حتى يحكم العقل بوجوبها.

واستوضح ذلك من حكم العقل بحرمة العلم بالظن وطرح الاحتمال الموهوم عند إنفتاح باب العلم في المسألة، كما تقدم نظيره في تقرير اصالة حرمة العمل بالظن.

فإذا فرض قيام الدليل من الشارع على إعتبار ظن ووجوب العمل به، فإن هذا لا يكون تخصيصا في حكم العقل بحرمة العمل بالظن، لان حرمة العمل بالظن مع التمكن إنما هو لقبح الاكتفاء بما دون الامتثال العلمي مع التمكن من العلمي.

فإذا فرض الدليل على إعتبار ظن ووجوب العمل به صار الامتثال في العمل بمؤداه علميا، فلا يشمله حكم العقل بقبح الاكتفاء بما دون الامتثال العلمي، فما نحن فيه على العكس من ذلك.

وفيه: أنك قد عرفت عند التكلم في مذهب إبن قبة أن التعبد بالظن من التمكن من العلم على وجهين:

أحدهما: على وجه الطريقية بحيث لا يلاحظ الشارع في أمره عدا كون الظن إنكشافا ظنيا للواقع بحيث لا يترتب على العمل به عدا مصلحة الواقع على تقدير المطابقة.

والثاني: على وجه يكون في سلوكه مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع الفائتة على تقدير مخالفة الظن الواقع.

وقد عرفت أن الامر بالعمل بالظن مع التمكن من العلم على الوجه الاول قبيح جدا، لانه مخالف لحكم العقل بعدم الاكتفاء في الوصول إلى الواقع بسلوك طريق ظني يحتمل الافضاء إلى

٢٥٨

خلاف الواقع.نعم إنما يصح التعبد على الوجه الثاني.

فنقول: إن الامر فيما نحن فيه كذلك، فإنه بعدما حكم العقل بإنحصار الامتثال عند فقد العلم في سلوك الطريق الظني.

فنهي الشارع عن العمل ببعض الظنون إن كان على وجه الطريقية، بأن نهى عند فقد العلم عن سلوك هذا الطريق من حيث أنه ظن يحتمل فيه الخطأ، فهو قبيح، لانه معرض لفوات الواقع فينتقض به الغرض.

كما كان يلزم ذلك من المر بسلوكه على وجه الطريقية عند التمكن من العلم، لان حال الظن عند الانسداد من حيث الطريقية حال العلم مع الانفتاح لا يجوز النهي عنه من هذه الحيثية في الاول، كما لا يجوز الامر به في الثاني.

فالنهي عنه وإن كان مخرجا للعمل به عن ظن البراء‌ة إلى القطع بعدمها إلا أن الكلام في جواز هذا النهي، لما عرفت من أنه قبيح.

وإن كان على وجه يكشف النهي عن وجود مفسدة في العمل بهذا الظن يغلب على مفسدة مخالفة الواقع اللازمة عند طرحه، فهذا وإن كان جائز حسنا، نظير الامر به على هذا الوجه مع الانفتاح، فهذا يرجع إلى ما سنذكره.

السادس: وهو الذي إخترناه سابقا.

وحاصله: أن النهي يكشف عن وجود مفسدة غالبة على المصلحة الواقعية المدركة على تقدير العمل به.

فالنهي عن الظنون الخاصة في مقابل حكم العقل بوجوب العمل بالظن مع الانسداد، نظير الامر بالظنون الخاصة في مقابل حكم العقل بحرمة العمل بالظن مع الانفتاح.

فإن قلت: إذا بني على ذلك، فكل ظن من الظنون يحتمل أن يكون في العمل به مفسدة كذلك قلت: نعم، ولكن إحتمال المفسدة لا يقدح في حكم العقل بوجوب سلوك طريق يظن معه بالبراء‌ة عند الانسداد.

كما أن إحتمال وجود المصلحة المتداركة لمصلحة الواقع في ظن لا يقدح في حكم العقل بحرمة العمل بالظن مع الانفتاح، وقد تقدم، في آخر مقدمات الانسداد، أن العقل مستقل بوجوب العمل بالظن مع إنسداد باب العلم.

ولا إعتبار بإحتمال كون شئ آخر هو المتعبد به غير الظن، إذ لا يحصل من العمل بذلك المحتمل سوى الشك في البراء‌ة أو توهمها، ولا يجوز العدول عن البراء‌ة الظنية إليهما.

وهذا الوجه وإن كان حسنا وقد إخترناه سابقا، إلا أن ظاهر أكثر الاخبار الناهية عن القياس أنه لا مفسدة فيه إلا الوقوع في خلاف الواقع، وإن كان بعضها ساكتا عن ذلك وبعضها ظاهرا في

٢٥٩

ثبوت المفسدة الذاتية، إلا أن دلالة الاكثر أظهر.فهي الحاكمة على غيرها، كما يظهر لمن راجع الجميع.

فالنهي راجع إلى سلوكه من باب الطريقية، وقد عرفت الاشكال في النهي على هذا الوجه.

إلا أن يقال: إن النواهي اللفظية عن العمل بالقياس من حيث الطريقية لا بد من حملها في مقابل العقل المستقل على صورة إنفتاح باب العلم بالرجوع إلى الائمة عليهم السلام.

والادلة القطعية منها كالاجماع المنعقد على حرمة العمل به حتى مع الانسداد لا وجه له غير المفسدة الذاتية.

كما أنه إذا قام دليل على حجية الظن مع التمكن من العلم، نحمله على وجود المصلحة المتداركة لمخالفة الواقع، لان حمله على العمل من حيث الطريقية مخالف لحكم العقل بقبح الاكتفاء بغير العلم مع تيسره.

الوجه السابع: هو أن خصوصية القياس من بين سائر الامارات هي غلبة مخالفتها للواقع.

كما يشهد به قوله عليه السلام: (إن السنة إذا قيست محق الدين)، وقوله: (كان ما يفسده أكثر مما يصلحه)، وقوله: (ليس شئ أبعد عن عقول الرجال من دين الله)، وغير ذلك.

وهذا المعنى لما خفي على العقل الحاكم بوجوب سلوك الطرق الظنية عند فقد العلم، فهو إنما يحكم بها لادراك أكثر الواقعيات المجهولة بها.

فإذا كشف الشارع عن حال القياس وتبين عند العقل حال القياس فيحكم حكما إجماليا بعدم جواز الركون إليه.

نعم إذا حصل الظن منه في خصوص مورد، لا يحكم بترجيح غيره عليه في مقام البراء‌ة عن الواقع، لكن يصح للشارع المنع عنه تعبدا بحيث يظهر منه: أني ما أريد الواقعيات التي تضمنها، فإن الظن ليس كالعلم في عدم جواز تكليف الشخص بتركه والاخذ بغيره، وحينئذ فالمحسن لنهي الشارع عن سلوكه على وجه الطريقية كونه في علم الشارع مؤديا في الغالب إلى مخالفة الواقع.

والحاصل: أن قبح النهي عن العمل بالقياس على وجه الطريقية إما أن يكون لغلبة الوقوع في خلاف الواقع مع طرحه فينا في الغرض، وأما أن يكون لاجل قبح ذلك في نظر الظان، حيث أن مقتضي القياس أقرب في نظره إلى الواقع، فالنهي عنه نقض لغرضه في نظر الظان.

أما الوجه الاول، فهو مفقود في المقام، لان المفروض غلبة مخالفته للواقع.

وأما الوجه الثاني، فهو غير قبيح بعد إمكان حمل الظان النهي في ذلك المورد الشخصي على عدم إرادة الواقع منه في هذه المسألة ولو لاجل إطراد الحكم.

ألا ترى أنه يصح أن يقول الشارع للوسواسي القاطع بنجاسة ثوبه: (ما أريد منك الصلاة بطهارة الثوب)، وإن كان ثوبه في الواقع نجسا، حسما لمادة وسواسه.

٢٦٠