الصفحة ٤٠٥
فإن قلت: إن غاية الحل معرفة الحرام بشخصه ولم يتحقق في المعلوم الاجمالي.
قلت: أما قوله عليه السلام: (كل شئ حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه)، فلا يدل على ما ذكرت، لانه قوله عليه السلام (بعينه) تأكيد للضمير جئ به للاهتمام في إعتبار العلم.
كما يقال: (رأيت زيدا نفسه بعينه)، لدفع توهم وقوع الاشتباه في الرؤية.وإلا فكل شئ علم حرمته فقد علم حرمة نفسه.
فإذا علم نجاسة إناء زيد وطهارة إناء عمرو فاشتبه الاناءان، فاناء زيد شئ علم حرمته بعينه.
نعم يتصف هذا المعلوم المعين بكونه لا بعينه إذا أطلق عليه عنوان أحدهما فيقال أحدهما لا بعينه في مقابل أحدهما المعين عند القائل.
وأما قوله عليه السلام: (فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه)، فله ظهور في ما ذكر، حيث أن قوله (بعينه) قيد للمعرفه، فمؤداه إعتبار معرفة الحرام بشخصه.
ولا يتحقق ذلك إلا إذا أمكنت الاشارة الحسية إليه.
وأما إناء زيد المشتبه باناء عمرو في المثال وإن كان معلوما بهذا العنوان إلا أنه مجهول بإعتبار الامور المميزة له في الخارج عن إناء عمرو، فليس معروفا بشخصه.
إلا أن بقاء الصحيحة على هذا الظهور يوجب المنافاة لما دل على حرمة ذلك العنوان المشتبه، مثل قوله: (إجتنب عن الخمر).
لان الاذن في كلا المشتبهين ينافي المنع عن عنوان مردد بينهما يوجب الحكم بعدم حرمة الخمر المعلوم إجمالا في متن الواقع.
وهو مما يشهد الاتفاق والنص على خلافه حتى نفس هذه الاخبار حيث أن مؤداها ثبوت الحرمة الواقعية للامر المشتبه.
فإن قلت: مخالفة الحكم الظاهري للحكم الواقعي لا يوجب إرتفاع [ الحكم ] الواقعي، كما في الشبهة المجردة عن العلم الاجمالي.
مثلا قول الشارع (إجتنب عن الخمر) شامل للخمر الواقعي الذي لم يعلم به المكلف ولو إجمالا، وحليته في الظاهر لا يوجب خروجه عن العموم المذكور حتى لا يكون حراما واقعيا فلا ضير في إلتزام ذلك في الخمر الواقعي المعلوم إجمالا.
قلت: الحكم الظاهري لا يقدح مخالفته للحكم الواقعي في نظر الحاكم مع جهل المحكوم بالمخالفة، لرجوع ذلك إلى معذورية المحكوم الجاهل، كما في أصالة البراءة، وإلى بدلية الحكم الظاهري عن الواقع أو كونه طريقا مجعولا إليه على الوجهين في الطرق الظاهرية المجعولة.
وأما مع علم المحكوم بالمخالفة فيقبح من الجاعل جعل كلا الحكمين، لان العلم بالتحرين يقتضي وجوب الامتثال بالاجتناب عن ذلك المحرم.فإذن الشارع في فعله ينافي حكم العقل بوجوب الاطاعة.
فإن قلت: إذن الشارع في فعل المحرم مع علم المكلف بتحريمه إنما ينافي حكم العقل من حيث أنه إذن في المعصية والمخالفة.وهو إنما يقبح مع علم المكلف بتحقق المعصية حين إرتكابها حينئذ.