فرائد الاصول الجزء ٢

فرائد الاصول0%

فرائد الاصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 438

  • البداية
  • السابق
  • 438 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 24768 / تحميل: 6017
الحجم الحجم الحجم
فرائد الاصول

فرائد الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

الصفحة ٧٠٣

الثالث أن يكون كل من بقاء ما أحرز حدوثه سابقا وإرتفاعه غير معلوم.فلو علم أحدهما فلا إستصحاب.

وهذا مع العلم بالبقاء أو الارتفاع واقعا من دليل قطعي واقعي واضح.وإنما الكلام فيما أقامه الشارع مقام العلم بالواقع.

فإن الشك الواقعي في البقاء والارتفاع لا يزول معه، ولا ريب في العمل به دون الحالة السابقة.

لكن الشأن في أن العمل به من باب تخصيص أدلة الاستصحاب أو من باب التخصص.

الظاهر أنه من باب حكومة أدلة تلك الامور على أدلة الاستصحاب، وليس تخصيصا بمعنى رفع اليد عن عموم أدلة الاستصحاب في بعض الموارد، كما ترفع اليد عنها في مسألة الشك بين الثلاث والاربع ونحوها بما دل على وجوب البناء على الاكثر، ولا تخصصا بمعنى خروج المورد بمجرد وجود الدليل عن مورد الاستصحاب، لان هذا مختص بالدليل العلمي المزيل وجوده للشك المأخوذ في مجرى الاستصحاب.

ومعنى الحكومة على ما سيجئ في باب التعارض والتراجيح أن يحكم الشارع في ضمن دليل بوجوب اليد عما يقتضيه الدليل الاخر لولا هذا الدليل الحاكم، أو بوجوب العمل في مورد بحكم لا يقتضيه دليله لولا الدليل الحاكم وسيجئ توضيحه إن شاء الله تعالى.

وحاصله تنزيل شئ خارج عن موضوع دليل منزلة ذلك الموضوع في ترتيب أحكامه عليه، أو داخل في موضوع منزلة الخارج منه في عدم ترتيب أحكامه عليه.

[ وقد إجتمع كلا الاعتبارين في حكومة الادلة الغير العلمية على الاستصحاب مثلا ].

ففي ما نحن فيه إذا قال الشارع: (اعمل بالبينة في نجاسة ثوبك) والمفروض أن الشك موجود مع قيام البينة على نجاسة الثوب، فإن الشارع جعل الاحتمال المخالف للبينة كالعدم فكأنه قال:

٣٠١

الصفحة ٧٠٤

لا تحكم على هذا الشك بحكمه المقرر في قاعدة الاستصحاب وافرضه كالمعدوم.

وربما يجعل العمل بالادلة في مقابل الاستصحاب من باب التخصيص، بناء على أن المراد من الشك عدم الدليل والطريق والتحير في العمل، ومع قيام الدليل الاجتهادي لا حيرة.

وإن شئت قلت: إن المفروض دليلا قطعي الاعتبار، فنقض الحالة السابقة به نقض باليقين.

وفيه: أنه لا يرتفع التحير ولا يصير الدليل الاجتهادي قطعي الاعتبار في خصوص مورد الاستصحاب إلا بعد إثبات كون موداه حاكما على مؤدى الاستصحاب، وإلا أمكن أن يقال: إن مؤدى الاستصحاب وجوب العمل على الحالة السابقة مع عدم اليقين بإرتفاعها، سواء كان هناك الامارة الفلانية أم لا.ومؤدى دليل تلك الامارة وجوب العمل بمؤداه، خالف الحالة السابقة أم لا.ولا يندفع مغالطة هذا الكلام إلا بما ذكرنا من طريق الحكومة، كما لا يخفى.

وكيف كان، فجعل بعضهم عدم الدليل الاجتهادي على خلاف الحالة السابقة من شرائط العمل بالاستصحاب لا يخلو عن مسامحة، لان مرجع ذلك بظاهره إلى عدم المعارض لعموم (لا تنقض)، كما في مسألة البناء على الاكثر، لكنه ليس مراد هذا المشترط قطعا، بل مراده عدم الدليل على إرتفاع الحالة السابقة.

ولعل ما أورده عليه المحقق القمي، قدس سره، من: (أن الاستصحاب أيضا أحد من الادلة، فقد يرجح عليه الدليل وقد يرجح على الدليل، وقد لا يرجح أحدهما على الاخر.

قال قدس سره: (ولذا ذكر بعضهم في مال المفقود أنه في حكم ما له حتى يحصل العلم العادي بموته إستصحابا لحايته، مع وجود الروايات المعتبرة، المعمول بها عند بعضهم بل عند جمع من المحققين، الدالة على وجوب الفحص أربع سنين)، مبني على ظاهر كلامه، من إرادة العمل بعموم (لا تنقض).

وأما على ما جزمنا به من أن مراده عدم ما يدل علما أو ظنا على إرتفاع الحالة السابقة فلا وجه لورود ذلك، لان الاستصحاب إن أخذ من باب التعبد فقد عرفت حكومة أدلة جميع الامارات الاجتهادية على دليله، وإن أخذ من باب التعبد فقد عرفت حكومة أدلة جميع الامارات الاجتهادية على دليله، وإن أخذ من باب الظن فالظاهر أنه لا تأمل لاحد في أن المأخوذ في إفادته للظن عدم وجود أمارة في مورده على خلافه.

ولذا ذكر العضدي في دليله: (أن ما كان سابقا ولم يظن عدمه فهو مظنون البقاء)(١).

____________________

شرح مختصر الاصول، ج ٢، ص ٢٨٤

٣٠٢

الصفحة ٧٠٥

ولما ذكرنا لم نر أحدا من العلماء قد الاستصحاب على أمارة مخالفة له بعد إعترافه بحجيتها لولا الاستصحاب، لا في الاحكام ولا في الموضوعات.

وأما ما استشهد به، قدس سره، من عمل بعض الاصحاب بالاستصحاب في مال (المفقود) وطرح ما دل على وجوب الفحص أربع سنين والحكم بموته بعده فلا دخل له بما نحن فيه، لان تلك الاخبار ليست أدلة في مقابل إستصحاب حياة المفقود.وإنما المقابل له قيام دليل معتبر على موته.

وهذه الاخابر على تقدير تماميتها مخصصة لعموم أدلة الاستصحاب دالة على وجوب البناء على موت المفقود بعد الفحص، نظير ما دل عل يوجوب البناء على الاكثر مع الشك في عدد الركعات.

فمن عمل بها خصص بها عمومات الاستصحاب، ومن طرحها لقصور فيها بقي أدلة الاستصحاب عنده على عمومها.

ثم المراد بالدليل الاجتهادي كل أمارة إعتبرها الشارع من حيث أنها تحكي عن الواقع وتكشف عنه بالقوة وتسمى في نفس الاحكام أدلة إجتهادية وفي الموضوعات أمارات معتبرة.

فما كان مما نصبه الشارع غير ناظر إلى الواقع أو كان ناظرا، لكن فرض أن الشارع اعتبره لا من هذه الحيثية، بل من حيث مجرد إحتمال مطابقته للواقع، فليس إجتهاديا، بل هو من الاصول، وإن كان مقدما على بعض الاصول الاخر.والظاهر أن الاستصحاب والقرعة من هذا القبيل.

ومصاديق الادلة والامارات في الاحكام والموضوعات واضحة غالبا، وقد تختفي، فيتردد الشئ بين كونه دليلا وبين كونه أصلا، لاختفاء كون إعتباره من حيث كونه ناظرا إلى الواقع أو من حيث هو، كما في كون اليد المنصوبة دليلا على الملك، وكذلك أصالة الصحة عند الشك في عمل نفسه بعد الفراغ، وأصالة الصحة في عمل الغير.

وقد يعلم عدم كونه ناظرا إلى الواقع وكاشفا عنه وأنه من القواعد التعبدية، لكن يختفي حكومته مع ذلك على الاستصحاب، لانا قد ذكرنا أنه قد يكون الشئ الغير الكاشف منصوبا من حيث تنزيل الشارع الاحتمال المطابق له منزلة الواقع، إلا أن الاختفاء في تقديم أحد التنزيلين على الاخر وحكومته عليه.

٣٠٣

الصفحة ٧٠٦

تقديم الاستصحاب على الاصول الثلاثة

ثم إنه لا ريب في تقديم الاستصحاب على الاصول الثلاثة، أعني البراء‌ة والاحتياط والتخيير، إلا أنه قد يختفي وجهه على المبتدي.

فلا بد من التكلم هنا في مقامات:

الاول في عدم معارضة الاستصحاب لبعض الامارات التي يتراء‌ى كونها من الاصول، كاليد ونحوها.

الثاني في حكم معارضة الاستصحاب للقرعة ونحوها.

الثالث في عدم معارضة سائر الاصول للاستصحاب.

أما الكلام في المقام الاول [ وهو عدم معارضة الاستصحاب لبعض الامارات ] فيقع في مسائل:

[ المسألة ] الاولى أن اليد مما لا يعارضها الاستصحاب بل هي حاكمة عليه بيان ذلك أن اليد، إن قلنا بكونها من الامارات المنصوبة دليلا على الملكية من حيث كون الغالب في مواردها كون صاحب اليد مالكا او نائبا عنه وأن اليد المستقلة الغير المالكية قليلة بالنسبة إليها وأن الشارع إنما اعتبر هذه الغلبة تسهيلا على العباد، فلا إشكال في تقديمها على الاستصحاب، على ما عرفت من حكومة أدلة الامارات على أدلة الاستصحاب.

٣٠٤

الصفحة ٧٠٧

وإن قلنا بأنها غير كاشفة بنفسها عن الملكية أو أنها كاشفة لكن إعتبار الشارع له ليس من هذه الحيثية، بل جعلها في محل الشك تعبدا، لتوقف إستقامة نطام معاملت العباد على إعتبارها، نظير أصالة الطهارة، كما يشير قوله، عليه السلام، في ذيل رواية حفص بن غياث الدالة على الحكم بالملكية على ما في يد المسلمين: (ولو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق) - فالاظهر أيضا تقديمها على الاستصحاب، إذ لولا هذا لم يجز التمسك بها في أكثر المقامات، فيلزم المحذور المنصوص، وهو إختلال السوق وبطلان الحقوق، إذ الغالب العلم بكون ما في اليد مسبوقا بكونه ملكا للغير، كما لا يخفى.

وأما حكم المشهور بأنه لو إعترف ذو اليد بكونه سابقا ملكا للمدعي إنتزع عنه العين، إلا أن يقيم البينة على إنتقالها إليه فليس من تقديم الاستصحاب، بل لاجل أن دعواه الملكية في الحال إذا انضمت إلى إقراره بكونه قبل ذلك للمدعي ترجع إلى دعوى إنتقالها إليه فينقلب مدعيا والمدعي منكرا ولذا لو لم يكن في مقابله مدع، لم يقدح هذا الدعوى منه في الحكم بملكيته أو كان في مقابله مدع، لكن اسند الملك السابق إلى غيره‌ء، كما لو قال في جواب زيد المدعي: إشتريته من عمرو.

بل يظهر مما ورد في محاجه علي، عليه السلام، مع أبي بكر في أمر فدك المروية في الاحتجاج أنه لم يقدح في تشبث فاطمة، عليها السلام، باليد دعواها، عليها السلام، تلقي الملك من رسول الله، صلى الله عليه وآله، مع أنه قد يقال إنها حينئذ صارت مدعية لا تنفعها اليد.

وكيف كان، فاليد على تقدير كونها من الاصول التعبدية أيضا مقدمة على الاستصحاب وإن جعلناها من الامارات الظنية، لان الشارع نصبها في مورد الاستصحاب.

وإن شئت قلت: إن دليله أخص من عمومات الاستصحاب.

هذا مع أن الظاهر من الفتوى والنص الوراد في اليد، مثل رواية حفص بن غياث، أن اعتبار اليد أمر كان مبني عمل الناس في امورهم وقد أمضاه الشارع.ولا يخفى أن عمل العرف عليه من باب الامارة، لا من باب الاصل التعبدي.

وأما تقديمه البينة على اليد وعدم ملاحظة التعارض بينهما أصلا، فلا يكشف عن كونها من الاصول، لان اليد إنما جعلت أمارة على الملك عند الجهل بسببها والبينة مبينة لسببها.

والسر في ذلك أن مستند الكشف في اليد هي الغلبة، والغلبة أنما توجب إلحاق المشكوك بالاعم الاغلب.

فإذا كان في مورد الشك إمارة معتبرة تزيل الشك، فلا يبقى مورد للالحاق.

وحال اليد مع البينة حال اصالة الحقيقة في الاستعمال على مذهب السيد مع أمارات المجاز، بل حال مطلق الظاهر والنص، فافهم.

٣٠٥

الصفحة ٧٠٨

المسألة الثانية: في أن أصالة الصحة في العمل بعد الفراغ عنه لا يعرض بها الاستصحاب إما لكونها من الامارات، كما يشعر به قوله، صلى الله عليه وآله، في بعض روايات الاصل: (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك)(١)، وإما لانها وإن كانت من الاصول إلا أن الامر بالاخذ بها في مورد الاستصحاب يدل على تقديمها عليه، وهي خاصة بالنسبة إليه يخصص بأدلتها أدلته، ولا إشكال في شئ من ذلك.

إنما الاشكال في تعيين مورد ذلك الاصل من وجهين:

أحدهما: من جهة تعيين معنى الفراغ والتجاوز المعتبر في الحكم بالصحة، وأنه هل يكتفي به أو يعتبر الدخول في غيره، وأن المراد بالغير ما هو.

الثاني: من جهة أن الشك في وصف الصحة للشئ ملحق بالشك في أصل الشئ أم لا.

وتوضيح الاشكال من الوجهين موقوف على ذكر الاخبار الواردة في هذه القاعدة، ليزول ببركة تلك الاخبار كل شبهة حدثت أو تحدث في هذا المضمار.

فنقول مستعينا بالله: روى زرارة في الصحيح عن أبي عبدالله، عليه السلام، قال: (إذا خرجت من شئ ودخلت في غيره فشكك ليس بشئ)(٢).

وروى إسماعيل بن جابر عن أبي عبدالله، عليه السلام، قال: (إن شك في الركوع بعدما سجد فليمض، وإن شك في السجود بعدما قام فليمض.كل شئ شك فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه)(٣).

وهاتان الروايتان ظاهرتان في إعتبار الدخول في غير المشكوك.

____________________

(١) تهذيب الاحكام، ج ١، ص ١٠١.

(٢) تهذيب الاحكام، ج ١، ص ١٠١.

(٣) تهذيب الاحكام، ج ص.

٣٠٦

الصفحة ٧٠٩

وفي الموثقة: (كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو)(١).

وهذه الموثقة ظاهرة في عدم إعتبار الدخول في الغير.

وفي موثقة إبن أبي يعفور: (إذا شككت في شئ من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكك ليس بشئ، إنما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه)(٢).وظاهر صدر هذه الموثقة كالاوليين وظاهر عجزها كالثالثة.هذا تمام ما وصل إلينا من الاخبار العامة.وربما يستفاد، عليه السلام، في الشك في فعل الصلاة بعد خروج الوقت من قوله، عليه السلام: (وإن كان بعدما خرج وقتها فقد دخل حائل فلا إعادة)(٣).

وقوله، عليه السلام: (كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه كما هو)(٤).

وقوله، عليه السلام، فيمن شك في الوضوء بعدما فرغ: (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك)(٥).

ولعل المتتبع يعثر على أزيد من ذلك.

وحيث أن مضمونها لا يختص بالطهارة والصلاة، بل يجري في غيرهما، كالحج، فالمناسب الاهتمام في تنقيح مضامينها دفع ما يتراء‌ى من التعارض بينها، فنقول مستعينا بالله، فإنه ولي التوفيق: إن الكلام يقع في مواضع.

[ الموضع ] الاول: إن الشك في الشئ ظاهر، لغة وعرفا، في الشك في وجوده، إلا أن تقييد ذلك في الروايات بالخروج عنه ومضيه والتجاوز عنه ربما يصير قرينة على إرادة كون وجود أصل الشئ مفروعا عنه وكون الشك فيه بإعتبار الشك في بعض ما يعتبر فيه شرطا أو شطرا.

نعم لو أريد الخروج والتجاوز عن محله، أمكن إرادة المعنى الظاهر من الشك في الشئ.وهذا

____________________

(١) تهذيب الاحكام، ج ٢، ص ٣٤٤.

(٢) تهذيب الاحكام، ج ١، ص ١٠١.

(٤) تهذيب الاحكام، ج، ص.

(٥) تهذيب الاحكام، ج ١، ص ١٠١.

٣٠٧

الصفحة ٧١٠

هو المتعين، لان إرادة الاعم من الشك في وجود الشئ والشك الواقع في الشئ الموجود في إستعمال واحد غير صحيح.وكذا إرادة خصوص الثاني، لان مورد غير واحد من تلك الاخبار هو الاول.

ولكن يبعد ذلك في ظاهر موثقة محمد بن مسلم، من جهة قوله: (فامضه كما هو)، بل لا يصح ذلك في موثقة إبن أبي يعفور، كما لا يخفى.

لكن الانصاف: إمكان تطبيق موثقة بن مسلم على ما في الروايات.

وأما هذه الموثقة فسيأتي توجيهها على وجه لا يعارض الروايات إن شاء الله.

[ الموضع ] الثاني إن المراد بمحل الفعل المشكوك في وجوده هو الموضوع الذي لو أتي به فيه لم يلزم منه إختلاف في الترتيب المقرر.

وبعبارة أخرى: محل الشئ هي المرتبة المقررة له بحكم العقل أو بوضع الشارع أو غيره ولو كان نفس المكلف من جهة إعتياده بإتيان ذلك المشكوك في ذلك المحل.

فمحل تكبيرة الاحرام قبل الشروع في الاستعادة لاجل القراء‌ة بحكم الشارع، ومحل [ كلمة ] (أكبر) قبل تحلل الفصل الطويل بينه وبين لفظ الجلالة بحكم الطريقة المألوفة في نظم الكلام، ومحل الراء من (أكبر) قبل أدنى فصل يوجب الابتداء بالساكن بحكم العقل، ومحل غسل الجانب الايسر أو بعضه في غسل الجنابة لمن إعتاد الموالاة فيه قبل تخلل فصل يخل بما اعتاده من المولاة.هذا كله مما لا إشكال فيه، إلا الاخير، فإنه ربما يتخيل إنصراف إطلاق الاخبار إلى غيره.مع أن فتح هذا الباب بالنسبة إلى العادة يوجب مخالفة إطلاقات كثيرة.فمن إعتاد الصلاة في أول وقتها أو مع الجماعة فشك في فعلها بعد ذلك فلا يجب عليه الفعل.وكذا من اعتاد فعل شئ بعد الفراغ من الصلاة فرأى نفسه فيه وشك في فعل الصلاة.

وكذا من إعتاد الوضوء بعد الحدث بلا فصل يعتد به أو قبل دخول وقت للتهيؤ، فشك بعد ذلك في الوضوء.

إلى غير ذلك من الفروع التي يبعد إلتزام الفقيه بها.

نعم ذكر جماعة من الاصحاب مسألة معتاد المولاة في غسل الجنابة إذا شك في الجزء الاخير، كالعلامة وولده والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم، قدس الله أسرارهم.

واستدل فخر الدين على مختاره في المسألة، بعد صحيحه زرارة المتقدمة بأن خرق العادة على خلاف الاصل.

ولكن لا يحضرني كلام منهم في غير هذا المقام، فلا بد من التتبع والتأمل.

٣٠٨

الصفحة ٧١١

والذي يقرب في نفسي عاجلا هو الاتلفات إلى الشك، وإن كان الظاهر من قوله عليه السلام فيما تقدم: - (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك) - أن هذه القاعدة من باب تقديم الظاهر على الاصل.

فهو دائر مدار الظهور النوعي ولو كان من العادة.لكن العمل بعموم ما يستفاد من الرواية ايضا مشكل، فتأمل.

والاحوط ما ذكرنا.

الموضع الثالث: الدخول في غير المشكوك إن كان محققا للتجاوز عن المحل، فلا إشكال في إعتباره، وإلا فظاهر الصحيحتين الاوليين إعتباره، وظاهر إطلاق موثقة إبن مسلم عدم إعتباره.

ويمكن حمل التقييد في الصحيحتين على الغالب خصوصا في أفعال الصلاة، فإن الخروج من أفعالها يتحقق غالبا بالدخول في الغير، وحينئذ فليغو القيد.ويحتمل ورود المطلق على الغالب، فلا يحكم بالاطلاق.ويؤيد الاول ظاهر التعليل المستفاد من قوله: (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك).

وقوله عليه السلام: (إنما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه)، بناء على ما سيجئ من التقريب.

وقوله عليه السلام: (كل ما مضى من صلاتك وطهورك، الخبر).

لكن الذي يبعده أن الظاهر من الغير - في صحيحة إسماعيل بن جابر: (إن شك في الركوع بعدما سجدوا إن شك في السجود بعدما قام فليمض)، بملاحظة مقام التحديد ومقام التوطئة للقاعدة المقررة بقوله بعد ذلك: (كل شئ فيه، الخبر) -، كون السجود والقيام حدا للغير الذي يعتبر الدخول فيه وأنه، لا غير، أقرب من الاول بالنسبة إلى الركوع ومن الثاني بالنسبة إلى السجود، إذ لو كان الهوي للسجود كافيا عند الشك في الركوع والنهوض للقيام كافيا عند الشك في السجود، قبح في مقام التوطئة للقاعدة الاتية التحديد بالسجود والقيام ولم يكن وجه لجزم المشهور بوجوب الالتفات إذا شك قبل الاستواء قائما.

ومما ذكرنا يظهر ان ما إرتكبه بعض من تأخر، - من إلتزام عموم الغير وإخراج الشك في السجود قبل تمام القيام بمفهوم الرواية - ضعيف جدا، لان الظاهر أن القيد وارد في مقام التحديد.

والظاهر أن التحديد بذلك توطئة للقاعدة، وهي بمنزلة ضابطة كلية، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في فهم الكلام.فكيف يجعل فردا خارجا بمفهوم الغير عن عموم القاعدة.فالاولى أن يجعل هذا كاشفا عن خروج مقدمات أفعال الصلاة عن عموم الغير.فلا يكفي في

٣٠٩

الصفحة ٧١٢

الصلاة مجرد الدخول ولو في فعل غير أصلي، فضلا عن كفاية مجرد الفراغ.

والاقوى إعتبار الدخول في الغير وعدم كفاية مجرد الفراغ، إلا أنه قد يكون الفراغ عن الشئ ملازما للدخول في غيره.كما لو فرغ عن الصلاه والوضوء.

فإن حالة عدم الاشتغال بها تعد مغايره لحالها وإن لم يشتغل بفعل وجودي، فهو دخول في الغير بالنسبة إليهما.

وأما التفصيل بين الصلاة والوضوء، بإلتزام كفاية مجرد الفراغ من الوضوء ولو مع الشك في الجزء الاخير منه، فيرده إتحاد الدليل في البابين، لان ما ورد من قوله، عليه السلام، فيمن شك في الوضوء بعدما فرغ من الوضوء: (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك)، عام بمقتضى التعليل لغير الوضوء أيضا.

ولذا أستفيد منه حكم الغسل والصلاة أيضا.

وكذلك موثقة إبن أبي يعفور المتقدمة، صدرها دال على إعتبار الدخول في الغير في الوضوء، وذيلها يدل على عدم العبرة بالشك بمجرد التجاوز مطلقا من غير تقييد بالوضوء، بل ظاهرها يأبى عن التقيد.

وكذلك روايتا زرارة وأبي بصير المتقدمتان آبيتان عن التقييد.

وأصرح من جميع ذلك في الاباء عن الفصيل بين الوضوء والصلاة قوله، عليه السلام، في الرواية المتقدمة: (كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه).

الموضع الرابع: قد خرج من الكلية المذكورة افعال الطهارات الثلاث، فانهم أجمعوا على ان الشاك في فعل من أفعال الوضوء قبل إتمام الوضوء يأتي به وإن دخل في فعل آخر.

وأما الغسل والتيمم فقد صرح بذلك فيهما بعضهم على وجه يظهر منه كونه من المسلمات، وقد نص على الحكم في الغسل جمع ممن تأخر عن المحقق، كالعلامة وولده والشهيدين والمحقق الثاني، ونص غير واحد من هؤلاء على كون التيمم كذلك.وكيف كان، فمستند الخروج قبل الاجماع الاخبار الكثيرة المخصصة للقاعدة المتقدمة.

إلا أنه يظهر من رواية إبن أبي يعفور المتقدمة، وهي قوله: إذا شككت في شئ من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكك ليس بشئ، إنما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه)، أن حكم الوضوء من باب القاعدة لا خارج عنها، بناء على عود ضمير (غيره) إلى الوضوء، لئلا يخالف الاجماع على وجوب الالتفات إذا دخل في غير المشكوك من أفعال الوضوء.وحينئذ فقوله، عليه السلام: (إنما الشك)

٣١٠

الصفحة ٧١٣

مسوق لبيان قاعدة الشك المتعلق بجزء من أجزاء عمل، وأنه إنما يعتبر إذا كان مشتغلا بذلك العمل غير متجاوز عنه.

هذا.

ولكن الاعتماد على ظاهر ذيل الرواية مشكل من جهة أنه يقتضي بظاهر الحصر أن الشك الواقع في غسل اليد بإعتبار جزء من أجزائه لا يعتنى به إذا جاوز غسل اليد مضافا إلى أنه معارض للاخبار السابقة فيما إذا شك في جزء من الوضوء بعد الدخول في جزء آخر قبل الفراغ منه، لانه بإعتبار أنه شك في وجود شئ بعد تجاوز محله يدخل في الاخبار السابقة ومن حيث أنه شك في أجزاء عمل قبل الفراغ منه يدخل في هذا الخبر.

ويمكن أن يقال لدفع جميع ما في الخبر من الاشكال: إن الوضوء بتمامه في نظر الشارع فعل واحد بإعتبار وحدة مسببه، وهي الطهارة فلا يلاحظ كل فعل منه بحياله حتى يكون موردا لتعارض هذا الخبر مع الاخبار السابقة، ولا يلاحظ بعض أجزائه، كغسل اليد مثلا، شيئا مستقلا يشك في بعض أجزائه قبل تجاوزه او بعده ليوجب ذلك الاشكال في الحصر المستفاد من الذيل.

وبالجملة، إذا فرض الوضوء فعلا واحدا لم يلاحظ الشارع أجزاء‌ه أفعالا مستقلة يجري فيها حكم الشك بعد تجاوز المحل لم يتوجه شئ من الاشكالين في الاعتماد على الخبر ولم يكن حكم الوضوء مخالفا للقاعدة، إذ الشك في أجزاء الوضوء قبل الفراغ ليس إلا شكا واقعا في الشئ قبل التجاوز عنه، والقرينة على هذا الاعتبار جعل القاعدة ضابطة لحكم الشك في أجزاء الوضوء قبل الفراغ عنه أو بعده.

ثم إن فرض الوضوء فعلا واحدا لا يلاحظ حكم الشك بالنسبة إلى أجزائه ليس أمرا غريبا، فقد إرتكب المشهور مثله في الاخبار السابقة بالنسبة إلى أفعال الصلاة حيث لم يجروا حكم الشك بعد التجاوز في كل جزء من أجزاء القراء‌ة حتى الكلمات والحروف.بل الاظهر عندهم كون الفاتحة فعلا واحدا، بل جعل بعضهم القراء‌ة فعلا واحدا.

وقد عرفت النص في الروايات على عدم إعتبار الهوي للسجود والنهوض للقيام.

ومما يشهد لهذا التوجيه إلحاق المشهور الغسل والتيمم بالوضوء في هذا الحكم، إذ لا وجه له ظاهريا إلا ملاحظة كون الوضوء أمرا واحدا يطلب منه أمر واحد غير قابل للتبعيض، أعني الطهارة.

٣١١

الصفحة ٧١٤

الموضع الخامس: ذكر بعض الاساطين: (أن حكم الشك في الشروط بالنسبة إلى الفراغ عن المشروط، بل الدخول فيه، بل الكون على هيئة الداخل، حكم الاجزاء في عدم الالتفات.

فلا إعتبار بالشك في الوقت والقبلة واللباس والطهارة بأقسامها والاستقرار ونحوها بعد الدخول في الغاية.

ولا فرق بين الوضوء وغيره)، إنتهى.

وتبعه بعض من تأخر عنه واستقرب في مقام آخر إلغاء الشرط في الشك بالنسبة إلى غير ما دخل فيه من الغايات.

وما أبعد ما بينه وبين ما ذكره بعض الاصحاب من إعتبار الشك في الشرط حتى بعد الفراغ عن المشروط، فأوجب إعادة المشروط.

والاقوى التفصيل بين الفراغ عن المشروط فليغو الشك في الشرط بالنسبة إليه، لعموم لغوية الشك في الشئ بعد التجاوز عنه.

أما بالنسبة إلى مشروط آخر لم يدخل فيه فلا ينبغي الاشكال في إعتبار الشك فيه، لان الشرط المذكور من حيث شرطا لهذا المشروط لم يتجاوز عنه، بل محله باق فالشك في تحقق شرط هذا المشروط شك في الشئ قبل تجاوز محله.

وربما بنى بعضهم ذلك على أن معنى عدم العبرة بالشك في الشئ بعد تجاوز المحل هو البناء على الحصول أو يختص بالمدخول.

أقول: لا إشكال في أن معناه البناء على حصول المشكوك فيه، لكن بعنوانه الذي يتحقق معه تجاوز المحل، لا مطلقا.

فلو شك في أثناء العصر في فعل الظهر بنى على تحقق الظهر بعنوان أنه شرط للعصر ولعدم وجوب العدول إليه، لا على تحققه مطلقا حتى لا يحتاج إلى إعادتها بعد فعل العصر.

فالوضوء المشكوك فيما نحن فيه إنما فات محله من حيث كونه شرطا للمشروط المتحقق، لا من حيث كونه شرطا للمشروط المستقبل.

ومن هنا يظهر أن الدخول في المشروط أيضا لا يكفي في إلغاء الشك في الشرط، بل لا بد من الفراغ عنه، لا ن نسبة الشرط إلى جميع أجزاء المشروط نسبة واحدة وتجاوز محله بإعتبار كونه شرطا للاجزاء الماضية، فلا بد من إحرازه للاجزاء المستقبلة.

نعم ربما يدعى في مثل الوضوء أن محل إحرازه لجميع أجزاء الصلاة قبل الصلاة لا عند كل جزء.

٣١٢

الصفحة ٧١٥

ومن هنا قد يفصل بين ما كان من قبيل الوضوء مما يكون محل إحرازه قبل الدخول في العبادة وبين غيره مما لا ليس كذلك، كالاستقبال والستر، فإن إحرازهما ممكن في كل جزء، وليس المحل الموظف لاحرازهما قبل الصلاة بالخصوص، بخلاف الوضوء.

وحينئذ فلو شك في أثناء الصلاة في الستر أو الساتر وجب عليه إحرازه في أثناء الصلاة للاجزاء المستقبلة.

والمسألة لا تخلو عن إشكال، إلا أنه ربما يشهد لما ذكرنا من التفصيل بين الشك في الوضوء في أثناء الصلاة، وفيه بعده صحيحة علي بن جعفر عن أخيره عليهما السلام قال: (سألته عن الرجل يكون على وضوء ثم يشك، على وضوء هو أم لا؟ قال: إذا ذكرها وهو في صلاته إنصرف وأعادها، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك).

بناء على أن مورد السؤال الكون على الوضوء بإعتقاده ثم شك في ذلك.

الموضع السادس: أن الشك في صحة الشئ المتأتي به حكمه حكم الشك في الاتيان، بل هو هو، لان مرجعه إلى الشك في وجود الشئ الصحيح.

ومحل الكلام ما لا يرجع فيه الشك إلى الشك في ترك بعض ما يعتبر في الصحة.كما لو شك في تحقق المولاة المعتبرة في حروف الكلمة أو كلمات الاية.

لكن الانصاف: أن الالحاق لا يخلو عن إشكال، لان الظاهر من أخبار الشك في الشئ أنه مختص بغير هذه الصورة، إلا أن يدعى تنقيح المناط، أو يستند فيه إلى بعض ما يستفاد منه العموم، مثل موثقة إبن أبي يعفور، أو يجعل أصالة الصحة في فعل الفاعل المريد للصحيح اصلا برأسه.ومدركه ظهور حال المسلم.

قال فخر الدين في الايضاح في مسألة الشك في بعض أفعال الطهارة: (إن الاصل في فعل العاقل المكلف الذي يقصد براء‌ة ذمته بفعل صحيح وهو يعلم الكيفية والكمية الصحة)(١)، إنتهى.

ويمكن إستفادة إعتباره من عموم التعليل المتقدم في قوله: (هوحين يتوضأ أذكر منه حين يشك).

فإنه بمنزلة صغرى لقوله.فإذا كان أذكر فلا يترك ما يعتبر في صحة عمله الذي يريد به

____________________

(١) إيضاح الفوائد في شرح القواعد، ج ١، ص

٣١٣

الصفحة ٧١٦

إبراء ذمته، لان الترك سهوا خلاف فرض الذكر، وعمدا خلاف إرادة الابراء.

الموضع السادس: الظاهر أن المراد بالشك في موضع هذا الاصل هو الشك الطاري بسبب الغفلة عن صورة العمل.

فلو علم كيفية غسل اليد وأنه كان بإرتماسها في الماء، لكن شك في أن ما تحت خاتمه ينغسل بالارتماس أم لا، ففي الحكم بعدم الالتفات؟ وجهان، من إطلاق بعض الاخبار، ومن التعليل بقوله: (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك).

فإن التعليل يدل على تخصيصالحكم بمورده مع عموم السؤال.فيدل على نفيه عن غير مورد العلة.

نعم لا فرق بين أن يكون المحتمل ترك الجزء نسيانا او تركه تعمدا، والتعليل المذكور بضميمة الكبرى المتقدمة يدل على نفي الاحتمالين.ولو كان الشك من جهة إحتمال وجود الحائل على البدن ففي شمول الاخبار له الوجهان.

نعم قد يجري هنا أصالة عدم الحائل فيحكم بعدمه حتى لو لم يفرغ عن الوضوء، بل لم يشرع في غسل موضع إحتمال الحائل.

لكنه من الاصول المثتبة، وقد ذكرنا بعض الكلام في ذلك في بعض الامور المتقدمة.

٣١٤

الصفحة ٧١٧

المسألة الثالثة: في أصالة الصحة في فعل الغير وهي في الجملة من الاصول المجمع عيها فتوى وعملا بين المسلمين، فلا عبرة في موردها بأصالة الفساد المتفق عليها عند الشك.

إلا أن معرفة مواردها ومقدار ما يترتب عليها من الاثار ومعرفة حالها عند مقابلتها لما عدا أصالة الفساد من الاصول يتوقف على بيان مدركها من الادلة الاربعة.

ولا بد من تقديم ما فيه إشارة إلى هذه القاعدة في الجملة من الكتاب والسنة: أما الكتاب فمنه آيات منها: قوله تعالى: (وقولوا للناس حسنا)(١)، بناء على تفسيره بما في الكافي من قوله عليه السلام: (لا تقولوا إلا خيرا حتى تعلموا ما هو).ولعل مبناه على إرادة الظن والاعتقاد من القول.

ومنها: قوله تعالى: (إجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم)(٣).

فإن ظن السوء إثم، وإلا لم يكن شئ من الظن إثما.

ومنها: قوله تعالى: (أوفوا بالعقود)(٤)، بناء على أن الخارج من عمومه ليس إلا ما علم فساده، لانه المتيقن.

وكذا قوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض)(٥).

والاستدلال به يظهر من المحقق الثاني، حيث تمسك في مسألة بين الراهن مدعيا بسبق إذن المرتهن، وأنكر المرتهن بأن الاصل صحة البيع ولزومه ووجوب الوفاء بالعقد.لكن لا يخفى ما فيه من الضعف.وأضعف منه دعوى دلالة الايتين الاوليين.

____________________

(١) البقرة: ٨٣.

(٢) الكافي، ج ٢، ص ١٦٤.

(٣) الحجرات: ١٢.

(٤) المائدة: ١.

(٥) النساء: ٢٩.

٣١٥

الصفحة ٧١٨

وأما السنة فمنها: ما في الكفاي عن أمير المؤمنين عليه السلام: (ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك عنه ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير سبيلا)(١).

ومنها: قول الصادق، عليه السلام، لمحمد بن الفضل: (يا محمد ! كذب سمعك وبصرك عن أخيك.

فإن شهد عندك خمسون قسامة أنه قال، وقال: لم أقل، فصدقه وكذبهم)(٢) ومنها: ما ورد مستفيضا: (إن المؤمن لا يتهم أخاه.وأنه إذا إتهم أخاه إنماث الايمان في قلبه كإنمياث الملح في الماء.وأن من إتهم أخاه فلا حرمة بينهما.

وأن من إتهم أخاه فهو ملعون ملعون).إلى غير ذلك من الاخبار المشتملة على هذه المضامين أو ما يقرب منها، هذا.

ولكن الانصفاف: عدم دلالة هذه الاخبار، إلا على أنه لا بد من أن يحمل ما يصدر عن الفاعل على الوجه الحسن عند الفاعل ولا يحمله على الوجه القبيح عنده.وهذه غير ما نحن بصدده.

فإنه إذا فرض دوران العقد الصادر منه بين كونه صحيحا أو فاسدا لا على وجه قبيح، بل فرضنا الامرين في حقه مباحا، كبيع الرهن بعد رجوع المرتهن عن الاذن واقعا أو قبله، فإن الحكم بأصالة عدم ترتب الاثر على البيع مثلا لا يوجب خروجا عن الاخبار المتقدمة الآمرة بحس الظن بالمؤمن في المقام، خصوصا إذا كان المشكوك فعل غير المؤمن أو فعل المؤمن الذي يعتقد بصحة ما هو الفاسد عند الحامل.

ثم لو فرضنا أنه يلزم من الحسن ترتيب الاثار ومن القبيح عدم التريب، كالمعاملة المرددة بين الربوية وغيرها، لم يلزم من الحمل على الحسن بمقتضى تلك الاخبار الحكم بترتب الاثار، لان مفادها الحكم بصفة الحسن في فعل المؤمن بمعنى عدم الجرح في فعله، لا ترتيب جميع آثار ذلك الفعل الحسن.

ألا ترى أنه لو دار الامر بين كون الكلام المسموع من مؤمن بعيد سلاما أو تحية أو شتما، لم يلزم من الحمل على الحسن وجوب رد السلام.

ومما يؤيد ما ذكرنا جمع الامام، عليه السلام، في رواية محمد بن الفضل بين تكذيب خمسين قسامة، أعني البينة العادلة، وتصديق الاخ المؤمن.فإنه مما لا يمكن إلا بحمل تصديق المؤمن على

____________________

(١) الكافي (الاصول)، ج ٢، ص ٣٦١ ٣٦٢.

(٢) ثواب الاعمال وعقاب الاعمال، ص ٢٩٥.

٣١٦

الصفحة ٧١٩

الحكم بمطابقة الواقع المستلزم لتكذيب القسامة بمعنى المخالفة للواقع مع الحكم بصدقهم في إعتقادهم، لانهم أولى بحسن الظن بهم من المؤمن الواحد.

فالمراد من تكذيب السمع والبصر تكذيبهما فيما يفهمان من ظواهر بعض الافعال من القبح، كما إذا ترى شخصا ظاهر الصحة يشرب الخمر في مجلس يظن أنه مجلس الشرب.

وكيف كان فعدم وفاء الاخبار بما نحن بصدده أوضح من أن يحتاج إلى البيان حتى المرسل الاول، بقرينة ذكر الاخر وقوله: (ولا تظنن، الخبر).

ومما يؤيد ما ذكرنا ايضا ما ورد في غير واحد من الروايات من عدم جواز الوثوق بالمؤمن كل الوثوق: مثل رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: (ولا تثقن بأخيك كل الثقة، فإن صرعة الاسترسال لا تستقال)(١).

وما في نهج البلاغة: (إذا إستولى الصلاح على الزمان وأهله ثم أساء رجل الظن برجل لم يظهر منه خزية فقد ظلم.

وإذا إستولى الفساد على الزمان وأهله ثم أحسن رجل الظن برجل فقد غرر)(٢).

وفي معناه قول أبي أبي الحسن، عليه السلام، في رواية محمد بن هارون الجلاب: (إذا كان الجور أغلب من الحق لا يحل لاحد أن يظن بأحد خيرا، حتى يعرف ذلك منه)(٣).

إلى غير ذلك مما يجده المتتبع، فإن الجمع بينها وبين الاخبار المتقدمة يحصل بأن يراد من الاخبار ترك ترتيب آثار التهمة والحمل على الوجه الحسن من حيث مجرد الحسن والتوقف فيه من حيث ترتيب سائر الاثار.

ويشهد له ما ورد من (أن المؤمن لا يخلو عن ثلاثة، الظن والحسد والطيرة.

فإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض)(٤).

الثالث الاجماع القولاى والعملي أما القولي، فهو مستفاد من تتبع فتاوى الفقهاء في موارد كثيرة، فإنهم لا يختلفون في أن قول مدعي الصحة في الجملة مطابق للاصل وإن إختلفوا في ترجيحه على سائر الاصول، كا ستعرف.

____________________

(١) وسائل الشيعة، ج ٨، ص ٥٠١.

(٢) نهج البلاغة، قصار الحكم: ١١٤.

(٣) وسائل الشيعة، ج ٨، ص ٢٦٣.

(٤) وسائل الشيعة، ج ٨، ص ٢٦٣.

٣١٧

الصفحة ٧٢٠

وأما العملي، فلا يخفى على أحد أن سيرة المسلمين في جميع الاعصار على حمل الاعمال على الصحيح وترتيب آثار الصحة في عباداتهم ومعاملاتهم.

ولا أظن أحدا ينكر ذلك إلا مكابرة.

الرابع [ العقل المستقل ]: العقل المستقل الحاكم بأنه لو لم يبن على هذا الاصل لزم إختلال نظام المعاد والمعاش، بل الاختلال الحاصل من ترك العمل بهذا الاصل أزيد من الاختلال الحاصل من ترك العمل بيد المسلمين.

مع أن الامام، عليه السلام، قال لحفص بن غياث بعد الحكم بأن اليد دليل الملك ويجوز الشهادة بالملك بمجرد اليد -: (إنه لولا ذلك لما قام للمسلمين سوق).

فيدل بفحواه على إعتبار أصالة الصحة في أعمال المسلمين، مضافا إلى دلالته بظاهر اللفظ، إن الظاهر أن كل ما لولاه لزم الاختلالا فهو حق، لان الاختلال باطل، والمستلزم للباطل باطل، فنقيضه حق، وهو إعتبار أصالة الصحة عند الشك في صحة ما صدر عن الغير.

ويشير إليه أيشا ما ورد من نفي الحرج وتوسعة الدين وذم من ضيقوا على أنفسهم بجالتهم.

٣١٨

الصفحة ٧٢١

وينبغي التنبيه على أمور الاول إن المحمول عليه فعل المسلم هل الصحة بإعتقاد الفاعل أو الصحة الواقعية؟ فلو علم أن معتقد الفاعل، إعتقادا يعذر فيه، صحة البيع أو النكاح بالفارسي فشك فيما صدر عنه مع إعتقاد الشاك إعتبار العربية، فهل يحمل على كونه واقعا بالعربي، حتى إذا ادعي عليه أنه أوقعه بالفارسي وادعى هو أنه أوقعه بالعربي، فهل يحكم الحاكم لفساد الفراسي بوقوعه بالعربي أم لا؟ وجهان، بل قولان.

ظاهر المشهور الحمل على الصحة الواقعية.

فإذا شك المأموم في أن الامام المعتقد لعدم وجوب السورة قرأها أم لا، جاز له الائتمام به وإن لم يكن له ذلك إذا علم بتركها.ويظهر من بعض المتأخرين خلافه.

قال في المدارك في شرح قول المحقق: (ولو إختلف الزوجان فادعى أحدهما وقوع العقد في حال الاحرام وأنكر الاخر، فالقول قول من يدعي الاحلال ترجيحا لجانب الصحة)، قال: - (إن الحمل على الصحة إنما يتم إذا كان المدعي لوقوع الفعل في حال الاحرام عالما بفساد ذلك.

أما مع إعترافه بالجهل فلا وجه للحمل على الصحة)، إنتهى.

ويظهر ذلك من بعض من عاصرناه، في أصوله وفروعه، حيث تمسك في هذا الاصل بالغلبة، بل ويمكن إسناد هذا القول إلى كل من إستند في هذا الاصل إلى ظاهر حال المسلم، كالعلامة وجماعة ممن تأخر عنه، فإنه لا يشمل صورة إعتقاد الصحة، خصوصا إذا كان قد أمضاه الشارع لاجتهاد أو تقليد أو قيام بينة أو غير ذلك.

____________________

(١) مدارك الاحكام، ص ٤٥٣.

٣١٩

الصفحة ٧٢٢

والمسألة محل إشكال، من إطلاق الاصحاب ومن عدم مساعدة أدلتهم، فإن العمدة الاجماع ولزوم الاختلال.

والاجماع الفتوئي مع ما عرفت مشكل، والعملي في مورد العلم بإعتقاد الفاعل للصحة ايضا مشكل.

والاختلال يندفع بالحمل على الصحة في غير المورد المذكور.

وتفصيل المسألة: أن الشاك في الفعل الصادر من غيره إما أن يكون عالما بعلم الفاعل بصحيح الفعل وفاسده، وإما أن يكون عالما بجهله، وإما أن يكون جاهلا بحاله.

فإن علم بعلمه بالصحيح والفاسد، فإما أن يعلم بمطابقة إعتقاده لاعتقاد الشكاك، أو يعلم مخالفته، أو يجهل الحال.

لا إشكال في الحمل في الصورة الاولى.

وأما الثانية، فإن لم يتصادق إعتقادهما بالصحة في فعل كأن اعتقد أحدهما وجوب الجهر بالقراء‌ة يوم الجمعة والاخر وجوب الاخفات فلا إشكال في وجوب الحمل على الصحيح بإعتقاد الفاعل، وإن تصادقا كما في العقد بالعربي والفارسي فإن قلنا إن العقد بالفارسي منه سبب لترتب الاثار عليه من كل أحد حتى المعتقد بفساده، فلا ثمرة في الحمل على معتقد الحامل أو الفاعل.

وإن قلنا بالعدم، كما هو الاقوى، ففيه الاشكال المتقدم من تعميم الاستصحاب في فتاويهم وفي بعض معاقد إجماعاتهم على تقديم قول مدعي الصحة، ومن إختصاص الادلة بغير هذه الصورة.

وإن جهل الحال، فالظاهر الحمل لجريان الادله، بل يمكن جريان الحمل على الصحة في إعتقاده فيحمل على كونه مطابقا لاعتقاد الحامل، لانه الصحيح، وسيجئ الكلام.

وإن كان عالما بجهله بالحال وعدم علمه بالصحيح والفاسد، ففيه أيضا الاشكال المتقدم، خصوصا إذا كان جهله مجامعا لتكليفه بالاجتناب.

كما إذا علمنا أنه أقدم على بيع أحد المشتبهين بالنجس، إلا أنه يحتمل أن يكون قد إتفق المبيع غير نجس.وكذا إذا كان جاهلا بحاله.إلا أن الاشكال في بعض هذه الصور أهون منه في بضع، فلا بد من التتبع والتأمل.

الامر الثاني إن الظاهر من المحقق الثاني أن أصالة الصحة إنما تجري في العقود بعد إستكمال العقد للاركان.

قال في جامع المقاصد، فيما لو إختلف الضامن والمضمون له، فقال الضامن: ضمنت وأنا صبي بعد

٣٢٠