فرائد الاصول الجزء ٢

فرائد الاصول0%

فرائد الاصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 438

  • البداية
  • السابق
  • 438 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 24770 / تحميل: 6017
الحجم الحجم الحجم
فرائد الاصول

فرائد الاصول الجزء 2

مؤلف:
العربية

الصفحة ٤٢٣

وجوب الاجتناب عن ذلك النجس، بناء على أن الاجتناب عن النجس يراد به ما يعم الاجتناب عن ملاقيه ولو بوسائط.

ولذا استدل السيد أبوالمكارم في الغنية على تنجس الماء القليل بملاقاة النجاسة بما دل على وجوب هجر النجاسات في قوله تعالى: (والرجز فاهجر)، ويدل عليه أيضا ما في بعض الاخبار من إستدلاله، عليه السلام، على حرمة الطعام الذي مات فيه فارة ب‍: (أن الله سبحانه حرم الميتة)، فإذا حكم الشارع بوجوب هجر كل واحد من المشتبهين فقد حكم بوجوب هجر كل ما لاقاه.

وهذا معنى ما استدل به العلامة، رحمه الله في المنتهى على ذلك: بأن الشارع أعطاهما حكم النجس.

وإلا فلم يقل أحد أن كلا من المشتبهين بحكم النجس في جميع آثاره وأن الاجتناب عن النجس لا يراد به إلا الاجتناب عن العين، وتنجس الملاقي للنجس حكم وضعي سببي يترتب للعنوان الواقعي من النجاسات، نظير وجوب الحد للخمر.فإذا شك في ثبوته للملاقي جرى فيه أصل الطهارة وأصل الاباحة.والاقوى هو الثاني.

أما أولا، فلما ذكر، وحاصله منع ما في الغنية من دلالة وجوب هجر النجس على وجوب الاجتناب عن ملاقي الرجز إذا لم يكن عليه أثر من ذلك الرجز، فتنجيسه حينئذ ليس إلا مجرد تعبد خاص.

فإذا حكم الشارع بوجوب هجر المشتبه في الشبهة المحصورة، فلا يدل على وجوب هجر ما يلاقيه.

نعم قد يدل بواسطة بعض الامارات الخارجية، كما أستفيد نجاسة البلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء من أمر الشارع بالطهارة عقيبه من جهة إستظهار أن الشارع جعل هذا المورد من موارد تقديم الظاهر على الاصل، فحكم بكون الخارج بولا، لا أنه أوجب خصوص الوضوء بخروجه.

وبه يندفع تعجب صاحب الحدائق، رحمه الله، من حكمهم بعدم النجاسة فيما نحن فيه وحكمهم بها في البلل، مع كون كل منهما مشتبها حكم عليه ببعض أحكام النجاسة.

وأما الرواية فهي رواية عمر بن شمر، عن جابر الجعفي، عن ابي جعفر، عليه السلام: (إنه أتاه رجل فقال له: وقعت فارة في خابية فيها سمن أو زيت، فما ترى في أكله؟ فقال أبوجعفر، عليه السلام: لا تأكله، فقال الرجل: الفأرة أهون علي من أن أترك طعامى لاجلها.

فقال أبوجعفر، عليه السلام: إنك لم تستخف بالفأرة وإنما إستخففت بدينك، إن الله حرم الميتة من كل شئ)(١).

____________________

(١) تهذيب الاحكام، ج ١، ص ١١٩ وسائل الشيعة، ج ١، ص ١٤٩.

٢١

الصفحة ٤٢٤

وجه الدلالة أنه، عليه السلام، جعل ترك الاجتناب عن الطعام إستخفافا بتحريم الميتة.ولولا إستلزامه لتحريم ملاقيه لم يكن أكل الطعام إستخفاف بتحريم الميتة.فوجوب الاجتناب عن شئ يستلزم وجوب الاجتناب عن ملاقيه.

لكن الرواية ضعيفة سندا، مع أن الظاهر من الحرمة فيها النجاسة، لان مجرد التحريم لا يدل على النجاسة فضلا عن تنجس الملاقي وإرتكاب التخصيص في الروايه بإخراج ما عدا النجاسات من المحرمات كما ترى، فالملازمة بين نجاسة الشئ وتنجس ملاقيه، لا حرمة الشئ وحرمة ملاقيه.

فإن قلت: وجوب الاجتناب عن ملاقي المشتبه وإن لم يكن من حيث ملاقاته له إلا انه يصير كملاقيه في العلم الاجمالي بنجاسته أو نجاسة المشتبه الاخر، فلا فرق بين الملاقيين في كون كل منها أحد طرفي الشبهة، فهو نظير ما إذا قسم أحد المشتبهين قسمين وجعل كل قسم في إناء.

قلت: ليس الامر كذلك، لان أصالة الطهارة والحل في الملاقي، بالكسر سليم عن معارضة أصالة الطهارة للمشتبه الاخر، بخلاف أصالة الطهارة والحل في الملاقي، بالفتح، فإنها معارضة بها في المشتبه الاخر.

والسر في ذلك أن الشك في الملاقي، بالكسر ناش عن الشبهه المتقومة بالمشتبهين، فالاصل فيهما أصل في الشك السببي والاصل فيه أصل في الشك المسبب.

وقد تقرر في محله أن الاصل في الشك السببي حاكم ووارد على الاصل في الشك المسبب، سواء كان مخالفا له، كما في أصالة طهارة الماء الحاكمه على أصالة نجاسة الثوب النجس المغسول به، أم موافقا، كما في أصالة طهارة الماء الحاكمة على أصالة إباحة الشرب.

فما دام الاصل الحاكم الموافق أو المخالف جاريا لم يجر الاصل المحكوم، لان الاول رافع شرعي للشك المسبب ومنزلة الدليل بالنسبة إليه.

وإذا لم يجر الاصل الحاكم لمعارضته بمثله زال المانع عن جريان الاصل في الشك المسبب ووجب الرجوع إليه، لانه كالاصل بالنسبة إلى المتعارضين.

ألا ترى أنه يجب الرجوع عند تعارض أصالة الطهارة والنجاسة عند تتميم الماء النجس كرا بطاهر، وعند غسل المحل النجس بمائين مشتبهين بالنجس إلى قاعدة الطهارة، ولا تجعل القاعدة كأحد المتعارضين.

نعم ربما تجعل معاضدا لاحدهما الموافق لها بزعم كونهما في مرتبة واحدة.

لكنه توهم فاسد، ولذا لم يقل أحد في مسألة الشبهة الحصورة بتقديم أصالة الطهارة في المشتبه

٢٢

الصفحة ٤٢٥

الملاقي، بالفتح، لاعتضادها بأصالة طهارة الملاقي، بالكسر.

فالتحقيق في تعارض الاصلين مع إتحاد مرتبتهما لاتحاد الشبهة الموجبة لهما الرجوع إلى ما ورائهما من الاصول التي لو كان أحدهما سليما عن المعارض لم يرجع إليه، سواء كان هذا الاصل مجانسا لهما أو من غير جنسهما، كقاعدة الطهارة في المثالين، فافهم واغتنم.وتمام الكلام في تعارض الاستصحابين إن شاء الله تعالى.

نعم لو حصل للاصل في هذا الملاقي، بالكسر، أصل أخر في مرتبته، كما لو وجد معه ملاقي المشتبه الاخر كانا من الشبهة المحصورة ولو كان ملاقاة شئ لاحد المشتبهين قبل العلم الاجمالي وفقد الملاقي، بالفتح، ثم حصل العلم الاجمالي بنجاسة المشتبه الباقي أو المفقود قام ملاقيه مقامه في وجوب الاجتناب عنه وعن الباقي، لان أصالة الطهارة في الملاقي، بالكسر، معارضة بأصالة الطهارة في المشتبه الاخر، لعدم جريان الاصل في المفقود حتى يعارضه، لما أشرنا إليه في الامر الثالث من عدم جريان الاصل فيما لا يبتلى به المكلف ولا أثر له بالنسبة إليه.

فمحصل ما ذكرنا: أن العبرة في حكم الملاقي بكون أصالة الطهارة سليمة أو معارضة.

[ ولو كان العلم الاجمالي قبل فقد الملاقي والملاقاة ففقد، فالظاهر طهارة الملاقي ووجوب الاجتناب عن صاحب الملاقي، ولا يخفى وجهه، فتأمل جيدا ].

الخامس: لو إضطر إلى إرتكاب بعض المحتملات، فإن كان بعضها معينا فالظاهر عدم وجوب الاجتناب عن الباقي إن كان الاضطرار قبل العلم أو معه، لرجوعه إلى عدم تنجز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي، لاحتمال كون المحرم هو المضطر إليه، وقد عرفت توضحيه في الامر المتقدم.

وإن كان بعده فالظاهر وجوب الاجتناب عن الآخر، لان الاذن في ترك بعض المقدمات العلمية بعد ملاحظة وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعي يرجع إلى إكتفاء الشارع في إمتثال ذلك التكليف بالاجتناب عن بعض المشتبهات.

ولو كان المضطر إليه بعضا غير معين وجب الاجتناب عن الباقي وإن كان الاضطرار قبل العلم الاجمالي، لان العلم حاصل بحرمة واحد من أمور لو علم حرمته تفصيلا وجب الاجتناب عنه، وترخيص بعضها على البدل موجب لاكتفاء الامر بالاجتناب عن الباقي.

فإن قلت: ترخيص ترك بعض المقدمات دليل على عدم إرادة الحرام الواقعي ولا تكليف بما عداه، فلا مقتضي لوجوب الاجتناب عن الباقي.

٢٣

الصفحة ٤٢٦

قلت: المقدمة العلمية مقدمة للعلم، واللازم من الترخيص فيها عدم وجوب تحصيل العلم، لا عدم وجوب الاجتناب عن الحرام الواقعي رأسا.

وحيث أن الحاكم بوجوب تحصيل العلم هو العقل بملاحظة تعلق الطلب الموجب للعقاب على المخالفة الحاصلة من ترك هذا المحتمل كان الترخيص المذكور موجبا للامن من العقاب على المخالفة الحاصلة من ترك هذا الذي رخص في تركه، فيثبت من ذلك تكليف متوسط بين نفي التكليف رأسا وثبوته معلقا بالواقع على ما هو عليه.

وحاصله ثبوت التكليف بالواقع من الطريق الذي رخص الشارع، في إمتثاله منه، وهو ترك باقي المحتملات.

وهذا نظير جميع الطرق الشرعية المجعولة للتكاليف الواقعية ومرجعة إلى القناعة عن الواقع ببعض محتملاته معينا كما في الاخذ بالحالة السابقة في الاستصحاب، أو مخيرا كما في موارد التخيير.

ومما ذكرنا تبين أن مقتضى القاعدة عند انسداد باب العلم التفصيلي بالاحكام الشرعية وعدم وجوب تحصيل العلم الاجمالي فيها بالاحتياط، لمكان الجرح أو قيام الاجماع على عدم وجوبه، أن يرجع في ما عدا البعض المرخص في ترك الاحتياط فيه، أعني موارد الظن مطلقا أو في الجملة، إلى الاحتياط.

مع أن بناء أهل الاستدلال بدليل الانسداد بعد إبطال الاحتياط ووجوب العمل بالظن مطلقا أو في الجملة على الخلاف بينهم على الرجوع في غير موارد الظن المعتبر إلى الاصول الموجودة في تلك الموارد دون الاحتياط.

نعم لو قام بعد بطلان وجوب الاحتياط دليل عقلي أو إجماع على كون الظن مطلقا أو في الجملة حجة وطريقا في الاحكام الشرعية أو منعوا أصاله وجوب الاحتياط عند الشك في المكلف به، صح ما جروا عليه من الرجوع في موارد عدم وجود هذا الطريق إلى الاصول الجارية في مواردها.

لكنك خبير بأنه لم يقم ولم يقيموا على وجوب إتباع المظنونات إلا بطلان الاحتياط، مع إعتراف أكثرهم بأنه الاصل في المسألة وعدم جواز ترجيح المرجوح.

ومن المعلوم أن هذا لا يفيد إلا مخالفة الاحتياط بموافقة الطرف الراجح في المظنون دون الموهوم.

ومقتضى هذا لزوم الاحتياط في غير المظنونات.

السادس لو كان المشتبهات مما يوجد تدريجا، كما إذا كانت زوجة الرجل مضطربة في حيضها بأن تنسى وقتها وإن حفظت عددها، فيعلم إجمالا انها حائض في الشهر ثلاثة أيام مثلا، فهل يجب

٢٤

الصفحة ٤٢٧

على الزوج الاجتناب عنها تمام الشهر ويجب على الزوجه أيضا الامساك عن دخول المسجد وقراء‌ة العزيمة تمام الشهر أم لا.

وكما إذا علم التاجر إجمالا بابتلائه في يومه أو شهره بمعاملة ربوية، فهل يجب عليه الامساك عما لا يعرف حكمه من المعاملات في يومه وشهره أم لا.

التحقيق أن يقال: إنه لا فرق بين الموجودات فعلا والموجودات تدريجا في وجوب الاجتناب عن الحرام المردد بينها إذا كان الابتلاء دفعة، وعدمه لاتحاد المناط في وجوب الاجتناب.

نعم قد يمنع الابتلاء دفعة في التدريجات، كما في مثال الحيض، فإن تنجز تكليف الزوج بترك وطي الحائض قبل زمان حيضها ممنوع، فإن قول الشارع: (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن)، ظاهر في وجوب الكف عن الابتلاء بالخائص، إذ الترك قبل الابتلاء حاصل بنفس عدم الابتلاء، فلا يطلب.

فهذا الخطاب، كما أنه مختص بذوي الازواج ولا يشمل العزاب إلا على وجه التعليق، فكذلك من لم يبتل بالمرأة الحائض.

ويشكل الفرق بين هذا وبين ما إذا نذر أو حلف في ترك الوطي في ليلة خاصة، ثم اشتبهت بين ليلتين أو أزيد.

لكن الاظهر هنا وجوب الاحتياط، وكذا في المثال الثاني من المثالين المتقدمين.

وحيث قلنا بعدم وجوب الاحتياط في الشبهه التدريجية، فالظاهر جواز المخالفة القطعية، لان المفروض عدم تنجز التكليف الواقعي بالنسبة إليه، فالواجب الرجوع في كل مشتبه إلى الاصل الجاري في خصوص ذلك المشتبه إباحة وتحريما.

فيرجع في المثال الاول إلى إستصحاب الطهر إلى أن يبقى مقدار الحيض، فيرجع فيه إلى أصالة الاباحة، لعدم جريان الاستصحاب، وفي المثال الثاني إلى أصاله الاباحة والفساد، فيحكم في كل معاملة يشك في كونه ربوية بعدم إستحقاق العقاب على إيقاع عقدها وعدم ترتب الاثر عليها، لان فساد الربا ليس دائرا مدار الحكم التكليفي، ولذا يفسد في حق القاصر بالجهل والنسيان والصغر على وجه.

وليس هنا مورد التمسك بعموم صحة العقود وإن قلنا بجواز التمسك بالعام عند الشك في مصداق ما خرج عنه بخروج بعض الشبهات التدريجية عن العموم لفرض العلم بفساد بعضها، فيسقط العام عن الظهور بالنسبة إليها ويجب الرجوع إلى أصالة الفساد.

اللهم إلا أن يقال: إن العلم الاجمالي بين المشتبهات التدريجية، كما لا يقدح في إجراء الاصول العملية فيها، لا يقدح في الاصول اللفظية، فيمكن التمسك فيما نحن فيه بصحة كل واحد من المشتبهات بأصالة العموم، لكن الظاهر الفرق بين الاصول اللفظية والعملية، فتأمل.

٢٥

الصفحة ٤٢٨

السابع: قد عرفت أن المانع من إجراء الاصل في كل من المشتبهين بالشبهة المحصورة هو العلم الاجمالي [ بالتكليف] المتعلق بالمكلف.

وهذا العلم قد ينشأ عن إشتباه المكلف به، كما في المشتبه بالخمر أو النجس أو غيرهما، وقد يكون من جهة إشتباه المكلف، كما في الخنثى العالم إجمالا بحرمة إحدى لباسي الرجل والمرأه عليه.وهذا من قبيل ما لو علم أن هذا الاناء خمر أو أن هذا الثوب مغصوب.

وقد عرفت في الامر الاول أنه لا فرق بين الخطاب الواحد المعلوم وجود موضوعه بين المشتبهين وبين الخطابين المعلوم وجود موضوع أحدهما بين المشتبهين.

وعلى هذا فيحرم على الخنثى كشف كل من قبيله، لان أحدهما عورة قطعا، والتكلم مع الرجال والنساء إلا لضرورة، وكذا إستماع صوتها وإن جاز للرجال والنساء إستماع صوتها بل النظر إليها، لاصالة الحل، بناء على عدم العموم في آية الغض للرجال وعدم جواز التمسك بعموم آية حرمة إبداء الزينه على النساء، لاشتباه مصداق المخصص.

وكذا يحرم عليه التزويج والتزوج، لوجوب إحراز الرجولية في الزوج والانوثية في الزوجة، إذ الاصل عدم تأثير العقد ووجوب حفظ الفرج.

ويمكن أن يقال بعدم توجه الخطابات التلكيفية المختصة إليها، إما لانصرافها إلى غيرها، خصوصا في حكم اللباس المستنبط مما دل على حرمة تشبه كل من الرجل والمرأه على الاخر، وإما لاشتراط التكليف بعلم المكلف بتوجه الخطاب إليه تفصيلا، وإن كان مرددا بين خطابين متوجهين إليه تفصيلا، لان الخطابين بشخص واحد بمنزلة خطاب واحد لشيئين، إذ لا فرق بين قوله: (إجتنب عن الخمر) و: (إجتنب عن مال الغير)، وبين قوله: (إجتنب عن كليهما)، بخلاف الخطابين الموجهين إلى صنفين يعلم المكلف دخوله تحت أحدهما.

لكن كل من الدعويين خصوصا الاخيرة ضعيفة، فإن دعوى عدم شمول ما دل على وجوب حفظ الفرج عن الزنا أو العورة عن النظر للخنثى كما ترى.

وكذا دعوى إشتراط التكليف بالعلم بتوجه خطاب تفصيلي، فإن المناط في وجوب الاحتياط في الشبهة المحصورة عدم جواز إجراء أصل البراء‌ه في المشتبهين، وهو ثابت في ما نحن فيه، ضرورة عدم جواز جريان أصالة الحل في كشف كل من قبلي الخنثى، للعلم بوجوب حفظ الفرج من النظر

٢٦

الصفحة ٤٢٩

والزنا على كل أحد.

فمسألة الخنثى نظير المكلف المردد بين كونه مسافرا أو حاضرا، لبعض الاشتباهات، فلا يجوز له ترك العمل بخطابيهما.

الثامن: أن ظاهر كلام الاصحاب التسوية بين كون الاصل في كل واحد من المشتبهين في نفسه هو الحل أو الحرمة، لان المفروض عدم جريان الاصل فيهما، لاجل معارضته بالمثل، فوجوده كعدمه.

ويمكن الفرق بين المجوزين لارتكاب ما عدا مقدار الحرام وتخصيص الجواز بالصورة الاولى، ويحكمون في الثانية بعدم جواز الارتكاب، بناء على العمل بالاصل فيهما، ولا يلزم ههنا مخالفة قطعية في العمل، ولا دليل على حرمتها إذا لم تتعلق بالعمل، إذا وافق الاحتياط.

إلا أن إستدلال بعض المجوزين للارتكاب بالاخبار الدالة على حلية المال المختلط بالحرام، ربما يظهر منه التعميم، وعلى التخصيص، فيخرج عن محل النزاع.

كما لو علم بكون إحدى المرأتين أجنبية أو إحدى الذبيحتين ميتة أو أحد المالين مال الغير أو أحد الاسيرين محقون الدم أو كان الاناء‌ان معلومي النجاسة سابقا فعلم طهارة أحدهما.

وربما يقال: إن الظاهر أن محل الكلام في المحرمات المالية ونحوها، كالنجس، لا في الانفس والاعراض.

فيستظهر أنه لم يقل أحد فيها بجواز الارتكاب، لان المنع في مثل ذلك ضروري.

وفيه نظر.

التاسع: أن المشتبه بأحد المشتبهين حكمه حمكهما، لان مقدمة المقدمة مقدمة.وهو ظاهر.

٢٧

الصفحة ٤٣٠

المقام الثاني في الشبهة الغير المحصورة والمعروف فيها عدم وجوب الاجتناب، ويدل [ عليه ] وجوه:

الاول: الاجماع الظاهر المصرح به في الروض وعن جامع المقاصد وادعاه صريحا المحقق البهبهاني، رحمه الله، في فوائده وزاد عليه نفي الريب فيه وأن مدار المسلمين في الاعصار والامصار عليه.وتبعه في دعوى الاجماع غير واحد ممن تأخر عنه.وزاد بعضهم دعوى الضرورة عليه في الجملة.وبالجملة فنقل الاجماع مستفيض، وهو كاف في المسألة.

الثاني: ما استدل به جماعة من لزوم المشقة في الاجتناب ولعل المراد لزومه به في أغلب أفراد هذه الشبهة لاغلب أفراد المكلفين، فيشمله عموم قوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)(١)، وقوله تعالى: (ما جعل الله عليكم في الدين من حرج)(٢) بناء على أن المراد ما كان الغالب فيه الحرج، فهو مرتفع عن جميع المكلفين، حتى من لا حرج بالنسبة إليه.

وهذا المعنى وإن كان خلاف الظاهر، إلا أنه يتعين الحمل عليه، بمعونة ما ورد من إناطة الاحكام الشرعية الكلية وجودا وعدما بالعسر واليسر الغالبين.

وفي هذا الاستدلال نظر، لان أدلة نفي العسر والحرج من الآيات والروايات لا تدل إلا على

____________________

(١) البقرة: ١٨٥.

(٢) الحج: ٧٨.

٢٨

الصفحة ٤٣١

أن ما كان فيه ضيق على مكلف فهو مرتفع عنه.

وأما إرتفاع ما كان ضيقا على الاكثر عمن هو عليه في غاية السهولة فليس فيه إمتنان على أحد، بل فيه تفويت مصلحة التكليف من غير تداركها بالتسهيل.

وأما ما ورد من دوران الاحكام مدار السهولة على الاغلب، فلا ينتفع فيما نحن فيه، لان الشبهة الغير المحصورة ليست واقعة واحدة حكم فيها بحكم حتى يدعى أن الحكم بالاحتياط في أغلب مواردها عسر على أغلب الناس، فيرتفع حكم الاحتياط فيها مطلقا، بل هي عنوان لموضوعات متعددة لاحكام متعددة.

والمتقضي للاحتياط في كل موضوع هو نفس الدليل الخاص التحريمي الموجود في ذلك الموضوع.

والمفروض أن ثبوت التحريم لذلك الموضوع مسلم، ولا يرد منه حرج على الاغلب وأن الاجتناب في صورة إشتباهه أيضا في غاية اليسر.فأي مدخل للاخبار الواردة في أن الحكم الشرعي يتبع الاغلب في اليسر والعسر.

وكأن المستدل بذلك جعل الشبهة الغير المحصورة واقعة واحدة، مقتضى الدليل فيها وجوب الاحتياط لولا العسر، لكن لما تعسر الاحتياط في أغلب الموارد على أغلب الناس حكم بعدم وجوب الاحتياط كلية.

وفيه: أن دليل الاحتياط في كل فرد من الشبهة ليس إلا دليل حرمة ذلك الموضوع.

نعم لو لزم الحرج من جريان حكم العنوان المحرم الواقعي في خصوص مشتبهاته الغير المحصورة على أغلب المكلفين في أغلب الاوقات كأن يدعى أن الحكم بوجوب الاحتياط عن النجس كالواقعي مع إشتباهه في أمور غير محصورة يوجب الحرج الغالبي أمكن إلتزام إرتقاع وجوب الاحتياط في خصوص النجاسة المشتبهة، لكن لا يتوهم من ذلك إطراد الحكم بإرتفاع التحريم في الخمر المشتبه بين مايعات غير محصورة والمرأة المحرمة المشتبهة في ناحية مخصوصة إلى غير ذلك من المحرمات.

ولعل كثيرا ممن تمسك في هذا المقام بلزوم المشقة أراد المورد الخاص كما ذكروا ذلك في الطهارة والنجاسة.

هذا كله، مع أن لزوم الحرج في الاجتناب عن الشبهة الغير المحصورة التي يقتضي الدليل المتقدم وجوب الاحتياط فيها ممنوع.

ووجهه أن كثيرا من الشبهات الغير المحصورة لا يكون جميع المحتملات مورد إبتلاء الملكف، ولا يجب الاحتياط في هذه الشبهة وإن كانت محصورة كما أوضحناه سابقا.

وبعد إخراج هذا عن محل الكلام فالانصاف منع غلبة التعسر في الاجتناب.

* * *

٢٩

الصفحة ٤٣٢

الثالث الاخبار الدالة على حلية كل ما لم يعلم حرمته

فإنها بظاهرها وإن عمت الشبهة المحصورة إلا أن مقتضى الجمع بينها وبين ما دلت على وجوب الاجتناب بقول مطلق هو حمل أخبار الرخصة على غير المحصورة وحمل أخبار المنع على المحصور.

وفيه: أولا أن المستند في وجوب الاجتناب في المحصور هو إقتضاء دليل نفس الحرام المشتبه لذلك بضميمة حكم العقل، وقد تقدم بما لا مزيد عليها أن أخبار حل الشبهة لا تشمل صورة العلم الاجمالي بالحرام.

وثانيا لو سلمنا شمولها لصورة العلم الاجمالي حتى يشمل الصورة الغير المحصورة لكنها تشمل الحصورة أيضا وأخبار وجوب الاجتناب مختصة بغير الشبهة الابتدائيه إجماعا، فهي على عمومها للشبة الغير المحصورة أيضا أخص مطلقا من أخبار الرخصة.

والحاصل: أن أخبار الحل نص في الشبهة الابتدائية وأخبار الاجتناب نص في الشبهة المحصورة، وكلا الطرفين ظاهران في الشبهة الغير المحصورة.

فإخراجها عن أحدهما وإدخالها في الاخر ليس جمعا بل ترجيحا بلا مرجح.

إلا أن يقال: إن أكثر أفراد الشبهة الابتدائية ترجع بالاخرة إلى الشبهة الغير المحصورة، لانا نعلم إجمالا بوجود النجس والحرام في الوقايع المجهولة بغير المحصورة.

فلو اخرجت هذه الشبهة عن أخبار الحل لم يبق تحتها من الافراد إلا النادر، وهو لا يناسب مساق هذا الاخبار، فتدبر.

الرابع بعض الاخبار الدالة على أن: مجرد العلم بوجود الحرام بين المشتبهات لا يوجب الاجتناب عن جميع ما يحتمل كونه حراما.

مثل ما في محاسن البرقي عن أبي الجارود قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجبن فقلت: أخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة.

فقال: أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الارض ! فما علمت فيه ميتة فلا تأكله، وما لم تعلم فاشتر وبع وكل.

والله إني لاعترض السوق فأشتري اللحم والسمن والجبن.

والله ما أظن كلهم يسمون، هذه البربر وهذه السودان)(١)، الخبر.

____________________

(١) المحاسن، ص ٤٩٥، ح ٥٩٧ وسائل الشيعة، ج ١٧، ص ٩١.

٣٠

الصفحة ٤٣٣

فإن قوله: (أمن أجل مكان واحد)، الخبر، ظاهر في أن مجرد العلم بوجود الحرام لا يوجب الاجتناب عن محتملاته.

وكذا قوله عليه السلام: (والله ما أظن كلهم يسمون)، فإن الظاهر منه إرادة العلم بعدم تسمية جماعة حين الذبح، كالبربر والسودان.

إلا أن يدعى أن المراد أن جعل الميتة في الجبن في مكان واحد لا يوجب الاجتناب عن جبن غيره من الاماكن.

ولا كلام في ذلك، لا أنه لا يوجب الاجتناب عن كل جبن يحتمل أن يكون من ذلك المكان، فلا دخل له بالمدعى.

وأما قوله: (ما أظن كلهم يسمون)، فالمراد منه عدم وجوب الظن أو القطع بالحلية، بل يكفي أخذها من سوق المسلمين، بناء على أن السوق أمارة شرعية لحل الجبن المأخوذ منه ولو من يد مجهول الاسلام.

إلا أن يقال: إن سوق المسلمين غير معتبر مع العلم الاجمالي بوجود الحرام، فلا مسوغ للارتكاب إلا كون الشبهة غير محصورة، فتأمل.

الخامس أصالة البراء‌ة بناء على أن المانع من إجرائها ليس إلا العلم الاجمالي بوجود الحرام، لكنه إنما يوجب الاجتناب عن محتملاته من باب المقدمة العلمية التي لا يجب إلا لاجل وجوب دفع الضرر، وهو العقاب المحتمل في فعل كل واحد من المحتملات الغير المحصورة [ وهذا لا يجري في المحتملات الغير المحصورة ]، ضرورة أن كثرة الاحتمال توجب عدم الاعتناء بالضرر المعلوم وجوده بين المحتملات.

ألا ترى الفرق الواضح بين العلم بوجود السم في أحد إنائين وواحد من ألفي إناء.

وكذلك بين قدف أحد الشخصين لا بعينه وبين قذف واحد من أهل بلد، فإن الشخصين كلاهما يتأثران بالاول ولا يتأثر أحد من أهل البلد بالثاني.

وكذا الحال لو أخبر شخص بموت الشخص المردد بين ولده وشخص آخر، وبموت المردد بين ولده وبين كل واحد من أهل بلده، فإنه لا يضطرب خاطره في الثاني أصلا.

وإن شئت قلت: إن إرتكاب المحتمل في الشبهة الغير المحصورة لا يكون عند العقلاء، إلا كإرتكاب الشبهة الغير المقرونة بالعلم الاجمالي.

وكأن ما ذكره الامام عليه السلام في الرواية المتقدمة من قوله: (أمن أجل مكان واحد)، الخبر، بناء على أن الاستدلال به إشارة إلى هذا المعنى، حيث جعل كون حرمة الجبن في مكان

٣١

الصفحة ٤٣٤

واحد، منشاء لحرمة جميع محتملاته الغير المحصورة من المنكرات المعلومة عند العقلاء التي لا ينبغي للمخاطب أن يقبلها.

كما يشهد بذلك كلمة الاستفهام الانكاري، لكن عرفت أن فيه إحتمالا آخر يتم معه الاستفهام الانكاري أيضا.

وحاصل هذا الوجه أن العقل إذا لم يستقل دفع العقاب المحتمل عند كثرة المحتملات.

فليس ما يوجب على المكلف الاجتناب من كل محتمل، فيكون عقابه حينئذ عقابا من دون برهان.

فعلم من ذلك أن الامر إكتفى في المحرم المعلوم إجمالا بين المحتملات بعدم العلم التفصيلي بإتيانه ولم يعتبر العلم بعدم إتيانه، فتأمل.

السادس [ عدم الابتلاء ] أن الغالب عدم إبتلاء المكلف إلا ببعض معين من محتملات الشبهة الغير المحصورة ويكون الباقي خارجا عن محل إبتلائه، وقد تقدم عدم وجوب الاجتناب في مثله مع حصر الشبهة فضلا عن غير المحصورة * * *

٣٢

الصفحة ٤٣٥

[ ضابط المحصور والارتكاب والنسبة وبقية المسائل ] هذا غاية ما يمكن أن يستدل به على حكم الشبهة الغير المحصورة، وقد عرفت أن أكثرها لا يخلو من منع أو قصور، لكن المجموع منها لعله يفيد القطع أو الظن بعدم وجوب الاحتياط في الجملة والمسألة فرعية يكتفى فيها بالظن.

إلا أن الكلام يقع في موارد: الاول في أنه هل يجوز إرتكاب جميع المشتبهات في غير المحصور بحيث يلزم العلم الفصيلي أم يجب إبقاء مقدار الحرام؟ ظاهر إطلاق القول بعدم وجوب الاجتناب هو الاول، لكن يحتمل أن يكون مرادهم عدم وجوب الاحتياط فيه في مقابلة الشبهة المحصورة التي قالوا فيها بوجوب الاجتناب.

وهذا غير بعيد عن سياق كلامهم.

فحينئذ لا يعم معقد إجماعهم بحكم إرتكاب الكل، إلا أن الاخبار لو عمت المقام دلت على الجواز.

وأما الوجه الخامس فالظاهر دلالته على جواز الارتكاب، لكن مع عدم العزم على ذلك من أول الامر.

وأما معه فالظاهر صدق المعصية عند مصادفة الحرام فيستحق العقاب.

فالاقوى في المسألة عدم جوز الارتكاب إذا قصد ذلك من أول الامر، فإن قصده المخالفة والمعصية، فيستحق العقاب بمصادفة الحرام.

والتحقيق عدم جواز إرتكاب الكل، لاستلزامه طرح الدليل الواقعي الدال على وجوب الاجتناب عن المحرم الواقعي، كالخمر في قوله: (إجتنب عن الخمر)، لان هذا التكليف لا يسقط

٣٣

الصفحة ٤٣٦

من المكلف مع علمه بوجود الخمر بين المشبهات.

غاية ما ثبت في غير المحصور الاكتفاء في إمتثاله بترك بعض المحتملات، فيكون البعض المتروك بدلا ظاهريا عن الحرام الواقعي، وإلا فإخراج الخمر الموجود يقينا بين المشتبهات عن عموم قوله: (إجتنب عن كل خمر)، إعتراف بعدم حرمته واقعا وهو معلوم البطلان.هذا إذا قصد الجميع من أول الامر لانفسها.

ولو قصد نفس الحرام من إرتكاب الجميع فارتكب الكل مقدمة فالظاهر إستحقاق العقاب للحرمة من أول الارتكاب بناء على حرمة التجري.فصور إرتكاب الكل ثلاثة عرفت كلها.

الثاني اختلف عبارات الاصحاب في بيان ضابط المحصور وغيره.

فعن الشهيد والمحقق الثانيين والميسي وصاحب المدارك أن المرجع فيه إلى العرف.

فما كان غير محصور في العادة بمعنى أنه يعسر عده، لا ما إمتنع عده، لان كل ما يوجد من الاعداد قابل للعد والحصر.

وفيه مضافا إلى أنه إنما يتجه إذا كان الاعتماد في عدم وجود الاجتناب على الاجماع المنقول على جواز الارتكاب في غير المحصور أو على تحصيل الاجماع من إتفاق من عبر بهذه العبارة الكاشف عن إناطة الحكم في كلام المعصوم بها أن تعسر العد غير متحقق فيما مثلوا به لغير المحصور، كالالف مثلا، فإن عد الالف لا يعد عسرا.

وربما قيد المحقق الثاني عسر العد بزمان قصير.

قال في فوائد الشرائع كما عن حاشية الارشاد، بعد أن ذكر أن غير المحصور من الحقائق العرفية.

(إن طريق ضبطه أن يقال: لا ريب أنه إذا أخذ مرتبة عليا من مراتب العدد كألف مثلا، قطع بأنه مما لا يحصر ولا يعد عادة، لعسر ذلك في الزمان القصير، فيجعل طرفا، ويوجد مرتبة أخرى دنيا جدا كالثلاثة نقطع بأنها محصورة، لسهولة عدها في الزمان اليسير.

وما بينهما من الوسائط كلما جرى مجرى الطرف الاول ألحق به، وكذا ما جرى مجرى الطرف الثاني ألحق به، وما يفرض فيه الشك يعرض على القوانين والنظائر ويراجع فيه إلى الغالب.فإن غلب على الظن إلحاقه باحد الطرفين، وإلا عمل فيه بالاستصحاب إلى أن يعلم الناقل.وبهذا ينضبط كل ما ليس

٣٤

الصفحة ٤٣٧

بمحصور شرعا في أبواب الطهارة والنكاح وغيرهما)(١).

أقول: وللنظر فيما ذكر قدس سره مجال.

أما أولا، فلان جعل الالف من غير المحصور مناف لما عللوا عدم وجوب الاجتناب به من لزوم العسر في الاجتناب.

فإنا إذا فرضنا بيتا عشرون ذراعا في عشرين ذراعا، وعلم بنجاسة جزء يسير منه يصح السجود عليه نسبته إلى البيت الواحد إلى الالف، فأي عسر في الاجتناب عن هذا البيت والصلاة في بيت آخر، وأي فرق بين هذا الفرض وبين أن يعلم بنجاسة ذراع منه أو ذراعين مما يوجب حصر الشبهة، فإن سهولة الاجتناب وعسره لا يتفاوت بكون المعلوم إجمالا، قليلا أو كثيرا، وكذا لو فرضنا أوقية من الطعام يبلغ ألف حبة بل أزيد يعلم بنجاسة أو غصبية حبة منها، فإن جعل هذا من غير المحصور ينافي تعليل الرخصة فيه بتعسر الاجتناب.

وأما ثانيا، فلان ظن الفقيه بكون العدد المعين جاريا مجرى المحصور في سهولة الحصر أو مجرى غيره ولا دليل عليه.

وأما ثالثا، فلعدم إستقامة الرجوع في موارد الشك إلى الاستصحاب حتى يعلم الناقل، لانه إن أريد إستصحاب الحل والجواز، كما هو الظاهر من كلامه.

ففيه: أن الوجه المقتضي لوجوب الاجتناب في المحصور وهو وجوب المقدمة العلمية بعد العلم بحرمة الامر الواقعي المردد بين المشتبهات قائم بعينه في غير المحصور، والمانع غير معلوم، فلا وجه للرجوع إلى الاستصحاب إلا أن يكون نظره إلى ما ذكرنا في الدليل الخامس من أدلة عدم وجوب الاجتناب، من أن المقتضي لوجوب الاجتناب في الشبهة الغير المحصورة هو حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل غير موجود.

وحينئذ فمرجع الشك في كون الشبهة محصورة أو غيرها إلى الشك في وجود المقتضي للاجتناب، ومعه يرجع إلى أصالة الجواز، لكنك عرفت التأمل في ذلك الدليل.

فالاقوى وجوب الرجوع مع الشك إلى أصالة الاحتياط لوجود المقتضي وعدم المانع.

وكيف كان، فما ذكروه من أصالة إحالة غير المحصور وتمييزه عن غيره إلى العرف لا يوجب إلا زيادة التحير في موارد الشك.

وقال كاشف اللثام في مسألة المكان المشتبه بالنجس: (لعل الضابط أن ما يؤدي إجتنابه إلى ترك الصلاة غالبا فهو غير محصور، كما أن إجتناب شاة أو إمرأة

____________________

(١) فوائد الشرائع، ص

٣٥

الصفحة ٤٣٨

مشتبهة في صقع من الارض يؤدي إلى الترك غالبا)(١)، إنتهى.واستصوبه في مفتاح الكرامة(٢).وفيه ما لا يخفى من عدم الضبط.

ويمكن أن يقال بملاحظة ما ذكرنا في الوجه الخامس: إن غير المحصور ما بلغ كثرة الوقائع المحتملة للتحريم إلى حيث لا يعتني العقلاء بالعلم الاجمالي الحاصل فيها.

ألا ترى أنه لو نهى المولى عبده عن المعاملة مع زيد، فعامل العبد مع واحد من أهل القرية كبيرة يعلم بوجود زيد فيها لم يكن ملوما وإن صادف زيدا.

وقد ذكرنا أن المعلوم بالاجمال قد يؤثر مع قلة الاحتمل ما لا يؤثر مع الانتشار وكثرة الاحتمال، كما قلناه في سب واحد مردد بين إثنين أو ثلاثة ومردد بين أهل بلدة.

ونحوه ما إذا علم إجمالا بوجود بعض القرائن الصارفة المختفية لبعض ظواهر الكتاب والسنة أو حصول النقل في بعض الالفاظ، إلى غير ذلك من الموارد التي لا يعتنى فيها بالعلوم الاجمالية المترتب عليها الاثار المتعلقه بالمعاش والمعاد في كل مقام.

وليعلم أن العبرة في المحتملات كثرة وقلة بالوقائع التي يقع موردا للحكم بوجوب الاجتناب مع العلم التفصيلي بالحرام.

فإذا علم حبة أرز محرمة أو نجسة في ألف حبة، والمفروض أن تناول ألف حبة من الارز في العادة بعشر لقمات، فالحرام مردد بين عشرة محتملات، لا ألف محتمل، لان كل لقمة يكون فيها الحبة حرام أخذها لاشتمالها على مال الغير أو مضغها لكونه مضغا للنجس، فكأنه علم إجمالا بحرمة واحدة من عشر لقمات.

نعم لو إتفق تناول الحبوب في مقام يكون تناول كل حبة واقعة مستقلة كان له حكم غير المحصور.

وهذا غاية ما ذكروا أو يمكن أن يذكر في ضابط المحصور وغيره.ومع ذلك فلم يحصل للنفس وثوق بشئ منها.

فالاولى الرجوع في موارد الشك إلى حكم العقلاء بوجوب مراعاة العلم الاجمالي الموجود في ذلك المورد، فإن قوله (إجتنب عن الخمر) لا فرق في دلالته على تنجز التكليف بالاجتناب عن الخمر بين الخمر المعلوم المردد بين أمور محصورة وبين الموجود المردد بين أمور غير محصورة.

غاية الامر قيام الدليل في غير المحصورة على إكتفاء الشارع على الحرام الواقعي ببعض محتملاته، كما تقدم سابقا.

____________________

(١) كشف اللثام، ج، ص.

(٢) مفتاح الكرامة، ج، ص.

٣٦

الصفحة ٤٣٩

فإذا شك في كون الشبهة محصورة أو غير محصورة شك في قيام الدليل على قيام بعض المحتملات مقام الحرام الواقعي في الاكتفاء عن إمتثاله بترك ذلك البعض فيجب ترك جميع المحتملات لعدم الامن من الوقوع في العقاب بإرتكاب البعض.

الثالث إذا كان المردد بين الامور الغير المحصورة أفرادا كثيرة، نسبة مجموعها إلى المشتبهات كنسبة الشئ إلى الامور المحصورة.

كما إذا علم بوجود خمس مأة شاة محرمة في ألف وخمس مأة شاة، فإن نسبة مجموع المحرمات إلى المشتبهات كنسبة الواحد إلى الثلاثة.

فالظاهر أنه ملحق بالشبهة المحصورة، لان الامر متعلق بالاجتناب عن مجموع الخمس مأة في المثال.

ومحتملات هذا الحرام المتبائنة ثلاثة، فهو كإشتباه الواحد في الثلاثة.

وأما ما عدا هذه الثلاثه من الاحتمالات فهي إحتمالات لا تنفك عن الاشتمال على الحرام.

الرابع أنا ذكرنا في (المطلب الاول) المتكفل لبيان حكم أقسام الشك في الحرام مع العلم بالحرمة: (أن مسائله: أربع منها الشبهة الموضوعية).

٣٧

الصفحة ٤٤٠

وأما [ المسائل ] الثلاث الاخر وهي ما إذا إشتبه الحرام بغير الواجب، لاشتباه الحكم من جهة عدم النصر أو إجمال النص أو تعارض النصين.فحكمهما يظهر مما ذكرنا في الشبهة المحصورة.لكن أكثر ما يوجد من هذه الاقسام الثلاثة هو القسم الثاني.كما إذا تردد الغناء المحرم بين مفهومين بينهما عموم من وجه، فإن مادتي الافتراق من هذا القسم.

ومثل ما إذا ثبت بالدليل حرمة الاذان الثالث يوم الجمعة واختلف في تعيينه.

مثل قوله، صلى الله عليه وآله: (من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج عن الاسلام)(١) ، حيث قرء: جدد بالجيم، والحاء المهملة، والخاء المعجمة، وقرء جدث بالجيم والثاء المثلثة.

____________________

(١) المحاسن، ص ٦١٢ ومسائل الشيعة، ج ٢، ص ٨٦٨.

٣٨

الصفحة ٤٤١

المطلب الثاني: إشتباه الواجب بغير الحرام

وهو على قسمين: لان الواجب إما مردد بين أمرين متباينين، كما إذا تردد الامر بين وجوب الظهر والجمعة في يوم الجمعه، وبين القصر والاتمام في بعض المسائل.

وإما مردد بين الاقل والاكثر، كما إذا ترددت الصلاة الواجبة بين ذات السورة وفاقدتها، للشك في كون السورة جزء‌ا.

وليس المثالان الاولان من الاقل والاكثر، كما لا يخفى.

واعلم أنا لم نذكر في الشبهة التحريمية من الشك في المكلف به صور دوران الامر بين الاقل والاكثر، لان مرجع الدوران بينهما في تلك الشبهة، إلى الشك في أصل التكليف، لان الاقل حينئذ معلوم الحرمة والشك في حرمة الاكثر.

اما

____________________

(١) المطلب الثاني في إشتباه الواجب بغير الحرام ومسائله أيضا أربع الاولى ما إذا كان الاشتباه في الحكم الشرعي وهو على قسمين، لان الواجب أما مردد بين أمرين متباينين، كما إذا تردد بين وجوب الظهر والجمعة في يوم الجمعة، وبين القصر والاتمام في بعض المسائل، وإما مردد بين الاقل والاكثر، كما إذا ترددت الصلاة الواجبة بين ذات السورة وفاقدتها، للشك في كون السورة جزء‌ا.

وليس المثالان الاولان من الاقل والاكثر، كما لا يخفى.

واعلم أنا لم نذكر في الشبهة التحريمية من الشك في التكليف صور دوران الامر بين الاقل والاكثر، لان مرجع الدوران بينهما في تلك الشهبة إلى الشك في أصل التكليف، لان الاكثر حينئذ معلوم الحرمة والشك في حرمة الاقل.

٣٩

الصفحة ٤٤٢

القسم الاول: فيما إذا دار الامر في الواجب بين أمرين متباينين

فالكلام فيه يقع في أربعة مسائل، على ما ذكرنا في أول الباب، لانه إما أن يشتبه الواجب بغير الحرام من جهة عدم النص المعتبر أو إجماله أو تعارض النصين أو من جهة إشتباه الموضوع.

أما القسم الاول فالكلام فيه إما في جواز المخالفة القطعية في غير ما علم، بإجماع أو ضرورة، حرمتها (كذا في الاصل) ].

أما [ المسألة ] الاولى [ ما إذا اشتبه الواجب في الشريعة بغير الحرام من جهة عدم النص المعتبر ]

فالكلام فيها: إما في جواز المخالفة القطعية في غير ما علم بإجماع أو ضرورة حرمتها، كما في المثالين السابقين، فإن ترك الصلاتين فيهما رأسا مخالف للاجماع بل الضرورة، وإما في وجوب الموافقة القطعية.

أما الاول: فالظاهر حرمة المخالفة القطعية، لانها عند العقلاء معصية، فإنهم لا يفرقون بين الخطاب المعلوم تفصيلا او إجمالا في حرمة مخالفته وفي عدها معصية.

ويظهر من المحقق الخوانساري دوران حرمة المخالفة مدار الاجماع وأن الحرمة في مثل الظهر والجمعة من جهته.

ويظهر من الفاضل القمي، رحمه الله الميل إليه.والاقوى ما عرفت.

وأما الثاني، ففيه قولان، أقواهما الوجوب، لوجود المقتضي وعدم المانع.

أما الاول، فلان وجوب الامر المردد ثابت في الواقع، والامر به على وجه يعم العالم والجاهل صادر من الشارع وأصل إلى من علم به تفصيلا، إذ ليس موضوع الوجوب في الاوامر مختصا بالعالم بها وإلالزم الدور، كما ذكره العلامة، رحمه الله، في التحرير، لان العلم بالوجوب موقوف على الوجوب، فكيف يتوقف الوجوب عليه.

وأما المانع، فلان المتصور منه ليس إلا الجهل التفصيلي بالواجب، وهو غير مانع عقلا ولا نقلا.

أما العقل، فلان حكمه بالعذر إن كان من جهة عجز الجاهل عن الاتيان بالواقع حتى يرجع الجهل إلى فقد شرط من شروط وجود المأمور به، فلا إستقلال للعقل بذلك، كما يشهد به جواز التكليف بالمجمل في الجملة، كما اعترف به غير واحد ممن قال بالبراء‌ة فيما نحن فيه، كما سيأتي، وإن كان من جهة كونه غير قابل لتوجه التكليف إليه فهو أشد منعا، وإلا جاز إهمال المعلوم إجمالا

٤٠