الصفحة ٤٤٨
نظير أوامر الاطاعة، فإن إمتثالها لا يوجب تقربا.
وإنما المقرب نفس الاطاعة، والقرب هنا أيضا نفس الاطاعة الواقعية المرددة بين الفعلين، فافهم، فإنه لا يخلو عن دقة.
ومما ذكرنا يندفع توهم أن الجميع بين المحتملين مستلزم لاتيان غير الواجب على جهة العبادة، لان قصد القربة المعتبر في الواجب الواقعي لازم المراعاة في كلا المحتملين ليقطع بإحرازه في الواجب الواقعي.
ومن المعلوم أن الاتيان بكل من المحتملين بوصف أنها عبادة مقربة يوجب التشريع بالنسبة إلى ما عدا الواجب الواقعي فيكون محرما.فالاحتياط غير ممكن في العبادات.
وإنما يمكن في غيرها من جهة أن الاتيان بالمحتملين لا يعتبر فيهما قصد التعيين والتقرب، لعدم إعتباره في الواجب الواقعي المردد، فيأتي بكل منهما لاحتمال وجوبه.
ووجه إندفاع هذا التوهم مضافا إلى أن غاية ما يلزم من ذلك عدم التمكن من تمام الاحتياط في العبادات، حتى من حيث مراعاة قصد التقرب المعتبر في الواجب الواقعي من جهة إستلزامه للتشريع المحرم.
فيدور الامر بين الاقتصار على أحد المحتملين وبين الاتيان بهما مهملا، لقصد التقرب في الكل فرارا عن التشريع.
ولا شك أن الثاني أولى، لوجوب الموافقة القطعية بقدر الامكان.
فإذا لم يمكن الموافقة بمراعاة جميع ما يعتبر في الواقعي في كل من المحتملين اكتفي بتحقق ذات الواجب في ضمنها أن إعتبار قصد التقرب والتعبد في العبادة الواجبة واقعا لا يقتضي بقصده في كل مهما.
كيف وهو غير ممكن، وإنما يقتضي بوجوب قصد التقرب والتعبد في الواجب المردد بينهما بأن يقد في كل منهما أني أفعله ليتحقق به أو بصاحبه التعبد بإتيان الواجب الواقعي.
وهذا الكلام بعينه جار في قصد الوجه المعتبر في الواجب، فإنه لا يعتبر قصد ذلك الوجه خاصة في خصوص كل منهما بأن يقصد أني أصلي الظهر لوجوبه، ثم يقصد أني أصلي الجمعة لوجوبها، بل يقصد أني أصلي الظهر، لوجوب الامر الواقعي المردد بينه وبين الجمعة التي أصليها بعد ذلك او صليتها قبل ذلك.
والحاصل: أن نية الفعل هو قصده على الصفة التى هو عليها التي بإعتبارها صار واجبا، فلا بد من ملاحظة ذلك في كل من المحتملين.
فإذا لاحظنا ذلك فيه وجدنا الصفة التي هو عليها الموجبة للحكم بوجوبه هو إحتمال تحقق الواجب المتعبد به والمتقرب به إلى الله تعالى في ضمنه، فيقصد هذا المعنى.
والزائد على هذا المعنى غير موجود فيه، فلا معنى لقصد التقرب في كل منهما بخصوصه، حتى يرد أن التقرب والتعبد بما لم يتعبد به الشارع تشريع محرم.