الرافد في علم الاصول

الرافد في علم الاصول0%

الرافد في علم الاصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 342

  • البداية
  • السابق
  • 342 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35030 / تحميل: 6033
الحجم الحجم الحجم
الرافد في علم الاصول

الرافد في علم الاصول

مؤلف:
العربية

وإن تعهد بعدم ذكر اللفظ الا عند ارادة المعنى الكذائي فإذا لم يكن مراداً فالمعنى الملازم له ـ بأي نوع من أنواع الملازمة المصححة للتجوز واستعمال اللفظ فيه ـ فهذا يعني أن مصحح الاستعمال المجازي هو الوضع لا الطبع ، وهو خلاف مسلكه في هذه النقطة(١) .

ولكن الصحيح عدم ورود الاعتراض عليه ، لأن الاستعمال المجازي فيه مسلكان :

أ ـ استعمال اللفظ في غير ما وضع له بقرينة.

ب ـ عدم تطابق المراد الاستعمالي مع المراد الجدي ، بمعنى أن المعنى المستعمل فيه اللفظ والمراد تفهيمه في مرحلة الدلالة التفهيمية هو المعنى الحقيقي لكن هذا المعنى ليس مراداً جدياً على صيد الدلالة التصديقية.

ومختار الاستاذ السيد الخوئي (قده) في بحث المجاز هو المسلك الثاني ، وبناءاً على ذلك فلا يرد عليه هذا الاشكال بجميع تفريعاته ، إذ لا تنافي بين مسلكه في الوضع وهو التعهد بعدم ذكر اللفظ الا عند ارادة المعنى الكذائي وبين مسلكه في المجاز وهو استعمال اللفظ في نفس المعنى المتعهد به على صعيد الدلالة التفهيمية مع عدم كونه مراداً جدياً على صعيد الدلالة التصديقية ، فإنه بهذا النحو من الصياغة لا يتناقض مع تعهده الأول ولا يخالفه.

نعم لو كان مسلكه في المجاز هو الأول لورد الاشكال عليه بأن التعهد بعدم ذكر اللفظ الا عند ارادة المعنى الحقيقي لا يجتمع مع استعمال اللفظ في غيره وهو المعنى المجازي.

الثالث : إن نظرية التعهد أما أن تلاحظ على صعيد الوضع بالمعنى المصدري ، أو على مستوى الوضع بالمعنى الاسم المصدري ، أو تلاحظ على

__________________

(١) بحوث في علم الأصول ١ : ٧٩.

١٨١

صعيد استكشاف المدلول التفهيمي ، أما بالنسبة للوضع بالمعنى المصدري فصياغة التعهد في تلك المرحلة ـ وهي مرحلة الانتخاب والجعل ـ مجرد اعتبار أدبي كسائر الاعتبارات الأدبية الأخرى لكن لا يوجد له مصحح بخصوصه ، فإن الاعتبار الأدبي يحتاج لمصحح معين له من بين الاعتبارات الأدبية المختلفة ولا يوجد ذلك بالنسبة لصياغة التعهد ، فإن الهدف من هذا الاعتبار الأدبي هو التوصل والتمهيد للعلاقة الراسخة بين اللفظ والمعنى ، وهذا مصحح مشترك بين مسلك التعهد وغيره من الاعتبارات الأخرى كمسلك التخصيص أو القرن أو الهوهوية.

بينما مسلك جعل الهوهوية له مصحح خاص به كاعتبار أدبي ، وهو تمهيده للعلاقة الوضعية التي هي الهوهوية بين تصور اللفظ وتصور المعنى ، ومن التناسب الفني والذوقي هو التشاكل بين المعد والمعد له وبما أن المعد له هو علاقة الهوهوية فمقتضى التناسب والمشاكلة كون المعد هو جعل الهوهوية أيضاً.

وان لوحظ مسلك التعهد بالنسبة للوضع بالمعنى الاسم المصدري ، وهو عبارة عن الدلالة التصورية التي بحثنا عنها سابقاً وأنها عبارة عن التلازم أو الهوهوية ، فقد ذكر الاستاذ السيد الخوئي (قده) ان هذه الدلالة منتزعة من مسلك التعهد ، أي ان الذهن إذا رأى واضعاً يتعهد بعدم ذكر اللفظ الا عند ارادة المعنى فإنه ينتزع من هذا التعهد تصور المعنى ، فالدلالة التصورية أمر انتزاعي من نفس عملية التعهد.

ولكن يلاحظ على ذلك : ان الأمر الانتزاعي واقعيته بمنشأ انتزاعه واذا ارتفع منشأ انتزاعه فلا وجود له ، بينما نرى بالوجدان ان حصول الدلالة التصورية سواء أكانت هي التلازم أو الهوهوية لا تتوقف على التعهد بل تتوقف على مرحلة الاشارة ، وهي العوامل الكمية أو الكيفية المولدة للعلاقة بين اللفظ

١٨٢

والمعنى سواءاً وجد تعهد أم لا ، فقد يوجد تعهد ولا تحصل هذه العلاقة لعدم جري المجتمع وفق ذلك التعهد وعدم احترامه وقد لا يوجد تعهد لكنها حاصلة بسبب العوامل الأخرى ، فبينهما عموم من وجه ، وحينئذٍ فلا تتوقف الدلالة التصورية على التعهد توقف المنتزع على المنتزع منه.

وقد اعترف بذلك السيد نفسه في تعليقته على اجود التقريرات ، حيث ذكر أن منشأ الدلالة التصورية هو كثرة الاستعمال(١) مع أنه ذكر في التعليقة نفسها أنها منتزعة من عملية التعهد(٢) .

فإن قلت : لو قصدنا بالتعهد التعهد الشخصي من قبل الواضع فحينئذٍ لا نرى تلازماً بينه وبين الدلالة التصورية كما ذكرتم في الاعتراض ، لعدم توقف الدلالة التصورية على ذلك بل على العوامل الأخرى ، ولكن المقصود بالتعهد هو التعهد العقلاتي العام ، أي تعهد الواضع والمستعمل أيضاً بالصياغة المذكورة ، واذا كان المقصود بالتعهد هو هذا فهو نفس كثرة الاستعمال فإن كثرة الاستعمال عبارة أخرى عن تعهد المجتمع بما تعهد به الواضع ، فلا تهافت بين الكلامين في عبارات السيد (قده) ، ولا ينتفي بذلك كون علاقة الدلالة التصورية بالتعهد علاقة المنتزع بالمنتزع منه.

قلت : أولاً : لو سلم ما ذكر لكن يبقى انّ علاقة الدلالة التصورية بكثرة الاستعمال أو غيرها من العوامل علاقة المسبب بسببه لا علاقة المنتزع بالمنتزع منه كما هو واضح.

وثانياً : ان السبب المعد للعلاقة التصورية ليس هو التعهد النفسي ، سواء أكان من الواضع أم من المجتمع ، بل هو نفس ذكر اللفظ مع القرينة

__________________

(١) اجود التقريرات ١ : ٣١.

(٢) اجود التقريرات ١ / ١٢.

١٨٣

بقصد الاشارة للمعنى فإن هذا هو الدخيل في حصول العلاقة التصورية ، سواء أكان هناك تعهد نفساني من قبل المجتمع أم لم يكن ، فالتعهد نفسه لا دخالة له اطلاقاً في حصول هذه الدلالة التصورية لا على نحو الانتزاع ولا على نحو السببية.

وثالثاً : أن دعوى كون التعهد تعهداً اجتماعياً عاماً لا نرى له شواهد وملامح في المجتمع العقلائي ، بل نرى المجتمع يسيرعلى نهج الاستعمال التابع لما حدده الواضع من دون قيامه بتعهد نفساني كما هو المدعى.

وإن لوحظت نظرية التعهد بالنسبة لمرحلة استكشاف المدلول التفهيمي فيرد عليه : أن الطريق لاستكشاف كون المتكلم قاصداً تفهيم المعنى لا ينحصر في العلم بالتعهد بل له طريق آخر وهو قانون السببية ، فهذا القانون كما ذكرنا سابقاً يستكشف الإنسان به المدلول التفهيمي وكون المتكلم قاصداً للتفهيم ، سواءاً كان هناك تعهد أم لم يكن ، اذن فلا يوجد مبرر لنظرية التعهد على مختلف الأصعدة.

١٨٤

استعمال اللفظ في عدة معاني

والحديث عن ذلك في مقامين :

المقام الأول : في بيان محل النزاع.

المقام الثاني : في شواهد الوقوع.

الأول : في تحرير محل النزاع ونطرح عدة نقاط :

الأولى : أننا لو رجعنا إلى تاريخ هذا البحث لوجدنا أن صياغته تدور حول الإمكان والاستحالة ، ففي الذريعة للسيد المرتضى(١) وشرح النهج للشيخ ميثم(٢) الذي نسب الجواز للشافعي والباقلاني والقاضي عبد الجبار ـ وكتاب الشوكاني في الأصول الذي نسب الجواز لأئمة الزيدية ـ والامتناع لأبي هاشم شواهد واضحة على أن مورد البحث عندهم حول الأمكان وعدمه ، وحذى حذوهم المتأخرون كما يظهر من الكفاية(٣) وغيرها(٤) .

ولكن الأولى بالبحث الأصولي صرف الحديث للوقوع وعدمه ، فإذا تبين لنا توفر الشواهد على وقوع استعمالى اللفظ في عدة معاني فالوقوع أقوى دليل على الامكان وان لم يتحقق الوقوع فالبحث عن الأمكان حينئذٍ لا تترتب عليه ثمرة عملية في مقام تشخيص الظواهر كما لا يخفى.

__________________

(١) الذريعة : ١ : ١٧.

(٢) شرح نهج البلاغة ١ : ١٦.

(٣) الكفاية : ٣٥ ـ ٣٦.

(٤) محاضرات في أصول الفقه ١ : ٢١٠.

١٨٥

الثانية : ان العبارة السائدة عند الباحثين هي : أنه هل يصح استعمال اللفظ في عدة معاني أم لا ، بينما مناط البحث شامل لموارد الاستعمال والايجاد ولموارد تعدد المراد الجدي أيضاً مع وحدة المراد الاستعمالي ، ببيان ذلك إن اطلاق اللفظ على قسمين :

١ ـ إطلاق إيجادي.

٢ ـ إطلاق استعمالي.

فالاطلاق الايجادي هو ذكر اللفظ بدون قصد لمعناه بل يذكر لأمر إسنادي ، مثلاً إذا قلنا ( زيد لفظ ) فهنا لا يقصد بزيد أي معنى بل المقصود هو الكلمة نفسها وأن هذه الكلمة لفظ ، وهذا ما يسمى بالإيجاد أي إيجاد موضوع القضية بنفسه في الجملة بدون حاجة لجعل حاك عنه ومشير إليه.

فهذا الإيجاد داخل في بحثنا امكاناً ووقوعاً ، فإذا قلنا ( زيد من الزيادة ) فنحن نريد هنا الإطلاق الإيجادي ، لأن مقصودنا أن اللفظ مأخوذ من مادة الزيادة ، ونحن نريد أيضاً الاطلاق الاستعمالي أي استعمال لفظ زيد في معناه اللغوي وهو معنى الزيادة ، فجمعنا في إطلاق واحد المعنى الإيجادي والمعنى الاستعمالي ، وهذا مندرج في البحث إمكاناً ووقوعاً.

وأما الاطلاق الاستعمالي أي إطلاق اللفظ مع القصد لمعناه فهو على نوعين :

١ ـ كون المعنى متعدداً سواءاً كانا حقيقيين أم مجازيين أم مختلفين ، وهذا هو محط البحث في المقام.

٢ ـ كون المعنى المستعمل فيه واحداً لكن المراد الجدي متعدد ، وذلك في المجاز بناءاً على كون المجاز عبارة عن عدم تطابق المراد الاستعمالي مع المراد الجدي ، فإذا قلنا أسد يرمي وأردنا المعنى الحقيقي جداً وهو الحيوان المفترس

١٨٦

وأردنا المعنى المجازي جداً أيضاً وهو الرجل الشجاع ، فهنا ـ في المثال ـ المراد الاستعمالي واحد الا أن المراد الجدي متعدد ، وإطلاق اللفظ مع إرادة معنيين منه جداً وأحدهما مراد استعمالي دون الآخر داخل في محل البحث إمكاناً ووقوعاً.

اذن فمحل البحث هو الشمول لموارد الإيجاد ولموارد الاستعمال ، مع تعدد المستعمل فيه ومع وحدته ككونه مجازاً ، والمجاز مراد جدي لا استعمالي.

النقطة الثالثة : مورد البحث هو اطلاق اللفظ مع ارادة عدة معاني على نحو يكون هذا الاطلاق الواحد في حكم الاطلاقات المتعددة بعدد المعاني ، لارادة كل معنى باستقلاله من اطلاق اللفظ ، ومتى اريد باللفظ وحدة جامعة بين كثرات المعاني خرج الاطلاق عن مورد البحث.

والوحدة المتصورة على أربعة أقسام :

الأول : الوحدة الحقيقية ، وتعنى ارادة الجامع المنطبق على المعاني انطباق الكلي على أفراد ، فمثلاً قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ) (١) قد استعمل فيه لفظ الصلاة في الجامع بين صلاة الله وصلاة الملائكة وهو العطف ، لا أن المستعمل فيه متعدد كما هو ظاهر بعض المفسرين ، حيث قالوا بأن صلاة الله رحمته وصلاة الملائكة استغفارهم.

ومثل ذلك قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ ) (٢) فالمستعمل فيه لفظ السجود معنى واحد وهو الخضوع وان كان خضوع كل شيء بحسبه ، لا ان المستعمل فيه متعدد باعتبار ان سجود الملائكة هو الخشوع وسجود البشر وضع الجبهة على الأرض وسجود الشمس انقيادها التكويني لأمر الخالق عز وجل.

__________________

(١) الاحزاب ٣٣ : ٥٦.

(٢) الحج ٢٢ : ١٨.

١٨٧

الثاني : الوحدة الانتزاعية ، وتعني استعمال اللفظ في عنوان أحد المعاني فإن هذا الاستعمال استعمال اللفظ في معنى واحد لا معاني متعددة ، وان تأمل فيه البعض بأن المراد بالأحد ان كان الأحد بالحمل الأولي فهو باطل لوضوح عدم الترادف بين اللفظ وعنوان الأحد ، وان كان عنوان الاحد بالحمل الشائع فلا وجود للأحد اللابعينه لا في الخارج ولا في الذهن. ولو صور على نحو يكون وضع اللفظ لعنوان أحد المعاني بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص فالمستعمل فيه حينئذٍ متعدد لا واحد ، لكن سيأتي الاشكال في صحة الاستعمال المذكور.

الثالث : الوحدة الاعتبارية ، وتعني عندهم استعمال اللفظ في مجموع المعاني لا في جميعها ، فإن المجموع معنى واحد لا معاني متعددة. وأشكل على ذلك المحقق الايرواني في حاشيته على الكفاية(١) بأن استعمال اللفظ في المجموع هو محل البحث أيضاً لا أنه خارج عنه ، إذ لا يمكن ارادة معاني متعددة من اللفظ الا مع تصور المجموع بحيث تحصل صورة لحاظية واحدة للمعاني كلها.

ولكن الصحيح أن اطلاق اللفظ مع ارادة المعاني على صور :

١ ـ أن يراد بالمعاني صورة واحدة تشكل ائتلافاً لحاظياً بحيث يكون كل معنى جزءاً من هذا الكل ، وهذا هو مقصودهم بلفظ المجموع ، ولا اشكال في خروجه عن مورد البحث لوحدته وعدم تكثر المعاني.

٢ ـ أن يراد بذلك خطور جميع المعاني في لحاظ واحد من دون وحدة اعتبارية بينها بحيث يكون اطلاق اللفظ كالإطلاقات المتعددة بعدد المعاني ، وهذا داخل في مورد البحث قطعاً لتكثر المعنى.

٣ ـ أن المراد بذلك تصور الذهن للمعاني بلحاظات متعددة متتالية مع

__________________

(١) حاشية الايرواني على الكفاية : باب الاشتراك.

١٨٨

اطلاق اللفظ وارادة تلك المعاني ، وهذا داخل في مورد البحث ، وهو المعبر عنه بعنوان الجميع.

الرابع : الوحدة العنوانية ، وهي الوحدة في عنوان المسمى ، بأن يطلق اللفظ ويراد به المسمى بهذا اللفظ من جميع الأشياء ، وهو خارج عن موضوع النزاع لوحدته وعدم تعدده.

المقام الثاني : ويدور حول خمس جهات :

الأولى : في طرح شواهد وقوع اطلاق اللفظ مع ارادة المعاني المتعددة ، وذلك يحتاج لمقدمة خلاصتها ان التورية على قسمين :

١ ـ التورية البديعية.

٢ ـ التورية العرفية.

أما الأولى فتعني اطلاق اللفظ مع إرادة عدة معاني منه متساوية في الظهور كما قيل شعرا :

خاط لي عمرو قباءً

ليت عينيه سواءً

فلم يعرف أن ذلك مدح أم هجاء ، فإن المراد الجدي والمراد الاستعمالي متعدد.

وأما الثاني فتعني طرح اللفظ الذي له معنيان أحدهما جلي والآخر خفي ، ويكون المراد الجدي للمتكلم هو المعنى الخفي لكن المتبادر للسامع هو المعنى الجلي ، كما نقل ابن قتيبة في كتابه اختلاف الحديث : « ان خارجياً طلب من أحد الشيعة أن يتبرأ من علي7 وعثمان ، فقال : أنا من علي ومن عثمان بريء »(١) . وقد خلط بعض أهل البديع يين القسمين ، والمناسب لمورد الاستشهاد هو التورية البديعية كما هو واضح.

__________________

(١) تأويل مختلف الحديث : ٣٩.

١٨٩

وبعد هذه المقدمة نستعرض الشواهد على الوقوع وهي على قسمين :

الأول : ما يتعلق باطلاق اللفظ مع ارادة عدة معاني.

الثاني : ما يتعلق باستعمال اللفظ في عدة معاني.

الأول : وهو اطلاق اللفظ وارادة صنفه أو نوعه أو مثله مع ارادة معناه ، وله عدة أمثلة :

أ ـ ما ذكر في مقدمة كتاب الصحاح في اللغة للجوهري أن أبا عبدالله الفيومي أنشد في حضرة الأمير محمد المصري شعراً يذم به كتاب الصحاح ويثني على كتاب القاموس في اللغة وهو :

لله قاموس بطيب وروده

أغنى الورى من كل معنى أفخر

نبذ الصحاح بلفظه والبحرمن

عاداته يلقي صحاح الجوهري

ولكن حين الانشاد قرأ لفظ الصحاح مكسور الصاد ، فقال الأمير: الصحاح لا تكسر(١) ، وظاهر ذلك أنه أطلق لفظ الصحاح وأراد أمرين :

١ ـ نفس اللفظ فإنه مفتوح لا مكسور ، إذ المكسورجمع صحيح وهو لا يريد الجمع بل يريد المصدر.

٢ ـ معناه وهو كتاب الصحاح للجوهري ، وقوله لا تكسر كناية عن قيمة الكتاب وانها لا يمكن كسرها.

وهذا شاهد على اطلاق اللفظ مع ارادة عدة معاني.

ب ـ ما ذكر عن بعضهم أنه قال : ( قلب بهرام ما رهب ) وهذا من باب اطلاق اللفظ وارادة أمرين :

١ ـ أن لفظ بهرام لو قلبت كانت ما رهب فهو يريد أن ينبه على مقلوب اللفظ ، نحو قولهم : سر فلا كبا بك الفرس ، ونحو : كل في فلك ، فإنّها تنقلب

__________________

(١) مقدمة الصحاح : ١١١.

١٩٠

كنفسها في اللفظ.

٢ ـ أن المراد ببهرام هو رجل شجاع فقلبه ما رهب ، أي ما تخوف من الأعداء لشجاعته ، وهذا شاهد على اطلاق اللفظ وتعدد المراد منه.

ج ـ ما قال بعضهم : كل ساق قلبه قاس ، فإنه اطلق اللفظ واراد أمرين :

١ ـ القلب اللفظى لكلمة ساق إلى كلمة قاس.

٢ ـ القلب المعنوي فإن قلب الساقي بنظره قاسٍ ، وهو شاهد على محل البحث.

القسم الثاني : في ذكر شواهد استعمال اللفظ في عدة معاني وهي كثيرة ، ذكرها المحقق أبو المجد الاصفهاني في كتابه وقاية الأذهان منها :

أ ـ ما ورد في مدح الرسول9 :

المرتمي في دجى والمبتلى بعمى

والمشتكي ظمأً والمبتغي دينا

ياتون سدته من كل ناحية

ويستفيدون من نعمائه عينا(١)

فلفظ العين قد استعمل في المقام في أربعة معاني :

١ ـ الشمس وهو المناسب لقوله المرتمي في دجى.

٢ ـ الجاري وهو المناسب لقوله المشتكي ظمأً.

٣ ـ الباصرة وهو المناسب لقوله المبتلى بعمى.

٤ ـ الفضة وهو المناسب لقوله المبتغي دينا.

ب ـ قال بعضهم :

أي المكان تروم ثم من الذي

تمضي إليه أجبته المعشوقا(٢)

_________________

(١) وقاية الاذهان : ٨٧.

(٢) وقاية الأذهان : ٨٧.

١٩١

فلفظ المعشوق استعمل في معنيين :

١ ـ المعشوق الوصفي ، وهومن تعلق به العشق.

٢ ـ المعشوق الاسمي ، وهو قصر بسامراء مقابل قصر العاشق كما ذكر بعض المؤرخين(١) .

ج ـ ما ذكر في جواهر البلاغة :

ورب الشعرعندهم بغيض

ولو وافى به لهم حبيب(٢)

وقد استعمل لفظ حبيب في المعنى الوصفي وهو المحبوب والمعنى الاسمي والمراد به أبو تمام.

د ـ ما قاله بعضهم : ( وما لليلي وما لها فجر ).

وأراد بلفظ الفجر معنيين :

١ ـ الوقت التالي لذهاب الليل.

٢ ـ انفجار الدماميل المنتفخة في بدنه.

الجهة الثانية : في مناقشة الاستشهاد ببعض الشواهد المتقدمة ، وتتلخص في عدة موارد :

الأول : قد يقال : المراد بكلمة الفجر في الشاهد الرابع الجامع بين انفجار الضوء عقيب الظلام وانفجار الدماميل ، وهو مطلق الانفجار كما ذكر الراغب الاصفهاني في مفرداته أن من معاني كلمة الفجر : مطلق الانشقاق(٣) .

ولكن المناقشة غير وجيهة لوجهين :

أ ـ إن اللطف الأدبي والابداع الشعري لا يتحقق الا مع إرادة معنى

__________________

(١) وقاية الاذهان : ٨٧.

(٢) جواهر البلاغة : ٣٦٣ وقائله سراج الدين الوراق.

(٣) المفردات : ٣٧٣.

١٩٢

يقابل الليل ومعنى يقابل الدماميل المنتفخة حتى يحصل التماثل بين طرفي البيت ، ومع ارادة الجامع بين الفردين لا يتحقق هذا الحسن في المقابلة.

ب ـ لو تصورنا الجامع بين المعنيين في هذا البيت لم يتصور ذلك الجامع بين اللفظ والمعنى في قوله : قلب بهرام ما رهب ، اذ لا جامع بين الكيف المسموع وهو اللفظ والجوهر المادي الصنوبري ، وكذلك لا يتصور الجامع بين معاني كلمة عين في البيت الوارد في مدح الرسول9 ، إذ لا جامع بين الشمس مثلاً والعين الباصرة.

الثاني : قد يناقش في الاستشهاد بقوله : ( اجبته المعشوقا ) بأن المراد بلفظ المعشوق الجامع بين الحال والمحل ، أي الحبيب المعشوق الحال في القصر المسمى بالمعشوق ، للعلاقة الارتباطية بينهما ، والجامع معنى واحد لا متعدد.

ولكن هذا النقاش مردود بوجهين :

أ ـ إن ظاهر المقابلة بين السؤال والجواب هو تعدد المقصود من الجواب كتعدد المقصود من السؤال ، فكما أن السؤال وقع عن المكان ـ أي المكان تروم ـ وعن المكين ـ ثم من الذي تمضي اليه ـ فكذلك الجواب فيه تحديد للمكان وللمكين.

ب ـ إذا تصورنا العلاقة الارتباطية بين المعنيين هنا لعلاقة الحال والمحل فلا نتصورها بين المعاني الأربعة للفظ العين وبين لفظ الصحاح ومعناه ، لأن اللفظ وان كان بينه وبين المعنى علاقة الحكاية لكنها ليست علاقة عرفية توجب استعمال اللفظ في الجامع بين الحاكي والمحكي ، بخلاف ما بين الحال والمحل في المقام فإنه قد يتصور وجود جامع المحبوبية بين الحبيب الحال والمحل المحبوب لحب الحبيب.

الثالث : وقد يناقش أيضاً في المقصود بلفظ عين في البيت الوارد في مدح الرسول9 ويقال : لعل المراد بلفظ عين الجامع العنواني بين

١٩٣

المعاني الأربعة وهو عنوان المسمى ، أو أن المراد به الجامع الاعتباري وهو مفهوم المجموع ، فيخرج الشاهد حينئذ عن مورد البحث ، لأن موضوع البحث هو استعمال اللفظ في عدة معاني على نحو ارادة كل معنى منها وحده ، فكان الاستعمال الواحد استعمالات متعددة.

وأما لو أراد مجموع المعاني لا بقيد الوحدة في كل معنى منها لخرج عن كونه استعمالاً للفظ في عدة معاني بل استعمال للفظ في معنى واحد.

ولكن يمكن دفع هذه المناقشة الواردة على جميع الشواهد من القسم الثاني بوجهين :

أ ـ إن ظاهر البيتين الواردين في مدح الرسول9 تعدد الطالب والطلب للرسول9 ، ومقتضى ذلك تعدد المطلوب فلا يحسن ارادة معنى واحد من لفظ العين بحسب الذوق الأدبي. مضافاً إلى قبح كون المطلوب لهؤلاء المحتاجين هو عنوان المسمى بلفظ العين لا المعاني الواقعية الملبية لحاجاتهم.

ب ـ ان الطرف الآخر من المناقشة غير واضح ، وذلك لما طرحناه سابقاً في تحرير موضوع البحث من تصور حالات ثلاث :

أ ـ اطلاق اللفظ وارادة الصورة المؤلفة من الأربعة للفظ الشمس ـ مثلاً بحيث تعد الصورة كلا والمعاني اجزاء لها ، وهذا معنى واحد لا متعدد فيخرج عن محل الكلام. ولا اشكال في امكانه ووقوعه لكنه غير مراد في هذا البيت وأمثاله ، لأن المحتاجين للرسول9 لا يستفيدون من المجموع المؤلف من الأمور الأربعة وإنّما يستفيد كل طالب منهم مطلوبه الوافي بحاجته الخاصة ، فالظاهر هو تعدد المراد لا وحدته.

ب ـ اطلاق اللفظ وارادة المعاني المتعددة الحاضرة في لحاظ واحد على نحو القضية الحينية لا المشروطة والمركبة ، وهذا هو محل النزاع امكاناً ووقوعاً ،

١٩٤

وقد عرفت الشواهد على وقوعه.

ج ـ اطلاق اللفظ وارادة المعاني المتعددة المتعاقبة في اللحاظ الذهني ، وهذا أيضاً داخل في مورد البحث لشمول ادلته له امكاناً ووقوعاً.

وما قيل من كون مورد البحث هو ارادة المعاني من اللفظ على نحو يكون المراد منه كل معنى بقيد الوحدة.

ففيه : ان كان المراد بقيد الوحدة مقابل العقييد والتركيب مع المعاني الأخرى فهذا راجع للصورة الثانية التي ذكرناها والتي لا تتنافى مع وحدة اللحاظ أو تعدده ، وان كان المراد بقيد الوحدة عدم ارادة معنى اخر معه من اللفظ في لحاظ واحد فقد ذكرنا ان وحدة اللحاظ بنحو القضية الحينية فتعدده لا دخل له في ملاك البحث امكاناً ووقوعاً ، وان كان المراد بقيد الوحدة عدم ارادة معنى آخر معه مطلقاً لا في لحاظ واحد ولا متعدد فهذا مستحيل ، لا من باب استحالة استعمال اللفظ في عدة معاني بل من باب استحالة ارادة معنى وحده مع ارادة غيره ، لاستحالة اجتماع الضدين الراجع لاجتماع النقيضين ، سواء استعمل اللفظ في ذلك أم لم يستعمل.

فالصحيح هو امكان اطلاق اللفظ مع ارادة المعاني المتعددة ، والشاهد على الامكان وقوعه في باب التورية البديعية المعروفة في علم البديع.

الجهة الثالثة : في بيان القانون العرفي ، وبه يتضح عدم ورود الاشكالات التي طرحت لاثبات استحالة استعمال اللفظ في المعاني المتعددة في الكتب الأصولية المعروفة.

وتفصيل ذلك يحتاج لمقدمة ، وهي ان الأصوليين قسموا دلالة اللفظ على معناه لثلاثة أقسام :

الاول : الدلالة التصورية.

الثاني : الدلالة التفهيمية.

١٩٥

الثالث : الدلالة التصديقية.

فالدلالة التصورية : هي المتفرعة من حصول العلقة الوضعية بين اللفظ والمعنى على كلا المسلكين في حقيقة العلقة الوضعية ، المسلك المشهور من كون العلقة الوضعية عبارة عن استلزام تصور اللفظ لتصور المعنى ، والمسلك المختار من كونها عبارة عن الهوهوية بين اللفظ والمعنى وكون تصور اللفظ مندمجاً في تصور المعنى لا أن أحدهما مستلزم للآخر.

وهذه الهوهوية الذهنية تنعكس خارجاً فيكون الوجود اللفظي وجوداً للمعنى ، إذ لا مانع في الفلسفة من أن يكون للوجود الواحد ماهيتان احداهما بالأصالة والأخرى بالتبع ، فالوجود اللفظي له ماهية بالأصالة هي مقولة الكيف المسموع وماهية بالتبع وهي المعنى أي الصورة الذهنية الحاضرة عند اطلاق اللفظ ، شأنها شأن أي ماهية عند الاحساس بوجودها المشخص لها.

والدلالة التفهيمية : هي ظهور اللفظ في كون المعنى مقصوداً ، لظهور حال المتكلم الملتفت في ارادة تفهيم معنى اللفظ ، وهي متفرعة على التصورية.

والدلالة التصديقية : هي ظهور مقام المتكلم العارف بأساليب المحاورة العرفية في كون المراد الاستعمالي مراداً جدياً له ، وهي متفرعة على التفهيمية.

وما يرتبط بموضوع بحثنا ـ وهو استعمال اللفظ في عدة معاني ـ القسمان الأولان ، سواء كان التعدد مراداً جدياً للمتكلم أم لا.

وبعد بيان هذه المقدمة نقول ان عندنا صورتين :

الأولى : اطلاق اللفظ مع ارادة شخصه ومعناه كقوله ( الصحاح لا تكسر ).

الثانية : استعمال اللفظ في عدة معاني.

والحديث عن الصورتين من جانبين :

١ ـ الدلالة التصورية.

١٩٦

٢ ـ الدلالة التفهيمية.

الجانب الأول : وهو البحث عن القانون العرفي المصحح للاطلاق في الصورتين بلحاظ الدلالة التصورية.

أما الصورة الأولى : فالمصحح لها اندراجها تحت قانونين من قوانين المحاورة العرفية.

فالقانون الأول : يتلخص في عدم الحاجة في مقام الحكاية لجعل الحاكي مادام من الممكن احضار المحكي بنفسه ، فإذا اراد الإنسان ان يتحدث عن نسبة معينة فإن كان الموضوع بنفسه حاضراً فلا حاجة لوضع لفظ حاك عنه بل تقتصر القضية اللفظية حينئذٍ على ذكر المحمول. وهذا ما ينطبق على الصورة المذكورة ، فإذا قال ( الصحاح لا تكسر ) وهو يقصد لفظ الصحاح فالموضوع الواقعي للنسبة حاضر بنفسه فلا حاجة لجعل لفظ حاك عنه كما لو قلنا ـ مثلاً ـ زيد لفظ ، فكلا المثالين تحت قانون واحد.

القانون الثاني : وهو قانون الاستعمال ، ومؤداه : أنه يصح للانسان استعمال اللفظ إذا كانت هناك علقة وضعية بينه وبين المعنى ، فكما يصح لك استعمال لفظ قائم لتضمنه للعلقة الوضعية كذلك يصح استعمال الصحاح لا تكسر بقصد معنى اللفظ وهو كتاب الصحاح.

فالخلاصة : أن اجتماع القانونين في هذا الاطلاق الواحد هو المصحح العرفي له في مقام المحاورة والخطاب.

وأما الصورة الثانية : وهي استعمال اللفظ في عدة معاني فالقانون المخول له هو نفس قانون الاستعمال العرفي المبني على وجود العلقة الوضعية بين اللفظ والمعنى ، فسواءاً قلنا بأن الوضع ـ بالمعنى الاسم المصدري ـ هو الاستلزام أو قلنا بأنه الهوهوية فلا اشكال في كون اللفظ الواحد مستلزماً لعدة معاني أو متحداً معها ، على التصوير السابق من عدم المانع العقلي في كون الوجود الواحد

١٩٧

له ماهيات طولية متعددة فتصوره تصور لعدة معاني.

ولا ينافي ذلك عدم انسباق بعض المعاني حين التصور لهجرانه أو ندرته أو عدم علم الشخص باستعمال اللفظ له ، ففي مثل هذه الموارد لم يتحقق الوضع بمعنى الهوهويه لا أنه تحقق على نحو آخر كالاستلزام مثلاً.

اذن فما دام تحقق الوضع للفظ في عدة معاني ممكناً ، سواءاً كان الوضع عبارة عن الاستلزام أو عن الهوهوية ، لم يكن اشكال في الاستعمال أصلاً ، اذ لا يراد بالاستعمال بحسب الدلالة التصورية الا اطلاق اللفظ بما يتبادر منه لذهن السامع لا أكثرمن ذلك.

الجانب الثاني : وهو يدور حول البحث عن القانون العرفي المتبع في اطلاق اللفظ وارادة شخصه مع معناه ، وفي استعمال اللفظ في عدة معان بلحاظ الدلالة التفهيمية ، وهنا مسلكان في وجود هذا القانون وعدمه.

المسلك الأول : وهو المختار وهو مسلك السببية ، ومحصله : أن الارتكاز العقلائي قائم على أن كل شخص تصدى لايجاد سبب لمسبب ما مع التفاته للسببية فهو قاصد للمسبب ، سواء في ذلك الأمور التكوينية كتصويبه رصاصاً تجاه شخص معين مع التفاته لكونه سبباً للقتل أو الأمور الاعتبارية كما إذا أوجد البيع في الخارج مع التفاته لحصول الملكية بعده فيعد قاصداً لاعطاء الملكية لغيره أيضاً ، كذلك من مصاديق هذه الكبرى ما هو محل كلامنا.

فالالفاظ عند العقلاء من أي لغة كانت وسائل وأسباب لايجاد المقصود الواقعي واحضاره بنفسه خارجاً كما إذا قلنا زيد لفظ أو لايجاد المعنى في ذهن المخاطب كما إذا قلت « زيد » اشارة للمسمى به ، والسببية المذكورة سببية واقعية وان لم يكن كلا طرفيها خارجيين.

وكون العلاقة بين اللفظ والمعنى في مقام الدلالة التفهيمية علاقة السببية

١٩٨

لا ينافي كون العلاقة بينهما هي علاقة الهوهوية على صعيد الدلالة التصورية والعلقة الوضعية ، لأن العلاقة الوضعية على المسلك المختار هي اندماج صورة المعنى في صورة اللفظ لا اندماج صورة قصد تفهيم المعنى التي هي الدلالة التفهيمية في صورة اللفظ ، فلا تلازم بين الدلالتين.

فالنتيجة في محل الكلام : أن قانون السببية عند العقلاء هو المصحح لاطلاق اللفظ وارادة شخصه مع معناه نحو الصحاح لا تكسر ، وهو المصحح لاستعمال اللفظ في عدة معانٍ كلفظ العين في معانيه المختلفة ، مع التوسل لذلك بالقرينة لا مع عدمها كما سيأتي بيانه.

المسلك الثاني : ما هو مبنى الاستاذ السيد الخوئي (قده) ، و بيانه كما في المحاضرات : ان القانون العرفي المتبع في مقام الاستعمال والدلالة التفهيمية هو قانون تطابق العمل مع المعتقد ، وهو قانون عقلائي يؤخذ به في بحث أصالة الصحة أيضاً ، والوضع ـ بالمعنى المصدري ـ لما كان عبارة عن التعهد الشخصي بأن المتكلم إذا ذكر اللفظ الكذائي فهو يريد المعنى الفلاني كان اطلاع العرف على ذلك منشأ لحصول الارتباط بين ذكر اللفظ والدلالة التفهيمية التي هي الدلالة الوضعية على هذا المبنى.

وأما الدلالة التصورية فهي داخلة في باب تداعي المعاني لا باب الدلالة ، فالمصحح للاستعمال والتفهيم هو العلاقة الحاصلة من التعهد والالتزام بناءاً على قانون تطابق العمل مع المعتقد(١) .

ولكن هذا القانون لا يجري في محل الكلام وهو استعمال اللفظ في عدة معاني ، وذلك لأن الارتباط العرفى الحاصل بين اللفظ والمعنى نتيجة التعهد غير واضح في هذا المقام ، لأن التعهد المقوم للدلالة التفهيمية لا يتصور في المقام

__________________

(١) محاضرات في أصول الفقه ١ : ١٠٣ ـ ١٠٥.

١٩٩

الا بصورتين :

الأولى : أن يقول المتعهد : « متى ما ذكرت اللفظ الفلاني فأنا أريد المعنى الكذائي باستقلاله » وحينئذٍ إذا اراد استعمال نفس اللفظ في معان متعددة على نحو الجميع لا المجموع فلا يجتمع ذلك مع تعهده السابق ، فلابد ان يتوسل لذلك بتعهد آخر وهو: « أني متى ما ذكرت هذا اللفظ فأنا أريد المعنى الفلاني الآخر باستقلاله » وهو مناقض للتعهد الأول.

الثانية : ان يتعهد من البداية : « بأني إذا ذكرت اللفظ الفلاني فأنا اريد أحد المعاني » على نحو يكون الوضع عاماً والموضوع له خاصاً ، واذا اراد بعد ذلك استعمال اللفظ في جميع المعاني لم يحصل التطابق بين المتعهد به والمستعمل فيه ، ومع عدم التطابق بينهما فلا يوجد قانون عرفي مصحح لهذا الاستعمال وموجب لظهور اللفظ في جميع المعاني.

نعم لو نصب قرينة على ذلك صح الاستعمال تجوزاً مع القرينة ، اذن فاستعمال اللفظ في عدة معان دائر بين عدم الامكان وعدم الصحة الا تجوزاً ، وهذا هو الذي اختاره الاستاذ السيد الخوئي (قده) في المحاضرات حيث قال : بأن استعمال اللفظ في عدة معانٍ بناءاً على مسلك التعهد في الوضع إما غير صحيح أو صحيح على نحو المجاز لا على نحو الحقيقة(١) .

ولكننا نطرح الآن بعض الملاحظات على مسلك التعهد التي يتبين بها أمران :

١ ـ إن الصياغة التي ذكر الاستاذ السيد الخوئي (قده) أنها تصحح استعمال اللفظ في عدة معانٍ بناءاً على مسلك التعهد تجوزاً لا حقيقة غير نافعة حتى على نحو المجاز.

٢ ـ وجود صياغة أخرى تصحح استعمال اللفظ في عدة معانٍ على نحو

__________________

(١) محاضرات في أصول الفقه ١ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩.

٢٠٠