الرافد في علم الاصول

الرافد في علم الاصول0%

الرافد في علم الاصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 342

  • البداية
  • السابق
  • 342 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35022 / تحميل: 6032
الحجم الحجم الحجم
الرافد في علم الاصول

الرافد في علم الاصول

مؤلف:
العربية

الحقيقة فضلاً عن المجاز بناءاً على مسلك التعهد.

فنقول : إن صياغة التعهد متصورة بثلاثة أنحاء :

الأول : أن يتعهد « بأني إذا اردت تفهيم المعنى الفلاني فأنا أذكر اللفظ الفلاني » ، وبناءاً على هذا لا يكون ذكر اللفظ منشأ للدلالة التفهيمية ، لأن اللفظ قد يذكر بقصد التدريب للغير على التلفظ وقد يذكر بداعي الحديث مع النفس فلا ينحصر ذكره في تفهيم المعنى ، ومن الواضح عدم دلالة اللازم الأعم على ملزومه فلا يوجد حينئذٍ قانون عرفي مصحح للاستعمال ومحقق للظهور لا في الاستعمال في معنى واحد ولا في معانٍ متعددة.

الثاني : أن يتعهد « بأني إذا ذكرت اللفظ الفلاني فأنا أريد أحد المعاني » على نحو الوضع العام والموضوع له الخاص ، وبناءاً على هذا لا يصح الاستعمال في جميع المعاني لا على نحو الحقيقة ولا على نحو المجاز مع القرينة أو بدونها بل يكون الاستعمال غلطاً ، وذلك لأن المتعهد به هو تفهيم العام البدلي والمستعمل فيه هو العام الاستغراقي ومع عدم التطابق لا يكون الاستعمال حقيقياً كما هو ظاهر.

ولا يصح مجازاً أيضاً ، لأن المجاز في نظره (قده) ليس في الكلمة بأن تستعمل الكلمة في غيرما وضعت له مع القرينة بل المجازعنده عبارة عن عدم تطابق المراد الاستعمالي الذي هو عبارة عن الموضوع له مع المراد الجدي ، كاستعمال لفظ الأسد في معناه وهو الحيوان المفترس مع ارادة الرجل الشجاع ثبوتاً بقرينة.

فالتجوز متقوم بعنصرين :

١ ـ كون المراد الاستعمالي هو الموضوع له ، بناءاً على نظريته من أن الوضع هو التعهد المستلزم لحصر المدلول الوضعي في المدلول التفهيمي.

٢ ـ عدم تطابق ذلك المراد الاستعمالي مع المراد الجدي ، وفي المقام عند

٢٠١

استعمال اللفظ في العام الاستغراقي مع ان الموضوع له هو العام البدلي لم يتحقق التجوز ، لتطابق المراد الاستعمالي وهو العام الاستغراقي مع المراد الجدي ، فلم يحصل العنصر الثاني ، ولعدم كون المراد الاستعمالي هو المدلول الوضعي وهو العام البدلي ، فلم يحصل العنصر الأول ، ونتيجة ذلك عدم صحة هذا الاستعمال أصلاً فلا يفيد نصب القرينة عليه.

الثالث : أن يتعهد « أنه كلما ذكر اللفظ الفلاني فهو يريد المعنى » لا وحينئذٍ يرد الاشكال عليه بأن هذا التعهد لا يجتمع مع استعمال اللفظ في عدة معاني كما ذكر في المحاضرات(١) .

ولكن طريق التخلص من الاشكال لا ينحصر في النحو الثاني الذي سبق تصويره وهو وضع اللفظ لعنوان أحد المعاني كما ذكر السيد (قده) ، بل هناك طريق آخر يلتقي مع القوانين العرفية ، وذلك بأن يقول المتعهد « بأني إذا ذكرت اللفظ فأنا أريد المعنى الأول الا أن أنصب قرينة على عدمه وأتعهد إذا ذكرت اللفظ فأنا أريد المعنى الثاني الا أن أنصب قرينة على عدم ارادته » واذا استعمل اللفظ في كلا المعنيين مع قرينة ارادتهما فالاستعمال حقيقي لعدم نصب قرينة على عدم ارادة أي واحد منهما ، ومطابق للموضوع له ، وحينئذ فلهذا الاستعمال حتى على مبنى التعهد قانون عرفي مصحح له وموجب لظهور اللفظ في كلا المعنيين مع ذكر قرينة على عدم ارادة أحدهما وحده.

وهذا القانون العرفي المتبع في استعمال اللفظ في عدة معانٍ هو نفسه المتبع عند استعمال اللفظ في المعنى الواحد ، فما ذكره في المحاضرات(٢) من دوران هذا الاستعمال بين عدم الصحة بناءاً على النحو الثالث من صياغة التعهد أو

__________________

(١) محاضرات في أصول الفقه ١ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

(٢) محاضرات في أصول الفقه ١ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩.

٢٠٢

صحته مع القرينة على التجوز غير تام ، بل هو استعمال حقيقي مطابق لقوانين المحاورة بناءاً على النحو الثالث من صيغ التعهد أيضاً.

الجهة الرابعة : في أن اطلاق اللفظ مع تعدد المراد هل هو حقيقة أم مجاز ، وهنا صورتان :

الأولى : اطلاق اللفظ مع ارادة شخصه وارادة معناه ، كقوله : الصحاح لا تكسر.

الثانية : استعمال اللفظ في عدة معاني ، كاستعمال لفظ العين في عدة معاني.

أما الصورة الأولى فلا ريب أنها ليست مجازاً على جميع المباني ، لأن اطلاق اللفظ مع ارادة شخصه ليس من باب الاستعمال في شيء والحقيقة والمجاز من شؤون الاستعمال لا مطلق الاطلاق ، وأما ارادة معنى اللفظ فهو استعمال للفظ في معناه الموضوع له فهو استعمال حقيقي لا مجازي.

وانما الكلام في الصورة الثانية ، أعني استعمال اللفظ في عدة معاني ، هل هو حقيقة أم مجاز ؟

ويتضح المطلب باستعراض المسالك في الحقيقة والمجاز وهي ترجع لاتجاهين ، فالأول هو القائل لا مجاز في الكلمة وإنّما المجاز في الحمل ، والثاني هو القائل بالمجاز في الكلمة.

أما الاتجاه الأول فله صياغات ثلاث سيأتي التعرض لها في بحث الحقيقة والمجاز ، ونشير إليها هنا بصورة موجزة ، وهي كما يلي :

الأولى : ما هو منقول عن السكاكي ان التصرف في أمر عقلي لا لفظي(١) ، وذلك لأنه إذا قيل زيد أسد على نحو المجاز المرسل أو رأيت أسداً يرمي على

__________________

(١) مفتاح العلوم : ٣٦٩ ، محاضرات في أصول الفقه ١ : ٩٣ ، اجود التقريرات ١ : ٥٩.

٢٠٣

نحو الاستعارة فليس التجوز والتصرف هنا في لفظ الأسد بأن يراد به الرجل الشجاع والا لم يكن فرق بين قولنا زيد أسد وقولنا زيد شجاع والفرق الوجداني لا ريب فيه ، بل التصرف في أمر عقلي ، وذلك باعتبار زيد فرداً من أفراد الأسد ادعاءاً مع استعمال لفظ الأسد في نفس مفهومه ، فالتجوز بحمل لفظ الأسد بما له من المعنى على زيد.

الثانية : ما طرحه الاستاذ السيد الخوئي (قده) بأن المجاز عبارة عن عدم تطابق المراد الاستعمالي مع المراد الجدي ، ففي قولنا زيد أسد يراد بلفظ الأسد الحيوان المفترس على صيد الدلالة الاستعمالية والرجل الشجاع على صعيد الدلالة التصديقية(١) .

الثالثة : ما هو المختار عندنا من أن المجاز عبارة عن اعطاء حد شيء لشيء آخر بدافع نقل التأثير الاحساسي من المشبه به للمشبه ، وبيان ذلك : أننا لو قلنا رأيت أسداً يرمي فليس المراد بلفظ الأسد الرجل الشجاع ، لأن حلول الشجاع محل الأسد في الجملة مستهجن في الذوق العرفي ، فإننا لو قلنا زيد شجاع بل أسد أو ليس زيد شجاعاً فقط بل هو أسد لعد ذلك اضراباً وترقياً مستلطفاً مع أنه لو كان المراد بلفظ الأسد الرجل الشجاع لكان هذا الاضراب مستهجناً.

فالتجوز الحقيقي حينئذٍ في اعطاء حد الحيوان المفترس وهو الأسد لزيد الإنسان بدافع نقل التأثير الاحساسي لشخصية الأسد في النفوس المولد للهيبة والخوف إلى زيد الشجاع. وبين هذه الصياغات الثلاث فروق تعرضنا لها في بحث الحقيقة والمجاز.

والنتيجة على ضوء هذا الاتجاه بصياغاته الثلاث هو كون استعمال اللفظ

__________________

(١) محاضرات في أصول الفقه ١ : ٩٣.

٢٠٤

في عدة معانٍ استعمالاً حقيقياً ، لاستعمال اللفظ في معانيه المتعددة بلا تصرف في الاسناد والحمل أصلاً.

الاتجاه الثاني : ان المجاز في الكلمة ، وهو ـ كما عبر عنه في علم البيان ـ استعمال اللفظ في غير ما وضع له مع القرينة في مقام التخاطب.

والنتيجة على هذا الاتجاه أيضاً كون استعمال اللفظ في معانيه المتعددة استعمالاً حقيقياً لا مجازياً ، سواءاً فسرنا الوضع ـ بالمعنى المصدري ـ بأنه جعل اللفظ بازاء المعنى أم فسرناه بالتعهد كما يراه الاستاذ السيد الخوئي (قده) ، أما على الأول فلأن لفظ العين ـ مثلاً ـ لما وضع بازاء معانيه الأربعة فاستعماله فيها ـ على نحو الجميع لا المجموع ـ استعمال فيما وضع له فهو حقيقي ، وأما على الثاني ـ وهو مسلك التعهد ـ فقد ذكرنا سابقاً أن صياغته على ثلاث أنحاء :

الأول : التعهد « بارادة معنى معين عند ذكر اللفظ » وعلى هذا النحو يكون استعمال اللفظ في المعاني المتعددة غير معقول لمناقضته للتعهد السابق الا أن يكون وضعا تعهدياً جديداً.

الثاني : التعهد « بارادة أحد المعاني عند ذكر اللفظ » وهو ما اختاره السيد (قده) وبنى عليه كون استعمال اللفظ في جميع المعاني مجازاً مع القرينة ، مع أنه استعمال غلط ، وليس حقيقة لعدم التطابق بين المتعهد به والمستعمل فيه ولا مجازاً في الحمل لوجود التطابق بين المراد الاستعمالي والمراد الجدي ، ولكنه مجاز في الكلمة لو وجد له مصحح وضعي أو طبعي ، ووجوده محل تأمل.

الثالث : التعهد بالصيغة التي طرحناها ، وهي « ارادة المعنى عند ذكر اللفظ ما لم تكن قرينة على الخلاف ثم التعهد بارادة معنى آخر عند ذكر اللفظ ما لم ينصب قرينة على الخلاف » ومع استعمال اللفظ في الجميع يكون أستعمالاً حقيقياً لعدم نصب قرينة على خلاف أحدهما.

الجهة الخامسة : وتدور حول القاعدة المتبعة عند اطلاق اللفظ بدون

٢٠٥

نصب قرينة على ارادة معنى واحد أم جميع المعاني أم مجموعها ، وهنا صورتان :

أ ـ إذا دار المقصود بين ارادة معنى خاص أو ارادة جميع المعاني من اللفظ.

ب ـ إذا دار أمر الاستعمال بين ارادة جميع المعاني على نحو العام الاستغراقي أو المجموع على نحو العام المجموعي.

أما بالنسبة للصورة الأولى فهناك رأيان :

١ ـ حمل اللفظ على ارادة جميع المعاني.

٢ ـ الحكم بالاجمال والرجوع للأصل العملي.

وذهب للأول جماعة كما في المعالم(١) والفصول(٢) وبعض قدماء العامة والخاصة كما في هداية الأبرار(٣) واختاره من المتأخرين السيد البروجردي (قده)(٤) بينما ذهب الأكثر للثاني.

دليل القول الأول : ويتلخص في أمرين :

أ ـ بما أن اللفظ يتضمن علقة وضعية مع جميع المعاني فاذا دار أمر المقصود بين ارادة معنى واحد أم ارادة الجميع فمقتضى أصالة الحقيقة الحمل على ارادة الجميع.

وفيه : ان أصالة الحقيقة موردها دوران الاستعمال بين كونه حقيقياً أم مجازاً ، وأما لو دار الاستعمال بين استعمالين حقيقيين كما في المقام فإن استعمال اللفظ في معنى معين كاستعماله في جميع المعاني حقيقي فلا مرجح لاحدهما على الآخر ، ونتيجة ذلك الحكم بالاجمال.

__________________

(١) معالم الأصول : ٣٨.

(٢) الفصول : ٥٣.

(٣) هداية الأبرار : ٢٤٣.

(٤) الحاشية على كفاية الأصول ، تقريرات البروجردي ١ : ١٠٧.

٢٠٦

ب ـ ان القانون العرفي الكاشف عن الارادة التفهيمية هو المقتضى لحمل اللفظ على جميع المعاني ، والقانون العرفي حسب المبنى المختار هو قانون السببية الذي مر شرحه ، وهو أن كل من أوجد سبباً لمسبب ما مع التفاته للسببية فهو قاصد لايجاد المسبب عند العقلاء ، وبما أن اللفظ ذو علقة وضعية مع جميع المعاني فلابد من حمله على ارادة جميع المعاني ، بناءاً على قانون السببية المذكور مع عدم نصبه قرينة على المقصود.

وكذلك لو اخترنا مسلك الالتزام والتعهد ، فبما أن متعلق التعهد هو جميع المعاني فلابد من حمل اللفظ عليها جرياً على وفق التعهد المذكور.

أولاً : ان النكتة العرفية التي يبتني عليها قانون السببية هي نكتة الفرار من محذور اللغوية ، وذلك لان الموجد لسبب يؤدي لمسبب ما مع التفاته للسببية انما يتعين حمله على ارادة المسبب للزوم للغوية من ايجاده للسبب لو لم يقصد المسبب ، وفراراً من هذا المحذور وصوناً لأفعال العقلاء عن اللغوية والعبث ـ كما عليه سيرتهم في جميع الأمور ـ يحمل على أنه قاصد للمسبب ، وكذلك في عالم الألفاظ انما يحمل على ارادته للمعنى الكذائي صوناً لكلامه عن اللغوية.

ومن المعلوم أنه يكفي في دفع محذور اللغوية في المقام حمل اللفظ على ارادة معنى واحد من بين المعاني ـ معين ثبوتاً وان لم يعرف اثباتاً ـ بلا حاجة لحمله على ارادة جميع المعاني خصوصاً مع عدم القرينة على ارادة جميع المعاني ، وانتقال الذهن لجميع المعاني على فرض حصوله فهو من لوازم العلم بالعلقة الوضعية.

ولا يصح جعله مقصداً وغاية وهدفاً نظر اليه المتكلم مع عدم مساعدة قانون السببية على الحمل عليه ، والفرق بين النتيجة اللازمة والغاية أوضح من أن يخفى.

٢٠٧

ثانياً : ان المتفاهم العرفي في مقام الاستعمال هو استعمال اللفظ في معنى واحد وأما استعماله في عدة معان فهو خلاف المتبادر عرفاً لا يصار اليه الا مع القرينة ، ولعل هذا هو مقصود صاحب المعالم والقوانين(١) عندما أخذا في الموضوع له قيد الوحدة ، لأن جعل الوحدة جزءاً من الموضوع له واضح الفساد ، إذ لا يجتمع ذلك مع قصد معنى آخر من اللفظ لا حقيقة ولا مجازاً ، فالمناسب حينئذٍ أخذ الوحدة في مقام الظهور لا في مرحلة الوضع ، بمعنى أن الظاهر عرفاً من الاستعمال هو استعمال اللفظ في المعنى الواحد.

ولذلك ترى البناء العقلائي على حمل اللفظ على معنى واحد لا متعدد في جميع شؤون المحاورة ، فعندما يحصل اقرار من شخص باشتغال ذمته بمال لزيد وكان زيداً مردداً بين اشخاص لا يحكم العقلاء بارادة الجميع ، ولو طلق رجل زوجته فلانة وكان اسمها مشتركاً بين زوجتين له أو أكثر لا يحكم العقلاء بطلاق الجميع ، وكذلك الفقهاء في مشتركات الرواة ، فلو اسند صاحب التهذيب رواية لأحمد بن محمد المردد بين ابن عيسى وابن خالد فانهم لا يسندون الرواية للجميع.

وهذه كلها شواهد على تبادر الوحدة في مقام الاستعمال وان المتكلم يقصد معنى معيناً ثبوتاً لكن لعدم القرينة عليه اثباتاً يحكمون بالاجمال.

ثالثاً : بناءاً على مسلك التعهد في الوضع فالنتيجة في دوران اللفظ بين ارادة معنى واحد أو معاني متعددة هو الحكم بالاجمال أيضاً عند العقلاء ، وذلك على كلا صيغتي التعهد ، أما على الصياغة التي اختارها الاستاذ السيد الخوئي (قده) وهي التعهد بارادة أحد المعاني عند ذكر اللفظ فحمل اللفظ على ارادة الجميع مضافاً لكونه خلاف الاستظهار العرفي كما سبق فهو خلاف

__________________

(١) معالم الأصول : ٣٩ ، القوانين ١ : ٦٨.

٢٠٨

المتعهد به ، فلا يصار له الا مع القرينة ويتعين الحكم بالاجمال.

وأما على الصياغة المختارة عندنا ، وهي التعهد عند ذكر اللفظ بارادة معنى معين الا مع القرينة على الخلاف ثم التعهد مرة أخرى بمثل ذلك لمعنى آخر ، فأيضاً لا يوجد بناء عقلائي على حمل اللفظ على الجميع مع عدم قرينة دالة ، وذلك لأخذ الوحدة في مقام الظهور فالمتعين الحكم بالاجمال.

الصورة الثانية : العلم بأن المتكلم اراد أكثر من معنى من اللفظ ، ولكن هل قصد الكثرة على نحو أجزاء لمركب واحد وهو المعبر عنه بالعموم المجموعي ، أو قصد الكثرة العرضية وهو المعبر عنه بالعموم الاستغراقي ، وهنا احتمالان :

الأول : أن أصالة الحقيقة التي هي من صغريات أصالة الظهور تعين كون المراد هو العموم الاستغراقي ، باعتبار ان استعماله في العموم المجموعي مجاز واستعماله في العموم الاستغراقي حقيقة فهو المتعين.

الثاني : الحكم بالاجمال ، وذلك لأن دلالة اللفظ على العموم المجموعي خلاف الظاهر عرفاً ، اذ لا يتبادر لأذهانهم صورة مركبة من مجموعة معاني ، وحمله على العام الاستغراقي خلاف الظاهر عرفاً ولا قرينة تعين أحدهما ولم يقم بناء من العقلاء على جريان أصالة الحقيقة تعبداً بل يرون جريانها في مورد تكون الأصالة منقحة للظهور فيه لا مخالفة له ، فالنتيجة هي الاجمال والرجوع للأصل العملي.

٢٠٩

المشتق

بحث الأصوليون في أن لفظ المشتق ظاهر وضعاً في خصوص المتلبس بالمبدأ أم ظاهر في الأعم ، وذهب للقول بالأعم المعتزلة والمتقدمون من علمائنا وذهب للقول بالخصوص الاشاعرة والمتأخرون منا(١) ، وكلامنا في هذا البحث في مقامين :

الأول : في تحرير محل النزاع.

الثاني : في دوافع القول بالأعم ومناقشتها.

المقام الأول : تحرير محل النزاع يعتمد على عدة مقدمات :

الأولى : في بيان معنى المشتق ، فهل المراد بالمشتق المبحوث عنه المشتق بالاصطلاح النحوي أم المشتق بالاصطلاح الأصولي ؟

وبيان ذلك : أن المشتق له اصطلاحان :

١ ـ الاصطلاح النحوي ، ويراد به اللفظ المأخوذ من لفظ آخر مع توافقهما في الحروف وترتيبها كالضارب والضرب ، ويعتقد البصريون أن المصدر أصل المشتقات كاسم الفاعل واسم المفعول واسم الزمان والمكان والمصادر المزيدة ونحوها(٢) بينما يعتقد الكوفيون أن الأصل في الاشتقاق هو الفعل(٣) ، وكلاهما غير تام بنظر الأصوليين المتأخرين بل الأصل عندهم هو المادة السارية في جميع المشتقات.

__________________

(١) كفاية الأصول : ٤٥.

(٢) الانصاف للأنباري : ٢٣٥.

(٣) الانصاف للأنباري : ٢٣٥.

٢١٠

ولكننا نسجل ملاحظة على جميع هذه الأقوال بأن نقول : لا يخلو أصل المشتقات من أن يكون هو المادة أو المصدر أو اسم المصدر ، فأما المادة فهي وإن كانت موجودة بحروفها وترتيبها ومعناها في جميع المشتقات الا أنها ليست أصلاً للاشتقاق ، وذلك لأن كونها أصلاً للمشتقات معناه : أن الواضع وضعها أولاً مجردة عن أي هيئة كانت وضعاً نوعياً تتعاقب عليه الهيئات المختلفة.

والوضع النوعي المجرد المدعى في المواد والهيئات بعيد عن ذهنية الواضع البدائي الأول الذي يقوم بوضع الكلمات إما بدافع الحاجة للتفهيم والتفاهم وإما بداعي التغني كما يراه الفيلسوف جون لوك وإما بداعي الخوف والفزع من حادث كوني معين كما يراه بعض آخر ، فالمتصور في الواضع البدائي الساذج هو الوضع الشخصي للكلمة مادة وهيئة بأحد الدوافع المذكورة لا الوضع النوعي ، فإنه حالة متطورة من الابداع الفكري البعيد عن الواضع الأول.

وأما المصدر وهو الدال على الحدث المنتسب لفاعل ما فلا يصح جعله أصلاً للمشتقات ، باعتبار أن الأصالة إن أريد بها كونه أول لفظ موضوع فذلك يحتاج لدليل تاريخي.

وإن أريد بها سريان المعنى والصياغة البنائية في جميع المشتقات فالمصدر لا يطرد معناه في جميع المشتقات كاسم المصدر مثلاً ، فإن معناه يغاير المعنى المستفاد من المصدر فكيف يكون متفرعاً عنه ، كما أنه لا يمكن سريان الهيئة البنائية لجميع المشتقات لاستحالة كون المادة متشكلة بهيئتين متغايرتين.

وبنفس هذا الايراد نورد على القائلين بأن أصل الاشتقاق هو الفعل وأما اسم المصدر وهو الدال على الحدث بما هو ، فإن أريد به الدلالة على أصل

٢١١

الحدث مع كونه لا بشرط بالنسبة لحيثية الانتساب لفاعل ما فهذا هو الجامع الانتزاعي بين جميع معاني المشتقات ، وهو فكرة متطورة يتوصل لها الذهن البشري. بعد مروره على ألفاظ المشتقات ، فالمناسب كونه متأخراً عن المشتقات في الوضع لا أصلاً لها.

وإن أريد به الدلالة على الحدث مع كونه بشرط لا عن معنى الانتساب فهو مغاير حينئذٍ لمفاهيم بقية المشتقات فلا يصلح كونه أصلاً لها.

٢ ـ المشتق الأصولي : وهو العنوان المنتزع من الذات بلحاظ انضمام أمر خارج عنها لها ، وهذا العنوان له عنصران :

أ ـ منشأ الانتزاع وهو الذات نفسها.

ب ـ مصحح الانتزاع وهو المبدأ المنضم للذات ، والفرق بين منشأ الانتزاع ومصححه : أن المنشأ هو الذي يحمل عليه العنوان الانتزاعي حملاً هوهوياً ، بينما المصحح هو المادة التي يصاغ منها العنوان الانتزاعي من دون صحة حمله عليه.

وينقسم المشتق الأصولي بلحاظ المبدأ الذي يصاغ منه إلى خمسة أقسام :

١ ـ ما كان المبدأ من الاعراض المتأصلة خارجاً وهي المقولات التسع كالقائم والقاعد ، فإن مبدأهما من القيام والقعود وهما عرضان خارجيان.

٢ ـ ما كان المبدأ من الأمور الاعتبارية كالواجب والحرام ، باعتبار انضمام الوجوب والحرمة لشيء ما.

٣ ـ ما كان المبدأ من الأمور الانتزاعية الواقعية لواقعية منشأ انتزاعها كالابن والأخ المأخوذين من الأبوة والبنوة والأخوة ، وهذه مفاهيم انتزاعية محمولة على الذات من باب الخارج المحمول لا من باب المحمول بالضميمة كالقسمين السابقين.

٢١٢

٤ ـ ما كان المبدأ من الجواهر كاللابن والتامر ، بناءاً على كون مبدئه هو التمر واللبن ثم أطلق المشتق على المتلبس ببيعها ، وسيأتي مناقشة ذلك.

٥ ـ ما كان المبدأ من سنخ الوجود والعدم لا من سنخ الماهيات بشتى أنواعها من المتأصلة والاعتبارية والانتزاعية والجوهرية ، ومثاله لفظ موجود ومعدوم.

وبين المشتق النحوي والأصولي عموم من وجه ، لشمول الأول للمصدر المزيد الذي لا يندرج تحت الثاني لعدم حمله على الذات حملاً هوهوياً بل يحمل عليها بالعناية ، وشمول الثاني للجوامد المحمولة على الذات كالزوج والرق والأم.

والآن نطرح السؤال : هل المراد بالمشتق المبحوث عنه هو المشتق النحوي أم المشتق الأصولي ، وقد أجيب عن ذلك بجوابين :

أ ـ إن المراد به المشتق النحوي ، لأنه هو معنى المشتق لغة فإن المشتق لغة هو المأخوذ من الشيء الآخر فيتلائم المفهوم النحوي مع المفهوم اللغوي ، وإنّما نلتزم بالخروج الحكمي لبعض المشتقات والدخول الحكمي لبعض الجوامد ، فمثلاً المصادر المزيدة وأسماء المصادر وإن كانت من المشتق موضوعاً لكنها خارجة عن حريم البحت حكماً ، لعدم تصور النزاع فيها بعد عدم حملها حملاً هوهوياً على الذات ، كما أن بعض الجوامد كالأخ والرق داخلة في البحث حكماً وإن خرجت عن المشتق موضوعاً ، باعتبار صحة جريان النزاع فيها.

ب ـ إن المراد به المشتق الأصولي ، وذلك أولاً : لملائمته المعنى اللغوي باعتبار اشتقاقه وانتزاعه من الذات بلحاظ انضمام أمر لها ، فإن الاشتقاق العقلي كاف في صحة تسميته بالمشتق وإن لم يكن هناك اشتقاق لفظي.

٢١٣

وثانياً : إن قانون انتخاب الأسهل هو الذي يعطينا القناعة بأن المراد بالمشتق المشتق الأصولي ، باعتبار أنه ما دام الاصطلاح الأصولي موجوداً ووافياً بتحديد موضوع البحث بدون استثناءات أو استدراكات فلا حاجة لتبني الاصطلاح النحوي ثم تعقيبه بالاستثناء.

المقدمة الثانية : في بيان مفهوم التلبس بالمبدأ وفقدانه بالنظر الفلسفي والعرفي :

إن النزاع في كون لفظ المشتق ظاهراً في خصوص المتلبس أم في الأعم إنما يتصور بعد كون المشتق ذا حالتين ، حالة تلبس الذات بمبدئه وحالة فقدانها ، بحيث يعد الوجدان والفقدان من الحالات الطارئة على الذات مع عدم تغير حقيقتها.

وأما لو كان التباين بين الحالتين ذاتياً ، بحيث تكون الذات حقيقتين متغايرتين عند التلبس وعدمه فليس ذلك داخلاً في البحث بلا ريب ، إذ لا يصح إطلاق حد حقيقة على حقيقة أخرى الا تجوزاً.

وكلامنا الآن في معيار التمايز بين حالة التلبس وحالة الفقدان واعتبارهما حالتين أو حقيقتين ، فهل المعيار فلسفي أم عرفي ؟

وبعبارة أوضح : لا ريب أن شيئية الشيء ـ التي بها يمتاز عن غيره ويكون حقيقة منفصلة عن الحقائق الأخرى ـ بصورته لا بمادته ، ولكن ما هو المعيار في الصورة الفاصلة للحقيقة هل هو النظر العرفي أم النظر الفلسفي ؟

المعيار الفلسفي : ويرى الفلاسفة أن الصورة المقومة للحقيقة هي الصورة النوعية المعبر عنها بالفصل ، فالانسان مثلاً بناطقيته لا بجسمه ، فلو تحول الجسم إلى تراب فالإنسان باق باعتبار عدم تغير صورته الانسانية وهي روحه الناطقة.

المعيار العرفي : وهو الذي يرى تمايز الاشياء بالصورة الشكلية والآثار

٢١٤

الملموسة عند العرف.

وبينهما عموم من وجه ، فالجسد البشري ـ مثلاً ـ بعد فقدانه للحياة يراه العرف بأنه هو الإنسان وأنه مات ، والموت والحياة حالات طارئة لا حقائق مختلفة ، بينما الفلاسفة لا يعتبرون الجسد الميت إنساناً بل يعتبرونه جماداً والانسان غيره فيختلفان حقيقة بالموت والحياة. كما أن الحليب واللبن المصنوع منه حقيقتان عرفاً وذات واحدة فلسفة ، لاتحاد الصورة النوعية فيهما.

وبعد البيان المذكور نقول : بأن المعتبر في الصورة الفاصلة للحقيقة هو النظر العرفي لا النظر الفلسفي لعدة أسباب :

أولاً : إن الرؤية الفلسفية لا دليل على واقعيتها وصحتها ، فربما يكون المعيار الواقعي في الفصل بين الأشياء هو الفصل بالعوارض والآثار كما ورد في بعض الروايات : « وخلق خلقاً مختلفاً بأعراض وحدود»(١) .

ولا دليل على لزوم كون الفاصل بالصور النوعية والفصول ، ولعل الاتجاه الفلسفي في جعل معيار التمييز مبنياً على الصور النوعية والفصول تعبير عن عرف خاص في المجتمع اليوناني الذي نشأت فيه بذرة الفلسفة ، ومن الواضح أن الأعراف والمجتمعات تختلف في معيار التمييز كما نلاحظ اختلاف المجتمعات في جعل بعض الفواكه أو الحيوانات تحت عنوان واحد أو عناوين متعددة.

فمن المحتمل جداً كون الفلسفة اليونانية في اعتمادها على الصور النوعية كمعيار للتمييز بين الحقائق تعبر عن عرف خاص ورؤية إنسانية معينة لا أن ذلك هو المعيار الواقعي المعتمد.

ثانياً : قد ذكر الفلاسفة أنفسهم أن الاطلاع على الحقائق الواقعية غير

__________________

(١) التوحيد : ٤٣٠ ، باب ٦٥ ، ضمن ح ١.

٢١٥

متيسر والفصول التي يطرحونها ما هي الا فصول مشهورية لا فصول حقيقية ، فالناطق ـ مثلاً ـ الذي جعل فصلاً للإنسان إن أريد به النطق فهو كيف مسموع وإن أريد به الفكر فهو كيف نفساني أو فعل ذهني ، ومن المعلوم عندهم عدم تقوم الجوهر بالأعراض من الكيف والفعل ، إذن فالناطق فصل مشهوري لا فصل حقيقى. ونتيجة ذلك : أنه كيف يمكن لنا أن نعتبر المعيار في تمييز الحقائق هو النظر الفلسفي مع قصوره ـ كما صرح الفلاسفة أنفسهم ـ في الوصول لفرز الواقعيات وتحديدها.

ثالثاً : إن البحث في ظهور المشتق في خصوص المتلبس أو الأعم بحث لغوي يرجع في تشخيصه إلى العرف واللغة لا إلى البحوث الفلسفية.

ولكن هنا سؤالان :

١ ـ إن بحثنا في المائز الحقيقي بين الشيء وغيره وأنه مائز عرفي أو فلسفي ، وهذا بحث عقلي وليس بحثاً لغوياً حتى يرجع فيه إلى اللغة والعرف ؟

والجواب : إن الظهور يعتمد على عناصر مندمجة في نفس الظهور بحيث تكون هناك وحدة وائتلاف بين الظهور وعناصره ولا يمكن البحث في الظهور منفصلاً عنها ، فمثلاً إذا بحثنا في أن صيغة افعل ظاهرة في الوجوب أم لا فالبحث في هذا الظهور معتمد على عنصر آخر وهو ما يستظهره العرف من عنوان الوجوب أيضاً ، وكلا الأمرين وحدة مترابطة تقع مورداً للبحث.

كذلك في المقام ، فإن البحث عن ظهور المشتق في المتلبس أو الأعم متفرع على ما يفهمه العرف من التلبس وعدمه مع بقاء الحقيقة مقابل تغيرها ، وهذا العنصر مندمج في الظهور نفسه بحيث لا يتحقق ظهور عرفي للمشتق في المتلبس أو الاعم الا مع ظهور مفهوم التلبس وعدمه في أذهان العرف ، فتبين أن البحث في المقام بحث لغوي يرجع فيه للمفهوم العرفي لا إلى التحقيق الفلسفي.

٢١٦

٢ ـ لا ريب في اختلاف الأعراف في مفاهيمها وأفكارها ، وحينئذٍ إذا كانت الرؤية العرفية الآن تعني أن المشتق ظاهر في المتلبس أو الأعم أو تعني أن الفاصل الحقيقي بين الماهيات هو بالأعراض والآثار فلا يعني ذلك ان الارتكاز العرفي في زمان النص الشرعي كذلك ؟

والجواب : إن كلامنا في ظهور المشتق بصفة عامة وليس خاصاً بالمشتق الموجود في النصوص الشرعية حتى نركز على العرف المعاصر للنص الشرعي ، مضافاً إلى أنه إذا ثبت ما هو المرتكز في عرفنا رأينا كيف نتوصل للعرف في زمان النص من عدة طرق طرحناها في بحث علامات الحقيقة والمجاز.

المقدمة الثالثة : في بيان معنى الحال : عندما يقول الأصوليون هل أن المشتق ظاهر في المتلبس بالمبدأ في الحال أم في الأعم فماذا يقصدون من لفظ الحال ؟

هناك ثلاثة معاني للحال :

١ ـ حال النطق.

٢ ـ حال النسبة.

٣ ـ حال التلبس.

أما المعنى الأول : فهو غيرمراد قطعاً لوجهين :

١ ـ لو كان زمان النطق مدلولاً لكانت الأوصاف دالة على الزمان وليست كذلك بدليل اسنادها إلى نفس الزمان بدون عناية أصلاً فيقال الزمان مسرع ، واسنادها إلى المجردات الخارجة عن وعاء الزمان نحو الله عالم وخالق والملائكة قائمون ونحوه ، فإذا صح إطلاقها على المجرد عن الزمان وعلى الزمان نفسه وعلى الزماني بلا عناية تبين خلوها من الدلالة على الزمان ، فانسباق زمان النطق في بعض الاستعمالات نحو زيد قائم لاتحاد زمان النطق مع زمان الجري والانطباق ، فلو لم يتحدا لم يتحقق هذا الظهور نحو « لا تكرم الفاسق » فإن

٢١٧

الظاهر منها فعلية الفسق حين الاكرام لا حين النطق بالجملة.

٢ ـ إن لازم هذا القول كون قلنا زيد قائم أمس وكان زيد قائماً مجازاً ، لعدم التلبس حال النطق مع انه حقيقة بلا ريب عندهم.

وأما المعنى الثاني : وهو أن المراد بالحال حال الجري والنسبة ، أي حال انتساب المحمول للموضوع ، سواءاً تقدم عليه النطق أم تأخر أم قارن ، فظاهره أن البحث في المشتق بحث في مرحلة التطبيق والاسناد لا بحث في المدلول الأفرادي للمشتق ، أي أنه بعد الفراغ عن المفهوم المتبادر من لفظ المشتق بما هو لفظ نبحث في صدقه وتطبيقه على الموضوع ، فنقول : هل يشترط في صدقه على الموضوع تلبسه بالمبدأ حال النسبة والاسناد أم يصح صدقه عليه بمجرد تلبسه به في الزمان السابق وإن لم يكن متلبساً به فعلاً ، إذن فعلى هذا القول لا يكون البحث بحثاً لغوياً حول مدلول لفظ المشتق بل هو بحث متعلق بمقام الاسناد والنسبة.

وأما المعنى الثالث : وهو المختار عندنا ، فمحصله : أن البحث في المقام بحث لغوي حول مدلول لفظ المشتق وأن هذا المدلول في حد ذاته هل هو واسع شامل لحين وجود المبدأ خارجاً وحين انقضائه أو ضيق خاص بحين تحقق المبدأ بغض النظر عن عالم الاسناد ، فسواءاً كان هناك جملة وإسناد أم لم يكن فإن البحث متصور في لفظ المشتق بلحاظ مدلوله الافرادي.

وعلى هذا المعنى فلا نحتاج لاضافة قيد الحال للبحث أصلاً ، فنقول : هل أن لفظ المشتق ظاهر في المتلبس أم الأعم منه ، من دون داعي لأضافة قيد الحال مادام المراد منه هو نفس التلبس ، بخلاف المعاني الآخر للفظ الحال فإننا بناءاً عليها نحتاج لإضافة قيد الحال ، لاختلافها معنى عن معنى التلبس ، وبيان هذا البحث بصورة أوضح وأعمق يعتمد على البحث الآتي.

٢١٨

المقدمة الرابعة : حول البحث في المشتق ، هل هو بحث عقلي أم بحث لغوي فهنا نظريتان :

الأولى : إن البحث في المشتق بحث عقلي فلسفي ، وذلك لأن مفهوم المشتق مفروغ عنه وهو الواجد للمبدأ بأي لون من ألوان الواجدية فلا نزاع في مفهومه.

وإنما النزاع في كون الموضوع المحمول عليه المشتق هل هو من مصاديق المشتق وأفراده مطلقاً حتى بعد انقضاء تلبسه بالمبدأ أو أنه من مصاديقه حين التلبس فقط ، فالبحث متعلق بمرحلة الصدق والفردية لا بمرحلة التشخيص اللغوي للمفهوم ، ولذلك يختص البحث بالقضايا والجمل الاسنادية لأنها تعبر عن مرحلة الصدق ولا ربط له بالمفردات ، إذن فالبحث في المقام تصديقي لا بحث تصوري في مفهوم المشتق.

وقد ذهب لهذه النظرية المحقق الطهراني صاحب المحجة والتبريزي في المشتقات والبهبهاني في المقالات والسيد البروجردي(١) وبعض الأعاظم(٢) .

الثاني : إن البحث في المقام حول ظهور لفظ المشتق في خصوص المتلبس بالمبدأ أو الأعم ، فهو بحث لغوي حول مدلول كلمة معينة وأن هذا المدلول هل هو واسع يشمل المنقضي أم ضيق فيختص بحين التلبس. وهذا ما يسمى بالشبهة المفهومية الدائرة بين الأقل والأكثر كالنزاع في مفهوم الفاسق الخاص بمرتكب الكبيرة أو الشامل لها ولمرتكب الصغيرة ، ومثله النزاع في الصحيح والأعم أيضاً.

__________________

(١) الحاشية على كفاية الأصول ، تقريرات البروجردي ١ : ١١٢.

(٢) تهذيب الأصول ١ : ٩٨ ـ ١٠٠.

٢١٩

إذن البحث هنا بحث لغوي تصوري سواءاً كان هناك جملة اسنادية أم لا ، وقد ذهب لهذا الرأي المحققون الثلاثة النائيني(١) والعراقي(٢) والاصفهاني(٣) وهو مختارنا أيضا(٤) .

ونستعرض الآن النظرية الأولى وتقريبها وما يرد عليها من الملاحظات :

تقريبها : إن ما نتصوره من كلام المحقق الطهراني في المحجة أحد وجهين :

أ ـ إن الحمل على نوعين ، حمل مواطاة وحمل اشتقاق ، فأما حمل المواطاة فيعني الهوهوية بين الموضوع والمحمول والهوهوية تقتضي الاتحاد الوجودي بينهما ، ومع حصول الاتحاد المذكور فالموضوع لابد وأن يكون من المصاديق الفعلية للمحمول ومن أفراده الحالية والا لم يصح حمل المشتق عليه ، إذ لا يصح أن يقال للسائل أنه ماء بعد تحوله بخاراً ، ولا يصح أن يقال للمائع أنه خل بعد تحوله خمراً.

فحمل المواطاة متقوم بالهوهوية الوجودية التي تعني كون الموضوع مصداقاً فعلياً للمحمول.

وأما حمل الاشتقاق فمعناه : حمل المبدأ على الذات التي تلبست به فليس معناه الهوهوية بين الطرفين ، إذ لا هوهوية بين المبدأ وبين الذات ولذلك لا يصح حمله عليها فلا يقال زيد جلوس الا مع التاويل ، بل معناه مجرد الانتساب أي انتساب هذا المبدأ إلى الذات.

وحينئذ يقع البحث في أن حمل الاشتقاق الراجع لمعنى الانتساب هل

__________________

(١) فوائد الأصول ١ : ٨٢ و ٩٣ و ١١١.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٥٧ و ٥٩.

(٣) مقالات الاصوليين : ٥٦ ـ ٥٧.

(٤) نهاية الدراية ١ : ٦٨.

٢٢٠