الرافد في علم الاصول

الرافد في علم الاصول0%

الرافد في علم الاصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 342

  • البداية
  • السابق
  • 342 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35025 / تحميل: 6033
الحجم الحجم الحجم
الرافد في علم الاصول

الرافد في علم الاصول

مؤلف:
العربية

الحيثية التقييدية ـ فحينئذ يرد الاشكال بأن هذا العنوان قد زال حين فعلية الحكم ولازمه عدم دوران الحكم مدار موضوعه ، وإن كان الموضوع ـ كما هو الصحيح ـ ذات السارق وذات الزاني مع كون العنوان حيثية تعليلية فقط وليس هو تمام الموضوع ولا جزءه حتى يدور الحكم مداره حدوثاً وبقاءاً فحينئذ لا يرد الاشكال المذكور.

ولكن هذا الجواب غير واف بردِّ الاشكال :

أولاً : لأن الظاهر من التعليق على العنوان في الآية كون العنوان حيثية تقييدية يدور الحكم مداره.

وثانياً : على فرض كونه حيثية تعليلية لاينحل الاشكال المذكور ، لأن المراد بالحيثية التعليلية ما كان واسطة في ثبوت الحكم لموضوعه ، أي أن عنوان السارق علة لثبوت الحكم بالحد لذات السارق ، وحينئذ يعود الاشكال مرة أخرى ، لأن ثبوت الحكم لموضوعه إذا كان معلولاً لعنوان السرقة فكيف يعقل بقاء هذا الثبوت مع زوال علته وهو عنوان السرقة ؟!

وحينئذ فأما أن يلتزم بالجواب الأول وهو كون العلية عليّة اعتبارية ، فيكفي حدوثها في حدوث الحكم بدون حاجة لبقائها في بقائه ، وإما أن يلتزم بالجواب الثاني وهو أخذ المبدأ الخفي في عنوان السارق والزاني والظالم ، وهو مبدأ المضي والحدوث لا مبدأ الفعلية والتحقق ، فلا يكون ما ذكر في كلمات المحقق العراقي (ره) جواباً جديداً غير ما سبق.

د ـ ما طرحه الأستاذ السيد الخوئي (قده) في المحاضرات ، ومحصله : إن القضايا على قسمين حقيقية وخارجية ، فالقضايا الخارجية بما أنها ناظرة للخارج فمن المعقول في العناوين المطروحة فيها التلبس الفعلي بالمبدأ وانقضاء ذلك التلبس ، فلو ورد فيها حكم معلق على عنوان زال التلبس به لجاء الاشكال

٢٦١

المذكور ، وهو أن لازم ذلك عدم دوران الحكم مدار موضوعه حدوثاً وبقاءاً.

وأما القضايا الحقيقية فبما أنها غير ناظرة للخارج الفعلي بل مرجعها لقضية شرطية مقدمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت المحمول له فلا يتصور فيها حال الانقضاء أبداً حتى يرد الاشكال السابق ، فمثلاً الآية المذكورة( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) (١) مرجعها إلى أن من كان سارقاً فحكمه قطع يده فلا يتصور حينئذٍ انقضاء مبدأ السرقة ، لأن الموضوع مفروض التحقق والحصول(٢) . ولكن هذا الجواب ـ بنظرنا ـ غير واف برد الأشكال لأمرين :

الأول : إنه لا فرق بين القضايا الخارجية والقضايا الحقيقية في التعليق على عنوان فعلى تارة وعنوان زال التلبس به أخرى فيقال ـ مثلاً ـ أكرم العالم ويقال أكرم زائر الحسين7 ، فالأولى قد علق فيها الأمر بالاكرام على عنوان فعلي التلبس والثانية قد علق فيها الأمر على عنوان زال التلبس به حين الحكم.

الثاني : إن الفارق الجوهري بين القضايا الحقيقية والخارجية كون الموضوع فعلياً في الخارجية مفروضاً في الحقيقية ، وكونه مفروض الحصول لا يعني دوران الحكم مداره حدوثاً وبقاءاً ، فمن المحتمل كون المراد بالمقدم في القضية الحقيقية فرض حدوث الموضوع والمراد بالتالي فعلية الحكم عند حدوث الموضوع سواءاً بقي ببقائه أم لا ، فإن مناسبة الحكم للموضوع في القضية الحقيقية قد تقتضي تقارنهما حدوثاً وبقاءاً نحو خذ بقول العادل ، وقد تقتضي عدم تقارنهما نحو اجلد الزاني ، مع أن الجميع قضية حقيقية قد فرض فيها تحقق الموضوع ليترتب عليه الحكم المزبور.

وحل الاشكال حينئذٍ في النوع الثاني من القضايا ـ أي القضايا

__________________

(١) المائدة : ٥ / ٣٨.

(٢) محاضرات في أصول الفقه : ١ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧.

٢٦٢

الحقيقية ـ إما بإنكار دوران الحكم مدار الموضوع حدوثاً وبقاءاً وإما بأخذ المبدأ في عنوان الموضوع على نحو المضي والتحقق كما ذكرنا سابقاً.

الأمر الثاني : في حقيقية الاطلاق ومجازيته ، إذا لاحظنا الآية الكريمة( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) (١) وتأملنا فيها بأن الاطلاق حقيقي أم مجازي فأمامنا عدة صور ، وذلك لأن المبدأ إما أن يؤخذ بنحو المضي والحدوث وإما بنحو الفعلية.

١ ـ أن يؤخذ المبدأ بنحو المضي والحدوث فالاطلاق حينئذٍ حقيقي ، لعدم تصور انقضاء التلبس في هذه الصورة ، سواءاً كان العنوان حيثية تعليلية أم حيثية تقييدية.

٢ ـ أن يؤخذ المبدأ بنحو الفعلية مع كون الاطلاق بلحاظ حال التلبس ، وهو حقيقي حينئذ كما ذكر صاحب الكفاية (ره)(٢) .

٣ ـ أن يؤخذ المبدأ بنحو الفعلية مع كون الاطلاق بلحاظ حال الجري والاسناد فهو حقيقي بناءاً على القول بالأعم ولا إشكال عليه ، ومجازي على القول بالأخص ، ويرد على هذا القول في هذه الصورة إشكال عدم دوران الحكم مدار موضوعه حدوثاً وبقاءاً ، والجواب عنه ما سبق من كفاية العلة الحدوثية.

الأمر الثالث : في تحليل معنى الآية :( لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٣) .

استدل علماء الامامية بهذه الآية على اعتبار العصمة في الامام7 تبعاً لبعض النصوص الواردة عن أهل البيت: كما يظهر

__________________

(١) المائدة : ٥ / ٣٨.

(٢) كفاية الأصول : ٤٣ ـ ٤٤.

(٣) البقرة : ٢ / ١٢٤.

٢٦٣

من تفسير البرهان(١) . وخلاصة الاستدلال : أن الآية تنفي لياقة الظالم بمنصب الامامة ، سواءاً كان ظالماً فعلاً أم كان ظالماً سابقاً ، ولازم ذلك اعتبار العصمة في منصب الإمامة ، إذ لا واسطة بين الظلم وبين العصمة فانتفاء الظلم مستلزم لثبوت العصمة ، وإن كانت العصمة ذات مراتب تشكيكية كسائر الملكات الأخرى مثل الشجاعة والكرم ، وأدنى مراتبها انتفاء الظلم ظاهراً وباطناً سابقاً وفعلاً.

وأورد على ذلك الفخر الرازي بأن الاستدلال بالآية على عدم لياقة الظالم بالفعل بمنصب الامامة واضح ، ولكن الاستدلال بها على عدم لياقة الظالم سابقاً بمنصب الامامة لا يتم الا على القول بوضع المشتق للأعم وهو قول خلاف المشهور ، فبناءاً على الصحيح من وضعع المشتق للأخص تختص الآية بنفي اللياقة عن الظالم الفعلي دون غيره ، فلا يتم الاستدلال بها على العصمة(٢) .

والجواب عن هذا الايراد : إن الاستدلال بالآية على نفي لياقة غير المعصوم بالامامة تام وإن قلنا بوضع المشتق للأخص ، وتماميته بوجهين :

أ ـ إن مناسبة الحكم للموضوع قرينة عرفية ارتكازية تقتضي كفاية حدوث الظلم ولو آناً ما باطناً أو ظاهراً لعدم تقلد منصب الامامة الذي هو أعلى منصب في الاسلام ، ويؤيد ذلك الارتكاز العقلائي فإن كثيراً من الدول تمنع من تقلد بعض المناصب المهمة من قبل من كانت له سابقة مخلة بالشرف ، والنصوص الشرعية ترشد لذلك أيضاً ، ففي حسنة زرارة عن الباقر7 « لا يصلين أحدكم خلف المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود وولد

__________________

(١) تفسيرالبرهان : ١ / ١٤٩.

(٢) التفسير الكبير: ٤ / ٤٦.

٢٦٤

الزنا والأعرابي لا يؤم المهاجرين »(١) .

فإذا كانت إمامة الجماعة منصباً لا يليق به من له سابقة سيئة فكيف بأعظم منصب في الإسلام ، فتكون الآية بناءاً على هذه القرينة شاملة للظالم سابقاً والظالم فعلاً ودالة على اعتبار العصمة في الامامة ، سواءاً قلنا بأن مبدأ الظلم أخذ على نحو المضي والحدوث فالاطلاق حقيقي حينئذ ، أو قلنا بأن المبدأ أخذ على نحو الفعلية مع لحاظ حال الجري والنسبة فالاطلاق مجازي بناءاً على الوضع للأخص ، إذن فكون الاطلاق في الآية حقيقياً أم مجازياً لا ينافي الاستدلال بها على اعتبار العصمة.

ب ـ ما نقل عن بعض الأعلام ، وحاصله : أن مطلوب إبراهيم7 لا يخلو من أربعة وجوه :

١ ـ طلب الامامة للظالم فعلاً.

٢ ـ طلب الامامة للظالم مستقبلاً.

٣ ـ طلب الامامة للظالم سابقاً.

٤ ـ طلب الامامة لمن لم يظلم أصلاً.

لا يمكن أن يكون مطلوبه الوجه الأول والثاني ، لأن إبراهيم7 عاقل عارف بأهمية منصب الامامة فكيف يطلب تقليده للظالم بالفعل أو في المستقبل ، فإن ذلك تعريض بمنصب الإمامة للضياع والخطر.

ولا يمكن أن يكون مطلوبه خصوص الوجه الرابع وهو من لم يظلم أصلاً ، باعتبار نفي الآية اعطاء المنصب للظالم ولولا شمول طلبه للظالم لما نفته الآية المباركة ، فتعين أن يكون مطلوبه اعطاء الامامة للعادل فعلاً سواءاً صدر منه ظلم في السابق أم لا ، فلما جاء التصريح الالهي بنفي لياقة الظالم بمنصب

__________________

(١) الوسائل : ٨ / ٣٢٥ ، ح ١٠٧٩٧.

٢٦٥

الامامة عرف أن المراد بالظالم المنفي هو الظالم سابقاً فقط وبقية الوجوه خارجة موضوعاً كما ذكرنا ، فتتم دلالة الآية حينئذ على اعتبار العصمة في الامام ، سواءاً كان الاطلاق فيها حقيقياً بلحاظ حال التلبس أو مجازياً بلحاظ حال الجري والنسبة.

وإذا ثبت دلالة الآية على اعتبار العصمة وانتفاء الظلم سابقاً ولاحقاً وظاهراً وباطناً في الامامة دلت على كون الامامة بالنص لا بالشورى ، وذلك من وجهين :

أ ـ نسبة جعل الامامة لله جل وعلا في الآية المباركة ، حيث قال :( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) (١) ، ولو كانت بالشورى لا بالجعل الالهي لما نسبها الله لنفسه في الآية.

ولكن قد يقال بأن هذا الجعل جعل خاص صادر على نحو القضية الخارجية ، أي أنه خاص بشخصية إبراهيم7 أو بالأنبياء عموماً ، ولا دليل على كونه عاماً لكل إمامة على نحو القضية الحقيقية.

ب ـ إن الآية تدل باللزوم العقلي على اعتبار النص في الامامة ، باعتبار أن الآية لما دلت على اعتبار العصمة أي لزوم انتفاء الظلم ظاهره وباطنه وسابقه ولاحقه في الامام ، وذلك أمر خفي لا يمكن الاطلاع عليه من قبل البشر المنتخبين للإمام دلت على كون الامامة بالنص ، لأنه لو كانت الامامة بالانتخاب والشورى فهذا يعني اشتراط أمر خفي في الإمامة مع إيكال تشخيص توفره إلى من لا يمكنه التشخيص ، وهو جمع بين المتنافيين.

فالنتيجة : أن دلالة الآية على اعتبار العصمة في الامام مستلزم لاعتبار النص فيه أيضاً.

__________________

(١) البقرة : ٢ / ١٢٤.

٢٦٦

المنشأ الثالث : ( من مناشئ القول بأن المشتق موضوع للأعم ) الخلط بين العنوان المأخوذ على نحو المعرفية والعنوان المأخوذ على نحو الموضوعية ، فمثلاً عندما نقول : « خذ الدين من هذا العالم » فالموضوع الاثباتي هو الموضوع الثبوتي لأن عنوان العالم مأخوذ على نحو الموضوعية ، بينما إذا قلنا : « خذ الدين من هذا الجالس » فهنا يحكم العرف العقلائي ـ بقرينة مناسبة الحكم للموضوع ـ أن العنوان وهو الجلوس مأخوذ على نحو المعرفية للموضوع الواقعي ، فالموضوع الاثباتي مختلف عن الموضوع الثبوتي.

والحاصل : أن ظاهر تعليق الحكم على عنوان معين أخذ العنوان على نحو الموضوعية ، ولكن قد يخرج عن هذا الظاهر بقرينة لفظية أو مقامية أو عقلائية كما سبق في المثال الثاني ، فيكون العنوان مأخوذاً على نحو المعرفية.

وقد خلط بعض العلماء بين هذين النوعين ، فتصور أن جميع العناوين المأخوذة في القضايا مأخوذة على نحو الموضوعية ، وبناءاً على ذلك فلا وجه لتعليق الحكم على عنوان زال التلبس بمبدئه حين فعلية الحكم ـ كما في المثال السابق « خذ دينك من الجالس » إذا صار الجالس قائماً ـ الا إذا قلنا بوضع المشتق للأعم ، فإنه على القول بوضعه للأخص لا يتصور تعليق الحكم لأنه تعليق على عنوان لا فعلية له ، لكننا نرى شيوع مثل هذه القضايا وصحة التعليق فيها مما يدل على الوضع للأعم.

والصحيح أن العنوان المعلق عليه الحكم قد يكون مأخوذاً على نحو الموضوعية فلا يعقل فعلية الحكم بعد انتفاء فعليته نحو « قلِّد العادل » ، الا إذا أخذ المبدأ بمعنى المضي والحدوث ، أو كان العنوان مأخوذاً بنحو الحيثية التعليلية لا الحيثية التقييدية ، أو كان مأخوذاً على نحو العلية الحدوثية لا البقائية ، كما سبق طرح هذه الوجوه في آية السرقة والزنا.

وقد يكون العنوان مأخوذاً على نحو المعرفية للموضوع الواقعي من دون

٢٦٧

دخالة العنوان في الحكم أصلاً نحو « خذ دينك من هذا الجالس » فلا يوجد هنا تعليق على العنوان حتى ينتفي الحكم بانتفاء فعلية العنوان أو نقول بالوضع للأعم ، بل التعليق على ذات المشار إليه لا على عنوانه.

ومما يتعلق بالحديث حول هذا المنشأ ذكر ثلاثة أمور :

أ ـ إن الفرق بين هذا المنشأ وسابقه أن الحديث في المنشأ السابق كان بعد الفراغ عن أخذ العنوان على نحو الموضوعية ، أي أن العنوان الاثباتي بعد كونه هو الموضوع الثبوتي هل يدور الحكم مداره حدوثاً وبقاءاً أم حدوثاً فقط ، هذا هو المنشأ السابق ، وأما الحديث في هذا المنشأ فهو أن العنوان الاثباتي هل له مدخلية في الحكم ثبوتاً على نحو الحيثية التعليلية أم التقييدية ، وعلى نحو العلة المحدثة والمبقية أم المحدثة فقط ، أم لا دخالة له في الحكم أصلاً بل هو مشير ومعرف بالموضوع الواقعي ، فالفرق بين المنشأين واضح.

ب ـ لقد جاء في كلمات الأستاذ السيد الخوئي (قده) أن انقسام العناوين للمأخوذ على نحو المعرفية والمأخوذ على نحو الموضوعية خاص بالقضايا الخارجية دون القضايا الحقيقية ، فإن العناوين المأخوذة في القضايا الحقيقية دائماً تكون مأخوذة على نحو الموضوعية ، باعتبار رجوع القضايا الحقيقية لقضية شرطية مقدمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت المحمول له ، فلابد أن يكون العنوان المأخوذ في المقدم ذا دخالة في الحكم المذكور في التالي إذ لولا دخالته فيه لم يعقل اشتراطه به وتعليقه عليه(١) .

ولكن الصحيح عدم الفرق بينهما ، فكما تنقسم القضايا الخارجية للنوعين المذكورين فكذلك القضايا الحقيقية أيضاً ، والسر في ذلك أن الفرق بين القضية الحقيقية والخارجية ليس فرقاً إثباتياً حتى يتصور الانقسام الاثباتي

__________________

(١) محاضرات في أصول الفقه : ١ / ٢٥٧.

٢٦٨

للعناوين في الخارجية دون الحقيقية ، بل الفرق بينهما ثبوتي راجع إلى أن القضية الخارجية متقومة بالموضوع الفعلي ، سواءاً كان في الماضي أم في الحال أم في المستقبل ، والقضية الحقيقية متقومة بالموضوع الفرضي من دون نظر للفعلية في زمان من الأزمنة الثلاثة.

هذا بحسب مقام الثبوت ، وأما بالنظر لمقام الاثبات فلا يوجد فرق بين القضيتين ، فكما يقال في القضية الخارجية « أكرم هذا الجالس » على نحو المعرفية و « أكرم هذا العالم » ، على نحو الموضوعية فكذلك يقال في القضية الحقيقية « اتبع من كان معصوماً » مع كون العصمة مأخوذة على نحو الموضوعية لدخالتها في وجوب الاتباع ، ويقال « اتبع من كان معجزاً في أفعاله » مع كون الاعجاز مأخوذاً على نحو المعرفية لعدم دخالته في وجوب الاتباع أصلاً بل هو مجرد معرف ومشير للموضوع الواقعي لوجوب الاتباع وهو النبي أو الامام7 .

ج ـ في الموثق عن ابن بكير عن الصادق7 ، « إن الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد »(١) ، والملاحظ هنا أن الحكم بالفساد قد علق على عنوان ( حرام أكله ) وهر مشتق من المشتقات ، فإن قلنا بأن المأخوذ في الموضوع ـ وهو عنوان الحرام ـ مأخوذ على نحو الموضوعية فلازمه انتفاء الحكم الوضعي ـ وهو الحكم بالفساد ـ عند انتفاء الحرمة لطرو إكراه أو اضطرار رافع للحرمة.

وإن قلنا بأن المأخوذ في الموضوع مأخوذ على نحو المعرفية والموضوع الواقعي هو نفس الحيوانات المحرمة الأكل كالثعالب والأرانب فلا ترابط حينئذ بين الحكم الوضعي وهو الفساد والحكم التكليفي وهو الحرمة ، فارتفاع الحرمة

__________________

(١) الوسائل : ٤ / ٣٤٥ ، ح ٥٣٤٤.

٢٦٩

للإكراه أو الاضطرار لا يعني ارتفاع الحكم الوضعي وهو الفساد ، وقد ذهب لهذا الرأي المحقق النائيني (قده) في رسالة اللباس المشكوك(١) .

المنشأ الرابع : ( من مناشئ القول بالوضع للأعم ) هو القول بتركيب المشتق.

بيان ذلك : أننا إذا قلنا بأن مفهوم العالم مفهوم بسيط وأنه عبارة عن نفس المبدأ وهو العلم ، ولا فرق بينهما أي بين العلم والعالم الا باللحاظ الذهني فإن الذهن إذا لاحظ العلم على نحو اللابشرط عن الانضمام للذات فيعبر عنه بلفظ العالم وهو المشتق وإذا لاحظه بنحو البشرط لا عن الانضمام للذات فيعبر عنه بالمبدأ والمصدر ، فلا يوجد فرق واقعي بين المبدأ والمشتق أصلاً وإنّما الفرق بينهما لحاظي فقط ، وهذا هو معنى القول ببساطة المشتق.

ويترتب عليه القول بالأخص ، لأن المشتق إذا كان هو نفس المبدأ بلا فرق واقعي بينهما فمع زوال المبدأ لا بقاء لعنوان المشتق حقيقة ، إذن فهو موضوع مخصوص بالمتلبس.

وأما إذا قلنا بأن مفهوم المشتق ـ كالعالم ـ مركب فمعناه ذات ثبت لها العلم ، والفرق بينه وبين المبدأ ـ وهو العلم ـ فرق ذاتي لا لحاظي ، ويترتب على ذلك القول بالوضع للأعم ، لأن عنوان الذات التي ثبت لها المبدأ أو انتسب لها المبدأ صادق حقيقة حتى بعد زوال المبدأ وانتفائه ، إذن فالقول بالبساطة لازمه القول بالوضع للأخص والقول بالتركيب لازمه القول بالوضع للأعم.

ولكن قد يقال بأن هذه الجهة ـ أي جهة التركيب والبساطة ـ لا مدخلية لها في محل النزاع ، باعتبار أننا قد نختار القول بالتركيب ومع ذلك نذهب للقول بوضع المشتق للأخص ، فإن مفهوم المشتق هو الذات الواجدة للمبدأ ،

__________________

(١) أجود التقريرات : ١ / ٧٩ ، فوائد الأصول : ١ / ١٢٢.

٢٧٠

والمقصود بالواجدية هي الواجدية الفعلية لا المطلقة حتى يتناسب مع القول بوضعه للأعم.

وقد نختار القول بالبساطة ومع ذلك نذهب للقول بوضع المشتق للأخص ، باعتبار أن المشتق عنوان انتزاعي بسيط لا مركب ، والعنوان الانتزاعي له عنصران :

١ ـ منشأ انتزاع يدور مداره حدوثاً وبقاءاً ، وهو الذي يصح حمله عليه.

٢ ـ مصحح انتزاع.

فبالنسبة للمشتق منشأ انتزاعه هو الذات التي يصح حمل المشتق عليها ومصحح انتزاعه هو المبدأ ، فما دامت الذات موجودة فيصح إطلاق المشتق حقيقة وإن زال التلبس بالمبدأ ، لأن علاقة المشتق بالمبدأ علاقة الانتزاعي بمصحح انتزاعه فلا يدور مداره حدوثاً وبقاءاً بخلاف علاقته بالذات ، وهذا هو معنى القول بالوضع للأعم. إذن فلا تلازم بين القول بالتركيب والقول بالوضع للأعم ، ولا تلازم بين القول بالبساطة والقول بالوضع للأخص ، كما يظهر من بعض تقريرات المحقق النائيني (قده).

البساطة والتركيب

قبل بيان المختار في هذا البحث نطرح مقدمة تساعد على وضوح محل النزاع وفهم المصطلحات الفلسفية والأصولية المطروحة فيه ، والمقدمة تشتمل على أمور :

الأمر الأول : في بيان معاني التركيب والبساطة ، وهي أربعة :

المعنى الأول : التركيب اللفظي ، وهو الذي عبر عنه علماء النحو وعلماء المنطق بقولهم « المركب ما دل جزؤه على جزء معناه » كغلام زيد حيث يدل كل

٢٧١

من المضاف والمضاف إليه على جزء من المعنى بنحو تعدد الدال والمدلول ، ويقابله قولنا « زيد » حيث لا يدل جزء اللفظ هنا على جزء المعنى ، ولذلك يعد مفرداً لا مركباً.

والسؤال المطروح هو : هل أن هذا المعنى من التركيب متحقق في المشتق أم لا ؟

وقد يقال في الجواب : نعم هذا التركيب صادق على المشتقات أيضاً ، وتقريب ذلك : أن علماء الأصول قالوا بأن المشتقات مشتملة على وضعين ، وضع شخصي لموادها ووضع نوعي لهيئآتها ، فمثلاً بالنسبة للفظ ( ضارب ) قد وضعت مادته وضعاً شخصياً لطبيعي الحدث المعين ووضعت هيئته ـ وهي هيئة فاعل ـ لمن صدر منه هذا الحدث ، فهناك وضعان وضع شخصي للمادة ووضع نوعي للهيئة ، سواءاً كان السبب في تحقق الهيئة هو زيادة الحروف نحو ( ضرَّاب ) و ( ضارب ) أو تغير الحركات نحو ( ضَرب ) و ( ضُرب ) بالمبني للفاعل والمبني للمفعول.

وبناءاً على ما ذكر ـ من تعدد الوضع في المشتقات ـ يكون المشتق مركباً من جزئين مادة وهيئة وكل واحد منهما يدل على جزء المعنى ، فإن المادة تدل على طبيعي المعنى والهيئة تدل على كيفيته.

ولكن الصحيح عدم شمول هذا المعنى من التركيب للمشتقات ، وبيان ذلك بصياغتين :

أ ـ إن المقصود بالجزء في تعريف المركب هو الجزء العرفي لا الجزء التحليلي ، ولا يعد الملفوظ جزءاً عرفاً حتى يكون لفظاً مستقلاً يمكن لحاظه دالاً على جزء المعنى مستقلاً عن الجزء الآخر كما في ( غلام زيد ) ولذلك نرى الرضي (ره) في شرح الوافية يضيف قيد التعقب في التعريف ، فيقول : « المركب ما يدل جزءه المتعقب بلفظ على جزء المعنى » ليفيد أن المراد بالجزء هو الجزء

٢٧٢

العرفي الذي لا ينطبق على كل من الهيئة والمادة إذ هما جزءان تحليليان يعينهما العقل بالتحليل والتأمل.

ب ـ قد ذكرنا في بحث الوضع أن الوضع النوعي أمر انتزعه العلماء بعد تحقق ظاهرة اللغة لا أنه قانون اخترعه أهل اللغة ، وذلك لأن اللغة ظاهرة اجتماعية تنبع من حاجة المجتمع للتفهيم والتفهم ، والمجتمعات البدائية التي انطلقت منها شرارة اللغة كانت تقوم بالوضع من وحي الحاجات الشخصية ، ومن الواضح أن الوضع الذي يلبي هذه الحاجات هو الوضع الشخصي للمشتق بمادته وهيئته معاً لمعنى معين كالوضع في الجوامد أيضاً بلا حاجة للوضع النوعي للهيئة المجردة.

مضافاً لكون الوضع النوعي إبداعاً عقلياً يكشف عن تطور عقلي حضاري في ذهنية الواضع ، وهو غير متصور في المجتمعات البدائية. إذن فالوضع النوعي أمر انتزاعي توصل له العلماء بعد استقرائهم للألفاظ المشتركة في حروف معينة ، فهو أمر حادث بعد اللغة لا أنه من مقومات ظهور اللغة ، فلا يوجد في المشتق تركيب لفظي من مادة وهيئة كما ذكر.

المعنى الثاني : التركيب اللحاظي ، والمقصود منه : أن لفظ المشتق إذا خطر في الذهن فهل تخطر معه صورتان أم صورة واحدة ؟ فمثلاً إذا سمع الإنسان لفظ ( زيد ضارب ) خطرت في ذهنه صورتان متقارنتان في الخطور الذهني لزيد ولضربه ، وهذا هو التركيب اللحاظي ، بينما إذا سمع الإنسان لفظة الإنسان فإنه يخطر في ذهنه صورة واحدة لحاظاً وإن انحلت بالتعمل العقلي لصورتين وهما الحيوان والناطق ، الا أن هذا التعدد تحليلي لا ينافي الوحدة اللحاظية.

فهل لفظ المشتق ـ كعالم ـ مركب يستتبع في الذهن صورتين أم بسيط يستلزم صورة واحدة ؟

٢٧٣

ذهب صاحب الكفاية (قده) إلى أن المراد بالتركيب والبساطة المبحوث عنهما في المشتق هو هذا التركيب اللحاظي وعدمه ، وأن الصحيح هو الوحدة اللحاظية للمشتق فهو بسيط بحسب اللحاظ لا مركب.

لكن الحق أن التركيب والبساطة المبحوث عنهما في المشتق ليس المراد بهما التركيب اللحاظي وعدمه :

أولاً : لأن الدليل على التركيب والبساطة اللحاظيين هو الوجدان بينما الدليل المستخدم للاستدلال في هذا البحث عند الأصوليين هو البرهان العقلي لا الوجدان.

وثانياً : لا ريب وجداناً عند أحد في البساطة اللحاظية للمشتق ، فلا يصح جعل ذلك محل النزاع بين علماء الأصول.

المعنى الثالث : التركيب الماهوي ، والمراد به : انحلال الماهية عند التأمل العقلي لجزءين عقليين ، وهما ما به الاشتراك وما به الامتياز ، سواءاً كان المتصور ماهية حقيقية أم ماهية اعتبارية ، وسواءاً كانت ماهية مركبة في واقعها كالجوهر المادي أم بسيطة كالأعراض. وهذا المعنى من التركيب ليس هو محل النزاع أصلاً ، باعتبار أنه لا تخلو منه ماهية من الماهيات ولا مفهوم من المفاهيم فالمشتق مركب بهذا المعنى قطعاً لا بسيط.

المعنى الرابع : التركيب الاسنادي ، والمقصود به : أن مفهوم المشتق هل هو مفهوم إسنادي أخذت الذات فيه أم أنه مفهوم إفرادي لا دخالة للذات فيه ، بغض النظر عن كون ماهية المشتق في واقعها ماهية بسيطة أم مركبة فإن ذلك أمر لا ربط له ببحث التركيب ، بل المرتبط به هو دخالة الذات في مفهوم المشتق وعدم دخالتها.

فالقائل بالتركيب يرى أن مفهوم المشتق مفهوم إسنادي مشتمل على الذات ، وهذا المبنى يستلزم أمرين :

٢٧٤

١ ـ كون الفرق بين المشتق والمبدأ فرقاً ذاتياً ، باعتبار اشتمال مفهومه على الذات كلفظ عالم ـ مثلاً ـ الذي يكون معناه ذات ثبت لها العلم ، بينما مفهوم المبدأ كالعلم أمر مغاير للذات لذلك لا يصح حمله عليها الا تجوزاً.

٢ ـ كون الفرق بين عنوان عالم ـ مثلاً ـ وعنوان ذات ثبت لها العلم فرقاً لحاظياً ، بمعنى أن الذهن بمقتضى نظرية التكثر الادراكي قد يتصور الشيء الواحد بعدة صور ، فتارة يتصوره على نحو الاجمال فيعبر عنه ب‍ عالم وتارة يتصوره على نحو التفصيل ويعبر عنه ب‍ ذات ثبت لها العلم ، كالفرق اللحاظي بين الإنسان والحيوان الناطق.

وأما القائل بالبساطة فهو يرى أن مفهوم المشتق مفهوم افرادي ، فلا فرق بينه وبين المبدأ الا باللحاظ ، حيث أن المبدأ كالعلم ـ مثلاً ـ مأخوذ على نحو البشرط لا والمشتق كالعالم مأخوذ على نحو اللابشرط ، بمعنى أن صفة العالم ـ مثلاً ـ إن لوحظت بما هي عرض نفساني له حده الخاص فهي المبدأ المأخوذ بنحو البشرط لا الذي لا يصح حمله على الذات الا تجوزاً المعبر عنه بالعلم.

وإن لوحظت بما هي شأن من شؤون الجوهر وطور من أطواره فهو المشتق المأخوذ بنحو اللابشرط المعبر عنه بالعالم.

الأمر الثاني ( من الأمور التي ينبغي معرفتها في المقدمة قبل الدخول في بحث البساطة والتركيب ) : في بيان معنى الاعتبار وأقسامه.

والاعتبار عمل إبداعي تقوم به النفس بمقتضى خلاقيتها الفعَّالة ، وله أقسام ثلاثة :

١ ـ الاعتبار اللفظي : وهو الاعتبار المتقوم بالصياغة اللفظية ، بحيث لا تترتب عليه آثاره الفردية والاجتماعية بمجرد إبداعه النفسي بل لا بد في ترتب الآثار عليه من إبرازه بمبرز معين ، وينقسم لنوعين :

أ ـ الاعتبار الراجع لاعطاء حد شيء لشيء آخر بهدف التأثير في أحاسيس

٢٧٥

الآخرين كقولنا زيد أسد ، ويسمى بالاعتبار الأدبي.

ب ـ الاعتبار الراجع إلى صنع القرار الموافق للمصلحة العامة المؤثر في سلوك الآخرين فعلاً وتركاً ، وهو المسمى بالاعتبار القانوني كالأحكام التكليفية والوضعية. وقد سبق في هذا الكتاب بيان الفرق بين القسمين.

٢ ـ الاعتبار القياسي : وهو الاعتبار المتقوم بالمقارنة والمقايسة بين ماهيتين المسمى عند الفلاسفة بباب اعتبارات الماهية.

مخلوطة مطلقة مجردة

عند اعتبارات عليها موردة(١)

ويسمى عند علماء الأصول بباب المطلق والمقيد ، وتحليله بثلاث نظريات :

أ ـ ما طرحه الحكماء ومشهور الأصوليين من أن الماهية كالرقبة إذا قيست إلى ماهية أخرى كالإيمان فأما أن تلاحظا متقارنتين وهو المعبر عنه بشرط شيء ، وإما أن تلاحظا متنافرتين وهو المعبر عنه بشرط لا ، وإما أن لا تلاحظا لا بلحاظ التقارن ولا بلحاظ التنافر وهو المعبر عنه لا بشرط ، وهو الاطلاق عند الأصوليين مقابل التقييد بأحد نوعيه البشرط شيء والبشرط لا.

ب ـ ما ذهبنا إليه من أن الذهن عند مقايسة ماهية إلى ماهية أخرى إما أن يقوم بخلق حالة من الالتحام والارتباط بين الماهيتين وهو التقييد المعبر عنه بشرط شيء ، وإما أن يقوم بالربط بين احداهما وعدم الأخرى وهو التقييد المعبر عنه بشرط لا ، وإما أن لا يقوم الذهن بخلق أي لون من ألوان الارتباط بين الماهيتين الملاحظتين ، وهذا هو الاطلاق الذي هو في واقعه أمر عدمي راجع لعدم الربط بين الماهيتين في المورد القابل للتقييد. ويقابله التقييد الذي هو في نظرنا نوع من العمل النفسي بخلق حالة من الالتحام والاندماج بين الماهيتين ،

__________________

(١) شرح المنظومة ٢ / ٣٣٨.

٢٧٦

لا مجرد لحاظهما مقترنتين تصوراً ولحاظاً كما طرحه الرأي المشهور سابقاً.

ج ـ ما ذهب له الأستاذ السيد الخوئي (قده) من أن التقييد عبارة عن لحاظ الماهية متحصصة بالماهية الأخرى وجوداً كالرقبة المؤمنة أو عدماً كالرقبة الغير عربية ، والاطلاق عبارة عن لحاظ الماهية مرسلة رافضة للقيود والتحصيص. فالتقييد والاطلاق بنظره لحاظان وجوديان يتقابلان تقابل الضدين ، بخلاف النظريتين السابقتين القائلتين بأنهما وجودي وعدمي يتقابلان تقابل الملكة والعدم لا تقابل الضدين(١) .

٣ ـ الاعتبار الحملي : وهو الاعتبار المتقوم بلحاظين لماهية واحدة عند الحمل ، ومثاله ما ذكره الفلاسفة في بيان الفارق بين الجنس والفصل والمادة والصورة ، فإن العقل إذا تأمل أي موجود مادي قام بتقسيمه إلى عنصرين أحدهما ما به الاشتراك والآخر ما به الامتياز ، وما به الاشتراك إن لوحظ بما هو قوة واستعداد محض فهو ملحوظ بحده الخاص ، وهذا هو المعبر عنه بشرط لا وهو المادة ، وإن لوحظ بما هو متحد مع محصله وبما هو متقوم به فهذا هو المعبر عنه ب‍ لا بشرط وهو الجنس.

وما به الامتياز إن لوحظ بما هو فعلية صرفة لها حد خاص فهذا هو المعبر عنه بشرط لا وهو الصورة ، وإن لوحظ بما هو محصل ومقوم للجهة المشتركة فهذا هو المعبر عنه لا بشرط وهو الفصل ، ولذلك كان المأخوذ بنحو اللابشرط من الجنس والفصل قابلين للحمل والمأخوذ بنحو البشرط لا من المادة والصورة غير قابلين للحمل.

إذن فالماهية الواحدة إذا لوحظت بلحاظين وكانت بالنظر لأحدهما قابلة للحمل وبالنظر للآخر غير قابلة للحمل فهذا هو الاعتبار الحملي المعبر عنه بلا بشرط

__________________

(١) محاضرات في أصول الفقه : ٥ / ٣٤٤.

٢٧٧

وبشرط لا.

ومن أمثلته أيضاً ما هو محل كلامنا ، فإن العرض ماهية إن لوحظت لحاظاً ذاتياً وبما لها من الحد الخاص المقابل للجوهر فهذا هو البشرط لا ، ويعبر عنه حينئذٍ بالمبدأ كالعلم مثلاً ، وإن لوحظت بما هي شأن من شؤون الجوهر وطور من أطواره فهذا هو اللابشرط ، ويعبر عنه حينئذ بالمشتق كالعالم.

فالخلاصة : أن الاعتبار إما متقوم بعنصر الابراز وهو الاعتبار اللفظي ، وإما غيره ، وغير المتقوم إما لحاظ واحد لماهيتين عند المقارنة بينهما وهو الاعتبار القياسي ، وإما لحاظان لماهية واحدة بالنظر لمرحلة الحمل وهو الاعتبار الحملي.

الأمر الثالث ( من أمور المقدمة ) : في البحث حول الحمل ومصححه ، فهنا جهتان :

١ ـ تعريف الحمل.

٢ ـ مصحح الحمل.

الأولى : تعريف حقيقة الحمل ، وهو مستند لأمرين :

أ ـ إن الحمل من مقولة الفعل لا من مقولة الانفعال ، بمعنى أن إذعان النفس بقيام زيد ومشيه في الخارج ـ مثلاً ـ الذي هو عبارة عن انعكاس ما في الخارج في صفحة الذهن مع تسليم النفس به لا يعد حملاً ، وإنّما الحمل عملية إبداعية تقوم بها النفس ، وهي إيجاد الاندماج والهوهوية بين الموضوع والمحمول ، ودليلنا على ما ذكرنا هو الوجدان لمن تأمل فيه.

ب ـ بما أن الحمل عمل نفسي يقوم به الإنسان لربط الموضوع والمحمول لذلك يكون للاعتبار واللحاظ دور فيه ، فيختلف الحمل باختلاف اللحاظ والاعتبار مما يكشف عن كون الحمل عملاً نفسياً يرتبط بنوع اللحاظ والاعتبار للموضوع والمحمول لا انفعالاً عما في الخارج فقط ، فمثلاً بالنسبة لما ذكرناه سابقاً من الفرق بين الجنس والمادة والفصل والصورة ، حيث أن كل ماهية لها

٢٧٨

عنصران ما به الاشتراك وما به الامتياز فما به الاشتراك إن لوحظ بما له من الحدود التي تفصله عما به الامتياز فهو المادة ، وإن لوحظ بما هو مبهم تمام الابهام لا تحصل له الا بالصور النوعية والفصول فهو الجنس.

وبناءاً على اللحاظ الأول يكون ما به الاشتراك معتبراً في الذهن بنحو البشرط لا عن الحمل ، وبناءاً على اللحاظ الثاني يكون معتبراً في الذهن بنحو اللابشرط عن الحمل ، ويصح للذهن حمل الجنس على النوع ، فيقول : الإنسان حيوان بناءاً على الاعتبار الثاني ولا يصح للذهن حمل المادة على الصورة النوعية بناءاً على الاعتبار الأول.

فتبين لنا من خلال هذا المثال أن الحمل ليس انفعالاً محضاً عما في الخارج بل هو عمل نفسي يتأثر ويتغير بتغير اللحاظ والاعتبار الذهني ، كما أن هذه الاعتبارات ليست مجرد فرض واختراع بل لها مناشيء واقعية ، فمثلاً ما به الاشتراك في الماهيات الواقعية له حيثيتان واقعيتان ، إحداهما : كونه ذا حد خاص يتميز به عن غيره ، وثانيتهما : كونه مبهماً تاماً الابهام لولا تحصله بالفصل. فإذا ادرك الذهن هاتين الحيثيتين فإن لاحظه بالحيثية الأولى أخذه بنحو البشرط لا ، وترتب على ذلك عدم حمله على الذات ، وإن لاحظه بالحيثية الثانية أخذه بنحو اللابشرط ، وترتب على ذلك صحة حمله على الذات.

وكذلك مثال العرض المرتبط بمحل كلامنا ، فإن العلم ـ مثلاً ـ كعرض من الأعراض له حيثيتان واقعيتان ، إحداهما : أنه ماهية لها حدها الخاص ووجودها النفسي المتميز عن وجود الجوهر ، وثانيهما : أنه طور من أطوار الجوهر وشأن من شؤونه وصوره. فإن لاحظه الذهن من الزاوية الأولى أخذه بنحو البشرط لا عن الحمل ، وهذا هو المعبر عنه بالمبدأ كالعلم ، وإن لاحظه من الزاوية الثانية أخذه بنحو اللابشرط عن الحمل ، وهذا هو المعبر عنه بالمشتق كالعالم.

٢٧٩

إذن فالحمل عمل ذهني مسبوق بنوع من الاعتبار واللحاظ الناشىء ذلك الاعتبار من مناشىء واقعية وحيثيات تكوينية كما ذكرنا.

الجهة الثانية : مصحح الحمل ، وفيه ثلاثة مطالب :

أ ـ مصحح الحمل : إن الحمل يتوقف على نوع من التغايربين الموضوع والمحمول ونوع من الاتحاد ، فلولا التغاير بين الطرفين لما كانا طرفين وما صح الحمل ، ولولا الاتحاد لكان حمل المحمول على الموضوع من باب حمل المباين على المباين.

ب ـ أقسام الحمل : للحمل نوعان :

١ ـ الحمل الذاتي الأولي ، وهو ما كان متقوماً بالاتحاد المفهومي بين الموضوع والمحمول والتغاير الاعتباري ، ولو بالاجمال والتفصيل نحو الإنسان حيوان ناطق أو بإيهام سلب الشيء عن نفسه ثم إثباته له نحو الناطق ناطق.

٢ ـ الحمل الشائع الصناعي ، وهو ما كان متقوماً بالتغاير المفهومي بين الموضوع والمحمول والاتحاد الوجودي في أي وعاء من أوعية الوجود ذهناً أو خارجاً ، نحو الإنسان ناطق والإنسان كلي.

ج ـ أقسام حمل المشتق : تارة يدخل حمل المشتق في الحمل الذاتي الأولي نحو الناطق ناطق ولا ريب في صحته كما سبق ، وتارة يدخل في الحمل الشائع ، وهذا على أقسام :

١ ـ ما كان من الانتزاعيات نحو الإنسان ممكن ولا ريب في صحة حمله ، للتغاير المفهومي بين الطرفين والاتحاد الوجودي الذهني لو كان المراد بالامكان الامكان الماهوي ، أو الاتحاد الوجودي في الخارج لو كان المراد بالامكان الامكان الوجودي بمعنى الفقر الذاتي.

٢ ـ ما كان من الاعتباريات نحو الخمر محرم والصلاة واجبة ولا ريب في صحة الحمل فيه ، للتغاير المفهومي والاتحاد في وعاء الاعتبار ، فإن المعروض

٢٨٠