الرافد في علم الاصول

الرافد في علم الاصول0%

الرافد في علم الاصول مؤلف:
تصنيف: علم أصول الفقه
الصفحات: 342

  • البداية
  • السابق
  • 342 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35020 / تحميل: 6032
الحجم الحجم الحجم
الرافد في علم الاصول

الرافد في علم الاصول

مؤلف:
العربية

حركة ترتبط بمقولة الأين والأعراض اجناس عالية متباينة بتمام الذات ، فالحركتان اجتمعتا على نحو التركيب الانضمامي لا الاتحادي ، وبالتالي لا مانع من اجتماع الأمر والنهي لتعدد المتعلق ، وإن قلنا بأن الحيثيتين تعليليتان ومجتمعتان في هوية واحدة فالتركيب بينهما اتحادي ـ بحسب نظره ـ وبالتالي نقول بامتناع الاجتماع ، ودخول بحث اجتماع الأمر والنهي في بحث التعارض لا بحث التزاحم ، لأن التنافي بينهما ثبوتي في نفس مرحلة الجعل لاستحالة اجتماعهما في هوية واحدة ووجود فارد(١) .

أما نحن فنقول في هذا البحث بأن الأعراض ما هي إلا ألوان الوجود التطوري للجوهر ، فلا نقول بوجود أجناس عالية متباينة بتمام الذات وأنه لا يلتقي الأين والوضع في وجود واحد؛ إذ كل ذلك لا وجه له بناءً على نظرية وحدة الموجود الامكاني فليس هناك الا موجود واحد ينتزع منه مفهومان : مفهوم الصلاة ومفهوم الغصب ، فلا اساس للبحث المطروح وهو أن الحيثيتين تقييديتان أو تعليليتان وأن التركيب بينهما اتحادي أو انضمامي ، لأن كل ذلك فرع تعدد الموجود ولا تعدد له ، ومع ذلك فنحن من القائلين بجواز الاجتماع ، لأن المبنى الصحيح عندنا تعلق الأحكام بالعناوين الاعتبارية الموجودة في وعاء الجعل الاعتباري نفسه لا بالمعنونات الخارجية أصلاً سواءاً اتحد المعنون أم تعدد ، وبما أن العناوين متعددة في نفسها فذلك كاف في القول بجواز الاجتماع ، غاية الأمر أن وحدة العمل خارجاً تدخل بحث الاجتماع في باب التزاحم لا باب التعارض.

الحقل الاجتماعي : لقد طرحنا عند بحثنا حول بناء العقلاء وسيرة المتشرعة عدة نظريات مهمة في هذا المجال كالتفريق بين العادات والأعراف

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٣٥٤.

٢١

والتقاليد ، وبيان أقسام العرف ، والمناشىء النفسية والإجتماعية لبناء العقلاء وارتكازاتهم ، وبيان الفرق بين رجوع الأصولي لبناء العقلاء للاستدلال به وبين رجوع الفقيه للعرف من أجل تشخيص الموضوع.

الحقل المنطقي : أننا اعتمدنا على الدليل الرياضي المعروف وهو دليل حساب الاحتمالات الذي هو عبارة عن تراكم الاحتمالات حول محور معين في عدة نظريات أصولية ، منها تحليل مفهوم الشبهة المحصورة وغير المحصورة حيث إن درجة الاحتمال إذا تضاءلت في أطراف العلم الإجمالي إلى مستوى عدم الباعثية والمحركية فالشبهة غير محصورة وأما إذا كانت درجة الاحتمال محتفظة بقوتها وباعثيتها فالشبهة محصورة ، ومنها شرح معنى التواتر وأقسامه المعنوي واللفظي والإجمالي الذي يعتمد قوامه على تراكم الاحتمالات ، ومنها ما ذكرناه في بحث القطع من الفرق بين اليقين الذاتي واليقين الموضوعي فإن اليقين الذاتي هو الناشىء عن العوامل النفسية والمزاجية والمحيطية وهذا لا قيمة له في المنجزية والمعذرية بحسب نظرنا وإن ذهب الأعلام إلى كون حجية القطع ذاتية مطلقاً ، واليقين الموضوعي هو النابع عن مقدمات علمية وقرائن موثوقة بالاعتماد على دليل حساب الاحتمالات وتمركزها حول محور معين.

الحقل اللغوي : لقد طرحنا في بعض البحوث بعض النظريات الأدبية المساهمة في تحليل المفاهيم الأصولية ، ومن جملتها نظرية التورية وانقسامها للتورية البديعية والتورية العرفية ، فالتورية البديعية تعني إطلاق لفظ له معنيان : قريب وبعيد مع إرادتهما جداً ، وقد استفدنا من هذه النظرية في بحث استعمال اللفظ في أكثر من معنى حيث ذهب كثير من علماء الأصول لعدم جواز الاستعمال في المعاني المتعددة ، وذهبنا لجواز ذلك استناداً لوقوعه في شعر العرب وخطبهم والوقوع خير دليل على الإمكان ومن شواهد الوقوع هو التورية البديعية كقول الشاعر :

٢٢

أي المكان تروم ثم من الذي

تمضي إليه أجبته المعشوقا

والتورية العرفية هي الستر على المراد الجدي الواقعي بعدة أساليب ، وقد ذكرنا في بحث علل اختلاف الأحاديث في باب تعارض الأدلة الشرعية أن من أسباب اختلاف الحديث الصادر عنهم: هو استخدامهم: للتورية العرفية كما ورد عنهم: : « إن كلامنا لينصرف إلى سبعين وجهاً لنا منها المخرج »(١) .

ومما يرتبط بالنظريات الأدبية بيان الفارق بين الاعتبار القانوني والاعتبار الأدبي ، وقد شرحنا ذلك مفصلاً في هذا الكتاب في بحث علاقة علم الأصول بالعلوم الأدبية ، لكننا نذكر في المقام مثالاً أصولياً مترتباً على ذلك هو مثال الحكومة التي هي عبارة عن تصرف دليل في دليل آخر تصرفاً موضوعياً كما إذا قال المولى أكرم العلماء ثم قال زيد ليس بعالم مع أنه عالم حقيقة ، وقد وقع النزاع في ملاك تقديم الدليل الحكم على المحكوم فقال بعض المعاصرين(٢) : بأن الملاك هو القرينية فالحاكم يعد قرينة شخصية على المحكوم كما أن المخصص قرينة نوعية على العام ، « والمقصود بالقرينية الشخصية » هو النظر أي أن الحاكم ناظر للدليل المحكوم ومتصرف في موضوعه سعة وضيقاً(٣) ، ونحن نقول بأن الحكومة لون من الوان الاعتبار الأدبي لأنها تحتوي على التنزيل سواءاً في صورة التوسعة أم في صورة التضييق ، والاعتبار الأدبي يحتاج لمصحح والمصحح عدم الاصطدام المباشر مع مرتكزات العرف ، فمثلاً في الحكومة التضييقية إذا قال أكرم العلماء ثم قال زيد ليس بعالم فهنا المراد الجدي هو إخراج زيد من الأمر إخراجاً حكمياً ، وهذا المراد الجدي مشترك بين الحكومة والتخصيص ثبوتاً وإنّما الفارق

__________________

(١) معاني الاخبار : ٢ ، نوادر الاخبار : ٥٠.

(٢) لعل المقصود به السيد الصدر في ـ تعارض الادلة الشرعية ـ : ١٦٦.

(٣) تعرضنا لهذا البحث في صفحة : ١٤٢.

٢٣

بينهما إثباتي في مقام الصياغة الأدبية فقط ، فالتخصيص هو تعبير صريح عن المراد الجدي بينما الحكومة وهي قولنا زيد ليس بعالم تعبير غير مباشر عن المراد الجدي ، والمصحح له أن المرتكز الإجتماعي قائم على شمول الحكم الوارد على الطبيعة للأفراد فإذا قال ولا تكرم زيداً العالم فهذا بيان يصطدم مع الارتكاز الاجتماعي المذكور للتصريح فيه بعدم الشمول لذلك الفرد ، فيتجنب المقنن هذا الأسلوب محافظة على عدم إثارة الارتكاز العام ضد القانون ويقول زيد ليس بعالم فيخرجه عن الحكم بلسان إخراجه عن الموضوع حتى لا يقع الاصطدام ، فالمصحح لتقديم الدليل الحاكم على الدليل المحكوم هو رفع الترابط بين حكم الطبيعة والفرد بما لا يصطدم مع مشاعر الجمهور ومرتكزاته لا النظر والقرينية الشخصية فهذا مثال من أمثلة الاعتبار الأدبي في الأصول.

ومما يرتبط بالأدب أننا عندما تحدثنا عن حجية قول اللغوي في مبحثه المخصص له تناولنا بالبحث تاريخ تدوين اللغة ، وتاريخ علماء اللغة ومعرفة طريقة التدوين ، ووصلنا إلى نتيجة مهمة وهي أن من عوامل عدم الاعتماد على قول اللغوي هو أن اللغويين يتأثرون بمذاهبهم الفكرية في تفسيراتهم اللغوية ، فبعض اللغويين من المتكلمين وبعضهم من الفقهاء مثلاً فينعكس أتجاهه المذهبي في تفسيره وشرحه للمفردات اللغوية فلا يكون كلامه تعبيراً عن الفهم العربي الصافي.

الحقل الروائي : قد بحثنا في باب حجية خبر الواحد عن المسلك العقلائي في الأمارات واخترنا أن المعتمد عليه عند العقلاء هو الوثوق الناشىء عن مقدمات عقلائية ، ومن هذه المقدمات كون الخبر صادراً من ثقة أو كون المضمون مشهوراً أو مجمعاً عليه ، فهذه العناوين وهي خبر الثقة والشهرة والإجماع لا موضوعية لها عند العقلاء وإنّما هي مقدمات للوثوق الذي هو الحجة الواقعية. ومن مقدمات الوثوق أيضاً الموافقة الروحية بمعنى أن مضمون

٢٤

الخبر موافق للأصول الإسلامية والقواعد العقلية والشرعية ، وهذا معنى قولهم: : « إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه »(١) ، هذا مسلكنا في مقابل المسلك التجزيئي وهو اعتبار خبر الثقة حجة مستقلة وكذلك الشهرة والإجماع المنقول حجتان مستقلتان لو قيل بحجيتهما لا أن هذه الأمور مقدمات تكوينية للحجة الواقعية كما يراه المسلك الأول ، وبناءاً على مسلك الوثوق فقد طرحنا بحثاً في تاريخ تدوين الحديث وكيفيته لنتعرف من خلاله على الكتب الحديثية عند الشيعة والسنة ومدى كفاءة مؤلفيها في الاعتماد على نقلهم وطريقة التأليف والجمع عندهم ، وهذا يفيدنا معرفة قيمة أحاديث الشيعة وقيمة كتب الحديث بالمقارنة من حيث الضبط والدقة بين الكتب الأربعة ويفيدنا أوثقية أحاديثنا بالنسبة لأحاديث الصحاح الستة ، لأنه قد يدعى عكس ذلك بحجة أن أحاديثهم أقرب لعصر الرسالة لكن الاطلاع على تاريخ تدوين الحديث عند أهل السنة وطريقة تأليفهم يفيد الإنسان بصيرة بضعف أكثر الأسناد وعدم الضبط في نقلها وتدوينها.

ومما يبتني على مسلك الوثوق أيضاً بحث أسباب اختلاف الحديث فإنه بحث لم يطرح في كتب علم الأصول عند السابقين وطرحه بعض المتأخرين طرحاً مختزلاً بدون شواهد حديثية وروائية على البحث ، ونحن نرى أن أهم بحوث تعارض الأدلة هو بحث أسباب اختلاف الحديث فإن الفقيه إذا احاط بهذه الأسباب استطاع الجمع بين الأحاديث المختلفة جمعاً عرفياً من خلال خبرته باسباب الخلاف من دون حاجة للرجوع إلى روايات العلاج ، فإنّها بين ما هو غير تام دلالة وما هو غير تام سنداً حتى حملها صاحب الكفاية على الاستحباب ، ونحن قد فصلنا هذا البحث وملأناه بالشواهد التاريخية والحديثية

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ١٠٩ / ٣٣٣٤٣.

٢٥

بحيث يرى الطالب العلاقة العملية الوثيقة بين كبريات علم الأصول وموارد التطبيق في الفقه.

وقد طرحنا عدة نقاط في هذا البحث :

أ ـ تاريخ مشكلة اختلاف الحديث منذ بدايتها وحتى المرحلة التي توسعت فيها وظهرت في الكتب الحديثية.

ب ـ الآثار العقائدية والفقهية للمشكلة.

ج ـ تصدي العلماء لعلاج هذه المشكلة على صعيد مدرسة المتكلمين وصعيد مدرسة المحدثين وصعيد علم الأصول.

د ـ أسباب الاختلاف وهي قسمان : أسباب داخلية وأسباب خارجية والمقصود بالأسباب الداخلية هي الأسباب التي صدرت من قبل أهل البيت أنفسهم والمقصود بالأسباب الخارجية هي الأسباب التي صدرت من الرواة والمدونين ، فالأسباب الداخلية عدة منها :

١ ـ النسخ : وتحدثنا فيه عن امكان صدور النسخ من قبل أهل البيت: للآية القرآنية والحديث النبوي والحديث المعصومي السابق ، وأقسام النسخ من النسخ التبليغي الذي يعني كون الناسخ مودعاً عندهم: من قبل الرسول6 لكنهم يقومون بتبليغه في وقته ، والنسخ التشريعي وهو عبارة عن صدور النسخ منهم ابتداءاً وهذا يبتني على ثبوت حق التشريع لهم: كما كان ثابتاً للرسول ،6 وقد طرحنا هذا الموضوع أيضاً ضمن بحث النسخ.

٢ ـ انقسام الحكم الصادر إلى قسمين :

أ ـ حكم قانوني.

ب ـ حكم ولايتي ، وهذا من اسباب اختلاف الاحاديث لاختلاف نوع الحكم الصادر ، وهناك نبحث عن الفارق بين الحكمين وعن وجودهما في

٢٦

أحاديثنا وعن حدود الحكم الولايتي مع بيان حدود ولاية ألفقيه وانقسامها للولاية العامة والولاية في الامور العامة.

٣ ـ الكتمان : أي كتمان بعض الامور الواقعية في حديث وذكرها في حديث آخر فيحصل الاختلاف المذكور ، وتحدثنا في بحث الكتمان عن أربعة أمور ، أولاً : في إثبات حق الكتمان لهم: ، وثانياً : في أسباب الكتمان وهي متعددة :

منها: اختلاف اسلوب التبليغ على نوعين :

أ ـ التعليم :وهو طرح الكبريات الشرعية على الفقهاء من أصحابهم كزرارة ومحمد بن مسلم.

ب ـ الافتاء : وهو طرح نتيجة تطبيق الكبرى على الصغرى من دون إشارة لعملية التطبيق المذكور ، وهذا الاسلوب يتم مع عوام الناس الذين يستفتون أهل البيت شفاهاً أو مكاتبة. واختلاف اسلوب التبليغ سبب في اختلاف الحديث ، ومنشأ أيضاً لكتمان بعض الأحكام كالحكم الكلي حين استخدام اسلوب الافتاء مثلاً ، حيث إن الافتاء يتعلق بالحكم الجزئي لا الكلي.

ومنها فقر اللغة العربية من المصطلحات القانونية مما يضطر الامام لاستخدام اسلوب واحد كالامر والنهي لبيان نوعين من القوانين ، فيحدث الاختلاف بين الاحاديث نتيجة اختلاف المضمون مع وحدة الاسلوب ، كما لو قام الامام بتبليغ الوجوب الشرطي والوجوب المولوي كليهما باسلوب الامر مع اختلافهما مضموناً ، وهذا النوع من التبليغ فيه نوع من الكتمان لبعض القوانين التي لا يمكن اظهارها بالاسلوب الصريح لعدم وجود مفرداتها في اللغة العربية.

ومن اسباب الكتمان المداراة أي مداراة ظروف السائل في كونه ملحداً أو حديث عهد بالاسلام أو حديث عهد بالتشيع فلا يلقى له الحكم الصريح

٢٧

حفاظاً على شعوره وهدايته ، أو كونه من الغلاة أو المقصرين أو اصحاب المذاهب الاقتصادية أو السياسية أو الفكرية فيحذر الامام ان يلقي له الحكم الواقعي فيكون مؤيداً لخطه المنحرف الذي يدعو له ، أو كونه يعيش في بيئة منحرفة لا تتحمل هذا الحكم فيراعي الامام7 بيئته ومحيطه.

ومن اسباب الكتمان التقية بانواعها ، وهي التقية من السلطة الحاكمة أو من المذهب المشهور عند الجمهور أو من التيارات الفكرية المناوئة ، واستعمال الامام للتقية تارة بالقاء الاختلاف بين الشيعة حتى لا يطمع فيهم اعداؤهم نتيجة لاختلافهم كما ورد في الروايات ، وتارة باخفاء الحكم الواقعي.

ومن اسباب الكتمان السوق للكمال فقد يبدي الامام7 الحكم المستحب بدون قرينة على الترخيص في تركه رغبة منه في سوق المكلفين لدرجات الكمال المعنوي.

ثالثاً : البحث في طرق الكتمان وهي السكوت والتورية بقسميها البديعية والعرفية ، والتورية العرفية على أنواع أيضاً ، منها : العدول عن سؤال السائل إلى بيان مطلب آخر ، ومنها : القاء الجواب المجمل أو المختلف.

رابعاً : في تحديد نوع الاحكام التي يصح فيها طريق السكوت ، ونوع الاحكام التي يصح فيها طريق التورية ، ونوع الاحكام التي يصح فيها طريق القاء الاختلاف بين الشيعة. وهذا بيان اجمالي للاسباب الداخلية لاختلاف الحديث.

وأما الأسباب الخارجية : فهي ما قام بها الرواة والمؤلفون وهي متعددة :

١ ـ الوضع : وتحدثنا فيه عن أهدافه وأنواعه من تأليف كتاب أو الدس بين النصوص أو الزيادة والنقيصة في الرواية.

٢ ـ النقل بالمعنى وأخطاره.

٣ ـ الحديث المدرج ويعني قيام بعض المؤلفين بإدراج تعليقه على الحديث

٢٨

في ضمن الحديث بدون فرز بينهما.

٤ ـ التقطيع للروايات.

٥ ـ تشابه الخطوط.

٦ ـ التصحيح القياسي.

٧ ـ الخلط بين كلام الامام وكلام غيره من الفقهاء في سياق واحد من قبل الراوي.

فهذا مجمل بحث علل اختلاف الحديث الذي هو من اهم البحوث الاصولية وامسها بعملية الاستنباط ، وقد طرحنا فيه الشواهد الكثيرة من أحاديث أهل البيت: وكتب المحدثين.

الحقل القانوني : من المفاهيم القانونية التي طرحناها مفهوم متمم الجعل التطبيقي ، ومعناه قيام الشارع المقدس بتطبيق الماهية الاعتبارية على مصاديق معينة بلحاظ أن الأمر الاعتباري لا ينطبق على مصاديقه قهراً كالامر التكويني وإنّما يحتاج انطباقه عليها لتدخل الجعل والاعتبار ، سواء كان أصل المفهوم الذي يراد تطبيقه مجعولاً شرعياً كالصلاة التي هي عبارة عن اللين الخضوعي في جميع الشرائع وقامت كل شريعة بتطبيقها على مصاديق معينة ، أم كان مجعولاً عقلائياً كمفهوم الدينار التي تختلف المؤسسات المالية في مقام تطبيقه على المصداق الورقي. ونظرية متمم الجعل التطبيقي لها علاقة ببحث الحقيقة الشرعية وبحث الصحيح والاعم كما هو واضح وبحث التزاحم ، فمثلاً إذا نظرنا لقاعدة الاضطرار ، وهي « ما من شيء حرمه الله إلا وقد أحله لمن أضطر اليه »(١) ودار عنوان المضطر إليه بين محرمين على نحو التزاحم فما هو المقدم منهما ليكون مصداقاً لعنوان المضطر إليه ، فهنا يأتي دور متمم الجعل التطبيقي ليقدم

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٨٢ / ذيل الحديث ٧١١٨.

٢٩

أحدهما لاهميته عند الشرع أو العقلاء ، أو يعتبر ما ينتخبه الإنسان بطبعه هو المضطر إليه في صورة تساويهما وعدم أهمية أحدهما على الآخر.

ومن المفاهيم القانونية التي طرحناها بحث القدرة وأنواعها ، فإن علماء الأصول عندما يدخلون بحث التزاحم يذكرون نقطتين ، أ : الفرق بين التزاحم والتعارض حيث إن التعارض هو تنافي الدليلين ثبوتاً وجعلاً والتزاحم هو تنافيهما في مرحلة الامتثال لقصور القدرة عن الجمع بين الامتثالين. ب : مرجحات باب التزاحم ، بينما طريقتنا في بحث التزاحم هي أننا أولاً : تحدثنا عن أنواع القدرة ، وهي القدرة على أصل الفعل المعبر عنها ب‍ : إن شاء فعل وإن يشاء لم يفعل. والقدرة على الموافقة القطعية والمخالفة القطعية والقدرة على الجمع بين الامتثالين ، وثانياً : تحدثنا عن دخالة القدرة بانواعها ، فهل هي دخيلة في مرحلة الجعل أم هي دخيلة في مرحلة الفعلية أم هي دخيلة في مرحلة التنجز ، وعلى بعض الصور يدخل المتنافيان في عنوان التعارض وعلى بعضها يدخلان في عنوان التزاحم وعلى بعضها تصح نظرية الترتب ولا تصح على البعض الآخر.

هذا تمام الحديث حول بعض المحاولات المساهمة في تطوير علم الأصول من خلال الاستفادة من العلوم المختلفة والاستمداد من أطروحات علمائنا الأعلام.

٣٠

المبحث الثالث

منهج علم الأصول

هناك منهجان في تصنيف علم الأصول وطريقة تبويبة وترتيبة :

١ ـ المنهج التقليدي.

٢ ـ المنهج المقترح عندنا.

المنهج الأول : كان القدماء يقسمون علم الأصول لأربعة أقسام :

١ ـ المقدمة في الوضع والاستعمال والصحيح والأعم والحقيقة الشرعية والمشتق ونحوها.

٢ ـ مباحث الألفاظ كباب الأوامر والنواهي والعام والخاص والمطلق والمقيد والمفهوم والمنطوق.

٣ ـ مباحث الدليل ، وهو إما سمعي كالكتاب الذي يبحث عن حجية ظواهره والسنة التي يبحث عن كيفية ثبوتها وما يتعلق به من تعارض الجرح والتعديل في الرواة وتحقيق واقعية بعض كتب الحديث كفقه الرضا مثلاً والاجماع وأنواعه من المحصل والمنقول ، وإما عقلي ويبحث فيه عن الحسن والقبح العقليين وقاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع واصالة العدم وعدم الدليل دليل العدم ومبحث الاستصحاب والقياس.

٤ ـ الخاتمة في التعادل والتراجيح.

ولعل السر في هذا المنهج ان موضوع علم الأصول كما ذكر السيد المرتضى في الذريعة هو: الدليل في الفقه ، فلما كان محور علم الأصول هو

٣١

الدليل الفقهي كان مدار أبحاثه حول الدليل نفسه وأقسامه من السمعي والعقلي ، وعوارضه الثبوتية كالاطلاق والتقييد والتعادل والتراجيح والتضاد والتلازم والاثباتية كمباحث الأوامر والنواهي والعام والخاص والمنطوق والمفهوم.

وهناك اعتراضان مهمان على طريقة المنهج القدمائي ، الأول : هو الاعتراض على القسم المدون في أصول القدماء للبحث عن الدليل وأقسامه ، حيث أبدله الشيخ الأنصاري بتصنيف علم الأصول على طبق الحالات الوجدانية للمكلف عند التفاته للحكم الشرعي وهي القطع والظن والشك ، فهنا أقسام :

١ ـ بحث القطع التفصيلي والإجمالي.

٢ ـ بحث الظن المعتبر وغيره بما يشمل سائر الظنون ، ومنها الظواهر المبحوث عنها من حيث الكبرى وهي حجية الظهور ومن حيث الصغرى وهي تنقيح المصاديق كمباحث الألفاظ السابق ذكرها ، ويدخل في ذلك بحث التعادل والتراجيح أيضاً فإنه راجع للبحث عن الظنون أيضاً وإن ذكر في الخاتمة ، فإن الدليلين إذا تقابلا فأما أن يحصل الظن بأحدهما من حيث الجهة أو الصدور أو المضمون وهذا هو الترجيح ، وإما أن لا يحصل الظن بشيء من ذلك وهو التعادل المرتبط بحثه بباب الظن سواءً قلنا بالتخييرعند التكافؤ ، أو قلنا بالتساقط.

٣ ـ بحث الشك الذي يشتمل على الأصول العملية الأربعة لكونها وظيفة الشاك. ولعل النكته التي دفعت بالشيخ الأعظم لاختيار هذا التبويب تتلخص في أمور:

أ ـ إن علم الأصول مقدمة لعلم الفقه ومن الطبيعي عدم امكان تحديد ملامح المقدمة الا بمعرفة ملامح ذي المقدمة فإن ذلك مقتضى مقدميتها.

٣٢

ب ـ لما كان علم الفقه يبحث عن تحديد الحكم الشرعي فالمناسب لعلم الأصول البحث عن الطرق الموصلة لتحديد الحكم الشرعي ، ولما كانت الطرق تختلف باختلاف الواقع النفسي للمكلف حين توجهه للحكم ، باعتبار أن قطع المكلف بشيء يمنع من عمله بالامارة أو الأصل ، كما أن الظن بالخلاف يمنع من الأخذ بالامارة والأصل على بعض المباني ، وكذلك على القول بالظن الانسدادي لا مجال للعمل بغير الظن ، فحينئذٍ يكون تصنيف علم الأصول مطابقاً للحالة الوجدانية للمكلف.

ج ـ حيث أن الاتجاه النفسي للمكلف حين التفاته للحكم الشرعي إما القطع بالحكم أو الظن به أو الشك فيه كان المنهج في تبويب علم الأصول منظماً على طبق ذلك.

وقد اعترض على المنهج المذكور باعتراضين :

الأول : إن التصنيف الناظر للحالات النفسية قد أغفل كثيراً من المباحث الحيوية ذات الربط المباشر بالجانب العملي لدى الفقيه ، إذ لا مناسبة واضحة بينها وبين هذا التصنيف كبحث الحسن والقبح العقليين ، وبحث الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، وبحث طرق ثبوت السنة بالتواتر والأحاد وبحث أقسام التواتر ، وبحث شرائط حجية خبر الواحد من صحة المضمون عقلاً وشرعاً ووثاقة الرواة ، وبحث مناشئ الوثاقة كقول الرجالي الذي يبحث عن حجيته وأنها هل هي من باب كونه من أهل الخبرة أو من باب شهادة العدلين أو من باب حجية خبر الثقة ، وبحث تمييز المراسيل المعتمدة من غيرها ، فهذه البحوث رغم كونها مهمة وعملية إلا أنها لا تنسجم مع التصنيف المذكور المرتب على حالات القطع والظن والشك ، بينما نجدها منسجمة تماماً مع منهج القدماء المبني على النظر للدليل الفقهي العقلي والسمعي وطرق إثبات هذا الدليل.

٣٣

الثاني : إن هذه الحالات النفسية الثلاث لا علاقة لها بالحكم الشرعي ولا بالطرق المؤدية له فلا وجه لجعل التصنيف الأصولي دائراً مدارها ، أما بالنسبة للقطع فما هو المبرر للبحث عنه وجعله محوراً لعدة من البحوث ؟ فإن كان المبرر للبحث عنه كونه واسطة في جعل الحكم الشرعي فذلك مستحيل لأن ثبوت الحكم الشرعي بسبب القطع به دور باطل كما ذكر في علم الأصول ، وان كان المبرر للبحث كونه واسطة في فعلية الحكم كموضوعية الزوال لوجوب الصلاة فهذه ليست ميزة خاصة بالقطع توجب البحث عنه بعنوانه بل هي متوفرة في كل موضوع بالنسبة لأي حكم من الأحكام ، وإن كان المبرر لذلك كون القطع منشأ للحكم العقلي بالمنجزية والمعذرية كما اشتهر في كتب الأصول بأن حجية القطع ذاتية له ، فيلاحظ عليه بأن منشأ المنجزية والمعذرية ليس القطع بما هو قطع حتى يكون ذلك مصححاً ومبرراً للبحث عن القطع بعنوانه بل منشأ المعذرية وعدمها هو روح المسؤولية وروح التقصير في مقدمات الحكم ، فإن سار المكلف مع المقدمات بروح المحاسبة والمسؤولية فهو معذور عند مخالفة الواقع وإلا فهو مدان سواءاً في ذلك وجود القطع وعلمه ، فإننا ذكرنا في بحث القطع الفرق بين اليقين الذاتي واليقين الموضوعي فاليقين الموضوعي هو اليقين الناشئ عن تراكم الاحتمالات والقرائن في محور واحد ، وهذا العمل بذاته عمل معذر لأنه مستبطن للمسؤولية والمحاسبة الداخلية سواءاً كان هناك قطع أم لا ، واليقين الذاتي هو الناشئ عن العوامل المزاجية والنفسية كالحلم والاستخارة ، وهذا ليس معذراً بنظر العقلاء فإن قائد الجيش لو اعتمد على معلومات ناشئة عن مصادر واهية أوجبت له القطع بأمر معين فرتب عليه آثار الحرب والسلم لا يكون معذوراً أمام القانون والشعب ، وليس السر في ذلك الا أن القطع بما هو قطع ليس هو مدار المعذرية والمنجزية بل المدار على روح المسؤولية وروح التقصير في مقدمات الحكم سواءاً كان هناك قطع أم لا ، ولذلك نرى القرآن

٣٤

يعبر عن عقائد الجاهلية مع أنها عقائد قطعية عندهم بأنها ظنون وجهالات لا يعذرون فيها ، وبناءاً على ذلك فلا موضوعية مهمة للقطع بما هو قطع حتى يكون محوراً للبحوث العلمية.

وأما البحث في الامارات كخبر الواحد والاجماع بقسميه والشهرة وقول اللغوي فهو لا يدور مدار الظن الشخصي كما هو ظاهر تقسيم الشيخ ، بل هو دائر مدار الكشف النوعي وتتميمه من قبل المجتمع العقلائي أو الشرع المقدس.

كما أن البحث في حجية الظاهر يدور مدار الميثاق العقلائي على الالتزام والالزام بهذا الظاهر وترتيب الآثار عليه سواءاً كان هناك ظن شخصي أم لا.

وأما البحث في الأصول العملية فهو لا يرتبط بحالة الشك وتساوي الطرفين ، فإن موضوع أصالة البراءة عقلاً وشرعاً هو عدم العلم وعدم تنجز العلم الاجمالي لا الشك ، وموضوع الاستصحاب هو عدم العلم بانتقاض الحالة السابقة لا الشك أيضاً.

فتبين لنا من خلال هذا العرض عدم مدخلية هذه الحالات النفسية في البحث الأصولي المنصب على تحديد الطريق الموصل للحكم الشرعي.

ولكننا مع ذلك اعتذرنا عن تقسيم الشيخ الأنصاري لبحوث علم الأصول على طبق حالات نفس المكلف في بحث القطع كما سيأتي ، وقلنا بأن هناك عاملين يساعدان على هذا التقسيم :

أولاً : إن المحيط الثقافي الذي كان يعيش فيه الشيخ فرض عليه هذا التصنيف ، لوجود مدرستين متطرفتين آنذاك : مدرسة المحدثين المفرطة في الجمود على الحديث دون النظر للأدلة العقلية القطعية ومدرسة بعض الأصوليين المفرطة في الاعتماد على بعض الظنون الشخصية بحجة انسداد باب

٣٥

العلم والعلمي ، فأثار الشيخ حركة تنهج الاعتدال والتوسط بين هاتين المدرستين ، وهي المدرسة التي تعتمد على الأدلة القطعية العقلية من جهة وهي المندرجة تحت عنوان القطع والأدلة الظنية السمعية من جهة أخرى وهي المندرجة تحت عنوان الظن ، والرجوع عند فقدهما للأصل العملي المجعول وظيفة عند الشك.

وثانياً : إن المكلف يشعر في أعماق وجدانه بالحاجة للتأمين من عقوبة ترك التكاليف الواقعية فهدفه المنشود هو حصول الأمن المذكور ، وطرق التأمين بحسب التقسيم الوجداني ثلاثة :

١ ـ ما هو علة تامة لحصول الأمن وهو القطع.

٢ ـ ما هو مقتضى لحصول الأمن النفسي وهو الظن.

٣ ـ ما هو فاقد للعلية التامة والاقتضاء وهو الشك فتحتاج طريقيته للتأمين للرجوع إلى القطع وهو الطريق الأول.

والخلاصة أن أمثال هذه المبررات ساعدت الشيخ على اختيار التصنيف الثلاثي.

الاعتراض الثاني على منهج القدماء : ما طرحه المحقق الاصفهاني (قده) حول التوسع الأصولي في مباحث الألفاظ(١) ، ونحن نعرضه بنحو أعمق وأشمل ، فنقول : إن ما يرتبط من البحوث بعالم الألفاظ نزر ضئيل جداً ، كقولنا هل أن صيغة الأمر ظاهرة في الوجوب ، وهل أن صيغة النهي ظاهرة في الحرمة ، وبعض بحوث المفاهيم والعام والخاص والمطلق والمقيد ، ولكن معظم الأبحاث التي وضعها القدماء في مباحث الألفاظ لا ربط لها بذلك ، فمثلاً بحث انقسام الحكم للتكليفي والوضعي وانقسام الواجب للواجب التوصلي

__________________

(١) أصول الفقه للمظفر ١ : ٧ ـ ٨ ، بحوث في الأصول للمحقق الاصفهاني : ٢٢.

٣٦

والتعبدي والتعييني والتخييري والعيني والكفائي والنفسي والغيري والموسع والمضيق والمطلق والمشروط كلها مرتبطة بالواجب بما هو سواءاً كان مدلولاً لفظياً أم لا ، وكذلك بحث عوارض الأحكام كالانحلال الاستقلالي والضمني والاطلاق والتقييد الثبوتيين والتضاد والتلازم ، كما في بحث مقدمة الواجب ومسألة الضد الباحثين عن تلازم الوجوب النفسي والغيري وتلازم الأمر بالشيء مع النهي عن ضده ، وبحث ارتباط الحكم بالقدرة ودرجاتها المختلفة الذي هو بحث التزاحم ، فهذه البحوث لا ربط لها بعالم اللفظ حتى تندرج في مباحث الألفاظ ، ولكننا نستطيع وضع بعض المبررات والتوجيهات لتوسعة مباحث الألفاظ بحيث تشمل هذه البحوث :

١) لا ريب في دلالة الألفاظ على هذه المعاني الأصولية المذكورة في الاعتراض سواءاً بالدلالة المطابقية أو بالدلالة التضمنية أو بالالتزامية ، ومع وجود دلالة الالفاظ عليها فالمصحح لإدراجها في مباحث الألفاظ واضح وهو دلالة اللفظ عليها.

٢) إن الاعتبارات الأدبية والقانونية لها نوع من الخلاقية والفعالية في النفوس والمشاعر ، ولا ريب أن مجرد الاعتبار بما هو لا يحقق هذه الخلاقية المطلوبة وإنّما يحققها إذا كان في ضمن لفظ مناسب ، فاللفظ المناسب للاعتبار الأدبي والقانوني يبرز خلاقية الاعتبار وتاثيره السحري في النفوس والمشاعر الذي هو المطلوب.

٣) إن هناك مسلكين في علاقة اللفظ بالمعنى الانشائي ، فمسلك السيد الاستاذ الخوئي (قده) مسلك الحكاية والابراز أي أن اللفظ حاك عن المعنى الانشائي ومبرز له ، ومسلك المشهور أن علاقة اللفظ بالمعنى الانشائي علاقة الايجاد فاللفظ موجد للمعنى لا حاك عنه ، وبما أن هذه العلاقة الوثيقة موجودة بين الانشاء واللفظ لذلك كان التعرف على هذه الاعتبارات من خلال ألفاظها

٣٧

الموجدة لها تعرفاً دقيقاً ، لأنه يعكس المعنى من ثنايا اللفظ الذي وجد به بخلاف ما لو بحث عنه مجرداً عن كل خطاب ولفظ.

٤) لقد قال علماء الاجتماع والتاريخ بأن اللغة دليل حضارة المجتمع ، فاللغة المتكاملة تعكس تكامل المجتمع فسعة آفاقها واشتمالها على المفردات القانونية والصناعية والفنية كاشف عن حضارة المجتمع وتطوره ، كما أن اللغة لسان معبر عن نوع التفكير الاجتماعي ، فمثلاً الجملة الاسنادية في اللغة العربية نحو زيد قائم لا تشتمل الا على طرفين موضوع ومحمول مما يدل على كون النسبة الاسنادية بالمفهوم العربي تعني اتحاد الطرفين وجوداً والهوهوية المصداقية بينهما ، بينما هذه الجملة في اللغة الفارسية واليونانية تحتاج لرابط وهي كلمة ـ است ـ أو ـ استين ـ مضافاً لوجود الموضوع والمحمول مما يدل على كون مفهومها في الفكر الفارسي عبارة عن ثبوت شيء لشيء ـ أي ثبوت القيام لزيد ـ وهذا المفهوم يحتفظ بالغيرية والاثنينية بين طرفي القضية بخلاف المفهوم العربي الذي يعكس الوحدة والاندماج ، فاللغة إذن دليل على نوع التفكير الاجتماعي ، ومثال آخر على ذلك أيضاً اختلاف الأصوليين في مفهوم صيغة افعل نحو اضرب ، فهل مفهومها النسبة الاغرائية كما يرى المحقق الاصفهاني ، أو النسبة الايقاعية كما يرى النائيني ، أو النسبة التسخيرية أي اعتبار المخاطب أداه لتحقيق هذا الحدث في الخارج كما يراه صاحب الميزان (قده) ، فهذه المفاهيم في الواقع تعكس الفكر الاجتماعي الذي ينتسب له كل واحد من هؤلاء الأعاظم ، فكل مجتمع يختلف تحليله لبعض الاعتبارات القانونية نتيجة اختلاف حضارته وثقافته عن المجتمع الآخر ، وبناءاً على هذه العلاقة الوثيقة بين اللغة وبين المفهوم الذى تحمله بين ثناياها بحيث لو تغيرت اللغة لزالت بعض خصوصيات أو مقومات المفهوم كما لاحظنا في اختلافي مفهوم الجملة الاسنادية عند العرب وغيرهم ، يصعب التفكيك حينئذٍ بين الاعتبار القانوني

٣٨

واللفظ المعبر عنه بحيث نبحث عن الاعتبار مجرداً عن ثوبه اللفظي مع أن هذه الصياغة اللفظية تحافظ على بعض خصوصيات المفهوم وسماته.

٥) إن الاعتبار القانوني متولد عن الاعتبار الأدبي ، وبما أن الاعتبار الأدبي متقوم باللفظ فكذلك الاعتبار القانوني المتفرع عنه شديد العلاقة باللفظ بحيث لا يفيد البحث فيه مستقلاً عن لفظه.

بيان ذلك : أننا عندما نلاحظ مثلاً كلمة حاتماً نراها في الأصل تعبرعن شخص معين متصف بالكرم ثم اطلقت على كل شخص يشابه حاتماً في صفة الكرم ، وبمرور الوقت وكثرة الاستعمال والتطبيق أي تطبيقها على كل كريم اكتسبت الكلمة مفهوماً خلقياً وهو نفس مفهوم الكرم بحيث إذا سمعت لا يتبادر للأذهان سوى معنى الكرم من دون التفات لشخص حاتم الطائي أصلاً ، فالاعتبار الأدبي قد يتحول بمرور الوقت لمفهوم معين فكذلك بالنسبة لعلاقته بالاعتبار القانوني ، فكلمة الميتة أساساً تعني ما مات حتف أنفه ثم أطلقت على نحو الاعتبار الأدبي القائم على علاقة التشابه على الحيوان المذبوح على غير الطريقة القانونية ، وبمرور الوقت وكثرة الاستعمال والتطبيق اكتسبت هذه الكلمة اعتباراً قانونياً وهو أن الميتة تعني المذبوح على غير الطريق القانوني من دون نظر لمعناها اللغوي.

ومثلها لفظ الدينار مثلاً فهو في الأصل يعني مثقالاً من الذهب تقاس به قيمة الأشياء كقولنا هذه الأرض تساوي مائة دينار ، ثم صار يطلق على نحو الاعتبار الأدبي على الأوراق النقدية من أجل أن يتعامل معها المجتمع معاملة الدينار الأصلي في كونه وسيطاً في تبادل السلع ومقياساً لتحديد قيمة الأشياء ، وبمرور الوقت وكثرة الاستعمال تحول هذا الاعتبار الأدبي للاعتبار القانوني فاصبح الدينار يعني نفس الورقة النقدية التي هي مقياس القيم وواسطة التبادل. وإذا اتضح لنا أن الاعتبار القانوني وليد الاعتبار الأدبي ، والمفروض

٣٩

أن الاعتبار الأدبي متقوم باللفظ لأن الاعتبار الأدبي هو اعطاء حد شيء لشيء آخر بهدف التأثير في مشاعر المخاطب فلا ينفصل الاعتبار الأدبي عن اللفظ ، وبما أن الاعتبار القانوني متولد منه فلا محالة لا يمكن التفكيك في البحث بين نفس الاعتبار واللفظ المساهم في تحققه وفعاليته.

فهذه بعض المبررات التي نتصورها في توسعة مباحث الألفاظ عند القدماء وإن كان بعضها موضع المناقشة ، ومع ذلك فقد أصر المحقق الاصفهاني (قده) على فصل بحث مقدمة الواجب ومسالة الضد عن مباحث الألفاظ ، باعتبار أن البحث فيهما يرتبط بالملازمة العقلية المدركة بالعقل النظري بين وجوب شيء ووجوب مقدمته ووجوب شيء وحرمة ضده ، ولا ربط لهذه الملازمات بعالم الألفاظ حتى يكون البحثان من مباحث الألفاظ.

ولكننا نختلف عن المحقق الاصفهاني (قده) في بعض النظرات بالنسبة لمقدمة الواجب ومسألة الضد ، والحديث أولاً في مقدمة الواجب :

فإن الملازمة المبحوث عنها هناك تتصور على أربعة معاني :

١ ـ التلازم بين الاعتبارين تكويناً ، بمعنى أن الجاعل إذا حكم بوجوب شيء يرى نفسه مجبوراً على جعل وجوب آخر لمقدمة ذلك الشيء بمقتضى المقدمية ، فهناك جعلان الا أن أحدهما اختياري والآخر قهري ، لكننا لو سلمنا هذا المعنى الفاسد في نفسه حيث أن الجعل الاعتباري اختياري لا قهري فالملازمة حينئذٍ بين الاعتبارين والجعلين لا بين المعتبرين المجعولين ، والمدعى دخول بحث مقدمة الواجب في الملازمات العقلية بين الأحكام ، بينما على هذا المعنى يدخل بحث مقدمة الواجب في الملازمات العقلية بين الاعتبارات نفسها لا بين المعتبرات.

٢ ـ الملازمة بين الوجوب النفسي والغيري على نحو الترشح المعلولي أي أن الوجوب الغيري للمقدمة يترشح من الوجرب النفسي لذي المقدمة على نحو

٤٠