• البداية
  • السابق
  • 401 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 13889 / تحميل: 6239
الحجم الحجم الحجم
قوانين الاصول

قوانين الاصول

مؤلف:
العربية

الكلام وأما عدم الدلالة على الفساد في المعاملات فلان مدلول النهي إنما هو التحريم هو لا ينافي الصحة بمعنى ترتب الاثر كما لا يخفى فيصح أن يقال لا تبع بيع التلقي ولا بيع الملاقيح ونحو ذلك ولكنك لو بعت لعصيت ولكن يصير الثمن ملكا لك والمثمن ملكا للمشتري وما يقال من أن التصريح بذلك قرينة للمجاز وإن الظاهر عن النهي ليس بمراد ففيه أن القرينة دافعة للمعنى الظاهر من اللفظ ومناقضة له كما في يرمي بالنسبة إلى الاسد ولا مناقضة هنا ولا مدافعة كما لا يخفى فلم يدل على الفساد عقلا ولم يثبت دلالته من جانب الشرع أيضا كما سيجئ وأما اللغة والعرف فكذلك أيضا لعدم دلالته على الفساد بأحد من الدلالات أو الاولان فظاهر وأما الالتزام فلعدم اللزوم وقد يفصل بأن ما كان مقتضى الصحة فيه من المعاملات منحصرا فيما يناقض التحريم فيدل على الفساد فيه دون غيره وتوضيحه أن المعاملة مما لم يخترعه الشارع بل كانت ثابتة قبل الشرع فما جوزه الشارع وقرره و أمضاه فيترتب عليه الاثار الشرعية سواء كان ذلك الاثر أيضا ثابتا قبل الشرع أو وضعه الشارع وما لم يجوزه فلا يترتب عليه الاثار الشرعية فإن كان تجويزه بلفظ يناقض التحريم مثل الحلية و الاباحة والوجوب ونحو ذلك كما في أحل الله البيع وتجارة عن تراض المستثنى عن النهي عن أكل المال بالباطل وأوفوا بالعقود ونحوها فالنهي في أمثال ذلك يدل على الفساد لان النهي يدل على الحرمة فإذا كان بيع مخصوص حراما أو عقد مخصوص كذلك فلا يكون ذلك من جملة ما أحل الله ولا مما يجب الوفاء به لامتناع إجتماع الحرمة والحلية والحرمة والوجوب فيخصص عموم أحل وأوفوا مثلا بذلك فيخرج عما يثبت له مقتضى الصحة فيصير فاسدا من جهة رجوعه إلى الاصل وهو عدم الدليل على الصحة وقد مر في المقدمات ان عدم الدليل على الصحة هو الدليل على الفساد وما كان من جهة أخرى لا تناقض التحريم فلا يدل كما في قولهعليه‌السلام إذا إلتقى الختانان وجب المهر فلا ينافي في وجوب المهر للحرمة في حال الحيض ونحو ذلك وهذا إنما يتم بناء على ما سلمناه وحققناه من التنافي عرفا وإنفهام التخصيص وإلا فلا منافاه ولا إستحالة في إعتبار الجهتين في غير ما كان المنهي عنه نفس المعاملة بعين ما مر ويشكل بأن إنحصار المقتضي في البيع في مثل أحل الله ونحوه ممنوع لم لا يكون المقتضي فيه مثل قولهعليه‌السلام البيعان بالخيار ما لم يفترقا وكذلك سائر العقود ولا يمكن التمسك بأصالة تأخر ذلك إذ الاصل في كل حادث التأخر فإن قلت لما كان الاصل في المعاملات الفساد كما مر في المقدمات فهو يعاضد كون المقتضي مما يوجب الفساد لان غاية الامر تعارض الاحتمالين وتساقطهما قلت لا تعارض بينهما ولا تناقض حتى يوجب الترجيح والاصل إعمال الدليلين مع الامكان

١٢١

فيخصص النهي عموم أحل ويبقي مدلول قوله البيعان بالخيار بحاله مستلزما لللزوم بعد الافتراق و إن كان حراما وقلما كان عقد من العقود يخلو عن مثل ذلك ثم ان ذلك المفصل جعل ذلك عذرا للفقهاء حيث يستدلون بالنهي على الفساد في البيوع والانكحة ردا على من إدعى إجماع العلماء على دلالة النهي على الفساد حيث يستدلون في جميع الاعصار والامصار بالنهي على الفساد وقال إن ذلك الاستدلال إنما هو في الموضع المذكور لا في كل موضع وأنت خبير بأن أكثر تلك الاستدلالات في البيع والنكاح ونحوهما وقد عرفت الحال والتحقيق أن النهي لا يدل على الفساد فيها مطلقا ويحتاج ثبوت الفساد إلى دليل من خارج من إجماع أو نص أو غير ذلك من القرائن الخارجية حجة القول بالدلالة مطلقا في العبادات والمعاملات أن العلماء كانوا يستدلون به على الفساد في جميع الاعصار و الامصار من غير نكير ورد بأنه إنما يدل على الفساد شرعا والحق في الجواب أن عمل العلماء ليس بحجة إلا أن يكون إجماعا وهو غير معلوم وان الامر يقتضي الصحة والاجزاء والنهي نقيضه والنقيضان مقتضاهما نقيضان فالنهي يقتضي الفساد الذي هو نقيض الصحة وفيه مع عدم جريانه فيما ليس مقتضيها الامر وإن أصل المقايسة باطلة لان الامر يقتضي الصحة لاجل موافقته والامتثال به والفساد المستفاد من النهي لو سلم فإنما هو لاجل مخالفته وتسليم التناقض أوحمل التناقض في الاستدلال على مطلق التقابل انا نمنع كون مقتضى المتناقضين متناقضين أومتقابلين إذ قد يشتركان في لازم واحد سلمنا لكن نقيض قولنا يقتضي الصحة لا يقتضي الصحة لا أنه يقتضي عدم الصحة والذي يستلزم الفساد هو الثاني ومقتضى الدليل هو الاول حجة القول بالدلالة مطلقا شرعا فقط إستدلال العلماء كما مر ومر جوابه مع أن ذلك لا يستلزم كونه من جهة الشرع فلا وجه للتخصيص وإدعاء الحقيقة الشرعية في الفساد كما يظهر من بعضهم أيضا في معرض المنع احتجوا أيضا بأنه لو لم يفسد لزم من نفيه حكمة يدل عليها النهي ومن ثبوته حكمة يدل عليها الصحة واللازم باطل لان الحكمتين إن كانتا متساويتين تعارضتا وتساقطتا وكان الفعل وعدمه متساويين فيمتنع النهي عنه لخلوة عن الحكمة وإن كانت حكمة النهي مرجوحة فهو اولى بالامتناع لانه مفوت للزايد من مصلحة الصحة وهو مصلحة خالصة إذ لا معارض لها من جانب الفساد كما هو المفروض وإن كانت راجحة فالصحة ممتنعة لخلوها عن المصلحة بل لفوات قدر الرجحان من مصلحة النهي وهو مصلحة خالصة لا يعارضها شئ من مصلحة الصحة وجوابه إن كون مصلحة أصل النهي راجحة لا يقتضي مرجوحية ترتب الاثر بالنسبة إلى عدمه فترك الفعل أولا راجح على فعله أما لو فعل وعصى فترتب الاثر عليه راجح على عدمه ولا منافاة بينهما أصلا (إذ)؟ رجحان النهي إنما هو على الفعل و

١٢٢

رجحان الترتب إنما هو على عدم الترتب وهاتان المصلحتان ثابتتان للنهي وترتب الاثر بالذات لا أنه يعرض مصلحة الترتب بعد إختيار الفعل كما توهم المدقق الشيرازي وقد يستدل بما ورد في بعض الاخبار من صحة عقد المملوك إذا كان بغير إذن مولاه ثم رضي به معللا بأنه لم يعص الله تعالى بل عصى سيده فإنه يدل على أنه إذا كان فيه معصية بالنسبة إله تعالى وكان منهيا عنه فيكون فاسدا وفيه أنه على خلاف المطلوب أدل فإن المراد من المعصية في الرواية لا بد أن يكون هو مجرد عدم الاذن والرخصة من الشارع وإلا فمخالفة السيد أيضا معصية والحاصل أنه لما كان في مثل هذا العقد إذن من الله تعالى من جهة العمومات وغيرها مما يدل على صحة الفضولي بعد الاجازة فيصح وعدم إذن السيد غير مضر وبالجملة المراد أن ليس العقد خاليا عن مقتضى الصحة وإن كان معلقا على إذن المولى أيضا واحتجوا على عدم الدلالة لغة بأن فساد الشئ عبارة عن سلب أحكامه ولا دلالة للنهي على ذلك بوجه وهو مسلم في المعاملات على ما حققناه وأما في العبادات فقد بيناه ويشكل الجمع بن هذالاحتجاج والاحتجاج السابق لان مقتضاه كون الفساد من مقتضيات التحريم وهو مدلول النهي اللغوي فكيف ينكر دلالته عليه لغة إلا أن يكون مراد المستدل نفي الدلالة اللفظية والذي إقتضاه التحريم إنما هو من باب الاستلزام العقلي أو أنه مبني على القول بكون دلالة النهي على التحريم أيضا شرعيان فقط حجة القول بعدم الدلالة مطلقا وهو عدم إستحالة النهي ثم التصريح بالصحة كما مر ويظهر الجواب مما مر وأما القول الخامس فلم يقف له على حجة يعتد بها ويمكن إستنباط دليل والجواب عنه مما تقدم تذنيبات الاول انهم إختلفوا في المنهي عنه لوصفه فذهب أبوحنيفة إلى أنه يرجع إلى الوصف لا الموصوف فصوم يوم النحر حسن لانه صوم وقبيح لانه في يوم النحر ويلزمه القول بحلية البيع الربوي والمبيع به بعد إسقاط الزيادة والشافعي وأكثر المحققين على أنه يرجع إلى الموصوف أيضا وهو الحق بناء على ما حققناه من فهم العرف في التخصيص وإن كان العقل لا يحكم به ومناط من أرجع الكراهة إلى الوصف في المناهي التنزيهية دون التحريمية لعله هو إدعاء الاستقراء وقد عرفت بطلانه الثاني المنهي عنه لشرطه إن كان من جهة فقدان الشرط فليس الفساد فيه من جهة النهي بل إنما هو لان فقدان الشرط يستلزم إنتفاء المشروط وإن كان بإعتبار (خزازة)؟ في الشرط بأن يكون منهيا عنه لوصفه أو لجزئه أو نحو ذلك فلا يتم الحكم بالفساد أيضا مطلقا وإن قلنا بإمتناع إجتماع الامر والنهي ويكون النهي دالا على الفساد في الجملة أيضا إذ قد يكون الشرط من قبيل المعاملات ويكون وجوبه توصليا كغسل الثوب والبدن ونحو ذلك ولا يضره كونه منهيا عنه نعم إنما يصح فيما كان من قبيل العبادات

١٢٣

كالوضوء ومما ذكرنا في مسألة إجتماع الامر والنهي يظهر أن هذا الاشكال يجري في المنهي عنه لجزئه أيضا في الجملة فراجع وتأمل الثالث أفرط أبوحنيفة وصاحباه فقالا بدلالة النهي على الصحة وهو في غاية الظهور من البطلان لان النهي حقيقة في التحريم وليس ذلك عين الصحة ولامستلزما لها بوجه من الوجوه والظاهر انهم أيضا لم يريدوا أن النهي يدل على الصحة بل مرادهم أن النهي يستلزم إطلاق الاسم فقول الشارع لا تصم يوم النحر وللحائض لا تصل يستلزم إطلاق الصوم على ذلك الصوم وكذلك الصلاة والاصل في الاطلاق الحقيقة وذلك مبني على كون العبادات وما في معناها من المعاملات التي ثبت لها حدود وشرائط من الشارع أسامي للصحيحة منها فلو لم يكن مورد النهي صحيحا لم يصدق تعلق النهي على أمر شرعي فيكون المنهي عنه مثل الامساك والدعاء ونحو ذلك وهو باطل إذ نحن نجزم بأن المنهي عنه أمر شرعي وفيه أولا منع كونها أسامي للصحيحة سلمنا لكن المنهي عنه ليس الصلاة المقيدة بكونها صلاة الحائض مثلا بل المراد أن الحائض منهي عن مطلق الصلاة الصحيحة فإن قالوا أن الحائض إما تتمكن من الصلاة الجامعة للشرائط أولا والثاني باطل لاستلزامه طلب غير المقدور لاستحالة تحصيل الحاصل وإستمرار العدم مع عدم القدرة على الايجاد لا يجدي في مقدوريتها فتعين الاول والنهي لا يدل على الفساد فهي باقية على صحتها قلنا نختار الاول ونقول أنها متمكنة عن الصلاة الصحيحة الشرعية في الجملة وإن لم تكن صحيحة بالنسبة إلى خصوص الحائض ولا ريب أن الصلاة الجامعة للشرائط غير عدم كونها في أيام الحيض صحيحة بالنظر إلى سائر المكلفين وبالنظر إليها قبل تلك الايام وعدم تمكنها من الصلاة الصحيحة بالنسبة إلى نفسها وإمتناعها عنها إنما هو بهذا المنع والنهي وطلب ترك الممتنع بهذا المنع لا مانع منه مع أن قاعدتهم منقوضة بصلاة الحائض ونكاح المحارم إتفاقا وتخصيص الدليل القطعي مما لا يجوز وحمل المناهي الواردة عن صلاة الحائض على المنع اللغوي غلط لاستحباب الدعاء لها بالاتفاق وكذلك حمل النكاح على مجرد الدخول إرتكاب خلاف ظاهر لا دليل عليه والله الهادي

١٢٤

الباب الثاني في المحكم والمتشابه والمنطوق والمفهوم

وفيه مقصدان الاول في المحكم والمتشابه قال العلامةرحمه‌الله في التهذيب اللفظ المفيد إن لم يحتمل غير معناه فهو النص وهوالراجح المانع عن النقيض وإن إحتمل وكان راجحا فهو الظاهر والمشترك بينهما وهو مطلق الرجحان المحكم وإن تساويا فهو المجمل ومرجوح الظاهر المأول والمشترك بينه وبين المجمل وهو نفي الرجحان المتشابه وفسر الشارح العميدي المفيد بالدال على المعنى بالوضع وزاد قيدا آخر وهو أن الاحتمال وعدم الاحتمال إنما هو بالنظر إلى اللغة التي وقع بها التخاطب قال وإنما قيدنا

١٢٥

بذلك لان اللفظ قد يكون نصا بالنظر إلى لغة لعدم إحتمال إرادة غير معناه بحسب تلك اللغة و مجملا بالقياس إلى لغة أخرى ومثل للظاهر بلفظ الاسد وللمجمل بلفظ القرء ولم يمثل للنص قال شيخنا البهائيرحمه‌الله في زبدته اللفظ إن لم يحتمل غير ما يفهم منه لغة فهو نص وإلا فالراجح ظاهر والمرجوح مأول والمساوي مجمل والمشترك بين الاولين محكم وبين الاخيرين متشابه ومثل الشارح الجوادرحمه‌الله للنص بالسماء والارض وللظاهر في أواخرالكتاب بالاسد والغائط والصلاة بالنسبة إلى اللغة والعرف و الشرع على الترتيب وقال شيخنا البهائي في الحاشية على قوله لغة أي بحسب متفاهم اللغة نحو له ما في السموات وما في الارض فقوله لغة قيد لقوله لم يحتمل ويجوز أن يكون قيدا للفعلين معا أما جعله قيدا للاخير أعني يفهم دون الاول فلا لقيام الاحتمال العقلي في أكثر النصوص إنتهى ثم مثل في الحاشية أيضا للظاهر والمأول بقوله تعالى وأمسحوا برؤسكم وأرجلكم فحملها على المسح ظاهر و على الغسل (الخفيف)؟ كما فعله في الكشاف مأول وظاهر كلام العميدي تخصيص هذا التقسيم بالدال بالوضع لغة فلايشمل المجازات وكلام غيره أعم وهو أقرب لان المجازات أيضا تنقسم إلى هذه الاقسام فإن القرائن قد تفيد القطع بالمراد وقد لا تفيد إلا الظن وقد يكون مجملا ثم أن كلام القوم هنا لا يخلو عن إجمال فإن الفرق بين السماء والارض والاسد بجعل الاولين نصا و الثالث ظاهرا تحكم بحت إذ إحتمال التجوز هو الداعي إلى ظنية الدلالة وكون اللفظ ظاهرا وهو قائم في السماء والارض كما لا يخفى إذ ليس هذا التقسيم بالنظر إلى الوضع الافرادي فإن القطع فيه وعدم القطع إنما هو من جهة ثبوت اللغة بالتواتر والآحاد وبعد الثبوت فالتقسيم إنما هو بالنظر إلى الوضع التركيبي وفي إفادة المراد من اللفظ في الكلام المؤلف كما لا يخفى فكما يجوز إحتمال المجاز في إطلاق الاسد في قولك رأيت أسدا بإرادة الرجل الشجاع وينفى بأصالة الحقيقة فكذلك يجوز في قولك انظر إلى السماء وانظر إلى الارض بإرادة مطلق الفوق والتحت كما لا يخفى فالتمثيل بالسماء والارض كما وقع من الشارح الجواد (ليس)؟ في محله ولعل (غفل)؟ عن مراد شيخنا البهائي بتمثيله بقوله تعالى وله ما في السموات وما في الارض والفرق واضح وتحقيق المقام أن هذا التقسيم لا بد أن يعتبر بالنسبة إلى دلالة اللفظ مطلقا حقيقة كان أو مجازا ولا بد أن يناط القطع في الارادة والظن بها بالقرائن الخارجية فإن دلالة اللفظ على ما وضع له حقيقة موقوفة على عدم القرينة على إرادة المجاز فإن ثبت القرينة على عدم إرادة المجاز فنقطع بإرادة المعنى الحقيقي وإذا لم يكن هناك قرينة على نفي التجوز فبأصالة العدم وأصالة الحقيقة يحصل الظن بإرادة الحقيقة فإرادة المعنى الحقيقي

١٢٦

من اللفظ قد يكون قطعيا وقد يكون ظنيا ولعل مراد شيخنا البهائيرحمه‌الله أن السموات والارض في هذا التأليف نصف في المخلوقين المعلومين بسبب قرينة المقام وهو أيضا محل تأمل لاحتمال إرادة العالم العلوي والسفلي وإن إشتمل على هذين المخلوقين أيضا من باب عموم المجاز وإن أراد جميع الكلام فالتأمل فيه أظهر ثم ان مراده من التقييد بقوله لغة لا بد أن يكون هو ما قابل العقلي لا اللغة فقط ثم إن أراد بهذا التقييد جواز الاحتمال العقلي بمعنى أن العقل يجوز أن يراد من ذلك اللفظ غير المعنى الموضوع له مع قطع النظر عن هذا الاستعمال الخاص فهو صحيح ولكنه لا دخل له فيما نحن فيه إذ الكلام في الاستعمال الخاص وإن أراد تجويز العقل بالنظر إلى هذا الاستعمال الخاص مع صحته فهو ليس بقطعي بالنظر إليه بملاحظة تلك اللغة أيضا ومع كونه غلطا فهو خارج عن مورد كلامهم أيضا إذ الغلط في الكلام لا يصدر عن الحكيم الذي كلام الاصوليين على كلامه وإن أراد بذلك تفاوت الظهور فلا ريب أن مراتب الظواهر مختلفة وذلك لا يجعل الاظهر نصا بالنسبة إلى الظاهر وهكذا ولا يحصل التغاير فالنص هو ما لا يحتمل غير المعنى عقلا أيضا بالنظر إلى هذه اللغة والاستعمال وهذا القطع يحصل بحسب القرائن الخارجية ويتفاوت بتفاوتها واعلم أن النصوصية والظهورية أمور إضافية فقد ترى الفقهاء يسمون الخاص نصا والعام ظاهرا وقد يطلقون القطعي على الخاص والظني على العام مع أن الخاص أيضا عام بالنسبة إلى ما تحته مع إحتمال إراده المجاز من الخاص أيضامن جهة أخرى غير التخصيص وكونه ظاهرا بالنسبة إلى المعنى المجازي فلاحظ أكرم العلماء ولا تكرم الاشتقاقيين لاحتمال إرادة البصريين من الاشتقاقيين دون الكوفيين وإحتمال إرادة الصرفيين منهم لمشابهتهم في العلم فالمراد بالنصوصية هو بالنسبة إلى العام يعني أن دلالة الاشتقاقيين عليهم قطعي من حيث تصورهم في الجملة وان كان بعنوان المجاز بخلاف دلالة العلماء عليهم فان دلالته عليهم إنما هي بضميمة أصالة الحقيقة وأصالة عدم التخصيص وهما لايفيدان إلا الظن المقصد الثاني في المنطوق والمفهوم وهما وصفان للمدلول ويظهرمن بعضهم إنهما من صفات الدلالة و الاول أظهر ولا مشاحة في الاصطلاح فالمنطوق هو ما دل عليه اللفظ في محل النطق والمفهوم هو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق هكذا عرفوهما وفيه مسامحة فإن المعيار في الفرق بينهما هو كون ما له المدلول أي الموضوع في محل النطق وعدمه والمقصود من المدلول هو الحكم أو الوصف فلا يتم جعل قوله في محل النطق حالا من الموصول إلا بإرتكاب نوع من الاستخدام ولو جعل الموصول كناية عن الموضوع يلزم خروجه عن المصطلح وإرتكاب نوع إستخدام في الضمير المجرور وكيف كان

١٢٧

فالامر في ذلك سهل فالمهم بيان الفرق فنقول أن المنطوق هو مدلول يكون حكما من أحكام شئ مذكور وحالا من أحواله وأما نفس ذلك المدلول فقد لا يكون مذكورا في المنطوق أيضا كما ستعرف والله الهادي قانون المنطوق إما صريح أو غير صريح فالاول هو المعنى المطابقي أو التضمني ولي في كون التضمني صريحا إشكال بل هو من الدلالة العقلية التبعية كما مرت الاشارة إليه في مقدمة الواجب فالاولى جعله من باب الغير الصريح وأما الغير الصريح فهو مدلول الالتزامي وهو على ثلثة أقسام المدلول عليه بدلالة الاقتضاء والمدلول عليه بدلالة التنبيه والايماء والمدلول عليه بدلالة الاشارة لانه إما أن يكون الدلالة مقصودة للمتكلم أولا فأما الاول فهو على قسمين الاول ما يتوقف صدق الكلام عليه كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله رفع عن أمتي الخطاء و النسيان فإن المراد رفع المؤاخذة عنها وإلا لكذب أو صحته عقلا كقوله تعالى واسئل القرية فلو لم يقدر الاهل لما صح الكلام عقلا أو شرعا كقول القائل أعتق عبدك عني علي ألف أي مملكا لي على ألف إذ لا يصح العتق شرعا إلا في ملك وهذا يسمى مدلولا بدلالة الاقتضاء واعلم أن الذي يظهر من تمثيلهم بالامثلة المذكورة أن دلالة الاقتضاء مختصة بالمجاز في الاعراب أو ما يكون قرينته العقل ولم يكن لفظيا فعلى هذا فدلالة قولنا رأيت أسدا يرمي على الشجاع ونحو ذلك يكون من باب المنطوق الصريح أو لا بد من ذكر قسم آخر ليشتمل سائر المجازات والثاني مالا يتوقف صدق الكلام ولا صحته عليه ولكنه كان مقترنا بشئ لو لم يكن ذلك الشئ علة له لبعد الاقتران فيفهم منه التعليل فالمدلول هوعلية ذلك الشئ لحكم الشارع مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفر بعد قول الاعرابي هلكت و أهلكت واقعت أهلي في نهار رمضان فيعلم من ذلك أن الوقاع علة لوجوب الكفارة عليه وهذا يسمى مدلولا بدلالة التنبيه والايماء وهذا في مقابل المنصوص العلة فيصير الكلام في قوة أن يقال إذا واقعت فكفر وأما التعدية إلى غير الاعرابي وغير الاهل فإنما يحصل تنقيح المناط وحذف الاضافات مثل الاعرابية وكون المحل أهلا وغير ذلك وربما يفرط في القول فيحذف الوقاعية ويعتبر محض إفساد الصيام وتمام الكلام في ذلك سيجئ إنشاء الله تعالى في أواخر الكتاب وأما الثاني فهو ما يلزم من الكلام بدون قصد المتكلم على ظاهر المتعارف في المحاورات مثل دلالة قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا مع قوله تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين على كون أقل الحمل ستة أشهر فإنه غير مقصود في الايتين والمقصود في الاولى بيان (نعب)؟ الام في الحمل والفصال وفي الثانية بيان أكثر مدة الفصل هذه أقسام المنطوق وأما المفهوم فاما أن يكون الحكم المدلول عليه بالالتزام موافقا

١٢٨

للحكم المذكور في النفي والاثبات فهو مفهوم الموافقة كدلالة حرمة التأفيف على حرمة الضرب و يسمى بلحن الخطاب وفحوى الخطاب وسيجئ الكلام في بيانه في أواخر الكتاب وإلا فهو مفهوم المخالفة ويسمى بدليل الخطاب وهو أقسام مفهوم الشرط والغاية والصفة والحصر واللقب وغير ذلك و سيجئ تفصيلاتها ثم أن تقسيم المنطوق والمفهوم كما ذكرنا هو المشهور وربما يتأمل في الفرق بين المفهوم والمنطوق الغير الصريح فيجعل ما سوى الصريح مفهوما ولعل وجهه كون ماله المدلول غير مذكور في بعض الامثلة التي ذكروها للمنطوق الغير الصريح فإن أقل الحمل مثلا غير مذكور في الايتين فإنه هو الموضوع لا مطلق الحمل وكذلك حرمة الضرب حكم من أحكام الوالدين وهما مذكوران صريحا في الاية وقد يذب عن ذلك باعتبار الحيثيات والاعتبارات فإن جعل المفهوم في آية التأفيف هو الحرمة وموضوعه هو الضرب فهو غير مذكور وان جعل المفهوم هو حرمة الضرب والموضوع هو الوالدين فهو مذكور وكذلك الحمل وأقل الحمل قانون إختلف الاصوليون في حجية مفهوم الشرط ولابد في تحقيق هذا الاصل من رسم مقدمات الاولىأن لفظ الشرط يستعمل في معان قال في الصحاح الشرط معروف وكذلك الشريطة والجمع شروط وشرائط وقد شرط عليه كذا بشرط ويشرط وإشترط عله ويفهم من ذلك أنه أراد به مجرد الالزام والالتزام ولو بمثل النذر واليمين وعن القاموس إلزام الشئ وإلتزامه في البيع ونحوه وإستعمله النحاة فيما تلا حرف الشرط مطلقا أو ما علق عليه جملة وجودا يعني حكم بحصول مضمونها عند حصوله وقد يستعمل في العلة و في مصطلح الاصوليين ما يستلزم إنتفائه إنتفاء المشروط به ولا يستلزم وجوده وجود المشروط فمن مصاديق الاستعمال الاول النذر والعهد ونحوهما والشرط في ضمن العقد مثاله أنكحتك إبنتي وشرطت عليك أن لا تخرجها عن البلد ومن مصاديق الثاني ما عملت من خى تجز به وإن كان مثقال ذرة وقد تسميه النحاة أن الوصلية ومثل لا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ومثل إن كان هذا إنسانا كان حيوانا ومن مصاديق الثالث وإن كنتم جنبا فاطهروا ومن مصاديق الرابع الوضوء شرط الصلاة والقبض في المجلس شرط صحة الصرف وحلول الحول شرط لوجوب الزكاة وأما العلامة فقد جعله بعضهم من جملة إطلاقاته ولكنه خلاف ما صرح به أهل اللغة فإن اشراط الساعة هي جمع شرط بالتحريك وهو العلامة وكذلك بعض الاستعمالات الاخر مثل شرط الحجام إذا شق الجلد بمبضعته ولم يدم مأخوذ من المتحرك الثانية الجملة الشرطية أيضا تستعمل في معان كثيرة أحدها ما يفيد تعليق وجود الجزاء على وجود الشرط فقط مثل قولهم إن كان

١٢٩

هذا إنسانا كان حيوانا وليس عدمه معلقا على عدمه ومنه قوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وهذا الاستعمال مبني على قاعدة أهل الميزان حيث يجعلون هذا التركيب لبيان الدليل على العلم بإنتفاء المقدم بسبب إنتفاء التالي ويقولون أن إستثناء نقيض التالي ينتج رفع المقدم بخلاف العكس يعني يعلم من إنتفاء الحيوانية إنتفاء الانسانية ومن إنتفاء الفساد إنتفاء تعدد الالهة و الثاني ما يفيد تعليق عدم الجزاء على عدم الشرط أيضا مثل إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ فعدم التنجيس وجوده معلق على وجود الكرية وإنتفائه معلق على إنتفائه وهذا هومصطلح أهل العربية ومتعارف لسان العرب فظاهر هذا الاستعمال كون الاول سببا للثاني والنظر إنما هو على ظاهر الحال مع قطع النظر عن نفس الامر وماقيل من أن الاول إذا كان سببا فلا يفيد إنتفائه إنتفاء المسبب لجواز تعدد الاسباب بل العكس أولى بالاذعان كما يشهد به قوله تعالى لو كان فيهما آلهة ففيه أولا أنه ناش من الخلط بين الاصطلاحين وقوله بل العكس اولى فيه إن العكس هو كون إنتفاء الثاني علة لانتفاء الاول ولم يقل به أحد بل هو علة للعلم بإنتفاء الاول فلا وجه لهذا الكلام بظاهره وثانيا أن المراد إنحصار السبب في الظاهر وثالثا أن الاصل عدم سبب أخر وإذا علم له سبب أخر فالسبب هو أحدهما لا بعينه لا معينا ومن هذا الباب لولا علي لهلك عمر وقول الحماسي ولوطار ذو حافر قبلها لطارت ولكنه لم يطر فإن رفع المقدم لا ينتج رفع التالي على قاعدة أهل الميزان وحينئذ يبقى الاشكال في إطلاق الشرط على السبب وللظاهر أنه لان قولنا مفهوم الشرط حجة معناه مفهوم الجملة الشرطية أي ما يقول له النحاة شرطا وهو الواقع بعد آن واخواته معلقا عليه حصول مضمون الجملة التي بعده كما هو محل نزاع الاصوليين كما يشهد به قولهم الامر المعلق بكلمة إن عدم عند عدم شرط ونحو ذلك لا إذا كان ذلك الواقع بعد إن واخواته شرطا أصوليا أيضا فإن الواقع بعد هذه الحروف قد يكون شرطا وقد يكون سببا فكما يجوز أن يقال إن قبضت في المجلس يصح الصرف يجوز أن يقال إذا غسلت ثوبك من البول فيطهر مع أنه إذا كان ذلك الواقع شرطا أصوليا فلا معنى لكون إنتفاء الحكم بإنتفائه مفهوما له بل هو معنى الشرط نفسه فالحاصل أن حدوث تلك الهيئة يغيره عن معناه ويصيره سببا على الظاهر فقولهم مفهوم الشرط حجة معناه أن ما يفهم من تلك الجملة الشرطية التي يسمونها النحاة شرطا في محل السكوت حجة وبعبارة أخرى تعليق الحكم على شئ بكلمة ان وأخواتها يقيد إنتفاء الحكم بإنتفاء ذلك القيد بدلالة الالتزامية لفظية (بينة)؟ فيكون حجة سواء فهم منه الشرطية المصطلحة للاصوليين أوالسببية فلا منافاة إذن بين الشرطية والسببية لتغائر الموضوعين بالنظر إلى

١٣٠

الاصطلاح فما يقال من أن قولنا إن قبضت في المجلس يصح الصرف هو عبارة أخرى عن قولنا شرط صحة الصرف القبض في المجلس والفرق هو الاسمية والحرفية كالفرق بين من وإلى والابتداء و الانتهاء إن أريد به الشرط الاصولي كما هو الظاهر فلا يتم إذ قد بينا أن الظاهر من الجملة الشرطية على تقدير الحجية وفهم إنتفاء الحكم عند إنتفاء الشرط هو السببية كائنا ما كان فكيف يصير مساوقا للشرط الاصولي فحاصل قولنا مفهوم الشرط حجة أن مفهوم الجلمة الشرطية سببية الاولى للثانية وإلا لزم التناقض وإن أريد به معنى آخر مثل أن يقال المراد بالشرط هو ما علق على إنتفائه إنتفاء شئ أخر وتوقف وجود الآخر عليه ليشمل السبب أيضا وإن الجملة الشرطية أيضا تفيد هذا المعنى فهذا وإن كان أوجه من سابقه لكنه أيضا لا يتم لان الجملة الشرطية أخص من هذا إذ لا تفيد إلا السببية الثالث ما يكون شرطا لصدور الحكم على القائل لا لثبوته في نفس الامر مثل إن نزل الثلج فالزمان شتاء فإنه قد لا ينزل الثلج في الشتاء الثالثة قد أشرنا أن محل النزاع هو الجملة الواقعة عقيب إن وأخواتها فالظاهر أنه لا فرق بين أدوات الشرط وما دل على التعليق صريحا أو تضمنا فالاسماء المتضمنة معنى الشرط كالحروف مثل قوله تعالى فمن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات فمما ملكت أيمانكم وموثقة إبن بكير ناطقة بحجية مفهومها بالخصوص إذا تمهد ذلك فنقول ذهب الاكثرون إلى أن تعليق الحكم على شئ بكلمة إن واخواتها يدل على إنتفاء الحكم عند إنتفائه وذهب جماعة إلى العدم والاول أقرب لنا أن المتبادر من قولنا إن جائك زيد فأكرمه إن لم يجئك فلا يجب عليك إكرامه لا لا تكرمه فلا توهم وهو علامة الحقيقة فإذا ثبت التبادر في العرف ثبت في الشرع واللغة لاصالة عدم النقل وأما ما قيل معناه في العرف الشرط في إكرامك إياه مجيئه إياك فليس على ما ينبغي وكذا ما ذكره العلامةرحمه‌الله في التهذيب حيث قال الامر المعلق بكلمة إن يعدم عند عدم الشرط لانه ليس علة لوجوده ولا مستلزما له فلو لم يستلزم العدم العدم خرج عن كونه شرطا ويؤدي مؤداه كلام غيره أيضا وهذان الكلامان مبنيان على الخلط بين إصطلاح النحاة وإصطلاح الاصوليين في الشرط وقد عرفت أن المتبادر هو السببية ظاهرا وإن كان مدخول ان بالذات شرطا مع قطع النظر عن دخول إن فهذان الكلامان ناظران إلى إعتبار لفظ الشرط والغفلة عن أن الشرط معناه في الاصول هو ما ذكره لامطلقاونحن لما أثبتنا التبادر لهذه الهيئة التركيبية فنقول سائرالاستعمالات التي ذكرت كلها مجازات لتبادر غيرها ولانه خير من الاشتراك فمايقال من أنها مستعملة في جميع هذه المعاني والاشتراك والمجاز كلاهما

١٣١

خلاف الاصل فلا بد أن يكون حقيقة في القدر المشترك وهو ما علق عليه وجود المشروط لا وجه له بعد وضوح الدليل هذا الكلام في الجملة الشرطية وأما لفظ الشرط فهو وإن كان خارجا عن محل النزاع لكن لما حصل الغفلة لبعض الفحول هنا فخلط الاصطلاحات فتحقيق القول به أن المتبادر منه في العرف احد المعنيين أما ما يتوقف عليه وجود شئ وينتفي بعدمه أعم من أن يكون وجوده علة أم لا وأما معنى الالزام والالتزام فلا وجه لحمله على المعنى الاصولي حيث ما ورد هذا واحتجوا على حجية مفهوم الشرط أيضا بأنه لو لم يفد التعليق إنتفاء الحكم عند إنتفاء الشرط لكان التعليق لغوا يجب تنزيه كلام الحكيم عنه وفيه أولا أن الخروج عن اللغوية لا ينحصر في إعتبار هذه الفايدة بل يكفي مطلقها وأصالة عدم الفايدة الاخرى لا تنفى إحتمالها مع أن الغالب وجود الفوائد وثانيا أن هذا لا يناسب القول بالحجية ولا يوافق القول بالدلالة اللفظية كما هو المعهود في هذا المقام في ألسنة القائلين بالحجية فإن المعيار في أمثال هذه المقامات إثبات الحقيقة والتشبث بأصالة الحقيقة ليكون قاعدة في اللفظ المخصوص ولا يخرج عن مقتضاه إلا فيما دل دليل على خلافه من الخارج ولذلك يتمسكون بالتبادر وفهم أهل اللسان كما يستفاد من إستدلالهم ببعض الاخبار المذكورة في كتب الاصول وأما إثبات الكلية اللفظية من جهة الدلالة العقلية بمعنى أن العقل يحكم بأن كل موضع لم يظهر للشرط فايدة أخرى سوى ما ذكر فلا بد من حمله على إرادة ذلك فمع أن ذلك لا إختصاص له بحجية المفاهيم فضلا عن خصوص مفهوم الشرط ولا يقتضي تأصيل أصل عليحدة لحكم مفهوم الشرط أو مطلق المفهوم بل هو يجري في جميع المواضع وإنه إنما يتم لو وجد مقام لم يحتمل فايدة أخرى توجب الخروج عن اللغوية وهو ممنوع يرد عليه أنه يؤل النزاع حينئذ بين المثبت والمنكر إلى تجويز اللغو في كلام الحكيم وعدمه لو وجد مثل هذا الفرض ولا أظن أحدا من المنكرين يرضى بذلك بل الظاهر مهم أنهم إما ينكرون وجود موضع لا يحتمل فايدة أخرى وإن ذلك إثبات اللغة بالعقل وما يقال من أن الاستقراء يحكم بأن كل ما وجد لفظ لا يتصور له فايدة سوى فايدة معينة فهو موضوع له فهو بمعزل عن التحقيق غاية الامر إستفادة كون المعنى مرادا من اللفظ وأما كونه مدلولا بالدلالة اللفظية فكلا فإن قيل إنما نحن نقول بأن مفهوم الشرط حجة إذا لم يظهر فائدة سوى إنتفاء الحكم عند إنتفائه ظهورا مساويا لها أو أزيد منها وبالجملة إذا كان هذه أظهر الفوائد لا إذا لم يحتمل فايدة أخرى قلنا هذا أيضا لا يثبت الدلالة اللفظية وأما العقلية الحاصلة بسبب القرائن الخارجية فالظاهر أن المنكر أيضا

١٣٢

العقلية الحاصلة بسبب القرائن الخارجية فالظاهر أن المنكر أيضا يعترف بحجيته ولكنه لا يصير قاعدة كلية بخصوص المقام كما هو مقتضى القواعد الاصولية فالذي يليق بقواعد الفن إثبات أظهريتها من بين (الفوائد)؟ مطلقا لا أنه إذا كان اظهر الفوائد في موضع يكون حجة في ذلك الموضع واحتج النافون بأن (؟ شرط)؟ هو تعليق الحكم به وليس يمتنع أن يخلفه وينوب منابه شرط أخر ولا يخرج من أن يكون شرطا ألا ترى أن إنضمام أحد الرجلين إلى الاخر شرط في قبول شهادة الاخر وقد ينوب عنه إنضمام إمرأتين أو اليمين فلا يفيد تعليق الحكم بشرط إنتفاء الحكم عند إنتفائه لجواز ثبوت بدل له وظاهر هذا الاستدلال تسليم فهم السببية كما ذكرنا لكن المستدل به يتمسك في نفي الحجية بإحتمال النائب فلا يكفي مجرد تعليق الحكم بالشرط في نفي الحكم عند إنتفائه وأنت خبير بأن الاحتمال لا يضر بالاستدلال بالظواهر وإلا لانسد باب الاستدلال في الايات والاخبار فنقول فيما لم يثبت شرط آخر ولم يعلم تحقق سبب آخر الاصل عدمه لا يقال هذا ينافي ما ذكرت سابقا أن معنى حجية المفهوم هو كون ذلك المعنى مدلولا لللفظ في محل السكوت وهذا ليس من قبيل دلالة اللفظ إذ لا يتم ذلك إلا بإنضمام أصالة عدم تعدد السبب لانا نقول التبادر يقتضي إنحصار المدلول ويفيد تعين السببية في الظاهر وذلك الاحتمال هو إحتمال التجوز في الكلام الذي يجري في جميع الالفاظ المستعملة في معانيها الحقيقية ولا يعتني به أبدا وإلا لما كان للتمسك بأصل الحقيقة معنى وهو خلاف الاجماع وإن ثبت من دليل آخر وجود سبب آخر كالمثال المذكور فحينئذ نقول الشرط أو السبب أحد المذكورات كما أن الظاهر من الامر الوجوب العيني فإذا ورد أمران متضادان في محل واحد نحملهما على التخيير وذلك لا يوجب خروج صيغة الامر عن كونها حقيقة في العيني واحتجوا أيضا بقوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا فإنه لا يجوز الاكراه مطلقا فلا يصح التعليق لو أريد به إنتفاء الحكم عند إنتفاء الشرط وجوابه أن السالبة هذا بإنتفاء الموضوع وما يقال ان الواسطة ممكن فلا يستلزم نفي إرادة التحصن إرادة البغاء حتى لا يمكن الاكراه فقد يحصل الذهول عنهما فهو مدفوع بأنها تنتفي عند التنبيه وقد يجاب أيضا بأن مفهوم الشرط إنما يكون حجة إذا لم يظهر له فائدة سواه وهو متحقق هنا مثل تنبيه الموالى على أنهن إن اردن التحصن مع ما بهن من الضعف والقصور فأنتم أولى بذلك ويظهر لك ما في هذا الجواب مما أسلفنا لك سابقا ويمكن أن يقال أن الشرط هنا ورد مورد الغالب إذ الغالب في تحقق الاكراه هو مع إرادة التحصن فلا حجة فيه كما سيأتي والاولى أن يقال ان مطلق الاستعمال لا يدل على الحقيقة وبعد ثبوت الحقيقة فهذا إستعمال مجازي لكون المجاز خيرا من

١٣٣

الاشتراك أو يقال أن اللفظ يقتضي ذلك ولكن القرينة الخارجية مانعة ولو لا القرينة على عدم إرادة المفهوم من الاجماع القاطع (لعملنا)؟ على مفهومه فالاجماع هوالقرينة على عدم إرادة ذلك وأولى المعاني التي يمكن حمل الآية عليها حينئذ هو التنبيه على علة الحكم فإن القيد الوارد بعد النهي على ما ذكره بعض المحققين إما أن يكون للفعل مثل لا تصل إلا إذا كنت محدثا أو للترك مثل لا تبالغ في الاختصار إن حاولت سهولة الفهم أو للعلة مثل لا تشرب الخمر إن كنت مؤمنا وما نحن فيه من هذا القبيل أقول ومن هذا القبيل قوله تعالى ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله الآية قانون إختلفوا في أن تعليق الحكم على وصف يدل على إنتفائه عند إنتفاء الوصف ام لا سواء كان الوصف صريحا مثل أكرم كل رجل عالم أو في السائمة زكاة ولي الواجد يحل عقوبته أو مقدرا كقولهعليه‌السلام لان يمتلى بطن الرجل قيحا خير من أن يمتلى شعرا فإمتلاء البطن من الشعر كناية عن الشعر الكثير فمفهومه أنه لا يضر الشعر القليل احتج المثبتون بمثل ما تقدم في مفهوم الشرط من لزوم اللغو في كلام الحكيم فلو لم يفد إنتفاء الحكم عند إنتفائه لعرى الوصف حينئذ عن الفايدة ولعده العقلاء مستهجنا مثل قولك الانسان الابيض لا يعلم الغيب وبأن أبا عبيدة الكوفي فهم من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لي الواجد يحل عقوبته وعرضه أن لي غير الواجد لا يحل عرضه وقال أنه يدل على ذلك وهو من أهل اللسان والجواب عن الاول يظهر مما سبق فإنه يلزم اللغو لو لم يحتمل فايدة أخرى والفوائد المحتملة كثيرة مثل الاهتمام بحال المذكور مثل حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى أو احتياج السامع إليه أن سبق بيان غيره أو ليستدل السامع على المسكوت عنه فيحصل له رتبة الاجتهاد أو غير ذلك مما ذكروه فإن قيل نقول بذلك إذا كان ذلك أظهر الفوائد فيجاب عنه بما تقدم في مفهوم الشرط وبالجملة التعليل بلزوم العراء عن الفائدة وإخراج الكلام عن اللغوية لا يقتضي إلا ثبوت فائدة ما فاد اثبت من القرينة الخارجية أظهرية هذه الفائدة المتنازع فيها فلا أظن المنكر متحاشيا عن القول بمقتضاه أيضا وما يظهر إنكاره من بعضهم لاحتمال إرادة الغير كما يظهر نظيره من السيدرحمه‌الله في مفهوم الشرط حيث إكتفى في نفي الاستدلال بمجرد إحتمال تعدد السبب فهو ضعيف لما بينا ومن هذا القبيل قول أبيعبداللهعليه‌السلام في صحيحة الفضيل قال قلت لهعليه‌السلام ما الشرط في الحيوان قالعليه‌السلام ثلاثة أيام للمشتري قلت وما الشرط في غير الحيوان قالعليه‌السلام البيعان بالخيار ما لم يفترقا وأما الاستهجان فممنوع وما يتراى هجنة في المثال المذكور فإنما هولكون أصل الحكم في هذا المثال من باب توضيح الواضحات كذلك ذكر الوصف هنا وإلا فقد يكون فايدة الوصف

١٣٤

مجرد التوضيح بل نقل عن الاخفش وجماعة من أئمة العرب أن وضع الصفة للتوضيح فقد لا للتقييد وإن مجيئها للتقييد خلاف الوضع غاية الامر تعارض ذلك مع ما نقل من فهم أبي عبيدة وظهور خلافه في افهامنا أيضا فيتساقطان فيبقى عدم الدلالة على المدعى وأماالجواب عن الثاني فيظهر مما ذكرنا من المعارضة مع أن فهمه لعله كان عن إجتهاده في اللغة وكلام اللغويين واحتج النافون بأنه لو دل لدل بإحدى الثلاث وكلها منتفية اما المطابقة والتضمن فظاهر وإلا لكان منطوقا واما الالتزام فلعدم اللزوم الذهني لا عقلا ولا عرفا ولي في المسألة التوقف وإن كان الظاهر في النظر أنه لا يخلو عن إشعار كما هو المشهور إذ التعليق بالوصف مشعر بالعلية لكن لا بحيث يعتمد عليه في الاحتجاج إلا أن ينضم إليه قرينة كما في صحيحة الفضيل المتقدمة ومن هذا القبيل القيود الاحترازية في الحدود والرسوم وأما مثل قوله تعالى اعتق رقبة مؤمنة فدلالته على عدم كفاية عتق الكافر ليس من جهة مفهوم الوصف كما توهم ولامن جهة مجرد الاجماع عليه كما نقله العلامةرحمه‌الله في النهاية بل لان إتحاد الموجب المطلق والمقيد مع كون التكليف شيئا واحدا يوجب العمل على المقيد لان العمل على المطلق ترك للمقيد بخلاف العكس وبالجملة القيد مطلوب فمع تركه لا يحصل الامتثال فعدم الامتثال بعتق الكافرة إنما هو لعدم صدق الامتثال بالمؤمنة التي ورد الخطاب بها مع كون المطلوب رقبة واحدة ثم أن هيهنا فوائد الاولى أنهم ذكروا أن حجية مفهوم الشرط والوصف ونحوهما إنما هو إذا لم يكن على طبق الغالب مثل وربائبكم اللاتي في حجوركم ولا يحضرني منهم كلام في بيان ذلك وعندي أن وجهه أن النادر إنما هو المحتاج حكمه إلى التنبيه والافراد الشايعة تحضر في الاذهان عند إطلاق اللفظ المعرى فلو حصل إحتياج في الانفهام من اللفظ فإنما يحصل في النادر فالنكتة في الذكر لا بد أن يكون شيئا آخر لا تخصيص الحكم بالغالب وهو فيما نحن فيه التشبيه بالولد ومما بينا ظهر السر في عدم إطراد الحكم فيما إذا ورد مورد الغالب في غير باب المفاهيم أيضا ألا ترى أنا لا نجوز التيمم لواجد الماء لمن منعه زحام الجمعة أن الخروج مع أن الشارع أطلق الحكم بالتيمم لمن منعه زحام الجمعة عن الخروج وأيضا قالوا بإشتراط عدم كون المخالف أولى بالحكم مثل ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق و النكتة فيه التنبيه على خطأهم في العلة والحجة ويمكن إرجاعه إلى القسم الاول وبالجملة المعتبر في دلالة اللفظ على المعنى الحقيقي هو عدم القرينة الظاهرة على إرادة الخلاف فكلما ظهر قرينة على إرادة غيره فنحملها عليه لا لان الحجية إنما هو إذا لم يظهر للقيد فائدة اخرى كما هو مقتضى الدلالة العقلية بل لثبوت القرينة على الخلاف كما هو مقتضى الدلالة اللفظية الثانية قد توهم بعضهم

١٣٥

ان فائدة المفهوم وثمرة الخلاف إنما تظهر إذا كان المفهوم ومخالفا للاصل مثل ليس في الغنم المعلوفة زكاة أو ليس في الغنم زكاة إذاكانت معلوفة أو إلى أن تسوم وأما إذا كان موافقا للاصل كما في قوله في الغنم السائمة زكاة فلا لان نفي الزكاة هو مقتضى الاصل وقال أن دعوى الحجية إنما نشاء من الغفلة عن ذلك لكون المفهوم مركوزا في العقول من جهة الاصل واستشهد على ذلك بكون الامثلة المذكورة في إستدلالاتهم من هذا القبيل وأنت خبير بما فيه لكمال وضوح الثمرة والفايدة في الموافق للاصل أيضا لان المدعي للحجية يقول بأن هيهنا حكمين من الشارع فلا يحتاج إلى الاجتهاد في طلب حكم المعلوفة كما أن المنكر يحتاج وكونه موافقا للاصل لا يكفي إلا بعد إستفراغ الوسع في تحصيل الظن بعدم الدليل كما سيأتي إنشاء الله تعالى في محله وأيضا الاصل لا يعارض الدليل ولكن الدليلين يتعارضان ويحتاج المقام إلى الترجيح فإذا إتفق ورود دليل آخر على خلاف المفهوم فيعمل عليه من دون تأمل على القول بعدم الحجية ويقع التعارض بينه وبين المفهوم على القول بالحجية وربما يترجح المفهوم على المناطيق إذا كان أقوى فضلا عن منطوق واحد وما جعله منشاء للغفلة هو غفلة عن المتوهم إذ كلماتهم مشحونة بالحكم في المخالف للاصل والموافق والامثلة واردة على القسمين كما لا يخفى على المتتبع الثالثة مقتضى المفهوم المخالف إنما هو رفع الحكم الثابت للمذكور على الطريقة الثابتة للمذكور وقد وقع هنا توهمان أحدهما ما أشرنا سابقا إليه من أن مفهوم قولنا إعط زيدا إن أكرمك لا تعطه إن لم يكرمك وهو باطل لان رفع الايجاب هو عدم الوجوب وهو أعم من الحرمة التي هي مقتضى النهي نعم إذا كان الحكم الموافق هو الجواز بالمعنى الاعم يكون مفهومه الحرمة كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله كل ما يؤكل لحمه يتوضأ من سؤره ويشرب فإن مفهومه أن كل ما لا يؤكل لحمه لا يتوضاء من سؤره ولا يشرب فإنه وإن كان مفهومه الصريح نفي الجواز لكنه ملزوم للحرمة وثانيهما ما صدر عن جماعة من الفحول قال بعضهم إن مفهوم قولنا كل غنم سائمة فيه الزكاة ليس كل غنم معلوفة فيه الزكاة وان هذا يصدق على تقدير ان يجب في بعض المعلوفة الزكاة وعلى تقدير ان لا يجب في شئ منها ومفهوم قولنا بعض السائمة كذلك هو عدم صدق قولنا بعض المعلوفة كذلك ويلزمه أن يصدق قولنا لا شئ من المعلوفة كذلك ويلزمه أن يقول أن مفهوم قولنا لا شئ من المعلوفة كذلك هو بعض السائمة كذلك ورد بعضهم على صاحب المعالم حيث ادعى أن مفهوم قولنا كل حيوان مأكول اللحم يتوضاء من سؤره ويشرب منه هو أنه لا شئ مما يؤكل لحمه يتوضاء من سؤره ويشرب بأن هذه دعوى لا شاهد له عليها من العقل والعرف والعلامة على الشيخرحمه‌الله كذلك وأنت خبير بأن ذلك

١٣٦

التوهم يشبه بأن يكون إنما نشاء من بعضهم من جعل المفهوم نقيضا منطقيا للمنطوق وإن كان صدور مثل ذلك في غاية البعد من مثلهم بل ممن دونهم بمراتب لاختلاف الموضوع ولذلك يتصادقان أيضا والظاهر أن مراد من أطلق النقيض على المفهوم كفخر الدين الرازي إنما هو أن المفهوم رافع لحكم المنطوق فإن نقيض كل شئ دفعه والمراد رفع ذلك الحكم من غير الموضوع والحق هو ما فهمه الشيخ و صاحب المعالم فإن الحكم المخالف في جانب المفهوم إنما يستفاد من جهة القيد في المنطوق فكل قدر يثبت فيه القيد وتعلق به من أفراد الموضوع فيفهم إنتفاء الحكم بالنسبة إلى ذلك القدر وإلا لبقي التعليق بالنسبة إليه بلا فايدة وما يقال من أن الفايدة تحصل في الجملة بثبوت المخالفة في الجملة فهو بمعزل عن التحقيق إذ يبقى التصريح بتعلقه بالجميع بلا فايدة فمفهوم قولنا كل غنم سائمة فيه الزكاة لا شئ من المعلوفة كذلك فإن وجوب الزكاة معلق على سوم كل غنم فيرتفع بمعلوفية كل غنم وما قيل ان ذلك لعله لعدم وجود أمر مشهور مشترك بين افراد المنطوق وبعض أفراد المسكوت عنه يعني أن جميع أفراد ما يؤكل لحمه مثلا يجوز الشرب والتوضأ من سؤره فنطق به في الكلام و إنما لم يشرك بعض الافراد الغير المأكول أيضا مع كونه شريكا للمنطوق لاجل عدم لفظ مشهور جامع لهما فيبقى بيانه إلى وقت الحاجة ففيه أنه لا ينحصر الافادة في وجود اللفظ المشهور المشترك فقد يصح أن يقال مثلا كل حيوان يجوز التوضأ من سؤره إلا الكلب مثلا وكذلك في قوله كل غنم سائمة فيه الزكاة مع ثبوت الحكم لبعض المعلوفة أيضا يمكن أن يقال كل غنم فيه الزكاة إلا النوع الفلاني فلا ينقطع المناص حتى يلتزم تأخير البيان وغيره من الخزازات فلا بد للقيد من فايدة والمفروض أنه ليس إلا نفي الحكم عن غير محل النطق مع أن القول بكون إستعمال القيد هنا لذلك لا لاخراج غير المقيد عن الحكم خروج عن مقتضى القول بحجية المفهوم إذ هو إما مبني على التبادر من اللفظ أو على لزوم خلو كلام الحكيم عن الفايدة لولاه كما تقدم وهو إنما يصح لو لم يكن هناك فائدة أخرى و أما ما ذكره بعضهم أن مفهوم قولنا بعض الغنم السائمة فيه الزكاة إلخ إن أراد به أن تكون السائمة صفة لبعض الغنم وبيانا له لا للغنم فقط كما هو المناسب لطريقة أهل الشرع فمفهومه أن ليس في البعض الاخر الذي هو المعلوفة زكاة ولا ما ذكره وإن أراد البعض الغير المعين بل يكون السائمة صفة للغنم لا للبعض كما هو الظاهر من كلامه وهو الموافق لطريقة أهل الميزان فحينئذ يتوجه الحكم نفيا وإثباتا إلى البعض فإنه القيد الاخير لا السوم والنفي والاثبات إنما يرجعان إلى القيد الاخير على التحقيق فمفهومه حينئذ أن البعض الاخر من السائمة ليس يجب فيه الزكاة وهذا مما يعز ويقل وروده في كلام

١٣٧

الشارع فإنه تكليف بمبهم مجهول وبالجملة فالمستفاد من العقل والعرف هو ما فهمه الشيخ وصاحب المعالمرحمه‌الله لا ما فهموه فالتحقيق أن يقال إن جعلنا السور من جملة الحكم وجعلنا الموضوع نفس الطبيعة المقيدة فالاقرب ما ذكره هؤلاء وإن جعلناه جزء الموضوع بأن يرجع القيد إلى كل واحد مما يشمله السؤر فالاقرب ما اخترناه مثلا اما نقول الحيوان المأكول اللحم حكمه أنه يجوز إستعمال سؤر كل واحد من أفراده أو نقول كل واحد من أفراد الحيوان المأكول اللحم حكمه جواز إستعمال سؤره فلا بد ان يتأمل في أن معنى قولنا كل ما يؤكل لحمه يتوضاء من سؤره موافق لايهما وأيهما يتبادر منه في العرف والاظهر الثاني للتبادر فيكون الوصف قيدا لكل واحد من الافراد فالمفهوم يقتضي نفي الحكم حيث إنتفى ذلك القيد الرابعة لا دلالة في قولنا في الغنم السائمة زكاة على نفي الزكاة من معلوفة الابل بإحدى من الدلالات واستدل فخر الدين على ذلك بأن دليل الخطاب نقيض المنطوق فلما تناول المنطوق سائمة الغنم كان نقيضه مقتضيا لمعلوفة الغنم دون غيرها وهذا الاستدلال ضعيف لما أشرنا إليه والاولى ماذكرنا إحتج بعض الشافعية على الدلالة بأن السوم يجري مجرى العلة فيثبت الحكم بثبوتها وينتفي بإنتفائها وفهم العلية العامة ممنوع وإلا لكان وجها وجيها قانون الحق أن مفهوم الغاية حجة وفاقا لاكثر المحققين والظاهر أنه أقوى من مفهوم الشرط ولذلك قال به كل من قال بحجية مفهوم الشرط وبعض من لم يقل بها والمراد بالغاية هنا النهاية لا المسافة كما هو عند النحاة بخلافها في قولهم إلى لانتهاء الغاية فالمراد أن تعليق الحكم بغاية يدل على مخالفة حكم ما بعد النهاية لما قبلها وأما نفس النهاية ففيها خلاف آخر ذكروها في مبحث بيان أن إلى لانتهاء الغاية فلنقدم الكلام فيه لتقدمه على ما بعده فنقول اختلفوا فيه على أقوال ثالثها دخولها في المغيا إن كانتا من جنس واحد كقولك بعتك هذا الثوب من هذا الطرف إلى هذا الطرف وإلا فلا كقول القائل صوموا إلى الليل والظاهر أن دليلهم في ذلك عدم التمايز فيجب إدخاله من باب المقدمة كما في إدخال المرفق في الغسل بخلاف مالو إختلفا في الماهية وتميزا في الخارج فلا يظهر حينئذ ثمرة بين هذا القول وبين القول بالعدم مطلقا ورابعها التوقف لتعارض الاستعمالات وعدم الترجيح والحق عدم الدخول لانه الاصل بمعنى أن اللفظ لا يدل على الدخول والاصل عدم إرادة المتكلم ذلك و إلا فقد يكون الدخول موافقا للاصل بل المتبادر من اللفظ عدم الدخول فيكون ذلك أيضا مفهوما من التعليق بكلمة إلى وأما دخول المرفق في آية الوضوء فإنما هو من دليل خارج لا لان إلى بمعنى مع لان الحق أنه لانتهاء الغاية وكونه بمعنى مع مجاز وإنما يصار إليه من جهة الدليل الخارجي ثم ان التوقف

١٣٨

لا يستلزم القول بالاشتراك كما توهمه فخر الدين وأبطله بأنه لا يمكن القول بالاشتراك لعدم جواز وضع الشئ لوجود الشئ وعدمه اما أولا فلان الاستعمال أعم من الحقيقة والاجمال أعم من الاشتراك ولا ينحصر التوقف في صورة الاشتراك وأما ثانيا فلجواز الاشتراك بين الوجود والعدم كما في القرء وأما ما قاله فخر الدين من أنه لغو لخلو الكلام عن الفايدة حين التردد بين الوجود والعدم لان التردد بين النفي والاثبات حاصل لكل واحد قبل إطلاق اللفظ أيضا ففيه أنه قد يحصل الفايدة بمثل قول القائل إعتدي بقرء فتأمل في ذلك فإنه يمكن إرجاع الطهر إلى الوجودي أيضا إذا عرفت هذا فلنرجع إلى أصل المسألة والحق ما قلناه لان المتبادر من قول القائل صوموا إلى الليل أن اخر وجوب الصوم الليل ولا يجب بعده ومن قوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن عدم حرمة المقاربة بعد حصول الطهر فلو ثبت الصيام بعد الليل أيضا أو حرمة المقاربة بعد حصول الطهر أيضا لما كان الغاية غاية وهو خلاف المنطوق فإن قلت أنه لو كان خلاف المنطوق فيكون الكلام مع التصريح بعدم إرادة المفهوم مجازا ولم يقل به أحد وأيضا فإن كان المراد من قولك آخر وجوب الصوم الليل ما ينقطع عنده الصوم فقد صار هذا المفهوم من جملة المنطوق وإن كان المراد ما ينتهي عند الصوم سواء إنقطع أو لم ينقطع فلا يلزم خلاف المنطوق في المسكوت أعني ما بعد الغاية قلت إن اردت من التصريح بعدم إرادة المفهوم مثل أن يقول المولى لعبده سر إلى البصرة ولا أريد منك عدم السير بعنوان الوجوب بعده فهو مجاز وهو لازم كل من يقول بحجية مفهوم الغاية فكيف تقول بأنه لم يقل به أحد وإن علم من المتكلم إرادة الحقيقة فلا بد أن يحمل ذلك على النسخ إن قلنا بجواز النسخ فيما كان آخره معلوما خصوصا إذا كان قبل حضور وقت العمل وإلا فبقبح صدوره عن الحكيم وإن أردت من ذلك مثل أن يقول سر إلى البصرة ومنها إلى الكوفة ومنها إلى بغداد ففيه أن أمثال ذلك يقال في العرف لتحديد المنازل او لاعلام المعالم فيتجدد المسافة من كل علم ومنزل فلكل مسافة مبدء ونهاية يلاحظان بالنسبة إليها ويعتبر أن بخصوصها فلا يرد تجوز ولا يحصل منه نقض على القاعدة وكذلك لا يتم النقض بمثل قوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى مع ثبوت إسرائه إلى السماء وكذلك قول الفقهاء إذا صام المسافر إلى نصف النهار ثم سافر لا يجوز له الافطار كما صدر من بعض الفضلاء فإن القرينة قائمة على إرادة الخلاف و مطلق الاستعمال أعم من الحقيقة والاستعمال في المعنى المجازي لا يوجب خروج اللفظ عن كونه حقيقة في غيره والنكتة في الاول أن المحسوس المعاين في نظر الكفار (المتعنتين)؟ إنما كان ذلك الذي ذكر في

١٣٩

في الاية وكان يمكن إثبات هذه الدعوى بما يحصل لهم المشاهدة كاخبارهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن (عيرهم)؟ وعما وقع فيهم في أثناء الطريق وكان تحصل المعجزة بمجرد ذلك أيضا فالمذكور ما بعد إلى إنما هو المنتهى فيما هو مقصودالبيان لهم الممكن التسليم عندهم وكذلك المراد من قولهم إذا صام المسافر إلى نصف النهار هو الامساك المخصوص المشروط بالشروط لا نفس الصوم وإلا فلا معنى للصوم الحقيقي إلى نصف النهار ففي الحقيقة مفهوم الغاية هنا حجة بمعنى أن المعتبر فيما له مدخلية في عدم جواز الافطار هو الامساك إلى نصف النهار فالامساك ما بعد نصف النهار لا مدخلية له في ذلك فكأنه قال الموجب لعدم الافطار إنما هو الامساك إلى نصف النهار وهكذا الكلام فيما يرد عليك من نظائر هذه وأما قولك وأيضا إلخ فنقول هناك شق ثالث وهو أن المراد هو الاخر والمنتهى لابشرط من شئ مطلقا لا خصوص ملاحظة أن ما بعد الاخر ونفسه مخالف لما قبله وينقطع الحكم عنده ولا عموم ذلك بمعنى أن يلاحظ أن الليل اخر مثلا سواء كان ما بعد الدخول مخالفا أو موافقا منقطعا عنده الصوم أم لا ثم ندعي إستلزام ذلك المطلق كون حكم ما بعده مخالفا لما قبله احتج المنكرون بعدم دلالة اللفظ على ذلك بإحدى من الدلالات أما الاولان فظاهر وأما الالتزام فلعدم اللزوم وبالاستعمال فيهما معا فيكون للقدر المشترك لكون المجاز والاشتراك خلاف الاصل ويظهر الجواب عنهما بالتأمل فيما ذكرناه قانون مفهوم الحصر حجة والمراد به على ما ذكره جماعة من المحققين هو أن يقدم الوصف على الموصوف الخاص خبرا له مثل الامير زيد والشجاع عمرو فيستفاد منه الحصر لان الترتيب الطبيعي خلافه والعدول عنه إنما هو لذلك وقد يقال أن الاولى تعميم المبحث في كل ما قدم وكان حقه التأخير على ما ذكره علماء المعاني وفيه إشكال لتعدد الفايدة مثل الاهتمام بالذكر أو التلذذ أو غير ذلك فلا بد إما من دعوى التبادر وهو غير مسلم في الجميع أو ذكر دليل آخر وسيجئ الدليل في خصوص ما نحن فيه واختلفوا في كون الدلالة فيما نحن فيه من باب المفهوم أو المنطوق والصواب ترك هذا النزاع لان الحصر معنى مركب من إثبات ونفي وما له المدلول مذكور في احدهما فيستفاد المجموع من المجموع وإن جعل عبارة عن نفي الحكم المذكور عن الغير فلا ريب أنه مفهوم على ما مر والدليل على إفادة الحصر أمران الاول التبادر فإن المتبادر من قولنا العالم زيد أن العالمية لا يتجاوز عن زيد إلى عمرو وبكر وغيرهما و الثاني أنه لو لم يفد الحصر للزم الاخبار بالاخص عن الاعم وهو باطل وتقريره أن المراد بالصفة إن كان هو الجنس فيستحيل حمل الفرد عليه لان الحمل يقتضي الاتحاد والفرد الخاص ليس عين حقيقة الجنس فينبغي أن يراد منه مصداقه وهو ليس بفرد خاص لعدم العهد وعدم إفادة العهد الذهني

١٤٠