• البداية
  • السابق
  • 401 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 13892 / تحميل: 6239
الحجم الحجم الحجم
قوانين الاصول

قوانين الاصول

مؤلف:
العربية

معلوم وعدم الثبوت يكفي في ثبوت العدم غاية الامر جوازه وهو لا يفيد وقوعه فتأمل مع أن المجاز الاول أقرب وأشيع فهو أولى بالارادة لا يقال يمكن القول بوجود ثمرة ضعيفة حينئذ نظير الثمرة الحاصلة في الفرق بين قول المعتزلة والاشاعرة في الواجب التخييري لان مورد الحكم هنا الفردان على التقديرين لا الطبيعة كما لا يخفى على المتأمل فتأمل ولم أقف على من ذهب إلى المذهب إلذي ذكرته في مجازية التثنية والجمع من كونه من باب الاستعارة وأما في النفي فيظهر الكلام فيه مما مر وأنه حقيقة في نفي جميع أفراد مهية واحدة وإن التجوز فيه إنما يكون بإرادة فرد من أفراد المسمى بالعين مثلا فيكون خارجا عن المتنازع ويجري التكلف الذي ذكرته في التثنية والجمع من إعتبار الاستعارة ثم أن بعض من جوز إستعمال المشترك في أكثر من معنى حقيقة أفرط في القول حتى قال أنه ظاهر في الجميع عند التجرد عن القرائن فلا إجمال عنده في المشترك عند التجرد عن القرينة واستدل على ذلك بقوله تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي وأن الله يسجد له من في السموات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس فإن الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار والسجود من الناس وضع الجبهة على الارض ومن غيرهم على نهج أخر و أجيب عن ذلك بوجوه الاول منع ثبوت الحقيقة الشرعية فالمراد هو المعنى اللغوي أعني غاية الخضوع أو جعل ذلك من باب عموم الاشتراك لو سلم ثبوت الحقيقة الشرعية فيراد منه غاية الخضوع ومن الصلاة الاعتناء بإظهار الشرف والمراد من غاية الخضوع ما يعم الخضوع التكليفي والتكويني ولهذا لم يذكر في الاية جميع الناس مع ثبوت الخضوع التكويني في الكل الثاني أن ذلك مجاز لا حقيقة وهذا الجواب لا يتم على ما اخترناه الثالث أنه على فرض تسليم كون ذلك حقيقة أيضا لا يتم الاستدلال بهما على ظهورهما في إرادة الجميع عند التجرد عن القرائن إذ القرينة على إرادة الجميع هيهنا موجودة وأما حجج سائر المذاهب فيظهر بطلانها من ملاحظة ما ذكرنا واحتج من جوز الاستعمال حقيقة مطلقا بأن الموضوع له هو كل واحد من المعاني لا بشرط الوحدة ولا عدمها وهو متحقق في حال إرادة الواحد والاكثر والجواب عنه أن الموضوع له هو كل واحد من المعاني في حال الانفراد كما مر في المقدمات واحتج من جوز في المفرد مجازا وفي التثنية والجمع حقيقة أما على الجواز في المفرد فبأن المانع منتف لضعف ما تمسك به المائع كما سيجئ واما على كونه مجازا فيتبادر الوحدة منه عند الاطلاق فيكون الوحدة جزء للموضوع له فإذا استعمل فيه عاريا عن الوحدة فيكون مجازا لانه إستعمال اللفظ الموضوع للكل في الجزء وأما على كونه حقيقة في التثنية والجمع فبأنهما في قوة تكرار المفرد ولا

٤١

يشترط فيهما الاتفاق في المعنى بل يكفي الاتفاق في اللفظ كما يقال زيدان وزيدون وفيه أن المانع ليس منحصرا فيما تمسك به المانع بل المانع هو ان اللغات توقيفية والوضع لم يثبت في المفرد إلا في حال إنفراد المعنى في الارادة كما حققنا سابقا وأما مجازيته فيتوقف على حصول الرخصة في نوع هذا المجاز كما أشرنا وإن كان ولا بد فالاولى أن يقال العلاقة هو إستعمال اللفظ الموضوع للخاص في العام كما لا يخفى وأما كونه حقيقة في التثنية والجمع ففيه أن المتبادر منهما هو الاتفاق في المعنى كما بينا سابقا وحجة من خص المنع بالمفرد دون التثنية والجمع أن التثنية والجمع متعددان في التقدير فيجوز تعدد مدلوليهما بخلاف المفرد والمدعى في المفرد حق والجواب عن التثنية والجمع يظهر مما مر إلا أن يراد به ما ذكرنا من الاستعارة وحجة من خص الجواز بالنفي أن النفي يفيد العموم فيتعدد بخلاف الاثبات ومدعاه في المثبت حق وجوابه عن التجويز في النفي أنه إنما يفيد عموم النفي في أفراد المهية المثبتة لا في المشتركات في الاسم كما حققناه الا أن يراد الاستعارة كما أشرنا واحتج المانع مطلقا بأنه لو جاز الاستعمال في المعنيين لكان ذلك بطريق الحقيقة إذ المراد بالمعنى هو المعنى الحقيقي فيلزم التناقض إذ يكون حينئذ له ثلاثة معان هذا وحده وهذا وحده وهما معا وإرادتهما معا مستلزم لعدم إرادة هذا وحده وهذا وحده وبالعكس والمفروض إستعماله في المعاني الثلاثة وأجيب عنه بأن المراد ليس إرادة المعاني مع بقائه لكل واحد منها منفردا بل نفس المدلولين مع قطع النظر عن الانفراد فيرجع النزاع إلى أن ذلك ليس إستعمالا في المعنيين وهذا مناقشة لفظية والاولى في الاستدلال على المنع ما ذكرنا قانون إختلفوا في جواز إستعمال اللفظ في المعنى الحقيقي و المجازي على نهج إستعمال المشترك في أكثر من معنى بأن يكون كل واحد منهما محلا للحكم وموردا للنفي والاثبات فمنهم من منع مطلقا ومنهم من جوز مجازا ومنهم من جعله حقيقة ومجازا بالنسبة إلى المعنيين والاقوى المنع مطلقا لما عرفت في مقدمات المسألة السابقة من أن وضع الحقايق و المجازات وحدانية نظرا إلى التوظيف والتوقيف فمع القرينة المانعة عن إرادة ما وضعت له و إرادة معنى مجازي لا يمكن إرادة ما وضعت له كما ذكرنا بل ولا غيره من المعاني المجازية الاخر ويتم بذلك عدم جواز إرادة المعنيين من اللفظ وقديستدل على ذلك بأن المجاز ملزوم للقرينة المعاندة للمعنى الحقيقي وملزوم معاند الشئ معاند له ومناط هذا الاستدلال عدم جواز إجتماع الارادتين عقلا كما أن مناط ما ذكرنا عدم الرخصة من الواضع وقد اعترض على هذا الاستدلال بأن غاية ما ثبت كون المجاز ملزوما لقرينة مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي منفردا وأما عن إرادة المعنى

٤٢

الحقيقي مطلقا فلا يعني أن يرمي في قولنا رأيت أسدا يرمي يدل على أن المراد من الاسد ليس الحيوان المفترس فقط وأما هو مع الرجل الشجاع فلا وأيضا فقد يستعمل اللفظ الموضوع للجزء في الكل مثل الرقبة في الانسان ولاريب في ثبوت إرادة المعنى الحقيقي مع المجازي وكما يمكن دفع ذلك بأن مرادنا من القرينة المانعة عن إرادة المعنى الحقيقي هي المانعة عن إرادته بالذات لا مطلقا فكذا يمكن أن يقال بأن مرادنا منها المانعة عن إرادته منفردا فمن أين يحكم بأن المراد هو الاول لا الثاني فكما لا يجب كونها مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي في ضمن المجازي كذا لا يجب كونها مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي مع المجازي بحيث يكون كل منهما موردا للنفي والاثبات أقول ويمكن الجواب عن الاول بأن ذلك مبني على كون اللفظ موضوعا للمعنى لا بشرط الانفراد ولا عدمه حتى يصح القول بكون اللفظ مستعملا حينئذ في المعنى الحقيقي والمجازي وقد عرفت في الاصل السابق بطلانه ولكن يدفعه أن ذلك مناقشة لفظية فإن مأله يرجع على عدم تسمية ذلك إستعمالا في المعنى الحقيقي والمجازي مع بقاء المعنى الحقيقي على حقيقته وإلا فلا ريب أنه يصدق عليه أنه إستعمال في المفهومين كما مر نظير ذلك في جواب حجة المانع مطلقا في المبحث السابق فالاولى في الاستدلال هو ما ذكرنا وأما الجواب عن الثاني فبان إرادة الجزء في المركب كإرادة الرقبة من الانسان إذا استعملت واريد منها الانسان غير معلوم لا مجتمعا مع الكل ولا بالذات بل عدمه معلوم غاية الامر إنفهامها بالتبع لا بمعنى القصد إليها بدلالة الالتزام أو إنفهامها من اللفظ عرفا كما في دلالة التنبيه بل بمعنى كونه لازم المراد فيكون من باب دلالة الاشارة الغير المقصودة من اللفظ كدلالة الايتين على أقل الحمل وهذه الدلالة متروكة في نظر أرباب الفن وأيضا المراد من الاستعمال في الشئ هو الاستعمال قصدا لا الاستعمال فيما يستتبعه ويستلزمه تبعا كما لا يخفى وقد يعترض أيضا بأن النزاع المفيد في هذا المقام هو أنه هل يجوز إستعمال اللفظ في الموضوع له وغيره أم لا وليس يلزم في كل ما استعمل في غير الموضوع له أن يكون له قرينة مانعة عن إرادة الموضوع له غاية الامر أن يسمى ذلك إستعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والكنائي لا الحقيقي و المجازي فإن الكناية أيضا إستعمال اللفظ في غير الموضوع له مع جواز إرادة ما وضع له فلم يثبت عدم جواز الاستعمال بإلتزام القرينة المعاندة للحقيقة لعدم ضرورة الالتزام والجواب عن ذلك اما أولا فبما قيل أنه إنما يتم لو قلنا أن الكناية هي إرادة المعنى الغير الموضوع له من اللفظ مع جواز إرادة الموضوع له فيتم حينئذ جواز إرادة المعنيين من اللفظ بلا إحتياج إلى القرينة المانعة وأما إن قلنا بأنها إرادة المعنى الحقيقي لينتقل منه إلى المعنى المجازي فلا إذ لا ينفك حينئذ إستعمال اللفظ في غير ما وضع له

٤٣

عن القرينة المانعة عن إرادة ما وضع له فلا يصح فرض المعترض إذ اللفظ لم يستعمل حينئذ في المعنى الموضوع له والغير الموضوع له معا وصرح بأن لهم في تعريف الكناية طريقين للمحقق التفتازاني في شرح المفتاح وأما ثانيا فبأنا نجعل البحث فيما يتناقضان وقامت القرينة المانعة فلا يمكن جعله من باب الكناية ويدفعه أنه إن أريد بقيام القرينة المانعة قيام ما يمنع عن إرادة المعنى الحقيقي منفردا ومجتمعا مع المعنى المجازي فهو خارج عن محل النزاع فإن النزاع في هذه المسألة مثل المسألة السابقة فيما يمكن إرادة المعنيين بالذات لا فيما لا يمكن أصلا وإن أريد كونها مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي منفردا فهو لا ينافي كونه من باب الكناية فتأمل وقد يعترض أيضا بأن القرينة المانعة عن إرادة الحقيقة في المجاز إنما تمنع عن إرادتها بتلك الارادة بدلا عن المعنى المجازي واما بالنظر إلى إرادة آخرى منضمة إليها فلا إذ المراد من إرادة المعنى الحقيقي والمجازي من اللفظ معا هو كون كل واحد منهما مرادا بإرادة عليحدة بالاعتبارين وهذا الاعتراض مستفاد من كلام سلطان العلماءرحمه‌الله وفيه أن دخول المجاز في الارادة حينئذ إنما هو من باب دخول الخاص في العام الاصولي على ما صرح هورحمه‌الله به في حواشي المعالم وقال أنه هوالمراد في المشترك أيضا ولا يخفى أن إرادة كل واحد من الافراد في ضمن العام ليس بإرادة ممتازة عن غيره بل المراد كل واحد منها بعنوان الكل الافرادي وليس هنا إرادتان متضامتان فيعود المحذور من لزوم إجتماع المتنافيين نعم له وجه إن أريد من البدلية إرادة هذا وهذا لا كل واحد كما هو التحقيق مع أن من الظاهر أن الاستعمال لا تعدد فيه وظاهر كلمات علماء البيان أن المجاز يستلزم قرينة معاندة لاستعمال اللفظ في المعنى الحقيقي فالاستعمال واحد وإنما هو لاجل الدلالة على المعنى والارادة تابعة له واحتج من قال بالجواز بعدم تنافي إرادة الحقيقة والمجاز معا فإذا لم يكن هناك منافاة فلم يمتنع إجتماع الارادتين عند المتكلم ويظهر جوابه مما تقدم ولعله نظر إلى إرادة وقد عرفت بطلانه وزاد من قال مع ذلك بكونه حقيقة ومجازا بأن اللفظ مستعمل في كل واحد من المعنيين فلكل واحد من الاستعمالين حكمه وفيه مع ما عرفت أن الاستعمال لا تعدد فيه مع أنه لو صح فإنما يتم على القول بكون اللفظ موضوعا للمعنى لا بشرط وقد عرفت بطلانه واحتج من قال بكونه مجازا بأن ذلك يستلزم سقوط قيد الوحدة المعتبرة في الموضوع له فيكون مجازا يعني أن المعنى الموضوع له هو المعنى الحقيقي وحده فإذا أريد كل واحد من المعنيين من اللفظ على سبيل الكل الافرادي كما هو محل النزاع فيستلزم ذلك إسقاط قيد الوحدة فيكون مجازا إلا أنه يراد به معنى ثالث يشمل المعنيين حتى يكون من باب عموم المجاز الذي لا نزاع فيه والجواب عن ذلك بعد بطلان

٤٤

أصل الجواز واضح وأما ما فصل بأن المراد في محل النزاع من المعنى المستعمل فيه إن كان هو المعنى الحقيقي حتى مع قيد الوحدة فالمانع مستظهر لان المجاز معاند للحقيقة حينئذ من وجهين من جهة القرينة المانعة ومن جهة إعتبار الوحدة وإن أرادوا مطلق المدلول من دون إعتبار الانفراد إتجه الجواز لان المعنى الحقيقي حينئذ يصير مجازا بإسقاط قيد الوحدة فالقرينة اللازمة للمجاز لا تعانده ففيه مع أن ذلك يستلزم عدم الفرق بين الكناية والمجاز حينئذ لان المفروض أن المجازية إنما حصلت بإسقاط قيد الوحدة ومع إسقاطه صحت إرادته مع المعنى المجازي إن القرينة كما أنها مانعة عن إرادة المعنى الحقيقي لا بد أن تكون مانعة عن إرادة المعنى المجازي الاخر أيضا وإلا لم يتعين المراد إلا أن يقال أن القرينة مانعة عن المجازات الاخر إلا أن يقوم قرينة على إرادة بعضها كما فيما نحن فيه فإن المفروض وجوب إقامة قرينة أخرى على إرادة المعنيين معا كما في المشترك أيضا وإلا فكيف يعلم إرادة المعنيين من اللفظ وما ما عرفت من كون أوضاع الحقائق والمجازات وحدانية فالامر اوضح قانون المشتق كإسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة حقيقة فيما تلبس بالمبدء دون ما وجد المبدء فيه في حال التكلم فقط كما توهمه بعضهم حتى يكون قولنا زيد كان قائما فقعد أو سيصير قائما مجازا والظاهر أن هذا (وفاقي)؟ كما إدعاه جماعة ومجاز فيما لم يتلبس بعد سواء أريد بذلك إطلاقه على من يتلبس بالمبدء في المستقبل بأن يكون الزمان مأخوذا في مفهومه أو إطلاقه عليه بعلاقة أوله إليه والظاهر أن ذلك أيضا إتفاقي كما صرح به جماعة وقد يتوهم أن إطلاق النحاة مثلا على مثل الضارب في قولنا زيد ضارب غدا ينافي دعوى الاجماع وهو باطل لما حققنا سابقا من أن الاستعمال أعم من الحقيقة و فيما إنقضى عنه المبدء أعني إطلاق اللفظ المشتق وإرادة ما حصل له المبدء في الماضي من الازمنة بالنسبة إلى زمان حصول النسبة في المشتق إلى من قام به خلاف وقد يعبر بإرادة ما حصل له المبدء وانقضى قبل زمان النطق فيعتبر المضي بالنسبة إلى زمان النطق وما ذكرناه أحسن ويظهر الثمرة في مثل قولنا كان زيد قائما فقعد فعلى ما ذكرنا حقيقة وعلى ما ذكره هذا القائل يكون محلا للخلاف نعم إذا قلنا كان زيد قائما امس باعتبار كونه قائما قبل الامس فيصير محلا للخلاف على ما ذكرنا ايضا ومن هذا يظهر جواز إجراء هذين التعبيرين فيما لم يتلبس بعد بالمبدء أيضا فتأمل وهناك تعبيران آخران أحدهما إستعمال المشتق في المنقضي عنه المبدء بعلاقة ما كان عليه وثانيهما إستعماله فيما حصل له المبدء في الجملة أي ما خرج من العدم إلى الوجود من دون إعتبار القدم والحدوث والبقاء والزوال والظاهر أن المعنى الاخير أيضا مما وقع فيه النزاع كما سيظهر بعد ذلك وأما المعنى الاول فالظاهر عدم الخلاف

٤٥

في كونه مجازا والمشهور بينهم في محل الخلاف قولان المجاز مطلقا وهو مذهب أكثر الاشاعرة والحقيقة مطلقا وهوالمشهور من الشيعة والمعتزلة وهناك أقوال أخرمنتشرة والظاهر أنها محدثة من إلجاء كل واحد من الطرفين في مقام العجز عن رد شبهة خصمه ففصل جماعة وفرقوا بين ما كان المبدء من المصادر السيالة كالتكلم والاخبار وغيره فاشترطوا البقاء في الاول دون غيره وأخرى ففرقوا بين ما لو كان المبدء حدوثيا أو ثبوتيا فاشترطوا البقاء في الاول دون الثاني وأخرى ففرقوا بين ما طرء الضد الوجودي على المحل سواء ناقض الضد الاول كالحركة والسكون أو ضاده وغيره فاشترطوا البقاء في الاول دون الثاني وفصل بعضهم بين ما كان المشتق محكوما عليه أو به فاشترط في الثاني دون الاول والاقوى كونه مجازا مطلقا لنا وجوه الاول تبادر الغير منه وهو المتلبس بالمبدء وهو علامة المجاز والثاني أنه لا ريب في كونه حقيقة في حال التلبس فلو كان حقيقة فيما إنقضى عنه أيضا للزم الاشتراك والمجاز خير منه كما مر مرارا وما يقال من أن المشتق إنما يستعمل في المعنى الاخير من الثلاثة المتقدمة وهو أعم من الماضي والحال وإستعمال العام في الخاص حقيقة إذا لم يرد منه الخاص من حيث الخصوصية فلا مجاز ولا إشتراك ففيه أنه مناف لكلمات أكثرهم وكثير منهم إدعى الاجماع على كونه حقيقة في الحال ولو كان حقيقة في ذلك المعنى العام أيضا للزم الاشتراك أيضاومما ينادي ببطلان ذلك أن المستدلين بكونه حقيقة فيما إنقضى عنه المبدء يستدلون بإستعمال النحاة فإنهم يستعملونه في الماضي وفي الحال وفي المستقبل (الاستقبال) ولا يريدون به المعنى الاعم جزما الثالث أنه إذا كان جسم أبيض صار أسودا فينعدم عنه حينئذ مفهوم الابيض جزما وإلا للزم إجتماع المتضادين فإطلاق لفظ الابيض حين إنعدام مفهومه إطلاق على غير ما وضع له ويرد على أنه إنما يسلم لو لم يكن مراد من لا يشترط بقاء المبدء هو المعنى العام وإلا فلا منافاة حينئذ ولا يلزم إجتماع الضدين الرابع إنا لا نفهم من لفظ المشتق إلا الذات المبهمة والحدث والنسبة ولكن يتبادر منه حصول المبدء في زمان صدق النسبة الحكمية ولا يذهب عليك أن هذا الزمان ليس بأحد من الازمنة المعهودة بل هو أعم من الجميع فلسنا ندعي دلالته على زمان كيف وقد أجمع أهل العربية على أن الدال على الزمان إنما هو الفعل ألا تريهم أنهم يقيدون حد الفعل بأنه ما يقترن بأحد الازمنة الثلاثة ليخرج إسم الفاعل وما في معناه ولا منافاة بين ذلك وبين ما يقولون إن إسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال يعمل عمل النصب وبمعنى الماضي لا يعمل فإن مرادهم بالاقتران بأحد الازمنة في حد الفعل إنما هو بسبب الوضع ومرادهم في إسم الفاعل إنما هو بالقرينة فيكون مجازا وقد يوجه بأن هذا هو مقتضى الوضع الثانوي

٤٦

الحاصل بسبب كثرة الاستعمال وأما في الفعل فمبقتضى الوضع الاول وهو بعيد فإن غاية ما يمكن أن يدعى فيه الوضع الثانوي والتبادر من جهته إنما هو الحال فتأمل فإن ذلك أيضا لا ينطبق على الزمان المعهود كما ذكرنا بل المتبادر هو التلبس والحاصل أن تحقق المبدء شرط في صحة الاطلاق حين النسبة كالجوامد بعينها فلا يقال للهواء المنقلب عن الماء هو ماء حقيقة ومرادنا من هذه النسبة أعم من الخبرية الصريحة أو اللازمة للنسبة التقييدية فإن قولنا رأيت ماء صافيا يتضمن النسبة الخبرية ويستلزم الاخبار عن الماء بالصفاء فيلاحظ حال هذه النسبة ويعتبر الاتصاف بالمبدء حين تحقق هذه النسبة وذلك فيما نحن فيه في الزمان الماضي فهو حقيقة وإن صار في زمان التكلم كدرا وقد يكون كذلك في الحال وقد يكون في الاستقبال كقولك سأشتري ماء صافيا وكذلك الحال في الجوامد كقولك إشتريت عبدا أو خمرا أو سأشتري خمرا فإنه حقيقة وإن كان ما سيشير به لم يصر حين التكلم خمرا حجة القائلين بكونه حقيقة أن المشتق قد استعمل في الازمنة الثلاثة والاصل في الاستعمال الحقيقة خرج الاستقبال بالاتفاق وبقي الباقي وفيه أن الاستعمال أعم من الحقيقة كما بينا سابقا وقد إستدل بعضهم بعد الاستدلال بذلك بأن معنى المشتق من حصل له المشتق منه أي خرج من القوة إلى الفعل فيشمل الماضي حقيقة وفيه مع أنه ينافي الاستدلال الاول لان مفاده إرادة الخصوصية لا المعنى العام منع قد عرفته حجة مشترطي بقاء المبدء فيما لم يكن المبدء من المصادر السيالة إمتناعه فيها لانها تنقضي شيئا فشيئا فهو قبل حصول إجرائه غير متحقق وبعده منعدم والحق إعتبار العرف في ذلك لا ريب أن العرف يحكم على من يتكلم وهو مشتغل به ولو بحرف منه أنه متكلم ولا يضره السكوت القليل بمقدار التنفس أو ازيد بل بمقدار شرب الماء أيضا في بعض الاحيان وحجة من إشترط البقاء في الحدوثي دون الثبوتي أنه لو كان شرطا مطلقا للزم أن يكون إطلاق المؤمن على النائم مجازا إذ لا تصديق في حال النوم وأجيب عن ذلك بأن ما حصل للنفس من التصديق هو حاصل في الخزانة حال النوم وإن لم يكن حاصلا في المدركة حينئذ وحجة من خص الاشتراط بما طرء على المحل ضد وجودي أنه لو لم يكن كذا يلزم كون إطلاق النائم على اليقظان والحامض على الحلو بإعتبار النوم السابق والحموضة السابقة حقيقة وهو خلاف الاجماع وأيضا يلزم أن يكون أكابر الصحابة كفارا حقيقة وقد يجاب عن الثاني بأن ذلك إنما هو من جهة الشرع لا اللغة والحق المنع في الجميع لغة وعرفا أيضا وحجة من إشترط البقاء في المحكوم به دون المحكوم عليه هو أنه لو إشترط في المحكوم عليه أيضا للزم عدم جواز الاستدلال بمثل قوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا والسارق والسارقة فاقطعوا ونحو ذلك بالنسبة إلى

٤٧

من لم يكن زانيا أو سارقا حال الاطلاق بل المعتبر إتصافه في أحد الازمنة الثلاثة ووجه هذا الاستدلال إنهم يستدلون بهذه الايات وظاهرهم إرادة الحقيقة فيكون المشتق حينئذ حقيقة في كل واحد من الازمنة أقول ويلزم من ذلك أن ذلك القائل يقول بكون المشتق حقيقة في المستقبل أيضا وقد يوجه بأن مراده حينئذ أن المحكوم عليه حقيقة فيما تلبس بالمبدء في الجملة يعني المعنى العام السابق أو ما هو أعم منه ليشمل الاستقبال وكيف كان فهو باطل أما اولا فلان هذا الكلام مبني على أن المراد بالحال وأخويه في محل النزاع هو حال النطق وما قبله وما بعده وقد عرفت خلافه وأما ثانيا فلان المشتق كونه حقيقة في الحال مع الخصوصية مما لا خلاف فيه وإن كان محكوما عليه فلو جعلناه حقيقة في القدر المشترك أيضا للزم الاشتراك والمجاز أولى منه وكونه محكوما عليه قرينة للمجاز مع أن الاستدلال بها على من لم يتلبس بعد حين الاطلاق أو لم يوجد أيضا هو من قبيل الاستدلال بالخطابات الشفاهية فإن تلك الخطابات لا تثبت إلا أصل التكليف وأما خصوص تكليفنا فإنما يثبت بدليل خارج كالاجماع وغيره وأما على ما حققنا موضع النزاع من عدم مدخلية الزمان أصلا وعدم إعتبار حال النطق فلا إشكال إذ المراد أن المتلبس بالزنا أو السرقة مثلا حكمه كذا سواء كان تلبسه حال النطق أو قبله أو بعده ولا يضر ثبوت الحكم بعد حال الانقضاء وإن طال المدة لان إجراء الحكم ثابت حينئذ بالاستصحاب وغيره من الادلة تتميم ينبغي أن يعلم أن مبادئ المشتقات مختلفة فقد يكون المبدء حالا كالضارب والمضروب وقد تكون ملكة وقد يعتبر مع كونه ملكة كونه حرفة وصنعة مثل الخياط والنجار والبناء ونحوها وقد يكون لفظ يحتمل الحال والملكة والحرفة كالقارى والكاتب والمعلم والتلبس وعدم التلبس يتفاوت في كل منها فالذي يضر بالتلبس في الملكة هو زوالها بسبب حصول النسيان وفي الصناعة الاعراض الطويل بدون قصد الرجوع وأما الاعراض مع قصد الرجوع ولو كان يوما أو يومين بل وشهرا أو شهرين أيضا مع إرادة العود فغير مضر ويصدق على من لم ينس ومن أعرض وقصد العود في العرف أنه متلبس بالمبدء فيهما وإن طرء الضد الوجودي لاصل ذلك الفعل أيضا وأما في الاحوال فالتلبس فيها أيضا يختلف في العرف فأما في المصادر السيالة فيكفي الاشتغال بجزء من أجزائه وأما في غيرها كالسواد والبياض وغيرهما من الصفات الظاهرة والباطنة فالمعتبر بقاء نفس الصفات وقد إختلط على بعض المتأخرين واشتبه عليه الامر واحدث مذهبا في التفصيل فقال إن إطلاق المشتق بإعتبار الماضي حقيقة إن كان إتصاف الذات بالمبدء أكثريا بحيث يكون عدم الاتصاف بالمبدء مضمحلا في جنب الاتصاف ولم يكن الذات معرضا عن المبدء وراغبا عنه سواء كان

٤٨

المشتق محكوما عليه أو به وسواء طرء الضد الوجودي أو لا لانهم يطلقون المشتقات على المعنى المذكور من دون نصب القرينة كالكاتب والخياط والقارى والمتعلم والمعلم ونحوها ولو كان المحل متصفا بالضد الوجودي كالنوم ونحوه والقول بأن الالفاظ المذكورة ونحوها كلها موضوعة لملكات هذه الافعال مما يأبى عنه الطبع السليم في أكثر الامثلة وغير موافق لمعنى مباديها على ما في كتب اللغة إنتهى وبعد ما حققنا لك لا يخفى عليك ما فيه إذا تحقق ذلك فنقول أن ما جعلوه ثمرة النزاع من مثل كراهة الجلوس تحت الشجرة المثمرة ينبغي التأمل في موضع الثمرة منها فإن المثمرة يجوز أن يكون المبدء فيها هو الملكة فإن للشجرة أيضا يتصور نظير ما يتصور للانسان وعلى هذا فلا يضر عدم وجود الثمرة بالتلبس بالمبدء فيها إلا أن يحصل للشجرة حالة لا يحصل معها الثمرة أصلا بالتجربة ونحوها شبيه النسيان للانسان ويجوز أن يكون هو الحال والحال أيضا يحتمل معنيين أحدهما صيرورته ذا ثمرة مثل اغد البعير والثاني المعنى المعهود الحالي فعليك بالتأمل والتفرقة في كل موضع يرد عليك.

٤٩

الباب الاول في الاوامر والنواهي

وفيه مقصدان الاول في الاوامر قانون الامر على ما ذكره أكثر الاصوليين هو طلب فعل بالقول إستعلاء والاولى إعتبار العلو مع ذلك كما اختاره جماعة و سنشير إليه في آخر المبحث والمراد بالعالي من كان له تفوق يوجب إطاعته عقلا أو شرعا وقيل هو الطلب من العالي وما قيل بإشتراكه مع ذلك بين الفعل والشأن وغير ذلك بعيد لعدم تبادرها و المجاز خير من الاشتراك والاستعمال أعم من الحقيقة وظني أن من يقول بأن الامر أعني المركب من أم ر حقيقة في الوجوب هو ممن يقول بالقول الاول ولابد أن يقول به ليناسب تعريفه الاصطلاحي معناه العرفي إذ الاستعلاء ظاهر في الالزام إذ لا معنى لا ظهار العلو في المندوب وإدعائه كما لا يخفى و هو الاظهر عندي للتبادر وللآيات والاخبار مثل فليحذر الذين يخالفون إلخ وما منعك أن تسجد إذ أمرتك ولولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لبريرة بعد قولها أتأمرني يا رسول الله حيث طلبعليه‌السلام مراجعتها إلى زوجها لا بل إنما أنا شافع فكلما ثبت كونه أمرا وصدق عليه هذا المفهوم يستفاد منه الوجوب لان كون المشتقات من هذا المبدء حقيقة في الوجوب وكون المبدء أعم منه كما ترى فالوجوب مأخوذ في مفهوم الامر فالتعريف الاول مناسب لمعناه العرفي المتبادر منه ومن يقول بعدم إفادته الوجوب ولا يأخذ الوجوب في مفهوم الامر فهو إما ممن يقول بأن الامر هو الطلب من العالي لا من حيث أنه مستعمل وقد عرفت بطلانه أو يأخذ الاستعلاء في مفهوم الندب أيضا ويجعله أعم من الندب وستعرف بطلانه واحتج من قال بعدم إفادة لفظ الامر الوجوب بتقسيم

٥٠

الامر إلى الواجب والندب وهو لا يستلزم كونه حقيقة فيهما إذ لو أريد أن الامر الحقيقي ينقسم فهو غير مسلم وإن أريد الاعم فلا ينفع مع أنه ينقسم إلى ما ليس بحقيقة فيه إتفاقا كالتسخير والتعجيز ونحوهما وكذلك الكلام في قولهم أن المندوب طاعة والطاعة فعل المأمور به فإن الطاعة إما فعل المأمور به الحقيقي أو فعل المندوب لا فعل المأمور به الحقيقي فقط وإن أريد الاعم من المأمور به الحقيقي فلا يجد بهم نفعا ولما كان العالي قد يطلب الشئ ولكن لا على سبيل الاستعلاء كالمندوب فإنه إرشاد وهداية ولا يلزم فيه إعتبار الاستعلاء فلا بد أن يميز بين أقسام طلبه بالتمييز بين الالفاظ التي يطلب بها حتى يعلم أيها أمر وأيها ندب وإرشاد وقد ظهر لك أن الطلب إذا كان بما يشتق من أصل الامر كقوله آمرك بكذا أو أنت مأمور بكذا ونحو ذلك يفيد الوجوب وهو أمر حقيقة وأما إذا كان الطلب من العالي بغير ما يشتق من لفظ الامر كالصيغ الموضوعة للطلب مثل إفعل وأخواته و رويد وأخواته فهو الذي جعله الاصوليون أصلا عليحدة ومحل نزاع برأسه فنزاعهم في دلالة هذه الالفاظ على الوجوب يتصور على صور إحديها أن العالي إذا طلب شيئا بهذا اللفظ يفهم منه الالزام والحتم الذي يستلزم مخالفته الذم والعقاب الذين هما لازم مخالفة السافل للعالي حين الالزام حتى يثبت خلافه فيكون حقيقة في ذلك أو مطلق الرجحان أو غير ذلك وثانيتها أن هذه الالفاظ مع قطع النظر عن القائل والقرينة هل تفيد الالزام والحتم أم لا مثل أن يسمع لفظ إفعل من قائل من وراء الجدار ولم يعرف حال المتكلم والمخاطب فهل يفهم منه الالزام ثم يعرف الذم واللوم على الترك وعدمهما بعد معرفة حالهما أم لا وثالثتها الصورة بحالها ولكنه هل يفهم منه الالزام من العالي المستحق تاركه اللوم والعقاب أو لا وبعبارة أخرى يفهم منها أن القائل بها شخص عال اوجب الفعل على المخاطب أم لا ومرجع الاولى إلى الثانية إذ الذي ظهر من الصيغة هو مجرد الحتم والالزام وحصول الذم والعقاب على الترك إنما هو من لوازم خصوص المقام وعلى هذا فيمكن إجراء النزاع في الصيغة إذا صدرت عن السافل والمساوي أيضا فإن طلبهما أيضا قد يكون على سبيل الحتم واللزوم وقد يكون غير فلك من المعاني وعلى هذا فما استدل به بعض القائلين بكونها حقيقة في الندب من أن الفرق بين الامر والسؤال ليس إلا تفاوت رتبة الطالب فالوجوب شئ زايد والسؤال إنما يدل على الندب فكذا الامر فجوابه التحقيقي بعد منع إختصاص الفرق بذلك لما عرفت ثم تسليمه هو أن النزاع إنما هو في الصيغة والقائل بكونها للوجوب يقول به في السؤال أيضا يعني به الحتم والالزام غاية الامر أن حصول الذم والعقاب ثمة يحصل بالترك بخصوص المقام دون ما نحن فيه والحاصل أن صيغة إفعل مع قطع النظر عن القرائن تفيد الوجوب اللغوي وبضميمة المقام يتم الوجوب الاصطلاحي هذا هو مراد

٥١

القائل بكونها حقيقة في الوجوب نعم يمكن الفرق بين الصورتين الاوليين بإمكان المناقشة في الصورة الاولى بأن الدلالة على الالزام لعلة يكون من جهة أنه صدر عن العالي فلا يتم القول بالدلالة على الالزام لغة في السؤال أيضا ولا يظهر من ذلك حال الصيغة إذا صدرت عن السائل إنها حقيقة فيه أو مجاز فاستدلالهم في دلالة الصيغة على الوجوب بذم العقلاء على الترك إذا قال السيد لعبده إفعل ولم يفعل كما سيجئ ليس على ما ينبغي أللهم إلا أن يجعل النزاع في خصوص الصيغة إذا صدرت عن العالي وهو لا يلائم الجواب المذكور عن دليل القائل بالندب أيضا وأما على الصورة الثالثة فلا يرد السؤال المتقدم أصلا ولا يتمشى الجواب المتقدم قطعا كما لا يخفى والفرق بين الصورتين هو ان حصول الذم والعقاب خارج عن مدلول اللفظ في الصورة الاولى وداخل فيه في الصورة الاخيرة فلا بد أن يكون إفعل مثلا حقيقة في كل من الامر والسؤال والالتماس إذا أراد كل منهم اللزوم والحتم على الصورة الاولى وحقيقة في الامرفقط على الصورة الاخيرة فيكون إستعماله في الالتماس والسؤال مجازا والذي يترجح في النظر القاصر هو الصورة الاخيرة وإن لم يساعدها تحرير محل النزاع في كلام كثير منهم واعلم أن ما ذكرناه من الصور الثلاث يجري في لفظ أم ر أيضا والكلام فيه الكلام في الصيغة بعينه ويظهر الثمرة في كون هذا اللفظ من الملتمس والسائل مجازا أو حقيقة أيضا وعليك بالتأمل فيما ذكرنا والتحفظ به فإن كلام القوم هيهنا مشوش فربما وقع الاشتباه بين المادة والصيغة وربما حصل الخلط وعدم التمييز بين الصور المتقدمة والله الهادي قانون إختلف الاصوليون في صيغة إفعل وما في معناه على أقوال المشهور بين الاصوليين أنه حقيقة في الوجوب لغة وذهب جماعة إلى أنها حقيقة في الندب وقيل بالاشتراك بينهما معنى وعلم الهدىرحمه‌الله بالاشتراك بينهما لفظا لغة وبكونها حقيقة في الوجوب في عرف الشارع وتوقف بعضهم في الوجوب والندب وقيل بالاشتراك بينهما والاباحة لفظا وقيل معنى وهيهنا مذاهب أخر ضعيفة والاقرب للاول للتبادر عرفا ويثبت في اللغة والشرع بضميمة أصالة عدم النقل لا يقال إنا لا نفهم من الصيغة غير طلب الفعل ولا يخطر ببالنا الترك فضلا عن المنع منه فإن معنى الوجوب غيره أمر بسيط إجمالي وهو الطلب الحتمي الخاص ولكنه ينحل عند العقل باجزاء كسائل المهيات المركبة كالانسان والفرس وغيرهما فهذا الطلب البسيط الاجمالي الخاص إذا تحلل عند العقل ينحل إلى طلب الفعل مع المنع من الترك فانظر إلى العرف ترى أن السيد إذا قال لعبده إفعل كذا فلم يفعل عد عاصيا وذمه العقلاء للترك وإن لم يكن هناك قرينة تدل على الوجوب وما يتوهم من منافاة ذلك لاستعمال الشارع إياها متعلقا بأمور كثيرة بعضها واجب وبعضها مندوب مثل قوله إغتسل للجمعة وللزيارة

٥٢

وللجنابة ولمس الميت وغير ذلك مدفوع بأنه لا يتصور في ذلك قبح إلا لزوم تأخير البيان عن وقت الخطاب سيما فيما له ظاهر وقبحه ممنوع وكون ذلك في كل المواضع موضع الحاجة سيما موضع معرفة الوجه وإعتقاد ان هذا واجب وذلك مندوب أيضا غير ظاهر والحاصل أن الدليل قام على تعيين الحقيقة ولا مانع من إستعماله في المعنى المجازى وهو عموم المجاز بقرينة من خارج ولا يجب وجود القرينة في اللفظ وكذلك إستعمال الصيغة في المندوبات فقط بدون قرينة في اللفظ وقد استدل أيضا بآيات منها قوله تعالى فليحذر الذين إلخ هدد سبحانه مخالف الامر وحذره من العذاب وهو يفيد الوجوب وما ذكرنا هو مدلول السياق لا صيغة ليحذر ليستلزم الدور والمصدر المضاف يفيد العموم حيث لاعهد فلا يرد أن الامر لا عموم فيه والعموم الافرادي لا المجموعي ليرد النقض بترك مجموع المندوبات لكونه معصية و كل واحد منها على البدلية لا السالبة الكلية بمعنى لا يأتون بشئ من أوامره ليرتفع بالموجبة الجزئية فيلزم عدم العقاب على بعضها والاولى أن يقال المراد بالامر الطبيعة الكلية وهو مستلزم للعموم لوجودها في ضمن كل فرد وكيف كان فهذه الاية إنما على وجوب الامر الشرعي لا الوجوب لغة و أيضا لا تدل على دلالة الصيغة على الوجوب بل الامر وماقيل من أن الامر حقيقة في الصيغة المخصوصة و التهديد على مخالفة ما صدق عليه الامر من الصيغ ففيه ما لايخفى إذ الامر إنما يسلم صدقه على الصيغة إذا كان الطلب بها على سبيل الاستعلاء المستلزم للوجوب وأما إذا أريد منها مجرد الندب أو الارشاد أو الاذن أو غيرذلك فلا يصدق عليه أنه والحاصل أن قولهم في تعريف الامر مطابقا لمعناه العرفي طلب بالقول على سبيل الاستعلاء أو طلب بالقول من العالي يعتبرون في ذلك حيثية العلو سيما في التعريف الاول وهو مستلزم للوجوب عرفا ولاريب أن صيغة إفعل الصادرة عن العالي ليس يعتبر فيها الاستعلاء في جميع موارد إستعمالها فكيف يقال بإستلزام دلالة الامر على الوجوب دلالة الصيغة المطلقة عليه حتى يجدي في المواضع الخالية عن القرينة التي هي محط نظر الاصولي وأيضا فعلى هذا فلا معنى للنزاع في دلالة صيغة افعل على الوجوب ويكفي في ثبوت ذلك إثبات دلالة لفظ الامر عليه وهو كما ترى خلاف ما اتفقت عليه كلمة الاصوليين والتحقيق أن لفظ الامر حقيقة في الطلب الاستعلائي على سبيل الوجوب وهو المتبادر منه عرفا وصيغة إفعل كثيرا ما تستعمل في غير هذا المعنى فكون الامر حقيقة في الوجوب لا يستلزم كون إفعل حقيقة فيه ولذلك افردوا البحث في كل منهما فما اخترناه من كون الصيغة للوجوب إنما هو للتبادر في الصيغة لا من أجل كونها مصداقا للامروإن كنا نقول بكون الامر أيضا حقيقة في الوجوب لما دللنا عليه سابقا ومما ينادي بذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لولا أن أشق على أمتي

٥٣

لامرتهم بالسواك فإن طلبهعليه‌السلام للسواك بصيغة إفعل في غاية الكثرة وأما ما يقال أنه لا بد من تضمين الاعراض ونحوه ليكون متعلقا بكلمة المجاوزة فهذا لا يدل إلا على التهديد على المخالفة على سبيل الاعراض والتولي وهو يتم إذا كان الامر للندب أيضا ففيه أن ذلك ليس إلا من جهة صحة التركيب النحوي ولا يشترط في ذلك إعتبار التولي كما لا يخفى ومنها قوله تعالى وما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك فإن الاستفهام إنكاري لاستحالته على الله وهو يفيد التهديد والتهديد لا يجوز إلا على ترك الواجب وهذه الاية ايضا لا تدل إلا على دلالة الامر على الوجوب بل وخصوص أمر الشارع إلا أن يقال المراد به قوله تعالى اسجدوا قبل هذا وإن المتبادر من التعليل هو كون العلة مخالفة الامر من حيث أنه أمر لا من حيث هو أمره تعالى فتأمل وما يتوهم من أن التهديد لعله من جهة إكتناف الصيغة بقرينة حالية تدل على الوجوب لا من جهة دلالة نفس الصيغة يدفعه أصالة عدمه لا يقال إن هذا إنما يتم لو ثت إتحاد عرفنا مع عرف الملائكة لان حكاية أحوال كل أهل لسان لاخرين إنما تصح من الحكيم إذا تكلم بما يفيد المطلب من لسان الاخرين ويستعمل حقيقتهم في حقيقتهم ومجازهم في مجازهم وهو ظاهر وما يقال أيضا أن الاستفهام تقريري لاتمام الحجة فالغرض إقرار إبليس بإستكباره وإن المخالفة إنما كانت من جهة الاستكبار حيث قال أنا خير منه وهذا يتم إذا كان الامر للندب أيضا ففيه أن الاستكبار من إبليس لعنه الله ليس على الله بل على آدمعليه‌السلام فيرجع بالنسبة إلى الله إلى محض المخالفة التبعية الغير المقصودة بالذات المتولدة من المخالفة الحاصلة من الحمية والعصبية وهذه شئ ربما يعد من تبعها نفسه في عداد المقصرين فافهم و منها قوله تعالى وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ذمهم سبحانه على مخالفة الامر وإحتمال كون الذم على ترك الامر مشاقة تكذيبا خلاف الظاهر وقوله تعالى بعد ذلك ويل يومئذ إلخ لا يدل على ذلك لجواز ذمهم على الجهتين إن كانوا المكذبين وإختصاص الذم بهم والويل للمكذبين إن كانوا غيرهم وإحتمال ثبوت القرينة على الوجوب ينفيه الاصل واحتج من قال بكونها حقيقة في الندب بما مر في القانون السابق وبقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم فإن الرد إلى مشيتنا يفيد الندب وفيه أن الاستطاعة غير المشية بل لعل ذلك يفيد الوجوب مع أن بيان المعنى يشعر بعدم كونها حقيقة في الندب وإلا لما احتاج إلى البيان ولو سلم جميع ذلك فإنما يدل على أن أمر الشارع كذلك لا أن الامر في اللغة كذا و الكلام في عدم دلالته على حكم الصيغة نظير ما مر حجة القول بكونها حقيقة في الطلب مضافا إلى ما مر في أوائل القانون مع جوابه أن الحقيقة الواحدة خير من الاشتراك والمجاز لو قيل بوضعها لكل منهما عليحدة أو لاحدهما فقط وجوابه أن المصير إلى المجاز في الندب لدلالة الدليل الذي قدمناه وأنه

٥٤

خير من الاشتراك بينه وبين الوجوب مع أن المجاز لازم على ما ذكروا أيضا إذا استعمل في كل من المعنيين بقيد الخصوصية مع أن لزوم المجاز حينئذ أكثر لان المجاز على المختار مختص بالندب إلا أن يقال بالتساوي من جهة الاستعمال في عموم المجاز على المختار أيضا وهو مجاز شايع لا شذوذ له كما توهمه صاحب المعالم حجة الاشتراك اللفظي بينهما لغة الاستعمال فيهما والاصل فيه الحقيقة وقد عرفت أن الاستعمال أعم منها ونحن قد دللنا على كونها حقيقة في الوجوب فقط وحجة الدلالة على الوجوب شرعا إحتجاج بعض الصحابة على بعض في المسائل بالاوامر المطلقة من غير نكير وإجماع الامامية على ذلك والاول مدفوع بأن الظاهر أن إستدلالاتهم من جهة دلالته لغة والاصل عدم طرو وضع جديد والاجماع لو سلم فلا ينفي كونها حقيقة فيه في اللغة أيضا وقد يستدل على ذلك ببعض الآيات والاخبار مثل قوله تعالى ومن يعص الله ورسوله فأن له نار جهنم فإن إمتثال الامر طاعة وترك الطاعة عصيان وفيه منع كلية الكبرى مع أنه لم تم ذلك لتم في الدلالة عليه لغة أيضا ولا إختصاص لذلك بالشرع إذ الواجب ليس إلا ما يعد تاركه عاصيا ومثل قوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم مضافا إلى الآيات الدالة على مذمة من لم يطعهم مثل من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ومثل الاخبار الدالة على وجوب إطاعة الائمةعليهم‌السلام وإن إطاعتهم مفترضة وهي كثيرة وفيه أن الطاعة هو الانقياد للامر والاذعان بمايحكم إن واجبا فواجب وإن ندبا فندب والحاصل أنا لا نسلم دلالة هذه الايات والاخبار إلا على عدم جواز المخالفة وهولا يستلزم إيجاب جميع ما طلبوا بصيغة إفعل وما في معناها مع أن الظاهر أن المراد من الاخبار أنهمعليهم‌السلام أحق بالاتباع من الجبت و الطاغوت وأشياعهما كما قيل والاتباع أعم من المدعى كما لا يخفى حجة التوقف عدم ثبوت كونها حقيقة في شئ لان الطريق منحصر في النقل والآحاد منه لا يفيد العلم والمتواتر منه مفقود لان العادة تقضي بالاطلاع لمن يبحث ويجتهد وليس فليس والجواب منع إشتراط العلم أولا بل يكفي الظن ومنع الانحصار ثانيا لثبوته بما ذكرنا من الادلة ويظهر حجة الباقين بملاحظة ما ذكرنا وكذا جوابه تنبيه قال في المعالم يستفاد من تتبع تضاعيف أحاديثنا المروية عن الائمةعليهم‌السلام إن إستعمال صيغة الامر في الندب كان شايعا في عرفهم بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي إحتمالها من اللفظ لاحتمال الحقيقة عند إنتفاء المرجح الخارجي فيشكل التعلق في إثبات وجوب أمر بمجرد ورود الامر به عنهم وتبعه بعض من تأخر عنه كصاحب الذخيرة ويرد عليه أن هذا إنما يصح إذا ثبت إستعمالهم في الندب بلا قرينة حالية أو لفظية ونفهم إرادة الندب من دليل آخر ولم يثبت وأيضا قد عرفت أن المجاز

٥٥

الراجح رجحانه إنما هو مع قطع النظر عن الوضع وأما معه فمساواته مع الحقيقة إلا إذا غلب في المجاز بحيث يصير وضعا جديدا فيصير حقيقة في المعنى الثاني وأنى له بإثباته فيما نحن فيه مع أنه لم يدعه أيضا والحاصل أن مجرد كثرة الاستعمال في المعنى المجازي لا يوجب الخروج عن الحقيقة وإن كان الاستعمال في غاية الكثرة بل وأكثر من إستعماله في الحقيقة بكثير ألا ترى أن الالفاظ التي أدعوا صيرورتها حقايق شرعية في المعاني الشرعية إستعمالها في المعاني الشرعية أكثر من اللغوية ومع ذلك يحملها المنكرون عند التجرد عن القرينة على المعاني اللغوية وهورحمه‌الله منهم وكذلك العام مع أنه بلغ في التخصيص إلى أن قيل ما من عام إلا وقد خص وأيضا تلك الكثرة إنما حصلت بملاحظة مجموع روايات مجموع الرواة عن مجموع الائمة عليهم الصلاة والسلام والذي يضر على سبيل التسليم هو الكثرة بالنسبة إلى كل واحد واحد فافهم قانون إذا وقع الامر عقيب الحظر أو في مقام ظنه أو وهمه فاختلف القائلون بدلالته على الوجوب في كونه حقيقة في الوجوب أو مجازا في الندب أو الاباحة او التوقف او تابعيتها لما قبل الحظر اذا علق الامر بزوال علة عروض النهي والاقوى كونه للاباحة بمعنى الرخصة في الفعل ويلزمه بينا رفع المنع السابق للتبادر بمعنى أرجحيته في النظر من الوجوب إذ مانقدم من تقدم الحقيقة على المجاز إتفاقا إنما هو إذا دار الامر بين المعنى الحقيقي والمجازي إذا خلا المقام عن قرينة مرجحة لاحدهما واما مع القرينة الموجبة للجزم بإرادة المجاز فيقدم المجاز إتفاقا وكذا مع إفادتها الظن به مع كون أصل الحقيقة في النظر أيضا فالمقصود أن ملاحظة المقام والالتفات إلى هذه القرينة أعني وقوع الصيغة عقيب الحظر يوجب تقديم إرادة المعنى المجازي وهو الاباحة على الحقيقي فيدور ترجيح المعنى الحقيقي أو المجازي مع القرينة على حصول الترجيح والظهور ولما كان قرينة الشهرة ليست من قبيل القرائن الاخر وكانت منضبطة أفردوا الكلام فيها في باب تعارض الاحوال وإلا فالدوران والتعارض حاصل في جميع القرائن لكنها غير منضبطة فالترجيح فيها يتفاوت بالنسبة إلى تفاوت الناظرين وبالنسبة إلى المقامات فاضبط ذلك ويدل على ذلك أيضا تتبع موارد الاستعمال فإنك لو تتبعتها وتأملتها بعين الانصاف تجد ما ذكرنا ولو بقي لك شك في موضع فألحقه بالغالب لان الظن يلحق الشئ بالاعم الاغلب وهذه قاعدة نفيسة مبرهن عليها بالعقل والعرف والشرع قد حرم عن فوايدها من لم يصل إلى حقيقتها وقد أشرنا إليه سابقا أن بعضهم لاحظ مثل قول المولى لعبده أخرج من المحبس إلى المكتب ومثل قوله تعالى فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله وأمر الحائض والنفساء بالصلاة والصوم بعد رفع

٥٦

المانع وقال بالوجوب مضافا إلى أن المقتضي وهو الادلة على دلالتها على الوجوب موجود والمانع منه مفقود لان الاباحة لا تنافي الوجوب وفيه أنا نقول أن المراد من الامر هنا مجرد رفع الحظر لما ذكرنا فلا دلالة فيها على أزيد من ذلك وأما عدم منافاته لثبوت الوجوب فهم مسلم لكن الوجوب ليس من جهة هذا الامر فالمانع عن الدلالة من جهة هذا الامر موجود وأكثرهم قد قرروا هذا الدليل على نهج آخر أضعف وهو أن المقتضي موجود أعني صيغة الامر لما تقدم من الادلة والمانع لا يصلح للمانعية وهو ما ذكره الخصم من أن الوجوب ضد للحظر ولا يجوز الانتقال منه إليه لان الاباحة أيضا ضد له أقول بل المانع هو قرينة المقام كما بينا ودلالة الادلة على دلالة مطلق الصيغة على الوجوب لا تنافي عدم دلالتها عليه في خصوص موضع بإعتبار القرينة كما في سائر المجازات وأما المثال المذكور والآيات المذكورة فالجواب عنها أن محل النزاع هو ما إذا حظر عن شئ تحريما أو تنزيها ثم أمر به من دون إكتنافه بشئ آخر يخرجه عن حقيقة الجنسية أو النوعية والمراد من قولنا أن ما ورد الامر به حينئذ ليس واجبا بل إنما هو أمر مرخص فيه أن الوجوب لا يراد من هذا الامر من حيث هو هذا الامر ولا نمنع من ثبوت الوجوب من موضع آخر فحينئذ نقول مثل قول المولى للعبد بعدنهيه عن الخروج عن المحبس اخرج إلى المكتب خارج عن موضع النزاع فإن الامر ليس بعين ما نهى عنه بل المحظور خروجه من المحبس من حيث هو خروج عن المحبس و المأمور به هو خروجه ذاهبا إلى المكتب ولا يضر هذا بدلالة الامر على الوجوب وأما قوله تعالى فاقتلوا المشركين فهو لرفع الحظر لا غير والوجوب إنما هو لثبوته قبل الحظر وعدم حصول النسخ فيرجع إلى الحكم السابق وهذا ليس من دلالة اقتلوا على الوجوب في شئ وكذلك ترخيص الحائض والنفساء ووجوب الحلق بعد النهي عنه أيضا ثابت بدليل خارجي لانه أيضا من النسك ولعلك بالتأمل فيما ذكرنا تقدر على إستخراج أدلة القائلين بالتابعية لما قبله والتوقف والجواب عنها وأما القائل بالندب فلعله نظر إلى أن الندب أقرب المجازات للوجوب فإذا إنتفى الدلالة عليه ببعض ما ذكر فيحمل عليه وأنت بعد ملاحظة ما ذكرنا تقدر على إبطال ذلك أيضا وأما توهم إختصاص كونها حقيقة في الاباحة في عرف الشارع فهو ضعيف لعدم الفرق بينه وبين العرف العام قانون المشهور أن صيغة إفعل لا تدل إلا على طلب الماهية وقيل تدل على التكرار مدة العمر ان أمكن عقلا وشرعا ويكون تركه اثما وقيل على المرة ويظهر من بعضهم أن مراد القائلين بالمرة هو الدلالة على المهية المقيدة بالوحدة لا بشرط التكرار ولا عدمه فالزايد على المرة لا يكون إمتثالا ولا مخالفة ومن بعضهم دلالتها على عدم التكرار فتكون الزيادة إثما والقائلون بالماهية أيضا بين مصرح بحصول

٥٧

الامتثال لو اتى به ثانيا وثالثا وهكذا فلا إثم على ترك الزيادة على المرة ويحصل الثواب بفعل الزايد وبين قائل بأن الامتثال إنما يحصل بالمرة ولا معنى للامتثال عقيب الامتثال وحينئذ فيمكن أن يكون من قبيل الاحتمال الاول في المرة فلم يكن عقاب كما لم يكن ثواب فينتفي ثمرة النزاع بينهما ويمكن أن يكون من قبيل الاحتمال الثاني فيها فينتفي ثمرة النزاع بينهما أيضا وما ذكرنا من الاحتمالين ينشأ من القول بكون ما لم يرد عليه من الشارع دليل تشريعا حراما كما هو المشهور المحقق وعدمه والحق هو الاول وعلى هذا فلا يظهر بين القولين في المرة أيضا ثمرة والاقرب عندي أنها لا تدل إلا على طلب الماهية وإن الامتثال إنما يحصل بالمرة الاولى لان الامر يقتضي الاجزاء والاتيان به ثانيا وثالثا تشريع محرم لكون أحكام الشرع توقيفية موقوفة على التوظيف لنا أن الاوامر وسائر المشتقات مأخوذة من المصادر الخالية عن اللام والتنوين وهي حقيقة في الطبيعة لا بشرط شئ إتفاقا كما صرح به السكاكي وما قيل من أن إسم الجنس موضوع للماهية مع قيد الوحدة المطلقة فإنما يسلم إذا كان مع التنوين والوحدة والتكرار مثل سائر صفات الطبيعة قيود خارجة عنها فلا دلالة لللفظ الدال على الطبيعة الكلية على شئ من قيودها لان العام لا يدل على الخاص والهيئة العارضة لهذه المادة لا تفيد أزيد من طلبها بحكم العرف والتبادر بعنوان الايجاب والالزام كما مر والاصل عدم إرادة شئ آخر معها فما قيل من أن المادة إن لم تدل على القيد فالهيئة تدل عليه في معرض المنع ومقايسة القائلين بالتكرار الامر بالنهي بجامع الطلب باطل لانه في اللغة ومع الفارق لان نفي الحقيقة كما هو مدلول النهي يقتضي إستغراق الاوقاف كما سيجئ بخلاف إيجادها والتروك تجامع كل فعل بخلاف تكرار المأمور به وقولهم بأنه لو لم يكن الدلالة على التكرار لما تكرر الصوم والصلاة مع أنه معارض بالحج مدفوع بأنه من دليل خارج كما توضحه كيفية التكرار المقررة وإحتجاجهم بأن الامر يستلزم النهي عن الضد والنهي يفيد دوام الترك ويلزمه دوام فعل المأمور به فيه منع الاستلزام أولا إن أريد الخاص كما سيجئ ومنع إستلزام دوام الترك دوام الفعل ثانيا وفي ضدين لا ثالث لهما كالحركة والسكون لعدم إستحالة إرتفاع الضدين مطلقا فلا يتم الاطلاق ومنع دلالة النهي على التكرار مطلقا ثالثا كما سيجئ ومنع دلالة خصوص النهي الذي في ضمن الامر على الدوام دائما بل إنما هو تابع للامران دائما فدائما وإن في وقت ففي وقت وإن أريد من الضد العام أعني الترك فيسقط المنعان الاولان ويجئ عليه الباقي وإحتجاج القائل بالمرة بإمتثال العبد عرفا لو أمره السيد بدخوله الدال فدخل مرة مردود بأن ذلك لعله من جهة الاتيان بالطبيعة كما ذكرنا لا لان الامر ظاهر في المرة واعلم أن ما ذكرنا من حصول الثمرة وعدمها فيما بين

٥٨

القول بالمرة والماهية إنما هو في الاتيان بالافراد متعاقبة وأما لو أوجد أفرادا متعددة في آن واحد مثل أن يقول المأمور بالعتق لعبيده المتعددة أنتم أحرار لوجه الله فقيل على القول بالمهية يحصل الامتثال بالجميع وأما على القول بالمرة فاما على القول الثاني فيها فيبنى ذلك على جواز إجتماع الامر والنهي مع إختلاف الجهة فإن قلنا بجوازه كما هو الاصح فيستخرج المطلق بالقرعة لو احتيج إلى التعيين ويكون غيره معصية فإن الظاهر أن المراد بالمرة هو الفرد الواحد لا مجرد كونه في الزمان الواحد وإن لم نقل بجوازه فلا يحصل الامتثال أصلا وأما على القول الاول فلا إثم ويستخرج المطلوب بالقرعة أيضا هذا وقد ذكرنا أن الاقوى بالنظر إلى هذا القول أيضا حصول الاثم بقي الكلام في قول من يصرح بحصول الامتثال بالاتيان ثانيا وهكذا مع قوله بالماهية كصاحب المعالمرحمه‌الله والتحقيق أنه إن أراد حصول الامتثال في الجملة أي ولو في ضمن المرة الاولى فحسن وإلا فنقول أنه لامعنى للامتثال عقيب الامتثال فإن الامتثال قد حصل بالاولى جزما وما يتوهم أنه يكون من باب الواجب المخير بين الواحد والاثنين والازيد ففيه أنه إن أريد التنجيز المستفاد من العقل في الواجبات العينينة فإن الكلي المكلف به عينا لا يمكن الاتيان به إلا بإتيان الافراد فيكون الافراد من باب مقدمة الواجب والعقل يحكم بجواز الاتيان بأي فرد يتحقق في ضمنه الكلي فلا ريب أنه مع ذلك يوجب الاتيان بالمرة الاولى سقوط الواجب عن ذمة المكلف فلا يبقى بعد واجب حتى يمكن الاتيان بمقدمته فضلا عن الوجوب وإن أريد التخييز المستفاد من النقل المدلول عليه بهذا الامر ففيه منع ظاهر مع أنه لا معنى للتخيير بين فعل الواجب وتركه وليس هذا من باب التخيير بين القصر والاتمام في الاماكن الاربعة فإنهما حقيقتان مختلفتان ولو بالقصد والنية وجعل الشارع بخلاف ما نحن فيه بل ليس من قبيل التسبيحة والثلث في الركوع والسجود والركعة فإذا عرفت هذا فيرد على هذا القائل أيضا أنه إن كان يقول بإتصاف المرة الثانية والثالثة وهكذا بالوجوب فهو قول بالتكرار وان كان يقول بالندب فمع أنه قول جديد مستلزم لاستعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي على القول بكون الصيغة حقيقة في الوجوب وأنت بعد التأمل فيما ذكرنا من التحقيق تعرف أنه لا يتم ما نقلناه آنفا من القول بحصول الامتثال في الجميع على القول بالماهية في صورة الاتيان بالافراد مجتمعة أيضا وكذلك تتمة ما نقلناه من البناء على إجتماع الامر والنهي على القول الثاني في المرة وغيره فتأمل حتى يظهر لك حقيقة الامر تذنيب الامر المعلق على شرط أو صفة يتكرر بتكرر الشرط والصفة عند القائلين بدلالته على التكرار قولا واحدا لوجود المقتضي عدم المانع غاية الامر

٥٩

تقليل التكرار بالنسبة إلى الامر المطلق وأما غيرهم فذهبوا إلى أقوال ثالثها دلالته عليه مع فهم العلية يعني كون الشرط أو الوصف علة فيكون من باب المنصوص العلة والسيد المرتضىرحمه‌الله هنا أيضا من المانعين مطلقا لعدم إعتباره المنصوص العلة مطلقا وسيجئ إنشاء الله تعالى أن الحق حجيتها فالاقرب إذا التفصيل وتحرير المقام إن كل ما دل على العموم من أدوات الشرط مثل كلما ومهما ونحوهما فلا ينبغي التأمل في تكرر الام بتكرر الشرط وأما ما لم يدل على العموم مثل إن وإذا فلا يفيد التكرار أصلا إلا أن يقال بحملها على العموم لوقوعها في كلام الحكيم وكون الشرط لغوا لولاه وأما الصفة فهي أيضا لما لم تدل على العلية على ما هو التحقيق كما سيجئ إنشاء الله تعالى بل فيها إشعار بالعلية والمعتبر هو العلة الثابتة كما صرحوا به فلا إعتبار بها أيضا وأما إذا فهم العلية الثابتة بمعونة الخارج فيفيد العموم و التكرار بتكرر العلة سواء كان في الشرط أو الصفة مثل الزانية والزاني فاجلدوا وإن زنى فاجلدوا ونحوهما واحتج القائلون بالتكرار مطلقا بالاستقراء فإن قوله تعالى وإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن لم تجدوا ماء فتيمموا والزانية والزاني فاجلدوا والسارق والسارقة فاقطعوا إلى غير ذلك من الآيات والاخبار يتكرر الامر فيها بتكرر الشرط فكذا فيما يحصل الشك إلحاقا بالغالب وفيه أن حمله على التكرار فيما ذكر انما هو لاجل فهم العلية وهو مسلم عندنا واحتج النافي بمثل إن دخلت السوق فاشتر اللحم أو أعط هذا درهما إن دخل الدار فلا يفهم منه التكرار وفيه أن ذلك لعدم فهم العلية وذلك لا يستلزم الاطراد وقيل أن ذلك للقرينة فإن من قال لعبده إذا شبعت فاحمد الله فهم منه التكرار وهو مقلوب عليه بل ذلك أيضا لفهم الغلبة قانون لا دلالة لصيغة الامر على وجوب الفور كما ذهب إليه جماعة وليست مشتركة بينه وبين جواز التراخي كما ذهب إليه الشهيدرحمه‌الله بل هي لطلب الماهية وأيهما حصل حصل الامتثال كما ذهب إليه جماعة من المحققين وأما القول بتعيين التراخي فلم نقف على مصرح به لنا نظير ما مر في القانون السابق وإستدلال القائلين بالفور بمذمة العبد إذا أخر في السقي عند قول مولاه اسقني مدفوع بأنه للقرينة ولا نزاع فيه مثل إستدلالهم بذم إبليس لعنه الله على تركه السجود بقوله تعالى ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك مع إمكان أن يعتذر بعدم دلالة الامر على الفور لان الفاء في قوله فقعوا يفيد التوقيت فلم يثبت دلالتها على الفور وإن الذم لعله من جهة الاستكبار وأيضا ينافيه قوله خلقتني من نار وخلقته من طين لانه كاشف عن الاعراض اولا وأما إستدلالهم بأنه لو جازالتأخير لجاز إلى وقت معين وإلا لزم أن يجوز إلى آخر وقت الامكان وهو مجهول وتكليف المكلف بعدم التأخير عن وقت

٦٠