واقع التقيّة عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية

واقع التقيّة عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية25%

واقع التقيّة عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 236

  • البداية
  • السابق
  • 236 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25728 / تحميل: 4783
الحجم الحجم الحجم
واقع التقيّة عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية

واقع التقيّة عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

والمستفاد من خبر الحسين بن أبي حمزة الثمالي ثابت بن دينار عند ما قصد زيارة الحسين (عليه السّلام) قادماً من الكوفة لأواخر عهد الدولة الاُمويّة ذكر باب الحائر وكرّر لفظه، بينما ابن اُخته الحسين اقتصر على ذكر القبر دون إيراد لفظ الباب(1) .

ومن الممكن إن لم يكن يقصد بالباب حدود حومة الحائر وجود بناء على سبيل الإجمال على التربة الطاهرة، وكلاهما يصرّخان إنّهما كانا على خوف ووجل من القتل، وصرح ابن الثمالي بوجود المسلحة المطوّقة للحفرة الطاهرة من الجند الاُموي للحيلولة دون مَنْ يؤم قصده.

كان لحركة الشيعة في استعراضهم لجند الشام بعين الوردة بزعامة سليمان بن صرد الخزاعي واستماتتهم بطلب ثأر الحسين (عليه السّلام)، وإعادتهم الكرّة تحت لواء إبراهيم الأشتر، واستقصائهم للجندي الاُموي مع زعيمهم ابن زياد، مستهونين غير محتفين بكلّ ما سامهم معاوية من خطوب وخسف، وما أذاقهم من مرّ العذاب وصنوف التنكيل بغارات بسر بن أرطأة، وصلب وقتل وسمل في ولاية زياد بن أبيه وسمرة بن جندب وابن زياد، ممّا خلف أثراً عميقاً سيئاً في نفوس آل مروان ودويّاً هائلاً.

فبعد أن تسنّى لعبد الملك بن مروان وصل حلقات فترة الحكم الذي دهم دور حكم آل أمية بموت يزيد بإقصائه آل الزبير عن منصّة الحكم والإمرة، أراد أن يستأصل الثورة من جذورها؛ لذلك اتّبع سياسة القسوة والشدّة تجاه أهل العراق، وضغط ما لا مزيد عليه لمستزيد، خصوصاً في ولاية الحجاج بن يوسف.

ونهج خلفاؤه عين خططه دون أيّ شذوذ مع تصلّب بالغ؛ كابن هبيرة،

____________________

(1) يقول في خبر طويل بعد أن نزل الغاضرية وقد أدركه الليل، وهدأت العيون ونامت، أقبل بعد أن اغتسل يريد القبر الشريف يقول: حتّى إذا كنت على باب الحير... وساق في خبره وقد كرّر لفظ الباب حيث يقول بعد ذلك: فلمّا انتهيت إلى باب الحائر... (إقبال الأعمال - لابن طاووس / 28)، ومجلد المزار من بحار الأنوار 22 / 120.

٦١

وخالد بن عبد الله القسري، ويوسف بن عمر.

فترى ممّا تقدّم أنّ من المستحيل إفساحهم المجال بأن يُشيّد بناء على قبر الحسين (عليه السّلام)، ويكون موضعاً للتعظيم والتقدير؛ ممّا يتنافى وسياستهم المبنية على الكراهية لآل البيت (عليهم السّلام) والتنكيل بشيعتهم.

وإن سلّمنا بتحقق خبر الحسين بن أبي حمزة الثمالي على سبيل استدراك الورود لفظ الباب، من الممكن أن نقول: أي وجود بناء في الفترة بين سنة أربع وستين لإحدى وسبعين، ونلتزم بتغاضي المروانيين من التعرّض لهم، وبقائه ليوم ورود الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي لزيارة الضريح الأقدس.

وورد خبر لا يوثق به ولا يعوّل عليه من أنّ المختار بن أبي عبيدة الثقفي بنى على القبر الشريف وأقام حوله قرية(2) .

وقيل: إنّ سكينة بنت الحسين (عليه السّلام) أقامت بناء على الرمس الأقدس أمد اقترانها بمصعب في ولايته للكوفة، ففي أمد الفترة لسنة ست وستين عندما أمَّ التوّابون (عند مسيرهم للتلاقي مع جند عين الوردة) التربة الزاكية، وازدحموا على القبر

____________________

(1) جاء في مزار بحار الأنوار - للمولى محمّد باقر المجلسي / 120 ما نصه: (عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي قال: خرجت في آخر زمان بني مروان إلى قبر الحسين (عليه السّلام) مستخفياً من أهل الشام حتّى انتهيت إلى كربلاء، فاختفيت في ناحية القرية، حتّى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحو القبر، فلمّا دنوت منه... حتّى كاد يطلع الفجر أقبلت... فقلت له عافاك الله، وأنا أخاف أن أصبح فيقتلوني أهل الشام إن أدركوني ها هنا... وصلّيت الصبح وأقبلت مسرعاً مخافة أهل الشام.

(2) ذكر هذا القبر صاحب كنز المصائب دون إسناد، وفضلاً عن ذلك فإنّ هذا الكتاب لا يُعتمد عليه كثيراً؛ لِما حُشي متنه من الأخبار الغير واردة.

وقد ذكر هذا الخبر عند سرده لما دار بين المختار ومصعب بن الزبير، وعدد المواقع التي دارت بينهم والتي انتصر في جميعها المختار، =

٦٢

كازدحام الناس على الحجر الأسود(1) .

لم يكن حينذاك ما يظلل قبره الشريف أيّ ساتر، واستقصوا أمد البقية من الفترة، المختار بن أبي عبيدة الثقفي، ومصعب، وابن أخيه حمزة؛ فالأخبار الواردة في زيارة الحسين (عليه السّلام) عن السجّاد علي، والباقر(2) محمّد بن علي (عليه السّلام) (لكونهما قضيا حياتهما في الدولة المروانية) يشفان عن خوف ووجل.

وممّا يؤيد وجود بناء بسيط (بل له بعض الشأن) على القبر الشريف في زمن ورود الحسين ابن بنت أبي حمزة للزيارة، ما جاء من الألفاظ في الزيارات الواردة عن الصادق (سلام الله عليه) لجدّه الحسين (عليه السّلام)(3) ، حيث يقول في خبر: «... بعد الغسل بحيال قبره الشريف في الفرات، فتتوجه إلى القبر حتّى تدخل الحير من جانبه الشرقي، وتقول:...، ثمّ إذا استقبلت القبر...، ثمّ اجلس عند رأسه الشريف...، ثمّ تحوّل عند رجليه...، ثمّ تحوّل عند رأس علي بن الحسين...، ثمّ تأتي قبور الشهداء»(4) .

وفي خبر المفضل بن عمر عن الصادق (سلام الله عليه): «إذا أتيت باب الحير

____________________

= وهزيمة مصعب، إلى أن تمكّن مصعب من المختار آخر الأمر.

وإذ لم ترد مثل هذه الأخبار في الكتب التأريخية - والمعروف بل المحقّق أنّه لم يكن بين المختار ومصعب من مواقف سوى ما كان بالمذار، ثمّ تحصّن المختار بقصر إمارة الكوفة إلى أن قُتل -؛ لذا قلّ الاعتماد على ما ورد في هذا الكتاب من قيام المختار بتشييد قبر الحسين (عليه السّلام)، وإن كان المحلّ مناسب لإعطاء مثل هذه النسبة له.

كيف لا وقد قام المختار بأخذ ثأر الحسين (عليه السّلام)، وقتل قاتليه وصلبهم، وأحرق بعضهم بالنار؟ فلا يبعد من أن يقوم بتشييد قبره الشريف، إلاّ أنّنا نحكم بوقوع مثل هذا الأمر وجداناً لا استناداً على ما ورد في هذا الكتاب؛ للأسباب السالفة.

(1) تاريخ الطبري 7 / 70، وكان ذلك سنة 65 هـ.

(2) مجلد المزار 22 / 110.

(3) فقد توفي الصادق (عليه السّلام) سنة 148، والثمالي توفي في زمن المنصور.

(4) مجلد المزار / 145.

٦٣

فكبر الله أربعاً، وقل:...»(1) .

وفي خبر ابن مروان عن الثمالي عند آخر فصول الزيارة يقول: ثمّ تخرج من السقيفة وتقف بحذاء قبور الشهداء وتومئ إليهم، وتقول:...(2) .

وفي خبر صفوان الجمّال عن الصادق (عليه السّلام) يقول: «فإذا أتيت باب الحائر فقف... وقل:... ثمّ تأتي باب القبة وقف من حيث يلي الرأس، وقل:...، ثمّ اخرج من الباب الذي عند رجلي علي بن الحسين (عليه السّلام) وقل:...، ثمّ توجه إلى الشهداء وقل:...»(3) .

وفي خبر آخر عن صفوان يقول: «فإذا أتيت الباب فقف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر وقل:...، ثمّ ادخل رجلك اليمنى القبر وأخّر اليسرى، ثم ادخل الحائر وقم بحذائه وقل:...»(4) . وهذا ما يدلّك على أنّ له باباً شرقيّاً وغربيّاً.

فخلاصة القول: إنّ المستفاد من هذه الزيارات هو وجود بناء ذو شأن على قبره في عصر الصادق (سلام الله عليه).

ومع هذا فقد كان الاُمويّون يقيمون على قبره المسالح لمنع الوافدين إليه من زيارته، ولم يزل القبر بعد سقوط بني اُميّة وهو بعيد عن كلّ انتهاك؛ وذلك لانشغال الخلفاء العباسيِّين بإدارة شؤون الملك، ولظهورهم بادئ الأمر مظهر القائم بإرجاع سلطة الهاشميِّين، وهو غير خفي أنّ القائمين بالدعوة كانوا من أهل خراسان، وأكثر هؤلاء إن لم نقل كلّهم كانوا من أنصار آل البيت (عليهم السّلام).

ولمّا رسخت قدم العباسيِّين في البلاد، وقمعوا الثورات جاهروا بمعاداة شيعة علي (عليه السّلام)، ولكنّها كانت خفيفة الوطأة أيام السفّاح، فتوارد الزائرون

____________________

(1) المصدر نفسه / 148.

(2) المصدر نفسه / 105.

(3) المصدر نفسه / 159.

(4) المصدر نفسه / 179.

٦٤

لقبر الحسين (عليه السّلام) من شيعته عند سنوح هذه الفرصة جهاراً، واشتدّت الوطأة أيام المنصور بوقيعته بوجوه آل الحسن(1) ، وخفّت ثانية في أيام المهدي والهادي.

فلمّا كانت أيام الرشيد(2) ، وكانت قد استقرّت الأوضاع، وثبتت دعائم الحكم، وقضت على ثورات العلويِّين بما دبّرته من طرق الغدر والخيانة، فأرغمت أنوفهم الحمية، وأخمدت نفوسهم الطاهرة، فأرادت القضاء عليهم في محو قبور أسلافهم، فسلكوا سلوك بني اُميّة؛ إذ أمر الرشيد بهدم قبره الشريف ومحو أثره، فأخذت الشيعة الوسائط بالاهتداء إلى تعيين موضع القبر، وتعيين محلّ الحفرة منها السدرة، فبلغ الرشيد ذلك فأمر بقطعها(3) ، ثمّ وضع المسالح على حدوده إلى أن انتقل إلى طوس ومات فيها.

فلم يتتبع الأمين ذلك لِما كان منشغلاً باللهو والطرب وصنوف المجون والبذل، فاغتنموا الحال وبادروا إلى تشييد قبره الشريف، وقد اتخذوا عليه بناءً عالياً.

ولمّا جاء دور المأمون وتمكّن من سرير الخلافة تنفس الشيعة الصعداء، واستنشقوا ريح الحرية، ولم يتعرّض لذلك، وكان المأمون يتظاهر بحبّه لآل البيت (عليهم السّلام) حبّاً جمّاً حتّى إنّه استعاض بلبس السواد - وهو شعار العباسيِّين - بلبس الخضرة - وهو شعار العلويِّين -، وأوصى بالخلافة من بعده لعلي الرضا

____________________

(1) مروج الذهب - للمسعودي 2 / 171.

(2) الظاهر إنّ الرشيد لم يتعرّض لقبر الحسين (عليه السّلام) إلاّ في اُخريات أيامه، ولعل سبب ذلك غضبه ممّا كان يشاهد من إقبال الناس لزيارة الحسين (عليه السّلام) وتعظيمه والسكنى بجواره، وكان قبل ذلك يجري ما أجرته أمّ موسى من الأموال على الذين يخدمون قبر الحسين في الحير. انظر الطبري 10 / 118. (عادل)

(3) روى ذلك محمّد بن الحسن الطوسي في أماليه / 206 طبع إيران، بسنده إلى جرير بن عبد الحميد، وذكر أنّه عندما سمع جرير بالخبر رفع يديه قائلاً: الله أكبر! جاءنا فيه حديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: «لعن الله قاطع السدرة» ثلاثاً. فلم نقف على معناه حتّى الآن.

٦٥

ابن موسى الكاظم (عليه السّلام)، ولعل ذلك كيد منه، وكان هذا الوقوع بعد قتل أخيه الأمين، واسترضاء لمناصريه الخراسانيين.

وقد زعم البعض أنّه هو الذي شيّد قبره الشريف، وبنى عليه لهذه الفترة(1) ، وفي ورود أبي السرايا بن السري بن المنصور إلى قبر الحسين (عليه السّلام) أيام المأمون عام تسعة وتسعين بعد المئة حين قام ببيعة محمّد بن إبراهيم بن إسماعيل طباطبا بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط، دليل على تشييد قبر الحسين(2) بعد مضي الرشيد إلى طوس.

وبقي الحال على هذا المنوال والشيعة في حالة حسنة حتّى قام حول قبره الشريف سوقاً، واتخذت دوراً حوله، وأخذ الشيعة بالتوافد إلى قبره للسكنى بجواره، إلى أن كان من المغنّية الشهيرة التي قصدت من سامراء في شعبان زيارة قبره الشريف، وكانت تبعث بجواريها إلى المتوكّل قبل أن يلي الخلافة يغنين له إذا شرب، وقد بعث إليها بعد استخلافه فأخبر بغيبتها، فأسرعت بالرجوع عندما أبلغها الخبر بطلب المتوكّل لها، فبعثت إليه بجارية وكان يألفها، فقال لها: أين كنتم؟

قالت: خرجت مولاتي إلى الحج وأخرجتنا معها.

فقال: إلى أين حججتم في شعبان؟

قالت: إلى قبر الحسين (عليه السّلام).

فاستطير غضباً(3) ، وفيه من بغض آل أبي طالب ما هو غني عن البيان، فبعث بالديزج بعد أن استصفى أملاك المغنّية - وكان الديزج يهودياً قد أسلم - إلى قبر الحسين (عليه السّلام)، وأمره بحرث قبره الشريف ومحوه، وهدم كلّ ما حوله من الدور والأسواق، فمضى لذلك وعمل بما أمر به، وقد حرث نحو مئتي جريب من جهات القبر، فلمّا بلغ الحفرة لم يتقدّم

____________________

(1) نزهة الحرمين - للعلاّمة السيد حسن الصدر (مخطوط) نقلاً عن تسلية المجالس.

(2) انظر مقاتل الطالبيِّين - لأبي الفرج الإصبهاني / 341 ط النجف.

(3) المصدر نفسه / 386.

٦٦

إليه أحد، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه، وأجرى الماء عليه(1) ، فحار الماء عند حدود قبره الشريف(2) ، ثمّ وكّل به المسالح بين كلّ مسلحتين ميل، ولا يزوره أحد إلاّ وأخذوه ووجهوا به إلى المتوكّل(3) ، فحصل للشيعة من ذلك كرب عظيم لِما طرأ على قبره من الجور، ولم يعهد مثله إلى هذا الحد.

فضاق بمحمد بن الحسين الأشناني بعد طول عهده بالزيارة، فوطّن نفسه على المخاطر، وساعده رجل من العطّارين، فخرجا يمكثان النهار ويسيران الليل حتّى بلغا الغاضرية، وخرجا منها نصف الليل، فسارا بين مسلحتين وقد ناموا حتّى دنا من القبر الشريف، فخفى عليهما موضعه، فجعلا يتحرّيان موضع القبر حتّى أتياه وقد قُلع الصندوق الذي كان عليه واُحرق، وفي الموضع اللبن قد خُسف وصار الخندق، فزاراه وانكبّا عليه، وقد شمّا من القبر رائحة ما شمّا مثلها قطّ من الطيب.

فقال الأشناني للعطّار: أي رائحة هذه؟

فقال: والله ما شممت مثلها بشيء من العطر.

فودّعاه وجعلا حوله علامات في عدّة مواضع، وبعد قتل المتوكّل حضر مع بعض الطالبيِّين والشيعة فأخرجوا العلامات وأعادوا القبر إلى ما كان عليه أوّلاً.

وقد نالت الشيعة شيء من الحرية على عهد المنتصر، وكان هذا محبّاً لآل البيت (عليهم السّلام)، مقرّباً لهم، رافعاً مكانتهم، معظّماً قدرهم، ومن حسناته إليهم أنّه شيّد قبر الحسين (عليه السّلام)، ووضع ميلاً عالياً يرشد الناس إليه(4) ، وذلك في عام السابع والأربعين بعد المئتين.

ولم يُهدم بناء المنتصر ظلماً؛ لعدم تعرّض أخلافه له؛ لِما ظهر من الوهن في دولتهم، وانحلال أمرهم، وتسلّط الأتراك عليهم، وانشغالهم بأنفسهم.

وفي خلافة المسترشد ضاقت الأرض على رحبها على الشيعة؛ وذلك عندما أمر بأخذ جميع ما اجتمع من هدايا

____________________

(1) المصدر نفسه / 386.

(2) المصدر نفسه / 386.

(3) المصدر نفسه / 387.

(4) فرحة الغري - لعبد الكريم بن طاووس.

٦٧

الملوك والأمراء والوزراء والأشراف من وجوه الشيعة من الأموال والمجوهرات في خزانة الروضة المطهّرة، وأنفقه على العسكر، واعتذر بأنّ القبر لا يحتاج إلى الخزانة(1) ، إلاّ أنّه لم يتعرّض للبناء ولم يمسّه؛ لقصور يده، وضعف شأنه لا لشيء آخر.

وكان البناء الذي شيّد في عهد المنتصر قد سقط في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين ومئتين(2) ، فقام إلى تجديده محمّد بن زيد القائم بطبرستان في خلافة المعتضد بالله العباسي(3) لسنة ثلاث وثمانين ومئتين(4) ، وقد أخذ حال القبر الشريف منذ تشييد المنتصر إيّاه بالعروج إلى مدارج العمران يوماً بعد يوم حيث أمن الناس من إتيانه واتخاذ الدور عند رمسه.

وقد زار القبر عضد الدولة بن بويه سنة (370 هـ) بعد أن بالغ في تشييد الأبنية حول الضريح وزخرفتها(5) ، وكان آل بويه يناصرون الشيعة.

وقد استحفل التشيّع على عهدهم حتّى إنّ معزّ الدولة أمر سنة 352 بإقامة المآتم في عاشوراء، وكان ذلك أوّل مأتم أُقيم في بغداد.

____________________

(1) المناقب - لابن شهر آشوب، وكان ذلك سنة 511 هـ.

(2) فرحة الغري / 61.

(3) جاء في بحر الأنساب (العائد لخزانة المرحوم الشيخ عبد الحسين شيخ العراقيين الطهراني) عند ذكره لنسب المعتضد بالله العباسي بقوله: وأمر بعمارة مشهد الغري بالكوفة ومشهد كربلاء، وافتقد الخزائن بدار الخلافة، فأخرج منها ما وجده من نهب الواثق من مال مشهد الحسين بن علي (عليه السّلام) وأعاده إليه.

(4) فرحة الغري، وكان محمّد بن زيد هذا دائم التصدّق على العلويِّين في المشاهد؛ فقد بعث في خلافة المعتضد بالله اثنين وثلاثين ألف دينار لمحمد بن ورد ليفرّقها على العلويِّين. (انظر الكامل 6 / 80، والطبري 12 / 346).

(5) تسلية المجالس - لمحمد المجدي (بالفارسية)، طبع حجر.

٦٨

(وعندما عفا عضد الدولة عن عمران بن شاهين البطائحي بنى الرواق المشهور برواق عمران بن شاهين في المشهدين الشريفين الغروي والحائري (على مشرفهما السّلام»(1) .

وفي سنة سبع وأربعمئة هجـ احترق الحرم الشريف إثر اندلاع حريق عظيم كان سببه إشعال شمعتين كبيرتين سقطتا في الليل على التأزير واحترق، وتعدّت النار بعد الحرق القبة إلى الأروقة(2) ، فكان البناء على القبر الشريف بعد وقوع هذا الحريق ما وصفه الطنجي في رحلته، إلاّ أنّي لم أقف على خبر مَنْ شيّد هذا البناء، وفي أيّ تاريخ كان ذلك(3) ، ولعله كان قد تبقى شيء من البناء الذي

____________________

(1) فرحة الغري / 67.

(2) الكامل - لابن الأثير 9 / 110 ط ليدن، و7 / 295 من ط القاهرة، والمنتظم - لابن الجوزي 7 / 283، البداية - لابن كثير 12 / 4، والنجوم الزاهرة - لابن تغري بردى 4 / 241.

(3) ذكر كلّ من العلاّمة السيد حسن الصدر الكاظمي في نزهة الحرمين / 35، والعلامة السيد محسن الأمين العاملي في أعيان الشيعة 4 / 302، ومن أخذ عنهما، أنّ أبا محمّد الحسن بن الفضل بن سهلان وزير سلطان الدولة البويهي هو الذي جدّد بناء الحائر بعد وقوع هذا الحريق، لكن المصادر التي عوّلوا عليها لم تنسب إلى ابن سهلان هذا سوى بناء سور الحائر وليس تجديد بنائه، كما في المنتظم 7 / 283، والبداية والنهاية 12 / 16، ومجالس المؤمنين / 211، والنجوم الزاهرة 4 / 259.

هذا فضلاً عن أنّ ابن سهلان بدأ ببناء سور الحائر في سنة 400 هـ، أيّ قبل وقوع الحريق بسبعة أعوام، وهي نفس السنة التي أمر ببناء سور على مشهد أمير المؤمنين(عليه السّلام). (الكامل 7 / 249. ط القاهرة).

فقد ورد في المنتظم 7 / 246: وفي جمادى الأولى (سنة 400 هجـ) بدأ ببناء السور على المشهد بالحائر، وكان أبو محمّد الحسن بن الفضل بن سهلان قد زار هذا المشهد، وأحبّ أن يؤثر فيه مؤثراً، ثمّ ما نذر لأجله أن يعمل عليه سوراً حصيناً مانعاً؛ لكثرة مَنْ يطرق الموضع من العرب، وشرع في قضاء هذا النذر، ففعل وعمل السور، وأحكم وعرض، ونصبت عليه أبواب وثيقة وبعضها حديد، وتمّم وفرغ منه، وتحسّن المشهد به، وحسن الأثر فيه. (عادل).

٦٩

شيّده عضد الدولة، إلى أن شيّد عليه البناء الموجود اليوم على القبر الشريف، أو إنّه قد جدّده بعد الحريق أخلاف عضد الدولة؛ إذ كانت دولتهم قائمة عند وقوع الحريق.

هذا وكان إكمال بناء الحرم في سنة سبع وستين وسبعمئة، وقد أمر بتشييده السلطان أويس الإيلكاني، وأتمّه وأكمله ولده السلطان حسين(1) .

____________________

(1) زينة المجالس - لمحمد المجدي (مخطوط) باللغة الفارسية / 84، والمجدي من معاصري الشيخ البهائي، وقد صنّف كتابه هذا سنة 1004 هجـ، فقد جاء فيه: إلى أن أمر السلطان أويس الإيلكاني، وابنه السلطان حسين ببناء عمارة عالية.

وللسيد المؤلّف (عبد الحسين) ملاحظة مهمة في هذا الخصوص، خطر لي أن أثبتها هنا، يقول: ذكر سماحة السيد محسن الأمين العاملي في المجلد 3 / 593، من أعيان الشيعة، قال فضيلته عن آخر كتاب الأماقي في شرح الإيلاقي لعبد الرحمن العتايقي الحلّي المجاور بالنجف الأشرف، في نسخته المخطوطة في خزانة العلوية الذي تمّت كتابته في محرّم سنة 755 هجـ، قال: (في هذه السنة احترقت الحضرة الغروية (صلوات الله على مشرّفها)، وعادت العمارة وأحسن منها في سنة 760 سبعمئة وستون). انتهى.

أقول: هذا الحريق هو الذي ذكره ابن مهنا الداودي في العمدة / 5، ولكنّه لم يذكر اسم المجدّد للبناء الذي شيّد على الروضة المطهّرة الحيدرية، حيث المدّة تقارب زمن البناء الذي قام به السلطان أويس، وولده السلطان حسين الإيلكانية في سنة (767) على قبر الحسين (سلام الله عليه) الموجود اليوم على الروضة الطاهرة.

من المقتضي أن يكون السلطان حسين الإيلكاني هو منفرداً أقام البناء على الروضة الطاهرة الحيدرية، وبالخاصة لموقع قبورهم التي ظهرت في سنة الخامس عشر بعد الثلاثمئة والألف هـ وسط الصحن الشريف ما يلي باب الطوسي، أحد أبواب الصحن الشريف، في القسم الشمالي من الروضة الزاكية؛ إذ ظهر سرب فيه ثلاثة قبور على أحدهم في القاشاني مرقوم (توفي الشاهزاده الأعظم معزّ الدين عبد الواسع في 15 جمادى الأوّل سنة 790)، وعلى لوح القبر الثاني (هذا ضريح الطفل الصغير سلالة السلاطين الشاهزادة ابن الشيخ أويس (طاب ثراه). توفي يوم الأربعاء حادي عشر محرّم الحرام سنة إحدى وثلاثين وثمانمئة).

وعلى لوح القبر الثالث (هذا قبر الشاهزادة سلطان بايزيد (طاب ثراه). توفي في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين وثمانمئة هلالية)، وعلى قبر آخر (هذا قبر المرحومة السعيدة بايندة السلطان).

وقد ابتدأ حكم الأسرة الإيلكانية الجلائرية في بغداد وآذربايجان بعد موت أبي سعيد بن أولجياتو محمّد خدابنده بقليل بالشيخ حسن الكبير، تقريباً بين سنة تسع وثلاثين وسبعمئة، أو سنة الأربعون، وكانت وفاته سنة 757 هـ، ثمّ تلاه في الحكم ولده السلطان أويس سنة 757 هـ، وتوفي سنة 776 هـ، ثمّ تلاه ولده السلطان حسين من سنة 776 هـ، إلى أن توفي في سنة 784 هـ، ثمّ تلا السلطان حسين أخوه السلطان أحمد الجلائري ابن أويس، إلى أن قُتل في تبريز بين سنة ثلاث عشرة وثمانمئة وأربع عشرة، وبه تقريباً انتهت أيامهم.

٧٠

وكان تاريخ هذا البناء موجوداً فوق المحراب الذي موضعه اليوم الرخام المنعوت بنخل مريم(1) فيما يلي الرأس الشريف، وقد شاهد ذلك التأريخ بنفسه محمّد بن سليمان بن زوير السليماني، وذكره في كتابه المسمّى بـ (الكشكول).

وقد كان إنزال هذا التاريخ سنة السادس عشر بعد المئتين والألف (1216)، ومن موضعه، عند عمل المرايا والتزيينات للحرم الشريف بأمر محمّد علي خان القواينلو كما تشير إلى ذلك الكتابة

____________________

(1) جاء في كتاب (دلائل الدين) تأليف عبد الله ابن الحاج هادي ما ترجمته: روى عن السجّاد (عليه السّلام): أنّ الله تعالى ذكر في القرآن أنّ السيدة مريم (عليها السّلام) عندما أرادت أن تلد ابنها المسيح ابتعدت عن قومها، وذهبت إلى كربلاء - بصورة معجزة - بجنب نهر الفرات، وقد ولد المسيح قرب مكان ضريح الحسين (عليه السّلام)، وفي نفس الليلة عادت السيدة مريم إلى دمشق.

ومصداق هذا الخبر ما ورد عن الباقر (عليه السّلام) - على ما أتذكر - أنّ صخرة على مقربة من قبر الحسين نُصبت في الحائط قد أجمع ساكنوا هذا المقام على أنّ الرأس الشريف قد حزّ على هذه الصخرة، ويقولون أنّ المسيح قد ولد على نفس تلك الصخرة أيضاً.

٧١

الموجودة في أعلى الباب الثالث من أبواب الحرّم المقابل للشبكة المباركة: (واقفه محمّد علي خان القواينلو سنة 1216) هـ.

وكذلك هذا التأريخ موجود بعينه في الكُتيبة القرآنية داخل القبّة على الضريح المقدّس، وفي سنة 920 هـ أهدى الشاه إسماعيل الصفوي صندوقاً(1) إلى القبر الشريف،

____________________

(1) عندما دخل الشاه إسماعيل الصفوي الأوّل - مؤسس الدولة الصفوية في إيران والذي يرتقي نسبه إلى الإمام السابع موسى بن جعفر (عليه السّلام) - بغداد فاتحاً سنة 914 هـ كان همّه الأول هو التبرّك بزيارة أجداده الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام)، فقصد زيارة مرقد الحسين (عليه السّلام)، وعمل ثوباً حريرياً لقبره الشريف، وعلّق اثنى عشر قنديلاً من الذهب أطراف القبر، وفرش تلك الحضيرة القدسية بالبسط، وجلّله بأنواع الحرير والإستبرق، وبذل الأموال الكثيرة لللائذين بقبره الشريف، ثمّ خرج قاصداً النجف الأشرف. (وقد ترجم النص المتقدّم العلاّمة المؤلّف عن (حبيب السير) لخواند مير بالفارسية - مخطوط في 3 مجلدات في مكتبة المؤلّف سنة 1008 هـ).

وقد جاء أيضاً في (عالم آراى عباسي) لإسكندر منشي جـ 2 عن زيارة هذا الشاه ما ترجمته: توجه الشاه من بغداد إلى تربة كربلاء بعد إخلاص النيّة، وتشرّف بزيارة مرقد الحسين المنوّر وشهداء كربلاء، وقد زيّن الروضة وأنعم على المجاورين، ثمّ توجه من هناك إلى زيارة علي المرتضى (عليه السّلام) عن طريق الحلّة. راجع أيضاً فارسنامه ناصري 1 / 93.

وزار كربلاء أيضاً الشاه عباس الأول الصفوي، فقد جاء في فارسنامه ناصري ما ترجمته: غادر الشاه عباس الأول الصفوي أصفهان في سنة 1033 هجري متجهاً نحو بغداد، وفي غرّة ربيع الأوّل من نفس السنة دخل بغداد فاتحاً...، ثمّ توجه إلى النجف الأشرف في محرّم الحرام، وعلى بعد (30) كيلو متر ترجّل عن فرسه وخلع نعله، وأنعم على كافة سكنة النجف، وتوجه بعد ذلك مسروراً فرحاً إلى زيارة كربلاء وطاف بالبقعة الطاهرة، ثمّ أقفل راجعاً إلى بغداد وزار الإمامين الكاظمين وسامراء.

وفي ربيع هذه السنة أعاد الكرّة لزيارة كربلاء والنجف الأشرف، وقبل أعتاب هاتين الحضرتين أدّى لوازم الزيارة، وأهدى من الصناديق القيمة والطنافس الحريرية المطرّزة والديباج الشيء الكثير، ورجع مقفلاً إلى بغداد، وأعاد الزيارة مرّة أخرى إلى الروضة الحسينيّة.

وانظر أيضاً =

٧٢

ولم يرد ما يهمّ خبره من أخلافه الصفوية إلاّ الإقدام بأمور طفيفة لا مجال لذكرها، إلاّ أنّه بلغني - ولم أتثبّت من ذلك أنّ الشاه سليمان الصفوي قام ببناء القسم الشمالي من الصحن المطهّر، والإيوان الكبير الذي فيه المسمّى (بصافي صفا) نسبة إلى الصفويِّين، وليس اليوم في هذا الإيوان دليل على ذلك سوى إنّ الكاشي المعرّق الموجود في سقف هذا الإيوان، والزخارف المعمولة من البورق فيه يستدل منها أنّ بناء هذه الجهة أقدم بناء من الجهات الثلاث للصحن الشريف، فضلاً عن أنّ نقوش الكاشي المعرّق وصنعتها تشبه إلى حدّ كبير نقوش الكاشي المعرّق الموجود في روضة الجوادين (سلام الله عليهما)، وحرم حضرة الرضا (عليه السّلام)، ومقبرة خواجه ربيع، والقدم كاه.

وقد كان في حواشي الكاشي المعرّق الموجود في جنبتي هذا الإيوان - الشرقي والغربي - كُتيبة تنص على اسم الباني وتأريخ بنائه، ولكن مع مرور الزمن تلف واندرس أثره، ومع شديد الأسف لم يسعَ أحد بعد

____________________

= عالم آراي عباسي، وهناك مصدر لا بدّ من الإشارة إليه في هذا الخصوص هو (تاريخ دهامر الألماني) الذي تُرجم من اللغة الفرنسية إلى الفارسية باسم: سلطان التواريخ، في تاريخ سلاطين آل عثمان، يقع في ثلاث مجلدات ضخام، تحتوي على 72 باباً، ينتهي به مؤلفه إلى آخر عهد عبد الحميد الأول العثماني، بعد حرب الروس والأتراك وعقد معاهدة (كنارجة).

وفي سنة 1034 هـ أعاد السلطان مراد الرابع العثماني العراق إلى حوزة دولته، وفي 27 جمادى الأولى سنة 1039 هـ احتل بغداد مرّة أخرى الشاه صفي حفيد الشاه عباس الأول، وزار كربلاء في سنة 1048 هـ في يوم عيد، فقبّل أعتاب ضريح سيد الشهداء وأخيه العباس بعد أن أنذر النذور، وأكرم ذوي الحاجة. (روضة الصفاي ناصري المجلد الثامن).

وفي سنة 1156 هـ توجه نادر شاه من النجف الأشرف إلى تقبيل أعتاب الحسين (عليه السّلام) الذي حرمه مطاف ملائكة الرحمن، وقدّمت زوجته رضية سلطان بيكم كريمة الشاه سلطان حسين الصفوي عشرين ألف نادري لتعمير جامع الحرم الشريف (التاريخ النادري).

٧٣

ذلك لإرجاع هذا النص التأريخي المهم إلى موضعه.

وعندما أرادوا دفن ميرزا موسى الوزير فيه(1) عملوا موضعية الكُتيبة

____________________

(1) وقد شيّد هذا الإيوان الكبير في سنة 1281 هـ من قبل المرحوم ميرزا موسى وزير طهران، لتكون مقبرة له ولعائلته، وقد جدّد المرايا والكُتيبة القرآنية، وزوّق جدرانها الداخلية بالكاشي النفيس.

وقد نظم الشاعر (قلزم) الذي كان من الشعراء الشهيرين في تلك الفترة، هذه القصيدة بالمناسبة:

اي نمودار حريمت حرم عرش برين

ظـل دركـاهت خـركه زده بر عليين

قـدسيان بسته بفرمان تو از عرش كمر

آسمان سوده در ايوان تو بر فرش جبين

بـوده دارلـت شـاهنشه اقـليم شهود

بـيشكا رانـت فـرمان ده سرحد يقين

ظل خركاه تو را قبله كند روح القدس

خاك دركاه تو را سجده برد حور العين

از ازل تـاج شـهادة جه نهادي بر سر

شـد ترا ملك شفاعت همه در زير نكين

از بـهاي كـهر باك تو اين توده خاك

كعبه دين شود وشد سجده كه أهل زمين

إلى أن يقول:

قـصة طـور كـليم الله فاخلع نعليك

هـمه از خاك درت مظهر آيات مبين

عكس از شمسه ايوان تو شد شمس فلك

بر تو اوبر همه كون مكان كشت مكين

سـاكـنان حـرم وجـلال مـلكوت

هـه بـرخاك رهـت بايد خاك نشين

=

٧٤

الموجودة اليوم من المرايا، رُقمت بهذه الآية:( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً

____________________

=

بـهر فـراشي حجابت هر شام وسحر

قيصر أز روم كمر بندى وفقفور أز جين

إلى أن يقول:

اين هـمان وادى دوروا تـش شـوق

صـه جـه موسى باميد قبسي خاك نشين

انـدرين عـهد هـمايون از فـو ظـفر

رايـت دولـت اسـلام بر از جرخ برين

شـاه شـاهان جهان ظل خدا كهف زمان

خـسرو مـلك مـلل بـادشاه دولت ودين

شـهـر بـازيكه زأواز كـوي سـخطش

تـااب درشـده در جـحمه كـوه طـنين

مـير فـرخنده نـزادى زد راوكـه بـود

افـتـاب فـلك ورفـعت كـوه وتـمكين

داشـت جـون كوهري آراسته نور صفا

كـرد ايـن صـفه ايـوان صفارا ترين

دولت نـاصرى وسـعى امـام مـلت

أنـدرين عـهد بـود مـحيي آثار جنين

افـتـخار فـضلا قـبله أربـاب فـلاح

بـيشواى دو جـهان بـادشاه شرع مبين

انـكه از بـندكي صـاحب روضـه باك

شـده بـرخا جـكي علم ازل صدر تشين

جون زفيض كف موسى شد اين طور صفا

..........................................

كـلك قـلزم بي تاريخ سخنور شده وكفت

بـا كـف مـوسى آراسـته طـور سنين

٧٥

وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ... ) .

هذا وقام السلطان مراد الرابع العثماني سنة ثمان وأربعين وألف بتعمير وتجديد القبّة السامية، وجصّصها من الخارج(1) .

وفي سنة 1135 هـ نهضت زوجة نادر شاه وكريمة حسين الصفوي إلى تعمير المسجد المطهّر، وأنفقت على ذلك عشرين ألف نادري.

وقام أغا محمّد خان (الخصي) مؤسس الدولة القاجارية في إيران بتذهيب القبّة السامية للسنة السابعة بعد المئتين والألف الهجرية(2) .

وقد نظم بهذه المناسبة الميرزا سليمان خان المشهور بصباحي الشاعر، مؤرّخاً هذا التذهيب بقوله:

كلك صباحي از اين تاريخ أونوشت

در كبند حسين علي زيب بافت زر

1207 هـ

____________________

(1) لم نعثر على مصدر هذا الخبر، ولكنّه قد جاء في كلشن خلفاء (ص 102 وجه) لنظمي زاده بالتركية: أنّ الوالي علي باشا الوند زادة، بأمر من السلطان مراد الثالث العثماني قد جدّد بناء جامع الحسين وقبّته المنوّرة، وذلك سنة 984 هـ.

وقد أرّخ هذا البناء أحد الشعراء المشهورين بأبيات مطلعها:

بـحمد الله كه از عون الهي

نـموده خـدمت شاه شهيدان

شه كشور ستان خاقان اعظم

مـراد بن سليم ابن سليمان

وقد وهم الأستاذ حسن الكليدار في كتابه (مدينة الحسين / 38) إذ ذكر أنّ هذه الأبيات قد قيلت بمناسبة تشييد القبّة من قبل مراد الرابع العثماني، إلاّ أنّ الصحيح ما ذكرناه. (عادل)

(2) مجلد القاجارية من ناسخ التواريخ - للسان الملك سبيهر / 33 سنة 1206 هـ.

٧٦

وفي أوائل القرن التاسع عشر (1214هـ) أهدى فتح علي شاه القاجاري - أحد ملوك إيران - شبكة فضية(1) ، وهي إلى اليوم موجودة على القبر الشريف، وحوالي هذا التاريخ أمرت زوجته بتذهيب المأذنتين حتّى حدّ الحوض.

وفي سنة 1259 هـ قام محمّد علي شاه - ملك أود - سلطان الهند بتذهيب الإيوان الشريف وصياغة بابه بالفضة.

ويوجد اليوم على الفردة اليمنى من باب الفضة في إيوان الذهب: (هو الله الموفّق المستعان، قد أمر بصنع هذا الباب المفتوح لرحمة الملك المنان، وبإتمام تذهب هذا الإيوان الذي هو مختلف ملائكة الرحمن، وبحفر الحسينيّة وبناء قناطرها التي هي معبر أهل الجنان).

وعلى الفردة الثانية، الجانب الأيسر تتمته: (وتعمير بقعة قدوة الناس مولانا وسيدنا أبو الفضل العباس، السلطان ابن السلطان، والخاقان ابن الخاقان، السلطان الأعظم والخاقان الأكرم، سلطان الهند، محمّد على شاه (تغمّده الله بغفرانه، وأسكنه فسيح جناته)، وكان ذلك في سنة 1259 هـ ألف ومئتين وتسعة وخمسين).

وقام بعد ذلك أمراء الأكراد البختيارية إلى تزيين المسجد والأروقة، وقد وسع الضلع الغربي من الصحن الشريف، وجدّد بناءه المتغمّد برحمته المرحوم الشيخ عبد الحسين الطهراني(2) (شيخ العراقين) من قبل شاه

____________________

(1) مجلد القاجارية من ناسخ التواريخ / 63.

(2) جاء في مستدرك الوسائل - للعلاّمة النوري 3 / 397 في ترجمة الشيخ عبد الحسين الطهراني: (شيخي وأستاذي ومَنْ إليه في العلوم الشرعية استنادي، أفقه الفقهاء، وأفضل العلماء، العالم الرباني، الشيخ عبد الحسين الطهراني... حتّى يقول: وجاهد في الله في محو صولة المبتدعين، وأقام أعلام الشعائر في العتبات العاليات، وبالغ مجهوده في عمارة القباب الساميات).

وقد توفي في الكاظمية في 22 شهر رمضان سنة 1286 هـ، ونُقل إلى كربلاء، ودُفن في إحدى حجرات الصحن الحسيني.

٧٧

إيران ناصر الدين شاه القاجاري سنة 1275 هـ، وشيّد إيوانه الكبير وحجر جهتيه.

وقد أنشد الشيخ جابر الكاظمي الشاعر الكبير مؤرّخاً لهذا البناء بالفارسية يقول:

بـنائي ناصر الدين شاه بنا كرد

زخـاك أوست بائين كاخ خضرا

نه صحن وكنبدي جرخي مكوكب

زنـور أو مـنور روي غـبرا

بـراي كـشوار عـرش يـعني

حـسين بـن عـلي دلبند زهرا

بـناي سـال أو جابر همي كوي

أز ايوان شـكست كـسرى

بكو تأريخ ايوانش مؤرخ 1275 هـ

وله تأريخ بالعربية:

لـله إيوانٌ سما رفعةً

فطاول العرشَ به الفرشُ

قال لسانُ الغيب تأريخه

أنت لأملاك السما عرشُ

ولم يحدث بعد ذلك ما يهمّ ذكره سوى ما جدّدت إنشاءه إدارة الأوقاف في العهد الأخير، في القسم الغربي من الصحن؛ لظهور الصدع فيه.

وفي المشهد الحسيني عدّة نقوش وكتابات تدلّ على تواريخ إصلاحه والزيارات فيه؛ ففي أعلى عمود وسط الضلع الجنوبي من شبكة الفولاد المنصوبة على قبر الحسين (عليه السّلام) ما يقابل الوجه الشريف، هذه العبارة: (مَنْ بكى وتباكى على الحسين فله الجنّة صدق الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سنة 1185 هـ).

وما يقابل الزوايا الأربعة من القبر الشريف عبارة: (واقفه الموفّق بتوفيقات الدارين، ابن محمّد تقي خان اليزدي محمّد حسين سنة 1222 هـ).

٧٨

ويوجد في الإيوان الخارج من جدار الرواق الغربي المقابل للشبكة المباركة في الكاشي، فوق الشباك: (عمل أوسته أحمد المعمار سنة 1296 هـ).

ويستفاد من أبيات منظومة بالفارسية فوق شباك المقبرة الشمالية المقابلة للضريح أنّه بمباشرة الحاج عبد الله ابن القوام على نفقة الحاج محمّد صادق التاجر الشيرازي الأصفهاني الأصل، قد قام بتكميل تعمير سرداب الصحن الحسيني، وتطبيق الأروقة الثلاثة الشرقي والشمالي والغربي بالكاشي في سنة ألف وثلاثمئة الهجرية.

إيضاح ما يوجد في خارطة كربلاء من المواقع

أنهار كربلاء

(النهرين): فرعان يشتقان من عمود الفرات، ويتصلان ببعضهما في قرية نينوى في جوار الحاير الحسيني، ويتجهان إلى الشمال الشرقي إلى الكوفة معاً على سبيل توحيد وتفرد؛ وللفارق يعرفان بنهري كربلاء، يتوضّح على ضوء ما سرده أبو الفرج في المقاتل(1) ، ونورد بين قوسين ما تفرّد بإيراده صاحب الدرّ النظيم(2) :

قال أبو الفرج: لمّا قُتل زيد بن علي دفنه ابنه يحيى، تفرّق عنه الناس ولم يبقَ معه إلاّ عشرة نفر. قال سلمة بن ثابت: قلت له: أين تريد؟

قال: أريد النهرين. ومعه الصياد العبدي.

قلت: إن كنت تريد النهرين فقاتل ها هنا حتّى تُقتل.

قال: اُريد نهري كربلاء (وظننت أنّه يريد أن يتشطط الفرات)، فقلت له: النجاء قبل الصبح. فخرجنا فلمّا

____________________

(1) مقاتل الطالبيِّين / 61 ط القاهرة.

(2) الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم - لجمال الدين الشامي جـ 2 خط.

٧٩

جاوزنا الأبيات سمعنا الأذان، فخرجنا مسرعين، فكلّما استقبلني قوم استطعمتهم فيطعموني الأرغفة، فأطعمه إيّاها وأصحابي حتّى أتينا نينوى، فدعوت سابقاً فخرج من منزله ودخله يحيى، ومضى سابق إلى الفيوم فأقام به.

(فلمّا خرجنا من الكوفة سمعنا أذان المؤذنين فصلّينا الغداة بالنخيلة، ثمّ توجهنا سراعاً قبل نينوى، فقال: اُريد سابقاً مولى بشر بن عبد الملك. فأسرع السير إلى أن انتهينا إلى نينوى وقد أظلمتنا، فأتينا منزل سابق فاستخففت الباب فخرج إلينا).

وذكر ابن كثير في البداية(1) عن محمّد بن عمرو بن الحسن قال: كنّا مع الحسين بنهري كربلاء. وأورد ابن شهر آشوب في المناقب: مضى الحسين قتيلاً يوم عاشوراء بطفّ كربلاء بين نينوى والغاضرية من قرى النهرين(2) .

قال الطبري(3) بعد مهادنة أهل الحيرة لخالد بن الوليد في مفتتح الفتح، وخضوع الدهاقين لأداء جزية وضريبة، وزع بينهم العمال؛ ولتمهيد الأمن أقام مخافر عهد بعمالة النهرين إلى بشر بن الخصاصية، فاتخذ بشر الكويفة ببابنورا قاعدة لعمالته.

وذكر عند حوادث سنة 278 هـ(4) ابتداء أمر القرامطة: وردت الأخبار بحركة قوم يعرفون بالقرامطة بسواد الكوفة، فكان ابتداء أمرهم قدوم رجل من خوزستان، ومقامه بموضع يُقال له: النهرين، يظهر الزهد والتقشّف، ويسفّ الخوص ويأكل من كسبه، ويكثر الصلاة.

إذا قعد إليه إنسان ذكّره أمر الدين، وزهده في الدنيا، وأعلمه أنّ الصلاة المفروضة

____________________

(1) ج 8 / 188.

(2) المناقب 4 / 83، ط بمبي.

(3) ج 4 / 17، ط ليدن.

(4) ج 8 / 159، ط الاستقامة.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

الأمران بحيث يتردّد فيهما، وعند ذلك، الميل إلى الصدق أولى، لأنّ الكذب يباح لضرورة، أو حاجة مهمّة»(١) .

أقول: وليت من أنكر التقية يعلم أنّ الغزالي قد أباح الكذب لتحصيل الحاجات المهمّة. مع أن من يتّقي بضغط الإكراه هو خارج عن حكم الافتراء بنصّ القرآن الكريم كما تقدّم.

٧٨ - ابن قدامة الحنبلي (ت / ٦٢٠ه‍):

صرّح ابن قدامة الحنبلي بعدم جواز الصلاة خلف المبتدع والفاسق إلا إذا خاف ممّا يلحقه من ضرر إن ترك الصلاة خلفه، ففي هذه الحالة يمكنه أن يصلّي خلفه تقية ثمّ يعيد الصلاة، واحتج عليه بما روي عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري (ت / ٧٨ه‍) انّه قال: سمعت النبيّ (ص) على منبره يقول: «لا تؤمّنّ امرأة رجلاً، ولا يؤمّ أعرابي مهاجراً، ولا يؤمّ فاجر مؤمناً إلا أن يقهره بسلطان، أو يخاف سوطه، أو سيفه»(٢) .

٧٩ - ابن أبي الحديد المعتزلي (ت / ٦٥٦ه‍):

ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي في شرح النهج ما دار بينه وبين أبي جعفر بن أبي زيد الحسني نقيب البصرة من كلام في شأن أمير المؤمنين علي عليه السلام وذلك في شرح فقرة من فقرات النهج، وهي من قول الإمام عليّ عليه السلام: «واللّه ما معاوية بأدهى منّي، ولكنّه يغدر ويفجر... إلخ»(٣) ، وذلك تحت

____________________

(١) إحياء علوم الدين / الغزالي ٣: ١٣٨.

(٢) المغني / ابن قدامة ٢: ١٨٦ و١٩٢.

(٣) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ١٠: ٢٢٣ رقم ١٩٣.

١٨١

عنوان: «كلام أبي جعفر الحسني في الأسباب التي أوجبت محبّة الناس لعلّي».

فقال: «وكان أبو جعفر رحمه الله لا يجحد الفاضل فضله، والحديث شجون.

قلت له مرّة: ما سبب حبّ الناس لعليّ بن أبي طالب عليه السلام وعشقهم له، وتهالكهم في هواه؟ ودعني في الجواب من حديث الشجاعة والعلم والفصاحة، وغير ذلك من الخصائص التي رزقه اللّه سبحانه الكثير الطيّب منها!

فضحك، وقال لي: كم تجمع جراميزك عليَّ؟

- وبعد كلام طويل في غاية الدقّة - قال: فقلت له: إنّه لم يثبت النصّ عندنا بطريق يوجب العلم، وما تذكرونه أنتم صريحاً فأنتم تنفردون بنقله، وما عدا ذلك من الأخبار التي نشارككم فيها، فلها تأويلات معلومة.

فقال لي - وهو ضجر -: يا فلان لو فتحنا باب التأويلات لجاز أن يتناول قولنا: (لا إله إلا اللّه، محمّد رسول اللّه)، دعني من التأويلات الباردة التي تعلم القلوب والنفوس انّها غير مُرادة، وانّ المتكلّمين تكلّفوها وتعسّفوها، فإنّما أنا وأنت في الدار ولا ثالث لنا، فيستحي أحدنا أو يخافه.

- قال ابن أبي الحديد -: فلمّا بلغنا هذا الموضع، دخل قوم ممّن كان يخشاه، فتركنا ذلك الاُسلوب من الحديث، وخضنا في غيره»(١) .

ويستفاد ممّا تقدّم جملة اُمور:

منها: ان ابن أبي الحديد لم يكن شيعيّاً قط - راجع كلامه وتدبّر ما فيه -

____________________

(١) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ١٠: ٢٢٧.

١٨٢

وإنّما كان عالماً منصفاً لا تخشى بوادره.

ومنها: انّه كان يرى التقيّة، لأنّه شارك السيّد الحسني في ترك هذا الاُسلوب من الحديث، والخوض في غيره، لا سيّما وأنّه قال: (فتركنا) و(وخضنا).

ومنها: تخوّف العلماء من الحديث عن علي عليه السلام، حتّى في أواخر الدولة العباسيّة، وما يستتبع خوفهم هذا من التقية.

على أنّ ما جرى لابن أبي الحديد والسيّد الحسني مرّة واحدة، يجري كل يوم مرات، ولو راجع الإنسان نفسه لوجد انّه قد طبّق هذا الموقف في حياته، أو أدركه من غيره، وما أكثر الكلام الذي تغيّر مجراه التقية، أو تحوّله إلى همس فجأة!

٨٠ - يحيى بن شرف النووي الشافعي (ت / ٦٧٦ه‍):

بين النووي في شرح حديث صحيح مسلم الخاص بذكر الدجّال وفتنته الدلائل التي يعجز عنها الدجّال على الرغم ممّا يظهر على يديه من المخاريق، ثمّ قال: «ولهذه الدلائل وغيرها لا يغترّ به إلا رعاع الناس لسدّ الحاجة والفاقة، رغبة في سدّ الرمق، أو تقيّة وخوفاً من أذاه، لأنّ فتنته عظيمة جدّاً، تدهش العقول، وتحيِّر الألباب...»(١) .

أقول: إنّ اغترار الرعاع من الناس بالدجّال ممكن، والتعليل بسدّ الحاجة والفاقة ممكن أيضاً، أمّا من يتّقيه فلا يمكن أن يغترّ به، وإن حصلت تقية

____________________

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ١٨: ٥٩ - باب ذكر الدجّال.

١٨٣

هناك، فلا تكون إلا ممّن عرف حقيقة الدجّال وكذبه، والمهم هنا هو تصريح النووي بالتقية.

٨١ - الشوكاني الزيدي (ت / ١٢٥٠ه‍):

ردّ الشوكاني على من زعم انّ التقيّة تجوز في القول دون الفعل، بظاهر قوله تعالى:( إِلا مَن أُكرِه وقلبُهُ مُطمَئِن بالإِيمانِ ) ، فقال: «ويدفعه ظاهر الآية، فإنّها عامّة فيمن اُكرِه من غير فرق بين القول والفعل، ولا دليل لهؤلاء القاصرين للآية على القول»(١) .

٨٢ - الآلوسي الحنبلي (ت / ١٢٧٠ه‍):

قال عن آية التقيّة: «وفي هذه الآية دليل على مشروعيّة التقية» ثمّ نقل تعريف التقية عند أهل السُنّة - كما مرّ في الفصل الأوّل.

٨٣ - جمال الدين القاسمي (ت / ١٣٣٢ه‍):

قال: «ومن هذه الآية:(إِلا أن تتّقُوا مِنهِم تُقاةً) استنبط الأئمّة مشروعية التقية عند الخوف، وقد نقل الإجماع على جوازها عند ذلك الإمام مرتضى اليماني في كتابه إيثار الحقّ على الخلق، فقال ما نصّه:

وزاد الحلف غموضاً وخفاءً أمران:

أحدهما: خوف العارفين - مع قلّتهم - من علماء السوء، وسلاطين الجور، وشياطين الخلق، مع جواز التقية عند ذلك بنصّ القرآن، وإجماع أهل الإسلام.

وما زال الخوف مانعاً من إظهار الحقّ، ولا برح المحقّ عدوّاً لأكثر الخلق،

____________________

(١) فتح القدير / الشوكاني ٣: ١٩٧.

١٨٤

وقد صحّ عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّه قال في ذلك العصر الأوّل: حفظت من رسول اللّه (ص) وعاءين، فأمّا أحدهما فبثثته في الناس، وأمّا الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم...»(١) .

٨٤ - المراغي (ت / ١٣٦٤ه‍):

عمّم الشيخ محمّد مصطفى المراغي العمل بالتقية - قولاً وفعلاً - ولم يقيّدها بالإكراه على تلفّظ كلمة الكفر، بل أخرجها - إن صحّ التعبير - عن دائرة الإكراه الفردي، وأباحها للدول الإسلامية عند تعاملها مع الدول الاُخرى، كما لم يقيّد التقيّة بحالات الخوف أو الضعف عند الإكراه عليها، بل أطلق استعمالها في جميع ما يعود بالنفع للدول الإسلامية، ومصالح المسلمين، وفي كل آن وزمان، وفي الشدّة والرخاء.

قال: «فلا مانع من أن تحالف دولة إسلامية دولة غير مسلمة لفائدة تعود على الاُولى، إمّا بدفع ضرر، أو جلب منفعة، وليس لها أن تواليها في شيء يضرّ بالمسلمين، ولا تختص هذه الموالاة بحال الضعف، بل هي جائزة في كل وقت، وقد استنبط العلماء من هذه الآية (٣: ٢٨) جواز التقية بأن يقول الإنسان، أو يفعل ما يخالف الحقّ، لأجل التوقي من ضرر الأعداء، يعود إلى النفس، أو العِرض، أو المال...

ويدخل في التقية مداراة الكفرة، والظلمة، والفسقة، وإلانة الكلام لهم، والتبسّم في وجوههم، وبذل المال لهم لكفّ أذاهم، وصيانة العِرض منهم، ولا يعدّ هذا من الموالاة المنهيّ عنها، بل هو مشروع.

____________________

(١) تفسير القاسمي (محاسن التأويل) ٤: ٨٢.

١٨٥

فقد أخرج الطبراني قوله (ص):ما وقى به المؤمن عِرضه فهو صدقه »(١) .

٨٥ - تقيّة رجال المذهب الوهابي:

إنّ المذهب الوهابي هو فرع المذهب الحنبلي، لأنّ مؤسّسه وهو الشيخ محمّد عبد الوهاب (ت ١٢٠٦ه‍ / ١٧٩١م) كان حنبلياً، ودعوته وإن اتّسمت باللامذهبية، وذلك بإنشاء مذهب جديد في بعض اُصوله، إلا انّ فروع هذا المذهب لم تزل حنبلية، ولم يطرأ عليها تبديل أو تعديل.

ورجال المذهب لا ينكرون التقية، بل عملوا بها علناً بمرأى ومسمع جميع المسلمين،ويدلّ عليه موقفهم المعلن إزاء الأضرحة، والمشاهد المقدّسة، وقبور الأولياء والصالحين، التي تحولّت في أرض الحجاز إلى أطلال«تلُوحُ كباقي الوشمِ في ظاهِرِ اليدِ» !

ولكنّهم تركوا قبر النبيّ (ص)، وقبري أبي بكر وعمر على حالها، مداراة منهم لمشاعر الملايين من المسلمين، واتّقاء من غضبهم، ولا يوجد تفسير لذلك غير التقية.

٨٦ - موسى جار اللّه التركماني (ت / ١٣٦٩ه‍):

ونختم هذه المواقف بموقف صاحب الوشيعة الذي نعى على الشيعة الإمامية قولهم بالتقية وسفه عقولهم!!

____________________

(١) تفسير المراغي ٣: ١٣٦ - ١٣٧، وحديث الطبراني أخرجه الحاكم في المستدرك ٢: ٥٠، والبيهقي في السنن الكبرى ١٠: ٢٤٢ وشعب الإيمان ٣: ٢٦٤ / ٣٤٩٥، والبغوي في معالم التنزيل ٥: ٢٩٤، والهيثمي في مجمع الزوائد ٣: ١٣٦، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري ١٠: ٤٤٧، والسيوطي في الدرّ المنثور ٥: ٢٣٩، وإسماعيل بن محمّد العجلوني في كشف الخفاء ١: ٤١٨.

١٨٦

قال في الوشيعة: «التقية في سبيل حفظ حياته، وشرفه، وحفظ ماله، وفي حمايته حقّ من حقوقه واجبة على كلّ أحد، إماماً كان أو غيره»(١) .

وقال أيضاً: «والتقية، هي: وقاية النفس من اللائمة والعقوبة، وهي بهذا المعنى من الدين، جائزة في كلّ شيء»(٢) .

وقال أيضا‍ً: «والتقية واجبة إن كان في تركها ضرر لنفسه، أو غيره، حرام عند أمن الضرر، مكروهة حيث يخاف الناس الالتباس على العوام»(٣) .

قلت: إنّ الشيعة الإمامية قسموا التقيّة بموجب الأحكام التكليفية الخمسة(٤) .

وبهذا يتّضح أنّ الشيعة الإماميّة لا تختلف عن سائر المذاهب والفرق الإسلاميّة في شيء من التقية، إلا ما كان من تعرّض الشيعة الإماميّة في تاريخها الطويل إلى الظلم والاضطهاد والجور والتعسّف أكثر من اخوانهم المسلمين.

على أنّ هذا لا يعني أنّ الشيعة قد لازمت التقية في طيلة تلك العهود الظالم أهلها، بل على العكس من ذلك حيث كانت تنتفض بين حين وآخر معبرة عن رفضها للظلم والاضطهاد، مقدّمة في ذلك آلاف الشهداء كما تشهد بذلك

____________________

(١) الوشيعة في نقد عقائد الشيعة / موسى جار اللّه: ٣٧.

(٢) م. ن: ٧٢.

(٣) م. ن: ٨٥.

(٤) التقية / الشيخ مرتضى الأنصاري: ٣٩ - ٤٠.

ثوراتهم وانتفاضاتهم عبر التاريخ.

١٨٧

الإشارة إلى من صرّح بالتقية من غير هؤلاء إجمالاً

وقبل الانتقال إلى الفصل الثالث نشير إجمالاً إلى ما لم نذكره - في هذه المواقف - من أسماء العلماء الذي استعملوا التقية أو صرّحوا بها إذ مرّ ذكرهم في الفصل الأوّل، وهم:

٨٧ - ابن ماجة صاحب السنن (ت / ٢٧٤ه‍).

٨٨ - الطبري (ت /٣١٠ه‍).

٨٩ - الجصاص الحنفي (ت / ٣٧٠ه‍).

٩٠ - الماوردي الشافعي (ت / ٤٥٠ه‍).

٩١ - الواحدي الشافعي (ت / ٤٦٨ه‍).

٩٢ - الكيّا الهراسي الشافعي (ت / ٥٠٤ه‍).

٩٣ - الزمخشري المعتزلي (ت / ٥٣٨ه‍).

٩٤ - ابن عطية المالكي (ت / ٥٤١ه‍).

٩٥ - ابن العربي المالكي (ت / ٥٤٣ه‍).

٩٦ - ابن الجوزي الحنبلي (ت / ٥٩٧ه‍).

٩٧ - الرازي الشافعي (ت / ٦٠٦ه‍).

٩٨ - القرطبي المالكي (ت / ٦٧١ه‍).

٩٩ - البيضاوي الشافعي (ت / ٦٨٥ه‍).

١٠٠ - الخازن الشافعي (ت / ٧٤١ه‍).

١٠١ - ابن جزي الكلبي المالكي (ت / ٧٤١ه‍).

١٠٢ - تاج الدين الحنفي (ت / ٧٤٩ه‍).

١٠٣ - أبو حيان الأندلسي المالكي (ت / ٧٥٤ه‍).

١٨٨

١٠٤ - ابن كثير الشافعي (ت / ٧٧٤ه‍).

١٠٥ - ابن نجيم الحنفي (ت / ٧٩٠ه‍).

١٠٦ - النيسابوري السنّي (ت / ٨٥٠ه‍).

١٠٧ - ابن حجر العسقلاني الشافعي (ت / ٨٥٢ه‍).

١٠٨ - الشربيني الشافعي (ت / ٩٧٧ه‍).

١٠٩ - البرسوي الحنفي (ت / ١١٣٧ه‍).

١١٠ - النووي الشافعي (ت / ١٣١٦ه‍).

١١١ - ابن اطفيش الإباضي الخارجي (ت / ١٣٣٢ه‍).

١١٢ - المعاصر الصابوني الوهابي.

إلى غيرهم ممّا سيأتي من الفقهاء في الفصل الذي عقدناه للحديث عن التقية في فقه المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية، بما لا يقلّ عددهم عن عدد المفسّرين.

١٨٩

١٩٠

١٩١

الفصل الثالث: التقيّة في فقه المذاهب والفرق الإسلامية

التقيّة في الفقه المالكي

التقيّة في الفقه الحنفي

التقيّة في الفقه الشافعي

التقيّة في الفقه الحنبلي

التقيّة في الفقه الزيدي

التقيّة في الفقه الطبري

التقيّة في الفقه الظاهري

التقيّة في فقه الخوارج الإباضية

التقيّة عند المعتزلة

١٩٢

تمهيد:

مرّ في الفصل الأوّل أنّ التقيّة لا تجوز اختياراً من غير اكراه من ظالم عليها، ولم أقف على من صرّح من علماء الإسلام - بشتّى مذاهبهم وفرقهم - من أباحها اختياراً، وإنمّا اتّفقوا جميعاً على تقييدها بحالات الإكراه.

ولهذا نجد الفقهاء قد خصّصوا في كتبهم الفقهيّة كتاباً بعنوان «الإكراه» تناولوا فيه جميع ما يتعلّق بالتقية من اُمور ومسائل، بيدَ أنّ بعضاً منهم لم يفرد للاكراه كتاباً خاصّاً، وإنّما وزع مسائله على كتب الفقه من عبادات، ومعاملات، وعقود، وايقاعات، وذلك بحسب مسائل الإكراه المتعلّقة بهذه الكتب، كالإمام مالك بن أنس (ت / ١٧٩ه‍) في المدونة الكبرى، حيث لم يجمع مسائل الإكراه تحت عنوان واحد، وهذا ما يتطلّب من الباحث المزيد من الجهد والوقت لتتبّع هذه المسائل لمعرفة الرأي الفقهي فيها، هذا فضلاً عن ضخامة كتب الإكراه نفسها في الدورات الفقهيّة المعروفة لدى المذاهب الإسلامية، كالمبسوط للسرخسي الحنفي (ت / ٤٩٠ه‍) حيث خصّص معظم الجزء الرابع والعشرين للاكراه، وقد تعرّض لموضوع التقية وأحكامها وتفصيلاتها بشكل مستوعب ومطوّل، وهكذا فعل غيره من فقهاء المذاهب الاُخرى، بما لا يمكن معه استيعاب ما ذكروه جميعاً في هذا الفصل، إذ

١٩٣

يحتاج إلى دراسة مستقلّة واسعة، ولهذا سنذكر في هذا الفصل بعض النماذج الفقهية التي اطّردت على ألسن الفقهاء والمفسّرين لكلّ مذهب، وعلى النحو الآتي:

١٩٤

التقية في الفقه المالكي

ذكر الإماممالك بن أنس (ت / ٢٧٩ه‍) في المدوّنة الكبرى عدم وقوع طلاق المكره على نحو التقية، محتجّاً بذلك بقول الصحابي ابن مسعود: «ما من كلام يدرأ عنّي سوطين من سلطان إلا كنت متكلّماً به»(١) .

ولا شكّ أنّ الاحتجاج بهذا القول يعني جواز إظهار خلاف الواقع في القول عند الإكراه، ولو تمّ بسوطين.

كما أفتىابن عبد البرّ النمري القرطبي المالكي (ت /٤٦٣ه‍) بعدم وقوع عتق وطلاق المكره(٢) ولو كانت التقية لا تجوز في العتق والطلاق عند الإكراه من ظالم عليهما لقال بوقوعهما.

كما ذهب علماء المالكية إلى جواز التلفّظ بكلمة الكفر عند الإكراه تقية على النفس من التلف، مع وجوب اطمئنان القلب بالإمان.

فقد ذكرابن العربي المالكي (ت / ٥٤٣ه‍) انّ من يكفر تقية وقلبه مطمئن

____________________

(١) المدونة الكبرى / مالك بن أنس ٣: ٢٩ - كتاب الإيمان بالطلاق وطلاق المريض، تحت عنوان: (ما جاء في طلاق النصرانية والمكره والسكران).

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة المالكي / ابن عبد البر: ٥٠٣.

١٩٥

بالإيمان، لا تجري عليه أحكام المرتد، لعذره في الدنيا، مع المغفرة في الآخرة، ثمّ صرّح بعدم الخلاف في ذلك.

ومن الاُمور التي تصحّ فيها التقيّة عند الإكراه: الزنا، فيجوز الاقدام عليه ولا حدّ على من اُكرِه عليه.

كما صرّح بأنّ الإكراه إذا وقع على فروع الشريعة لا يؤاخذ المكره بشيء، محتجّاً بالحديث المشهور: «رفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرُهوا عليه »، ويستثنى من ذلك ما خرج بدليل معتبر، كالإكراه على القتل. فإذا اُكره المرء على القتل فقتل، يُقتل.

ثمّ ذكر اختلاف المالكية في الإكراه على اليمين، هل تصحّ التقية فيه؟ أو لا تصحّ، واختار الأوّل(١) .

وذكرابن جزي المالكي (ت / ٧٤١ه‍) جواز التلفّظ بكلمة الكفر عند الإكراه عليها.

امّا السجود للصنم، فقد صرّح بجوازه عند الجمهور، قال: ومنعه بعضهم.

ثمّ قال: «قال مالك: لا يلزم المكره يمين، ولا طلاق، ولا عتق، ولا شيء فيما بينه وبين اللّه، ويلزمه ما كان من حقوق الناس، ولا تجوز الإجابة إليه كالإكراه على قتل أحد، أو أخذ ماله»(٢) .

وهذا القول يعني انّ الإمام مالكاً كان يرى التقية في جميع العبادات لأنّها

____________________

(١) أحكام القرآن / ابن العربي ٣: ١١٧٧ / ١١٨٢.

(٢) تفسير ابن جزي: ٣٦٦.

١٩٦

ممّا بين اللّه تعالى والعبد، وأمّا غير ذلك فلا يعني عدم جواز التقية فيه مع الخوف من القتل، كما يفهم من عبارة ابن العربي المالكي، قال في تفسير قوله تعالى:(الّذِين اُخرِجُوا من دِيارِهِم بغيرِ حقٍّ) (١) ، هذا: «دليل على نسبة الفعل الموجود من المُلجأ المكرَه إلى الذي ألجأه واكرهه، ويترتّب عليه حكم فعله، ولذلك قال علماؤنا: إنّ المكرِه على اتلاف المال يلزمه الغرم، وكذلك المكرِه على قتل الغير يلزمه القتل»(٢) .

بمعنى أنّ التقيّة في إتلاف المال جائزة، ولكن الغرم يكون على من أكره على الاتلاف.

امّا القتل فلا يجوز تقية، ويقتل القاتل - كما صرّح به آنفاً - ولكن القصاص يسري إلى المكرِه فيُقتل أيضاً.

أمّاأبو حيّان الأندلسي المالكي (ت / ٧٥٤ه‍) فيرى صحّة التقية من كل غالب يكره بجور منه، فيدخل في ذلك الكفّار، وجورة الرؤساء، والسلابة، وأهل الجاه في الحواضر. كما تصحّ التقية عنده في حالة الخوف على الجوارح، والضرب بالسوط، والوعيد، وعداوة أهل الجاه الجوَرة، وانّها تكون بالكفر فما دونه، من بيع وهبة ونحو ذلك(٣) .

وقد فصّلالقرطبي المالكي (ت / ٦٧١ه‍) القول فيما تصحّ فيه التقيّة، وسنذكر - مع الاختصار - بعض ما ذكره، على النحو الآتي:

١ - تجوز التقية في تلفّظ كلمة الكفر ولا شيء على المكره مع اطمئنان القلب

____________________

(١) أحكام القرآن / ابن العربي ٣: ١٢٩٨.

(٢) م. ن ٣: ١٢٩٨.

(٣) البحر المحيط / أبو حيان ٢: ٤٢٤.

١٩٧

بالإيمان، وقد حكى الإجماع على ذلك.

٢ - التقية رخصة، تجوز في القول والفعل على حدّ سواء، قال: «روي ذلك عن عمر بن الخطّاب ومكحول، وهو قول مالك وطائفة من أهل العراق. روى ابن القاسم، عن مالك أنّ من اُكره على شرب الخمر وترك الصلاة أو الإفطار في رمضان أن الاثم عنه مرفوع».

٣ - السجود للصنم تقية جائز.

٤ - يجوز الاقدام على الزنا عند الإكراه ويسقط الحدّ.

٥ - اختلاف العلماء في طلاق المكره وعتاقه واختار جواز التقية فيه ولا يلزمه شيء من ذلك. ونسبه إلى أكثر العلماء.

٦ - نقل إجماع المالكية على أنّ بيع المكره على الظلم والجور لا يجوز ونسبه إلى الأبهري. ومثله نكاح المكره.

٧ - إذا استُكرهت المرأة على الزنا فلا حدّ عليها.

٨ - إذا اُكره الإنسان على تسليم أهله لما لم يحلّ أسلمها، ولم يقتل نفسه دونها ولا احتمل أذيّة في تخليصها!!

٩ - يمين المُكرَه غير لازمة عند مالك والشافعي وأبي ثور وأكثر العلماء، قال ابن الماجشون: «وسواء حلف فيما هو طاعة للّه أو فيما هو معصية إذا اُكرِه على اليمين».

١٠ - لا يقع الحنث عند الإكراه.

١١ - الاتّفاق على صحّة توكيل الإنسان حال تقيّته(١) .

____________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ١٠: ١٨٠ - ١٩١ في تفسير الآية (١٠٦) من سورة النحل.

١٩٨

امّا التقيّة عندابن عطيّة الأندلسي المالكي (ت / ٥٤١ه‍) فتجوز في تلفّظ كلمة الكفر، وحكى جواز السجود إلى الصنم عند الإكراه، كما تصّح في البيع، والأيمان، والطلاق، والعتق، والإفطار في شهر رمضان، وشرب الخمر، ونحو ذلك من المعاصي، ثمّ أكّد أنّ هذا هو المروي عن مالك بن أنس من طريق مطرف، وابن عبد الحكم، وأصبغ، وانّه لا يشترط في التقية تحقّق الإكراه المفضي إلى القتل، وإنّما يكفي في ذلك أن يكون الإكراه قيداً، أو سجناً، أو وعيداً مخوّفاً، وإن لم يقع ما يوعد به(١) .

وقد سُئلابن أبي عليش المالكي (ت / ١٢٩٩ه‍): «ما قولكم فيمن اُكرِه على شرب الخمر، أو سائر النجاسات، فهل يجوز له ذلك لخوف ضرب مؤلم؟ أم كيف الحال؟».

فقال في جواب هذا السؤال: «فأجبت بما نصّه: الحمد للّه، والصلاة والسلام على سيدنا محمّد رسول اللّه. قال الثنائي، عن سحنون: ولو اُكره على أكل الميتة، ولحم الخنزير، وشرب الخمر، لم يجز إلا لخوف القتل، انتهى.

وهو مبني على أنّ الإكراه لا يتعلّق بالفعل، والمذهب تعلّقه به، فيكون بما مرّ من خوف مؤلم... إلخ، وهو قول لسحنون أيضاً، وهو المعتمد لا ما ذكره...»(٢) .

____________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ١٠: ٣٧٦ - ٣٧٧ - المسألة السادسة من مسائل الآية (١٩) من سورة الكهف.

(٢) فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك / أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد عليش ١: ١٩١.

١٩٩

التقيّة في الفقه الحنفي

أمّا عن التقيّة في الفقه الحنفي، فهي واسعة جدّاً، وقد جوّزها فقهاء الأحناف في اُمور هي في غاية الدقّة والخطورة، ونظراً لاتّساع مسائل التقيّة في الفقه الحنفي لذا سنعتمد في دراستنا للتقيّة عندهم على بعض كتبهم المهمّة فقهيّأ ومن ثمّ الإشارة السريعة إلى ما ورد من تلكم المسائل في مصادرهم الاُخرى، مراعين بذلك الاختصار، فنقول:

جاءت في كتاب فتاوى قاضيخانللفرغاني الحنفي (ت / ٢٩٥ه‍)، اُمور كثيرة، جوّز فيها التقية، نذكر منها:

١ - إذا اُكرِه الرجل بقتل، أو إتلاف عضو من أعضائه على أن يقتل رجلاً مسلماً فقتله، فهل يصحّ مثل هذا الإكراه؟ وهل يحكم على القاتل بالقصاص، أو لا؟

قال أبو حنيفة ومحمّد: يصحّ الإكراه، ويجب القصاص على المكره، دون المأمور.

وقال أبو يوسف: يصحّ الإكراه، ولا يجب القصاص على أحد!! وكان

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236