واقع التقيّة عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية

واقع التقيّة عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية25%

واقع التقيّة عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 236

  • البداية
  • السابق
  • 236 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25725 / تحميل: 4781
الحجم الحجم الحجم
واقع التقيّة عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية

واقع التقيّة عند المذاهب والفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الإسلام ، ودفاعهما عن شريعة جدّهماصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما قاما به من إصلاح في الأمة الإسلامية ، ووقوفهما سداً منيعاً أمام كل المحاولات التي تستهدف النيل من الرسالة الإسلامية ؛ لما يحملانه من خصائص ، ومميّزات ، وقد تواترت الروايات في علو شأنهما وسمو مقامهما ، كل ذلك جعل لهما الدور الفاعل في التأثير البالغ في المسلمين ، سواء على الصعيد الفكري أم الاجتماعي أم غيرهما ، كل ذلك في زمن أصبحت الحياة الإسلامية فيه مسرحاً للخلافات ، والجرائم والآثام ، وأصبحت فيه الحكومة ملكاً عضوضاً يتوارثه بنو أمية فيما بينهم بالقهر والغلبة ، وقد انبرى الإمام الحسن والإمام الحسينعليهما‌السلام في ذلك الحين لمعالجة الواقع المرير ، وقد جاء في مجامع أحاديث السنّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في حق ابنه الحسنعليه‌السلام : ( إنّ ابني هذا سيّد ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )(١) ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق ابنه الحسينعليه‌السلام :( حسين منّي وأنا منه أحبّ الله مَن أحبّه ، الحسن والحسين سبطان من الأسباط ) (٢)

ولذا قام الإمام الحسينعليه‌السلام ثائراً على الظلم آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، مضحّياً بنفسه وأهل بيته في سبيل إعلاء كلمة الحق ، طالباً

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري : ج ٢ ص ١٧٩ ح ٢٧٠٤ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٢٩١ ، وغيرها من المصادر الكثيرة جداً من الفريقين .

(٢) التاريخ الكبير ، البخاري : ج ٨ ص ٤١٥ ح ٣٥٣٦ ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٨ ص ٢٢٤ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٣ ص ٣٢ ح ٢٥٨٦ ، ج ٢٢ ص ٢٧٤ ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٥٧٥ ح ٣٧٢٧ ؛ فيض القدير في شرح الجامع الصغير ، المناوي : ج ٣ ص ٥١٣ ؛ وفي صحيح الجامع الصغير ، الألباني : ج ١ ص ٦٠١ ـ ٦٠٢ ح ٣١٤٦ ، قال عن الحديث بأنّه ، (حسن) ، وغيرها من المصادر الكثيرة .

٢١

الإصلاح في أمة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما لاحظ الممارسات البعيدة عن روح الدين والأخلاق من قِبَل الحكومة آنذاك ، حينما اتخذت الإسلام ستاراً لتغطية جرائمها وممارساتها المتهتّكة ؛ ولذا قالعليه‌السلام عندما خرج متوجّهاً إلى الكوفة :( إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت أطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ) (١) .

وقد قال الذهبي في مدحهما وبيان موقعهما القيادي في الأمةعليهما‌السلام : ( فمولانا الإمام علي من الخلفاء الراشدين ، وابناه الحسن والحسين : فسبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك )(٢)

ولا نطيل الحديث في ذلك بعد أن ثبت أنّهماعليهما‌السلام إمامان قاماً أو قعداً(٣) .

الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن إدريس الشافعي : ( هو أفقه أهل المدينة )(٤) .

وقال محمد بن أحمد الذهبي ( ت ٧٤٨ ) : ( كان له جلالة عجيبة ، وحق له والله ذلك ، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى لشرفه ، وسؤدده وعلمه وتألّهه وكمال عقله )(٥) . وقال أيضاً : ( وزين العابدين : كبير القدر ، من سادة

ـــــــــــــ

(١) مقتل الحسين : الخوارزمي : ص ٢٧٣ ؛ الفتوح ، ابن أعثم الكوفي : ج ٥ ص ٣٤.

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٣) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي : ج ١٩ ص ٢١٦ ؛ نقلاً عن أهل البيت ، الأستاذ توفيق أبو علم : ص ١٩٥ ، طبعة مطبعة السعادة ـ القاهرة .

(٤) نقله الجاحظ في رسائله : ص ١٠٦ .

(٥) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ٤ ص ٣٩٨ .

٢٢

العلماء العاملين يصلح للإمامة )(١) .

وقال ابن حجر العسقلاني : ( علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام الهاشمي زين العابدين ، ثقة ، ثبت ، عابد ، فقيه ، فاضل ، مشهور ، قال ابن عيينة عن الزهري : ما رأيت قرشياً أفضل منه )(٢) .

وقال ابن حجر في الصواعق : ( وأخرج أبو نعيم والسلفي لمّا حجّ هشام بن عبد الملك في حياة أبيه أو الوليد لم يمكنه أن يصل للحجر من الزحام ، فنُصب له منبر إلى جانب زمزم ، وجلس ينظر إلى الناس ، وحوله جماعة من أعيان أهل الشام ، فبينا هو كذلك إذ أقبل زين العابدين ، فلمّا انتهى إلى الحجر تنحّى له الناس حتى استلم ، فقال أهل الشام لهشام ، مَن هذا ؟ قال : لا أعرفه ؛ مخافة أن يرغب أهل الشام في زين العابدين ، فقال الفرزدق : أنا أعرفه ، ثم أنشد :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرمُ

هذا ابن خير عباد الله كلّهمُ

هذا التقي النقي الطاهر العلمُ

إذا رأته قريشٌ قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرمُ

ينمي إلى ذروة العِزّ التي قصرت

عن نيلها عرب الإسلام والعجمُ

ـــــــــــــ

(١) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٢) تقريب التهذيب ، ابن حجر : ج ١ ص ٦٩٢ .

٢٣

وكذا من أبيات تلك القصيدة :

هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهله

بجدّه أنبياءُ الله قد خُتموا

فليس قولك من هذا بضائره

العرب تعرف مَن أنكرت والعجمُ

ثم قال :

من معشرٍ حبّهم دين وبغضهم

كفرٌ وقربهم منجى ومعتصمُ

لا يستطيع جواد بعد غايتهم

ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا

فلمّا سمع هشام غضب ، وحبس الفرزدق بعسفان )(١) .

الإمام الباقرعليه‌السلام :

قال في حقّه أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ : ( وهو سيّد فقهاء الحجاز ، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناس الفقه ، وهو الملقّب بالباقر ، باقر العلم ، لقبّه به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يخلق بعد ، وبشّر به ووعد جابر بن عبد

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٣ ـ ٣٠٤ .

٢٤

الله برؤيته ، وقال : ستراه طفلاً ، فإذا رأيته فبلّغه عنّي السلام ، فعاش جابر حتى رآه ، وقال له ما وصّى )(١) .

وقال الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : ( ومنهم الحاضر الذاكر الخاشع الصابر أبو جعفر محمد بن علي الباقر ، كان من سلالة النبوّة ، وممّن جمع حسب الدين والأبوّة ، تكلّم في العوارض والخطرات ، وسفح الدموع والعبرات ، ونهى عن المراء والخصومات )(٢) .

وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ( قال عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر ، لقد رأيت الحكم عنده كأنّه مغلوب ، يعني بالحكم الحكم بن عيينة ، وكان عالماً نبيلاً جليلاً في زمانه )(٣) .

وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات : ( سمّي بذلك ؛ لأنّه بقر العلم أي شقّه وعرف أصله وعرف خفيّه وهو تابعي جليل ، إمام بارع ، مجمع على جلالته ، معدود في فقهاء المدينة وأئمّتهم )(٤) .

وقال ابن خلكان : ( كان الباقر علماً ، سيّداً ، كبيراً ، وإنّما قيل له الباقر

ـــــــــــــ

(١) رسائل الجاحظ : ص ١٠٨ ؛ جمعها ونشرها حسن السندوبي .

(٢) حلية الأولياء ، أبو فرج الأصفهاني : ج ٣ ص ١٨٠ ، وكذا بألفاظ مختلفة في البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٩ ص ٣٣٩ .

(٣) تذكرة الخواص ، الذهبي : ص ٣٠٢ .

(٤) تهذيب الأسماء واللغات : ج ١ ص ١٠٣ .

٢٥

لأنّه تبقر في العلم )(١) .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : ( أبو جعفر الباقر : سيّد ، إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة )(٢) ، وفي هذا المضمون ما قاله صلاح الدين الصفدي(٣) .

وقال محمد بن المنكدر : ( ما رأيت أحداً يفضّل على علي بن الحسين ، حتى رأيت ابنه محمداً ، أردت يوماً أن أعظه فوعظني )(٤) .

وقال ابن كثير في البداية والنهاية : ( وهو تابعي جليل ، كبير القدر كثيراً ، أحد أعلام هذه الأُمّة ، علماً وعملاً ، وسيادة وشرفاً )(٥) .

وقال الهيتمي في صواعقه بعد أن ذكر علي بن الحسينعليهما‌السلام ما نصّه : ( وارثه منهم ، عبادة وعلماً وزهادة ، أبو جعفر محمد الباقر سمّي بذلك : من بقر الأرض ، أي شقّها فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف ، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ، ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة ، أو فاسد الطويّة والسريرة ، ومن ثَمّ قيل فيه : هو باقر العلم ، وجامعه ، وشاهر علمه ، ورافعه صفا قلبه وزكى علمه وعمله ، وطهرت نفسه ، وشرف خلقه وعمرت أوقاته بطاعة الله ، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين ، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحملها هذه العجالة ، وكفاه شرفاً أنّ ابن المديني روى عن جابر أنّه قال له وهو صغير : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسلّم عليك ، فقيل له وكيف

ـــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ، ابن خلكان : ج ٤ ص ٣٠ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٣) الوافي بالوفيات ، صلاح الدين الصفدي : ج ٤ ص ١٠٤ .

(٤) نقلاً عن تهذيب التهذيب : ج ٩ ص ٣١٣ .

(٥) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٩ ص ٣٣٨ .

٢٦

ذاك ؟ قال : كنت جالساً عنده والحسين في حجره وهو يداعبه ، فقال :يا جابر ، يولد له مولود اسمه علي ، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ ليقم سيّد العابدين فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد اسمه محمد ، فإن أدركته يا جابر فأقرئه منّي السلام ) (١) .

وقال أبو الحنبلي : ( قال عبد الله بن عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم علماً عنده ، وله كلام نافع في الحكم والمواعظ )(٢) .

وقال محمد بن علي الصبان في إسعاف الراغبين : ( وأما محمد الباقررضي‌الله‌عنه فهو صاحب المعارف وأخو الدقائق واللطائف ، ظهرت كراماته وكثرت في السلوك إشاراته ، لقب بالباقر لأنّه بقر العلم ، أي شقّه وعرف أصله وخفيّه )(٣) .

الإمام الصادقعليه‌السلام :

نقل عن أبي حنيفة أنّه قال : ( ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد لمّا أقدمه المنصور الحيرة بعث إليّ ، فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من مسائلك الصعاب ، قال : فهيّأت له أربعين مسألة ، ثم بعث إليّ أبو جعفر فأتيته بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخل لأبي جعفر ، فسلّمت وأذن لي ، فجلست ، ثم ألتفت إلى جعفر ، فقال : يا أبا عبد

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥ .

(٢) شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب : ج ١ ص ٢٦٠ .

(٣) إسعاف الراغبين : ص ٢٥٠ .

٢٧

الله ، تعرف هذا ؟ قال : نعم ، هذا أبو حنيفة ، ثم أتبعها : قد أتانا ، ثم قال : يا أبا حنيفة ، هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله ، وابتدأت أسأله ، وكان يقول في المسألة : أنتم تقولون فيها : كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون : كذا وكذا ، ونحن نقول : كذا وكذا ، فربّما تابعنا ، وربّما تابع أهل المدينة ، وربّما خالفنا جميعاً ، حتى أتيت على أربعين مسألة ثم قال أبو حنيفة : أليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس )(١) .

وقال في مختصر التحفة الاثني عشرية : ( لو لا السنتان لهلك النعمان )(٢) ، يعني السنتين اللتين نهل فيهما أبو حنيفة من بحر علم الإمام الصادقعليه‌السلام .

وقال الحافظ شمس الدين الجزري : ( وثبت عندنا أنّ كلاً من الإمام مالك ، وأبي حنيفة (رحمهما الله تعالى) صحب الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام حتى قال أبو حنيفة : ما رأيت أفقه منه ، وقد دخلني منه من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور )(٣) .

وقال الجاحظ بعد مدح عشرة من أهل البيتعليهم‌السلام ، ومن ضمنهم الإمام الصادقعليه‌السلام فقال : ( ومن الذي يُعد من قريش ، أو من غيرهم ما يعدّه الطالبيون عشرة في نسق ، كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاك فمنهم خلفاء وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب ولا بيوت العجم )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) تهذيب الكمال ، المزي : ج ٥ ص ٧٩ ؛ نشر مؤسسة الرسالة .

(٢) نقلاً عن أسنى المطالب عمّا في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب : ص ٥٥ .

(٣) المصدر نفسه : ص ٥٥ .

(٤) رسائل الجاحظ : ص ١٠٦ .

٢٨

وقال الذهبي في ترجمة مطوّلة للإمام الصادقعليه‌السلام في كتابه تاريخ الإسلام ، قال في آخرها : ( مناقب جعفر كثيرة ، وكان يصلح للخلافة ، لسؤدده وفضله وعمله وشرفه (رضوان الله عليه) )(١) .

وقال أبو عبد الله سلمان اليافعي في كتابه مرآة الجنان ، في أحداث سنة (٤٨ هـ) : ( الإمام السيد الجليل سلالة النبوّة ومعدن الفتوّة أبو عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام ، ودُفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمد الباقر وجدّه زين العابدين وعمّ جده الحسن بن علي (رضوان الله عليهم أجمعين) ، وأكرم بذلك القبر وما جمع من الأشراف الكرام أُولي المناقب ، وإنّما لقّب بالصادق لصدقه في مقالته ، وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها ، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيان الصوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائله ، وهي خمس مائة رسالة )(٢) .

وقال ابن حجر العسقلاني : ( جعفر بن محمد المعروف بالصادق ، صدوق ، فقيه ، إمام )(٣) .

قال الملا أبو علي القاري في شرح الشفا : ( جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني المعروف بالصادق متفق على إمامته وجلالته وسيادته )(٤) .

وقال محمد بن عبد الرؤوف المناوي القاهري في الكواكب الدريّة :

ـــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات سنة ١٤١ ـ ١٦٠) ، الذهبي : ص ٩٣ .

(٢) مرآة الجنان وعبرة اليقظان : ج ١ ص ٢٣٨ .

(٣) تقريب التهذيب ، ابن حجر : ج ١ ص ١٦٣ .

(٤) شرح الشفا ، أبو علي القاري : ج ١ ص ٤٣ ـ ٤٤ .

٢٩

 ( جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إماماً وله كرامات كبيرة ومكاشفات شهيرة منها أنّه سُعي به عند المنصور ، فلمّا حجّ أحضر الساعي ، وقال للساعي أتحلف ؟ قال : نعم ، فحلف ، فقال : جعفر المنصور حلّفه بما رآه ، فقال : قل برئت من حول الله وقوّته ، والتجأ إلى حولي وقوّتي ، لقد فعل جعفر كذا وكذا ، فامتنع الرجل ، ثم حلف فمات مكانه ، ومنها أنّ بعض الطغاة قتل مولاه فلم يزل يصلّي ، ثم دعا عليه عند السحر فسمعت الضجّة بموته ، ومنها أنّه لمّا بلغه قول الحكم بن عباس الكلبي في عمّه زيد :

صَلَبْنا لكم زيْداً على جِذْعِ نَخْلَةٍ

ولم نرَ مَهْديّاً على الجذْعِ يُصْلَبُ

قال اللّهمّ سلّط عليه كلباً من كلابك ، فافترسه الأسد )(١) .

وقال ابن حجر الهيتمي في صواعقه : ( ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان )(٢) .

الإمام الكاظمعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن إدريس المنذر ، أبو حاتم (ت ٢٧٧ هـ) : ( ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين )(٣) .

وقال الفخر الرازي في بيان معنى الكوثر : ( والقول الثالث : الكوثر

ـــــــــــــ

(١) الكواكب الدريّة : ص ٩٤ .

(٢) الصواعق ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٥ .

(٣) ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء : ج ٦ ص ٢٧٠ .

٣٠

أولاده الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضاعليهم‌السلام )(١) .

وقال ابن حجر الهيتمي قال : ( موسى الكاظم : وهو وارثه [ أي جعفر الصادق ] علماً ومعرفةً وكمالاً وفضلاً ، سُمّي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه ، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله ، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم .

وسأله الرشيد كيف قلتم : إنّا ذرّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنتم أبناء علي ؟ فتلى :( ومِن ذُرّيّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى‏ وَهَارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيّا وَيَحْيَى‏ وَعِيسَى‏ وَإِلْيَاسَ كُلّ مِنَ الصّالِحِينَ ) (٢) ، [وعيسى] ليس له أب ، وأيضاً قال تعالى :( فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٣) ، ولم يدعُ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مباهلته النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين (رضي الله عنهم) ، فكان الحسن والحسين هما الأبناء )(٤) .

وقال خير الدين الزركلي (ت ١٣٩٦) : ( كان من سادات بني هاشم ، ومن أعبد أهل زمانه ، وأحد كبار العلماء الأجواد )(٥) .

ـــــــــــــ

(١) التفسير الكبير ، الفخر الرازي : ج ١٦ ص ١٢٥ .

(٢) الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥ .

(٣) آل عمران : ٦١ .

(٤) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨ .

(٥) الأعلام ، خير الدين الزركلي : ج ٧ ص ٣٢١ .

٣١

الإمام الرضاعليه‌السلام :

قال في حقّه ابن حبان (ت ٣٥٤ هـ) : ( وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن ، من سادات أهل البيت وعقلائهم وجلة الهاشميين ونبلائهم وقبره بسناباذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد ، قد زرته مراراً كثيرة ، وما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا (صلوات الله على جدّه وعليه) ودعوت الله إزالتها عنّي إلا أستجيب لي وزالت عنّي تلك الشدّة ، وهذا شيء جرّبته (صلّى الله عليه وسلام الله عليه وعليهم أجمعين) )(١) .

وقال الذهبي (ت ٧٤٨ هـ) في سير أعلام النبلاء : (علي الرضا الإمام السيد ، أبو الحسن ، علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين ، الهاشمي العلوي المدني وكان من العلم والدين والسؤدد بمكان ، يقال : أفتى وهو شاب في أيام مالك وقد كان علي الرضا كبير الشأن أهلاً للخلافة )(٢) .

وقال أيضاً : ( علي بن موسى الرضا كبير الشأن ، له علم وبيان ، ووقع في النفوس ، صيّره المأمون ولي عهده لجلالته )(٣) .

وقال الحاكم النيسابوري في تاريخه : ( كان يفتي في مسجد رسول

ـــــــــــــ

(١) الثقات ، الألباني : ج ٨ ص ٤٥٦ ـ ٤٥٧ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ٩ ص ٣٨٧ ـ ٣٩٢ .

(٣) المصدر نفسه : ج ١٣ ص ١٢١ .

٣٢

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ابن نيّف وعشرين سنة )(١) .

الإمام الجوادعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن طلحة الشافعي : ( عُرف بأبي جعفر الثاني ، وهو وإن كان صغير السن ، فهو كبير القدر رفيع الذكر )(٢) .

وقال ابن الجوزي : ( كان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود )(٣) .

وقال ابن تيمية : ( كان من أعيان بني هاشم معروف بالسخاء والسؤدد ، ولهذا سُمّي الجواد)(٤) .

وقال الذهبي : ( كان من سروات آل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٥) ، وقد أشار إلى فضله وشرفه صلاح الدين الصفدي في مرآة الجنان(٦) .

وقال الذهبي أيضاً : ( محمد الجواد من سادة قومه )(٧) .

وقال ابن الصباغ المالكي : ( وإن كان صغير السن ، فهو كبير القدر رفيع الذكر ، القائم بالإمامة بعد علي بن موسى الرضا )(٨) .

ـــــــــــــ

(١) نقل قوله ابن حجر في تهذيب التهذيب : ج ٧ ص ٣٣٩ .

(٢) مطالب السؤول في مناقب الرسول ، كمال الدين الشافعي : ج ٢ ص ١٤٠ .

(٣) تذكرة الخواص ، السبط ابن الجوزي : ص ٣٢١ .

(٤) منهاج السنّة ، ابن تيمية : ج ٤ ص ٦٨ .

(٥) تاريخ الإسلام: (حوادث ووفيات سنة ٢١١ ـ ٢٢٠) ، الذهبي : ص ٣٥٨ .

(٦) مرآة الجنان ، عبد الله بن أسعد المكي: ج ٢ ص ٦٠ ـ ٦١ .

(٧) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢١ .

(٨) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة ، ابن الصباغ المالكي : ص ٢٥٣ .

٣٣

وقال يوسف بن إسماعيل النبهاني (ت ١٣٥٠ هـ) : ( محمد الجواد بن علي الرضا أحد أكابر الأئمّة ومصابيح الأُمّة من سادات أهل البيت توفّى وله من العمر (٢٥) سنة وشهر رضي الله عليه وعن آبائه الطيبين الطاهرين وأعقابهم أجمعين ونفعنا ببركتهم آمين )(١) .

وقال محمود بن وهيب : ( وهو الوارث لأبيه علماً وفضلاً ، وأجلّ أخوته قدراً وكمالاً )(٢) .

وقال السيد محمد عبد الغفار الهاشمي الأفغاني : ( خاف الملك المعتصم على ذهاب ملكه إلى الإمام محمد الجوادعليه‌السلام إذ كان له قدر عظيم علماً وعملاً )(٣) .

الإمام الهاديعليه‌السلام :

قال في حقّه شمس الدين الذهبي في ( العبر ) : ( وفيها ـ أي سنة ٢٥٤ هجرية ـ توفّي أبو الحسن علي بن الجواد محمد ابن الرضا علي بن الكاظم موسى العلوي الحسيني المعروف بالهادي ، توفّي بسامراء وله أربعون سنة ، وكان فقيهاً إماماً متعبّداً )(٤) . وفي مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجدهعليه‌السلام يستثمر الفرص لإبداء النصح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث قال

ـــــــــــــ

(١) جامع كرامات الأولياء : ج١ : ص ١٦٨ ـ ١٦٩ .

(٢) أئمّتنا : محمد علي دخيل : ج ٢ ص ٢٠٦ .

(٣) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي النجفي : ج ١٢ ص ٤١٧ ، نقلاً عن كتاب أئمّة الهدى : ص ١٣٥ ـ ط ١ القاهرة .

(٤) العبر في أخبار مَن غبر : ج ١ ص ٢٢٨ ؛ وكذا مرآة الجنان وعبرة اليقظان : ج ٢ ص ١١٩ .

٣٤

ابن خلكان في وفيات الأعيان : ( وهو أحد الأئمّة الاثني عشر عند الإمامية ، كان قد سُعي به إلى المتوكل ، وقيل : إنّ في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته ، وأوهموه أنّه يطلب الأمر لنفسه ، فوجّه إليه بعدّة من الأتراك ليلاً ، فهجموا عليه في منزله على غفلة ، فوجدوه وحده في بيت مغلق ، وعليه مدرعة من شعر يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، ليس بينه وبين الأرض بساط إلاّ الرمل والحصى ، فأخذ على الصورة التي وجد عليها ، وحُمل إلى المتوكل في جوف الليل ، فمثُل بين يديه ، والمتوكل يستعمل الشراب وفي يده كأس ، فلمّا رآه أعضمه وأجلسه إلى جنبه ، ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل عنه فناوله المتوكل الكأس الذي كان بيده ، فقال : اعفني ، ما خامر لحمي ودمي قط ، فاعفني منه ، فأعفاه وقال : أنشدني شعراً استحسنه ، فقال : إنّي لقليل الرواية للشعر ، قال : لابد أن تنشدني ، فأنشده :

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم

غلبُ الرجال فما أغنتهم القللُ

واستُنزلوا بعد عز من معاقلهم

فأودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخٌ من بعد ما قُبروا

أين الأسرة والتيجان والحللُ

أين الوجوه التي كانت منعمةً

من دونها تُضرب الأستار والكللُ

٣٥

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتلُ

قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا(١)

وبنفس هذا المضمون قال ابن الوردي في كتابه أخبار مَن غبر(٢) ، وكذا أبو صلاح الصفدي(٣) .

وقال ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة : ( قال بعض أهل العلم : فضل أبي الحسن علي بن محمد الهادي قد ضرب على الحرة بابه ، ومدّ على نجوم السماء أطنابه فما تعدّ منقبة إلاّ وإليه نحلتها ، ولا تذكر كريمة إلاّ وله فضيلتها ، ولا تورد محمدة إلاّ وله تفضلها وجملتها فكانت نفسه مهذّبة وأخلاقه مستعذبة وسيرته عادلة وخلاله فاضلة جرى على الوقار والسكون والطمأنينة والعفّة والنزاهة ، والخمول في النباهة على وتيرة نبوية وشنشنة علوية ونفس زكية وهمّة عليّة )(٤) .

وقال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة : ( توفّى [ الجواد ] وعمره خمس وعشرون سنة عن ذكرين وبنتين أجلّهم علي العسكري وكان وارث أبيه علماً وسخاءً )(٥) .

ـــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ، ابن خلكان : ج ٣ ص ٢٣٨ ؛ دار الكتب العلمية .

(٢) العبر في أخبار من غبر: ج ١ ص ٣٦٤ .

(٣) الوافي بالوفيات ، الصفدي : ج ٢٢ ص ٧٢ ـ ٧٣ .

(٤) الفصول المهمّة : ص ٢٧٠ .

(٥) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣١٢ .

٣٦

وقال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب : ( أبو الحسن المعروف بالهادي كان فقيهاً إماماً متعبّداً )(١) .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : ( وكذا ولده الملقّب بالهادي شريف جليل )(٢) .

الإمام العسكريعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن طلحة الشافعي : ( اعلم أنّ المنقبة العليا والمزية الكبرى التي خصّه الله عزّ وجلّ بها ، وقلّده فريدها ، ومنحه تقليدها ، وجعلها صفة دائمة لا يبلي الدهر جديدها ، ولا تنسى الألسن تلاوتها وترديدها ، أنّ المهدي محمد من نسله المخلوق منه وولده المنتسب إليه ، وبضعته المنفصلة عنه )(٣) .

وقال ابن الجوزي : (... كان عالماً ثقة )(٤) وقال ابن الصباغ المالكي : ( مناقب سيّدنا أبي محمد العسكري دالة على أنّه السري ابن السري ، فلا يشك في إمامته أحد ولا يمتري واحد زمانه من غير مدافع ، ويسبح وحده من غير منازع ، وسيد أهل عصره ، وإمام أهل دهره ، أقواله سديدة وأفعاله حميدة كاشف الحقائق بنظره الصائب ، ومظهر الدقائق بفكره الثاقب ، المحدّث في سرّه بالأمور الخفيات ، الكريم

ـــــــــــــ

(١) شذرات الذهب ، عماد الحنبلي : ج ٢ ص ٢٧٢ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢١ .

(٣) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ج ٢ ص ١٤٨ .

(٤) تذكرة الخواص : ص ٣٢٤ .

٣٧

الأصل والنفس والذات ، تغمّده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آمين )(١) .

وقال العباس بن نور الدين المكي (ت ١١٨٠ هـ) : ( أبو محمد الإمام الحسن العسكري : نسبه أشهر من القمر ليلة أربعة عشر يعرف هو وأبوه بالعسكري ، وأمّا فضائله فلا يحصرها السن )(٢) .

وعن الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري : ( قال نسبه ولمّا ذاع خبر وفاته ارتجّت سُرّ مَن رأى وقامت صيحة واحدة ، وعطلت الأسواق ، وأغلقت الدكاكين ، وركب بنو هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة وسائر الناس إلى جنازته ، وكانت سرّ مَن رأى يومئذ شبيه بالقيامة )(٣) .

وقال الحضرمي الشافعي : ( أبو محمد الحسن الخالص بن علي العسكري ، كان عظيم الشأن جليل المقدار ووقع له مع المعتمد لما حبسه كرامة ظاهرة مشهورة )(٤)

وقد جمع مدحهمعليهم‌السلام الذهبي في عبارة جامعة حيث قال : ( إنّ بني هاشم أفضل القريش ، وقريشاً أفضل العرب ، والعرب أفضل بني آدم ، كما صحّ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله في الحديث الصحيح :إنّ الله اصطفى بني

ـــــــــــــ

(١) الفصول المهمة : ص ٢٧٩ ؛ وقال بمضمونه نور الدين السمهودي في كتابه الإتحاف بحب الأشراف .

(٢) حياة الإمام العسكري ، القرشي : ص ٦٩ .

(٣) شرح إحقاق الحق : ج ٢٩ ص ٦٠ ـ ٦١ ، نقلاً عن أحسن القصص : ج ٤ ص ٣٠٤ .

(٤) قادتنا كيف نعرفهم ، السيد الميلاني : ج ٧ ص ١١٥ ، عن وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل : ص ٤٢٦ .

٣٨

إسماعيل ، واصطفى كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى بني هاشم من قريش )(١) .

وقال الذهبي في ترجمته للإمام المهدي المنتظرعليه‌السلام : ( ومحمد هذا هو الذي يزعمون أنّه الخلف الحجّة ، وأنّه صاحب الزمان ، وأنّه حي لا يموت ، حتى يخرج ، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً .

فوددنا ذلك ، والله .

فمولانا الإمام علي : من الخلفاء الراشدين ، وابناه الحسن والحسين : فسبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك .

وزين العابدين : كبير القدر ، من سادة العلماء العاملين ، يصلح للإمامة .

وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر : سيد ، إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة .

وكذلك ولده جعفر الصادق : كبير الشأن ، من أئمّة العلم ، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور .

وكان ولده موسى : كبير القدر ، جيد العلم ، أولى بالخلافة من هارون .

وابنه علي بن موسى الرضا : كبير الشأن ، له علم وبيان ، ووقع في النفوس ، صيّره المأمون ولي عهده لجلالته .

وابنه محمد الجواد : من سادة قومه .

وكذا ولده الملقّب بالهادي : شريف جليل .

وكذلك ابنه الحسن بن علي العسكري رحمهم الله تعالى )(٢) .

ـــــــــــــ

(١) رأس الحسين ، ابن تيمية : ص ٢٠٠ ـ ٢٠١ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ ـ ١٢١ .

٣٩

ومن جميع ما تقدّم يتضح ـ لمَن له أذن واعية ـ بطلان المقولة القائلة بأنّ الإمامة لا فائدة منها ، وأنّ الأئمّة الاثني عشر من آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) لم يمارسوا دورهم القيادي في الحكومة وهداية الأمة ؛ وذلك لقيام الأئمّة بمسؤوليتهم وأداء دورهم في حياة الأمة في الحفاظ على الرسالة ، وتحصينها ضد التردّي والسقوط في الهاوية .

وإنّ إقصاءهم عن تسلّم الحكم لا يعني تخلّيهم عن مسؤوليتهم في تحمّل أعباء الإمامة بما لها من أبعاد أخرى .

تراث زاخر

وأمّا قول المستشكل : أين هي أقوال أئمّة الاثني عشرية ؟

فنقول : ما عليك إلاّ بمراجعة يسيرة للتراث الشيعي حتى تجده زاخراً بروايات وتوصيات وتوجيهات أهل البيتعليهم‌السلام في كل المجالات ، ولم تقتصر الاستفادة منها على شيعتهم وأتباعهم فقط ، وإنّما عمّت الفائدة لكل الطوائف الأخرى ، كما تقدّم .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وقوع صاحبها في ضيق لا يسعه الخروج منه بدونها، ولهذا كانت هذه الآية من نِعَمِ اللّه تعالى على اُمّة محمّد (ص)، كما صرّح بذلك علماء أهل السُّنّة.

قالالقرطبي المالكي (ت / ٦٧١ه‍): «وهذه الآية تدخل في كثير من الأحكام، وهي ممّا خصّ اللّه بها هذه الاُمّة.

روى معمّر، عن قتادة قال: اُعطيت هذه الاُمّة ثلاثاً لم يُعطَها إلا نبيّ: كان يقال للنبيّ: إذهب فلا حرج عليك، وقيل لهذه الاُمّة: (وما جعَل عليكُم في الدِّين مِن حرَجٍ(١) .

الآية الثامنة:

قال تعالى:( ادفَع بالّتِي هي أحسَنُ فإِذا الّذي بينَكَ وبينَهُ عداوَة كأنّهُ وليّ حمِيم ) (٢) .

إنّ دلالة هذه الآية على وجوب تمسّك المسلم بالأخلاق الفاضلة ومراعاة شعور الآخرين، ومقابلة الإساءة بالإحسان، وردّ الباطل بالحقّ، والتسامح مع الآخرين، لا يكاد يشكّ فيه أي مسلم كان، وهذا المعنى ممّا اتّفق عليه المفسّرون عن بكرة أبيهم.

ولا شكّ أنّ هذه الاُمور التي دلّت عليها الآية الكريمة تدخل - بقدر ما - في باب المداراة، والمداراة هي من التقية اتفاقاً.

على أنّ هناك الكثير من الآيات الاُخر التي تقرّب إلى الأذهان مشروعيّة

____________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ١٢: ١٠٠.

(٢) فصّلت ٤١: ٣٤.

٨١

التقية في القرآن الكريم، من ذلك:

قوله تعالى:( لا يُكلِّفُ اللّهُ نفساً إِلا ما آتاها ) (١) .

وقوله تعالى:( يُرِيدُ اللّهُ بِكُم اليُسرَ ولا يُرِيدُ بِكُم العُسرَ ) (٢) .

كما أنّ قوله تعالى:( بلِ الإنسانُ على نفسِهِ بصيرَة ) (٣) ، يدلّ على أنّ للإنسان أن يُقدِّر نتائج ما يُقدم عليه من استعمال التقية أو تركها، بل عليه أن يُقدِّر نتائج كلّ ما يُقدم عليه في حياته كلّها، لأنّه مسؤول عن تلك النتائج صغيرها وكبيرها يوم القيامة، وستشهد بها جوارحه عليه، ولا مجال هناك للإنكار أو المجادلة كما يُشعر بذلك قوله تعالى بعد ذلك: (ولو ألقى معاذِيرَه ُ)(٤) .

وهذا يعني أنّ الاضطرار أو الإكراه اللّذين يواجههما الإنسان في حياته يُترك تقديرهما له، لأنّه أعلم من غيره حين ينزلان به، وعليه أن يزن الاُمور بالميزان الحقّ، فإن علم أنّه لا مخرج من الاضطرار إلا بأكل المحرّم فله ذلك، وإن شعر أنّ الإكراه على المعصية من فعل أو قول إن أدّى - مع عدم الامتثال للمكرِه - إلى القتل أو ما يقاربه من وعيد متلف أو الاعتداء على الأعراض أو الأموال وغير ذلك من الأضرار الاُخرى التي لا تُطاق عادة، فله أن يستعمل التقية، وقد مرّ هذا المعنى في كلمات المفسّرين للآية الثانية كالرازي وغيره، فراجع.

____________________

(١) الطلاق ٦٥: ٧.

(٢) البقرة ٢: ٨٥.

(٣) القيامة ٧٥: ١٤.

(٤) القيامة ٧٥: ١٥.

٨٢

ثانياً - السُّنّة المطهّرة - القولية والفعلية

ورد مفهوم التقية في كثير من النصوص المخرجة في كتب الصحاح والمسانيد، وكتب السيرة وقد اُسندت إلى النبيّ (ص)، وسنذكر منها ما يصحّ الاحتجاج به على مشروعية التقية، وعلى النحو الآتي:

١ - أخرج البخاري (ت / ٢٥٦ه‍) من طريق قتيبة بن سعيد، عن عروة بن الزبير أنّ عائشة أخبرته أنّ رجلاً استأذن في الدخول إلى منزل النبيّ (ص)، فقال (ص): «ائذنوا له فبئس ابن العشيرة، أو بئس أخو العشيرة، فلمّا دخل ألآن له الكلام. فقلت له: يا رسول اللّه قلت ما قلت ثمّ ألِنت له في القول؟ فقال:أي عائشة، إنّ شرّ الناس منزلة عند اللّه من تركه أو ودَعَهُ الناس اتّقاء فُحشه »(١) .

وهذا الحديث صريح جداً بتقيّة رسول اللّه (ص) من أحد رعيته لفحشه، فكيف إذاً لا تجوز تقية من هو ليس بنبي من المسلم الظالم المتسلّط الذي لا يقاس ظلمه مع ضرر كلام الفاحش البذيء؟

٢ - الحديث المشهور بين علماء المسلمين: «رفع اللّه من اُمّتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه »(٢) .

____________________

(١) صحيح البخاري ٨: ٣٨ - كتاب الإكراه، باب المداراة مع الناس، سنن أبي داود ٤: ٢٥١ / ٤٧٩١ و٤٧٩٢ و٤٧٩٣، ورواه محدّثو الشيعة الإمامية أيضاً باختلاف يسير كما في اُصول الكافي / الكليني ٢: ٢٤٥ / ١ - كتاب الإيمان والكفر، باب من يتّقى شرّه.

(٢) فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ابن حجر العسقلاني ٥: ١٦٠ - ١٦١، مسند الربيع بن حبيب ٣: ٩، تلخيص الحبير / ابن حجر ١: ٢٨١، كشف الخفاء / العجلوني ١: ٥٢٢، كنز العمال / المتّقي الهندي ٤: ٢٣٣ / ١٠٣٠٧، الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة / السيوطي: ٨٧.

٨٣

وهذا الحديث يدلّ أيضاً على مشروعيّة التقية، وانّ صاحبها لا يؤاخذ بشيءٍ ما دام مكرهاً عليها، وقد مرّ في كلام ابن العربي المالكي ما له علاقة بهذا الحديث ودلالته على التقية في تفسيره للآية الثانية، فراجع.

٣ - الحديث المروي عن ابن عمر (ت / ٦٥ه‍)، عن النبيّ (ص) أنّه قال: «المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم »(١) .

ولا تخفى ما في مخالطة الناس من اُمور توجب المداراة، التي تدخل من هذا الباب في حقل التقية.

٤ - أخرج الهيثمي (ت / ٨٠٧ه‍) من طريق إبراهيم بن سعيد، عن النبيّ (ص) أنّه قال: «كيف أنتم في قوم مرجت عهودهم وأماناتهم وصاروا حثالة ؟ وشبّك بين أصابعه. قالوا: كيف نصنع؟ قال:اصبروا وخالقوا الناس بأخلاقهم، وخالفوهم بأعمالهم »(٢) .

ولعمري، هل هناك أصرح من هذا بالتقية؟ وكيف تكون مخالقة حثالة الناس بأخلاقهم، ومخالفتهم في أعمالهم من غير تقية؟

٥ - حديث ابن عمر عن النبيّ (ص) أنّه قال: «لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه، قال: قلت: يا رسول اللّه كيف يذلّ نفسه؟ قال:يتعرّض من البلاء لما لا يطيق »(٣) .

____________________

(١) سنن ابن ماجة ٢: ١٣٣٨ / ٤٠٣٢، والسنن الكبرى / البيهقي ١٠: ٨٩، ورواه البيهقي من طريق آخر بلفظ: (أفضل) مكان (أعظم أجراً)، ومثله في حلية الأولياء / أبو نعيم ٥: ٦٢ و٧: ٣٦٥، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي ١٠: ٣٥٩ - رواه عن البغوي.

(٢) كشف الأستار / الهيثمي ٤: ١١٣ / ٢٣٢٤.

(٣) م. ن ٤: ١١٢ / ٢٣٢٣.

٨٤

أقول: لقد طبّق هذا الحديث من أدرك الحكم الأموي من الصحابة وما أكثرهم، بل وجميع التابعين، ذلك لأنّ من الثابت الذي لا يرقى إليه الشكّ مطلقاً، أنّ علياً عليه السلام قد لعنه الأمويّون على منابر المسلمين لعشرات من السنين، ولم يغيّر أحد هذا المنكر لا من الصحابة ولا من التابعين، إلا القليل الذين احتفظ التاريخ بمواقفهم وسجّلها بكل إعزار وتقدير، فقد أدرك الكلّ أنّ مثل هذا التغيير سيعرّضهم إلى ما لا يطيقون من البلاء، ولا أعلم موقفاً أوضح منه في التقية.

٦ - أخرج المحدّثون عن علي عليه السلام (ت / ٤٠ه‍) وابن عبّاس (ت / ٦٨ه‍)، ومعاذ بن جبل (ت / ١٨ه‍)، وعمر بن الخطّاب (ت / ٢٣ه‍)، عن النبيّ (ص)، أنّه قال: «استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان، فإنّ كل ذي نعمة محسود »(١) .

أقول: لقد مرّت فائدة كتمان مؤمن آل فرعون إيمانه، حيث استطاع - وبفضل كتمان إيمانه، وتظاهره بمظهر الناصح الشفيق على مصلحة فرعون وقومه - أن يثني فرعون اللعين عمّا عزم عليه من جرم عظيم.

على أنّ هذا الحديث لا يعني الأمر بكتمان الحقّ والتظاهر بالباطل، ولا يحثّ على ذلك مطلقاً، بل فيما يعنيه أنّ في الكتمان فوائد لا تتحقّق بغيره، ولمّا كانت التقية هي عبارة عن كتمان ما ترى وإظهار خلافه للحفاظ على النفس أو العِرض أو المال، إذاً اتّضحت علاقة الحديث بالتقية.

٧ - حديث السيوطي، عن النبيّ (ص) قال: «بئس القوم قوم يمشي المؤمن فيهم

____________________

(١) المعجم الكبير / الطبراني: ٢٠: ٩٤ / ١٨٣، حلية الأولياء / أبو نعيم ٦: ٩٦، الجامع الصغير / السيوطي ١: ١٥٠ / ٩٨٥، كنز العمال / المتّقي الهندي ٦: ٥١٧ / ١٦٨٠٠ و٦: ٢٥٠ / ١٦٨٠٩.

٨٥

بالتقية والكتمان»(١) .

وهذا الحديث مؤيّد بنصوص القرآن الكريم، وقد مرّ بعضها، حيث امتدح اللّه تعالى مؤمن آل فرعون، وذمّ فرعون وقومه.

كما وصف أهل الكهف بقوله تعالى:( إِنّهُم فِتيَة آمنُوا بِربِّهِم وزِدناهُم هُدىً ) ووصف قومهم بأنّهم:( مِمَّن افترى على اللّهِ كذِباً ) (٢) .

ولا يمكن والحال هذه تصوّر حياة أهل الكهف خالية من التقية، وهم بين ظهراني قوم يفترون على اللّه الكذب، مع عتوّ ملكهم دقيانوس (ت / ٣٨٥م) الذي جاس خلال الديار والبلاد بالعبث والفساد، وقتل من خالفه من المتمسّكين بدين المسيح عليه السلام، وكان يتبع الناس فيخيّرهم بين القتل وعبادة الأوثان(٣) .

وقد أخرج المفسّرون عن ابن عبّاس (ت / ٦٨ه‍)، وعطاء (ت / ١١٤ه‍)، ومجاهد (ت / ١٠٣ه‍)، وعكرمة (ت / ١٠٥ه‍)، وابن جريج (ت / ١٥٠ه‍) وغيرهم من أنّ عامّة أهل بلدهم كانوا كفّاراً، وكان فيهم قوم يخفون إيمانهم على وجه التقية، ومنهم أصحاب الكهف الذين كانوا من الأشراف على دين عيسى عليه السلام، وكانوا يعبدون اللّه سرّاً ويكتمون أمرهم(٤) .

كلّ ذلك يؤيّد صحّة ما رواه السيوطي آنفاً، ويفصح عن أنّ التقية لا تكون

____________________

(١) الجامع الصغير / السيوطي ١: ٤٩١ / ٣١٨٦، عن الديلمي في مسند الفردوس، عن ابن مسعود.

(٢) الكهف ١٨: ١٥.

(٣) تقدّم هذا الكلام في بيان دلالة الآية الرابعة على التقية، عن تفسير أبي السعود، فراجع.

(٤) الجامع لأحكام القرآن ١٠: ٣٥٩، زاد المسير ٥: ١٢٠، الدرّ المنثور ٥: ٣٦٦.

٨٦

من المؤمن أبداً، لأنّ المؤمنين إخوة، والمؤمن مرآة المؤمن، وإنّما تكون من الإنسان الظالم الذي لا يؤتمن جانبه.

٨ - ما رواه ابن العربي المالكي (ت / ٥٤٣ه‍) في أحكام القرآن حول إرسال النبيّ (ص) جماعة من الصحابة لقتل كعب بن الأشرف الطائي في السنة الثالثة من الهجرة، وكان فيهم محمّد بن مسلمة (ت / ٤٣ه‍)، وكيف انّ ابن مسلمة وأصحابه قد استأذنوا النبيّ (ص) في أن ينالوا منه (ص)، فقالوا: «يا رسول اللّه أتأذن لنا أن ننال منك؟»(١) فأذن لهم بذلك، وهكذا مكّنهم اللّه تعالى على قتله بعد أن تظاهروا لكعب تقية - وبإذن النبيّ (ص) - بأنّهم كرهوا دينه.

٩ - الحديث المخرج في كتب الطرفين، وهو من قوله (ص): «لا ضرر ولا ضرار » وفي لفظ آخر: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام »(٢) .

وهذه القاعدة، أعني: قاعدة نفي الضرر، قد تفرّعت منها قواعد كثيرة، نصّ عليها ابن نجيم الحنفي (ت / ٩٧٠ه‍)، وقد ذكر في كلّ منها مسائل شتّى، ومنها المسائل المحتمل فيها وقوع الضرر، أو المتيقّن عند الإكراه، وسيأتي كلامهُ في الفصل الأخير عند الحديث عن التقية في فقه الأحناف.

____________________

(١) أحكام القرآن / ابن العربي ٢: ١٢٥٧.

(٢) ورد اللفظ الأوّل في مسند أحمد ١: ٣١٣، وسنن ابن ماجة ٢: ٧٨٤ في الأحاديث: ٢٣٤٠ و٢٣٤١ و٢٣٤٢، والسنن الكبرى للبيهقي ٦: ٦٩ و٧٠ و٤٥٧، و١٠: ١٣، والمعجم الكبير للطبراني ٢: ٨١ و١١: ٣٠٢، وسنن الدارقطني ٣: ٧٧، ومستدرك الحاكم ٢: ٥٨، ومجمع الزوائد للهيثمي ٤: ١١٠، وكنز العمّال ٤: ٥٩ / ٩٤٩٨، وحلية الأولياء ٩: ٧٦، وتهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر ٦: ٣٢٥.

وورد اللفظ الثاني في نصب الراية للزيلعي ٤: ٣٨٤ و٣٨٦، وارواء الغليل للألباني ٣: ٤١١، ورواه من الشيعة: الصدوق في من لا يحضره الفقيه ٤: ٢٤٣ حديث ٧٧٧، والاحسائي في عوالي اللآلي ١: ٣٨٣.

٨٧

١٠ - ما رواه الحسن البصري (ت / ١١٠ه‍) وأيّده عليه سائر المفسّرين من أنّ عيوناً لمسيلمة الكذّاب (ت / ١٢ه‍) قد أخذوا رجلين من المسلمين فأتوه بهما، فقال لأحدهما: أتشهد أنّ محمّداً رسول اللّه؟ قال: نعم. قال: أتشهد انّي رسول اللّه، فأبى ولم يشهد، فقتلهُ. وقال مثل ذلك للثاني فشهد لمسيلمة الكذّاب بما أراد، فأطلقه، فأتى النبيّ (ص)، وأخبره بما جرى، فقال (ص): «أمّا صاحبك فمضى على إيمانه، وأمّا أنت فأخذت بالرخصة »(١) .

١١ - ما رواه ابن ماجة (ت / ٢٧٣ه‍) في قصّة عمّار بن ياسر (ت / ٣٧ه‍) واُمّه سميّة بنت خباط (ت /٧ ق ٠ه‍)، وصهيب (ت / ٣٨ه‍)، وبلال (ت / ٣٧ه‍) والمقداد (ت / ٣٣ه‍) قال: «فأخذهم المشركون وألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم أحد إلا وقد وآتاهم على ما أرادوا إلا بلالاً»(٢) وفي لفظ أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار بن ياسر - كما في تفسير الطبري (ت / ٣١٠ه‍) -: «أخذ المشركون عمّار بن ياسر فعذّبوه حتّى باراهم في بعض ما أرادوا، فشكا ذلك إلى النبيّ (ص)، فقال النبيّ (ص):كيف تجد قلبك ؟ قال: مطمئنّاً بالإيمان، قال النبيّ (ص):فإن عادوا فعد »(٣) .

وفي لفظ الرازي (ت / ٦٠٦ه‍) انّه قيل بشأن عمّار: «يا رسول اللّه إنّ عماراً كفر. فقال:كلا، إنّ عمّاراً مليء إيماناً من فرقه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه، فأتى عمّار رسول اللّه (ص) وهو يبكي، فجعل رسول اللّه (ص) يمسح عينيه ويقول:ما لك؟ إن عادوا لك، فعد لهم بما قلت »(٤) .

____________________

(١) تفسير الحسن البصري٢: ٧٦.

(٢) سنن ابن ماجة ١: ٥٣، ١٥٠ / باب ١١ - في فصل سلمان وأبي ذرّ والمقداد.

(٣) جامع البيان / الطبري ١٤: ١٢٢.

(٤) التفسير الكبير / الرازي ٢٠: ١٢١، وقد تقدّمت قصّة عمّار بن ياسر وما قبلها =

٨٨

١٢ - وما يستدلّ به على التقية في هذا الباب ما اتّفق عليه جميع المسلمين وبلا استثناء من أنّه (ص) كان يدعو الناس سرّاً إلى الإسلام في أوّل الأمر، إشفاقاً منه على هذا الدين العظيم حتى لا يُخنق في مهده، وتباد أنصاره.

فالدعوة إلى الإسلام قد بدأت إذا‍ً من دائرة التقية، حيث اتّفق علماء السيرة، والمؤرّخون، والمفسّرون وغيرهم على القول بأنّ رسول اللّه (ص) لم يجهر بالدعوة إلى الإسلام إلا بعد ثلاث سنين من نزول الوحي(١) .

ولو كانت التقية غير مشروعة، لكونها مثلاً من الكذب والنفاق والخداع، أو أنّها معارضة لعقيدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لما مرّت الدعوة إلى هذا الدين الحنيف بهذا العمر من التستّر والكتمان.

وقد مرّ عن ابن قتيبة (ت / ٢٧٦ه‍) في المسائل والأجوبة في مناقشتنا لقول السرخسي في تقية النبيّ (ص) في الآية الثانية ما له علاقة بالمقام، فراجع.

وإن دلّ هذا على شيء إنّما يدلّ على ضرورة ملازمة التقية لكل دعوة إصلاح، حتى لا يذاع أمرها، وتخنق في مهدها، وممّا يشهد على صحّة هذا القول هو ما ينادي به الإسلاميّون في الساحة الإسلامية من ضرورة تطبيق أحكام الشرع الإسلامي، ولا شكّ أنّ تحرّكاتهم تلك لا بدّ وأن تكون قد مرّت

____________________

= أيضاً في تفسير الآية الثانية بكثير من تفاسير أهل السُّنّة فراجع.

(١) راجع كتب السيرة النبويّة مثل: السيرة النبويّة / ابن هشام ١: ٢٨٠، والسيرة النبويّة / ابن كثير ١: ٤٢٧، والسيرة الحلبية / ابن برهان ١: ٢٨٣، والسيرة النبويّة / دحلان ١: ٢٨٢ - مطبوع بهامش السيرة الحلبية.

وكتب التاريخ مثل: تاريخ الطبري ١: ٥٤١، والكامل في التاريخ /ابن الأثير ٢: ٦٠، والبداية والنهاية / ابن كثير ٣: ٣٧، وكذلك سائر كتب التفسير - لا سيّما ما اختصّ منها بالأثر - في تفسير قوله تعالى: (وأنذِر عشيرتَكَ الأقربينَ) الشعراء ٢٦: ٢١٤.

٨٩

بدور التقية والكتمان، إذ لا يعقل ظهورها وبهذا الحجم - الذي أرعب الكثير من الدوائر الاستعمارية - كان فجأة وبلا استعداد وتنظيم.

١٣ - أخرج البخاري من طريق عبد الوهاب، عن أبي مليكة قال: «إنّ النبيّ (ص) اُهديت له أقبية من ديباج مزرّرة بالذهب، فقسّمها في ناس من أصحابه، وعزل منها واحداً لمخرمة، فلمّا جاء، قال:خبّأت هذا لك .

قال أيوب (أحد رجال اسناد البخاري) بثوبه أنّه يريد إيّاه، وكان في خُلُقِه شيء»(١) .

قال محمّد بن يوسف الكرماني (ت / ٧٨٦ه‍) في شرح صحيح البخاري: «أيوب بثوبه: أي: متلبساً به، حالاً عن لفظ خبّأت، يعني: قال رسول اللّه (ص): خبّأت هذا الذهب لك، وكان ملتصقاً بالثوب، وإن رسول اللّه (ص) كان يُري مخرمة إزاره، ليطيّب قلبه به، لأنّه كان في خُلُق مخرمة نوع من الشكاسة.

ولفظ: (قال بثوبه) معناه: أشار أيّوب إلى ثوبه ليستحضر فعل النبيّ (ص) للحاضرين، قائلاً: انّه يُري مخرمة الإزار»(٢) .

أقول: ربّما يقال انّ الحديث ليس فيه ما يدلّ على تقية النبيّ (ص) من مخرمة، لأنّه (ص) لم يظهر لمخرمة إلا الواقع، فأين التقية في هذا الحديث؟

والجواب: إنّ في هذا الحديث مداراة واضحة، والمداراة تدخل في باب التقية، بل لا فرق بينهما كما يظهر من كلام السرخسي في حذيفة بن اليمان

____________________

(١) صحيح البخاري ٨: ٣٨ - كتاب الأدب، باب المداراة مع الناس.

(٢) صحيح البخاري بشرح الكرماني / الكرماني ٧٢٢ / ٥٧٥٦ - كتاب الأدب، باب المداراة مع الناس.

٩٠

على ما سيأتي في موقف الصحابة من التقية في الفصل الثاني.

١٤ - وأخرج البخاري أيضاً من طريق عبد اللّه بن مسيلمة، عن عبد اللّه بن عمر، عن عائشة قالت: «إنّ رسول اللّه (ص) قال لها:ألم تري قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم؟ فقلت: يا رسول اللّه ألا تردّها على قواعد إبراهيم؟ قال:لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت »(١) .

ولقد أعاد البخاري رواية الحديث بصيغ اُخرى أيضاً.

وأخرج ابن ماجة (ت / ٢٧٣) من طريق ابن أبي شيبة، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة قالت: «سألت رسول اللّه (ص) عن الحِجرِ؟ فقال:هو من البيت . قلت: ما منعهم أن يدخلوه فيه؟ قال:عجزت بهم النفقة . قلت: فما شأن بابه مرتفعاً، لا يُصعد إليه إلا بسلّم؟ قال:ذلك فعل قومك، ليدخلوه من شاؤوا ويمنعوه من شاؤوا، ولولا أنّ قومك حديث عهد بكفر مخافة أن تنفر قلوبهم، لنظرت هل أغيّره فاُدخل فيه ما انتقص منه، وجعلت بابه بالأرض »(٢) .

وهذا الحديث قد أخرجه البخاري بلفظه من طريق مسدد، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة(٣) ، كما أخرجه مسلم (ت / ٢٦١ه‍) في صحيحه من طريقين كلاهما عن الأسود بن يزيد، عن عائشة(٤) ، وأخرجه الترمذي (ت / ٢٩٧ه‍) كذلك وقال: «هذا حديث حسن صحيح»(٥) .

____________________

(١) صحيح البخاري ٢: ١٧٩ - كتاب الحجّ، باب فضل مكّة وبنيانها.

(٢) سنن ابن ماجة ٢: ٩٨٥ / ٢٩٥٥، كتاب المناسك - باب الطواف بالحِجر.

(٣) صحيح البخاري ٢: ١٧٩ - ١٨٠، كتاب الحجّ - باب فضل مكّة وبنيانها، وأعاد روايته في كتاب الأحكام - باب ما يجوز من اللّو في الجزء التاسع: ص ١٠٦.

(٤) صحيح مسلم ٢: ٩٧٣ / ٤٠٥ و٤٠٦ / كتاب الحجّ - باب جدر الكعبة وبابها.

(٥) صحيح الترمذي ٣: ٢٢٤ / ٨٧٥ (كتاب الحجّ - باب ما جاء في كسر الكعبة).

٩١

وفي لفظ الإمام أحمد بن حنبل (ت / ٢٤٠ه‍): «لولا أن قومك حديث عهد بشرك أو بجاهلية لهدّمت الكعبة، فألزقتها بالأرض، وجعلت لها بابين: باباً شرقياً، وباباً غربياً، وزدت فيها من الحجر ستة أذرع، فإنّ قريشاً اقتصرتها حين بنت الكعبة »(١) .

وقريب من هذا اللفظ ما أخرجه البخاري من طريق عبيد بن إسماعيل، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، ومن طريق سنان بن عمرو، عن عروة، عن عائشة(٢) . وبعد... أليس في هذه الأحاديث دلالة صريحة على أنّ رسول اللّه (ص) كان يتّقي القوم مخافة أن تنفر قلوبهم، لحداثة عهدهم بالكفر، وقربه من الشرك والجاهلية؟

ثالثاً - دليل الإجماع:

لقد ثبت ممّا تقدّم انّ التقية قد شرّعها اللّه تعالى في كتابه الكريم، وتقدّمت أقوال ما يزيد على ثلاثين مفسّراً من مفسّري المذاهب والفرق الإسلامية في جواز التقية، زيادة على ما أثبتته أهم كتب الحديث وأصحّها عند أهل السُّنّة من جواز التقية أيضاً.

وهذا يعني انّ أهم مصادر التشريع في الإسلام قد أثبتت مشروعية التقية، إذ ليس هناك من مصدر تشريعي أقوى حجّة من الكتاب والسُّنّة على الإطلاق.

وأمّا عن الإجماع، فهو على الرغم من كونه في نظر علماء الشيعة مجرّد

____________________

(١) مسند أحمد ٦: ١٧٩، وأخرجه الحاكم في المستدرك ١: ٤٧٩ - ٤٨٠ وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه هكذا»، وأخرجه المتّقي الهندي في كنز العمال ١٢: ٢٢٢ / ٣٤٧٦٣ عن مسند أحمد و١٢: ٢٢٢ / ٣٤٧٦٤ عن مستدرك الحاكم.

(٢) صحيح البخاري ٢: ١٨٠ (كتاب الحجّ - باب فضل مكّة وبنيانها).

٩٢

أداة تكشف عن وجود دليل متين وقويم، كآية من كتاب اللّه تعالى، أو حديث شريف ينطق بالحكم المجمع عليه، إلا أنّه لا بأس من التعرّض إلى دليل الإجماع حول مشروعية التقية، لا سيّما وقد عدّه علماء أهل السُنّة دليلاً قائماً بنفسه تماماً كالكتاب والسُّنّة، بمعنى انّ الإجماع معصوم عن الخطأ، بل ويستحيل في حقّه الخطأ، ومن يرد على المجمعين بالاشتباه والغلط، فهو كمن يرد قول اللّه تعالى وسُنّة رسوله (ص).

قالعبد العزيز بن أحمد البخاري الحنفي (ت / ٧٣٠ه‍) في كشف الأسرار عن اُصول البزدوي: «الأصل في الإجماع أن يكون موجباً للحكم قطعاً كالكتاب والسُنّة»(١) .

وقال الغزالي (ت ٥٠٥ه‍) في المنخول: «الإجماع حجّة كالنصّ المتواتر»(٢) .

ومن هنا كان التعرّض لدليل الإجماع، مع التذكير بأنّ من يُكرَه على كلام فيقوله، أو على فعل فيفعله، وفيهما معصية للّه، وقلبه غير راضٍ بما قال أو فعل فإنّ تصرّفه هذا هو ما يسمّيه القرآن الكريم، والسُنّة النبويّة، وجميع من نطق الشهادتين من أهل الإسلام، وجميع العقلاء بالتقية، وانّه لا شيء عليه، بدليل ما مرّ ودليل الإجماع الآتي:

١ - قالأبو بكر الجصّاص الحنفي (ت / ٣٧٠ه‍): «ومن امتنع من المباح كان قاتلاً نفسه متلفاً لها عند جميع أهل العلم»(٣) .

____________________

(١) كشف الأسرار / البخاري ٣: ٢٥١ - نقلاً عن علم اُصول الفقه في ثوبه الجديد / محمّد جواد مغنية: ٢٢٦.

(٢) المنخول / الغزالي: ٣٠٣ - نقلاً عن علم اُصول الفقه في ثوبه الجديد: ٢٢٦.

(٣) أحكام القرآن / الجصّاص ١: ١٢٧.

٩٣

٢ - وقالابن العربي المالكي (ت / ٥٤٣ه‍): «لما سمح اللّه تعالى في الكفر به... عند الإكراه، ولم يؤاخِذ به، حمل العلماء عليه فروع الشريعة، وعليه جاء الأثر المشهور عند الفقهاء:رُفِع عن اُمّتي الخطأ، والنسيان، وما استُكرهوا عليه... فأنّ معناه صحيح باتّفاق من العلماء »(١) .

٣ - وقالعبد الرحمن المقدسي الحنبلي (ت / ٦٢٤ه‍): «أجمع العلماء على إباحة الأكل من الميتة للمضطرّ، وكذلك سائر المحرّمات التي لا تزيل العقل»(٢) .

وقد مرّ في هذا الفصل ان الاضطرار إلى أكل الميتة قد يكون بسبب الجوع أو بسبب الإكراه من ظالم أو كافر وذلك في الآية الخامسة فراجع.

٤ - وقالالقرطبي المالكي (ت / ٦٧١ه‍): «أجمع أهل العلم على أن من اُكرِه على الكفر حتى خشي على نفسه القتل أنّه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان»(٣) .

٥ - وقالابن كثير الشافعي (ت / ٧٧٤ه‍) بعد أن نقل قول رسول اللّه (ص) لعمّار حين اُكره على الكفر: «كيف تجد قلبك ؟ قال: مطمئناً بالإيمان. فقال:إن عادوا فعُد ».

قال: «ولهذا اتّفق العلماء على أنّ المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاءً لمهجته، ويجوز له أن يأبى»(٤) .

____________________

(١) أحكام القرآن / ابن العربي ٣: ١١٧٩.

(٢) العدّة في شرح العمدة / عبد الرحمن المقدسي: ٤٦٤.

(٣) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ١٠: ١٨٠.

(٤) تفسير القرآن العظيم / ابن كثير ٢: ٦٠٩.

٩٤

٦ - وقالابن حجر العسقلاني الشافعي (ت / ٨٥٢ه‍): «قال ابن بطال - تبعاً لابن المنذر -: أجمعوا على أنّ من اُكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل فكفر وقلبه مطئن بالإيمان، أنّه لا يحكم عليه بالكفر»(١) .

٧ - وقالالإمام الشوكاني الزيدي (ت / ١٢٥٠ه‍): «أجمع أهل العلم على أنّ من اُكره على الكفر حتّى خشي على نفسه القتل، أنّه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته، ولا يحكم عليه بحكم الكفر»(٢) .

٨ - وقالجمال الدين القاسمي الشامي (ت / ١٣٣٢ه‍): «ومن هذه الآية: (إِلا أن تتَّقُوا مِنهُم تُقاةً ) استنبط الأئمّة مشروعية التقية عند الخوف، وقد نقل الإجماع على جوازها عند ذلك الإمام مرتضى اليماني»(٣) .

٩ - وقال الشيخالمراغي المصري (ت / ١٣٦٤ه‍): «وقد استنبط العلماء من هذه الآية {(إِلا أن تتَّقُوا مِنهُم تُقاةً )} جواز التقية»(٤) ، ولم يذكر مخالفاً لهم في ذلك.

١٠ - وقالعيسى شقرة: «وانعقد إجماع العلماء على جواز إظهار الكفر لمن اُكره عليه... إبقاءً لنفسه بشرط اطمئنان القلب»(٥) .

١١ - وقالالدكتور عبد الكريم زيدان : «فإذا أخذ المضطرّ بالرخصة ونطق

____________________

(١) فتح الباري / ابن حجر العسقلاني ١٢: ٢٦٤.

(٢) فتح القدير / الشوكاني ٣: ١٩٧.

(٣) محاسن التأويل / القاسمي ٤: ١٩٧.

(٤) تفسير المراغي ٣: ١٣٦.

(٥) الإكراه وأثره في التصرّفات / عيسى شقرة: ١١٤ - نقلاً عن كتاب: التقية في إطارها الفقهي للاُستاذ علي الشملاوي: ١٣١.

٩٥

بالكفر، فلا إثم عليه بإجماع الفقهاء، لأنّ الآية صريحة بذلك، وجاءت السُّنّة النبويّة وأكّدت ما نطقت به الآية الكريمة»(١) .

____________________

(١) مجموعة بحوث فقهية / د. عبد الكريم زيدان: ٢٠٨ - نقلاً عن كتاب الاُستاذ الشملاوي المتقدّم: ١٣٢.

٩٦

٩٧

الفصل الثاني: موقف الصحابة والتابعين وغيرهم من التقيّة

موقف الصحابة من التقيّة

موقف التابعين من التقيّة

موقف تابعي التابعين وغيرهم من التقيّة

الإشارة إلى من صرّح بالتقيّة إجمالاً

٩٨

موقف الصحابة من التقية

ليس من العجب أن يجد الباحث الكثير من الصحابة الذين استعملوا التقية في حياتهم لا بقيد الإكراه المتلف للنفس، أو الوعيد بانتهاك الأعراض وسلب الأموال فحسب وإنّما لمجرّد احتمال الخوف من ذلك، أو احتمال التعرّض للإهانة والضرب ولو بسوط واحد أو سوطين. ولكن العجب أن يدّعى بأنّ التقية من النفاق بعد أن استعملها من قولهم حجّة باتّفاق علماء أهل السُّنّة أنفسهم.

نعم، لقد وقفت على الكثير من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن جاء بعدهم إلى يومنا هذا ممّن استعمل التقية وصرّح بها علناً، وفيما يأتي جملة من أسماء الصحابة الذين استعملوا التقية، وسنذكرهم بحسب تاريخ الوفاة، وهم:

١ - ياسر بن عامر الكناني المذحجي أبو عمار (ت / ٧ ق.ه‍)، قال الزركلي (ت / ١٩٧٦م) في الأعلام: «وفي أيامه بدأت الدعوة إلى الإسلام سرّاً»(١) .

٢ - سميّة بنت خباط، زوج ياسر واُمّ عمار قتلها أبو جهل في السنة

____________________

(١) الأعلام /الزركلي ٨: ١٢٨.

٩٩

السابعة قبل الهجرة، ومات زوجها في هذه السنة أيضاً تحت التعذيب، وهما أوّل من استُشهد في الإسلام رضي اللّه عنهما.

وقد مرّت تقيتهما في تفسير الآية الثانية، في الفصل الأوّل.

٣ - الصحابي الذي شهد تقية لمسيلمة الكذّاب (ت / ١٢ه‍) بأنّه رسول اللّه، وقد مرّ كلام المفسّرين في ذلك كالحسن البصري (ت / ١١٠ه‍)، والزمخشري (ت / ٥٣٨ه‍)، والرازي (ت / ٦٠٦ه‍)، والبيضاوي (ت / ٦٨٥ه‍)، وغيرهم، وذلك في الدليل القرآني الثاني على مشروعية التقية في الإسلام.

٤ - معاذ بن جبل (ت / ١٨ه‍):

أخرج القاسم بن سلام عن سعيد بن المسيب قال: «إنّ عمر بعث معاذاً ساعياً على بني كلاب، أو على بني سعد بن ذبيان، فقسّم فيهم حتى لم يدع شيئاً، حتى جاء مجلسه الذي خرج به على رقيته، فقالت امرأته: أين ما جئت به مما يأتي به العمال من عراضة أهليهم(١) ؟ فقال: كان معي ضاغط، فقالت: قد كنت أميناً عند رسول اللّه (ص)، وعند أبي بكر، أفبعث عمر معك ضاغطاً؟ فقامت بذلك في نسائها واشتكت عمر، فبلغ ذلك عمر، فدعا معاذاً فقال: أنا بعثت معك ضاغطاً؟ فقال: لم أجد شيئاً اعتذر به اليها إلا ذلك. قال: فضحك عمر وأعطاه شيئاً وقال: أرضِها به»(٢) .

ولا شكّ أن قول معاذ ليس فيه تقيّة وإنّما جاء على سبيل التورية، لأنّ للضاغط معنيين:

____________________

(١) العراضة: الهدية، يهديها الرجل إذا قدم من سفر. لسان العرب ٩: ١٤٥ - عرَضَ.

(٢) كتاب الأموال / أبو عبيد القاسم بن سلام: ٥٨٩ / ١٩١٣.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236