من مدرسة الإمام علي (عليه السلام)

من مدرسة  الإمام علي (عليه السلام)0%

من مدرسة  الإمام علي (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 189

  • البداية
  • السابق
  • 189 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18482 / تحميل: 6522
الحجم الحجم الحجم
من مدرسة  الإمام علي (عليه السلام)

من مدرسة الإمام علي (عليه السلام)

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

خوفاً وفزعاً، ولا يمكنه الصمود للحوادث، وربّما انهار أمام عيون الوالي الطاغية، فصمَّمَ على مغادرة البيت.

وحدَّثَ أبا أراكة بفكرة مغادرته، فانكشفتْ أساريره، وارتاح لهذا النبأ، وما أنْ مالتْ الشمس للمغيب حتى وقف أبو أراكة أمامه وكأنّه يذكِّره بفكرته:

رشيد لا تظن أنِّي أَمْسِكُ عليك هذا البيت، لو لا قسوة زيادٍ، وأَخْذُهُ الناسَ على الظن والتهمة، وإنّي أخشى على عِيَالِي مِنَ اليُتْمِ.

ومع الظلام ترك رشيدٌ البيت، وبَقِيَتْ صورته متجسِّمة في ذهن أبي أراكة، كلّما خطرتْ - في يقظةٍ وحلمٍ - تزحفُ معها أشباح الموت، فَيَلْتَاعُ ويَضطرِب. وكان يتجنَّب أنْ يجالس أصحابه، خشيةَ أنْ تَفْلِتُ مِن لسانه كلمةً تدلُّ على أَنَّ هذا المطلوب للوالي الأموي قد اختفى عنده، بُرْهَةً وَجِيْزَةً مِنَ الوقت.

ومضيتْ أيّام وتَبِعَتْهَا أيّام، وزيادٌ لا يلين عَن مطالبة شَرِطَتِهِ بالقبض على هذا الإنسان الخَطِرِ على الحكم الأموي، وأخيراً وفي غسق الليل انْقَضَّتْ عليه أيْدِي الجلاوزة، حين كان يحاوِلُ فيه رشيدٌ أنْ يغيِّر مكانه، وانتشر الخبر، وتسابق الناس إلى مجلس زيادٍ مع إشراقة الشمس؛ لتعرف ما يكون أمر هذا المعارِض العنيف.

وأُدْخِلَ رشيدًٌ مقيداً وامتدّتْ الأعناق، وزحفتْ الأبصار تستقبل هذا الإنسان، وهو يَرْسِفُ في وثاقة بين يدي زيادٍ، وسادَ سكونٌ عميق، كان له رهبةٌ في نفوس الجالسين.

١٠١

ونطق زيادٌ، وهو يكاد يَبْلَعُهُ مِن التحديق فيه. ثمّ نَطَقَ، وهو يَصُكُّ على أسنانه مِنَ الغيظ.

إيهٍ يا رشيد، قُمْ واخطب الناس، واذكر فضائل بني أُميّة، أعْلِنْ براءتك من عليٍّ، ومن معارضتك لآل أبي سفيان، وإلاّ فبيْني وبيْنك السيف.

وطفرتْ ضحكةٌ ساخِرَةٌ على ثَغْرِ رشيدٍ، امْتَعَضَ منها زيادٌ واستشاط غضباً، وصرخ به: ما يضحكك يا كافر؟

وبكلّ جُرأةٍ وصَبْرٍ قال:

يضحِكُني - يا زياد - طلبُك مِنِّي أنْ أتبرّأ من عليِّ بن أبي طالب، ابن عمّ الرسول، وزوج بضعته الطاهرة، والكاشِف عن وجهه الكُرْبَة، والحاكِم بالسويّة والعدالة.

وقَطَبَ زيادٌ، وصرخ مُحْتَدِمَاً: كفى لا تُثْقِلْ أسماعنا بذكر مَنْ لا نحب، إذا كنتَ مُصِرَّاً على قولك، فسوف تُقْتَلُ.

فأمْعَنَ رشيدٌ في ضِحكةٍ ساخِرَةٍ، مزّقتْ قلب زيادٍ حِقْداً، ثمّ التَفَتَ إليه رابط الجأش، ثابت الجنان قائلا:

زياد، إنّ الذي يبلغ به هذا الحد مِنَ المعارضة، يَحْسِبُ لموقفه معكم ألف حساب، وإنّ العقاب الذي ستُنْزِلُهُ بي مِن قَتْلٍ وتعذيبٍ، قد وضعْتُهُ نُصْبَ عَيْنَيَّ، مِنَ الساعة التي رأيتُ فيها معاوية يتربّع على دَسْتِ الحُكْم، فيمسخ معالم الإسلام ويشوِّه حقائقه، بأحكامه التي لا تستنِد إلى قرآنٍ، أو سُنَّةٍ، فالموت أهون عليّ - يا بن مرجانة - مِنْ أنْ أرى هذا الوضع الفاسد تتحكَّمون به، وسنقِفُ غداً بين يدي الله، ونَرَى وتَرَوْن.

١٠٢

ويملأ كلام رشيد أسماع زيادٍ، ويضيق به، ويسأم، وترتَسِمُ على ملامحه صُوَر من الحقد والغيظ، ويلتفتُ إلى أحدِ جَلاّديه وبلهجةٍ كلُّها القَسْوة والشماتة، يأمر بقطع يَدَي الأسير، ورجليه. ليَنْعَمَ بتعذيبه.

ثمّ يلتفتُ إلى جُلاّسه مُتَشَفِّيَاً - وعلى شَفَتَيه يلصق ظِلَّ ضِحكةٍ صفراء عارضةٍ - قائلاً: لا أُريد هذا الرجل يموت براحةٍ، فَلْيَتَعَذَّب، وأُشْفِي قلبي بأَنِيْنِهِ، أليس كذلك؟.

وترتفع الأصوات الناقِمة باهتةً مُثْقلةً بالخِزْي مِنْ هنا وهناك، مِنْ أطراف مجلس الأمير، وتهتزُّ الرؤوس المـُنْحَنِيَة بِذُلِّ العبوديّة مُؤَيِّدَةَ الظلم والغَدر، وتنطلِقُ الأفواه المـُكَهْرَبَة بِتَيَّارِ الطمع، وهي تَتَلَعْثَمُ خجلاً: فعلاً يا أمير، فلْيُعَذَّب مُحِب أبي ترابٍ كما تشاء، ولْنَفْْرح بِفَرَحِكَ، أطال الله بقاك!!!

ويرميهم حبيبُ أبي ترابٍ، وأسيرُ زيادٍ رشيدُ الهجري بنظرةٍ كلها سُخْرِيَة وازدراء.. ولقد عرف رشيد، وعرف من هو قبله، ومن هو بعده طبيعةَ جُلاّس السلطان، وآكلة خوانه والمستفيدين منه، والمنتفِعِين في حكمه، إنّهم يسبِّحون بحمده ويهلِّلُون بذكره، ويكبِّرون بأعماله، ولو أنّها تمثِّل الظلم والحقد والعَداء.

ولمْ يبقَ خفيّاً على أحدٍ، أنّ أمثال هؤلاء - لا أكثر - مِنْ شِفَاهٍ تُردِّد ما يقوله الحاكم، وأَيْدٍ تُنَفِّذ مآربه، طمعاً في دنيا، ورغبةً في جاهٍ وحرصاً على نفعٍ.

أبداً، لم يتعجّب رشيدٌ من مَنْظر هذه الطبقة التي تَحُفُّ بزيادٍ

١٠٣

وهي هي، كانتْ تحفُّ بالولاة مِن أعداء زيادٍ قبل هذا اليوم، ولمْ يكنْ عليه بالجديد هذا اللون مِن النفاقْ فهم يَنْعَقُوْنَ مع كلِّ نَاعِقٍ.. أداةٌ طَيِّعَةٌ لكلّ والِيّ وكلّ أمير، وكلّ زعيم.. وهو مِن أُولئك الذين عرفوا المجتمع، ووقفوا على حقيقة تكوينه العقائدي، ولمْ يستغرِب أبداً مطاردة القوم له، لأنّه مِن مدرسة الإمام عليٍّ (عليه السلام) الذي ما عرف الباطل إليه طريقاً، ولا طرفة عينٍ..

ولهذا لمْ يتأثَّر رشيدٌ عندما يسمع الأصوات ترتَفِع في مجلس زيادٍ، وهي تُردِّد رغبتَه. نعم يا أمير، فلْيُعَذَّب شيعة أبي ترابٍ كما تشاء، ونفرح بِفَرَحِكَ..

وضاق الوالي الغاضِب بِرَشِيْدٍ، وخاف أنْ يُمَزِّق هذا الأسير الجوَّ الإرهابي الذي اصْطَنَعَهُ في مَجْلسه؛ ليبعثَ الرعبَ والخوفَ في نفوس أهل الكوفة، فَيَنْهَدِم تخطيطه، فأشار إلى الجلاّد أَنْ يقطع رأسَه؛ لِيُرِيْحَ نفسَه مِن شَرِّه.

ولكنَّ شيخاً طاعِنَا في السنِّ - مِمَّنْ يجلس على مّقْرُبَةٍ مِنَ الأمير - قام وهو يتوكّأ على عصاه، حتّى إذا وقف قِبَالة زيادٍ، التَفَتَ إليه بكلماته المـُرْتَعِشَة: سَلَّمَ اللهُ الأميرَ، لا تقتلْ الرجل فيستريح، دعْه يعاني الألمـَ والشقاء، اتركه بهذه الحالة زَمَنَاً عَلَنَاً؛ نشفي غَلِيْلَنَا منه كما تَعَذَّبَ عثمان..

ولمْ يسكتْ رشيد. كل ما يَلُمّ به من أذى، وتعذيب، بل يستقبِلُ كلّ ذلك بصبرٍ وثباتٍ، واستمرّ يُمَزّقُ الأمويين، ويَذْكُرُ مَثَالِبَهُم وحقدهم على آل محمّد، وعدائهم الصارخ للإسلام.

١٠٤

وعلى مقربة مِن هذا المـَنْظَر المـُفْجِع، تَقِفُ فتاةٌ، وهي لمْ تتجاوز الثلاثين مِن عمرها تشاهد مع المشاهدين حُكْم الأمير الجائر، يَنْصَبُّ على أبِيْهَا، واللوعة لا تفارقها، وقد ماتتْ في وجهها إشراقةُ الحياة، ونظراتها الحانية مُسَلَّطَة على هذا الجريح، ولكنّ الموقف أضفى عليها كثيراً مِن الحياء، وكثيراً مِن الاحترام، وقطراتٌ مِنَ الدموع تَنْسَابُ مِنْ مَآقِيْهَا، وهي تشدّ جرحَها على هذا المـَنْظر المؤْلِم، الذي يُمَزِّقُ قلبها.

وتقدّمتْ الفتاة بخطى ثابِتَة، وَرَزَانَةٍ لمْ يُزَعْزِعْهَا هولُ المصاب، ولمْ تُذْهِلْهَا جسامةُ الحادِثَة، تَخَطَّتْ الفتاة بقلبٍ صابرٍ، وأقدامٍ صامِدَةٍ إلى أبيها، بعد أنْ تفرّق الجمع مِن المجلس، وقد طُبِعَتْ على شَفَتَيْهَا ابتسامةٌ مُشْرِقَةٌ، فقبَّلتْ رأسَه، ثمّ هَوَتْ تَلُمُّ تلك القِطَع التي فَرَّقَهَا زيادٌ، عن هذا الجسد الطاهر، تُزِيْح عنها التراب، ورشيدٌ لا يرفع عنها طرفَه، وابتسامةُ الإيمان يُخَالِطُهَا شيءٌ مِن الأَلَمِ تطفو على مُحَيَّاهُ، ثمّ قالتْ له: يا أبتاه هل تَجِدُ أَلَمَاً مِمَّا أصابك؟.

فيجيب الأبُ المـُؤمِنُ الذي يعاني مَشَقَّةَ الجِرَاح: لا يا بُنَيَّة أبداً إلاّ كالزحام بين الناس.

ثمّ حملتْ قربان العقيدة وغادرتْ قصرَ الطاغية..

وما إنْ وقعتْ أبصار الناس عليه، حتّى تجمّعوا حوله ينظُرون إليه، فقالتْ له فتاتُهُ:

إنّ الناس حولك في انتظار حديثك، فهل ترغب في الكلام معهم؟

١٠٥

فقال: يا بنتاه إنّ فِيَّ رغبةً للحديث، سأحدّثهم ما استطعتُ قَبْل الرحيل.

وتحدّث الجريحُ ما شاء له الزمان وهو يلهث بدمائه، فكشف حقيقة الأمويين، وأساليب حكمهم، ومروقَهم عَنِ الدين. ووصل الخبر إلى زيادٍ، وشقَّ عليه ذلك، وبَدَتْ على سِحْنَتِهِ غمامةُ حزنٍ، فأشار عليه أعوانه أنْ يقطع لسانه؛ ليزيد في عذابه ويمنعه مِنَ الحديث، وكان ما أراد.

سُلَّ لِسَانُ رشيدٍ على مرأى ومسمَع مِنَ المشاهدين، وبين يدي ابنته البطلة، وهي تعتبِر أنّها الشهادة في سبيل العقيدة والتي ينالها الأبطال، وفيها الشرف والخلود، ولمْ يبق طويلاً فقد فاضتْ نفسه الزكيّة شهيداً صابراً.

وتقدّمتْ الفتاة الطيبة إلى جثمان أبيها، خاشِعَةَ الطرف داميةَ القلب، تُوَسِّدُ شهيدَ العقيدة، بلوعةٍ وأَسَى، وتَرمَق السماء، بعينٍ دامِعَةٍ، وترفعُ كفّها - المضرّجة بدماء الشهادة - للدعاء.

اللهمّ يا رب تقبّل مِنْ أبي هذه التضحية مِنْ أجل دينك، ومحبّة نبيِّك، ووفائه لوصيِّه، اللهمّ عَوِّضه الجزاء الوفير.. ثُمّ انكفأتْ إلى دارها، وإكليل الفخر يُتوِّج رأْسها بهذه التضحية الغالية.

١٠٦

مُحَمَّدُ بْنُ أَبِيْ بَكْر

١٠٧

١٠٨

اجتمع المجلسُ في رحبة الكوفة، ضمّ عدداً مِمَّنْ صهرتْهم الأيّام بِشدّتها، وأرهقهم بِآلامها، وهم يترقّبون أخبار مصر وواليها.

وخَيَّم عليهم صمْتٌ، وغاب كلٌّ منهم في فكرٍ، شيءٌ غير طبيعيٍّ، الوجوم، والارتباك، والوحشة.. إنّ معاويةَ أخذ يُعْلِنُها حرباً شَعواء على الإمام عليٍّ (عليه السلام)، ويُطارِد أصحابه ويفعل الأفاعيل، والقوم لمْ يحركْهم قولٌ، ولمْ يدفعْهم ثأرٌ..

لمْ يكنْ عليٌّ بالثائر اليوم اعتباطاً، عندما خطب فيهم، بعدما بَلَغَهُ التكالب الأموي على محمّد بن أبي بكر، وَالِيْهِ على مصر، وقال فيما قال:

(أمّا بعد: فهذا صريخُ محمّد بن أبي بكر، وإخوانكم مِنْ أهل مصر، قد سار إليهم ابن النابغة(١) ، عدوَّ الله، وعدوَّ

____________________

(١) المقصود به عمرو بن العاص، أُمّه النابغة، وقد طعن في سلوكها، وذكرتْ المصادرُ ذلك. نقل أبو العباس المبرّد في (الكامل: ٣/٨٠٤ - ٨٠٥) أنه (جعل لرجلٍ ألف درهم على أنْ يسأل عمرو بن العاص عَنْ أُمِّهِ، ولمْ تكنْ في موضِعٍ مُرْضٍ، فأتاه الرجل، فوقف عليه، وهو بمصر أميرٌ عليها، فقال: أردتُ أنْ أعرف أُمّ الأمير؟ فقال: نعم كانتْ امرأةً مِنْ عنزة، ثم مِنْ بني جلان تُسمّى ليلى، وتلقّب بالنابغة، اذهب وخُذْ ما جُعِلَ لك).

راجع تعليق الأُستاذ مصطفى محمود في (الأدب العربي وتأريخه: ١/٦٥ هامش١).

١٠٩

مَنْ وَالاهُ، ووليّ مَنْ عادى، الله فلا يكونُ أهلُ الضلال إلى باطلهم، والركون إلى سبيل الطاغوت أشدّ اجتماعاً على باطلهم وضلالتهم مِنْكم على حَقِّكم..).

إنّما كان الإمام مُتأثِّراً مِنْ وَضْعِ أصحابه، بحيث إنّ القِوَى الباطلة، أَخَذَتْ تَغْزوهم في عُقْر دارهم، وهم في مَعْزِل عَنْ الأمر، ورغْم أنّ الهجوم الأموي مُستمرّ في كلِّ الجبهات، فهم سكوتٌ ولا مُتَحرِّك، ولمْ يكنْ هذا الخطاب منه إلاّ لتثبيت الحُجّة عليهم، فهو يقول لهم، مُعَاتِبَاً:

(أَلاَ دين يجمعكم! أَلاَ حميّة تُغْضِبُكم! أَلاَ تسمعون بعدوِّكم يَنْتقِص بلادَكم، ويشنُّ الغارة عليكم، أَوَليس عجباً أنّ معاوية يدعو الجُفاة الطغام الظلمة؛ فيتبعونه على غير عَطاءٍ ولا مَعُونةٍ، ويُجيبونه في السَنَةِ المـَرَّةَ، والمـَرَّتين، والثلاث، إلى أي وجْهٍ شاء، ثُمّ أنا أدعوكم - وأنتم أُولوا النهي، وبقيّة الناس - تختلِفُون وتفترِقون عَنِّي، وتَعْصُونَنِي، وتُخالِفون عَلَيَّ..).

ومع هذا فقد انْشَدَّتْ الكوفةُ إلى أخبار مصر، والجيش الزاحف عليها مِنْ قِبَلِ معاوية بقيادة عمرو بن العاص، وما سيكون مصير وَالِيْهَا محمّد بن أبي بكر.

مصر كانتْ حُلْم ابن العاص أنْ يستَوْلِي عليها الجيش الأموي فإنّه يطمع بها وليس له، إلاّ عنْ طريق معاوية. فكلٌّ مِنْهُمَا مُتَمِّم للآخر.. ولمْ يكنْ هذا بالجديد، فقد ورد عَنِ الرسول الأعظم عَنْ طريق زيد بن أَرْقَم، وعُبَادَة بن الصامت، مرفوعاً:

١١٠

((إذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص مجتمعين، ففرِّقوا بينهما فإنّهما لنْ يجتمِعَا على خَيْرٍ)).

فكّر معاوية كثيراً في مصر؛ لأَنّ فيها خَرَاجاً مُهِمَّاً، ومنفعةً بالِغَةً، وعرف أنّ فيها استعداداً لإعْلانِ العصيان على الإمام عليٍّ(عليه السلام) فقد كان قومٌ فيها ساءَهم قَتْلُ عثمان، وحمّلوا عليّاً تلك المسؤوليّة، ولمْ تكنْ تلك إلاّ مِنْ تأثيرات معاوية، فجمع عدداً مِنْ أصحابه مِنْ أمثال عمرو بن العاص، وبُسْر بن ارطأة، وغيرهما، مِمَّنْ جمعتْهم - من معاوية - وحدةُ الطلب. وعندما تكامل العدد، قال معاوية: أتدرون لماذا دعوتُكم؟ قالوا: لا، قال: فإنّي دعوتكم لأمرٍ، هو لي مُهِمٌّ، وأرجو أنْ يكون الله عزّ وجلّ قد أعان عليه، فقال له القومُ: إنّ الله لمْ يُطْلِعْ على غَيْبِهِ أَحَدَاً، ولَسْنَا ندري ما تُريد!

فقال عمرو بن العاص: أرى، والله، أنّ أمر هذه البلاد المصريّة لكثرة خِرَاجِها، وعدد أهلِها؛ قد أهمّك، فَدَعَوْتَنَا تَسْأَلنَا عَنْ رَأْيِنَا في ذلك. فإنْ كنتَ لذلك دعوْتَنَا، وله جمعْتَنَا فأعْزَمَ وأَصْرَمَ، ونِعْمَ الرأي ما رأيتَ! إنّ في افتتاحها عِزَّك، وعِزَّ أصحابك، وذُلَّ عدوّك، وكبْتَ أهل الخلاف عليك..

قال معاوية: أَهَمَّكَ ما أَهَمّكَ يا بن العاص!.. وذلك أنّ عمرو كان قد بايع معاوية على قِتال عليٍّ، تكنْ مصر له طُعْمَةً ما بقي. فأقْبَل معاوية على أصحابه، وقال إنّ هذا - ويعني ابن العاص - قد ظنَّ، وحقَّقَ ظنَّه، قالوا: ولكنَّا لا ندري

١١١

أبا عبد الله قد أصاب، فقال عمرو: وأنا أبو عبد الله، إنّ أفضل الظنون ما شابَهَ اليقين..

وبعد صمْتٍ خيَّمَ على المجلس، قَطَعَهُ معاويةُ قائلاً: رأيتُ أنْ أُحاول حرب مصر فماذا تَرَوْن؟

فقال عمرو بن العاص قد أخبرتُك عمّا سألتَ، وأشرتُ عليك بما سمعتَ.

فقال معاوية لبقيّة الصَّحْب: ما تَرَوْن؟.

قالوا: نرى ما رأى عمرو بن العاص.

فقال معاوية: إنّ عمرواً قد عزم وصرم بما قال، ولمْ يُفَسِّر بكيف ينبغي أنْ نصنع!

وتمّ الاتفاق بين القوم على غزو مصر، وجَهّز لها جيشاً بقيادة ابن العاص، وخرج معاوية يُوَدِّعه، وقلبه يركض معه لِيَبْلُغ مصر، وهو يقول: أَنْظِرْهُ، فإنْ تاب، وأنَابَ قَبِلْتُ منه، وإنْ أبى، فإنّ السطوة بعد المعرفة أبلغُ في الحجّة وأحسنُ في العاقبة.

كانتْ الأخبار من مصر تَصِل للإمام عليٍّ سريعةً، فيَقِف منها على بَيِّنَة. وكان أمر محمّد يهمُّ عليّاً كثيراً، فقد كان يُثني عليه ويُفضِّله، لأنّه كانتْ له عبادة، واجتهاد.

ولقد قيل للإمام عليٍّ (عليه السلام): لقد جزعتَ على محمّد بن أبي بكر يا أمير المؤمنين، فقال: (( ما يمنعني؟ إنّه كان لي ربِيْبَاً، وكان لبني أخاً، وكنتُ له والِدَاً، أَعُدُّهُ وَلَدَا ً)).

محمد ذلك الرجل الذي قضى شبابه في مدرسة الإمام علي (عليه السلام)

١١٢

ينتهل مِنْ نَمِيْرِها، وحتى أصبح له ساعِدَاً شامِخاً، وصاحِبَاً بصيراً، لا يَحِيد عنه في أحْلَكِ الظروف. وقف إلى جانبه في كلّ أدوار حياته.

ولو كان محمّداً لا يحْمِل في جنبَيْه نفسيّة الرجل المؤمن المجاهد، الذي أخلص لدينه وعقيدته، لكانَ مِنَ الممكن لمعاوية أنْ يتسلَّل إلى روحيّة ابن أبي بكر، ويتسلّط عليها بأيّ لونٍ كان، من الإغراء، كما فعل مع الكثير مِنَ الصحابة والتابعين، مِمَّنْ هم أقدمُ صِلَة بالرسول، وأكبر سنّاً مِنْ هذا الفتى المؤمن.

لكان المقياس في واقعيّة الرجل، هي مقدار ما يحمله من الإيمان والوفاء ومحمّد مِنْ تلك الطبقة التي عاشتْ الحقيقة فركنَ إليها، وانْصَهَر بحرارتها، ونَالَ ما نال جزاء إيمانه.

فقد عَمَدَ معاوية بكلِّ السُّبُلِ المعروفة لديه، ولدى أصحابه المرتزِقَة أمثال ابن العاص، ومروان، وبسر وسمرة بن جُنْدُب وغيرهم مِمَّنْ باعوا ضمائرهم ودينهم، وشرفهم بمال معاوية، وجاه بني أميّة.. عمد معاوية إلى إغراء ابن أبي بكر، فلمْ تجدِ معه كلّ تلك الوسائل، فَيَئِسَ منه، وهَمَّ على التخلُّص منه، ولا يهمّه أنْ يكون ابن الخليفة، وصاحب خليفةٍ، وله عند الله مكانةٌ، وجاهٌ عظيمٌ.

قال له ابن العاص مرةً: يا معاوية، لا تفكِّر في محمّد بن أبي بكر، فإنّ حبّ عليٍّ أعمى بَصَرَهُ، وهدّ عقلَه..

وما تطلب يا رجل مِنْ إنسانٍ تَرَبَّى في حِجْرِ عليٍّ إمام

١١٣

العدل والفضيلة حتّى أصبح منه كأَحَد أولاده، وتحلّى بأخلاقه، وكيف يَلِيْنُ في دينه، ويتهاون في الباطل.

وانفضَّ مجلس السَّمَر، ولمْ يَغْرُبْ ذكرُ محمّد بن أبي بكر عن الأذهان، فهو لمْ يكنْ الإنسان المتخاذِل أمام العساكر، وهو الذي لا تأخذه في الله لومة لائم. فقد خرج يوم الجمل مع عليٍّ، وهو على الرجّالة، ولا يَهُمُّه أنْ يكون محارِباً لأُخته عائشة.. فالعاطفة ليس لها موقع في الدين، ومهما كان فقد عرف في قرارة نفسه أنّه على الحقّ، وأنّ مُحَارِبَهُ على غير الحقّ، فحمل راية الجهاد في يوم الجمل.

وهكذا كان في صفّين يجول في وسط الميدان إلى جانب عليٍّ، وهو لا يَبْغِي مِنْ دنياه إلاّ رضا الله ورضا رسوله، ورضا إمامه عليٍّ.

ووصل ابن العاص إلى مصر يَخُبّ السير بجيشه الجبّار، واستعدّ له ابن أبي بكر، استعداد البطل الصامد، وخطب في قومه:

(أمّا بعد، يا معاشِر المسلمين، فإنّ القوم الذين كانوا يَنْتَهِكون الحرمة، ويُنْعِشُون الضلالة، ويُشِبُّون نار الفتنة، قد نصبوا لكم العداوة، وساروا إليكم بالجنود، فمَنْ أراد الجنّة والمغفرة فَلْيَخْرُج إلى هؤلاء القوم، فَلْيجاهدهم في الله..).

وتقدّم كِنَانَة بن بِشْر، قائداً على جيش محمد بن أبي بكر، وتقدّم قائد الجيش الأموي معاوية بن خديج السكوني.

١١٤

وتصاول الجيشان برهةً مِنَ الزمن، ولكنّ القوات الشاميّة برئاسة ابن العاص، كانتْ اكثر عِدَّةً وعَدَدَاً.

ولمـّا رأى كنانةُ بن بشر أنّ الجيش الأموي قد طوّقه مِنْ كلّ جانبٍ، نزل عَنْ فرسه ونزل أصحابه، أخذوا يحارِبون رجالَه وهو يقول:

( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ كِتَابَاً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ ) .

فلمْ يَزَلْ يُضَاربهم بسيفه، حتّى استشهد رَحِمَه الله.

ووصلتْ الأخبار إلى محمّد بن أبي بكر - وهو في جانبٍ مِنَ الميدان يدير المعركة - تفيد عَنْ مَقْتل كنانة، وتفرّق القوم مِنْ حوله، ولمْ تَمُرْ عليه برهةٌ، حتّى بَقِيَ وحيداً؛ مِمَّا اضْطَرّ أنْ ينتهي إلى خَرِبَة، فآوى إليها، ودخل ابن العاص الفِسْطاط وأكّد على معاوية بن حديج أنْ يقبض على محمّد، وفعلاً عَثَرَ عليه وهو يكاد يموت مِنَ العطش، فقاتَلَهم قتال الأبطال ولكنّهم تمكّنوا مِنَ القبض عليه وانتزعوا منه سيفَه وأقبلوا به إلى الفسطاط، حيث استقرّ فيها ابنُ العاص.

ووقف الأسير في وسط المجلس، ولكنْ بِقُوّةٍ وصبْرٍ وثَبَاتٍ، رغم ما أصابه مِن العطش. فطلب قليلاً مِن الماء، فقال له معاوية بن حديج: لا سقاني الله إنْ سقيتُك قطرةً أبداً، والله لأَقْتُلَنَّكَ يا بن أبي بكر وأنت ظمآن، ويُسْقِيْك الله مِن الجحيم والغِسْلِيْن.

١١٥

وانتفض محمّد، وهو البطل صارِخاً في وجهه: يا بن اليهوديّة النسَّاجَة، ليس ذلك اليوم إليك، إنّما ذلك الله يُسقِي إلى أولياءه ويُظمِي أعداءه، وهُمْ أنت وقُرَنَاؤُكَ، ومَنْ تَوَلاّك، وتَوَلَّيْتَه.. والله لو كان سيفي في يدي ما بَلَغْتُمْ مِنِّي ما بلغتم.

فقال معاوية: أتدري ما نصنع بك؟ نُدْخِلُكَ في جوف حِمَارٍ مَيِّت، ثُمّ نُحْرِقُهُ عليك بالنار.

قال محمّد: إنْ فعلتُم ذاك بي فطالما فعلتم ذاك بأولياء الله، وَأَيْمُ الله إنّي لأَرْجُو أنْ يجعل الله هذه النار التي تُخوِّفُنُي بها - يا معاوية - برداً وسلاماً، كما جعلها الله على إبراهيم خَلِيْلِهِ، وأنْ يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وأوليائه، وإنّي لأرجو أنْ يحرقك الله وإمامك معاوية بن أبي سفيان، وهذا - وأشار إلى عمرو بن العاص - بنارٍ تلظّى، كلّما خَبَتْ زادها الله عليكم سعيراً.

فغضب معاوية، والتفتَ إلى ابن العاص، يطلب منه الإذن، فأشار إليه بذلك، ثمّ سبّ عليّاً، وقَدّمَ الصابر المجاهد فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وقَطَعَ رأسه، وأَدْخَلَ جُثَّتَهُ - هو وابن العاص - في جوفِ حِمَار وأحرقوه بالنار.

وأَرْسَلَ ابنُ العاص رأسَه إلى الشام لمعاوية، فَطِيْفَ بدمشق بعد أنْ زَيَّنَ المدينة.

وجُلَل مجالس السمر بالكوفة شبه ذهول، فقد بلغها قتل محمّد، وحزن عليه عليٌّ (عليه السلام) حزناً عميقاً، ثمّ رثى محمّداً وابنه

١١٦

وقلبه يتفطّر أسى ولوعةً، وقال فيما قال:

((ألاَ وإنّ مصر قد افْتَتَحها الفجرةُ أولياءُ الجَور والظلم، الذين صَدُّوا عنْ سبيل الله، وبَغوا الإسلام عِوَجَاً، ألاَ وإنّ محمّد بن أبي بكرٍ قد استشهد رحمة الله عليه، وعند الله نحتسِبُه، أَمَا والله إنْ كان ما عَلِمْتُ لَمِمَّنْ ينتظر القضاء، ويعمل للجزاء، ويبغض شكل الفاجر، ويحب هدى المؤمن..)).

ولَمْلَمَ عليٌّ (عليه السلام) جِراحَه، وأضاف إليها جُرحاً جديداً، فقد اصطدم بعزيزٍ مِنْ أصحابه، حيث يقول فيه:

((فما جزعتُ على هالِكٍ منذ دخلتُ هذه الحرب جزعي عليه، كان لي ربِيْبَاً وكنتُ أَعُدُّهُ ولداً، وكان بي بِرَّاً، فعلى مثل هذا نَحْزَنُ، وعند الله نحتَسِبُه)).

وأطَلَّ النبأُ الحزين على المدينة، وفي طيّاته أكثر مِنْ ذكرى، وماجَ فيها مصابٌ، ولَوْعُهَا مَا قُدِّرَ، وَرُوِّعَتْ عائشةٌ زوجُ الرسول الأعظم وأُخته، وجَزعتْ عليه جزعاً شديداً، وكانتْ في دُبُرِ كلّ صلاةٍ تدعو على معاوية، وابن العاص. ثمّ حلفتْ أنْ لا تأكل شواء أبداً بعد قَتْلِ محمّد، حتّى لحقتْ بالله - كما يحدِّثنا المؤرِّخون - وما عثرتْ قط إلاّ قالتْ: تَعُسَ معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن حديج.

وإنّ أُمَّهُ أسماء بنت عُمَيْس لمـّا نُعِيَ إليها ولدها، وما صُنِعَ به، قامتْ إلى مسجدها، وكظمتْ غيظَها حتّى تَشَخَّبَتْ دَمَاً..

أسرع المبشِّرون إلى معاوية يحمِلُون له كتابَ ابن العاص

١١٧

يخبره فيه عنْ مقتل ابن أبي بكر، وكنانة بن بشر، فَأَذَّنَ معاوية بقتله على المِنْبَر، وسُرَّ سروراً عظيماً.

يقول الراوي للإمام عليٍّ (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، ما رأيتُ يوماً قط سروراً مثل سرور رأيْتُهُ بالشام، حين قُتِلَ محمّد بن أبي بكر.

قال الإمام:

((إنّ حزننا على قتله، على قَدَرِ سرورهم به، لا، بل يزيد أضعافاً).

وكما يقول المـَثَل: (والفضل ما شَهِدَتْ به الأعداء).

فقد استولى ابنُ العاص على كتابِ الإمام عليٍّ، الذي وجَّهَهُ إلى محمّد بن أبي بكر حين وَلاّهُ مصر، وبعث به إلى معاوية، فكان يَنظر إليه ويَتَعجّب، فقال له الوليد بن عقبة، وهو عند معاوية، وقد رأى إعجابه به: مُرْ بهذه الأحاديث أنْ تُحرَق، فقال معاوية: مَهْ، لا رأيَ لك! فقال الوليد: أَفَمِنَ الرأْي أنْ يَعْلَمَ الناسُ أَنَّ أحاديث أبي ترابٍ عندك تتعلّم مِنْها؟ قال معاوية: وَيْحَكَ أَتَأْمُرُنِي أنْ أحرُقَ عِلْمَاً مِثْلَ هذا، والله ما سَمِعْتُ بِعِلْمٍ هو أجمع مِنْهُ، ولا أَحْكَم. فقال الوليد: إنْ كنتَ تعجب مِنْ عِلْمِهِ وقضائه، فعلام تُقَاتِلُهُ؟ فقال: لو لا أنّ أبا ترابٍ قتل عثمانَ، ثُمّ أفْتَانَا لأَخَذْنَا عنه.. ثُمَّ سَكَتَ هُنَيْهَة، ونظر إلى جُلَسَائِهِ، فقال: إنّا لا نقول إنّ هذه مِنْ كُتُبِ عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ولكنْ نقول: هذه مِن كتب أبي بكرٍ الصدِّيق، كانتْ عند ابنه محمّد، فنحنُ ننظر فيها، ونأخذ منها.

١١٨

وانْطوى الزمنُ، وبَقِيَتْ ذكرى محمّد بن أبي بكرٍ كالعِطر لا يَجُف، وكالنور لا يَخْمَد، وانْطَمَرَ ذكرُ معاوية الجبّار، وصدى ابن العاص الحاقِد، وكلّ مَنْ لَفَّهُم الحكمُ الأموي؛ ذلك لأنّ محمّداً، وأمثال محمّد على الحقّ، ومعاوية وأَضْرَابَ معاوية على الباطل. وَصَوْلَةُ الباطل لَنْ تدوم. ونُوْر الحقِّ باقٍ ما دامتْ الشمسُ..

١١٩

١٢٠