إنّ القوم لمْ يَكُنْ لهم سابقةٌ في الإسلام يستحِقُّون بها الطاعةَ والولايةَ، فَخَدَعُوا أتباعهم بأَنْ قالوا: قُتِلَ إمامُنَا مَظْلُومَاً، لِيَكُوْنُوا بِذلك جَبَابِرَةً وملوكاً، تلك مكيدةٌ قد بَلَغُوا بها ما تَرَوْنَ، ولولاها ما بَاَيَعُهم مِنَ الناس رجلٌ..
اللهمَّ إنْ تَنْصُرْنَا فَطَالَمَا نَصَرْتَ، وإنْ تَجْعَل لَهُمُ الأَمْرَ فَادَّخِرْ لهم بِمَا أَحْدَثُوا لِعِبَادِك العذابَ الأَليم...
ثمّ سَكَتَ بُرْهَةً، وَدَنَا مِنْ عمرو بن العاص، فقال: يا عمرو بِعْتَ دِيْنَك بمصر، فَتَبَّاً لَكَ! وطالما بَغَيْتَ للإسلام عِوَجَاً..
ثمّ قال: (اللهُمَّ إنّك تَعْلَمُ أَنِّي لو أَعْلَمُ أَنَّ رِضَاكَ في أَنْ اقْذِفَ بنفسي في هذا النهرِ لَفَعَلْتُ..
اللهمّ إنَّك تعلمـُ أَنّي لو أعلم أَنَّ رِضَاك أنْ أَضَعَ ظُبَةَ سيفي في بَطْني، ثمّ انْحَنِي عليه حتّى يخرج مِنْ ظَهري لَفَعَلْتُ..
اللهمّ إنِّي أعلمـُ مِمَّا عَلَّمْتَنِي أَنِّي لا أَعْمَلُ عَمَلاً صالِحاً هذا اليوم هو أرضى مِنْ جِهاد هؤلاء الفاسِقين، ولو أَعْلَمُ اليوم عملاً هو أَرْضَى لك مِنْهُ لَفَعَلْتُه)..
ثمّ صَفّ جيشّه، ورفع رايتَه، وهو يُرْسِلُ نَظَرَاتِهِ في جيش الشام، والقوم حولَه مُنْصِتُونَ، ويَهُزُّ رَايَتَه، وَيَصِيْحُ ، وكَرِيْمَتُهُ البيضاء تَزِيْدُ في هَيْبَتِهِ:
(والّذِي نفسي بِيَدِهِ.. لقد قَاتَلْتُ بهذه الراية مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وها أَنَا ذَا أُقَاتِلُ بِهَا اليوم...
والّذي نفسي بِيَدِهِ.. لو ضربونا بِأَسْيَافِهِم، حتّى يَبْلُغُوْنَا سَعَفَاتِ هَجَرٍ، لَعَلِمْنَا أَنّا على حَقٍّ، وأنَّهُم على بَاطِلٍ).