ابن زيادٍ مِنَ الألم، وصاح بميثم: قُمْ واصعد المِنْبَر، وتبرَّأْ مِنْ عليٍّ واذكر مَسَاوِئُهُ، وإلاّ قطعتُ يديك، ورِجْلَيْك، وصَلَبْتُكَ. فانسابتْ دموعُ ميثم مُنْهَمِرَةً على لِحْيَتِهِ الطاهرة.
وظنّ زيادٌ أنّ هذه الدموع وليدة الخوف والجزع، فالتَفَتَ إليه قائلاً: بَكِيْتَ مِنَ القول دون الفعل؟
فقال: والله ما بكيتُ مِنَ القول، ولا مِنَ الفعل، ولكنْ بكيتُ مِنْ شَكّ ٍخامرني يوم أخبرني سيِّدي ومولاي.
فافتعل ابنُ زيادٍ ابتسامةً وقال: وما قال لك صاحِبُك؟
قال ميثم: قال إمامي عليٌّ (عليه السلام): ((وَاللهِ لَيُقْطَعَنَّ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ، وَلِسَانُكَ، وَلَتُصْلَبَنَّ عَاشِرَ عَشْرَةٍ، أَقْصَرُهُمْ خَشَبَة وَأَقْرَبُهُمْ مِنَ المـُطَهَّرَةِ، وَتُعَلَّقُ عَلَى بَابِ عَمْرو بْنَ حُرَيْث))، فقلتُ: ومَنْ يفعل ذلك بي يا أمير المؤمنين؟ قال: ((يَأْخُذُكَ العُتُلُّ الزَّنِيْمُ ابْنُ الأَمَةِ الفَاجِرَةِ عَبْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ)).
واستشاط ابن زيادٍ غضباً، واحتَقَنَ وجهه، ونَطَّتْ عروقُهُ، وصرخ قائلاً: لِنُخَالِفُهُ ونُكذِّب صاحبَك. قال ميثم: كيف تخالفه؟ والله ما أخبرني إلاّ عَنِ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولقد عرفتُ الموضع الذي أصلب فيه، وأنّي أوّل خّلْقِ الله أُلْجَمُ في الإسلام.
فقال عبيد الله: والله لأَقْطَعَنَّ يديك، ورجليك، ولأَدَعَنَّ لسانَك؛ حتّى أُكذِّبُكَ، وأُكذِّبُ مولاك، وزحف عبيد الله مِنْ على سريره، وهو يهدر من الغضب، وصاح بجلاّدِيْه اقطعوا يَدَيْه ورجلَيْه وأَرِيْحُوْنِي مِنْه، وكان ما أراد.