ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب0%

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 433

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ عبد الله الحسن
تصنيف: الصفحات: 433
المشاهدات: 171088
تحميل: 8970

توضيحات:

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 433 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 171088 / تحميل: 8970
الحجم الحجم الحجم
ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

ليلة عاشوراء في الحديث والأدب

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فإذا لم تكن سوى رجع قولٍ

فهي لهو الشفاه بالتمتماتِ

إنما الساجد المُصلّي حسينٌ

طاهرُ الذيل ، طيّب النفحاتِ

فتقبّلْ جبريلُ أثمارَ وحيٍ

أنت حُمّلتهُ إلى الكائناتِ

إذ تلقَّاه جدُّه وتلاه

مُعجزاتٍ ترنُّ في السجعاتِ

وأبوه مُدوّن الذكر ، أجراه

ضياءً على سوادِ الدواةِ

فالحسين الفقيهُ نجلُ فقيهٍ

أرشد المؤمنين للصلواتِ

أطلق السبط قلبه في صلاةٍ

فالأريج الزكيّ في النسماتِ

المناجاة ألسُنٌ من ضياءٍ

نحو عرش العليِّ مرتفعاتِ

الإمام الحسينعليه‌السلام يرى جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وهمت نعمةُ القدير سلاماً

وسكوناً للأجفن القلقاتِ

ودعاهُ إلى الرقاد هدوءٌ

كهدوءِ الأسحار في الربواتِ

وصحا غبَّ ساعة هاتفاً

« اختاهُ بنت العواتك الفاطماتِ

إنني قد رأيت جدي واُمي

وأبي والشقيقُ في الجناتِ

بَشّروني أني إليهم سأغدو

مُشرقَ الوجه طائرَ الخطواتِ »

فبكت والدموع في عين اُختٍ

نفثات البُركان في عبراتِ

صرختْ :ويلتاه ، قال : خلاك الشرُّ

فالويل من نصيب العتاةِ

الإمام الحسينعليه‌السلام يأذن لأصحابه بالتفرّق عنه

ودعا صحبَه فخفُّوا إليه

فغدا النسر في إطار البُزاةِ

٢٢١

قال إني لقيت منكم وفاءً

وثباتاً في الهول والنائباتِ

حسبكم ما لقيتم من عناءٍ

فدعوني فالقوم يبغون ذاتي

وخذوا عترتي ، وهيموا بجُنح الليل ،

فالليل درعُكم للنجاةِ

إن تظلوا معي فإن أديم

الأرض هذا يغصُّ بالأمواتِ

جواب الأنصار للحسينعليه‌السلام

هتفوا يا حسين لسنا لئاماً

فَنخلّيك مُفرداً في الفلاةِ

فتقول الأجيالُ ويلٌ لصحب

خلَّفوا شيخهم أسير الطغاةِ

فَنكونُ الأقذارَ في صفحةِ التأ

ريخ والعارَ في حديثِ الرُواةِ

أو سُباباً على لسان عجوزٍ

أو لسان القصّاص في السهراتِ

يتوارى أبناؤنا في الزوايا

من أليم الهجاء واللعناتِ

سترانا غداً نشرفُ حَدَّ

السيفِ حتى يَذوبَ في الهبواتِ

يشتكي من سواعدٍ صاعقاتٍ

وزنودٍ سخيّةِ الضرباتِ

إن عطشنا فليس تَعطشُ أسيافٌ

تعبُّ السخين في المهجاتِ

لا ترانا نرمي البواتر حتى

لا نُبقّي منها سوى القبضاتِ

ليتنا يا حسين نسقط صرعى

ثم تحيا الجسوم في حيواتِ

وسنُفديك مرةً بعد اُخرى

ونُضحّي دماءنا مرّاتِ

* * *

٢٢٢

أصبحوا هانئين كالقوم في عرس

سكوت مُعطّل الزغرداتِ

إنّ درع الإيمان بالحق درعٌ

نسجته أصابعُ المُعجزاتِ

يُرجع السيف خائباً ، ويردُّ

الرمح ، فالنصلُ هازئ بالقناةِ

مثلما يطعن الهواء غبيٌّ

فيجيب الأثير بالبسماتِ

يغلب الموتَ هازئاً بحياةٍ

لا يراها إلاّ عميق سُباتِ

فاللبيبُ اللبيبُ فيها يجوبُ العمر

في زحمة من الترّهاتِ

ويعيش الفتى غريقاً بجهلٍ

فإذا شاخ عاش بالذكرياتِ

ألمٌ في شبابه ، فمتى ولّى

فدمعُ الحرمان في اللفتاتِ

إنَّ ما يكسب الشهيدُ مضاءً

أمل كالجنائن الضاحكاتِ

فهو يطوي تحت الأخامص دُنيا

لينال العُلى بدهرٍ آتِ(1)

__________________

(1) عيد الغدير لبولس سلامة : ص 262 ـ 265.

٢٢٣

الأستاذ بولس سلامة

بسلاسة الألفاظ وعذوبتها ورقتها الوجدانية وجمال التراكيب والعبارات والجمل وبهاء صياغاتها ، وبكفاءة التخيّل وقدرة التأمّل والتصوّر تم لبولس سلامة ـ كشاعر متميز ـ أن يدور حول الحوادث والشخصيات والأمكنة في ليلة العاشر من المحرم ليقتنص ظلالها الشفّافّة فيوثّق التاريخ بريشة ساحرة ويرسم معادِلاً شعرياً للأفكار يحاذي ثباتها بمتغيراته ، ويوازي قطعيّتها باحتمالاته ، ويساوق أبديتها بلحظاته فيصطاد الرؤى الشعرية ويضع لها أجنحة تحلّق في آفاق الإبداع ويحيط الانفعال ليحرقه وقوداً للفكرة المقدسة الأبدية ، سنبدأ مع بولس سلامة من بيت جميل يقول فيه : ـ

فرأى في الكتاب سفر عزاء

ومشى قلبه على الصفحات

كيف يستطيع قلب أن يمشي على صفحات كتاب ؟ هذا ما سَنُسميه خرق المألوف وتجاوز السائد في اللغة والكلام اليوميين ، وهذا يتم للشاعر بعد إختياره الواعي بين أنساق الكلام وألفاظ اللغة ثمّ التأليف المتبصّر للكل من الأجزاء فيجد الشاعر مبرراته المقنعة للخروج على الاُلفة والعادات اللغوية كونه يتعامل مع البيان الإلهي ومع الإنسان الكامل ـ الإمام الحسينعليه‌السلام ـ فيقول مفسراً :

للبيان العلوي في ، أنفس الأط

هار مسرى يفوق مسرى اللغات

ومن هنا نرى أن القلب الذي يمشي على صفحات القرآن متابعاً للمسرى والطريق الإلهي الذي يجعل القلوب تتمشي على مفرداته والفاظه ونرى ـ أيضاً ـ أن

٢٢٤

الشاعر يولي لفظة ( القلب ) إهتماماً خاصاً بقصد أو بدون قصد فنرى : ـ

1 ـ ( ومشى قلبه )

2 ـ ( فالمناجاة شعلة من فؤاد صادق الحس )

3 ـ ( أطلق السبط قلبه في صلاة فالأريج الزكي في النسمات )

ويكون التجاوز متمثلاً في تحول القلب إلى طائر مرتهن في قفص يطلقه الإمام الحسينعليه‌السلام في صلاته فيضوع من أثر التحوّل أريج يغمر النسمات.

هذا الإجتهاد المتميز في تركيب صور متجددة ومثيرة لهو نتاج الكفاءة في التخيّل المبدع والشاعرية المتحسّسة الدفّاقة التي تجتلي حالة الإتصال بالله تعالى عبر نورية المناجاة فتصوّرها هكذا :

فالمناجاة شعلة من فؤاد أو المناجاة ألسن من ضياء.

فالمناجاة عندما تكون قلبية فهي شعلة من فؤاد وعندما تكون لسانية فهي ألسن من ضياء ومن إشتعال الفؤاد وإنطاق الضياء يتحدد الإتصال من الإمامعليه‌السلام بالله الخالق الحق الذي أفاض من نوريته على الإمام وعلى أبيهعليهما‌السلام أيضاً.

فأبوه مدوّن الذكر ، أجراه

ضياء على سواد الدواة

فتتجمع الأجزاء النورية في وحدة عضوية تلفّ بناء القصيدة وتمنحه تماسكاً خفياً وقوة باطنية واُسّاً شاخصاً في مركز ثقل هيكل البناء ، ونقطة من نقاط الإرتكاز والثبات في عالم المعنى.

وهناك آلية اُخرى يستخدمها الشاعر ليؤكّد شاعرية نصه واختلافه ومغايرته لما هو سائد من آليات اللغة ، هذه الآلية الظاهرة في معالجته للمحسوسات والمجردات في تفاعل شعري يجمعهن ليعطي صفة إحداهن للاُخرى وبالعكس ،

٢٢٥

في تآلف عجيب يؤكد غرائبية التصوّر والرؤيا التي تتفتّح على آفاق متعددة قابلة للقراءات المختلفة والتأويل المشروع ، فهو يهيّيء لحالة الحلم التي يتم خلالها التواصل بين الإمامعليه‌السلام وجده الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ بعد أن تم التواصل بينه وبين الخالق الحق ـ عزوجل ـ ] عبر هذه الآلية فنرى :

( وهمت نعمة القدير ...

إن نعمة القدير كمفهوم مجرّد إتخذت صفة حسية عندما ( همت ) أي سالت أو جرت ، لكن هذه السيولة أو الجريان الحسيّين توافقا مع مفهومين آخرين : ـ الاوّل مجرد هو السلام ، والثاني حسّيّ هو السكون ، في تآلف يجمعهما الإشتراك اللفظي في صوت حرف السين الذي تبدأ به اللفظتان ( سلام ـ سكون ) نقول مثلما قال الشاعر : إن نعمة القدير قد جرت سلاماً وسكوناً وهذا الجريان أو السيولة جريان بلين ورقّة ، فالفعل ( همى ) يعني السيولة أو الجريان برقة مثل تساقط الدموع السائلة على الخدود أو تساقط قطرات الندى من الأغصان فجراً ، فما أبرعه من تصوير للحلم لأن هذه النعمة الإلهية قد تساقطت على ( الأجفن القلقات ) لتمنحها ( السلام والسكون ) برؤيتها لسيد المخلوقات ( الرسول الاكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )

وهمت نعمة القدير سلاماً

وسكوناً للأجفن القلقات

ودعاه إلى الرقاد هدوء

كهدوء الأسحار فى الربوات

وهناك امثلة اُخرى على هذه الآلية في تبديل موقع الحسّي بالمجرد أو بالعكس كما في ( معجزات ترنّ ) أو في ( المناجاة شعلة ) ( المناجاة ألسن ).

وهذه الآلية تصبّ ـ أيضاً ـ في مركز ثقل هيكل القصيدة كما قدمنا

هناك ـ أيضاً ـ تأثير الآداب المجاورة التي لابدّ أن تلقي ظلالها ـ بوعي من

٢٢٦

الشاعر أو من غير وعي ـ فتظهر في نتاجه بشكل يدّل على التداخل أو إذا شئنا أن نستعير من أبي حيّان التوحيدي ما يدعوه ب‍ ( المقابسة ) والذي يسمى حديثاً ب‍ ( التناصّ ) والذي كان الجهد النقدي القديم يعدّه من السرقات عندما لا يتعاطف مع النصوص المتداخلة فيؤلف كتاب حول ( الإبانة عن سرقات المتنبي ) ويكون الرّد المتعاطف مع آليات التداخل بعبارة ( وقع الحافر على الحافر ).

ويُعلن النقد الأكثر حداثة عن عدم براءة أي نص من التداخل ونرى مثلاً في أحد أبيات القصيدة

مثلما يطعن الهواء غبيّ

فيجيب الأثير بالبسمات

اقتباساً واضح المعالم من الكاتب الأسباني سرفانتيس في روايته ( دون كيشوت ) الفارس الذي يقاتل طواحين الهواء برمحه في عبثية وغباء.

ثم نرى مسألة اُخرى تزيد النص وحدة وتماسكاً وهي النظرة إلى علاقات الإمامعليه‌السلام فهو يبدأ في الإتصال بالله ـ عزوجل ـ عبر قنوات ثلاث هي :

1 ـ القرآن ..

ناولوني القرآن قال حسين

لذويه وجدّ في الركعات

2 ـ الصلاة ..

إنما الساجد المصلّي حسين

طاهر الذيل ، طيب النفحات

٢٢٧

3 ـ المناجاة ..

المناجاة ألسن من ضياء

نحو عرش العليّ مرتفعات

ليحدث بعد ذلك تصعيد جديد في علاقات الإمامعليه‌السلام في اتصاله بجده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر قناة الحلم ويكون في معيّة الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ايضاً اُمه الزهراء وأبوه أمير المؤمنين وأخوه الحسنعليهم‌السلام .

إنني قد رأيت جدي وامي

وأبي والشقيق في الجنات

ليحدث تصعيد ثالث في علاقاته من خلال إتصاله بشقيقته زينبعليها‌السلام

وصحا غبّ ساعة هاتفاً

اُختاه بنت العواتك الفاطماتِ

ثم يحدث التصعيد الرابع في لقائه بأصحابه وأهل بيته :

ودعا صحبه فخفّوا اليه

فغدا النسر في إطار البزاة

وتتم الدورة باللقاء بالله ـ عزّوجلّ ـ شهيداً والانتقال إلى العالم الآخر

إنَّ ما يكسب الشهيد مضاء

أمل كالجنائن الضاحكات

فهو يطوى تحت الاخامص دنيا

لينال العلى بدهر آت

هذه الحركات الخمس أعطت للقصيدة إيقاعاً داخلياً وهّاجاً ليضيف لهيكل القصيده دعائم بنائية متواشجة مع نقاط الارتكاز الاُخرى أو لِنَقُل : الخيوط التعبيرية والتوصيلية التي تنسج شبكة النص.

هناك ـ أيضاً ـ إستخدام الحوارات المختصرة المعبّرة بشكل فني ينمّ عن وعي مسرحي عال يترجم الحوارات الاصلية التي قيلت ليلة العاشر من المحرم

حسبكم ما لقيتم من عناء

فدعوني فالقوم يبغون ذاتي

مقابل ( إنّ القوم إنما يطلبونني ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري )

٢٢٨

أو :

وخذوا عترتي وهيموا بجنح الليل

فالليل درعكم للنجاة

مقابل : ( وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ـ هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا )

أو :

ليتنا يا حسين نسقط صرعى

ثم تحيا الجسوم فى حيوات

وسنفديك مرة بعد اُخرى

ونضحي دماءنا مرات

مقابل :( قال زهير بن القين : والله وددت إني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أُقتل كذا ألف مرة )

وربما تكون بعض المقتضيات الفنية قد جعلته يبتكر في الحوارات مالم يُقل نصّاً بل ما يُستشعر بأنه سيقال حتى أنه جاء بلغة معاصرة لا يمكن لأنصار الحسين أن يقولوا مثلها في زمنهم بل يقولونها بلغة عصرهم الذي عاشوا فيه :

فنكون الأقذار في صفحة التاريخ

والعار في حديث الرواةِ

أو سباباً على لسان عجوزٍ

أو لسان القصّاص في السهراتِ

يتوارى أبناؤنا في الزوايا

من اليم الهجاء واللعناتِ

وهذا التمكن في إستخدام أدوات الفنون الاُخرى كالمسرح أضفى على القصيدة درامية في التعبير تضاف إلى الحصيلة العامة مما أسميناه بالخيوط التعبيرية والتوصيلية الناسجة لشبكات الإتصال بين النص والمتلقي حين تنكشف معطيات القصيدة كإنجاز نوعي على مستوى المبنى الحامل للمعنى بموقف جمالي متقدم.

٢٢٩

(2)

الكوكبُ الفرد

أنزلوه بكربلاء وشادوا

حوله من رماحهم أسوارا

لا دفاعاً عن الحسين ولكن

أهل بيت الرسول صاروا أُسارى

قال : ما هذه البقاعُ فقالوا

كربلاءٌ فقال : ويحكِ دارا

هاهنا يشربُ الثرى من دمانا

ويثيرُ الجمادَ دمعُ العذارى

بالمصير المحتوم أنبأني جدّي

وهيهات أدفع الأقدارا

إنْ خَلَتْ هذه البقاع من

الأزهار تمسي قبورُنا أزهارا

أو نجوماً على الصعيد تهاوت

في الدياجير تُطلعُ الأنوارا

تتلاقى الأكبادُ من كُلّ صوبٍ

فوقَها والعيونُ تهمي ادّكارا

مَنْ رآها بكى ومن لم يزرها

حَمَّل الريحَ قلبُه تِذكارا

كربلاءُ !! ستصبحين محجّاً

وتصيرين كالهواءِ انتشارا

ذكركِ المفجع الأليم سيغدو

في البرايا مثلَ الضياءِ اشتهارا

فيكون الهدى لمن رام هدياً

وفخاراً لمن يرومُ الفخارا

كُلّما يُذكر الحسينُ شهيداً

موكبُ الدهر يُنبت الأحرارا

فيجيءُ الأحرار في الكون بعدي

حيثما سرتُ يلثمون الغبارا

وينادون دولةَ الظلم حيدي

قد نقلنا عن الحسين الشعارا

فليمت كلُّ ظالمٍ مستبدٍّ

فإذا لم يمت قتيلاً توارى

ويعودون والكرامةُ مَدّت

حول هاماتهم سناءً وغارا

٢٣٠

فإذا أُكرهوا وماتوا ليوثاً

خَلّدَ الحقُ للأُسود انتصارا

سَمِعَتْ زينبُ مقالَ حسينٍ

فأحسّتْ في مُقلتيها الدوارا

خالتْ الأزرقَ المفضّض سقفاً

أمسكتُهُ النجومُ أن ينهارا

خالتْ الأرض وهي صمّاءُ حزنٌ

حمأً تحت رجِلها مَوّارا

ليتني مُتُّ يا حسينُ فلمْ

اسمع كَلاماً أرى عَليه احتضارا

فُنيتْ عِترةُ الرسولِ فأنتَ

الكوكبُ الفردُ لا يزالُ منارا

مات جدي فانهدَّت الوردةُ ال‍

زهراءُ حزناً ، وخلَّفتنا صغارا

ومضي الوالدُ العظيمُ شهيداً

فاستبدّ الزمانُ والظلُّ جارا

وأخوك الذي فقدناهُ مسموماً

فبتنا من الخطوبِ سُكارى

لا تَمُتْ يا حسينُ تفديكَ منّا

مُهجاتٌ لم تقرب الأوزارا

فتقيكَ الجفونُ والهُدب نرخيها

ونلقي دون المنون ستارا

شقّت الجيبَ زينبٌ وتلتها

طاهراتٌ فما تركن إزارا

لاطماتٍ خُدودهنَّ حُزانى

ناثراتٍ شعورهنَّ دثارا

فدعاهنَّ لاصطبارٍ حسينٌ

فكأنَّ المياه تُطفئ نارا

قال : إن مت فالعزاءُ لَكُنَّ

الله يُعطي من جوده إمطارا

يلبس العاقلُ الحكيمُ لباسَ الصبر

إن كانتْ الخطوبُ كبارا

إنّ هذي الدنيا سحابةُ صيفٍ

ومتى كانت الغيومُ قرارا

حُبّيَ الموتُ يُلبسُ الموتَ ذلاً

مثلما يكسفُ الّلهيبُ البخارا(2)

__________________

(1) عيد الغدير : بولس سلامة : ص 250 ـ 253.

٢٣١

6 ـ للشاعر الأستاذ جاسم الصحيّح(1)

تأملات في ليلة عاشوراء

ذكراكِ ملءُ مَحاجِرِ الأجيالِ

خَطَرَاتُ حُزنٍ يَزْدَهِي بِجَلالِ

وَرَفَيفُ سِرْبٍ من طُيُوفِ كآبةٍ

تختالُ بينَ عواصِفٍ ورِماَلِ

يَا لَيْلَةً كَست الزمانَ بِغَابَةٍ

مِنْ رُوحِها ، قَمرِيَّةِ الأَدْغالِ

ذكراكِ مَلْحَمةٌ تَوَشَّحَ سِفْرُهاَ

بروائعٍ نُسِجَت من الأَهْوَال

فَهناَ ( الحسينُ ) يَخِيطُ من أحْلامِهِ

فَجْرَيْنِ : فَجْرَ هوىً وَفَجْرَ نِضَالِ

وَ أَماَمَهُ الأجيال يلمحُ شَوْطَها

كَابٍ على حَجرٍ من الإِذْلالِ

فيجيشُ في دَمِهِ الفداءُ ويصطلي

عَزْماً يُرَمِّمُ كَبْوَةَ الأجيالِ

* * *

وَهُنِا ( الحسينُ ) يُرِيقُ نبضَ فؤادِهِ

مُتَمَرِّغاً في جَهْشَةِ الأطفالِ

__________________

(1) هو : الشاعر الأستاذ جاسم محمد أحمد الصحيّح ، ولد سنة 1384 ه‍ في الجفر إحدى قرى الأحساء ، حاز على بكالوريس في الهندسة الميكانيكية ، ويعمل حالياً موظفاً في شركة آرامكو السعودية ، ومن نتاجه الشعري الرائع ، أربعة دواوين وهي : 1 ـ عناق الشموع والدموع 2 ـ خميرة الغضب 3 ـ ظلّي خليفتي عليكم 4 ـ سهام أليفة ، وله مشاركات في النوادي الأدبية والثقافية والدينية.

٢٣٢

طَعَنُوهُ من صَرخاتِهِمْ بِأَسِنَّةٍ

وَرَمَوْهُ من أَنَّاتِهمْ بِنِبالِ

( فَأَحَلَّ ) من ثَوْبِ التجلُّدِ حَانِياً

وَ ( أفاَضَ ) في دَمْعِ الحنانِ الغالي

وانْهارَ في جُرْحِ الإباءِ مُضَرّجاً

بِالحُزْنِ مُعْتَقَلاً بِغَير عِقَالِ

فَتَجَلَّتِ ( الحوارءُ ) في جَبَرُوتِها ال‍

قُدْسِيِّ تجلو موقف الأبطالِ

مَدَّتْ على البَطَلِ الجريحِ ظِلالَها

وَطَوَتْهُ بين سَوَاعِدِ الآمالِ

فَتَعاَنَقاَ رُوحَينِ سَلَّهُمِا الأسىٰ

بِصَفَائِهِ من قَبْضَةِ الصَلْصَالِ

وعلىٰ وَقِيدِ الهَمِّ في كَبِدَيْهِما

نَضَجَ العِنَاقُ خَمَائِلاً ودَواَليِ

* * *

وَهُناكَ ( زينُ العابدين ) يَشُدُّ في

سَاقَيْهِ صَبْرَهُماَ على الأَغْلالِ

و ( سُكَيْنَةٌ ) باتَتْ تودِّعُ خِدْرَهاَ

فَتدِبُّ نارُ الشوقِ في الاَسْدَالِ

والنسوةُ الخَفِراَتُ طِرَنَ حمائماً

حيرىٰ الرفيفِ كئيبةَ الأَزْجَالِ

مَا زِلْنَ خلفَ دموعِ كل صَغِيرةٍ

يَخْمِشنَ وَجْهَ الـصبرِ بالأذيالِ

حتَّى تفجَّرَ سِرْبُها في سَرْوَةِ ال‍

أحزانِ فاحْترقَتْ مِنَ المَوَّالِ

ووراءَ أروِقَةِ الخيامِ حكايةٌ

أُخْرَى تتيه طيُوفُها بِجَمَالِ

فَهُناَلِكِ ( الأَسَدِيُّ ) يُبْدِع صورةً

لِفِدائِهِ ، حُورِيَّةَ الأشكالِ

ويحاولُ استنفارَ شِيمَةِ نخْبَةٍ

زرعوا الفَلاةَ رُجُولَةً ومعَالي(1)

نادى بِهِمْ والمجدُ يشهدُ أنَّهُ

نادىٰ بِأعظمِ فَاتِحِينَ رِجاَلِ

فإذا الفضاءُ مُدَجَّجٌ بِصوارمٍ

وإذا الترابُ مُلَغَّمٌ بِعَوَال

__________________

(1) حكم ( دوالي ـ معالي ) النصب عطفاً.

٢٣٣

ومشىٰ بِهِم أَسداً يقودُ وَرَاءه

نحو الخلودِ ، كتيبةَ الاَشْبَالِ

حتى إذا خدرُ ( العقيلةِ ) أجهشتْ

أستارُه في مَسْمعِ الأَبْطَالِ

ألقىٰ السلامَ فما تبقَّتْ نَبْضَةٌ

في قَلْبِه لم ترتعشْ بِجَلالِ

وَمذ الْتَقَتْهُ ـ مَعَ الكآبةِ ـ زينَبٌ

مخنوقَةً من هَمِّها بِحِبَالِ

قَطع استدارةَ دمعةٍ في خَدِّها

وَأَراَقَ خَاطِرَها من البَلْبالِ

وَتَفَجَّرَ الفرسانُ بِالعَهْدِ الذي

ينسابُ حول رِقَابِهم بِدَلالِ

قرِّي فُؤَاداً يا ( عقيلةُ ) واحفظي

هٰذي الدموع فإنَّهنَّ غوالي

ما دامتِ الصحراءُ يَحْفَلُ قلبُها

مِنَّا ـ بِنَبْضَةِ فارِسٍ خَيَّالِ

سيظلُّ في تاريخ كلِّ كرامةٍ

ميزان عِزِّكِ طافِحَ المِكْيَالِ

عَهْدٌ زَرَعْناَ في السيوفِ بُذُورَهُ

وَسَقَتْهُ دِيمَةُ جُرْحِناَ الهَطَّالِ

* * *

أمّا ( الفراتُ ) فَمُقْلةٌ مَشبُوحَةٌ

نحو الصباح ، مُسَهَّدُ السَلْسَالِ

يَتَرقَّبُ الغَدَ بِالدِمَاءِ يَزُفُّهُ

عَبْرَ امْتِدَادِ أَبَاطِحٍ وتلالِ

وَيَتُوقُ ( لِلْعَبَّاسِ ) يَغْسِلُ مَاءََهُ

بِأَجَلِّ مَعْنىً للوفاءِ ، زُلالِ

جاسم محمد أحمد الصحيّح

24 / شهر رمضان / 1416 ه‍

الجفر ـ الأحساء

٢٣٤

الأستاذ جاسم الصحيّح(1)

نحن إزاء شاعرية تهندس خطابها بصخب هادر وتُزاوج رؤاها بليونة الطين في يد النّحات المتمرّس.

هناك مخطط في بناء القصيدة لا يُخطئ المتلقي في فرزه وتمييزه ، وهناك جهد يختبئ خلف سطور النص ، وهناك جدارة تنزوي خوفاً من قسوة التلقّي وبطشه ، لكن هناك جرأة وشجاعة على مستوى التعبير وعلى مستوى الخروج على النمط لا يستطيع القارئ إغفاله :

يا ليلةً كست الزمان بغابةٍ

من روحها قمريّة الأدغال

إنّ القوافي سلسة المجيء إلى نهايات البيت الشعري ولها ما يبرر مجيئها في حشو البيت ، لكن ما هذه الجرأة في التركيب ( غابة من روحها ) وما هذا الإنشاء التصويري في المزاوجة بين خطابه لليلة وبين إكتساء الزمان منها بضوء قمر جاء على شكل غابة من الروح أدغالها نورانية الإشعاع ؟

وسنلاحظ هذا النهج في أكثر من بيت عند الصحيّح مما يؤكد أصالة الإلتصاق والإلتحام بما هو جوهري في التأمل الشعري وكيفية معالجته.

والامثلة تتعدد في قصيدته الهادرة فمثلاً نلاحظ :

فهنا الحسين يخيط من أحلامه

فجرين : فجر هوى وفجر نضال

وهنا الحسين يريق نبض فؤاده

متمرّغاً في جهشة الأطفال

ونلاحظ ( متمرّغاً في جهشة الأطفال ) التي لها معنى بعيد عن المعنى

٢٣٥

المعجمي المحدود ، وكأن الصحيّح انتشلها من نسقها القديم ونظّفها من أغبرة الإستخدام المألوف وركّب لها جناحين لتطير في سماء شاعريته ، ونرى أيضاً :

فتعانقا روحين سلّهماالأسى

بصفائه من قبضة الصلصال

وكأنه يقول إنّ الألم الإنساني في تجلّياته المأساوية يجرّد الإنسان من طينيّته ليسمو روحاً تعانق الأرواح القدسية المتآخية.

ونلاحظ ايضا :

قطع استدارة دمعة في خدّها

وأراق خاطرها من البلبال

هذا النظر إلى كتلة الأجسام التي يصوّرها وتحديد أشكالها داخل منظور هندسي تتشابك المفردات في تظليلها وتلوينها ، يكشف اللمسات البارعة للريشة المبدعة التي يقبض عليها جاسم الصحيّح بكل كفاءة واقتدار تجعل من شاعريته الفيّاضة متقدمة بخطوةٍ أوسع من مجايليه.

٢٣٦

7 ـ للشيخ جعفر الهلالي(1)

(1)

ليلة الشجى

ليلةَ العشرِ كمْ بعثتِ الضَّراما

لقلوبِ الأنامِ عاماً فعاما

ليلةَ العشرِ ما تزال حكاياكِ

تُثير الشجى دموعاً سجاما

حدّثينا عن المآسي العظيما

ت توالت على الهدى تترامى

حدّثينا عن غربة السبط تُبدي

زُمرُ الشركِ في عداه الخصاما

يوم جاءت يقودها البغيُ ظُلماً

واستشاطت لحربه أقزاما

حاولت أن تذلَّه ليزيدٍ

أو يذوقَ المنونَ جاما فجاما

فرأتهُ صعبَ المجسَّةِ صُلبَ العودِ

يأبى له الحجى أنْ يُضاما

وبوادي الطفوف سجّل مجداً

كلَّما مرَّ ذكره يتسامى

بات والأهلُ والصحابُ تُناجيه

بنطقٍ تعطيه فيه التزاما

تتفداه بالبنين وبالأهل

وتستعذبُ الردى حينَ حاما

__________________

(1) هو : الشاعر الخطيب الشيخ جعفر بن الشيخ عبدالحميد الهلالي ، ولد سنة 1351 ه‍ في مدينة البصرة ـ العراق ، درس في الحوزة العلمية في النجف الأشرف والتحق بكلية الفقه وتخرج منها عام 1386 ه‍ بشهادة بكالوريوس في الشريعة الإسلامية وعلوم العربية ، ويُعدُّ من ابرز الخطباء المعاصرين ، ومن مؤلفاته 1 ـ معجم شعراء الحسينعليه‌السلام 2 ـ الملحمة العلوية 3 ـ ديوان شعر 4 ـ محاضرات إسلامية.

٢٣٧

وعويلُ النساءِ والصبيةِ الأطفال

في ليلةِ الوداعِ يتامى

وابنةُ الطهرِ زينبٌ عمّها الوجدُ

فآبت تدعو الحسينَ الإماما

يا أخي من لنا يُحيط حمانا

إن فقدناك حارساً مقداما

ليت لا كان يومَ عاشوراء لكن

ما قضى الله كان حتماً لزاما

الشيخ جعفر الهلالي

15 / شوال / 1416 ه‍

٢٣٨

(2)

دجى الليل

يا ليلةَ العشر كم تسمو بكِ الفكَرُ

وفي دروسك ما تحيى به العِبرُ

رهطٌ لنسل رسول الله يطرده

عن داره موغلٌ بالظلم مؤتزرُ

رهطٌ تقاذفه البيداء لا سكنٌ

يأوي إليه ، عليه حَوّم الخطرُ

يا للعجائب كم للظلم من صورٍ

يأتي بها بشرٌ في فعله أشِرُ

مثل الحسين الذي في جدّه نَعُمتْ

هذي الأنام غدا يُجفى ويُحتقرُ

ونغلُ ميسون بين الناس حاكمُها

وهو الذي لم يصنه الدين والخفرُ

يُملي على السبط إذعاناً لبيعته

ودون ما يبتغيه الصارم الذّكرُ

حاشا ابن فاطمة أن يغتدي تبعاً

وهو الذي غُصنه ما عاد ينكسرُ

* * *

يا ليلةَ العشرِ من عاشور أيّ فتىً

قد بات ليلك لا ماءٌ ولا شجرُ

وحوله النسوةُ الأطهار ذاهلةً

وسط الخيام ومنها القلبُ منفطرُ

كلٌ تراها وقد أودى المصاب بها

وعندها من مآسي صبحها خَبرُ

وبنيها زينبٌ والهم يعصرها

ودمعها من جفون العين ينحدرُ

ترى الحسينَ أخاها وهو يُعلمها

بقتله والعدا من حوله كُثُرُ

٢٣٩

فأعولت والأسى يُذكي جوانبها

ممّا دهاها ونار الحزن تستعرُ

فراح يطلب منها ان تشاطره

عُظمَ المهمة مهما يعظم الضررُ

يا اخت لا تجزعي ممّا يُلمُّ بنا

فذاك أمرٌ به لله نأتمرُ

* * *

يا ليلةَ العشرِ ما خرّت عزائم مَنْ

للبسط دون الورى في الحق قد نصروا

باتوا ومثلُ دوّي النحل صوتُهمُ

وللصلاة لهم في ليلهم وطرُ

وبين من يقرأ القرآن ديدنُه

حتى الصباح فما ملّوا وما فتروا

أكرم بهم من حماةٍ ما لهم شبهٌ

بين العباد وإن قلّوا وإن نزروا

هم إن دجى الليل رهبان سماتُهمُ

وفي النّهار ليوث الغاب إن زأروا

صلى الأله عليهم ما همّت سُحُب

وما أضاء بأنوار له القمر

الشيخ جعفر الهلالي

7 / 12 / 1417 ه‍

٢٤٠