كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٧

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 286

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 286
المشاهدات: 43016
تحميل: 5639


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 286 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43016 / تحميل: 5639
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 17

مؤلف:
العربية

کتاب شرح نهج البلاغة

الجزء السابع عشر

ابن ابي الحديد

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما‌السلام ) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل

46 و من كتاب له ع إلى بعض عماله

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى إِقَامَةِ اَلدِّينِ وَ أَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ اَلْأَثِيمِ وَ أَسُدُّ بِهِ لَهَاةَ اَلثَّغْرِ اَلْمَخُوفِ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَى مَا أَهَمَّكَ وَ اِخْلِطِ اَلشِّدَّةَ بِضِغْثٍ مِنَ اَللِّينِ وَ اُرْفُقْ مَا كَانَ اَلرِّفْقُ أَرْفَقَ وَ اِعْتَزِمْ بِالشِّدَّةِ حِينَ لاَ تُغْنِي عَنْكَ إِلاَّ اَلشِّدَّةُ وَ اِخْفِضْ لِلرَّعِيَّةِ جَنَاحَكَ وَ اُبْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ وَ أَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ وَ آسِ بَيْنَهُمْ فِي اَللَّحْظَةِ وَ اَلنَّظْرَةِ وَ اَلْإِشَارَةِ وَ اَلتَّحِيَّةِ حَتَّى لاَ يَطْمَعَ اَلْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ وَ لاَ يَيْأَسَ اَلضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ وَ اَلسَّلاَمُ قد أخذ الشاعر معنى قوله و آس بينهم في اللحظة و النظرة فقال

٣

اقسم اللحظ بيننا إن في اللحظ

لعنوان ما تجن الصدور

إنما البر روضة فإذا ما

كان بشر فروضة و غدير

قوله و آس بينهم في اللحظة أي اجعلهم أسوة و روي و ساو بينهم في اللحظة و المعنى واحد و أستظهر به أجعله كالظهر و النخوة الكبرياء و الأثيم المخطئ المذنب و قوله و أسد به لهاة الثغر استعارة حسنة و الضغث في الأصل قبضة حشيش مختلط يابسها بشي‏ء من الرطب و منه أضغاث الأحلام للرؤيا المختلطة التي لا يصح تأويلها فاستعار اللفظة هاهنا و المراد امزج الشدة بشي‏ء من اللين فاجعلهما كالضغث و قال تعالى( وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً ) . قوله فاعتزم بالشدة أي إذا جد بك الحد فدع اللين فإن في حال الشدة لا تغني إلا الشدة قال الفند الزماني :

فلما صرح الشر

فأمسى و هو عريان

و لم يبق سوى العدوان

دناهم كما دانوا

قوله حتى لا يطمع العظماء في حيفك أي حتى لا يطمع العظماء في أن تمالئهم على حيف الضعفاء و قد تقدم مثل هذا فيما سبق

٤

47 و من وصية له ع للحسن و الحسين ع لما ضربه ابن ملجم لعنه الله

أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اَللَّهِ وَ أَلاَّ تَبْغِيَا اَلدُّنْيَا وَ إِنْ بَغَتْكُمَا وَ لاَ تَأْسَفَا عَلَى شَيْ‏ءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا وَ قُولاَ بِالْحَقِّ وَ اِعْمَلاَ لِلْأَجْرِ وَ كُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً وَ لِلْمَظْلُومِ عَوْناً أُوصِيكُمَا وَ جَمِيعَ وَلَدِي وَ أَهْلِي وَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اَللَّهِ وَ نَظْمِ أَمْرِكُمْ وَ صَلاَحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا ص يَقُولُ صَلاَحُ ذَاتِ اَلْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ اَلصَّلاَةِ وَ اَلصِّيَامِ اَللَّهَ اَللَّهَ فِي اَلْأَيْتَامِ فَلاَ تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ وَ لاَ يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ وَ اَللَّهَ اَللَّهَ فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ مَا زَالَ يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ وَ اَللَّهَ اَللَّهَ فِي اَلْقُرْآنِ لاَ يَسْبِقُكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ وَ اَللَّهَ اَللَّهَ فِي اَلصَّلاَةِ فَإِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ وَ اَللَّهَ اَللَّهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ لاَ تُخَلُّوهُ مَا بَقِيتُمْ فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا وَ اَللَّهَ اَللَّهَ فِي اَلْجِهَادِ بِأَمْوَالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ أَلْسِنَتِكُمْ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ وَ عَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ وَ اَلتَّبَاذُلِ وَ إِيَّاكُمْ وَ اَلتَّدَابُرَ وَ اَلتَّقَاطُعَ لاَ تَتْرُكُوا

٥

اَلْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ اَلنَّهْيَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ فَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ أَشْرَارُكُمْ شِرَارُكُمْ ثُمَّ تَدْعُونَ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ ثُمَّ قَالَ يَا بَنِي عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ لاَ أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ اَلْمُسْلِمِينَ خَوْضاً تَقُولُونَ قُتِلَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ قُتِلَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ أَلاَ لاَ تَقْتُلُنَّ بِي إِلاَّ قَاتِلِي اُنْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هَذِهِ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ وَ لاَ تُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ ص يَقُولُ إِيَّاكُمْ وَ اَلْمُثْلَةَ وَ لَوْ بِالْكَلْبِ اَلْعَقُورِ روي و اعملا للآخرة و روي فلا تغيروا أفواهكم يقول لا تطلبا الدنيا و إن طلبتكما فإذا كان من تطلبه الدنيا منهيا عن طلبها فمن لا تطلبه يكون منهيا عن طلبها بالطريق الأولى ثم قال و لا تأسفا على شي‏ء منها زوي عنكما أي قبض

قال رسول الله ص زويت لي الدنيا فأريت مشارقها و مغاربها و سيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها و روي و لا تأسيا و كلاهما بمعنى واحد أي لا تحزنا و هذا من قوله تعالى( لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ ) .

٦

قوله صلاح ذات البين أخذه هذه اللفظة عبد الملك بن مروان فقال لبنيه و قد جمعوا عنده يوم موته:

انفوا الضغائن بينكم و عليكم

عند المغيب و في حضور المشهد

بصلاح ذات البين طول حياتكم

إن مد في عمري و إن لم يمدد

إن القداح إذا اجتمعن فرامها

بالكسر ذو بطش شديد أيد

عزت فلم تكسر و إن هي بددت

فالوهن و التكسير للمتبدد

و ذات هاهنا زائدة مقحمة قوله فلا تغبوا أفواههم أي لا تجيعوهم بأن تطمعوهم غبا و من روى فلا تغيروا أفواههم فذاك لأن الجائع يتغير فمه

قال ع لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك قال و لا يضيعوا بحضرتكم أي لا تضيعوهم فالنهي في الظاهر للأيتام و في المعنى للأوصياء و الأولياء و الظاهر أنه لا يعني الأيتام الذين لهم مال تحت أيدي أوصيائهم لأن أولئك الأوصياء محرم عليهم أن يصيبوا من أموال اليتامى إلا القدر النزر جدا عند الضرورة ثم يقضونه مع التمكن و من هذه حاله لا يحسن أن يقال له لا تغيروا أفواه أيتامكم و إنما الأظهر أنه يعني الذين مات آباؤهم و هم فقراء يتعين مواساتهم و يقبح القعود عنهم كما قال تعالى( وَ يُطْعِمُونَ اَلطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً ) و اليتم في الناس من قبل الأب و في البهائم من قبل الأم لأن الآباء من البهائم لا عناية لهم بالأولاد بل العناية للأم لأنها المرضعة المشفقة و أما الناس فإن الأب هو الكافل القيم بنفقة الولد فإذا مات وصل الضرر إليه لفقد كافله و الأم بمعزل عن ذلك و جمع يتيم على أيتام كما قالوا شريف و أشراف و حكى أبو علي في التكملة كمي‏ء و أكماء و لا يسمى الصبي يتيما إلا إذا

٧

كان دون البلوغ و إذا بلغ زال اسم اليتيم عنه و اليتامى أحد الأصناف الذين عينوا في الخمس بنص الكتاب العزيز

فصل في الآثار الواردة في حقوق الجار

ثم أوصى بالجيران و اللفظ الذي ذكره ع قد ورد مرفوعا في رواية عبد الله بن عمر لما ذبح شاة فقال أهديتم لجارنا اليهودي فإني سمعت رسول الله ص يقول ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه و في الحديث أنه ص قال من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليكرم جاره و عنه ع جار السوء في دار المقامة قاصمة الظهر و عنه ع من جهد البلاء جار سوء معك في دار مقامة إن رأى حسنة دفنها و إن رأى سيئة أذاعها و أفشاها

و من أدعيتهم اللهم إني أعوذ بك من مال يكون علي فتنة و من ولد يكون علي كلا و من حليلة تقرب الشيب و من جار تراني عيناه و ترعاني أذناه إن رأى خيرا دفنه و إن سمع شرا طار به ابن مسعود يرفعه و الذي نفسي بيده لا يسلم العبد حتى يسلم قلبه و لسانه و يأمن جاره بوائقه قالوا ما بوائقه قال غشمه و ظلمه لقمان يا بني حملت الحجارة و الحديد فلم أر شيئا أثقل من جار السوء و أنشدوا:

ألا من يشتري دارا برخص

كراهة بعض جيرتها تباع

و قال الأصمعي جاور أهل الشام الروم فأخذوا عنهم خصلتين اللؤم و قلة الغيرة

٨

و جاور أهل البصرة الخزر فأخذوا عنهم خصلتين الزناء و قلة الوفاء و جاور أهل الكوفة السواد فأخذوا عنهم خصلتين السخاء و الغيرة و كان يقال من تطاول على جاره حرم بركة داره و كان يقال من آذى جاره ورثه الله داره باع أبو الجهم العدوي داره و كان في جوار سعيد بن العاص بمائة ألف درهم فلما أحضرها المشتري قال له هذا ثمن الدار فأعطني ثمن الجوار قال أي جوار قال جوار سعيد بن العاص قال و هل اشترى أحد جوارا قط فقال رد علي داري و خذ مالك لا أدع جوار رجل إن قعدت سأل عني و إن رآني رحب بي و إن غبت عنه حفظني و إن شهدت عنده قربني و إن سألته قضى حاجتي و إن لم أسأله بدأني و إن نابتني نائبة فرج عني فبلغ ذلك سعيدا فبعث إليه مائة ألف درهم و قال هذا ثمن دارك و دارك لك الحسن ليس حسن الجوار كف الأذى و لكن حسن الجوار الصبر على الأذى جاءت امرأة إلى الحسن فشكت إليه الخلة و قالت أنا جارتك قال كم بيني و بينك قالت سبع أدؤر فنظر الحسن فإذا تحت فراشه سبعة دراهم فأعطاها إياها و قال كدنا نهلك و كان كعب بن مامة إذا جاوره رجل قام له بما يصلحه و حماه ممن يقصده و إن هلك له شي‏ء أخلفه عليه و إن مات وداه لأهله فجاوره أبو دواد الإيادي فزاره على العادة فبالغ في إكرامه و كانت العرب إذا حمدت جارا قالت جار كجار أبي دواد قال قيس بن زهير

٩

أطوف ما أطوف ثم آوي

إلى جار كجار أبي دواد

ثم تعلم منه أبو دواد و كان يفعل لجاره فعل كعب به و قال مسكين الدارمي:

ما ضر جارا لي أجاوره

ألا يكون لبابه ستر

أعمى إذا ما إذا جارتي خرجت

حتى يواري جارتي الخدر

ناري و نار الجار واحدة

و إلبه قبلي ينزل القدر

استعرض أبو مسلم صاحب الدولة فرسا محضيرا فقال لأصحابه لما ذا يصلح هذا فذكروا سباق الخيل و صيد الحمر و النعام و اتباع الفار من الحرب فقال لم تصنعوا شيئا يصلح للفرار من الجار السوء سأل سليمان علي بن خالد بن صفوان عن ابنيه محمد و سليمان و كانا جاريه فقال كيف إحمادك جوارهما فتمثل بقول يزيد بن مفرغ الحميري:

سقى الله دارا لي و أرضا تركتها

إلى جنب داري معقل بن يسار

أبو مالك جار لها و ابن مرثد

فيا لك جاري ذلة و صغار

و في الحديث المرفوع أيضا من رواية جابر الجيران ثلاثة فجار له حق و جار له حقان و جار له ثلاثة حقوق فصاحب الحق الواحد جار مشرك لا رحم له فحقه

١٠

حق الجوار و صاحب الحقين جار مسلم لا رحم له و صاحب الثلاثة جار مسلم ذو رحم و أدنى حق الجوار ألا تؤذي جارك بقتار قدرك إلا أن تقتدح له منها قلت تقتدح تغترف و المقدحة المغرفة و كان يقال الجيران خمسة الجار الضار السيئ الجوار و الجار الدمس الحسن الجوار و الجار اليربوعي المنافق و الجار البراقشي المتلون في أفعاله و الجار الحسدلي الذي عينه تراك و قلبه يرعاك و روى أبو هريرة كان رسول الله ص يقول اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة فإن دار البادية تتحول قوله ع الله الله في القرآن أمرهما بالمسارعة إلى العمل به و نهاها أن يسبقهما غيرهما إلى ذلك ثم أمرهما بالصلاة و الحج و شدد الوصاة في الحج فقال فإنه إن ترك لم تناظروا أي يتعجل الانتقام منكم فأما المثلة فمنهي عنها

أمر رسول الله ص أن يمثل بهبار بن الأسود لأنه روع زينب حتى أجهضت ثم نهى عن ذلك و قال لا مثلة المثلة حرام

١١

48 و من كتاب له ع إلى معاوية

فَإِنَّ اَلْبَغْيَ وَ اَلزُّورَ يُوتِغَانِ اَلْمَرْءَ فِي دِينِهِ وَ دُنْيَاهُ وَ يُبْدِيَانِ خَلَلَهُ عِنْدَ مَنْ يَعِيبُهُ وَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ غَيْرُ مُدْرِكٍ مَا قُضِيَ فَوَاتُهُ وَ قَدْ رَامَ أَقْوَامٌ أَمْراً بِغَيْرِ اَلْحَقِّ فَتَأَلَّوْا عَلَى اَللَّهِ فَأَكْذَبَهُمْ فَاحْذَرْ يَوْماً يَغْتَبِطُ فِيهِ مَنْ أَحْمَدَ عَاقِبَةَ عَمَلِهِ وَ يَنْدَمُ مَنْ أَمْكَنَ اَلشَّيْطَانَ مِنْ قِيَادِهِ فَلَمْ يُجَاذِبْهُ وَ قَدْ دَعَوْتَنَا إِلَى حُكْمِ اَلْقُرْآنِ وَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَ لَسْنَا إِيَّاكَ أَجَبْنَا وَ لَكِنَّا أَجَبْنَا اَلْقُرْآنَ فِي حُكْمِهِ وَ اَلسَّلاَمُ يوتغان يهلكان و الوتغ بالتحريك الهلاك و قد وتغ يوتغ وتغا أي أثم و هلك و أوتغه الله أهلكه الله و أوتغ فلان دينه بالإثم قوله فتألوا على الله أي حلفوا من الألية و هي اليمين و في الحديث من تألى على الله أكذبه الله و معناه من أقسم تجبرا و اقتدارا لأفعلن كذا أكذبه الله و لم يبلغ أمله و قد روي تأولوا على الله أي حرفوا الكلم عن مواضعه و تعلقوا بشبهة في تأويل القرآن انتصارا لمذاهبهم و آرائهم فأكذبهم الله بأن أظهر للعقلاء فساد تأويلاتهم و الأول أصح

١٢

و يغتبط فيه يفرح و يسر و الغبطة السرور روي يغبط فيه أي يتمنى مثل حاله هذه قوله و يندم من أمكن الشيطان من قياده فلم يجاذبه الياء التي هي حرف المضارعة عائدة على المكلف الذي أمكن الشيطان من قياده يقول إذا لم يجاذب الشيطان من قياده فإنه يندم فأما من جاذبه قياده فقد قام بما عليه و مثله قوله و لسنا إياك أجبنا قوله و الله ما حكمت مخلوقا و إنما حكمت القرآن و معنى مخلوقا بشرا لا محدثا

١٣

49 و من كتاب له ع إلى معاوية أيضا

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَلدُّنْيَا مَشْغَلَةٌ عَنْ غَيْرِهَا وَ لَمْ يُصِبْ صَاحِبُهَا مِنْهَا شَيْئاً إِلاَّ فَتَحَتْ لَهُ حِرْصاً عَلَيْهَا وَ لَهَجاً بِهَا وَ لَنْ يَسْتَغْنِيَ صَاحِبُهَا بِمَا نَالَ فِيهَا عَمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْهَا وَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ فِرَاقُ مَا جَمَعَ وَ نَقْضُ مَا أَبْرَمَ وَ لَوِ اِعْتَبَرْتَ بِمَا مَضَى حَفِظْتَ مَا بَقِيَ وَ اَلسَّلاَمُ هذا كما قيل في المثل صاحب الدنيا كشارب ماء البحر كلما ازداد شربا ازداد عطشا و الأصل في هذا

قول الله تعالى لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا و لا يملأ عين ابن آدم إلا التراب و هذا من القرآن الذي رفع و نسخت تلاوته و قد ذكر نصر بن مزاحم هذا الكتاب و قال إن أمير المؤمنين ع كتبه إلى عمرو بن العاص و زاد فيه زيادة لم يذكرها الرضي

أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن الآخرة و صاحبها منهوم عليها لم يصب شيئا منها قط إلا فتحت عليه حرصا و أدخلت عليه مئونة تزيده رغبة فيها

١٤

و لن يستغني صاحبها بما نال عما لم يدرك و من وراء ذلك فراق ما جمع و السعيد من وعظ بغيره فلا تحبط أجرك أبا عبد الله و لا تشرك معاوية في باطله فإن معاوية غمص الناس و سفه الحق و السلام قال نصر و هذا أول كتاب كتبه علي ع إلى عمرو بن العاص فكتب إليه عمرو جوابه أما بعد فإن الذي فيه صلاحنا و ألفة ذات بيننا أن تنيب إلى الحق و أن تجيب إلى ما ندعوكم إليه من الشورى فصبر الرجل منا نفسه على الحق و عذره الناس بالمحاجزة و السلام قال نصر فكتب علي ع إلى عمرو بن العاص بعد ذلك كتابا غليظا و هو الذي ضرب مثله فيه بالكلب يتبع الرجل و هو مذكور في نهج البلاغة و اللهج الحرص و معنى قوله ع لو اعتبرت بما مضى حفظت ما بقي أي لو اعتبرت بما مضى من عمرك لحفظت باقيه أن تنفقه في الضلال و طلب الدنيا و تضيعه

١٥

50 و من كتاب له ع إلى أمرائه على الجيوش

مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ رَفَعَهُ إِلَى أَصْحَابِ اَلْمَسَالِحِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ حَقّاً عَلَى اَلْوَالِي أَلاَّ يُغَيِّرَهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ فَضْلٌ نَالَهُ وَ لاَ طَوْلٌ خُصَّ بِهِ وَ أَنْ يَزِيدَهُ مَا قَسَمَ اَللَّهُ لَهُ مِنْ نِعَمِهِ دُنُوّاً مِنْ عِبَادِهِ وَ عَطْفاً عَلَى إِخْوَانِهِ أَلاَ وَ إِنَّ لَكُمْ عِنْدِي أَلاَّ أَحْتَجِزَ دُونَكُمْ سِرّاً إِلاَّ فِي حَرْبٍ وَ لاَ أَطْوِيَ دُونَكُمْ أَمْراً إِلاَّ فِي حُكْمٍ وَ لاَ أُؤَخِّرَ لَكُمْ حَقّاً عَنْ مَحَلِّهِ وَ لاَ أَقِفَ بِهِ دُونَ مَقْطَعِهِ وَ أَنْ تَكُونُوا عِنْدِي فِي اَلْحَقِّ سَوَاءً فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ وَجَبَتْ لِلَّهِ عَلَيْكُمُ اَلنِّعْمَةُ وَ لِي عَلَيْكُمُ اَلطَّاعَةُ وَ أَلاَّ تَنْكُصُوا عَنْ دَعْوَةٍ وَ لاَ تُفَرِّطُوا فِي صَلاَحٍ وَ أَنْ تَخُوضُوا اَلْغَمَرَاتِ إِلَى اَلْحَقِّ فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَسْتَقِيمُوا لِي عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِمَّنِ اِعْوَجَّ مِنْكُمْ ثُمَّ أُعْظِمُ لَهُ اَلْعُقُوبَةَ وَ لاَ يَجِدُ عِنْدِي فِيهَا رُخْصَةً فَخُذُوا هَذَا مِنْ أُمَرَائِكُمْ وَ أَعْطُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ مَا يُصْلِحُ اَللَّهُ بِهِ أَمْرَكُمْ وَ اَلسَّلاَمُ

١٦

أصحاب المسالح جماعات تكون بالثغر يحمون البيضة و المسلحة هي الثغر كالمرغبة و

في الحديث كان أدنى مسالح فارس إلى العرب العذيب قال يجب على الوالي ألا يتطاول على الرعية بولايته و ما خص به عليهم من الطول و هو الفضل و أن تكون تلك الزيادة التي أعطيها سببا لزيادة دنوه من الرعية و حنوه عليهم ثم قال لكم عندي ألا أحتجز دونكم بسر أي لا أستتر قال إلا في حرب و ذلك لأن الحرب يحمد فيها طي الأسرار و الحرب خدعة ثم قال و لا أطوي دونكم أمرا إلا في حكم أي أظهركم على كل ما نفسي مما يحسن أن أظهركم عليه فأما أحكام الشريعة و القضاء على أحد الخصمين فإني لا أعلمكم به قبل وقوعه كيلا تفسد القضية بأن يحتال ذلك الشخص لصرف الحكم عنه ثم ذكر أنه لا يؤخر لهم حقا عن محله يعني العطاء و أنه لا يقف دون مقطعه و الحق هاهنا غير العطاء بل الحكم قال زهير:

فإن الحق مقطعه ثلاث

يمين أو نفار أو جلاء

أي متى تعين الحكم حكمت به و قطعت و لا أقف و لا أتحبس و لما استوفى ما شرط لهم قال فإذا أنا وفيت بما شرطت على نفسي وجبت لله عليكم النعمة و لي عليكم الطاعة ثم أخذ في الاشتراط عليهم كما شرط لهم فقال و لي عليكم ألا تنكصوا عن

١٧

دعوة أي لا تتقاعسوا عن الجهاد إذا دعوتكم إليه و لا تفرطوا في صلاح أي إذا أمكنتكم فرصة أو رأيتم مصلحة في حرب العدو أو حماية الثغر فلا تفرطوا فيها فتفوت و أن تخوضوا الغمرات إلى الحق أي تكابدوا المشاق العظيمة و لا يهولنكم خوضها إلى الحق ثم توعدهم إن لم يفعلوا ذلك ثم قال فخذوا هذا من أمرائكم ليس يعني به أن على هؤلاء أصحاب المسالح أمراء من قبله ع كالواسطة بينهم و بينه بل من أمرائكم يعني مني و ممن يقوم في الخلافة مقامي بعدي لأنه لو كان الغرض هو الأول لما كان محلهم عنده أن يقول ألا أحتجز دونكم بسر و لا أطوي دونكم أمرا لأن محل من كان بتلك الصفة دون هذا

١٨

51 و من كتاب له ع إلى عماله على الخراج

مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَصْحَابِ اَلْخَرَاجِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَحْذَرْ مَا هُوَ سَائِرٌ صَائِرٌ إِلَيْهِ لَمْ يُقَدِّمْ لِنَفْسِهِ مَا يُحْرِزُهَا وَ اِعْلَمُوا أَنَّ مَا كُلِّفْتُمْ بِهِ يَسِيرٌ وَ أَنَّ ثَوَابَهُ كَثِيرٌ وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا نَهَى اَللَّهُ عَنْهُ مِنَ اَلْبَغْيِ وَ اَلْعُدْوَانِ عِقَابٌ يُخَافُ لَكَانَ فِي ثَوَابِ اِجْتِنَابِهِ مَا لاَ عُذْرَ فِي تَرْكِ طَلَبِهِ فَأَنْصِفُوا اَلنَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَ اِصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ اَلرَّعِيَّةِ وَ وُكَلاَءُ اَلْأُمَّةِ وَ سُفَرَاءُ اَلْأَئِمَّةِ وَ لاَ تُحْشِمُوا أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ وَ لاَ تَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ وَ لاَ تَبِيعُنَّ اَلنَّاسَ لِلنَّاسِ فِي اَلْخَرَاجِ كِسْوَةَ شِتَاءٍ وَ لاَ صَيْفٍ وَ لاَ دَابَّةً يَعْتَمِلُونَ عَلَيْهَا وَ لاَ عَبْداً وَ لاَ تَضْرِبُنَّ أَحَداً سَوْطاً لِمَكَانِ دِرْهَمٍ وَ لاَ تَمَسُّنَّ مَالَ أَحَدٍ مِنَ اَلنَّاسِ مُصَلٍّ وَ لاَ مُعَاهَدٍ إِلاَّ أَنْ تَجِدُوا فَرَساً أَوْ سِلاَحاً يُعْدَى بِهِ عَلَى أَهْلِ اَلْإِسْلاَمِ فَإِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدَعَ ذَلِكَ فِي أَيْدِي أَعْدَاءِ اَلْإِسْلاَمِ فَيَكُونَ شَوْكَةً عَلَيْهِ وَ لاَ تَدَّخِرُوا أَنْفُسَكُمْ نَصِيحَةً وَ لاَ اَلْجُنْدَ حُسْنَ سِيرَةٍ وَ لاَ اَلرَّعِيَّةَ مَعُونَةً وَ لاَ دِينَ اَللَّهِ قُوَّةً وَ أَبْلُوهُ فِي سَبِيلِ أَبْلُوا فِي سَبِيلِ اَللَّهِ مَا اِسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ اِصْطَنَعَ عِنْدَنَا

١٩

وَ عِنْدَكُمْ أَنْ نَشْكُرَهُ بِجُهْدِنَا وَ أَنْ نَنْصُرَهُ بِمَا بَلَغَتْ قُوَّتُنَا وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ اَلْعَلِيِّ اَلْعَظِيمِ يقول لو قدرنا أن القبائح العقلية كالظلم و البغي لا عقاب على فعلها بل في تركها ثواب فقط لم يكن الإنسان معذورا إذا فرط في ذلك الترك لأنه يكون قد حرم نفسه نفعا هو قادر على إيصاله إليها قوله و لا تحشموا أحدا أي لا تغضبوا طالب حاجة فتقطعوه عن طلبها أحشمت زيدا و جاء حشمته و هو أن يجلس إليك فتغضبه و تؤذيه و قال ابن الأعرابي حشمته أخجلته و أحشمته أغضبته و الاسم الحشمة و هي الاستحياء و الغضب ثم نهاهم أن يبيعوا لأرباب الخراج ما هو من ضرورياتهم كثياب أبدانهم و كدابة يعتملون عليها نحو بقر الفلاحة و كعبد لا بد للإنسان منه يخدمه و يسعى بين يديه ثم نهاهم عن ضرب الأبشار لاستيفاء الخراج و كتب عدي بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز يستأذنه في عذاب العمال فكتب إليه كأني لك جنة من عذاب الله و كأن رضاي ينجيك من سخط الله من قامت عليه بينة أو أقر بما لم يكن مضطهدا مضطرا إلا الإقرار به فخذه بأدائه فإن كان قادرا عليه فاستأد و إن أبى فاحبسه و إن لم يقدر فخل سبيله بعد أن تحلفه بالله أنه لا يقدر على شي‏ء فلأن يلقوا الله بجناياتهم أحب إلي من أن ألقاه بدمائهم

٢٠