كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٧

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 286

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 286
المشاهدات: 43019
تحميل: 5639


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 286 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43019 / تحميل: 5639
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 17

مؤلف:
العربية

له قال ذكرت له ولده فجعل يستدمع و يقول أكلهم إلى الله فقال عبد الملك بئس وزير الدين أنت ثم وثب و انطلق إلى أبيه فقال للآذن استأذن لي عليه فقال إنه قد وضع رأسه الساعة للقائلة فقال استأذن لي عليه فقال أ ما ترحمونه ليس له من الليل و النهار إلا هذه الساعة قال استأذن لي عليه لا أم لك فسمع عمر كلامهما فقال ائذن لعبد الملك فدخل فقال على ما ذا عزمت قال أرد السهلة قال فلا تؤخر ذلك قم الآن قال فجعل عمر يرفع يديه و يقول الحمد لله الذي جعل لي من ذريتي من يعينني على أمر ديني قال نعم يا بني أصلي الظهر ثم أصعد المنبر فأردها علانية على رءوس الناس قال و من لك أن تعيش إلى الظهر ثم من لك أن تسلم نيتك إلى الظهر إن عشت إليها فقام عمر فصعد المنبر فخطب الناس و رد السهلة قال و كتب عمر بن الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز لما أخذ بني مروان برد المظالم كتابا أغلظ له فيه من جملته أنك أزريت على كل من كان قبلك من الخلفاء و عبتهم و سرت بغير سيرتهم بغضا لهم و شنآنا لمن بعدهم من أولادهم و قطعت ما أمر الله به أن يوصل و عمدت إلى أموال قريش و مواريثهم فأدخلتها بيت المال جورا و عدوانا فاتق الله يا ابن عبد العزيز و راقبه فإنك خصصت أهل بيتك بالظلم و الجور و و الذي خص محمد ص بما خصه به لقد ازددت من الله بعدا بولايتك هذه التي زعمت أنها عليك بلاء فأقصر عن بعض ما صنعت و اعلم أنك بعين جبار عزيز و في قبضته و لن يتركك على ما أنت عليه قالوا فكتب عمر جوابه أما بعد فقد قرأت كتابك و سوف أجيبك بنحو منه أما أول أمرك يا ابن الوليد فإن أمك نباتة أمة السكون كانت تطوف في أسواق حمص و تدخل حوانيتها ثم الله أعلم بها اشتراها ذبيان بن ذبيان من في‏ء المسلمين فأهداها

١٠١

لأبيك فحملت بك فبئس الحامل و بئس المحمول ثم نشأت فكنت جبارا عنيدا و تزعم أني من الظالمين لأني حرمتك و أهل بيتك في‏ء الله الذي هو حق القرابة و المساكين و الأرامل و إن أظلم مني و أترك لعهد الله من استعملك صبيا سفيها على جند المسلمين تحكم فيهم برأيك و لم يكن له في ذاك نية إلا حب الوالد ولده فويل لك و ويل لأبيك ما أكثر خصماءكما يوم القيامة و إن أظلم مني و أترك لعهد الله من استعمل الحجاج بن يوسف على خمسي العرب يسفك الدم الحرام و يأخذ المال الحرام و إن أظلم مني و أترك لعهد الله من استعمل قرة بن شريك أعرابيا جافيا على مصر و أذن له في المعازف و الخمر و الشرب و اللهو و إن أظلم مني و أترك لعهد الله من استعمل عثمان بن حيان على الحجاز فينشد الأشعار على منبر رسول الله ص و من جعل للعالية البربرية سهما في الخمس فرويدا يا ابن نباتة و لو التقت حلقتا البطان و رد الفي‏ء إلى أهله لتفرغت لك و لأهل بيتك فوضعتكم على المحجة البيضاء فطالما تركتم الحق و أخذتم في بنيات الطريق و من وراء هذا من الفضل ما أرجو أن أعمله بيع رقبتك و قسم ثمنك بين الأرامل و اليتامى و المساكين فإن لكل فيك حقا و السلام علينا و لا ينال سلام الله الظالمين و روى الأوزاعي قال لما قطع عمر بن عبد العزيز عن أهل بيته ما كان من قبله يجرونه عليهم من أرزاق الخاصة فتكلم في ذلك عنبسة بن سعيد فقال يا أمير المؤمنين إن لنا قرابة فقال مالي إن يتسع لكم و أما هذا المال فحقكم فيه كحق رجل بأقصى برك الغماد و لا يمنعه من أخذه إلا بعد مكانه و الله إني لأرى أن الأمور

١٠٢

لو استحالت حتى يصبح أهل الأرض يرون مثل رأيكم لنزلت بهم بائقة من عذاب الله و روى الأوزاعي أيضا قال قال عمر بن عبد العزيز يوما و قد بلغه عن بني أمية كلام أغضبه إن لله في بني أمية يوما أو قال ذبحا و ايم الله لئن كان ذلك الذبح أو قال ذلك اليوم على يدي لأعذرن الله فيهم قال فلما بلغهم ذلك كفوا و كانوا يعلمون صرامته و إنه إذا وقع في أمر مضى فيه و روى إسماعيل بن أبي حكيم قال قال عمر بن عبد العزيز يوما لحاجبه لا تدخلن علي اليوم إلا مروانيا فلما اجتمعوا قال يا بني مروان إنكم قد أعطيتم حظا و شرفا و أموالا إني لأحسب شطر أموال هذه الأمة أو ثلثيها في أيديكم فسكتوا فقال أ لا تجيبوني فقال رجل منهم فما بالك قال إني أريد أن أنتزعها منكم فأردها إلى بيت مال المسلمين فقال رجل منهم و الله لا يكون ذلك حتى يحال بين رءوسنا و أجسادنا و الله لا نكفر أسلافنا و لا نفقر أولادنا فقال عمر و الله لو لا أن تستعينوا علي بمن أطلب هذا الحق له لأضرعت خدودكم قوموا عني و روى مالك بن أنس قال ذكر عمر بن عبد العزيز من كان قبله من المروانية فعابهم و عنده هشام بن عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين إنا و الله نكره أن تعيب آباءنا و تضع شرفنا فقال عمر و أي عيب أعيب مما عابه القرآن و روى نوفل بن الفرات قال شكا بنو مروان إلى عاتكة بنت مروان بن الحكم عمر فقالوا إنه يعيب أسلافنا و يأخذ أموالنا فذكرت ذلك له و كانت عظيمة عند بني مروان فقال لها يا عمة إن رسول الله ص قبض و ترك

١٠٣

الناس على نهر مورود فولي ذلك النهر بعده رجلان لم يستخصا أنفسهما و أهلهما منه بشي‏ء ثم وليه ثالث فكرى منه ساقية ثم لم تزل الناس يكرون منه السواقي حتى تركوه يابسا لا قطرة فيه و ايم الله لئن أبقاني الله لأسكرن تلك السواقي حتى أعيد النهر إلى مجراه الأول قالت فلا يسبون إذا عندك قال و من يسبهم إنما يرفع الرجل مظلمته فأردها عليه و روى عبد الله بن محمد التيمي قال كان بنو أمية ينزلون عاتكة بنت مروان بن الحكم على أبواب قصورهم و كانت جليلة الموضع عندهم فلما ولي عمر قال لا يلي إنزالها أحد غيري فأدخلوها على دابتها إلى باب قبته فأنزلها ثم طبق لها وسادتين إحداهما على الأخرى ثم أنشأ يمازحها و لم يكن من شأنه و لا من شأنها المزاح فقال أ ما رأيت الحرس الذين على الباب فقالت بلى و ربما رأيتهم عند من هو خير منك فلما رأى الغضب لا يتحلل عنها ترك المزاح و سألها أن تذكر حاجتها فقالت إن قرابتك يشكونك و يزعمون أنك أخذت منهم خير غيرك قال ما منعتهم شيئا هو لهم و لا أخذت منهم حقا يستحقونه قالت إني أخاف أن يهيجوا عليك يوما عصيبا و قال كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا وقاني الله شره ثم دعا بدينار و مجمرة و جلد فألقى الدينار في النار و جعل ينفخ حتى احمر ثم تناوله بشي‏ء فأخرجه فوضعه على الجلد فنش و فتر فقال يا عمة أ ما تأوين لابن أخيك من مثل هذا فقامت فخرجت إلى بني مروان فقالت تزوجون في آل عمر بن الخطاب فإذا نزعوا إلى الشبه جزعتم اصبروا له و روى وهيب بن الورد قال اجتمع بنو مروان على باب عمر بن عبد العزيز فقالوا لولد له قل لأبيك يأذن لنا فإن لم يأذن فأبلغ إليه عنا و سأله فلم يأذن لهم و قال

١٠٤

فليقولوا فقالوا قل له إن من كان قبلك من الخلفاء كان يعطينا و يعرف لنا مواضعنا و إن أباك قد حرمنا ما في يديه فدخل إلى أبيه فأبلغه عنهم فقال اخرج فقل لهم إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم و روى سعيد بن عمار عن أسماء بنت عبيد قال دخل عنبسة بن سعيد بن العاص على عمر بن عبد العزيز فقال يا أمير المؤمنين إن من كان قبلك من الخلفاء كانوا يعطوننا عطايا منعتناها و لي عيال و ضيعة فأذن لي أخرج إلى ضيعتي و ما يصلح عيالي فقال عمر إن أحبكم إلينا من كفانا مئونته فخرج عنبسة فلما صار إلى الباب ناداه أبا خالد أبا خالد فرجع فقال أكثر ذكر الموت فإن كنت في ضيق من العيش وسعه عليك و إن كنت في سعة من العيش ضيقه عليك و روى عمر بن علي بن مقدم قال قال ابن صغير لسليمان بن عبد الملك لمزاحم إن لي حاجة إلى أمير المؤمنين عمر قال فاستأذنت له فأدخله فقال يا أمير المؤمنين لم أخذت قطيعتي قال معاذ الله إن آخذ قطيعة ثبتت في الإسلام قال فهذا كتابي بها و أخرج كتابا من كمه فقرأه عمر و قال لمن كانت هذه الأرض قال كانت للمسلمين قال فالمسلمون أولى بها قال فاردد علي كتابي قال إنك لو لم تأتني به لم أسألكه فأما إذ جئتني به فلست أدعك تطلب به ما ليس لك بحق فبكى ابن سليمان فقال مزاحم يا أمير المؤمنين ابن سليمان تصنع به هذا قال و ذلك لأن سليمان عهد إلى عمر و قدمه على إخوته فقال عمر ويحك يا مزاحم إني لأجد له من اللوط ما أجد لولدي و لكنها نفسي أجادل عنها و روى الأوزاعي قال قال هشام بن عبد الملك و سعيد بن خالد بن عمر بن عثمان

١٠٥

بن عفان لعمر بن عبد العزيز يا أمير المؤمنين استأنف العمل برأيك فيما تحت يدك و خل بين من سبقك و بين ما ولوه عليهم كان أو لهم فإنك مستكف أن تدخل في خير ذلك و شره قال أنشدكما الله الذي إليه تعودان لو أن رجلا هلك و ترك بنين أصاغر و أكابر فغر الأكابر الأصاغر بقوتهم فأكلوا أموالهم ثم بلغ الأصاغر الحلم فجاءوكما بهم و بما صنعوا في أموالهم ما كنتما صانعين قالا كنا نرد عليهم حقوقهم حتى يستوفوها قال فإني وجدت كثيرا ممن كان قبلي من الولاة غر الناس بسلطانه و قوته و آثر بأموالهم أتباعه و أهله و رهطه و خاصته فلما وليت أتوني بذلك فلم يسعني إلا الرد على الضعيف من القوي و على الدني‏ء من الشريف فقالا يوفق الله أمير المؤمنين : وَ لاَ تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ و لِلَّهِ فِيهِ رِضًا فَإِنَّ فِي اَلصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ وَ رَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وَ أَمْناً لِبِلاَدِكَ وَ لَكِنِ اَلْحَذَرَ كُلَّ اَلْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ فَإِنَّ اَلْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ وَ اِتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ اَلظَّنِّ وَ إِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوٍّ لَكَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وَ اِرْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ وَ اِجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اَللَّهِ شَيْ‏ءٌ اَلنَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اِجْتِمَاعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَ تَشَتُّتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ اَلْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَ قَدْ لَزِمَ ذَلِكَ اَلْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ اَلْمُسْلِمِينَ لِمَا اِسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ اَلْغَدْرِ فَلاَ تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَ لاَ تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ وَ لاَ تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ فَإِنَّهُ لاَ يَجْتَرِئُ عَلَى اَللَّهِ إِلاَّ جَاهِلٌ شَقِيٌّ وَ قَدْ جَعَلَ اَللَّهُ عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ اَلْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ

١٠٦

وَ حَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ وَ يَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ فَلاَ إِدْغَالَ وَ لاَ مُدَالَسَةَ وَ لاَ خِدَاعَ فِيهِ وَ لاَ تَعْقِدْهُ تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِيهِ اَلْعِلَلَ وَ لاَ تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ اَلْقَوْلِ قَوْلٍ بَعْدَ اَلتَّأْكِيدِ وَ اَلتَّوْثِقَةِ وَ لاَ يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اَللَّهِ إِلَى طَلَبِ اِنْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ اَلْحَقِّ فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو اِنْفِرَاجَهُ وَ فَضْلَ عَاقِبَتِهِ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ وَ أَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اَللَّهِ طِلْبَةٌ لاَ تَسْتَقِيلُ تَسْتَقْبِلُ فِيهَا دُنْيَاكَ وَ لاَ آخِرَتَكَ أمره أن يقبل السلم و الصلح إذا دعي إليه لما فيه من دعة الجنود و الراحة من الهم و الأمن للبلاد و لكن ينبغي أن يحذر بعد الصلح من غائلة العدو و كيده فإنه ربما قارب بالصلح ليتغفل أي يطلب غفلتك فخذ بالحزم و اتهم حسن ظنك لا تثق و لا تسكن إلى حسن ظنك بالعدو و كن كالطائر الحذر ثم أمره بالوفاء بالعهود قال و اجعل نفسك جنة دون ما أعطيت أي و لو ذهبت نفسك فلا تغدر و قال الراوندي الناس مبتدأ و أشد مبتدأ ثان و من تعظيم الوفاء خبره و هذا المبتدأ الثاني مع خبره خبر المبتدإ الأول و محل الجملة نصب لأنها خبر ليس و محل ليس مع اسمه و خبره رفع لأنه خبر فإنه و شي‏ء اسم ليس و من فرائض الله حال و لو تأخر لكان صفة لشي‏ء و الصواب أن شي‏ء اسم ليس و جاز ذلك و إن كان نكرة لاعتماده على النفي و لأن الجار و المجرور قبله في موضع الحال كالصفة فتخصص بذلك و قرب من المعرفة و الناس مبتدأ و أشد خبره و هذه الجملة المركبة من مبتدإ

١٠٧

و خبر في موضع رفع لأنها صفة شي‏ء و أما خبر المبتدإ الذي هو شي‏ء فمحذوف و تقديره في الوجود كما حذف الخبر في قولنا لا إله إلا الله أي في الوجود و ليس يصح ما قال الراوندي من أن أشد مبتدأ ثان و من تعظيم الوفاء خبره لأن حرف الجر إذا كان خبرا لمبتدإ تعلق بمحذوف و هاهنا هو متعلق بأشد نفسه فكيف يكون خبرا عنه و أيضا فإنه لا يجوز أن يكون أشد من تعظيم الوفاء خبرا عن الناس كما زعم الراوندي لأن ذلك كلام غير مفيد أ لا ترى أنك إذا أردت أن تخبر بهذا الكلام عن المبتدإ الذي هو الناس لم يقم من ذلك صورة محصلة تفيدك شيئا بل يكون كلاما مضطربا و يمكن أيضا أن يكون من فرائض الله في موضع رفع لأنه خبر المبتدإ و قد قدم عليه و يكون موضع الناس و ما بعده رفع لأنه خبر المبتدإ الذي هو شي‏ء كما قلناه أولا و ليس يمتنع أيضا أن يكون من فرائض الله منصوب الموضع لأنه حال و يكون موضع الناس أشد رفعا لأنه خبر المبتدإ الذي هو شي‏ء ثم قال له ع و قد لزم المشركون مع شركهم الوفاء بالعهود و صار ذلك لهم شريعة و بينهم سنة فالإسلام أولى باللزوم و الوفاء و استوبلوا وجدوه وبيلا أي ثقيلا استوبلت البلد أي استوخمته و استثقلته و لم يوافق مزاجك و لا تخيسن بعهدك أي لا تغدرن خاس فلان بذمته أي غدر و نكث قوله و لا تختلن عدوك أي لا تمكرن به ختلته أي خدعته و قوله أفضاه بين عباده جعله مشتركا بينهم لا يختص به فريق دون فريق

١٠٨

قال و يستفيضون إلى جواره أي ينتشرون في طلب حاجاتهم و مآربهم ساكنين إلى جواره فإلى هاهنا متعلقة بمحذوف مقدر كقوله تعالى( فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى‏ فِرْعَوْنَ ) أي مرسلا قال فلا إدغال أي لا إفساد و الدغل الفساد و لا مدالسة أي لا خديعة يقال فلان لا يوالس و لا يدالس أي لا يخادع و لا يخون و أصل الدلس الظلمة و التدليس في البيع كتمان عيب السلعة عن المشتري ثم نهاه عن أن يعقد عقدا يمكن فيه التأويلات و العلل و طلب المخارج و نهاه إذا عقد العقد بينه و بين العدو أن ينقضه معولا على تأويل خفي أو فحوى قول أو يقول إنما عنيت كذا و لم أعن ظاهر اللفظة فإن العقود إنما تعقد على ما هو ظاهر في الاستعمال متداول في الاصطلاح و العرف لا على ما في الباطن و روي انفساحه بالحاء المهملة أي سعته

فصل فيما جاء في الحذر من كيد العدو

قد جاء في الحذر من كيد العدو و النهي عن التفريط في الرأي السكون إلى ظاهر السلم أشياء كثيرة و كذا في النهي عن الغدر و النهي عن طلب تأويلات العهود و فسخها بغير الحق فرط عبد الله بن طاهر في أيام أبيه في أمر أشرف فيه على العطب و نجا بعد لأي فكتب إليه أبوه أتاني يا بني من خبر تفريطك ما كان أكبر عندي من نعيك لو ورد لأني لم أرج قط ألا تموت و قد كنت أرجو ألا تفتضح بترك الحزم و التيقظ و روى ابن الكلبي أن قيس بن زهير لما قتل حذيفة بن بدر و من معه بجفر الهباءة

١٠٩

خرج حتى لحق بالنمر بن قاسط و قال لا تنظر في وجهي غطفانية بعد اليوم فقال يا معاشر النمر أنا قيس بن زهير غريب حريب طريد شريد موتور فانظروا لي امرأة قد أدبها الغني و أذلها الفقر فزوجوه بامرأة منهم فقال لهم إني لا أقيم فيكم حتى أخبركم بأخلاقي أنا فخور غيور أنف و لست أفخر حتى أبتلى و لا أغار حتى أرى و لا آنف حتى أظلم فرضوا أخلاقه فأقام فيهم حتى ولد له ثم أراد أن يتحول عنهم فقال يا معشر النمر إن لكم حقا علي في مصاهرتي فيكم و مقامي بين أظهركم و إني موصيكم بخصال آمركم بها و أنهاكم عن خصال عليكم بالأناة فإن بها تدرك الحاجة و تنال الفرصة و تسويد من لا تعابون بتسويده و الوفاء بالعهود فإن به يعيش الناس و إعطاء ما تريدون إعطاءه قبل المسألة و منع ما تريدون منعه قبل الإنعام و إجارة الجار على الدهر و تنفيس البيوت عن منازل الأيامى و خلط الضيف بالعيال و أنهاكم عن الغدر فإنه عار الدهر و عن الرهان فإن به ثكلت مالكا أخي و عن البغي فإن به صرع زهير أبي و عن السرف في الدماء فإن قتلي أهل الهباءة أورثني العار و لا تعطوا في الفضول فتعجزوا عن الحقوق و أنكحوا الأيامى الأكفاء فإن لم تصيبوا بهن الأكفاء فخير بيوتهن القبور و اعلموا أني أصبحت ظالما و مظلوما ظلمني بنو بدر بقتلهم مالكا و ظلمتهم بقتلي من لا ذنب له ثم رحل عنهم إلى غمار فتنصر بها و عف عن المآكل حتى أكل الحنظل إلى أن مات : إِيَّاكَ وَ اَلدِّمَاءَ وَ سَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ وَ لاَ أَعْظَمَ

١١٠

لِتَبِعَةٍ وَ لاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وَ اِنْقِطَاعِ مُدَّةٍ مِنْ سَفْكِ اَلدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا وَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ اَلْعِبَادِ فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ اَلدِّمَاءِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فَلاَ تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَ يُوهِنُهُ بَلْ يُزِيلُهُ وَ يَنْقُلُهُ وَ لاَ عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اَللَّهِ وَ لاَ عِنْدِي فِي قَتْلِ اَلْعَمْدِ لِأَنَّ فِيهِ قَوَدَ اَلْبَدَنِ وَ إِنِ اُبْتُلِيتَ بِخَطَإٍ وَ أَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ فَإِنَّ فِي اَلْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً فَلاَ تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ اَلْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ قد ذكرنا في وصية قيس بن زهير آنفا النهي عن الإسراف في الدماء و تلك وصية مبنية على شريعة الجاهلية مع حميتها و تهالكها على القتل و القتال و وصية أمير المؤمنين ع مبنية على الشريعة الإسلامية و النهي عن القتل و العدوان الذي لا يسيغه الدين و قد ورد في الخبر المرفوع أن أول ما يقضي الله به يوم القيامة بين العباد أمر الدماء قال إنه ليس شي‏ء أدعى إلى حلول النقم و زوال النعم و انتقال الدول من سفك الدم الحرام و إنك إن ظننت أنك تقوي سلطانك بذلك فليس الأمر كما ظننت بل تضعفه بل تعدمه بالكلية ثم عرفه أن قتل العمد يوجب القود و قال له قود البدن أي يجب عليك هدم صورتك كما هدمت صورة المقتول و المراد إرهابه بهذه اللفظة أنها أبلغ من أن يقول له فإن فيه القود ثم قال إن قتلت خطأ أو شبه عمد كالضرب بالسوط فعليك الدية و قد اختلف

١١١

الفقهاء في هذه المسألة فقال أبو حنيفة و أصحابه القتل على خمسة أوجه عمد و شبه عمد و خطأ و ما أجري مجرى الخطإ و قتل بسبب فالعمد ما تعمد به ضرب الإنسان بسلاح أو ما يجري مجرى السلاح كالمحدد من الخشب و ليطة القصب و المروءة المحددة و النار و موجب ذلك المأثم و القود إلا أن يعفو الأولياء و لا كفارة فيه و شبه العمد أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح و لا أجري مجرى السلاح كالحجر العظيم و الخشبة العظيمة و موجب ذلك المأثم و الكفارة و لا قود فيه و فيه الدية مغلظة على العاقلة و الخطأ على وجهين خطأ في القصد و هو أن يرمي شخصا يظنه صيدا فإذا هو آدمي و خطأ في الفعل و هو أن يرمي غرضا فيصيب آدميا و موجب النوعين جميعا الكفارة و الدية على العاقلة و لا مأثم فيه و ما أجري مجرى الخطإ مثل النائم يتقلب على رجل فيقتله فحكمه حكم الخطإ و أما القتل بسبب فحافر البئر و واضع الحجر في غير ملكه و موجبه إذا تلف فيه إنسان الدية على العاقلة و لا كفارة فيه فهذا قول أبي حنيفة و من تابعه و قد خالفه صاحباه أبو يوسف و محمد في شبه العمد و قالا إذا ضربه بحجر عظيم أو خشبة غليظة فهو عمد قال و شبه العمد أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا كالعصا الصغيرة و السوط و بهذا القول قال الشافعي و كلام أمير المؤمنين ع يدل على أن المؤدب من الولاة إذا تلف تحت

١١٢

يده إنسان في التأديب فعليه الدية و قال لي قوم من فقهاء الإمامية أن مذهبنا أن لا دية عليه و هو خلاف ما يقتضيه كلام أمير المؤمنين ع : وَ إِيَّاكَ وَ اَلْإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ وَ اَلثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وَ حُبَّ اَلْإِطْرَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ اَلشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ اَلْمُحْسِنِينَ وَ إِيَّاكَ وَ اَلْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ أَوِ اَلتَّزَيُّدَ فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ فَإِنَّ اَلْمَنَّ يُبْطِلُ اَلْإِحْسَانَ وَ اَلتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ اَلْحَقِّ وَ اَلْخُلْفَ يُوجِبُ اَلْمَقْتَ عِنْدَ اَللَّهِ وَ اَلنَّاسِ قَالَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اَللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ) وَ إِيَّاكَ وَ اَلْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا أَوِ اَلتَّسَاقُطَ اَلتَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا أَوِ اَللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ أَوِ اَلْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اِسْتَوْضَحَتْ فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ وَ أَوْقِعْ كُلَّ عَمَلٍ أَمْرٍ مَوْقِعَهُ وَ إِيَّاكَ وَ اَلاِسْتِئْثَارَ بِمَا اَلنَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ وَ اَلتَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ وَ عَمَّا قَلِيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ اَلْأُمُورِ وَ يُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ اِمْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ وَ سَوْرَةَ حَدِّكَ وَ سَطْوَةَ يَدِكَ وَ غَرْبَ لِسَانِكَ وَ اِحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِكَفِّ اَلْبَادِرَةِ وَ تَأْخِيرِ اَلسَّطْوَةِ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ اَلاِخْتِيَارَ وَ لَنْ تَحْكُمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ اَلْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ

١١٣

وَ اَلْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنَا ص أَوْ فَرِيضَةٍ فِي كِتَابِ اَللَّهِ فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا وَ تَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اِتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هَذَا وَ اِسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ اَلْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ لِكَيْلاَ تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا قد اشتمل هذا الفصل على وصايا نحن شارحوها منها قوله ع إياك و ما يعجبك من نفسك و الثقة بما يعجبك منها

قد ورد في الخبر ثلاث مهلكات شح مطاع و هوى متبع و إعجاب المرء بنفسه و في الخبر أيضا لا وحشة أشد من العجب و في الخبر الناس لآدم و آدم من تراب فما لابن آدم و الفخر و العجب و في الخبر الجار ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة و في الخبر و قد رأى أبا دجانة يتبختر إنها لمشية يبغضها الله إلا بين الصفين و منها قوله و حب الإطراء ناظر المأمون محمد بن القاسم النوشجاني المتكلم فجعل يصدقه و يطريه و يستحسن قوله فقال المأمون يا محمد أراك تنقاد إلى ما تظن أنه يسرني قبل وجوب الحجة لي عليك و تطريني بما لست أحب أن أطري به و تستخذي لي في المقام الذي ينبغي أن تكون فيه مقاوما لي و محتجا علي و لو شئت أن أقسر الأمور بفضل بيان و طول لسان و أغتصب الحجة بقوة الخلافة و أبهة الرئاسة لصدقت و إن كنت كاذبا و عدلت و إن كنت جائرا و صوبت و إن كنت مخطئا

١١٤

لكني لا أرضى إلا بغلبة الحجة و دفع الشبهة و إن أنقص الملوك عقلا و أسخفهم رأيا من رضي بقولهم صدق الأمير و أثنى رجل على رجل فقال الحمد لله الذي سترني عنك و كان بعض الصالحين يقول إذا أطراه إنسان ليسألك الله عن حسن ظنك و منها قوله و إياك و المن قال الله تعالى( يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ اَلْأَذى‏ ) و كان يقال المن محبة للنفس مفسدة للصنع و منها نهيه إياه عن التزيد في فعله قال ع إنه يذهب بنور الحق و ذلك لأنه محض الكذب مثل أن يسدي ثلاثة أجزاء من الجميل فيدعي في المجالس و المحافل أنه أسدى عشرة و إذا خالط الحق الكذب أذهب نوره و منها نهيه إياه عن خلف الوعد قد مدح الله نبيا من الأنبياء و هو إسماعيل بن إبراهيم ع بصدق الوعد و كان يقال وعد الكريم نقد و تعجيل و وعد اللئيم مطل و تعطيل و كتب بعض الكتاب و حق لمن أزهر بقول أن يثمر بفعل و قال أبو مقاتل الضرير قلت لأعرابي قد أكثر الناس في المواعيد فما قولك فيها فقال بئس الشي‏ء الوعد مشغلة للقلب الفارغ متعبة للبدن الخافض خيره غائب و شره حاضر و في الحديث المرفوع عدة المؤمن كأخذ باليد فأما أمير المؤمنين ع فقال إنه يوجب المقت و استشهد عليه بالآية و المقت البغض و منها نهيه عن العجلة و كان يقال أصاب متثبت أو كاد و أخطأ عجل أو كاد و في المثل رب عجلة تهب ريثا و ذمها الله تعالى فقال( خُلِقَ اَلْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ ) .

١١٥

و منها نهيه عن التساقط في الشي‏ء الممكن عند حضوره و هذا عبارة عن النهي عن الحرص و الجشع قال الشنفري:

و إن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن

بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل

و منها نهيه عن اللجاجة في الحاجة إذا تعذرت كان يقال من لاج الله فقد جعله خصما و من كان الله خصمه فهو مخصوم قال الغزي:

دعها سماوية تجري على قدر

لا تفسدنها برأي منك معكوس

و منها نهيه له عن الوهن فيها إذا استوضحت أي وضحت و انكشفت و يروى و استوضحت فعل ما لم يسم فاعله و الوهن فيها إهمالها و ترك انتهاز الفرصة فيها قال الشاعر:

فإذا أمكنت فبادر إليها

حذرا من تعذر الإمكان

و منها نهيه عن الاستئثار و هذا هو الخلق النبوي غنم رسول الله ص غنائم خيبر و كانت مل‏ء الأرض نعما فلما ركب راحلته و سار تبعه الناس يطلبون الغنائم و قسمها و هو ساكت لا يكلمهم و قد أكثروا عليه إلحاحا و سؤالا فمر بشجرة فخطفت رداءه فالتفت فقال ردوا علي ردائي فلو ملكت بعدد رمل تهامة مغنما لقسمته بينكم عن آخره ثم لا تجدونني بخيلا و لا جبانا و نزل و قسم ذلك المال عن آخره عليهم كله لم يأخذ لنفسه منه وبرة و منها نهيه له عن التغابي و صورة ذلك أن الأمير يومئ إليه أن فلانا من خاصته يفعل كذا و يفعل كذا من الأمور المنكرة و يرتكبها سرا فيتغابى عنه و يتغافل نهاه ع عن ذلك و قال إنك مأخوذ منك لغيرك أي معاقب تقول اللهم خذ لي من فلان بحقي أي اللهم انتقم لي منه

١١٦

و منها نهيه إياه عن الغضب و عن الحكم بما تقتضيه قوته الغضبية حتى يسكن غضبه قد جاء في الخبر المرفوع لا يقضي القاضي و هو غضبان فإذا كان قد نهي أن يقضي القاضي و هو غضبان على غير صاحب الخصومة فبالأولى أن ينهى الأمير عن أن يسطو على إنسان و هو غضبان عليه و كان لكسرى أنوشروان صاحب قد رتبه و نصبه لهذا المعنى يقف على رأس الملك يوم جلوسه فإذا غضب على إنسان و أمر به قرع سلسلة تاجه بقضيب في يده و قال له إنما أنت بشر فارحم من في الأرض يرحمك من في السماء : وَ مِنْ هَذَا اَلْعَهْدِ وَ هُوَ آخِرُهُ وَ أَنَا أَسْأَلُ اَللَّهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ أَنْ يُوَفِّقَنِي وَ إِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ اَلْإِقَامَةِ عَلَى اَلْعُذْرِ اَلْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَ إِلَى خَلْقِهِ مِنْ حُسْنِ اَلثَّنَاءِ فِي اَلْعِبَادِ وَ جَمِيلِ اَلْأَثَرِ فِي اَلْبِلاَدِ وَ تَمَامِ اَلنِّعْمَةِ وَ تَضْعِيفِ اَلْكَرَامَةِ وَ أَنْ يَخْتِمَ لِي وَ لَكَ بِالسَّعَادَةِ وَ اَلشَّهَادَةِ إِنَّا إِلَى اَللَّهِ رَاغِبُونَ وَ اَلسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهِ عَلَيْهِ وَ عَلَى آلِهِ اَلطَّيِّبِينَ اَلطَّاهِرِينَ وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً وَ اَلسَّلاَمُ روي كل رغيبة و الرغيبة ما يرغب فيه فأما الرغبة فمصدر رغب في كذا كأنه قال القادر على إعطاء كل سؤال أي إعطاء كل سائل ما سأله

١١٧

و معنى قوله من الإقامة على العذر أي أسأل الله أن يوفقني للإقامة على الاجتهاد و بذل الوسع في الطاعة و ذلك لأنه إذا بذل جهده فقد أعذر ثم فسر اجتهاده في ذلك في رضا الخلق و لم يفسر اجتهاده في رضا الخالق لأنه معلوم فقال هو حسن الثناء في العباد و جميل الأثر في البلاد فإن قلت فقوله و تمام النعمة على ما ذا تعطفه قلت هو معطوف على ما من قوله لما فيه كأنه قال أسأل الله توفيقي لذا و لتمام النعمة أي و لتمام نعمته علي و تضاعف كرامته لدي و توفيقه لهما هو توفيقه للأعمال الصالحة التي يستوجبهما بها

فصل في ذكر بعض وصايا العرب

و ينبغي أن يذكر في هذا الموضع وصايا من كلام قوم من رؤساء العرب أوصوا بها أولادهم و رهطهم فيها آداب حسان و كلام فصيح و هي مناسبة لعهد أمير المؤمنين ع هذا و وصاياه المودعة فيه و إن كان كلام أمير المؤمنين ع أجل و أعلى من أن يناسبه كلام لأنه قبس من نور الكلام الإلهي و فرع من دوحة المنطق النبوي روى ابن الكلبي قال لما حضرت الوفاة أوس بن حارثة أخا الخزرج لم يكن له ولد غير مالك بن الأوس و كان لأخيه الخزرج خمسة قيل له كنا نأمرك بأن تتزوج في شبابك فلم تفعل حتى حضرك الموت و لا ولد لك إلا مالك فقال لم يهلك هالك ترك مثل مالك و إن كان الخزرج ذا عدد و ليس لمالك ولد فلعل الذي استخرج

١١٨

العذق من الجريمة و النار من الوثيمة أن يجعل لمالك نسلا و رجالا بسلا و كلنا إلى الموت يا مالك المنية و لا الدنية و العتاب قبل العقاب و التجلد لا التبلد و اعلم أن القبر خير من الفقر و من لم يعط قاعدا حرم قائما و شر الشرب الاشتفاف و شر الطعم الاقتفاف و ذهاب البصر خير من كثير من النظر و من كرم الكريم الدفع عن الحريم و من قل ذل و خير الغنى القناعة و شر الفقر الخضوع الدهر صرفان صرف رخاء و صرف بلاء و اليوم يومان يوم لك و يوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر و إذا كان عليك فاصطبر و كلاهما سينحسر و كيف بالسلامة لمن ليست له إقامة و حياك ربك و أوصى الحارث بن كعب بنيه فقال يا بني قد أتت علي مائة و ستون سنة ما صافحت يميني يمين غادر و لا قنعت لنفسي بخلة فاجر و لا صبوت بابنة عم و لا كنة و لا بحت لصديق بسر و لا طرحت عن مومسة قناعا و لا بقي على دين عيسى ابن مريم و قد روي على دين شعيب من العرب غيري و غير تميم بن مر بن أسد بن خزيمة فموتوا على شريعتي و احفظوا علي وصيتي و إلهكم فاتقوا يكفكم ما أهمكم و يصلح لكم حالكم و إياكم و معصيته فيحل بكم الدمار و يوحش منكم الديار كونوا جميعا و لا تفرقوا فتكنوا شيعا و بزوا قبل أن تبزوا فموت

١١٩

في عز خير من حياة في ذل و عجز و كل ما هو كائن كائن و كل جمع إلى تباين و الدهر صرفان صرف بلاء و صرف رخاء و اليوم يومان يوم حبرة و يوم عبرة و الناس رجلان رجل لك و رجل عليك زوجوا النساء الأكفاء و إلا فانتظروا بهن القضاء و ليكن أطيب طيبهم الماء و إياكم و الورهاء فإنها أدوأ الداء و إن ولدها إلى أفن يكون لا راحة لقاطع القرابة و إذا اختلف القوم أمكنوا عدوهم و آفة العدد اختلاف الكلمة و التفضل بالحسنة يقي السيئة و المكافأة بالسيئة دخول فيها و عمل السوء يزيل النعماء و قطيعة الرحم تورث الهم و انتهاك الحرمة يزيل النعمة و عقوق الوالدين يعقب النكد و يخرب البلد و يمحق العدد و الإسراف في النصيحة هو الفضيحة و الحقد منع الرفد و لزوم الخطيئة يعقب البلية و سوء الدعة يقطع أسباب المنفعة و الضغائن تدعو إلى التباين يا بني إني قد أكلت مع أقوام و شربت فذهبوا و غبرت و كأني بهم قد لحقت ثم قال:

أكلت شبابي فأفنيته

و أبليت بعد دهور دهورا

ثلاثة أهلين صاحبتهم

فبادروا و أصبحت شيخا كبيرا

قليل الطعام عسير القيام

قد ترك الدهر خطوي قصيرا

أبيت أراعي نجوم السماء

أقلب أمري بطونا ظهورا

وصى أكثم بن صيفي بنيه و رهطه فقال يا بني تميم لا يفوتنكم وعظي إن فاتكم الدهر بنفسي إن بين حيزومي و صدري لكلاما لا أجد له مواقع إلا أسماعكم و لا مقار إلا قلوبكم فتلقوه بأسماع مصغية و قلوب دواعية تحمدوا مغبته الهوى

١٢٠