كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٧

كتاب شرح نهج البلاغة13%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 286

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 286 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45925 / تحميل: 6681
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

يقظان و العقل راقد و الشهوات مطلقة و الحزم معقول و النفس مهملة و الروية مقيدة و من جهة التواني و ترك الروية يتلف الحزم و لن يعدم المشاور مرشدا و المستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل و من سمع سمع به و مصارع الرجال تحت بروق الطمع و لو اعتبرت مواقع المحن ما وجدت إلا في مقاتل الكرام و على الاعتبار طريق الرشاد و من سلك الجدد أمن العثار و لن يعدم الحسود أن يتعب قلبه و يشغل فكره و يورث غيظه و لا تجاوز مضرته نفسه يا بني تميم الصبر على جرع الحلم أعذب من جنا ثمر الندامة و من جعل عرضه دون ماله استهدف للذم و كلم اللسان أنكى من كلم السنان و الكلمة مرهونة ما لم تنجم من الفم فإذا نجمت مزجت فهي أسد محرب أو نار تلهب و رأي الناصح اللبيب دليل لا يجوز و نفاذ الرأي في الحرب أجدى من الطعن و الضرب و أوصى يزيد بن المهلب ابنه مخلدا حين استخلفه على جرجان فقال له يا بني قد استخلفتك على هذه البلاد فانظر هذا الحي من اليمن فكن لهم كما قال الشاعر:

إذا كنت مرتاد الرجال لنفعهم

فرش و اصطنع عند الذين بهم ترمي

و انظر هذا الحي من ربيعة فإنهم شيعتك و أنصارك فاقض حقوقهم و انظر هذا الحي من تميم فأمطرهم و لا تزه لهم و لا تدنهم فيطمعوا و لا تقصهم فيقطعوا و انظر هذا الحي من قيس فإنهم أكفاء قومك في الجاهلية و مناصفوهم المآثر في الإسلام و رضاهم منك البشر يا بني إن لأبيك صنائع فلا تفسدها فإنه كفى بالمرء نقصا أن يهدم ما بنى أبوه و إياك و الدماء فإنه لا تقية معها و إياك و شتم الأعراض فإن الحر

١٢١

لا يرضيه عن عرضه عوض و إياك و ضرب الأبشار فإنه عار باق و وتر مطلوب و استعمل على النجدة و الفضل دون الهوى و لا تعزل إلا عن عجز أو خيانة و لا يمنعك من اصطناع الرجل أن يكون غيرك قد سبقك إليه فإنك إنما تصطنع الرجال لفضلها و ليكن صنيعك عند من يكافئك عنه العشائر احمل الناس على أحسن أدبك يكفوك أنفسهم و إذا كتبت كتابا فأكثر النظر فيه و ليكن رسولك فيما بيني و بينك من يفقه عني و عنك فإن كتاب الرجل موضع عقله و رسوله موضع سره و أستودعك الله فلا بد للمودع أن يسكت و للمشيع أن يرجع و ما عف من المنطق و قل من الخطيئة أحب إلى أبيك و أوصى قيس بن عاصم المنقري بنيه فقال يا بني خذوا عني فلا أحد أنصح لكم مني إذا دفنتموني فانصرفوا إلى رحالكم فسودوا أكبركم فإن القوم إذا سودوا أكبرهم خلفوا أباهم و إذا سودوا أصغرهم أزرى ذلك بهم في أكفائهم و إياكم و معصية الله و قطيعة الرحم و تمسكوا بطاعة أمرائكم فإنهم من رفعوا ارتفع و من وضعوا اتضع و عليكم بهذا المال فأصلحوه فإنه منبهة للكريم و جنة لعرض اللئيم و إياكم و المسألة فإنها آخر كسب الرجل و إن أحدا لم يسأل إلا ترك الكسب و إياكم و النياحة فإني سمعت رسول الله ص ينهى عنها و ادفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها و أصوم و لا يعلم بكر بن وائل بمدفني فقد كانت بيني و بينهم مشاحنات في الجاهلية و الإسلام و أخاف أن يدخلوا عليكم بي عارا و خذوا عني ثلاث خصال إياكم و كل عرق لئيم أن تلابسوه فإنه إن يسرركم اليوم يسؤكم غدا و اكظموا الغيظ و احذروا بني أعداء آبائكم فإنهم على منهاج آبائهم ثم قال

١٢٢

أحيا الضغائن آباء لنا سلفوا

فلن تبيد و للآباء أبناء

قال ابن الكلبي فيحكي الناس هذا البيت سابقا للزبير و ما هو إلا لقيس بن عاصم و أوصى عمرو بن كلثوم التغلبي بنيه فقال يا بني إني قد بلغت من العمر ما لم يبلغ أحد من آبائي و أجدادي و لا بد من أمر مقتبل و أن ينزل بي ما نزل بالآباء و الأجداد و الأمهات و الأولاد فاحفظوا عني ما أوصيكم به إني و الله ما عيرت رجلا قط أمرا إلا عيرني مثله إن حقا فحق و إن باطلا فباطل و من سب سب فكفوا عن الشتم فإنه أسلم لأعراضكم و صلوا أرحامكم تعمر داركم و أكرموا جاركم بحسن ثنائكم و زوجوا بنات العم بني العم فإن تعديتم بهن إلى الغرباء فلا تألوا بهن عن الأكفاء و أبعدوا بيوت النساء من بيوت الرجال فإنه أغض للبصر و أعف للذكر و متى كانت المعاينة و اللقاء ففي ذلك داء من الأدواء و لا خير فيمن لا يغار لغيره كما يغار لنفسه و قل من انتهك حرمة لغيره إلا انتهكت حرمته و امنعوا القريب من ظلم الغريب فإنك تدل على قريبك و لا يجمل بك ذل غريبك و إذا تنازعتم في الدماء فلا يكن حقكم الكفاء فرب رجل خير من ألف و ود خير من خلف و إذا حدثتم فعوا و إذا حدثتم فأوجزوا فإن مع الإكثار يكون الإهذار و موت عاجل خير من ضنى آجل و ما بكيت من زمان إلا دهاني بعده زمان و ربما شجاني من لم يكن أمره

١٢٣

عناني و ما عجبت من أحدوثة إلا رأيت بعدها أعجوبة و اعلموا أن أشجع القوم العطوف و خير الموت تحت ظلال السيوف و لا خير فيمن لا روية له عند الغضب و لا فيمن إذا عوتب لم يعتب و من الناس من لا يرجى خيره و لا يخاف شره فبكوؤه خير من دره و عقوقه خير من بره و لا تبرحوا في حبكم فإن من أبرح في حب آل ذلك إلى قبيح بغض و كم قد زارني إنسان و زرته فانقلب الدهر بنا فقبرته و اعلموا أن الحليم سليم و أن السفيه كليم أني لم أمت و لكن هرمت و دخلتني ذلة فسكت و ضعف قلبي فأهترت سلمكم ربكم و حياكم و من كتاب أردشير بن بابك إلى بنيه و الملوك من بعده رشاد الوالي خير للرعية من خصب الزمان الملك و الدين توأمان لا قوام لأحدهما إلا بصاحبه فالدين أس الملك و عماده ثم صار الملك حارس الدين فلا بد للملك من أسه و لا بد للدين من حارسه فأما ما لا حارس له فضائع و ما لا أس له فمهدوم إن رأس ما أخاف عليكم مبادرة السفلة إياكم إلى دراسة الدين و تأويله و التفقه فيه فتحملكم الثقة بقوة الملك على التهاون بهم فتحدث في الدين رئاسات منتشرات سرا فيمن قد وترتم و جفوتم و حرمتم و أخفتم و صغرتم من سفلة الناس و الرعية و حشو العامة ثم لا تنشب تلك الرئاسات أن تحدث خرقا في الملك و وهنا في الدولة و اعلموا أن سلطانكم إنما هو على أجسادكم الرعية لا على قلوبها و إن غلبتم الناس على ما في أيديهم فلن تغلبوهم على ما في عقولهم و آرائهم و مكايدهم و اعلموا أن العاقل المحروم سال عليكم لسانه و هو أقطع سيفيه و إن أشد ما يضر بكم من لسانه ما صرف الحيلة فيه إلى الدين فكان للدنيا يحتج و للدين فيما يظهر يتعصب فيكون

١٢٤

للدين بكاؤه و إليه دعاؤه ثم هو أوحد للتابعين و المصدقين و المناصحين و المؤازرين لأن تعصب الناس موكل بالملوك و رحمتهم و محبتهم موكلة بالضعفاء المغلوبين فاحذروا هذا المعنى كل الحذر و اعلموا أنه ليس ينبغي للملك أن يعرف للعباد و النساك بأن يكونوا أولى بالدين منه و لا أحدب عليه و لا أغضب له و لا ينبغي له أن يخلي النساك و العباد من الأمر و النهي في نسكهم و دينهم فإن خروج النساك و غيرهم من الأمر و النهي عيب على الملوك و على المملكة و ثلمة بينة الضرر على الملك و على من بعده و اعلموا أنه قد مضى قبلنا من أسلافنا ملوك كان الملك منهم يتعهد الحماية بالتفتيش و الجماعة بالتفضيل و الفراغ بالاشتغال كتعهده جسده بقص فضول الشعر و الظفر و غسل الدرن و الغمر و مداواة ما ظهر من الأدواء و ما بطن و قد كان من أولئك الملوك من صحة ملكه أحب إليه من صحة جسده فتتابعت تلك الأملاك بذلك كأنهم ملك واحد و كان أرواحهم روح واحدة يمكن أولهم لآخرهم و يصدق آخرهم أولهم يجتمع أبناء أسلافهم و مواريث آرائهم و ثمرات عقولهم عند الباقي منهم بعدهم و كأنهم جلوس معه يحدثونه و يشاورونه حتى كأن على رأس دارا بن دارا ما كان من غلبة الإسكندر الرومي على ما غلب عليه من ملكه و كان إفساده أمرنا و تفرقته جماعتنا و تخريبه عمران مملكتنا أبلغ له فيما أراد من سفك دمائنا فلما أذن الله عز و جل في جمع مملكتنا و إعادة أمرنا كان من بعثه إيانا ما كان و بالاعتبار يتقى العثار و التجارب الماضية دستور يرجع إليه من الحوادث الآتية و اعلموا أن طباع الملوك على غير طباع الرعية و السوقة فإن الملك يطيف به العز و الأمن و السرور و القدرة على ما يريد و الأنفة و الجرأة و العبث و البطر و كلما ازداد

١٢٥

في العمر تنفسا و في الملك سلامة ازداد من هذه الطبائع و الأخلاق حتى يسلمه ذلك إلى سكر السلطان الذي هو أشد من سكر الشراب فينسى النكبات و العثرات و الغير و الدوائر و فحش تسلط الأيام و لؤم غلبة الدهر فيرسل يده بالفعل و لسانه بالقول و عند حسن الظن بالأيام تحدث الغير و تزول النعم و قد كان من أسلافنا و قدماء ملوكنا من يذكره عزه الذل و أمنه الخوف و سروره الكآبة و قدرته المعجزة و ذلك هو الرجل الكامل قد جمع بهجة الملوك و فكرة السوقة و لا كمال إلا في جمعها و اعلموا أنكم ستبلون على الملك بالأزواج و الأولاد و القرباء و الوزراء و الأخدان و الأنصار و الأعوان و المتقربين و الندماء و المضحكين و كل هؤلاء إلا قليلا أن يأخذ لنفسه أحب إليه من أن يعطي منها عمله و إنما عمله سوق ليومه و ذخيرة لغده فنصيحته للملوك فضل نصيحته لنفسه و غاية الصلاح عنده صلاح نفسه و غاية الفساد عنده فسادها يقيم للسلطان سوق المودة ما أقام له سوق الأرباح و المنافع إذا استوحش الملك من ثقاته أطبقت عليه ظلم الجهالة أخوف ما يكون العامة آمن ما يكون الوزراء و آمن ما يكون العامة أخوف ما يكون الوزراء و اعلموا أن كثيرا من وزراء الملوك من يحاول استبقاء دولته و أيامه بإيقاع الاضطراب و الخبط في أطراف مملكة الملك ليحتاج الملك إلى رأيه و تدبيره فإذا عرفتم هذا من وزير من وزرائكم فاعزلوه فإنه يدخل الوهن و النقص على الملك و الرعية لصلاح حال نفسه و لا تقوم نفسه بهذه النفوس كلها و اعلموا أن بدء ذهاب الدولة ينشأ من قبل إهمال الرعية بغير أشغال معروفة و لا أعمال معلومة فإذا نشأ الفراغ تولد منه النظر في الأمور و الفكر في الفروع و الأصول فإذا نظروا في ذلك نظروا فيه بطبائع مختلفة فتختلف بهم المذاهب و يتولد من اختلاف مذاهبهم تعاديهم و تضاغنهم و هم مع اختلافهم هذا متفقون و مجتمعون على بغض الملوك فكل صنف منهم إنما يجري إلى فجيعة الملك بملكه و لكنهم لا يجدون سلما إلى

١٢٦

ذلك أوثق من الدين و الناموس ثم يتولد من تعاديهم أن الملك لا يستطيع جمعهم على هوى واحد فإن انفرد باختصاص بعضهم صار عدو بقيتهم ولى طباع العامة استثقال الولاة و ملالهم و النفاسة عليهم و الحسد لهم و في الرعية المحروم و المضروب و المقام عليه الحدود و يتولد من كثرتهم مع عداوتهم أن يجبن الملك عن الإقدام عليهم فإن في إقدام الملك على الرعية كلها كافة تغريرا بملكه و يتولد من جبن الملك عن الرعية استعجالهم عليه و هم أقوى عدو له و أخلقه بالظفر لأنه حاضر مع الملك في دار ملكه فمن أفضى إليه الملك بعدي فلا يكونن بإصلاح جسده أشد اهتماما منه بهذه الحال و لا تكونن لشي‏ء من الأشياء أكره و أنكر لرأس صار ذنبا و ذنب صار رأسا و يد مشغولة صارت فارغة أو غني صار فقيرا أو عامل مصروف أو أمير معزول و اعلموا أن سياسة الملك و حراسته ألا يكون ابن الكاتب إلا كاتبا و ابن الجندي إلا جنديا و ابن التاجر إلا تاجرا و هكذا في جميع الطبقات فإنه يتولد من تنقل الناس عن حالاتهم أن يلتمس كل امرئ منهم فوق مرتبته فإذا انتقل أوشك أن يرى شيئا أرفع مما انتقل إليه فيحسد أو ينافس و في ذلك من الضرر المتولد ما لا خفاء به فإن عجز ملك منكم عن إصلاح رعيته كما أوصيناه فلا يكون للقميص القمل أصرع خلعا منه لما لبس من قميص ذلك الملك و اعلموا أنه ليس ملك إلا و هو كثير الذكر لمن يلي الأمر بعده و من فساد أمر الملك نشر ذكره ولاة العهود فإن في ذلك ضروبا من الضرر و أن ذلك دخول عداوة بين الملك و ولي عهده لأنه تطمح عينه إلى الملك و يصير له أحباب و أخدان يمنونه ذلك و يستبطئون موت الملك ثم إن الملك يستوحش منه و تنساق الأمور إلى هلاك أحدهما و لكن لينظر الوالي منكم لله تعالى ثم لنفسه ثم للرعية و لينتخب وليا للعهد من بعده

١٢٧

و لا يعلمه ذلك و لا أحد من الخلق قريبا كان منه أو بعيدا ثم يكتب اسمه في أربع صحائف و يختمها بخاتمه و يضعها عند أربعة نفر من أعيان أهل المملكة ثم لا يكون منه في سره و علانيته أمر يستدل به على ولي عهده من هؤلاء في إدناء و تقريب يعرف به و لا في إقصاء و أعراض يستراب له و ليتق ذلك في اللحظة و الكلمة فإذا هلك الملك جمعت تلك الصحائف إلى النسخة التي تكون في خزانة الملك فتفض جميعا ثم ينوه حينئذ باسم ذلك الرجل فيلقي الملك إذا لنية بحداثة عهده بحال السوقة و يلبسه إذا لبسه ببصر السوقة و سمعها فإن في معرفته بحاله قبل إفضاء الملك إليه سكرا تحدثه عنده ولاية العهد ثم يلقاه الملك فيزيده سكرا إلى سكره فيعمي و يصم هذا مع ما لا بد أن يلقاه أيام ولاية العهد من حيل العتاة و بغي الكذابين و ترقية النمامين و إيغار صدره و إفساد قلبه على كثير من رعيته و خواص دولته و ليس ذلك بمحمود و لا صالح و اعلموا أنه ليس للملك أن يحلف لأنه لا يقدر أحد استكراهه و ليس له أن يغضب لأنه قادر و الغضب لقاح الشر و الندامة و ليس له أن يعبث و يلعب لأن اللعب و العبث من عمل الفراغ و ليس له أن يفرغ لأن الفراغ من أمر السوقة و ليس للملك أن يحسد أحدا إلا على حسن التدبير و ليس له أن يخاف لأنه لا يد فوق يده و اعلموا أنكم لن تقدروا على أن تختموا أفواه الناس من الطعن و الإزراء عليكم و لا قدرة لكم على أن تجعلوا القبيح من أفعالكم حسنا فاجتهدوا في أن تحسن أفعالكم كلها و إلا تجعلوا للعامة إلى الطعن عليكم سبيلا و اعلموا أن لباس الملك و مطعمه و مشربه مقارب للباس السوقة و مطعمهم و ليس

١٢٨

فضل الملك على السوقة إلا بقدرته على اقتناء المحامد و استفادة المكارم فإن الملك إذا شاء أحسن و ليس كذلك السوقة و اعلموا أن لكل ملك بطانة و لكل رجل من بطانته بطانة ثم إن لكل امرئ من بطانة البطانة بطانة حتى يجتمع من ذلك أهل المملكة فإذا أقام الملك بطانته على حال الصواب فيهم أقام كل امرئ منهم بطانته على مثل ذلك حتى يجتمع على الصلاح عامة الرعية احذروا بابا واحدا طالما أمنته فضرني و حذرته فنفعني احذروا إفشاء السر بحضرة الصغار من أهليكم و خدمكم فإنه ليس يصغر واحد منهم عن حمل ذلك السر كاملا لا يترك منه شيئا حتى يضعه حيث تكرهون إما سقطا أو غشا و اعلموا أن في الرعية صنفا أتوا الملك من قبل النصائح له و التمسوا إصلاح منازلهم بإفساد منازل الناس فأولئك أعداء الناس و أعداء الملوك و من عادى الملوك و الناس كلهم فقد عادى نفسه و اعلموا أن الدهر حاملكم على طبقات فمنها حال السخاء حتى يدنو أحدكم من السرف و منها حال التبذير حتى يدنو من البخل و منها حال الأناة حتى يدنو من البلادة و منها حال انتهاز الفرصة حتى يدنو من الخفة و منها حال الطلاقة في اللسان حتى يدنو من الهذر و منها حال الأخذ بحكمة الصمت حتى يدنو من العي فالملك منكم جدير أن يبلغ من كل طبقة في محاسنها حدها فإذا وقف عليه ألجم نفسه عما وراءها و اعلموا أن ابن الملك و أخاه و ابن عمه يقول كدت أن أكون ملكا و بالحري ألا أموت حتى أكون ملكا فإذا قال ذلك قال ما لا يسر الملك و إن كتمه فالداء

١٢٩

في كل مكتوم و إذا تمنى ذلك جعل الفساد سلما إلى الصلاح و لم يكن الفساد سلما إلى صلاح قط و قد رسمت لكم في ذلك مثالا اجعلوا الملك لا ينبغي إلا لأبناء الملوك من بنات عمومتهم و لا يصلح من أولاد بنات العم إلا كامل غير سخيف العقل و لا عازب الرأي و لا ناقص الجوارح و لا مطعون عليه في الدين فإنكم إذا فعلتم ذلك قل طلاب الملك و إذا قل طلابه استراح كل امرئ إلى ما يليه و نزع إلى حد يليه و عرف حاله و رضي معيشته و استطاب زمانه فقد ذكرنا وصايا قوم من العرب و وصايا أكثر ملوك الفرس و أعظمهم حكمة لتضم إلى وصايا أمير المؤمنين فيحصل منها وصايا الدين و الدنيا فإن وصايا أمير المؤمنين ع الدين عليها أغلب و وصايا هؤلاء الدنيا عليها أغلب فإذا أخذ من أخذ التوفيق بيده بمجموع ذلك فقد سعد و لا سعيد إلا من أسعده الله

١٣٠

٥٤ و من كتاب له ع إلى طلحة و الزبير

مع عمران بن الحصين الخزاعي و ذكر هذا الكتاب أبو جعفر الإسكافي في كتاب المقامات : أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَلِمْتُمَا وَ إِنْ كَتَمْتُمَا أَنِّي لَمْ أُرِدِ اَلنَّاسَ حَتَّى أَرَادُونِي وَ لَمْ أُبَايِعْهُمْ حَتَّى بَايَعُونِي وَ إِنَّكُمَا مِمَّنْ أَرَادَنِي وَ بَايَعَنِي وَ إِنَّ اَلْعَامَّةَ لَمْ تُبَايِعْنِي لِسُلْطَانٍ غَالِبٍ وَ لاَ لِحِرْصٍ لِعَرَضٍ حَاضِرٍ فَإِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي طَائِعَيْنِ فَارْجِعَا وَ تُوبَا إِلَى اَللَّهِ مِنْ قَرِيبٍ وَ إِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي كَارِهَيْنِ فَقَدْ جَعَلْتُمَا لِي عَلَيْكُمَا اَلسَّبِيلَ بِإِظْهَارِكُمَا اَلطَّاعَةَ وَ إِسْرَارِكُمَا اَلْمَعْصِيَةَ وَ لَعَمْرِي مَا كُنْتُمَا بِأَحَقَّ اَلْمُهَاجِرِينَ بِالتَّقِيَّةِ وَ اَلْكِتْمَانِ وَ إِنَّ دَفْعَكُمَا هَذَا اَلْأَمْرَ قَبْلَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْخُلاَ فِيهِ كَانَ أَوْسَعَ عَلَيْكُمَا مِنْ خُرُوجِكُمَا مِنْهُ بَعْدَ إِقْرَارِكُمَا بِهِ وَ قَدْ زَعَمْتُمَا أَنِّي قَتَلْتُ عُثْمَانَ فَبَيْنِي وَ بَيْنَكُمَا مَنْ تَخَلَّفَ عَنِّي وَ عَنْكُمَا مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِينَةِ ثُمَّ يُلْزَمُ كُلُّ اِمْرِئٍ بِقَدْرِ مَا اِحْتَمَلَ فَارْجِعَا أَيُّهَا اَلشَّيْخَانِ عَنْ رَأْيِكُمَا فَإِنَّ اَلآْنَ أَعْظَمَ أَمْرِكُمَا اَلْعَارُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجْتَمِعَ يَتَجَمَّعَ اَلْعَارُ وَ اَلنَّارُ وَ اَلسَّلاَمُ

١٣١

عمران بن الحصين

هو عمران بن الحصين بن عبيد بن خلف بن عبد بن نهم بن سالم بن غاضرة بن سلول بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي يكنى أبا بجيد بابنه بجيد بن عمران أسلم هو و أبو هريرة عام خيبر و كان من فضلاء الصحابة و فقهائهم يقول أهل البصرة عنه إنه كان يرى الحفظة و كانت تكلمه حتى اكتوى و قال محمد بن سيرين أفضل من نزل البصرة من أصحاب رسول الله ص عمران بن الحصين و أبو بكرة و استقضاه عبد الله بن عامر بن كريز على البصرة فعمل له أياما ثم استعفاه فأعفاه و مات بالبصرة سنة اثنتين و خمسين في أيام معاوية

أبو جعفر الإسكافي

و أما أبو جعفر الإسكافي و هو شيخنا محمد بن عبد الله الإسكافي عده قاضي القضاة في الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة مع عباد بن سليمان الصيمري و مع زرقان و مع عيسى بن الهيثم الصوفي و جعل أول الطبقة ثمامة بن أشرس أبا معن ثم أبا عثمان الجاحظ ثم أبا موسى عيسى بن صبيح المردار ثم أبا عمران يونس بن عمران ثم محمد بن شبيب ثم محمد بن إسماعيل بن العسكري ثم عبد الكريم بن روح العسكري ثم أبا يعقوب يوسف بن عبد الله الشحام ثم أبا الحسين الصالحي

١٣٢

ثم الجعفران جعفر بن جرير و جعفر بن ميسر ثم أبا عمران بن النقاش ثم أبا سعيد أحمد بن سعيد الأسدي ثم عباد بن سليمان ثم أبا جعفر الإسكافي هذا و قال كان أبو جعفر فاضلا عالما و صنف سبعين كتابا في علم الكلام و هو الذي نقض كتاب العثمانية على أبي عثمان الجاحظ في حياته و دخل الجاحظ الوراقين ببغداد فقال من هذا الغلام السوادي الذي بلغني أنه تعرض لنقض كتابي و أبو جعفر جالس فاختفى منه حتى لم يره و كان أبو جعفر يقول بالتفضيل على قاعدة معتزلة بغداد و يبالغ في ذلك و كان علوي الرأي محققا منصفا قليل العصبية ثم نعود إلى شرح ألفاظ الفصل و معانيه قوله ع لم أرد الناس أي لم أرد الولاية عليهم حتى أرادوا هم مني ذلك قال و لم أبايعهم حتى بايعوني أي لم أمدد يدي إليهم مد الطلب و الحرص على الأمر و لم أمددها إلا بعد أن خاطبوني بالإمرة و الخلافة و قالوا بألسنتهم قد بايعناك فحينئذ مددت يدي إليهم قال و لم يبايعني العامة و المسلمون لسلطان غصبهم و قهرهم على ذلك و لا لحرص حاضر أي مال موجود فرقته عليهم ثم قسم عليهما الكلام فقال إن كنتما بايعتماني طوعا عن رضا فقد وجب عليكما الرجوع لأنه لا وجه لانتقاض تلك البيعة و إن كنتما بايعتماني مكرهين عليها فالإكراه

١٣٣

له صورة و هي أن يجرد السيف و يمد العنق و لم يكن قد وقع ذلك و لا يمكنكما أن تدعياه و إن كنتما بايعتماني لا عن رضا و لا مكرهين بل كارهين و بين المكره و الكاره فرق بين فالأمور الشرعية إنما تبني على الظاهر و قد جعلتما لي على أنفسكما السبيل بإظهاركما الطاعة و الدخول فيما دخل فيه الناس و لا اعتبار بما أسررتما من كراهية ذلك على أنه لو كان عندي ما يكرهه المسلمون لكان المهاجرون في كراهية ذلك سواء فما الذي جعلكما أحق المهاجرين كلهم بالكتمان و التقية ثم قال و قد كان امتناعكما عن البيعة في مبدإ الأمر أجمل من دخولكما فيها ثم نكثها قال و قد زعمتما أن الشبهة التي دخلت عليكما في أمري أني قتلت عثمان و قد جعلت الحكم بيني و بينكما من تخلف عني و عنكما من أهل المدينة أي الجماعة التي لم تنصر عليا و لا طلحة كمحمد بن مسلمة و أسامة بن زيد و عبد الله بن عمر و غيرهم يعني أنهم غير متهمين عليه و لا على طلحة و الزبير فإذا حكموا لزم كل امرئ منا بقدر ما تقتضيه الشهادات و لا شبهة أنهم لو حكموا و شهدوا بصورة الحال لحكموا ببراءة علي ع من دم عثمان و بأن طلحة كان هو الجملة و التفصيل في أمره و حصره و قتله و كان الزبير مساعدا له على ذلك و إن لم يكن مكاشفا مكاشفة طلحة ثم نهاهما عن الإصرار على الخطيئة و قال لهما إنكما إنما تخافان العار في رجوعكما و انصرافكما عن الحرب فإن لم ترجعا اجتمع عليكما العار و النار أما العار فلأنكما تهزمان و تفران عند اللقاء فتعيران بذلك و أيضا سيكشف للناس أنكما كنتما على باطل فتعيران بذلك و أما النار فإليها مصير العصاة إذا ماتوا على غير توبة و احتمال العار وحده أهون من احتماله و احتمال النار معه

١٣٤

٥٥ و من كتاب له ع إلى معاوية

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَعَلَ اَلدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا وَ اِبْتَلَى فِيهَا أَهْلَهَا لِيَعْلَمَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ لَسْنَا لِلدُّنْيَا خُلِقْنَا وَ لاَ بِالسَّعْيِ فِيهَا أُمِرْنَا وَ إِنَّمَا وُضِعْنَا فِيهَا لِنُبْتَلَي بِهَا وَ قَدِ اِبْتَلاَنِي اَللَّهُ بِكَ وَ اِبْتَلاَكَ بِي فَجَعَلَ أَحَدُنَا حُجَّةً عَلَى اَلآْخَرِ فَعَدَوْتَ عَلَى طَلَبِ اَلدُّنْيَا بِتَأْوِيلِ اَلْقُرْآنِ وَ طَلَبْتَنِي فَطَلَبْتَنِي بِمَا لَمْ تَجْنِ يَدِي وَ لاَ لِسَانِي وَ عَصَبْتَهُ عَصَيْتَهُ أَنْتَ وَ أَهْلُ اَلشَّامِ بِي وَ أَلَّبَ عَالِمُكُمْ جَاهِلَكُمْ وَ قَائِمُكُمْ قَاعِدَكُمْ فَاتَّقِ اَللَّهَ فِي نَفْسِكَ وَ نَازِعِ اَلشَّيْطَانَ قِيَادَكَ وَ اِصْرِفْ إِلَى اَلآْخِرَةِ وَجْهَكَ فَهِيَ طَرِيقُنَا وَ طَرِيقُكَ وَ اِحْذَرْ أَنْ يُصِيبَكَ اَللَّهُ مِنْهُ بِعَاجِلِ قَارِعَةٍ تَمَسُّ اَلْأَصْلَ وَ تَقْطَعُ اَلدَّابِرَ فَإِنِّي أُولِي لَكَ بِاللَّهِ أَلِيَّهً غَيْرَ فَاجِرَةٍ لَئِنْ جَمَعَتْنِي وَ إِيَّاكَ جَوَامِعُ اَلْأَقْدَارِ لاَ أَزَالُ بِبَاحَتِكَ( حَتَّى يَحْكُمَ اَللَّهُ بَيْنَنَا وَ هُوَ خَيْرُ اَلْحَاكِمِينَ ) قال ع إن الله قد جعل الدنيا لما بعدها أي جعلها طريقا إلى الآخرة و من الكلمات الحكمية الدنيا قنطرة فاعبروها و لا تعمروها و ابتلي فيها أهلها أي اختبرهم ليعلم أيهم أحسن عملا و هذا من ألفاظ القرآن العزيز و المراد ليعلم خلقه

١٣٥

أو ليعلم ملائكته و رسله فحذف المضاف و قد سبق ذكر شي‏ء يناسب ذلك فيما تقدم قال و لسنا للدنيا خلقنا أي لم نخلق للدنيا فقط قال و لا بالسعي فيها أمرنا أي لم نؤمر بالسعي فيها لها بل أمرنا بالسعي فيها لغيرها ثم ذكر أن كل واحد منه و من معاوية مبتلى بصاحبه و ذلك كابتلاء آدم بإبليس و إبليس بآدم قال فغدوت على طلب الدنيا بتأويل القرآن أي تعديت و ظلمت و على هاهنا متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام تقديره مثابرا على طلب الدنيا أو مصرا على طلب الدنيا و تأويل القرآن ما كان معاوية يموه به على أهل الشام فيقول لهم أنا ولي عثمان و قد قال الله تعالى( وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) . ثم يعدهم الظفر و الدولة على أهل العراق بقوله تعالى( فَلا يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً ) . قوله و عصبته أنت و أهل الشام أي ألزمتنيه كما تلزم العصابة الرأس و ألب عالمكم جاهلكم أي حرض و القياد حبل تقاد به الدابة قوله و احذر أن يصيبك الله منه بعاجل قارعة الضمير في منه راجع إلى الله تعالى و من لابتداء الغاية

١٣٦

و قال الراوندي منه أي من البهتان الذي أتيته أي من أجله و من للتعليل و هذا بعيد و خلاف الظاهر قوله تمس الأصل أي تقطعه و منه ماء ممسوس أي يقطع الغلة و يقطع الدابر أي العقب و النسل و الألية اليمين و باحة الدار وسطها و كذلك ساحتها و روي بناحيتك قوله بعاجل قارعة و جوامع الأقدار من باب إضافة الصفة إلى الموصوف للتأكيد كقوله تعالى( وَ إِنَّهُ لَحَقُّ اَلْيَقِينِ )

١٣٧

٥٦ و من كلام له ع وصى به شريح بن هانئ لما جعله على مقدمته إلى الشام

اِتَّقِ اَللَّهَ فِي كُلِّ مَسَاءٍ وَ صَبَاحٍ صَبَاحٍ وَ مَسَاءٍ وَ خَفْ عَلَى نَفْسِكَ اَلدُّنْيَا اَلْغَرُورَ وَ لاَ تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ وَ اِعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تُحِبُّ مَخَافَةَ مَكْرُوهِهِ مَكْرُوهٍ سَمَتْ بِكَ اَلْأَهْوَاءُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ اَلضَّرَرِ فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً رَادِعاً وَ لِنَزَوَاتِكَ لِنَزْوَتِكَ عِنْدَ اَلْحَفِيظَةِ وَاقِماً قَامِعاً

شريح بن هانئ

هو شريح بن هانئ بن يزيد بن نهيك بن دريد بن سفيان بن الضباب و هو سلمة بن الحارث بن ربيعة بن الحارث بن كعب المذحجي كان هانئ يكنى في الجاهلية أبا الحكم لأنه كان يحكم بينهم فكناه رسول الله ص بأبي شريح إذ وفد عليه و ابنه شريح هذا من جلة أصحاب علي ع شهد معه المشاهد كلها و عاش حتى قتل بسجستان في زمن الحجاج و شريح جاهلي إسلامي يكنى أبا المقدام

١٣٨

ذكر ذلك كله أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب قوله ع و خف على نفسك الغرور يعني الشيطان فأما الغرور بالضم فمصدر و الرادع الكاف المانع و النزوات الوثبات و الحفيظة الغضب و الواقم فاعل من وقمته أي رددته أقبح الرد و قهرته يقول ع إن لم تردع نفسك عن كثير من شهواتك أفضت بك إلى كثير من الضرر و مثل هذا قول الشاعر:

فإنك إن أعطيت بطنك سؤلها

و فرجك نالا منتهى الذم أجمعا

١٣٩

٥٧ و من كتاب له ع إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي خَرَجْتُ عَنْ مِنْ حَيِّي هَذَا إِمَّا ظَالِماً وَ إِمَّا مَظْلُوماً وَ إِمَّا بَاغِياً وَ إِمَّا مَبْغِيّاً عَلَيْهِ وَ أَنَا إِنِّي أُذَكِّرُ اَللَّهَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي هَذَا لَمَّا نَفَرَ إِلَيَّ فَإِنْ كُنْتُ مُحْسِناً أَعَانَنِي وَ إِنْ كُنْتُ مُسِيئاً اِسْتَعْتَبَنِي ما أحسن هذا التقسيم و ما أبلغه في عطف القلوب عليه و استمالة النفوس إليه قال لا يخلو حالي في خروجي من أحد أمرين إما أن أكون ظالما أو مظلوما و بدأ بالظالم هضما لنفسه و لئلا يقول عدوه بدأ بدعوى كونه مظلوما فأعطى عدوه من نفسه ما أراد قال فلينفر المسلمون إلي فإن وجدوني مظلوما أعانوني و إن وجدوني ظالما نهوني عن ظلمي لأعتب و أنيب إلى الحق و هذا كلام حسن و مراده ع يحصل على كلا الوجهين لأنه إنما أراد أن يستنفرهم و هذان الوجهان يقتضيان نفيرهم إليه على كل حال و الحي المنزل و لما هاهنا بمعنى إلا كقوله تعالى( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ ) في قراءة من قرأها بالتشديد

١٤٠

58 و من كتاب له ع كتبه إلى أهل الأمصار يقص فيه ما جرى بينه و بين أهل صفين

وَ كَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا اِلْتَقَيْنَا بِالْقَوْمِ وَ اَلْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ وَ اَلظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ وَ نَبِيَّنَا وَاحِدٌ وَ دَعْوَتَنَا فِي اَلْإِسْلاَمِ وَاحِدَةٌ وَ لاَ نَسْتَزِيدُهُمْ فِي اَلْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَ اَلتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ وَ لاَ يَسْتَزِيدُونَنَا وَ اَلْأَمْرُ وَاحِدٌ إِلاَّ مَا اِخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ وَ نَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ فَقُلْنَا تَعَالَوْا نُدَاوِي نُدَاوِ مَا لاَ يُدْرَكُ اَلْيَوْمَ بِإِطْفَاءِ اَلنَّائِرَةِ وَ تَسْكِينِ اَلْعَامَّةِ حَتَّى يَشْتَدَّ اَلْأَمْرُ وَ يَسْتَجْمِعَ فَنَقْوَى عَلَى وَضْعِ اَلْحَقِّ فِي مَوَاضِعِهِ مَوَاضِعَهُ فَقَالُوا بَلْ نُدَاوِيهِ بِالْمُكَابَرَةِ فَأَبَوْا حَتَّى جَنَحَتِ اَلْحَرْبُ وَ رَكَدَتْ وَ وَقَدَتْ نِيرَانُهَا وَ حَمِشَتْ فَلَمَّا ضَرَّسَتْنَا وَ إِيَّاهُمْ وَ وَضَعَتْ مَخَالِبَهَا فِينَا وَ فِيهِمْ أَجَابُوا عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى اَلَّذِي دَعَوْنَاهُمْ إِلَيْهِ فَأَجَبْنَاهُمْ إِلَى مَا دَعَوْا وَ سَارَعْنَاهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا حَتَّى اِسْتَبَانَتْ عَلَيْهِمُ اَلْحُجَّةُ وَ اِنْقَطَعَتْ مِنْهُمُ اَلْمَعْذِرَةُ فَمَنْ تَمَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ اَلَّذِي أَنْقَذَهُ اَللَّهُ مِنَ اَلْهَلَكَةِ وَ مَنْ لَجَّ وَ تَمَادَى فَهُوَ اَلرَّاكِسُ اَلَّذِي رَانَ اَللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ وَ صَارَتْ دَائِرَةُ اَلسَّوْءِ عَلَى رَأْسِهِ

١٤١

روي التقينا و القوم بالواو كما قال:

قلت إذ أقبلت و زهر تهادى

و من لم يروها بالواو فقد استراح من التكلف قوله و الظاهر أن ربنا واحد كلام من لم يحكم لأهل صفين من جانب معاوية حكما قاطعا بالإسلام بل قال ظاهرهم الإسلام و لا خلف بيننا و بينهم فيه بل الخلف في دم عثمان قال ع قلنا لهم تعالوا فلنطفئ هذه النائرة الآن يوضع الحرب إلى أن تتمهد قاعدتي في الخلافة و تزول هذه الشوائب التي تكدر علي الأمر و يكون للناس جماعة ترجع إليها و بعد ذلك أتمكن من قتلة عثمان بأعيانهم فأقتص منهم فأبوا إلا المكابرة و المغالبة و الحرب قوله حتى جنحت الحرب و ركدت جنحت أقبلت و منه قد جنح الليل أي أقبل و ركدت دامت و ثبتت قوله و وقدت نيرانها أي التهبت قوله و حمشت أي استعرت و شبت و روي و استحشمت و هو أصح و من رواها حمست بالسين المهملة أراد اشتدت و صلبت قوله فلما ضرستنا و إياهم أي عضتنا بأضراسها و يقال ضرسهم الدهر أي اشتد عليهم

١٤٢

قال لما اشتدت الحرب علينا و عليهم و أكلت منا و منهم عادوا إلى ما كنا سألناهم ابتداء و ضرعوا إلينا في رفع الحرب و رفعوا المصاحف يسألون النزول على حكمها و إغماد السيف فأجبناهم إلى ذلك قوله و سارعناهم إلى ما طلبوا كلمة فصيحة و هي تعدية الفعل اللازم كأنها لما كانت في معنى المسابقة و المسابقة متعدية عدي المسارعة قوله حتى استبانت يقول استمررنا على كف الحرب و وضعها إجابة لسؤالهم إلى أن استبانت عليهم حجتنا و بطلت معاذيرهم و شبهتهم في الحرب و شق العصا فمن تم منهم على ذلك أي على انقياده إلى الحق بعد ظهوره له فذاك الذي خلصه الله من الهلاك و عذاب الآخرة و من لج منهم على ذلك و تمادى في ضلاله فهو الراكس قال قوم الراكس هنا بمعنى المركوس فهو مقلوب فاعل بمعنى مفعول كقوله تعالى( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ) أي مرضية و عندي أن اللفظة على بابها يعني أن من لج فقد ركس نفسه فهو الراكس و هو المركوس يقال ركسه و أركسه بمعنى و الكتاب العزيز جاء بالهمز فقال( وَ اَللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا ) أي ردهم إلى كفرهم و يقول ارتكس فلان في أمر كان نجا منه و ران على قلبه أي ران هو على قلبه كما قلنا في الراكس و لا يجوز أن يكون الفاعل و هو الله محذوفا لأن الفاعل لا يحذف بل يجوز أن يكون الفاعل كالمحذوف و ليس بمحذوف و يكون المصدر و هو الرين و دل الفعل عليه كقوله تعالى( ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا اَلْآياتِ ) أي بدا لهم البداء و ران بمعنى غلب و غطى و روي فهو الراكس الذي رين على قلبه

١٤٣

قال و صارت دائرة السوء على رأسه من ألفاظ القرآن العزيز قال الله تعالى( عَلَيْهِمْ دائِرَةُ اَلسَّوْءِ ) و الدوائر الدول

و إن على الباغي تدور الدوائر

و الدائرة أيضا الهزيمة يقال على من الدائرة منهما و الدوائر أيضا الدواهي

١٤٤

59 و من كتاب له ع إلى الأسود بن قطبة صاحب جند حلوان

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَلْوَالِيَ إِذَا اِخْتَلَفَ هَوَاهُ مَنَعَهُ ذَلِكَ كَثِيراً مِنَ اَلْعَدْلِ فَلْيَكُنْ أَمْرُ اَلنَّاسِ عِنْدَكَ فِي اَلْحَقِّ سَوَاءً فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي اَلْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ اَلْعَدْلِ فَاجْتَنِبْ مَا تُنْكِرُ أَمْثَالَهُ وَ اِبْتَذِلْ نَفْسَكَ فِيمَا اِفْتَرَضَ اَللَّهُ عَلَيْكَ رَاجِياً ثَوَابَهُ وَ مُتَخَوِّفاً عِقَابَهُ وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَلدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّةٍ لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِيهَا قَطُّ سَاعَةً إِلاَّ كَانَتْ فَرْغَتُهُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَ أَنَّهُ لَنْ يُغْنِيَكَ عَنِ اَلْحَقِّ شَيْ‏ءٌ أَبَداً وَ مِنَ اَلْحَقِّ عَلَيْكَ حِفْظُ نَفْسِكَ وَ اَلاِحْتِسَابُ عَلَى اَلرَّعِيَّةِ بِجُهْدِكَ فَإِنَّ اَلَّذِي يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنَ اَلَّذِي يَصِلُ بِكَ وَ اَلسَّلاَمُ

الأسود بن قطبة

لم أقف إلى الآن على نسب الأسود بن قطبة و قرأت في كثير من النسخ أنه حارثي من بني الحارث بن كعب و لم أتحقق ذلك و الذي يغلب على ظني أنه الأسود بن زيد بن قطبة بن غنم الأنصاري من بني عبيد بن عدي ذكره أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب و قال إن موسى بن عقبة عده فيمن شهد بدرا

١٤٥

قوله ع إذا اختلف هوى الوالي منعه كثيرا من الحق قول صدق لأنه متى لم يكن الخصمان عند الوالي سواء في الحق جار و ظلم ثم قال له فإنه ليس في الجور عوض من العدل و هذا أيضا حق و في العدل كل العوض من الجور ثم أمره باجتناب ما ينكر مثله من غيره و قد تقدم نحو هذا و قوله إلا كانت فرغته كلمة فصيحة و هي المرة الواحدة من الفراغ و قد روي عن النبي ص أن الله يبغض الصحيح الفارغ لا في شغل الدنيا و لا في شغل الآخرة و مراد أمير المؤمنين ع هاهنا الفراغ من عمل الآخرة خاصة قوله فإن الذي يصل إليك من ذلك أفضل من الذي يصل بك معناه فإن الذي يصل إليك من ثواب الاحتساب على الرعية و حفظ نفسك من مظالمهم و الحيف عليهم أفضل من الذي يصل بك من حراسة دمائهم و أعراضهم و أموالهم و لا شبهة في ذلك لأن إحدى المنفعتين دائمة و الأخرى منقطعة و النفع الدائم أفضل من المنقطع

١٤٦

60 و من كتاب له ع إلى العمال الذين يطأ عملهم الجيوش

مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَنْ مَرَّ بِهِ اَلْجَيْشُ مِنْ جُبَاةِ اَلْخَرَاجِ وَ عُمَّالِ اَلْبِلاَدِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ سَيَّرْتُ جُنُوداً هِيَ مَارَّةٌ بِكُمْ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ وَ قَدْ أَوْصَيْتُهُمْ بِمَا يَجِبُ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ مِنْ كَفِّ اَلْأَذَى وَ صَرْفِ اَلشَّذَا وَ أَنَا أَبْرَأُ إِلَيْكُمْ وَ إِلَى ذِمَّتِكُمْ مِنْ مَعَرَّةِ اَلْجَيْشِ إِلاَّ مِنْ جَوْعَةِ اَلْمُضْطَرِّ لاَ يَجِدُ عَنْهَا مَذْهَباً إِلَى شِبَعِهِ فَنَكِّلُوا مَنْ تَنَاوَلَ مِنْهُمْ شَيْئاً ظُلْماً عَنْ ظُلْمِهِمْ وَ كُفُّوا أَيْدِيَ سُفَهَائِكُمْ عَنْ مُضَادَّتِهِمْ مُضَارَّتِهِمْ وَ اَلتَّعَرُّضِ لَهُمْ فِيمَا اِسْتَثْنَيْنَاهُ مِنْهُمْ وَ أَنَا بَيْنَ أَظْهُرِ اَلْجَيْشِ فَارْفَعُوا إِلَيَّ مَظَالِمَكُمْ وَ مَا عَرَاكُمْ مِمَّا يَغْلِبُكُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَا لاَ تُطِيقُونَ دَفَعَهُ إِلاَّ بِاللَّهِ وَ بِي أُغَيِّرُهُ بِمَعُونَةِ اَللَّهِ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ روي عن مضارتهم بالراء المشددة و جباة الخراج الذين يجمعونه جبيت الماء في الحوض أي جمعته و الشذا و الضر الشر تقول لقد أشذيت و آذيت و إلى ذمتكم أي إلى اليهود و النصارى الذين بينكم

قال ع من آذى ذميا فكأنما آذاني

١٤٧

و قال إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا و أموالهم كأموالنا و يسمى هؤلاء ذمة أي أهل ذمة بحذف المضاف و المعرة المضرة قال الجيش ممنوع من أذى من يمر به من المسلمين و أهل الذمة إلا من سد جوعة المضطر منهم خاصة لأن المضطر تباح له الميتة فضلا عن غيرها ثم قال فنكلوا من تناول و روي بمن تناول بالباء أي عاقبوه و عن في قوله عن ظلمهم يتعلق بنكلوا لأنها في معنى اردعوا لأن النكال يوجب الردع ثم أمرهم أن يكفوا أيدي أحداثهم و سفهائهم عن منازعة الجيش و مصادمته و التعرض لمنعه عما استثناه و هو سد الجوعة عند الاضطرار فإن ذلك لا يجوز في الشرع و أيضا فإنه يفضي إلى فتنة و هرج ثم قال و أنا بين أظهر الجيش أي أنا قريب منكم و سائر على أثر الجيش فارفعوا إلي مظالمكم و ما عراكم منهم على وجه الغلبة و القهر فإني مغير ذلك و منتصف لكم منهم

١٤٨

61 و من كتاب له ع إلى كميل بن زياد النخعي

و هو عامله على هيت ينكر عليه تركه دفع من يجتاز به من جيش العدو طالبا للغارة : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ تَضْيِيعَ اَلْمَرْءِ مَا وُلِّيَ وَ تَكَلُّفَهُ مَا كُفِيَ لَعَجْزٌ حَاضِرٌ وَ رَأْيٌ مُتَبَّرٌ وَ إِنَّ تَعَاطِيَكَ اَلْغَارَةَ عَلَى أَهْلِ قِرْقِيسِيَا وَ تَعْطِيلَكَ مَسَالِحَكَ اَلَّتِي وَلَّيْنَاكَ لَيْسَ لَهَا بِهَا مَنْ يَمْنَعُهَا وَ لاَ يَرُدُّ اَلْجَيْشَ عَنْهَا لَرَأْيٌ شَعَاعٌ فَقَدْ صِرْتَ جِسْراً لِمَنْ أَرَادَ اَلْغَارَةَ مِنْ أَعْدَائِكَ عَلَى أَوْلِيَائِكَ غَيْرَ شَدِيدِ اَلْمَنْكِبِ وَ لاَ مَهِيبِ اَلْجَانِبِ وَ لاَ سَادٍّ ثُغْرَةً وَ لاَ كَاسِرٍ لِعَدُوٍّ شَوْكَةً وَ لاَ مُغْنٍ عَنْ أَهْلِ مِصْرِهِ وَ لاَ مُجْزٍ عَنْ أَمِيرِهِ

كميل بن زياد و نسبه

هو كميل بن زياد بن سهيل بن هيثم بن سعد بن مالك بن الحارث بن صهبان بن سعد بن مالك بن النخع بن عمرو بن وعلة بن خالد بن مالك بن أدد كان من أصحاب علي ع و شيعته و خاصته و قتله الحجاج على المذهب فيمن قتل من الشيعة و كان كميل بن زياد عامل علي ع على هيت و كان ضعيفا يمر عليه سرايا معاوية تنهب أطراف العراق و لا يردها و يحاول أن يجبر ما عنده من الضعف بأن يغير

١٤٩

على أطراف أعمال معاوية مثل قرقيسيا و ما يجري مجراها من القرى التي على الفرات فأنكر ع ذلك من فعله و قال إن من العجز الحاضر أن يهمل الوالي ما وليه و يتكلف ما ليس من تكليفه و المتبر الهالك قال تعالى( إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ ) . و المسالح جمع مسلحة و هي المواضع التي يقام فيها طائفة من الجند لحمايتها و رأي شعاع بالفتح أي متفرق ثم قال له قد صرت جسرا أي يعبر عليك العدو كما يعبر الناس على الجسور و كما أن الجسر لا يمنع من يعبر به و يمر عليه فكذاك أنت و الثغرة الثلمة و مجز كاف و مغن و الأصل مجزئ بالهمز فخفف

١٥٠

62 و من كتاب له ع إلى أهل مصر مع مالك الأشتررحمه‌الله لما ولاه إمارتها

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً ص نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ وَ مُهَيْمِناً عَلَى اَلْمُرْسَلِينَ فَلَمَّا مَضَى ص تَنَازَعَ اَلْمُسْلِمُونَ اَلْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ فَوَاللَّهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي وَ لاَ يَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ اَلْعَرَبَ تُزْعِجُ هَذَا اَلْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ ص عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ لاَ أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ اِنْثِيَالُ اَلنَّاسِ عَلَى فُلاَنٍ يُبَايِعُونَهُ فَأَمْسَكْتُ بِيَدِي يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ اَلنَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ اَلْإِسْلاَمِ يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ ص فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ اَلْإِسْلاَمَ وَ أَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً تَكُونُ اَلْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلاَيَتِكُمُ اَلَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلاَئِلَ يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ اَلسَّرَابُ وَ أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ اَلسَّحَابُ فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ اَلْأَحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ اَلْبَاطِلُ وَ زَهَقَ وَ اِطْمَأَنَّ اَلدِّينُ وَ تَنَهْنَهَ المهيمن الشاهد قال الله تعالى( إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً ) أي تشهد بإيمان من آمن و كفر من كفر و قيل تشهد بصحة نبوة الأنبياء قبلك

١٥١

و قوله على المرسلين يؤكد صحة هذا التفسير الثاني و أصل اللفظة من آمن غيره من الخوف لأن الشاهد يؤمن غيره من الخوف بشهادته ثم تصرفوا فيها فابدلوا إحدى همزتي مؤامن ياء فصار مؤيمن ثم قلبوا الهمزة هاء كأرقت و هرقت فصار مهيمن و الروع الخلد و ي الحديث أن روح القدس نفث في روعي قال ما يخطر لي ببال أن العرب تعدل بالأمر بعد وفاة محمد ص عن بني هاشم ثم من بني هاشم عني لأنه كان المتيقن بحكم الحال الحاضرة و هذا الكلام يدل على بطلان دعوى الإمامية النص و خصوصا الجلي قال فما راعني إلا انثيال الناس تقول للشي‏ء يفجؤك بغتة ما راعني إلا كذا و الروع بالفتح الفزع كأنه يقول ما أفزعني شي‏ء بعد ذلك السكون الذي كان عندي و تلك الثقة التي اطمأننت إليها إلا وقوع ما وقع من انثيال الناس أي انصبابهم من كل وجه كما ينثاب التراب على أبي بكر و هكذا لفظ الكتاب الذي كتبه للأشتر و إنما الناس يكتبونه الآن إلى فلان تذمما من ذكر الاسم كما يكتبون في أول الشقشقية أما و الله لقد تقمصها فلان و اللفظ أما و الله لقد تقمصها ابن أبي قحافة قوله فأمسكت يدي أي امتنعت عن بيعته حتى رأيت راجعة الناس يعني أهل الردة كمسيلمة و سجاح و طليحة بن خويلد و مانعي الزكاة و إن كان مانعو الزكاة قد اختلف في أنهم أهل ردة أم لا و محق الدين إبطاله و زهق خرج و زال تنهنه سكن و أصله الكف تقول نهنهت السبع فتنهنه

١٥٢

أي كف عن حركته و إقدامه فكان الدين كان متحركا مضطربا فسكن و كف عن ذلك الاضطراب روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في التاريخ الكبير أن رسول الله ص لما مات اجتمعت أسد و غطفان و طي‏ء على طليحة بن خويلد إلا ما كان من خواص أقوام في الطوائف الثلاث فاجتمعت أسد بسميراء و غطفان بجنوب طيبة و طي‏ء في حدود أرضهم و اجتمعت ثعلبة بن أسد و من يليهم من قيس بالأبرق من الربذة و تأشب إليهم ناس من بني كنانة و لم تحملهم البلاد فافترقوا فرقتين أقامت إحداهما بالأبرق و سارت الأخرى إلى ذي القصة و بعثوا وفودا إلى أبي بكر يسألونه أن يقارهم على إقامة الصلاة و منع الزكاة فعزم الله لأبي بكر على الحق فقال لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه و رجع الوفود إلى قومهم فأخبروهم بقلة من أهل المدينة فأطمعوهم فيها و علم أبو بكر و المسلمون بذلك و قال لهم أبو بكر أيها المسلمون إن الأرض كافرة و قد رأى وفدهم منكم قلة و إنكم لا تدرون أ ليلا تؤتون أم نهارا و أدناهم منكم على بريد و قد كان القوم يأملون أن نقبل منهم و نوادعهم و قد أبينا عليهم و نبذنا إليهم فأعدوا و استعدوا فخرج علي ع بنفسه و كان على نقب من أنقاب المدينة و خرج الزبير و طلحة و عبد الله بن مسعود و غيرهم فكانوا على الأنقاب الثلاثة فلم يلبثوا إلا قليلا حتى طرق القوم المدينة غارة مع الليل و خلفوا بعضهم بذي حسى

١٥٣

ليكونوا ردءا لهم فوافوا الأنقاب و عليها المسلمون فأرسلوا إلى أبي بكر بالخبر فأرسل إليهم أن الزموا مكانكم ففعلوا و خرج أبو بكر في جمع من أهل المدينة على النواضح فانتشر العدو بين أيديهم و اتبعهم المسلمون على النواضح حتى بلغوا ذا حسى فخرج عليهم الكمين بأنحاء قد نفخوها و جعلوا فيها الحبال ثم دهدهوها بأرجلهم في وجوه الإبل فتدهده كل نحي منها في طوله فنفرت إبل المسلمين و هم عليها و لا تنفر الإبل من شي‏ء نفارها من الأنحاء فعاجت بهم لا يملكونها حتى دخلت بهم المدينة و لم يصرع منهم أحد و لم يصب فبات المسلمون تلك الليلة يتهيئون ثم خرجوا على تعبئة فما طلع الفجر إلا و هم و القوم على صعيد واحد فلم يسمعوا للمسلمين حسا و لا همسا حتى وضعوا فيهم السيف فاقتتلوا أعجاز ليلتهم فما ذر قرن الشمس إلا و قد ولوا الأدبار و غلبوهم على عامة ظهرهم و رجعوا إلى المدينة ظافرين قلت هذا هو الحديث الذي أشار ع إلى أنه نهض فيه أيام أبي بكر و كأنه جواب عن قول قائل إنه عمل لأبي بكر و جاهد بين يدي أبي بكر فبين ع عذره في ذلك و قال إنه لم يكن كما ظنه القائل و لكنه من باب دفع الضرر عن النفس و الدين فإنه واجب سواء كان للناس إمام أو لم يكن

ذكر ما طعن به الشيعة في إمامة أبي بكر و الجواب عنها

و ينبغي حيث جرى ذكر أبي بكر في كلام أمير المؤمنين ع أن نذكر ما أورده قاضي القضاة في المغني من المطاعن التي طعن بها فيه و جواب قاضي القضاة

١٥٤

عنها و اعتراض المرتضى في الشافي على قاضي القضاة و نذكر ما عندنا في ذلك ثم نذكر مطاعن أخرى لم يذكرها قاضي القضاة

الطعن الأول

قال قاضي القضاة بعد أن ذكر ما طعن به فيه في أمر فدك و قد سبق القول فيه و مما طعن به عليه قولهم كيف يصلح للإمامة من يخبر عن نفسه أن له شيطانا يعتريه و من يحذر الناس نفسه و من يقول أقيلوني بعد دخوله في الإمامة مع أنه لا يحل للإمام أن يقول أقيلوني البيعة أجاب قاضي القضاة فقال إن شيخنا أبا علي قال لو كان ذلك نقصا فيه لكان قول الله في آدم و حواء( فَوَسْوَسَ لَهُمَا اَلشَّيْطانُ ) و قوله( فَأَزَلَّهُمَا اَلشَّيْطانُ ) و قوله( وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى اَلشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) يوجب النقص في الأنبياء و إذا لم يجب ذلك فكذلك ما وصف به أبو بكر نفسه و إنما أراد أنه عند الغضب يشفق من المعصية و يحذر منها و يخاف أن يكون الشيطان يعتريه في تلك الحال فيوسوس إليه و ذلك منه على طريقة الزجر لنفسه عن المعاصي و قد روي عن أمير المؤمنين ع أنه ترك مخاصمة الناس في حقوقه إشفاقا من المعصية و كان يولي ذلك عقيلا فلما أسن عقيل كان يوليها عبد الله بن جعفر فأما ما روي في إقالة البيعة فهو خبر ضعيف و إن صح فالمراد به التنبيه على أنه لا يبالي لأمر يرجع إليه أن يقيله الناس البيعة و إنما يضرون بذلك أنفسهم و كأنه نبه بذلك

١٥٥

على أنه غير مكره لهم و أنه قد خلاهم و ما يريدون إلا أن يعرض ما يوجب خلافه و قد روي أن أمير المؤمنين ع أقال عبد الله بن عمر البيعة حين استقاله و المراد بذلك أنه تركه و ما يختار اعترض المرتضىرضي‌الله‌عنه فقال أما قول أبي بكر وليتكم و لست بخيركم فإن استقمت فاتبعوني و إن اعوججت فقوموني فإن لي شيطانا يعتريني عند غضبي فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم و أبشاركم فإنه يدل على أنه لا يصلح للإمامة من وجهين أحدهما أن هذا صفة من ليس بمعصوم و لا يأمن الغلط على نفسه من يحتاج إلى تقويم رعيته له إذا وقع في المعصية و قد بينا أن الإمام لا بد أن يكون معصوما موفقا مسددا و الوجه الآخر أن هذه صفة من لا يملك نفسه و لا يضبط غضبه و من هو في نهاية الطيش و الحدة و الخرق و العجلة و لا خلاف أن الإمام يجب أن يكون منزها عن هذه الأوصاف غير حاصل عليها و ليس يشبه قول أبي بكر ما تلاه من الآيات كلها لأن أبا بكر خبر عن نفسه بطاعة الشيطان عند الغضب و أن عادته بذلك جارية و ليس هذا بمنزلة من يوسوس إليه الشيطان و لا يطيعه و يزين له القبيح فلا يأتيه و ليس وسوسة الشيطان بعيب على الموسوس له إذا لم يستزله ذلك عن الصواب بل هو زيادة في التكليف و وجه يتضاعف معه الثواب و قوله تعالى( أَلْقَى اَلشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) قيل معناه في تلاوته و قيل في فكرته على سبيل الخاطر و أي الأمرين كان فلا عار في ذلك على النبي ص و لا نقص و إنما العار و النقص على من يطيع الشيطان و يتبع ما يدعو إليه و ليس لأحد أن يقول هذا إن سلم لكم في جميع الآيات لم يسلم في قوله تعالى( فَأَزَلَّهُمَا اَلشَّيْطانُ ) لأنه قد خبر عن تأثير غوايته و وسوسته بما كان منهما من الفعل و ذلك أن المعنى الصحيح في هذه الآية أن آدم و حواء كانا مندوبين إلى اجتناب الشجرة و ترك التناول منها و لم يكن ذلك عليهما واجبا لازما

١٥٦

لأن الأنبياء لا يخلون بالواجب فوسوس لهما الشيطان حتى تناولا من الشجرة فتركا مندوبا إليه و حرما بذلك أنفسهما الثواب و سماه إزلالا لأنه حط لهما عن درجة الثواب و فعل الأفضل و قوله تعالى في موضع آخر( وَ عَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى‏ ) لا ينافي هذا المعنى لأن المعصية قد يسمى بها من أخل بالواجب و الندب معا قوله فغوى أي خاب من حيث لم يستحق الثواب على ما ندب إليه على أن صاحب الكتاب يقول إن هذه المعصية من آدم كانت صغيرة لا يستحق بها عقابا و لا ذما فعلى مذهبه أيضا تكون المفارقة بينه و بين أبي بكر ظاهرة لأن أبا بكر خبر عن نفسه أن الشيطان يعتريه حتى يؤثر في الأشعار و الأبشار و يأتي ما يستحق به التقويم فأين هذا من ذنب صغير لا ذم و لا عقاب عليه و هو يجري من وجه من الوجوه مجرى المباح لأنه لا يؤثر في أحوال فاعله و حط رتبته و ليس يجوز أن يكون ذلك منه على سبيل الخشية و الإشفاق على ما ظن لأن مفهوم خطابه يقتضي خلاف ذلك أ لا ترى أنه قال إن لي شيطانا يعتريني و هذا قول من قد عرف عادته و لو كان على سبيل الإشفاق و الخوف لخرج عن هذا المخرج و لكان يقول فإني آمن من كذا و إني لمشفق منه فأما ترك أمير المؤمنين ع مخاصمة الناس في حقوقه فكأنه إنما كان تنزها و تكرما و أي نسبة بين ذلك و بين من صرح و شهد على نفسه بما لا يليق بالأئمة و أما خبر استقالة البيعة و تضعيف صاحب الكتاب له فهو أبدا يضعف ما لا يوافقه من غير حجة يعتمدها في تضعيفه و قوله إنه ما استقال على التحقيق و إنما نبه على أنه لا يبالي بخروج الأمر عنه و أنه غير مكره لهم عليه فبعيد من الصواب لأن ظاهر قوله أقيلوني أمر بالإقالة و أقل أحواله أن يكون عرضا لها و بذلا و كلا الأمرين قبيح و لو أراد ما ظنه لكان له

١٥٧

في غير هذا القول مندوحة و لكان يقول إني ما أكرهتكم و لا حملتكم على مبايعتي و ما كنت أبالي ألا يكون هذا الأمر في و لا إلي و إن مفارقته لتسرني لو لا ما ألزمنيه الدخول فيه من التمسك به و متى عدلنا عن ظواهر الكلام بلا دليل جر ذلك علينا ما لا قبل لنا به و أما أمير المؤمنين ع فإنه لم يقل ابن عمر البيعة بعد دخولها فيها و إنما استعفاه من أن يلزمه البيعة ابتداء فأعفاه قلة فكر فيه و علما بأن إمامته لا تثبت بمبايعة من يبايعه عليها فأين هذا من استقالة بيعة قد تقدمت و استقرت قلت أما قول أبي بكر وليتكم و لست بخيركم فقد صدق عند كثير من أصحابنا لأن خيرهم علي بن أبي طالب ع و من لا يقول بذلك يقول بما قاله الحسن البصري و الله إنه ليعلم أنه خيرهم و لكن المؤمن يهضم نفسه و لم يطعن المرتضى فيه بهذه اللفظة لنطيل القول فيها و أما قول المرتضى عنه أنه قال فإن لي شيطانا يعتريني عند غضبى فالمشهور في الرواية فإن لي شيطانا يعتريني قال المفسرون أراد بالشيطان الغضب و سماه شيطانا على طريق الاستعارة و كذا ذكره شيخنا أبو الحسين في الغرر قال معاوية لإنسان غضب في حضرته فتكلم بما لا يتكلم بمثله في حضرة الخلفاء اربع على ظلعك أيها الإنسان فإنما الغضب شيطان و أنا لم نقل إلا خيرا و قد ذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتاب التاريخ الكبير خطبتي أبي بكر عقيب بيعته بالسقيفة و نحن نذكرهما نقلا من كتابه أما الخطبة الأولى فهي

١٥٨

أما بعد أيها الناس فإني وليتكم و لست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني و إن أسأت فقوموني لأن الصدق أمانة و الكذب خيانة الضعيف منكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه و القوي منكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل و لا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني ما أطعت الله و رسوله فإذا عصيت الله و رسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم رحمكم الله و أما الخطبة الثانية فهي أيها الناس إنما أنا مثلكم و إني لا أدري لعلكم ستكلفونني ما كان رسول الله ص يطيقه إن الله اصطفى محمدا ص على العالمين و عصمه من الآفات و إنما أنا متبع و لست بمتبوع فإن استقمت فاتبعوني و إن زغت فقوموني و إن رسول الله ص قبض و ليس أحد من هذه الأمة يطلبه بمظلمة ضربة سوط فما دونها ألا و إن لي شيطانا يعتريني فإذا غضبت فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم و أبشاركم ألا و إنكم تغدون و تروحون في أجل قد غيب عنكم علمه فإن استطعتم ألا يمضي هذا الأجل إلا و أنتم في عمل صالح فافعلوا و لن تستطيعوا ذلك إلا بالله فسابقوا في مهل آجالكم من قبل أن تسلمكم آجالكم إلى انقطاع الأعمال فإن قوما نسوا آجالهم و جعلوا أعمالهم لغيرهم فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم الجد الجد الوحا الوحا فإن وراءكم طالبا حثيثا أجل مره سريع احذروا الموت و اعتبروا بالآباء و الأبناء و الإخوان و لا تغبطوا الأحياء إلا بما يغبط به الأموات إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما يراد به وجهه فأريدوا وجه الله بأعمالكم و اعلموا

١٥٩

أن ما أخلصتم لله من أعمالكم فلطاعة أتيتموها و حظ ظفرتم به و ضرائب أديتموها و سلف قدمتموه من أيام فانية لأخرى باقية لحين فقركم و حاجتكم فاعتبروا عباد الله بمن مات منكم و تفكروا فيمن كان قبلكم أين كانوا أمس و أين هم اليوم أين الجبارون أين الذين كان لهم ذكر القتال و الغلبة في مواطن الحرب قد تضعضع بهم الدهر و صاروا رميما قد تركت عليهم القالات الخبيثات و إنما الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات و أين الملوك الذين أثاروا الأرض و عمروها قد بعدوا بسيئ ذكرهم و بقي ذكرهم و صاروا كلا شي‏ء ألا إن الله قد أبقى عليهم التبعات و قطع عنهم الشهوات و مضوا و الأعمال أعمالهم و الدنيا دنيا غيرهم و بقينا خلفا من بعدهم فإن نحن اعتبرنا بهم نجونا و إن اغتررنا كنا مثلهم أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم صاروا ترابا و صار ما فرطوا فيه حسرة عليهم أين الذين بنوا المدائن و حصنوها بالحوائط و جعلوا فيها العجائب و تركوها لمن خلفهم فتلك مساكنهم خاوية و هم في ظلم القبور( هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ) أين من تعرفون من آبائكم و إخوانكم قد انتهت بهم آجالهم فوردوا على ما قدموا عليه و أقاموا للشقوة و للسعادة إلا إن الله لا شريك له ليس بينه و بين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيرا و لا يصرف عنه به شرا إلا بطاعته و اتباع أمره و اعلموا أنكم عباد مدينون و أن ما عنده لا يدرك إلا بتقواه و عبادته ألا و إنه لا خير بخير بعده النار و لا شر بشر بعد الجنة فهذه خطبتا أبي بكر يوم السقيفة و اليوم الذي يليه إنما قال إن لي شيطانا يعتريني و أراد بالشيطان الغضب و لم يرد أن له شيطانا من مردة الجن يعتريه إذا

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286