كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٧

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 286

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 286
المشاهدات: 43039
تحميل: 5639


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 286 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43039 / تحميل: 5639
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 17

مؤلف:
العربية

يقظان و العقل راقد و الشهوات مطلقة و الحزم معقول و النفس مهملة و الروية مقيدة و من جهة التواني و ترك الروية يتلف الحزم و لن يعدم المشاور مرشدا و المستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل و من سمع سمع به و مصارع الرجال تحت بروق الطمع و لو اعتبرت مواقع المحن ما وجدت إلا في مقاتل الكرام و على الاعتبار طريق الرشاد و من سلك الجدد أمن العثار و لن يعدم الحسود أن يتعب قلبه و يشغل فكره و يورث غيظه و لا تجاوز مضرته نفسه يا بني تميم الصبر على جرع الحلم أعذب من جنا ثمر الندامة و من جعل عرضه دون ماله استهدف للذم و كلم اللسان أنكى من كلم السنان و الكلمة مرهونة ما لم تنجم من الفم فإذا نجمت مزجت فهي أسد محرب أو نار تلهب و رأي الناصح اللبيب دليل لا يجوز و نفاذ الرأي في الحرب أجدى من الطعن و الضرب و أوصى يزيد بن المهلب ابنه مخلدا حين استخلفه على جرجان فقال له يا بني قد استخلفتك على هذه البلاد فانظر هذا الحي من اليمن فكن لهم كما قال الشاعر:

إذا كنت مرتاد الرجال لنفعهم

فرش و اصطنع عند الذين بهم ترمي

و انظر هذا الحي من ربيعة فإنهم شيعتك و أنصارك فاقض حقوقهم و انظر هذا الحي من تميم فأمطرهم و لا تزه لهم و لا تدنهم فيطمعوا و لا تقصهم فيقطعوا و انظر هذا الحي من قيس فإنهم أكفاء قومك في الجاهلية و مناصفوهم المآثر في الإسلام و رضاهم منك البشر يا بني إن لأبيك صنائع فلا تفسدها فإنه كفى بالمرء نقصا أن يهدم ما بنى أبوه و إياك و الدماء فإنه لا تقية معها و إياك و شتم الأعراض فإن الحر

١٢١

لا يرضيه عن عرضه عوض و إياك و ضرب الأبشار فإنه عار باق و وتر مطلوب و استعمل على النجدة و الفضل دون الهوى و لا تعزل إلا عن عجز أو خيانة و لا يمنعك من اصطناع الرجل أن يكون غيرك قد سبقك إليه فإنك إنما تصطنع الرجال لفضلها و ليكن صنيعك عند من يكافئك عنه العشائر احمل الناس على أحسن أدبك يكفوك أنفسهم و إذا كتبت كتابا فأكثر النظر فيه و ليكن رسولك فيما بيني و بينك من يفقه عني و عنك فإن كتاب الرجل موضع عقله و رسوله موضع سره و أستودعك الله فلا بد للمودع أن يسكت و للمشيع أن يرجع و ما عف من المنطق و قل من الخطيئة أحب إلى أبيك و أوصى قيس بن عاصم المنقري بنيه فقال يا بني خذوا عني فلا أحد أنصح لكم مني إذا دفنتموني فانصرفوا إلى رحالكم فسودوا أكبركم فإن القوم إذا سودوا أكبرهم خلفوا أباهم و إذا سودوا أصغرهم أزرى ذلك بهم في أكفائهم و إياكم و معصية الله و قطيعة الرحم و تمسكوا بطاعة أمرائكم فإنهم من رفعوا ارتفع و من وضعوا اتضع و عليكم بهذا المال فأصلحوه فإنه منبهة للكريم و جنة لعرض اللئيم و إياكم و المسألة فإنها آخر كسب الرجل و إن أحدا لم يسأل إلا ترك الكسب و إياكم و النياحة فإني سمعت رسول الله ص ينهى عنها و ادفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها و أصوم و لا يعلم بكر بن وائل بمدفني فقد كانت بيني و بينهم مشاحنات في الجاهلية و الإسلام و أخاف أن يدخلوا عليكم بي عارا و خذوا عني ثلاث خصال إياكم و كل عرق لئيم أن تلابسوه فإنه إن يسرركم اليوم يسؤكم غدا و اكظموا الغيظ و احذروا بني أعداء آبائكم فإنهم على منهاج آبائهم ثم قال

١٢٢

أحيا الضغائن آباء لنا سلفوا

فلن تبيد و للآباء أبناء

قال ابن الكلبي فيحكي الناس هذا البيت سابقا للزبير و ما هو إلا لقيس بن عاصم و أوصى عمرو بن كلثوم التغلبي بنيه فقال يا بني إني قد بلغت من العمر ما لم يبلغ أحد من آبائي و أجدادي و لا بد من أمر مقتبل و أن ينزل بي ما نزل بالآباء و الأجداد و الأمهات و الأولاد فاحفظوا عني ما أوصيكم به إني و الله ما عيرت رجلا قط أمرا إلا عيرني مثله إن حقا فحق و إن باطلا فباطل و من سب سب فكفوا عن الشتم فإنه أسلم لأعراضكم و صلوا أرحامكم تعمر داركم و أكرموا جاركم بحسن ثنائكم و زوجوا بنات العم بني العم فإن تعديتم بهن إلى الغرباء فلا تألوا بهن عن الأكفاء و أبعدوا بيوت النساء من بيوت الرجال فإنه أغض للبصر و أعف للذكر و متى كانت المعاينة و اللقاء ففي ذلك داء من الأدواء و لا خير فيمن لا يغار لغيره كما يغار لنفسه و قل من انتهك حرمة لغيره إلا انتهكت حرمته و امنعوا القريب من ظلم الغريب فإنك تدل على قريبك و لا يجمل بك ذل غريبك و إذا تنازعتم في الدماء فلا يكن حقكم الكفاء فرب رجل خير من ألف و ود خير من خلف و إذا حدثتم فعوا و إذا حدثتم فأوجزوا فإن مع الإكثار يكون الإهذار و موت عاجل خير من ضنى آجل و ما بكيت من زمان إلا دهاني بعده زمان و ربما شجاني من لم يكن أمره

١٢٣

عناني و ما عجبت من أحدوثة إلا رأيت بعدها أعجوبة و اعلموا أن أشجع القوم العطوف و خير الموت تحت ظلال السيوف و لا خير فيمن لا روية له عند الغضب و لا فيمن إذا عوتب لم يعتب و من الناس من لا يرجى خيره و لا يخاف شره فبكوؤه خير من دره و عقوقه خير من بره و لا تبرحوا في حبكم فإن من أبرح في حب آل ذلك إلى قبيح بغض و كم قد زارني إنسان و زرته فانقلب الدهر بنا فقبرته و اعلموا أن الحليم سليم و أن السفيه كليم أني لم أمت و لكن هرمت و دخلتني ذلة فسكت و ضعف قلبي فأهترت سلمكم ربكم و حياكم و من كتاب أردشير بن بابك إلى بنيه و الملوك من بعده رشاد الوالي خير للرعية من خصب الزمان الملك و الدين توأمان لا قوام لأحدهما إلا بصاحبه فالدين أس الملك و عماده ثم صار الملك حارس الدين فلا بد للملك من أسه و لا بد للدين من حارسه فأما ما لا حارس له فضائع و ما لا أس له فمهدوم إن رأس ما أخاف عليكم مبادرة السفلة إياكم إلى دراسة الدين و تأويله و التفقه فيه فتحملكم الثقة بقوة الملك على التهاون بهم فتحدث في الدين رئاسات منتشرات سرا فيمن قد وترتم و جفوتم و حرمتم و أخفتم و صغرتم من سفلة الناس و الرعية و حشو العامة ثم لا تنشب تلك الرئاسات أن تحدث خرقا في الملك و وهنا في الدولة و اعلموا أن سلطانكم إنما هو على أجسادكم الرعية لا على قلوبها و إن غلبتم الناس على ما في أيديهم فلن تغلبوهم على ما في عقولهم و آرائهم و مكايدهم و اعلموا أن العاقل المحروم سال عليكم لسانه و هو أقطع سيفيه و إن أشد ما يضر بكم من لسانه ما صرف الحيلة فيه إلى الدين فكان للدنيا يحتج و للدين فيما يظهر يتعصب فيكون

١٢٤

للدين بكاؤه و إليه دعاؤه ثم هو أوحد للتابعين و المصدقين و المناصحين و المؤازرين لأن تعصب الناس موكل بالملوك و رحمتهم و محبتهم موكلة بالضعفاء المغلوبين فاحذروا هذا المعنى كل الحذر و اعلموا أنه ليس ينبغي للملك أن يعرف للعباد و النساك بأن يكونوا أولى بالدين منه و لا أحدب عليه و لا أغضب له و لا ينبغي له أن يخلي النساك و العباد من الأمر و النهي في نسكهم و دينهم فإن خروج النساك و غيرهم من الأمر و النهي عيب على الملوك و على المملكة و ثلمة بينة الضرر على الملك و على من بعده و اعلموا أنه قد مضى قبلنا من أسلافنا ملوك كان الملك منهم يتعهد الحماية بالتفتيش و الجماعة بالتفضيل و الفراغ بالاشتغال كتعهده جسده بقص فضول الشعر و الظفر و غسل الدرن و الغمر و مداواة ما ظهر من الأدواء و ما بطن و قد كان من أولئك الملوك من صحة ملكه أحب إليه من صحة جسده فتتابعت تلك الأملاك بذلك كأنهم ملك واحد و كان أرواحهم روح واحدة يمكن أولهم لآخرهم و يصدق آخرهم أولهم يجتمع أبناء أسلافهم و مواريث آرائهم و ثمرات عقولهم عند الباقي منهم بعدهم و كأنهم جلوس معه يحدثونه و يشاورونه حتى كأن على رأس دارا بن دارا ما كان من غلبة الإسكندر الرومي على ما غلب عليه من ملكه و كان إفساده أمرنا و تفرقته جماعتنا و تخريبه عمران مملكتنا أبلغ له فيما أراد من سفك دمائنا فلما أذن الله عز و جل في جمع مملكتنا و إعادة أمرنا كان من بعثه إيانا ما كان و بالاعتبار يتقى العثار و التجارب الماضية دستور يرجع إليه من الحوادث الآتية و اعلموا أن طباع الملوك على غير طباع الرعية و السوقة فإن الملك يطيف به العز و الأمن و السرور و القدرة على ما يريد و الأنفة و الجرأة و العبث و البطر و كلما ازداد

١٢٥

في العمر تنفسا و في الملك سلامة ازداد من هذه الطبائع و الأخلاق حتى يسلمه ذلك إلى سكر السلطان الذي هو أشد من سكر الشراب فينسى النكبات و العثرات و الغير و الدوائر و فحش تسلط الأيام و لؤم غلبة الدهر فيرسل يده بالفعل و لسانه بالقول و عند حسن الظن بالأيام تحدث الغير و تزول النعم و قد كان من أسلافنا و قدماء ملوكنا من يذكره عزه الذل و أمنه الخوف و سروره الكآبة و قدرته المعجزة و ذلك هو الرجل الكامل قد جمع بهجة الملوك و فكرة السوقة و لا كمال إلا في جمعها و اعلموا أنكم ستبلون على الملك بالأزواج و الأولاد و القرباء و الوزراء و الأخدان و الأنصار و الأعوان و المتقربين و الندماء و المضحكين و كل هؤلاء إلا قليلا أن يأخذ لنفسه أحب إليه من أن يعطي منها عمله و إنما عمله سوق ليومه و ذخيرة لغده فنصيحته للملوك فضل نصيحته لنفسه و غاية الصلاح عنده صلاح نفسه و غاية الفساد عنده فسادها يقيم للسلطان سوق المودة ما أقام له سوق الأرباح و المنافع إذا استوحش الملك من ثقاته أطبقت عليه ظلم الجهالة أخوف ما يكون العامة آمن ما يكون الوزراء و آمن ما يكون العامة أخوف ما يكون الوزراء و اعلموا أن كثيرا من وزراء الملوك من يحاول استبقاء دولته و أيامه بإيقاع الاضطراب و الخبط في أطراف مملكة الملك ليحتاج الملك إلى رأيه و تدبيره فإذا عرفتم هذا من وزير من وزرائكم فاعزلوه فإنه يدخل الوهن و النقص على الملك و الرعية لصلاح حال نفسه و لا تقوم نفسه بهذه النفوس كلها و اعلموا أن بدء ذهاب الدولة ينشأ من قبل إهمال الرعية بغير أشغال معروفة و لا أعمال معلومة فإذا نشأ الفراغ تولد منه النظر في الأمور و الفكر في الفروع و الأصول فإذا نظروا في ذلك نظروا فيه بطبائع مختلفة فتختلف بهم المذاهب و يتولد من اختلاف مذاهبهم تعاديهم و تضاغنهم و هم مع اختلافهم هذا متفقون و مجتمعون على بغض الملوك فكل صنف منهم إنما يجري إلى فجيعة الملك بملكه و لكنهم لا يجدون سلما إلى

١٢٦

ذلك أوثق من الدين و الناموس ثم يتولد من تعاديهم أن الملك لا يستطيع جمعهم على هوى واحد فإن انفرد باختصاص بعضهم صار عدو بقيتهم ولى طباع العامة استثقال الولاة و ملالهم و النفاسة عليهم و الحسد لهم و في الرعية المحروم و المضروب و المقام عليه الحدود و يتولد من كثرتهم مع عداوتهم أن يجبن الملك عن الإقدام عليهم فإن في إقدام الملك على الرعية كلها كافة تغريرا بملكه و يتولد من جبن الملك عن الرعية استعجالهم عليه و هم أقوى عدو له و أخلقه بالظفر لأنه حاضر مع الملك في دار ملكه فمن أفضى إليه الملك بعدي فلا يكونن بإصلاح جسده أشد اهتماما منه بهذه الحال و لا تكونن لشي‏ء من الأشياء أكره و أنكر لرأس صار ذنبا و ذنب صار رأسا و يد مشغولة صارت فارغة أو غني صار فقيرا أو عامل مصروف أو أمير معزول و اعلموا أن سياسة الملك و حراسته ألا يكون ابن الكاتب إلا كاتبا و ابن الجندي إلا جنديا و ابن التاجر إلا تاجرا و هكذا في جميع الطبقات فإنه يتولد من تنقل الناس عن حالاتهم أن يلتمس كل امرئ منهم فوق مرتبته فإذا انتقل أوشك أن يرى شيئا أرفع مما انتقل إليه فيحسد أو ينافس و في ذلك من الضرر المتولد ما لا خفاء به فإن عجز ملك منكم عن إصلاح رعيته كما أوصيناه فلا يكون للقميص القمل أصرع خلعا منه لما لبس من قميص ذلك الملك و اعلموا أنه ليس ملك إلا و هو كثير الذكر لمن يلي الأمر بعده و من فساد أمر الملك نشر ذكره ولاة العهود فإن في ذلك ضروبا من الضرر و أن ذلك دخول عداوة بين الملك و ولي عهده لأنه تطمح عينه إلى الملك و يصير له أحباب و أخدان يمنونه ذلك و يستبطئون موت الملك ثم إن الملك يستوحش منه و تنساق الأمور إلى هلاك أحدهما و لكن لينظر الوالي منكم لله تعالى ثم لنفسه ثم للرعية و لينتخب وليا للعهد من بعده

١٢٧

و لا يعلمه ذلك و لا أحد من الخلق قريبا كان منه أو بعيدا ثم يكتب اسمه في أربع صحائف و يختمها بخاتمه و يضعها عند أربعة نفر من أعيان أهل المملكة ثم لا يكون منه في سره و علانيته أمر يستدل به على ولي عهده من هؤلاء في إدناء و تقريب يعرف به و لا في إقصاء و أعراض يستراب له و ليتق ذلك في اللحظة و الكلمة فإذا هلك الملك جمعت تلك الصحائف إلى النسخة التي تكون في خزانة الملك فتفض جميعا ثم ينوه حينئذ باسم ذلك الرجل فيلقي الملك إذا لنية بحداثة عهده بحال السوقة و يلبسه إذا لبسه ببصر السوقة و سمعها فإن في معرفته بحاله قبل إفضاء الملك إليه سكرا تحدثه عنده ولاية العهد ثم يلقاه الملك فيزيده سكرا إلى سكره فيعمي و يصم هذا مع ما لا بد أن يلقاه أيام ولاية العهد من حيل العتاة و بغي الكذابين و ترقية النمامين و إيغار صدره و إفساد قلبه على كثير من رعيته و خواص دولته و ليس ذلك بمحمود و لا صالح و اعلموا أنه ليس للملك أن يحلف لأنه لا يقدر أحد استكراهه و ليس له أن يغضب لأنه قادر و الغضب لقاح الشر و الندامة و ليس له أن يعبث و يلعب لأن اللعب و العبث من عمل الفراغ و ليس له أن يفرغ لأن الفراغ من أمر السوقة و ليس للملك أن يحسد أحدا إلا على حسن التدبير و ليس له أن يخاف لأنه لا يد فوق يده و اعلموا أنكم لن تقدروا على أن تختموا أفواه الناس من الطعن و الإزراء عليكم و لا قدرة لكم على أن تجعلوا القبيح من أفعالكم حسنا فاجتهدوا في أن تحسن أفعالكم كلها و إلا تجعلوا للعامة إلى الطعن عليكم سبيلا و اعلموا أن لباس الملك و مطعمه و مشربه مقارب للباس السوقة و مطعمهم و ليس

١٢٨

فضل الملك على السوقة إلا بقدرته على اقتناء المحامد و استفادة المكارم فإن الملك إذا شاء أحسن و ليس كذلك السوقة و اعلموا أن لكل ملك بطانة و لكل رجل من بطانته بطانة ثم إن لكل امرئ من بطانة البطانة بطانة حتى يجتمع من ذلك أهل المملكة فإذا أقام الملك بطانته على حال الصواب فيهم أقام كل امرئ منهم بطانته على مثل ذلك حتى يجتمع على الصلاح عامة الرعية احذروا بابا واحدا طالما أمنته فضرني و حذرته فنفعني احذروا إفشاء السر بحضرة الصغار من أهليكم و خدمكم فإنه ليس يصغر واحد منهم عن حمل ذلك السر كاملا لا يترك منه شيئا حتى يضعه حيث تكرهون إما سقطا أو غشا و اعلموا أن في الرعية صنفا أتوا الملك من قبل النصائح له و التمسوا إصلاح منازلهم بإفساد منازل الناس فأولئك أعداء الناس و أعداء الملوك و من عادى الملوك و الناس كلهم فقد عادى نفسه و اعلموا أن الدهر حاملكم على طبقات فمنها حال السخاء حتى يدنو أحدكم من السرف و منها حال التبذير حتى يدنو من البخل و منها حال الأناة حتى يدنو من البلادة و منها حال انتهاز الفرصة حتى يدنو من الخفة و منها حال الطلاقة في اللسان حتى يدنو من الهذر و منها حال الأخذ بحكمة الصمت حتى يدنو من العي فالملك منكم جدير أن يبلغ من كل طبقة في محاسنها حدها فإذا وقف عليه ألجم نفسه عما وراءها و اعلموا أن ابن الملك و أخاه و ابن عمه يقول كدت أن أكون ملكا و بالحري ألا أموت حتى أكون ملكا فإذا قال ذلك قال ما لا يسر الملك و إن كتمه فالداء

١٢٩

في كل مكتوم و إذا تمنى ذلك جعل الفساد سلما إلى الصلاح و لم يكن الفساد سلما إلى صلاح قط و قد رسمت لكم في ذلك مثالا اجعلوا الملك لا ينبغي إلا لأبناء الملوك من بنات عمومتهم و لا يصلح من أولاد بنات العم إلا كامل غير سخيف العقل و لا عازب الرأي و لا ناقص الجوارح و لا مطعون عليه في الدين فإنكم إذا فعلتم ذلك قل طلاب الملك و إذا قل طلابه استراح كل امرئ إلى ما يليه و نزع إلى حد يليه و عرف حاله و رضي معيشته و استطاب زمانه فقد ذكرنا وصايا قوم من العرب و وصايا أكثر ملوك الفرس و أعظمهم حكمة لتضم إلى وصايا أمير المؤمنين فيحصل منها وصايا الدين و الدنيا فإن وصايا أمير المؤمنين ع الدين عليها أغلب و وصايا هؤلاء الدنيا عليها أغلب فإذا أخذ من أخذ التوفيق بيده بمجموع ذلك فقد سعد و لا سعيد إلا من أسعده الله

١٣٠

54 و من كتاب له ع إلى طلحة و الزبير

مع عمران بن الحصين الخزاعي و ذكر هذا الكتاب أبو جعفر الإسكافي في كتاب المقامات : أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَلِمْتُمَا وَ إِنْ كَتَمْتُمَا أَنِّي لَمْ أُرِدِ اَلنَّاسَ حَتَّى أَرَادُونِي وَ لَمْ أُبَايِعْهُمْ حَتَّى بَايَعُونِي وَ إِنَّكُمَا مِمَّنْ أَرَادَنِي وَ بَايَعَنِي وَ إِنَّ اَلْعَامَّةَ لَمْ تُبَايِعْنِي لِسُلْطَانٍ غَالِبٍ وَ لاَ لِحِرْصٍ لِعَرَضٍ حَاضِرٍ فَإِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي طَائِعَيْنِ فَارْجِعَا وَ تُوبَا إِلَى اَللَّهِ مِنْ قَرِيبٍ وَ إِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي كَارِهَيْنِ فَقَدْ جَعَلْتُمَا لِي عَلَيْكُمَا اَلسَّبِيلَ بِإِظْهَارِكُمَا اَلطَّاعَةَ وَ إِسْرَارِكُمَا اَلْمَعْصِيَةَ وَ لَعَمْرِي مَا كُنْتُمَا بِأَحَقَّ اَلْمُهَاجِرِينَ بِالتَّقِيَّةِ وَ اَلْكِتْمَانِ وَ إِنَّ دَفْعَكُمَا هَذَا اَلْأَمْرَ قَبْلَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْخُلاَ فِيهِ كَانَ أَوْسَعَ عَلَيْكُمَا مِنْ خُرُوجِكُمَا مِنْهُ بَعْدَ إِقْرَارِكُمَا بِهِ وَ قَدْ زَعَمْتُمَا أَنِّي قَتَلْتُ عُثْمَانَ فَبَيْنِي وَ بَيْنَكُمَا مَنْ تَخَلَّفَ عَنِّي وَ عَنْكُمَا مِنْ أَهْلِ اَلْمَدِينَةِ ثُمَّ يُلْزَمُ كُلُّ اِمْرِئٍ بِقَدْرِ مَا اِحْتَمَلَ فَارْجِعَا أَيُّهَا اَلشَّيْخَانِ عَنْ رَأْيِكُمَا فَإِنَّ اَلآْنَ أَعْظَمَ أَمْرِكُمَا اَلْعَارُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجْتَمِعَ يَتَجَمَّعَ اَلْعَارُ وَ اَلنَّارُ وَ اَلسَّلاَمُ

١٣١

عمران بن الحصين

هو عمران بن الحصين بن عبيد بن خلف بن عبد بن نهم بن سالم بن غاضرة بن سلول بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي يكنى أبا بجيد بابنه بجيد بن عمران أسلم هو و أبو هريرة عام خيبر و كان من فضلاء الصحابة و فقهائهم يقول أهل البصرة عنه إنه كان يرى الحفظة و كانت تكلمه حتى اكتوى و قال محمد بن سيرين أفضل من نزل البصرة من أصحاب رسول الله ص عمران بن الحصين و أبو بكرة و استقضاه عبد الله بن عامر بن كريز على البصرة فعمل له أياما ثم استعفاه فأعفاه و مات بالبصرة سنة اثنتين و خمسين في أيام معاوية

أبو جعفر الإسكافي

و أما أبو جعفر الإسكافي و هو شيخنا محمد بن عبد الله الإسكافي عده قاضي القضاة في الطبقة السابعة من طبقات المعتزلة مع عباد بن سليمان الصيمري و مع زرقان و مع عيسى بن الهيثم الصوفي و جعل أول الطبقة ثمامة بن أشرس أبا معن ثم أبا عثمان الجاحظ ثم أبا موسى عيسى بن صبيح المردار ثم أبا عمران يونس بن عمران ثم محمد بن شبيب ثم محمد بن إسماعيل بن العسكري ثم عبد الكريم بن روح العسكري ثم أبا يعقوب يوسف بن عبد الله الشحام ثم أبا الحسين الصالحي

١٣٢

ثم الجعفران جعفر بن جرير و جعفر بن ميسر ثم أبا عمران بن النقاش ثم أبا سعيد أحمد بن سعيد الأسدي ثم عباد بن سليمان ثم أبا جعفر الإسكافي هذا و قال كان أبو جعفر فاضلا عالما و صنف سبعين كتابا في علم الكلام و هو الذي نقض كتاب العثمانية على أبي عثمان الجاحظ في حياته و دخل الجاحظ الوراقين ببغداد فقال من هذا الغلام السوادي الذي بلغني أنه تعرض لنقض كتابي و أبو جعفر جالس فاختفى منه حتى لم يره و كان أبو جعفر يقول بالتفضيل على قاعدة معتزلة بغداد و يبالغ في ذلك و كان علوي الرأي محققا منصفا قليل العصبية ثم نعود إلى شرح ألفاظ الفصل و معانيه قوله ع لم أرد الناس أي لم أرد الولاية عليهم حتى أرادوا هم مني ذلك قال و لم أبايعهم حتى بايعوني أي لم أمدد يدي إليهم مد الطلب و الحرص على الأمر و لم أمددها إلا بعد أن خاطبوني بالإمرة و الخلافة و قالوا بألسنتهم قد بايعناك فحينئذ مددت يدي إليهم قال و لم يبايعني العامة و المسلمون لسلطان غصبهم و قهرهم على ذلك و لا لحرص حاضر أي مال موجود فرقته عليهم ثم قسم عليهما الكلام فقال إن كنتما بايعتماني طوعا عن رضا فقد وجب عليكما الرجوع لأنه لا وجه لانتقاض تلك البيعة و إن كنتما بايعتماني مكرهين عليها فالإكراه

١٣٣

له صورة و هي أن يجرد السيف و يمد العنق و لم يكن قد وقع ذلك و لا يمكنكما أن تدعياه و إن كنتما بايعتماني لا عن رضا و لا مكرهين بل كارهين و بين المكره و الكاره فرق بين فالأمور الشرعية إنما تبني على الظاهر و قد جعلتما لي على أنفسكما السبيل بإظهاركما الطاعة و الدخول فيما دخل فيه الناس و لا اعتبار بما أسررتما من كراهية ذلك على أنه لو كان عندي ما يكرهه المسلمون لكان المهاجرون في كراهية ذلك سواء فما الذي جعلكما أحق المهاجرين كلهم بالكتمان و التقية ثم قال و قد كان امتناعكما عن البيعة في مبدإ الأمر أجمل من دخولكما فيها ثم نكثها قال و قد زعمتما أن الشبهة التي دخلت عليكما في أمري أني قتلت عثمان و قد جعلت الحكم بيني و بينكما من تخلف عني و عنكما من أهل المدينة أي الجماعة التي لم تنصر عليا و لا طلحة كمحمد بن مسلمة و أسامة بن زيد و عبد الله بن عمر و غيرهم يعني أنهم غير متهمين عليه و لا على طلحة و الزبير فإذا حكموا لزم كل امرئ منا بقدر ما تقتضيه الشهادات و لا شبهة أنهم لو حكموا و شهدوا بصورة الحال لحكموا ببراءة علي ع من دم عثمان و بأن طلحة كان هو الجملة و التفصيل في أمره و حصره و قتله و كان الزبير مساعدا له على ذلك و إن لم يكن مكاشفا مكاشفة طلحة ثم نهاهما عن الإصرار على الخطيئة و قال لهما إنكما إنما تخافان العار في رجوعكما و انصرافكما عن الحرب فإن لم ترجعا اجتمع عليكما العار و النار أما العار فلأنكما تهزمان و تفران عند اللقاء فتعيران بذلك و أيضا سيكشف للناس أنكما كنتما على باطل فتعيران بذلك و أما النار فإليها مصير العصاة إذا ماتوا على غير توبة و احتمال العار وحده أهون من احتماله و احتمال النار معه

١٣٤

55 و من كتاب له ع إلى معاوية

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَعَلَ اَلدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا وَ اِبْتَلَى فِيهَا أَهْلَهَا لِيَعْلَمَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ لَسْنَا لِلدُّنْيَا خُلِقْنَا وَ لاَ بِالسَّعْيِ فِيهَا أُمِرْنَا وَ إِنَّمَا وُضِعْنَا فِيهَا لِنُبْتَلَي بِهَا وَ قَدِ اِبْتَلاَنِي اَللَّهُ بِكَ وَ اِبْتَلاَكَ بِي فَجَعَلَ أَحَدُنَا حُجَّةً عَلَى اَلآْخَرِ فَعَدَوْتَ عَلَى طَلَبِ اَلدُّنْيَا بِتَأْوِيلِ اَلْقُرْآنِ وَ طَلَبْتَنِي فَطَلَبْتَنِي بِمَا لَمْ تَجْنِ يَدِي وَ لاَ لِسَانِي وَ عَصَبْتَهُ عَصَيْتَهُ أَنْتَ وَ أَهْلُ اَلشَّامِ بِي وَ أَلَّبَ عَالِمُكُمْ جَاهِلَكُمْ وَ قَائِمُكُمْ قَاعِدَكُمْ فَاتَّقِ اَللَّهَ فِي نَفْسِكَ وَ نَازِعِ اَلشَّيْطَانَ قِيَادَكَ وَ اِصْرِفْ إِلَى اَلآْخِرَةِ وَجْهَكَ فَهِيَ طَرِيقُنَا وَ طَرِيقُكَ وَ اِحْذَرْ أَنْ يُصِيبَكَ اَللَّهُ مِنْهُ بِعَاجِلِ قَارِعَةٍ تَمَسُّ اَلْأَصْلَ وَ تَقْطَعُ اَلدَّابِرَ فَإِنِّي أُولِي لَكَ بِاللَّهِ أَلِيَّهً غَيْرَ فَاجِرَةٍ لَئِنْ جَمَعَتْنِي وَ إِيَّاكَ جَوَامِعُ اَلْأَقْدَارِ لاَ أَزَالُ بِبَاحَتِكَ( حَتَّى يَحْكُمَ اَللَّهُ بَيْنَنَا وَ هُوَ خَيْرُ اَلْحَاكِمِينَ ) قال ع إن الله قد جعل الدنيا لما بعدها أي جعلها طريقا إلى الآخرة و من الكلمات الحكمية الدنيا قنطرة فاعبروها و لا تعمروها و ابتلي فيها أهلها أي اختبرهم ليعلم أيهم أحسن عملا و هذا من ألفاظ القرآن العزيز و المراد ليعلم خلقه

١٣٥

أو ليعلم ملائكته و رسله فحذف المضاف و قد سبق ذكر شي‏ء يناسب ذلك فيما تقدم قال و لسنا للدنيا خلقنا أي لم نخلق للدنيا فقط قال و لا بالسعي فيها أمرنا أي لم نؤمر بالسعي فيها لها بل أمرنا بالسعي فيها لغيرها ثم ذكر أن كل واحد منه و من معاوية مبتلى بصاحبه و ذلك كابتلاء آدم بإبليس و إبليس بآدم قال فغدوت على طلب الدنيا بتأويل القرآن أي تعديت و ظلمت و على هاهنا متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام تقديره مثابرا على طلب الدنيا أو مصرا على طلب الدنيا و تأويل القرآن ما كان معاوية يموه به على أهل الشام فيقول لهم أنا ولي عثمان و قد قال الله تعالى( وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) . ثم يعدهم الظفر و الدولة على أهل العراق بقوله تعالى( فَلا يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً ) . قوله و عصبته أنت و أهل الشام أي ألزمتنيه كما تلزم العصابة الرأس و ألب عالمكم جاهلكم أي حرض و القياد حبل تقاد به الدابة قوله و احذر أن يصيبك الله منه بعاجل قارعة الضمير في منه راجع إلى الله تعالى و من لابتداء الغاية

١٣٦

و قال الراوندي منه أي من البهتان الذي أتيته أي من أجله و من للتعليل و هذا بعيد و خلاف الظاهر قوله تمس الأصل أي تقطعه و منه ماء ممسوس أي يقطع الغلة و يقطع الدابر أي العقب و النسل و الألية اليمين و باحة الدار وسطها و كذلك ساحتها و روي بناحيتك قوله بعاجل قارعة و جوامع الأقدار من باب إضافة الصفة إلى الموصوف للتأكيد كقوله تعالى( وَ إِنَّهُ لَحَقُّ اَلْيَقِينِ )

١٣٧

56 و من كلام له ع وصى به شريح بن هانئ لما جعله على مقدمته إلى الشام

اِتَّقِ اَللَّهَ فِي كُلِّ مَسَاءٍ وَ صَبَاحٍ صَبَاحٍ وَ مَسَاءٍ وَ خَفْ عَلَى نَفْسِكَ اَلدُّنْيَا اَلْغَرُورَ وَ لاَ تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ وَ اِعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تُحِبُّ مَخَافَةَ مَكْرُوهِهِ مَكْرُوهٍ سَمَتْ بِكَ اَلْأَهْوَاءُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ اَلضَّرَرِ فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً رَادِعاً وَ لِنَزَوَاتِكَ لِنَزْوَتِكَ عِنْدَ اَلْحَفِيظَةِ وَاقِماً قَامِعاً

شريح بن هانئ

هو شريح بن هانئ بن يزيد بن نهيك بن دريد بن سفيان بن الضباب و هو سلمة بن الحارث بن ربيعة بن الحارث بن كعب المذحجي كان هانئ يكنى في الجاهلية أبا الحكم لأنه كان يحكم بينهم فكناه رسول الله ص بأبي شريح إذ وفد عليه و ابنه شريح هذا من جلة أصحاب علي ع شهد معه المشاهد كلها و عاش حتى قتل بسجستان في زمن الحجاج و شريح جاهلي إسلامي يكنى أبا المقدام

١٣٨

ذكر ذلك كله أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب قوله ع و خف على نفسك الغرور يعني الشيطان فأما الغرور بالضم فمصدر و الرادع الكاف المانع و النزوات الوثبات و الحفيظة الغضب و الواقم فاعل من وقمته أي رددته أقبح الرد و قهرته يقول ع إن لم تردع نفسك عن كثير من شهواتك أفضت بك إلى كثير من الضرر و مثل هذا قول الشاعر:

فإنك إن أعطيت بطنك سؤلها

و فرجك نالا منتهى الذم أجمعا

١٣٩

57 و من كتاب له ع إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي خَرَجْتُ عَنْ مِنْ حَيِّي هَذَا إِمَّا ظَالِماً وَ إِمَّا مَظْلُوماً وَ إِمَّا بَاغِياً وَ إِمَّا مَبْغِيّاً عَلَيْهِ وَ أَنَا إِنِّي أُذَكِّرُ اَللَّهَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي هَذَا لَمَّا نَفَرَ إِلَيَّ فَإِنْ كُنْتُ مُحْسِناً أَعَانَنِي وَ إِنْ كُنْتُ مُسِيئاً اِسْتَعْتَبَنِي ما أحسن هذا التقسيم و ما أبلغه في عطف القلوب عليه و استمالة النفوس إليه قال لا يخلو حالي في خروجي من أحد أمرين إما أن أكون ظالما أو مظلوما و بدأ بالظالم هضما لنفسه و لئلا يقول عدوه بدأ بدعوى كونه مظلوما فأعطى عدوه من نفسه ما أراد قال فلينفر المسلمون إلي فإن وجدوني مظلوما أعانوني و إن وجدوني ظالما نهوني عن ظلمي لأعتب و أنيب إلى الحق و هذا كلام حسن و مراده ع يحصل على كلا الوجهين لأنه إنما أراد أن يستنفرهم و هذان الوجهان يقتضيان نفيرهم إليه على كل حال و الحي المنزل و لما هاهنا بمعنى إلا كقوله تعالى( إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ ) في قراءة من قرأها بالتشديد

١٤٠