كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٧

كتاب شرح نهج البلاغة13%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 286

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 286 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45945 / تحميل: 6686
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

الطعن العاشر

قولهم إنه سمى نفسه بخليفة رسول الله ص لاستخلافه إياه بعد موته مع اعترافه أنه لم يستخلفه و الجواب أن الصحابة سمته خليفة رسول الله ص لاستخلافه إياه على الصلاة عند موته و الاستخلاف على الصلاة عند الموت له مزية على الاستخلاف على الصلاة حال الحياة لأن حال الموت هي الحال التي تكون فيها العهود و الوصايا و ما يهتم به الإنسان من أمور الدنيا و الدين لأنها حال المفارقة و أيضا فإن رسول الله ص ما استخلف أحدا على الصلاة بالمدينة و هو حاضر و إنما كان يستخلف على الصلاة قوما أيام غيبته عن المدينة فلم يحصل الاستخلاف المطلق على الصلاة بالناس كلهم و هو ص حاضر بين الناس حي إلا لأبي بكر و هذه مزية ظاهرة على سائر الاستخلافات في أمر الصلاة فلذلك سموه خليفة رسول الله ص و بعد فإذا ثبت أن الإجماع على كون الاختيار طريقا إلى الإمامة و حجة و ثبت أن قوما من أفاضل الصحابة اختاروه للخلافة فقد ثبت أنه خليفة رسول الله ص لأنه لا فرق بين أن ينص الرسول ص على شخص معين و بين أن يشير إلى قوم فيقول من اختار هؤلاء القوم فهو الإمام في أن كل واحد منهما يصح أن يطلق عليه خليفة رسول الله ص

٢٢١

الطعن الحادي عشر

قولهم إنه حرق الفجاءة السلمي بالنار و قد نهى النبي ص أن يحرق أحد بالنار و الجواب أن الفجاءة جاء إلى أبي بكر كما ذكر أصحاب التواريخ فطلب منه سلاحا يتقوى به على الجهاد في أهل الردة فأعطاه فلما خرج قطع الطريق و نهب أموال المسلمين و أهل الردة جميعا و قتل كل من وجد كما فعلت الخوارج حيث خرجت فلما ظفر به أبو بكر رأى حرقه بالنار إرهابا لأمثاله من أهل الفساد و يجوز للإمام أن يخص النص العام بالقياس الجلي عندنا

الطعن الثاني عشر

قولهم إنه تكلم في الصلاة قبل التسليم فقال لا يفعلن خالد ما أمرته قالوا و لذلك جاز عند أبي حنيفة أن يخرج الإنسان من الصلاة بالكلام و غيره من مفسدات الصلاة من دون تسليم و بهذا احتج أبو حنيفة و الجواب أن هذا من الأخبار التي تتفرد بها الإمامية و لم تثبت و أما أبو حنيفة فلم يذهب إلى ما ذهب إليه لأجل هذا الحديث و إنما احتج بأن التسليم خطاب آدمي و ليس هو من الصلاة و أذكارها و لا من أركانها بل هو ضدها و لذلك يبطلها قبل التمام و لذلك لا يسلم المسبوق تبعا لسلام الإمام بل يقوم من غير تسليم فدل على أنه ضد للصلاة و جميع الأضداد بالنسبة إلى رفع الضد على وتيرة واحدة و لذلك استوى الكل في

٢٢٢

الإبطال قبل التمام فيستوي الكل في الانتهاء بعد التمام و ما يذكره القوم من سبب كلام أبي بكر في الصلاة أمر بعيد و لو كان أبو بكر يريد ذلك لأمر خالد أن يفعل ذلك الفعل بالشخص المعروف و هو نائم ليلا في بيته و لا يعلم أحد من الفاعل

الطعن الثالث عشر

قولهم إنه كتب إلى خالد بن الوليد و هو على الشام يأمره أن يقتل سعد بن عبادة فكمن له هو و آخر معه ليلا فلما مر بهما رمياه فقتلاه و هتف صاحب خالد في ظلام الليل بعد أن ألقيا سعدا في بئر هناك فيها ماء ببيتين:

نحن قتلنا سيد الخزرج

سعد بن عباده

و رميناه بسهمين

فلم تخط فؤاده

يوهم أن ذلك شعر الجن و أن الجن قتلت سعدا فلما أصبح الناس فقدوا سعدا و قد سمع قوم منهم ذلك الهاتف فطلبوه فوجدوه بعد ثلاثة أيام في تلك البئر و قد اخضر فقالوا هذا مسيس الجن و قال شيطان الطاق لسائل سأله ما منع عليا أن يخاصم أبا بكر في الخلافة فقال يا ابن أخي خاف أن تقتله الجن و الجواب أما أنا فلا أعتقد أن الجن قتلت سعدا و لا أن هذا شعر الجن و لا أرتاب أن البشر قتلوه و أن هذا الشعر شعر البشر و لكن لم يثبت عندي أن أبا بكر أمر خالدا و لا أستبعد أن يكون فعله من تلقاء نفسه ليرضى بذلك أبا بكر و حاشاه فيكون الإثم على

٢٢٣

خالد و أبو بكر بري‏ء من إثمه و ما ذلك من أفعال خالد ببعيد

الطعن الرابع عشر

قولهم إنه لما استخلف قطع لنفسه على بيت المال أجرة كل يوم ثلاثة دراهم قالوا و ذلك لا يجوز لأن مصارف أموال بيت المسلمين لم يذكر فيها أجرة للإمام و الجواب أنه تعالى جعل في جملة مصرف أموال الصدقات العاملين عليها و أبو بكر من العاملين و اعلم أن الإمامية لو أنصفت لرأت أن هذا الطعن بأن يكون من مناقب أبي بكر أولى من أن يكون من مساويه و مثالبه و لكن العصبية لا حيلة فيها

الطعن الخامس عشر

قولهم إنه لما استخلف صرخ مناديه في المدينة من كان عنده شي‏ء من كلام الله فليأتنا به فإنا عازمون على جمع القرآن و لا يأتنا بشي‏ء منه إلا و معه شاهدا عدل قالوا و هذا خطأ لأن القرآن قد بان بفصاحته عن فصاحة البشر فأي حاجة إلى شاهدي عدل و الجواب أن المرتضى و من تابعه من الشيعة لا يصح لهم هذا الطعن لأن القرآن عندهم ليس معجزا بفصاحته على أن من جعل معجزته للفصاحة لم يقل إن كل آية من القرآن هي معجزة في الفصاحة و أبو بكر إنما طلب كل آية من القرآن لا السورة بتمامها و كمالها التي يتحقق الإعجاز من طريق الفصاحة فيها و أيضا فإنه لو أحضر إنسان آية أو آيتين و لم يكن معه شاهد فربما تختلف العرب هل هذه في الفصاحة بالغة

٢٢٤

مبلغ الإعجاز الكلي أم هي ثابتة من كلام العرب بثبوته غير بالغة إلى حد الإعجاز فكان يلتبس الأمر و يقع النزاع فاستظهر أبو بكر بطلب الشهود تأكيدا لأنه إذا انضمت الشهادة إلى الفصاحة الظاهرة ثبت أن ذلك الكلام من القرآن : وَ مِنْ هَذَا اَلْكِتَابِ مِنْهُ إِنِّي وَ اَللَّهِ لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً وَ هُمْ طِلاَعُ اَلْأَرْضِ كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ وَ لاَ اِسْتَوْحَشْتُ وَ إِنِّي مِنْ ضَلاَلِهِمُ اَلَّذِي هُمْ فِيهِ وَ اَلْهُدَى اَلَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي وَ يَقِينٍ مِنْ رَبِّي وَ إِنِّي إِلَى لِقَاءِ اَللَّهِ لَمُشْتَاقٌ وَ لِحُسْنِ حُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاجٍ وَ لَكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ هَذِهِ اَلْأُمَّةَ أَمْرَ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وَ فُجَّارُهَا فَيَتَّخِذُوا مَالَ اَللَّهِ دُوَلاً وَ عِبَادَهُ خَوَلاً وَ اَلصَّالِحِينَ حَرْباً وَ اَلْفَاسِقِينَ حِزْباً فَإِنَّ مِنْهُمُ اَلَّذِي قَدْ شَرِبَ فِيكُمُ اَلْحَرَامَ وَ جُلِدَ حَدّاً فِي اَلْإِسْلاَمِ وَ إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ لَهُ عَلَى اَلْإِسْلاَمِ اَلرَّضَائِخُ فَلَوْ لاَ ذَلِكَ مَا أَكْثَرْتُ تَأْلِيبَكُمْ وَ تَأْنِيبَكُمْ وَ جَمْعَكُمْ وَ تَحْرِيضَكُمْ وَ لَتَرَكْتُكُمْ إِذْ أَبَيْتُمْ وَ وَنَيْتُمْ أَ لاَ تَرَوْنَ إِلَى أَطْرَافِكُمْ قَدِ اِنْتَقَصَتْ وَ إِلَى أَمْصَارِكُمْ قَدِ اُفْتُتِحَتْ وَ إِلَى مَمَالِكِكُمْ تُزْوَى وَ إِلَى بِلاَدِكُمْ تُغْزَى اِنْفِرُوا رَحِمَكُمُ اَللَّهُ إِلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ وَ لاَ تَثَّاقَلُوا إِلَى اَلْأَرْضِ فَتُقِرُّوا بِالْخَسْفِ وَ تَبَوَّءُوا بِالذُّلِّ وَ يَكُونَ نَصِيبُكُمُ اَلْأَخَسَّ وَ إِنَّ أَخَا اَلْحَرْبِ اَلْأَرِقُ وَ مَنْ نَامَ لَمْ يُنَمْ عَنْهُ وَ اَلسَّلاَمُ

٢٢٥

طلاع الأرض ملؤها و منه قول عمر لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من هول المطلع و آسى أحزن و أكثرت تأليبكم تحريضكم و إغراءكم به و التأنيب أشد اللوم و ونيتم ضعفتم و فترتم و ممالككم تزوى أي تقبض و لا تثاقلوا بالتشديد أصله تتثاقلوا و تقروا بالخسف تعترفوا بالضيم و تصبروا له و تبوءوا بالذل ترجعوا به و الأرق الذي لا ينام و مثل قوله ع من نام لم ينم عنه قول الشاعر:

لله درك ما أردت بثائر

حران ليس عن الترات براقد

أسهرته ثم اضطجعت و لم ينم

حنقا عليك و كيف نوم الحاقد

فأما الذي رضخت له على الإسلام الرضائخ فمعاوية و الرضيخة شي‏ء قليل يعطاه الإنسان يصانع به عن شي‏ء يطلب منه كالأجر و ذلك لأنه من المؤلفة قلوبهم الذين رغبوا في الإسلام و الطاعة بجمال وشاء دفعت إليهم و هم قوم معروفون كمعاوية و أخيه يزيد و أبيهما أبي سفيان و حكيم بن حزام و سهيل بن عمرو و الحارث بن هشام بن المغيرة و حويطب بن عبد العزى و الأخنس بن شريق و صفوان بن أمية و عمير بن وهب الجمحي و عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس و عباس بن مرداس و غيرهم و كان إسلام هؤلاء للطمع و الأغراض الدنياوية و لم يكن عن أصل و لا عن يقين و علم

٢٢٦

و قال الراوندي عنى بقوله رضخت لهم الرضائخ عمرو بن العاص و ليس بصحيح لأن عمرا لم يسلم بعد الفتح و أصحاب الرضائخ كلهم أسلموا بعد الفتح صونعوا على الإسلام بغنائم حنين و لعمري إن إسلام عمرو كان مدخولا أيضا إلا أنه لم يكن عن رضيخة و إنما كان لمعنى آخر فأما الذي شرب الحرام و جلد في حد الإسلام فقد قال الراوندي هو المغيرة بن شعبة و أخطأ فيما قال لأن المغيرة إنما اتهم بالزنى و لم يحد و لم يجر للمغيرة ذكر في شرب الخمر و قد تقدم خبر المغيرة مستوفى و أيضا فإن المغيرة لم يشهد صفين مع معاوية و لا مع علي ع و ما للراوندي و لهذا إنما يعرف هذا الفن أربابه و الذي عناه علي ع الوليد بن عقبة بن أبي معيط و كان أشد الناس عليه و أبلغهم تحريضا لمعاوية و أهل الشام على حربه

أخبار الوليد بن عقبة

و نحن نذكر خبر الوليد و شربه الخمر منقولا من كتاب الأغاني لأبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني قال أبو الفرج كان سبب إمارة الوليد بن عقبة الكوفة لعثمان ما حدثني به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني عبد العزيز بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبيه قال لم يكن يجلس مع عثمان على سريره إلا العباس بن عبد المطلب و أبو سفيان بن حرب و الحكم بن أبي العاص و الوليد بن عقبة و لم يكن سريره يسع إلا عثمان و واحدا منهم فأقبل الوليد يوما فجلس فجاء الحكم بن أبي العاص فأومأ عثمان إلى الوليد فرحل له عن مجلسه فلما قام الحكم قال الوليد و الله يا أمير المؤمنين لقد تلجلج في صدري بيتان قلتهما حين رأيتك آثرت ابن عمك على ابن أمك و كان الحكم عم عثمان و الوليد أخاه

٢٢٧

لأمه فقال عثمان إن الحكم شيخ قريش فما البيتان فقال:

رأيت لعم المرء زلفى قرابة

دوين أخيه حادثا لم يكن قدما

فأملت عمرا أن يشب و خالدا

لكي يدعواني يوم نائبة عما

يعني عمرا و خالدا ابني عثمان قال فرق له عثمان و قال قد وليتك الكوفة فأخرجه إليها قال أبو الفرج و أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثني عمر بن شبة قال حدثني بعض أصحابنا عن ابن دأب قال لما ولى عثمان الوليد بن عقبة الكوفة قدمها و عليها سعد بن أبي وقاص فأخبر بقدومه و لم يعلم أنه قد أمر فقال و ما صنع قالوا وقف في السوق فهو يحدث الناس هناك و لسنا ننكر شيئا من أمره فلم يلبث أن جاءه نصف النهار فاستأذن على سعد فأذن له فسلم عليه بالإمرة و جلس معه فقال له سعد ما أقدمك يا أبا وهب قال أحببت زيارتك قال و على ذاك أ جئت بريدا قال أنا أرزن من ذلك و لكن القوم احتاجوا إلى عملهم فسرحوني إليه و قد استعملني أمير المؤمنين على الكوفة فسكت سعد طويلا ثم قال لا و الله ما أدري أصلحت بعدنا أم فسدنا بعدك ثم قال

كليني و جريني ضباع و أبشري

بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره

فقال الوليد أما و الله لأنا أقول للشعر منك و أروى له و لو شئت لأجبتك و لكني أدع ذاك لما تعلم نعم و الله لقد أمرت بمحاسبتك و النظر في أمر عمالك ثم بعث إلى عمال سعد فحبسهم و ضيق عليهم فكتبوا إلى سعد يستغيثون به فكلمه فيهم فقال له أ و للمعروف عندك موضع قال نعم فخلى سبيلهم

٢٢٨

قال أحمد و حدثني عمر عن أبي بكر الباهلي عن هشيم عن العوام بن حوشب قال لما قدم الوليد على سعد قال له سعد و الله ما أدري كست بعدنا أم حمقنا بعدك فقال لا تجزعن يا أبا إسحاق فإنه الملك يتغداه قوم و يتعشاه آخرون فقال سعد أراكم و الله ستجعلونه ملكا قال أبو الفرج و حدثنا أحمد قال حدثني عمر قال حدثني هارون بن معروف عن ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب قال صلى الوليد بأهل الكوفة الغداة أربع ركعات ثم التفت إليهم فقال أزيدكم فقال عبد الله بن مسعود ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم قال أبو الفرج و حدثني أحمد قال حدثنا عمر قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا جرير عن الأجلح عن الشعبي قال قال الحطيئة يذكر الوليد:

شهد الحطيئة يوم يلقى ربه

إن الوليد أحق بالغدر

نادى و قد تمت صلاتهم

أ أزيدكم سكرا و لم يدر

فأبوا أبا وهب و لو أذنوا

لقرنت بين الشفع و الوتر

كفوا عنانك إذ جريت و لو

تركوا عنانك لم تزل تجري

٢٢٩

و قال الحطيئة أيضا:

تكلم في الصلاة و زاد فيها

علانية و أعلن بالنفاق

و مج الخمر في سنن المصلي

و نادى و الجميع إلى افتراق

أزيدكم على أن تحمدوني

فما لكم و ما لي من خلاق

قال أبو الفرج و أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدثنا حماد بن إسحاق قال حدثني أبي قال قال أبو عبيدة و هشام بن الكلبي و الأصمعي كان الوليد زانيا يشرب الخمر فشرب بالكوفة و قام ليصلي بهم الصبح في المسجد الجامع فصلى بهم أربع ركعات ثم التفت إليهم فقال أزيدكم و تقيأ في المحراب بعد أن قرأ بهم رافعا صوته في الصلاة:

علق القلب الربابا

بعد ما شابت و شابا

فشخص أهل الكوفة إلى عثمان فأخبروه بخبره و شهدوا عليه بشرب الخمر فأتي به فأمر رجلا من المسلمين أن يضربه الحد فلما دنا منه قال نشدتك الله و قرابتي من أمير المؤمنين فتركه فخاف علي بن أبي طالب ع أن يعطل الحد فقام إليه فحده بيده فقال الوليد نشدتك الله و القرابة فقال أمير المؤمنين ع اسكت أبا وهب فإنما هلك بنو إسرائيل لتعطيلهم الحدود فلما ضربه و فرغ منه قال لتدعوني قريش بعدها جلادا قال إسحاق و حدثني مصعب بن الزبير قال قال الوليد بعد ما شهدوا عليه فجلد اللهم إنهم قد شهدوا علي بزور فلا ترضهم عن أمير و لا ترض عنهم أميرا قال و قد عكس الحطيئة أبياته فجعلها مدحا للوليد:

شهد الحطيئة حين يلقى ربه

أن الوليد أحق بالعذر

٢٣٠

كفوا عنانك إذ جريت و لو

تركوا عنانك لم تزل تجري

و رأوا شمائل ماجد أنف

يعطى على الميسور و العسر

فنزعت مكذوبا عليك و لم

تنزع على طمع و لا ذعر

قال أبو الفرج و نسخت من كتاب هارون بن الرباب بخطه عن عمر بن شبة قال شهد رجل عند أبي العجاج و كان على قضاء البصرة على رجل من المعيطيين بشهادة و كان الشاهد سكران فقال المشهود عليه و هو المعيطي أعزك الله أيها القاضي إنه لا يحسن من السكر أن يقرأ شيئا من القرآن فقال الشاهد بلى أحسن قال فاقرأ فقال:

علق القلب الربابا

بعد ما شابت و شابا

يمجن بذلك و يحكي ما قاله الوليد في الصلاة و كان أبو العجاج أحمق فظن أن هذا الكلام من القرآن فجعل يقول صدق الله و رسوله ويلكم كم تعلمون و لا تعملون قال أبو الفرج و أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة عن المدائني عن مبارك بن سلام عن فطر بن خليفة عن أبي الضحى قال كان ناس من أهل الكوفة يتطلبون عثرة الوليد بن عقبة منهم أبو زينب الأزدي و أبو مورع فجاءا يوما و لم يحضر الوليد الصلاة فسألا عنه فتلطفا حتى علما أنه يشرب فاقتحما الدار فوجداه يقي‏ء فاحتملاه و هو سكران حتى وضعاه على سريره و أخذا خاتمه من يده فأفاق فافتقد خاتمه فسأل عنه أهله فقالوا لا ندري و قد رأينا رجلين دخلا عليك

٢٣١

فاحتملاك فوضعاك على سريرك فقال صفوهما لي فقالوا أحدهما آدم طوال حسن الوجه و الآخر عريض مربوع عليه خميصة فقال هذا أبو زينب و هذا أبو مورع قال و لقي أبو زينب و صاحبه عبد الله بن حبيش الأسدي و علقمة بن يزيد البكري و غيرهما فأخبروهم فقالوا أشخصوا إلى أمير المؤمنين فأعلموه و قال بعضهم إنه لا يقبل قولكم في أخيه فشخصوا إليه فقالوا إنا جئناك في أمر و نحن مخرجوه إليك من أعناقنا و قد قيل إنك لا تقبله قال و ما هو قالوا رأينا الوليد و هو سكران من خمر شربها و هذا خاتمه أخذناه من يده و هو لا يعقل

فأرسل عثمان إلى علي ع فأخبره فقال أرى أن تشخصه فإذا شهدوا عليه بمحضر منه حددته فكتب عثمان إلى الوليد فقدم عليه فشهد عليه أبو زينب و أبو مورع و جندب الأزدي و سعد بن مالك الأشعري فقال عثمان لعلي ع قم يا أبا الحسن فاجلده فقال علي ع للحسن ابنه قم فاضربه فقال الحسن ما لك و لهذا يكفيك غيرك فقال علي لعبد الله بن جعفر قم فاضربه فضربه بمخصرة فيها سير له رأسان فلما بلغ أربعين قال حسبك قال أبو الفرج و حدثني أحمد قال حدثنا عمر قال حدثني المدائني عن الوقاصي عن الزهري قال خرج رهط من أهل الكوفة إلى عثمان في أمر الوليد فقال أ كلما غضب رجل على أميره رماه بالباطل لئن أصبحت لكم لأنكلن بكم فاستجاروا بعائشة و أصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا و كلاما فيه بعض الغلظة فقال أ ما يجد فساق العراق و مراقها ملجأ إلا بيت عائشة فسمعت فرفعت نعل رسول الله ص و قالت تركت سنة صاحب هذا النعل و تسامع الناس فجاءوا حتى ملئوا المسجد فمن قائل قد أحسنت و من قائل ما للنساء و لهذا حتى تخاصموا

٢٣٢

و تضاربوا بالنعال و دخل رهط من أصحاب رسول الله ص على عثمان فقالوا له اتق الله و لا تعطل الحدود و اعزل أخاك عنهم ففعل قال أبو الفرج حدثنا أحمد قال حدثني عمر عن المدائني عن أبي محمد الناجي عن مطر الوراق قال قدم رجل من أهل الكوفة إلى المدينة فقال لعثمان إني صليت صلاة الغداة خلف الوليد فالتفت في الصلاة إلى الناس فقال أ أزيدكم فإني أجد اليوم نشاطا و شممنا منه رائحة الخمر فضرب عثمان الرجل فقال الناس عطلت الحدود و ضربت الشهود قال أبو الفرج و حدثنا أحمد قال حدثنا عمر قال حدثنا أبو بكر الباهلي عن بعض من حدثه قال لما شهد على الوليد عند عثمان بشرب الخمر كتب إليه يأمره بالشخوص فخرج و خرج معه قوم يعذرونه منهم عدي بن حاتم الطائي فنزل الوليد يوما يسوق بهم فارتجز و قال:

لا تحسبنا قد نسينا الأحقاف

و النشوات من معتق صاف

و عزف قينات علينا عزاف

فقال عدي فأين تذهب بنا إذن فأقم قال أبو الفرج و قد روى أحمد عن عمر عن رجاله عن الشعبي عن جندب الأزدي قال كنت فيمن شهد على الوليد عند عثمان فلما استتممنا عليه الشهادة حبسه عثمان ثم ذكر باقي الخبر و ضرب علي ع إياه و قول الحسن ابنه ما لك و لهذا و زاد فيه و قال علي ع لست إذن مسلما أو قال من المسلمين

٢٣٣

قال أبو الفرج و أخبرني أحمد عن عمر عن رجاله أن الشهادة لما تمت قال عثمان لعلي ع دونك ابن عمك فأقم عليه الحد فأمر علي ع ابنه الحسن ع فلم يفعل فقال يكفيك غيرك فقال علي ع بل ضعفت و وهنت و عجزت قم يا عبد الله بن جعفر فاجلده فقام فجلده و علي ع يعد حتى بلغ أربعين فقال له علي ع أمسك حسبك جلد رسول الله ص أربعين و جلد أبو بكر أربعين و كملها عمر ثمانين و كل سنة قال أبو الفرج و حدثني أحمد عن عمر عن عبد الله بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد قال و أخبرني بذلك أيضا إبراهيم بن محمد بن أيوب عن عبد الله بن مسلم قالوا جميعا لما ضرب عثمان الوليد الحد قال إنك لتضربني اليوم بشهادة قوم ليقتلنك عاما قابلا قال أبو الفرج و حدثني أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن عمر بن شبة عن عبد الله بن محمد بن حكيم عن خالد بن سعيد و أخبرني أيضا إبراهيم عن عبد الله قالوا جميعا كان أبو زبيد الطائي نديما للوليد بن عقبة أيام ولايته الكوفة فلما شهدوا عليه بالسكر من الخمر خرج عن الكوفة معزولا فقال أبو زبيد يتذكر أيامه و ندامته:

من يرى العير أن تمشي على ظهر

المرورى حداتهن عجال

ناعجات و البيت بيت أبي وهب

خلاء تحن فيه الشمال

يعرف الجاهل المضلل أن الدهر

فيه النكراء و الزلزال

ليت شعري كذا كم العهد أم كانوا

أناسا كمن يزول فزالوا

٢٣٤

بعد ما تعلمين يا أم عمرو

كان فيهم عز لنا و جمال

و وجوه تودنا مشرقات

و نوال إذا أريد النوال

أصبح البيت قد تبدل بالحي

وجوها كأنها الأقيال

كل شي‏ء يحتال فيه الرجال

غير أن ليس للمنايا احتيال

و لعمر الإله لو كان للسيف

مضاء و للسان مقال

ما تناسيتك الصفاء و لا

الود و لا حال دونك الإشغال

و لحرمت لحمك المتعضي

ضلة ضل حلمهم ما اغتالوا

قولهم شربك الحرام و قد كان

شراب سوى الحرام حلال

و أبي ظاهر العداوة و الشنآن

إلا مقال ما لا يقال

من رجال تقارضوا منكرات

لينالوا الذي أرادوا فنالوا

غير ما طالبين ذحلا و لكن

مال دهر على أناس فمالوا

من يخنك الصفاء أو يتبدل

أو يزل مثل ما يزول الظلال

فاعلمن أنني أخوك أخو

الود حياتي حتى تزول الجبال

ليس بخلي عليك يوما بمال

أبدا ما أقل نعلا قبال

و لك النصر باللسان و بالكف

إذا كان لليدين مصال

قال أبو الفرج و حدثني أحمد قال حدثني عمر قال لما قدم الوليد بن عقبة الكوفة قدم عليه أبو زبيد فأنزله دار عقيل بن أبي طالب على باب المسجد و هي التي

٢٣٥

تعرف بدار القبطي فكان مما احتج به عليه أهل الكوفة أن أبا زبيد كان يخرج إليه من داره و هو نصراني يخترق المسجد فيجعله طريقا قال أبو الفرج و أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني عمي عبيد الله عن ابن حبيب عن ابن الأعرابي أن أبا زبيد وفد على الوليد حين استعمله عثمان على الكوفة فأنزله الوليد دار عقيل بن أبي طالب عند باب المسجد و استوهبها منه فوهبها له فكان ذلك أول الطعن عليه من أهل الكوفة لأن أبا زبيد كان يخرج من داره حتى يشق المسجد إلى الوليد فيسمر عنده و يشرب معه و يخرج فيشق المسجد و هو سكران فذاك نبههم عليه قال و قد كان عثمان ولى الوليد صدقات بني تغلب فبلغه عنه شعر فيه خلاعه فعزله قال فلما ولاه الكوفة اختص أبا زبيد الطائي و قربه و مدحه أبو زبيد بشعر كثير و قد كان الوليد استعمل الربيع بن مري بن أوس بن حارثة بن لام الطائي على الحمى فيما بين الجزيرة و ظهر الحيرة فأجدبت الجزيرة و كان أبو زبيد في بني تغلب نازلا فخرج بإبلهم ليرعيهم فأبى عليهم الربيع بن مري و منعهم و قال لأبي زبيد إن شئت أرعيك وحدك فعلت فأتى أبو زبيد إلى الوليد فشكاه فأعطاه ما بين القصور الحمر من الشام إلى القصور الحمر من الحيرة و جعلها له حمى و أخذها من الربيع بن مري فقال أبو زبيد يمدح الوليد و الشعر يدل على أن الحمى كان بيد مري بن أوس لا بيد الربيع ابنه و هكذا هو في رواية عمر بن شبة:

لعمر أبيك يا ابن أبي مري

لغيرك من أباح لنا الديارا

أباح لنا أبارق ذات قور

و نرعى القف منها و القفارا

٢٣٦

بحمد الله ثم فتى قريش

أبي وهب غدت بدنا غزارا

أباح لنا و لا نحمي عليكم

إذا ما كنتم سنة جزارا

قال يقول إذا أجدبتم فإنا لا نحميها عليكم و إذا كنتم أسأتم و حميتموها علينا

فتى طالت يداه إلى المعالي

و طحطحت المجذمة القصارا

قال و من شعر أبي زبيد فيه يذكر نصره له على مري بن أوس بن حارثة

يا ليت شعري بأنباء أنبؤها

قد كان يعنى بها صدري و تقديري

عن امرئ ما يزده الله من شرف

أفرح به و مري غير مسرور

إن الوليد له عندي و حق له

ود الخليل و نصح غير مذخور

لقد دعاني و أدناني أظهرني

على الأعادي بنصر غير تغرير

و شذب القوم عني غير مكترث

حتى تناهوا على رغم و تصغير

نفسي فداء أبي وهب و قل له

يا أم عمرو فحلي اليوم أو سيري

و قال أبو زبيد يمدح الوليد و يتألم لفراقه حين عزل عن الكوفة

لعمري لئن أمسى الوليد ببلدة

سواي لقد أمسيت للدهر معورا

خلا أن رزق الله غاد و رائح

و إني له راج و إن سار أشهرا

و كان هو الحصن الذي ليس مسلمي

إذا أنا بالنكراء هيجت معشرا

إذا صادفوا دوني الوليد فإنما

يرون بوادي ذي حماس مزعفرا

٢٣٧

و هي طويلة يصف فيها الأسد قال أبو الفرج و حدثنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر عن رجاله عن الوليد قال لما فتح رسول الله ص مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيدعو لهم بالبركة و يمسح يده على رءوسهم فجي‏ء بي إليه و أنا مخلق فلم يمسني و ما منعه إلا أن أمي خلقتني بخلوق فلم يمسني من أجل الخلوق

قال أبو الفرج و حدثني إسحاق بن بنان الأنماطي عن حنيش بن ميسر عن عبد الله بن موسى عن أبي ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال الوليد بن عقبة لعلي بن أبي طالب ع أنا أحد منك سنانا و أبسط منك لسانا و أملأ للكتيبة فقال علي ع اسكت يا فاسق فنزل القرآن فيهما( أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) .

قال أبو الفرج و حدثني أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبة عن محمد بن حاتم عن يونس بن عمر عن شيبان عن يونس عن قتادة في قوله تعالى( يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) قال هو الوليد بن عقبة بعثه النبي ص مصدقا إلى بني المصطلق فلما رأوه أقبلوا نحوه فهابهم فرجع إلى النبي ص فقال له إنهم ارتدوا عن الإسلام فبعث النبي ص خالد بن الوليد فعلم عملهم و أمره أن يتثبت و قال له انطلق و لا تعجل فانطلق حتى أتاهم ليلا و أنفذ عيونه نحوهم فلما جاءوه أخبروه أنهم متمسكون بالإسلام و سمع أذانهم و صلاتهم فلما أصبح أتاهم فرأى ما يعجبه فرجع إلى الرسول ص فأخبره فنزلت هذه الآية

٢٣٨

قلت قد لمح ابن عبد البر صاحب كتاب الإستيعاب في هذا الموضع نكتة حسنة فقال في حديث الخلوق هذا حديث مضطرب منكر لا يصح و ليس يمكن أن يكون من بعثه النبي ص مصدقا صبيا يوم الفتح قال و يدل أيضا على فساده أن الزبير بن بكار و غيره من أهل العلم بالسير و الأخبار ذكروا أن الوليد و أخاه عمارة ابني عقبة بن أبي معيط خرجا من مكة ليردا أختهما أم كلثوم عن الهجرة و كانت هجرتها في الهدنة التي بين النبي ص و بين أهل مكة و من كان غلاما مخلقا بالخلوق يوم الفتح ليس يجي‏ء منه مثل هذا قال و لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أن قوله عزوجل( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) أنزلت في الوليد لما بعثه رسول الله ص مصدقا فكذب على بني المصطلق و قال إنهم ارتدوا و امتنعوا من أداء الصدقة قال أبو عمر و فيه و في علي ع نزل( أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) في قصتهما المشهورة قال و من كان صبيا يوم الفتح لا يجي‏ء منه مثل هذا فوجب أن ينظر في حديث الخلوق فإنه رواية جعفر بن برقان عن ثابت عن الحجاج عن أبي موسى الهمداني و أبو موسى مجهول لا يصح حديثه ثم نعود إلى كتاب أبي الفرج الأصبهاني؛ قال أبو الفرج و أخبرني أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبة عن عبد الله بن موسى عن نعيم بن حكيم عن أبي مريم عن علي ع أن امرأة الوليد بن عقبة جاءت إلى النبي ص تشتكي إليه الوليد و قالت إنه يضربها فقال لها ارجعي إليه و قولي له إن رسول الله قد أجارني فانطلقت فمكثت ساعة ثم رجعت فقالت إنه

٢٣٩

ما أقلع عني فقطع رسول الله ص هدبة من ثوبه و قال اذهبي بها إليه و قولي له إن رسول الله قد أجارني فانطلقت فمكثت ساعة ثم رجعت فقالت ما زادني إلا ضربا فرفع رسول الله ص يده ثم قال اللهم عليك بالوليد مرتين أو ثلاثا قال أبو الفرج و اختص الوليد لما كان واليا بالكوفة ساحرا كاد يفتن الناس كان يريه كتيبتين تقتتلان فتحمل إحداهما على الأخرى فتهزمها ثم يقول له أ يسرك أن أريك المنهزمة تغلب الغالبة فتهزمها فيقول نعم فجاء جندب الأزدي مشتملا على سيفه فقال أفرجوا لي فأفرجوا فضربه حتى قتله فحبسه الوليد قليلا ثم تركه قال أبو الفرج و روى أحمد عن عمر عن رجاله أن جندبا لما قتل الساحر حبسه الوليد فقال له دينار بن دينار فيم حبست هذا و قد قتل من أعلن بالسحر في دين محمد ص ثم مضى إليه فأخرجه من الحبس فأرسل الوليد إلى دينار بن دينار فقتله قال أبو الفرج حدثني عمي الحسن بن محمد قال حدثني الخراز عن المدائني عن علي بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان عن الزهري و غيره أن رسول الله ص لما انصرف عن غزاة بني المصطلق نزل رجل من المسلمين فساق بالقوم و رجز ثم آخر فساق بهم و رجز ثم بدا لرسول الله ص أن يواسي أصحابه فنزل فساق بهم و رجز و جعل يقول فيما يقول:

جندب و ما جندب

و الأقطع زيد الخير

٢٤٠

فدنا منه أصحابه فقالوا يا رسول الله ما ينفعنا سيرنا مخافة أن تنهشك دابة أو تصيبك نكبة فركب و دنوا منه و قالوا قلت قولا لا ندري ما هو قال و ما ذاك قالوا كنت تقول جندب و ما جندب، و الأقطع زيد الخير

فقال رجلان يكونان في هذه الأمة يضرب أحدهما ضربة يفرق بين الحق و الباطل و تقطع يد الآخر في سبيل الله ثم يتبع الله آخر جسده بأوله و كان زيد هو زيد بن صوحان و قطعت يده في سبيل الله يوم جلولاء و قتل يوم الجمل مع علي بن أبي طالب ع و أما جندب هذا فدخل على الوليد بن عقبة و عنده ساحر يقال له أبو شيبان يأخذ أعين الناس فيخرج مصارين بطنهم ثم يردها فجاء من خلفه فضربه فقتله و قال:

العن وليدا و أبا شيبان

و ابن حبيش راكب الشيطان

رسول فرعون إلى هامان

قال أبو الفرج و قد روي أن هذا الساحر كان يدخل عند الوليد في جوف بقرة حية ثم يخرج منها فرآه جندب فذهب إلى بيته فاشتمل على سيف فلما دخل الساحر في البقرة قال جندب( أفتأتون السحر و أنتم تبصرون ) ثم ضرب وسط البقرة فقطعها و قطع الساحر معها فذعر الناس فسجنه الوليد و كتب بأمره إلى عثمان قال أبو الفرج فروى أحمد بن عبد العزيز عن حجاج بن نصير عن قرة عن

٢٤١

محمد بن سيرين قال انطلق بجندب بن كعب الأزدي قاتل الساحر بالكوفة إلى السجن و على السجن رجل نصراني من قبل الوليد و كان يرى جندب بن كعب يقوم بالليل و يصبح صائما فوكل بالسجن رجلا ثم خرج فسأل الناس عن أفضل أهل الكوفة فقالوا الأشعث بن قيس فاستضافه فجعل يراه ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه فخرج من عنده و سأل أي أهل الكوفة أفضل قالوا جرير بن عبد الله فذهب إليه فوجده ينام الليل ثم يصبح فيدعو بغدائه فاستقبل القبلة و قال ربي رب جندب و ديني دين جندب ثم أسلم قال أبو الفرج فلما نزع عثمان الوليد عن الكوفة أمر عليها سعيد بن العاص فلما قدمها قال اغسلوا هذا المنبر فإن الوليد كان رجلا نجسا فلم يصعده حتى غسل قال أبو الفرج و كان الوليد أسن من سعيد بن العاص و أسخى نفسا و ألين جانبا و أرضى عندهم فقال بعض شعرائهم:

و جاءنا من بعده سعيد

ينقص في الصاع و لا يزيد

و قال آخر منهم:

فررت من الوليد إلى سعيد

كأهل الحجر إذ فزعوا فباروا

يلينا من قريش كل عام

أمير محدث أو مستشار

لنا نار تحرقنا فنخشى

و ليس لهم و لا يخشون نار

قال أبو الفرج و حدثنا أحمد قال حدثنا عمر عن المدائني قال قدم الوليد بن

٢٤٢

عقبة الكوفة في أيام معاوية زائرا للمغيرة بن شعبة فأتاه أشراف الكوفة فسلموا عليه و قالوا و الله ما رأينا بعدك مثلك فقال أ خيرا أم شرا قالوا بل خيرا قال و لكني ما رأيت بعدكم شرا منكم فأعادوا الثناء عليه فقال بعض ما تأتون به فو الله إن بغضكم لتلف و إن حبكم لصلف قال أبو الفرج و روى عمر بن شبة أن قبيصة بن جابر كان ممن كثر على الوليد فقال معاوية يوما و الوليد و قبيصة عنده يا قبيصة ما كان شأنك و شأن الوليد قال خير يا أمير المؤمنين إنه في أول الأمر وصل الرحم و أحسن الكلام فلا تسأل عن شكر و حسن ثناء ثم غضب على الناس و غضبوا عليه و كنا معهم فإما ظالمون فنستغفر الله و إما مظلومون فيغفر الله له فخذ في غير هذا يا أمير المؤمنين فإن الحديث ينسي القديم قال معاوية ما أعلمه إلا قد أحسن السيرة و بسط الخير و قبض الشر قال فأنت يا أمير المؤمنين اليوم أقدر على ذلك فافعله فقال اسكت لا سكت فسكت و سكت القوم فقال معاوية بعد يسير ما لك لا تتكلم يا قبيصة قال نهيتني عما كنت أحب فسكت عما لا أحب قال أبو الفرج و مات الوليد بن عقبة فويق الرقة و مات أبو زبيد هناك فدفنا جميعا في موضع واحد فقال في ذلك أشجع السلمي و قد مر بقبريهما:

مررت على عظام أبي زبيد

و قد لاحت ببلقعة صلود

فكان له الوليد نديم صدق

فنادم قبره قبر الوليد

و ما أدري بمن تبدو المنايا

بحمزة أم بأشجع أم يزيد

قيل هم إخوته و قيل ندماؤه قال أبو الفرج و حدثني أحمد بن عبد العزيز عن محمد بن زكريا الغلابي

٢٤٣

عن عبد الله بن الضحاك عن هشام بن محمد عن أبيه قال وفد الوليد بن عقبة و كان جوادا إلى معاوية فقيل له هذا الوليد بن عقبة بالباب فقال و الله ليرجعن مغيظا غير معطى فإنه الآن قد أتانا يقول علي دين و علي كذا ائذن له فأذن له فسأله و تحدث معه ثم قال له معاوية أما و الله إن كنا لنحب إتيان مالك بالوادي و لقد كان يعجب أمير المؤمنين فإن رأيت أن تهبه ليزيد فافعل قال هو ليزيد ثم خرج و جعل يختلف إلى معاوية فقال له يوما انظر يا أمير المؤمنين في شأني فإن علي مئونة و قد أرهقني دين فقال له أ لا تستحيي لنفسك و حسبك تأخذ ما تأخذه فتبذره ثم لا تنفك تشكو دينا فقال الوليد أفعل ثم انطلق من مكانه فسار إلى الجزيرة و قال يخاطب معاوية:

فإذا سئلت تقول لا

و إذا سألت تقول هات

تأبى فعال الخير لا

تروي و أنت على الفرات

أ فلا تميل إلى نعم

أو ترك لا حتى الممات

و بلغ معاوية شخوصه إلى الجزيرة فخافه و كتب إليه أقبل فكتب:

أعف و أستعفي كما قد أمرتني

فأعط سواي ما بدا لك و ابخل

سأحدو ركابي عنك إن عزيمتي

إذا نابني أمر كسلة منصل

و إني امرؤ للنأي مني تطرب

و ليس شبا قفل علي بمقفل

ثم رحل إلى الحجاز فبعث إليه معاوية بجائزة و أما أبو عمر بن عبد البر فإنه ذكر في الإستيعاب في باب الوليد قال إن له أخبارا فيها شناعة تقطع على سوء حاله و قبح أفعاله غفر الله لنا و له فلقد كان من رجال قريش

٢٤٤

ظرفا و حلما و شجاعة و جودا و أدبا و كان من الشعراء المطبوعين قال و كان الأصمعي و أبو عبيدة و ابن الكلبي و غيرهم يقولون إنه كان فاسقا شريب خمر و كان شاعرا كريما قال و أخباره في شربه الخمر و منادمته أبا زبيد الطائي كثيرة مشهورة و يسمج بنا ذكرها و لكنا نذكر منها طرفا ثم ذكر ما ذكره أبو الفرج في الأغاني و قال إن خبر الصلاة و هو سكران و قوله أ أزيدكم خبر مشهور روته الثقات من نقلة الحديث قال أبو عمر بن عبد البر و قد ذكر الطبري في رواية أنه تغضب عليه قوم من أهل الكوفة حسدا و بغيا و شهدوا عليه بشرب الخمر و قال إن عثمان قال له يا أخي اصبر فإن الله يأجرك و يبوء القوم بإثمك قال أبو عمر هذا الحديث لا يصح عند أهل الأخبار و نقلة الحديث و لا له عند أهل العلم أصل و الصحيح ثبوت الشهادة عليه عند عثمان و جلده الحد و أن عليا هو الذي جلده قال و لم يجلده بيده و إنما أمر بجلده فنسب الجلد إليه قال أبو عمر و لم يرو الوليد من السنة ما يحتاج فيها إليه و لكن حارثة بن مضرب روى عنه أنه قال ما كانت نبوة إلا كان بعدها ملك

٢٤٥

و من كتاب له ع إلى أبي موسى الأشعري

و هو عامله على الكوفة و قد بلغه عنه تثبيطه الناس عن الخروج إليه لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ قَيْسٍ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ قَوْلٌ هُوَ لَكَ وَ عَلَيْكَ فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْكَ رَسُولِي رَسُولِي عَلَيْكَ فَارْفَعْ ذَيْلَكَ وَ اُشْدُدْ مِئْزَرَكَ وَ اُخْرُجْ مِنْ جُحْرِكَ وَ اُنْدُبْ مَنْ مَعَكَ فَإِنْ حَقَّقْتَ فَانْفُذْ وَ إِنْ تَفَشَّلْتَ فَابْعُدْ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَتُؤْتَيَنَّ مِنْ حَيْثُ أَنْتَ وَ لاَ تُتْرَكُ حَتَّى يُخْلَطَ زُبْدُكَ بِخَاثِرِكَ وَ ذَائِبُكَ بِجَامِدِكَ وَ حَتَّى تُعْجَلُ عَنْ قِعْدَتِكَ وَ تَحْذَرَ مِنْ أَمَامِكَ كَحَذَرِكَ مِنْ خَلْفِكَ وَ مَا هِيَ بِالْهُوَيْنَى اَلَّتِي تَرْجُو وَ لَكِنَّهَا اَلدَّاهِيَةُ اَلْكُبْرَى يُرْكَبُ جَمَلُهَا وَ يُذَلُّ يُذَلَّلُّ صَعْبُهَا وَ يُسَهَّلُ جَبَلُهَا فَاعْقِلْ عَقْلَكَ وَ اِمْلِكْ أَمْرَكَ وَ خُذْ نَصِيبَكَ وَ حَظَّكَ فَإِنْ كَرِهْتَ فَتَنَحَّ إِلَى غَيْرِ رَحْبٍ وَ لاَ فِي نَجَاةٍ فَبِالْحَرِيِّ لَتُكْفَيَنَّ وَ أَنْتَ نَائِمٌ حَتَّى لاَ يُقَالَ أَيْنَ فُلاَنٌ وَ اَللَّهِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مَعَ مُحِقٍّ وَ مَا يُبَالِي أُبَالِي مَا صَنَعَ اَلْمُلْحِدُونَ وَ اَلسَّلاَمُ المراد بقوله قول هو لك و عليك أن أبا موسى كان يقول لأهل الكوفة إن عليا إمام هدى و بيعته صحيحة ألا إنه لا يجوز القتال معه لأهل القبلة و هذا القول بعضه حق و بعضه باطل

٢٤٦

و قوله فارفع ذيلك أي شمر للنهوض معي و اللحاق بي لنشهد حرب أهل البصرة و كذلك قوله و اشدد مئزرك و كلتاهما كنايتان عن الجد و التشمير في الأمر قال و اخرج من جحرك أمر له بالخروج من منزله للحاق به و هي كناية فيها غض من أبي موسى و استهانة به لأنه لو أراد إعظامه لقال و اخرج من خيسك أو من غيلك كما يقال للأسد و لكنه جعله ثعلبا أو ضبا قال و اندب من معك أي و اندب رعيتك من أهل الكوفة إلى الخروج معي و اللحاق بي ثم قال و إن تحققت فانفذ أي أمرك مبني على الشك و كلامك في طاعتي كالمتناقض فإن حققت لزوم طاعتي لك فانفذ أي سر حتى تقدم علي و إن أقمت على الشك فاعتزل العمل فقد عزلتك قوله و ايم الله لتؤتين معناه إن أقمت على الشك و الاسترابة و تثبيط أهل الكوفة عن الخروج إلي و قولك لهم لا يحل لكم سل السيف لا مع علي و لا مع طلحة و الزموا بيوتكم و اكسروا سيوفكم ليأتينكم و أنتم في منازلكم بالكوفة أهل البصرة مع طلحة و نأتينكم نحن بأهل المدينة و الحجاز فيجتمع عليكم سيفان من أمامكم و من خلفكم فتكون ذلك الداهية الكبرى التي لا شواة لها قوله و لا تترك حتى يخلط زبدك بخاثرك تقول للرجل إذا ضربته حتى أثخنته لقد ضربته حتى خلطت زبده بخاثره و كذلك حتى خلطت ذائبه بجامده و الخاثر اللبن الغيظ و الزبد خلاصة اللبن و صفوته فإذا أثخنت الإنسان ضربا كنت كأنك

٢٤٧

خلطت ما رق و لطف من أخلاطه بما كثف و غلظ منها و هذا مثل و معناه لتفسدن حالك و لتخلطن و ليضربن ما هو الآن منتظم من أمرك قوله و حتى تعجل عن قعدتك القعدة بالكسر هيئة القعود كالجلسة و الركبة أي و ليعجلنك الأمر عن هيئة قعودك يصف شدة الأمر و صعوبته قوله و تحذر من أمامك كحذرك من خلفك يعني يأتيك من خلفك إن أقمت على منع الناس عن الحرب معنا و معهم أهل البصرة و أهل المدينة فتكون كما قال الله تعالى( إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ) . قوله و ما هي بالهوينى التي ترجو الهوينى تصغير الهونى التي هي أنثى أهون أي ليست هذه الداهية و الجائحة التي أذكرها لك بالشي‏ء الهين الذي ترجو اندفاعه و سهولته ثم قال بل هي الداهية الكبرى ستفعل لا محالة إن استمررت على ما أنت عليه و كنى عن قوله ستفعل لا محالة بقوله يركب جملها و ما بعده و ذلك لأنها إذا ركب جملها و ذلل صعبها و سهل وعرها فقد فعلت أي لا تقل هذا أمر عظيم صعب المرام أي قصد الجيوش من كلا الجانبين الكوفة فإنه إن دام الأمر على ما أشرت إلى أهل الكوفة من التخاذل و الجلوس في البيوت و قولك لهم كن عبد الله المقتول لنقعن بموجب ما ذكرته لك و ليرتكبن أهل الحجاز و أهل البصرة هذا الأمر المستصعب لأنا نحن نطلب أن نملك الكوفة و أهل البصرة كذلك فيجتمع عليها الفريقان ثم عاد إلى أمره بالخروج إليه فقال له فاعقل عقلك و املك أمرك و خذ نصيبك

٢٤٨

و حظك أي من الطاعة و اتباع الإمام الذي لزمتك بيعته فإن كرهت ذلك فتنح عن العمل فقد عزلتك و ابعد عنا لا في رحب أي لا في سعة و هذا ضد قولهم مرحبا ثم قال فجدير أن تكفى ما كلفته من حضور الحرب و أنت نائم أي لست معدودا عندنا و لا عند الناس من الرجال الذين تفتقر الحروب و التدبيرات إليهم فسيغني الله عنك و لا يقال أين فلان ثم أقسم إنه لحق أي إني في حرب هؤلاء لعلى حق و إن من أطاعني مع إمام محق ليس يبالي ما صنع الملحدون و هذا إشارة إلى قول النبي ص اللهم أدر الحق معه حيثما دار

٢٤٩

64 و من كتاب له ع إلى معاوية جوابا عن كتابه

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا كُنَّا نَحْنُ وَ أَنْتُمْ عَلَى مَا ذَكَرْتَ مِنَ اَلْأُلْفَةِ وَ اَلْجَمَاعَةِ فَفَرَّقَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ أَمْسِ أَنَّا آمَنَّا وَ كَفَرْتُمْ وَ اَلْيَوْمَ أَنَّا اِسْتَقَمْنَا وَ فُتِنْتُمْ وَ مَا أَسْلَمَ مُسْلِمُكُمْ إِلاَّ كَرْهاً وَ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَنْفُ اَلْإِسْلاَمِ كُلُّهُ لِرَسُولِ اَللَّهِ ص حَرْباً حِزْباً وَ ذَكَرْتَ أَنِّي قَتَلْتُ طَلْحَةَ وَ اَلزُّبَيْرَ وَ شَرَّدْتُ بِعَائِشَةَ وَ نَزَلْتُ بَيْنَ اَلْمِصْرَيْنِ وَ ذَلِكَ أَمْرٌ غِبْتَ عَنْهُ فَلاَ عَلَيْكَ وَ لاَ اَلْعُذْرُ فِيهِ إِلَيْكَ وَ ذَكَرْتَ أَنَّكَ زَائِرِي فِي جَمْعِ اَلْمُهَاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصَارِ وَ قَدِ اِنْقَطَعَتِ اَلْهِجْرَةُ يَوْمَ أُسِرَ أَخُوكَ فَإِنْ كَانَ فِيكَ فِيهِ عَجَلٌ فَاسْتَرْفِهْ فَإِنِّي إِنْ أَزُرْكَ فَذَلِكَ جَدِيرٌ أَنْ يَكُونَ اَللَّهُ إِنَّمَا بَعَثَنِي إِلَيْكَ لِلنِّقْمَةِ مِنْكَ وَ إِنْ تَزُرْنِي فَكَمَا قَالَ أَخُو بَنِي أَسَدٍ

مُسْتَقْبِلِينَ رِيَاحَ اَلصَّيْفِ تَضْرِبُهُمْ

بِحَاصِبٍ بَيْنَ أَغْوَارٍ وَ جُلْمُودِ

وَ عِنْدِي اَلسَّيْفُ اَلَّذِي أَعْضَضْتُهُ بِجَدِّكَ وَ خَالِكَ وَ أَخِيكَ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ فَإِنَّكَ وَ إِنَّكَ وَ اَللَّهِ مَا عَلِمْتُ اَلْأَغْلَفُ اَلْقَلْبِ اَلْمُقَارِبُ اَلْعَقْلِ وَ اَلْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَكَ إِنَّكَ رَقِيتَ سُلَّماً أَطْلَعَكَ مَطْلَعَ سُوءٍ عَلَيْكَ لاَ لَكَ لِأَنَّكَ نَشَدْتَ غَيْرَ ضَالَّتِكَ وَ رَعَيْتَ غَيْرَ سَائِمَتِكَ وَ طَلَبْتَ أَمْراً لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَ لاَ فِي مَعْدِنِهِ فَمَا أَبْعَدَ قَوْلَكَ مِنْ فِعْلِكَ

٢٥٠

وَ قَرِيبٌ مَا أَشْبَهْتَ مِنْ أَعْمَامٍ وَ أَخْوَالٍ حَمَلَتْهُمُ اَلشَّقَاوَةُ وَ تَمَنِّي اَلْبَاطِلِ عَلَى اَلْجُحُودِ بِمُحَمَّدٍ ص فَصُرِعُوا مَصَارِعَهُمْ حَيْثُ عَلِمْتَ لَمْ يَدْفَعُوا عَظِيماً وَ لَمْ يَمْنَعُوا حَرِيماً بِوَقْعِ سُيُوفٍ مَا خَلاَ مِنْهَا اَلْوَغَى وَ لَمْ تُمَاشِهَا اَلْهُوَيْنَى وَ قَدْ أَكْثَرْتَ فِي قَتَلَةِ عُثْمَانَ فَادْخُلْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ اَلنَّاسُ ثُمَّ حَاكِمِ اَلْقَوْمَ إِلَيَّ أَحْمِلْكَ وَ إِيَّاهُمْ عَلَى كِتَابِ اَللَّهِ تَعَالَى وَ أَمَّا تِلْكَ اَلَّتِي تُرِيدُ فَإِنَّهَا خُدْعَةُ اَلصَّبِيِّ عَنِ اَللَّبَنِ فِي أَوَّلِ اَلْفِصَالِ وَ اَلسَّلاَمُ لِأَهْلِهِ

كتاب معاوية إلى علي

أما الكتاب الذي كتبه إليه معاوية و هذا الكتاب جوابه فهو من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فإنا بني عبد مناف لم نزل ننزع من قليب واحد و نجري في حلبة واحدة ليس لبعضنا على بعض فضل و لا لقائمنا على قاعدنا فخر كلمتنا مؤتلفة و ألفتنا جامعة و دارنا واحدة يجمعنا كرم العرق و يحوينا شرف النجار و يحنو قوينا على ضعيفنا و يواسي غنينا فقيرنا قد خلصت قلوبنا من وغل الحسد و طهرت أنفسنا من خبث النية فلم نزل كذلك حتى كان منك ما كان من الإدهان في أمر ابن عمك و الحسد له و نصرة الناس عليه حتى قتل بمشهد منك لا تدفع عنه بلسان و لا يد فليتك

٢٥١

أظهرت نصره حيث أسررت خبره فكنت كالمتعلق بين الناس بعذر و إن ضعف و المتبرئ من دمه بدفع و إن وهن و لكنك جلست في دارك تدس إليه الدواهي و ترسل إليه الأفاعي حتى إذا قضيت وطرك منه أظهرت شماتة و أبديت طلاقة و حسرت للأمر عن ساعدك و شمرت عن ساقك و دعوت الناس إلى نفسك و أكرهت أعيان المسلمين على بيعتك ثم كان منك بعد ما كان من قتلك شيخي المسلمين أبي محمد طلحة و أبي عبد الله الزبير و هما من الموعودين بالجنة و المبشر قاتل أحدهما بالنار في الآخرة هذا إلى تشريدك بأم المؤمنين عائشة و إحلالها محل الهون متبذلة بين أيدي الأعراب و فسقة أهل الكوفة فمن بين مشهر لها و بين شامت بها و بين ساخر منها ترى ابن عمك كان بهذه لو رآه راضيا أم كان يكون عليك ساخطا و لك عنه زاجرا أن تؤذي أهله و تشرد بحليلته و تسفك دماء أهل ملته ثم تركك دار الهجرة التي

قال رسول الله ص عنها إن المدينة لتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد فلعمري لقد صح وعده و صدق قوله و لقد نفت خبثها و طردت عنها من ليس بأهل أن يستوطنها فأقمت بين المصرين و بعدت عن بركة الحرمين و رضيت بالكوفة بدلا من المدينة و بمجاورة الخورنق و الحيرة عوضا من مجاورة خاتم النبوة و من قبل ذلك ما عبت خليفتي رسول الله ص أيام حياتهما فقعدت عنهما و ألبت عليهما و امتنعت من بيعتهما و رمت أمرا لم يرك الله تعالى له أهلا و رقيت سلما وعرا و حاولت مقاما دحضا و ادعيت ما لم تجد عليه ناصرا و لعمري لو وليتها حينئذ لما ازدادت إلا فسادا و اضطرابا و لا أعقبت ولايتكها إلا انتشارا و ارتدادا لأنك الشامخ بأنفه الذاهب بنفسه المستطيل على الناس بلسانه و يده و ها أنا سائر إليك في جمع

٢٥٢

من المهاجرين و الأنصار تحفهم سيوف شامية و رماح قحطانية حتى يحاكموك إلى الله فانظر لنفسك و للمسلمين و ادفع إلي قتلة عثمان فإنهم خاصتك و خلصاؤك و المحدقون بك فإن أبيت إلا سلوك سبيل اللجاج و الإصرار على الغي و الضلال فاعلم أن هذه الآية إنما نزلت فيك و في أهل العراق معك( وَ ضَرَبَ اَللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اَللَّهِ فَأَذاقَهَا اَللَّهُ لِباسَ اَلْجُوعِ وَ اَلْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ ) . ثم نعود إلى تفسير ألفاظ الفصل و معانيه قال ع لعمري إنا كنا بيتا واحدا في الجاهلية لأنا بنو عبد مناف إلا أن الفرقة بيننا و بينكم حصلت منذ بعث الله محمدا ص فإنا آمنا و كفرتم ثم تأكدت الفرقة اليوم بأنا استقمنا على منهاج الحق و فتنتم ثم قال و ما أسلم من أسلم منكم إلا كرها كأبي سفيان و أولاده يزيد و معاوية و غيرهم من بني عبد شمس قال و بعد أن كان أنف الإسلام محاربا لرسول الله ص أي في أول الإسلام يقال كان ذلك في أنف دولة بني فلان أي في أولها و أنف كل شي‏ء أوله و طرفه و كان أبو سفيان و أهله من بني عبد شمس أشد الناس على رسول الله ص في أول الهجرة إلى أن فتح مكة ثم أجابه عن قوله قتلت طلحة و الزبير و شردت بعائشة و نزلت بين المصرين بكلام مختصر أعرض فيه عنه

٢٥٣

هوانا به فقال هذا أمر غبت عنه فليس عليك كان العدوان الذي تزعم و لا العذر إليك لو وجب على العذر عنه فأما الجواب المفصل فأن يقال إن طلحة و الزبير قتلا أنفسهما ببغيهما و نكثهما و لو استقاما على الطريقة لسلما و من قتله الحق فدمه هدر و أما كونهما شيخين من شيوخ الإسلام فغير مدفوع و لكن العيب يحدث و أصحابنا يذهبون إلى أنهما تابا و فارقا الدنيا نادمين على ما صنعا و كذلك نقول نحن فإن الأخبار كثرت بذلك فهما من أهل الجنة لتوبتهما و لو لا توبتهما لكانا هالكين كما هلك غيرهما فإن الله تعالى لا يحابي أحدا في الطاعة و التقوى( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى‏ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) . و أما الوعد لهما بالجنة فمشروط بسلامة العاقبة و الكلام في سلامتهما و إذا ثبتت توبتهما فقد صح الوعد لهما و تحقق و قوله بشر قاتل ابن صفية بالنار فقد اختلف فيه فقال قوم من أرباب السير و علماء الحديث هو كلام أمير المؤمنين ع غير مرفوع و قوم منهم جعلوه مرفوعا و على كل حال فهو حق لأن ابن جرموز قلته موليا خارجا من الصف مفارقا للحرب فقد قتله على توبة و إنابة و رجوع من الباطل و قاتل من هذه حاله فاسق مستحق للنار و أما أم المؤمنين عائشة فقد صحت توبتها و الأخبار الواردة في توبتها أكثر من الأخبار الواردة في توبة طلحة و الزبير لأنها عاشت زمانا طويلا و هما لم يبقيا و الذي جرى لها كان خطأ منها فأي ذنب لأمير المؤمنين ع في ذلك و لو أقامت في منزلها لم تبتذل بين الأعراب و أهل الكوفة على أن أمير المؤمنين ع أكرمها و صانها و عظم من شأنها و من أحب أن يقف على ما فعله معها فليطالع كتب السيرة و لو كانت فعلت بعمر ما فعلت به و شقت عصا الأمة عليه ثم ظفر بها لقتلها و مزقها إربا إربا و لكن عليا كان حليما كريما

٢٥٤

و أما قوله لو عاش رسول الله ص فبربك هل كان يرضى لك أن تؤذي حليلته فلعلي ع أن يقلب الكلام عليه فيقول أ فتراه لو عاش أ كان يرضى لحليلته أن تؤذي أخاه و وصيه و أيضا أ تراه لو عاش أ كان يرضى لك يا ابن أبي سفيان أن تنازع عليا الخلافة و تفرق جماعة هذه الأمة و أيضا أ تراه لو عاش أ كان يرضى لطلحة و الزبير أن يبايعا ثم ينكثا لا لسبب بل قالا جئنا نطلب الدراهم فقد قيل لنا إن بالبصرة أموالا كثيرة هذا كلام يقوله مثلهما فأما قوله تركت دار الهجرة فلا عيب عليه إذا انقضت عليه أطراف الإسلام بالبغي و الفساد أن يخرج من المدينة إليها و يهذب أهلها و ليس كل من خرج من المدينة كان خبثا فقد خرج عنها عمر مرارا إلى الشام ثم لعلي ع أن يقلب عليه الكلام فيقول له و أنت يا معاوية فقد نفتك المدينة أيضا عنها فأنت إذا خبث و كذلك طلحة و الزبير و عائشة الذين تتعصب لهم و تحتج على الناس بهم و قد خرج عن المدينة الصالحون كابن مسعود و أبي ذر و غيرهما و ماتوا في بلاد نائية عنها و أما قوله بعدت عن حرمة الحرمين و مجاورة قبر رسول الله ص فكلام إقناعي ضعيف و الواجب على الإمام أن يقدم الأهم فالأهم من مصالح الإسلام و تقديم قتال أهل البغي على المقام بين الحرمين أولى فأما ما ذكره من خذلانه عثمان و شماتته به و دعائه الناس بعد قتله إلى نفسه و إكراهه طلحة و الزبير و غيرهما على بيعته فكله دعوى و الأمر بخلافها و من نظر كتب السير عرف أنه قد بهته و ادعى عليه ما لم يقع منه و أما قوله التويت على أبي بكر و عمر و قعدت عنهما و حاولت الخلافة بعد رسول الله ص فإن عليا ع لم يكن يجحد ذلك و لا ينكره و لا ريب

٢٥٥

أنه كان يدعى الأمر بعد وفاة رسول الله ص لنفسه على الجملة أما لنص كما تقوله الشيعة أو لأمر آخر كما يقوله أصحابنا فأما قوله لو وليتها حينئذ لفسد الأمر و اضطرب الإسلام فهذا علم غيب لا يعلمه إلا الله و لعله لو وليها حينئذ لاستقام الأمر و صلح الإسلام و تمهد فإنه ما وقع الاضطراب عند ولايته بعد عثمان إلا لأن أمره هان عندهم بتأخره عن الخلافة و تقدم غيره عليه فصغر شأنه في النفوس و قرر من تقدمه في قلوب الناس أنه لا يصلح لها كل الصلاحية و الناس على ما يحصل في نفوسهم و لو كان وليها ابتداء و هو على تلك الحالة التي كان عليها أيام حياة رسول الله ص و تلك المنزلة الرفيعة و الاختصاص الذي كان له لكان الأمر غير الذي رأيناه عند ولايته بعد عثمان و أما قوله لأنك الشامخ بأنفه الذاهب بنفسه فقد أسرف في وصفه بما وصفه به و لا شك أن عليا ع كان عنده زهو لكن لا هكذا و كان ع مع زهوه ألطف الناس خلقا ثم نرجع إلى تفسير ألفاظه ع قوله و ذكرت أنك زائري في جمع من المهاجرين و الأنصار و قد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك هذا الكلام تكذيب له في قوله في جمع من المهاجرين و الأنصار أي ليس معك مهاجر لأن أكثر من معك ممن رأى رسول الله ص هم أبناء الطلقاء و من أسلم بعد الفتح و قد قال النبي ص لا هجرة بعد الفتح و عبر عن يوم الفتح بعبارة حسنة فيها تقريع لمعاوية و أهله بالكفر و أنهم ليسوا من ذوي السوابق فقال قد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك يعني يزيد بن أبي سفيان أسر يوم الفتح في باب الخندمة و كان خرج في نفر من قريش يحاربون و يمنعون

٢٥٦

من دخول مكة فقتل منهم قوم و أسر يزيد بن أبي سفيان أسره خالد بن الوليد فخلصه أبو سفيان منه و أدخله داره فأمن لأن رسول الله ص قال يومئذ من دخل دار أبي سفيان فهو آمن

ذكر الخبر عن فتح مكة

و يجب أن نذكر في هذا الموضع ملخص ما ذكره الواقدي في كتاب المغازي في فتح مكة فإن الموضع يقتضيه لقوله ع ما أسلم مسلمكم إلا كرها و قوله يوم أسر أخوك قال محمد بن عمر الواقدي في كتاب المغازي كان رسول الله ص قد هادن قريشا في عام الحديبية عشر سنين و جعل خزاعة داخلة معه و جعلت قريش بني بكر بن عبد مناة من كنانة داخلة معهم و كان بين بني بكر و بين خزاعة تراث في الجاهلية و دماء و قد كانت خزاعة من قبل حالفت عبد المطلب بن هاشم و كان معها كتاب منه و كان رسول الله ص يعرف ذلك فلما تم صلح الحديبية و أمن الناس سمع غلام من خزاعة إنسانا من بني كنانة يقال له أنس بن زنيم الدؤلي ينشد هجاء له في رسول الله ص فضربه فشجه فخرج أنس إلى قومه فأراهم شجته فثار بينهم الشر و تذاكروا أحقادهم القديمة و القوم مجاورون بمكة فاستنجدت بكر بن عبد مناة قريشا على خزاعة فمن قريش من كره ذلك و قال لا انقض عهد محمد و منهم من خف إليه و كان أبو سفيان أحد من كره ذلك و كان صفوان بن أمية و حويطب بن عبد العزى و مكرز بن حفص

٢٥٧

ممن أعان بني بكر و دسوا إليهم الرجال بالسلاح سرا و بيتوا خزاعة ليلا فأوقعوا بهم فقتلوا منهم عشرين رجلا فلما أصبحوا عاتبوا قريشا فجحدت قريش أنها أعانت بكرا و كذبت في ذلك و تبرأ أبو سفيان و قوم من قريش مما جرى و شخص قوم من خزاعة إلى المدينة مستصرخين برسول الله ص فدخلوا عليه و هو في المسجد فقام عمرو بن سالم الخزاعي فأنشده:

لا هم إني ناشد محمدا

حلف أبينا و أبيه الأتلدا

لكنت والدا و كنا ولدا

ثمت أسلمنا و لم ننزع يدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا

و نقضوا ميثاقك المؤكدا

هم بيتونا بالوتير هجدا

نتلو القران ركعا و سجدا

و زعموا أن لست تدعو أحدا

و هم أذل و أقل عددا

فانصر هداك الله نصرا أيدا

و ادع عباد الله يأتوا مددا

في فيلق كالبحر يجري مزبدا

فيهم رسول الله قد تجردا

قرم لقوم من قروم أصيدا

ثم ذكروا له ما أثار الشر و قالوا له إن أنس بن زنيم هجاك و إن صفوان بن أمية و فلانا و فلانا دسوا إلينا رجال قريش مستنصرين فبيتونا بمنزلنا بالوتير فقتلونا و جئناك مستصرخين بك فزعموا أن رسول الله ص قام مغضبا يجر رداءه و يقول لا نصرت إن لم أنصر خزاعة فيما أنصر منه نفسي

٢٥٨

قلت فصادف ذلك من رسول الله ص إيثارا و حبا لنقض العهد لأنه كان يريد أن يفتح مكة و هم بها في عام الحديبية فصد ثم هم بها في عمرة القضية ثم وقف لأجل العهد و الميثاق الذي كان عقده معهم فلما جرى ما جرى على خزاعة اغتنمها قال الواقدي فكتب إلى جميع الناس في أقطار الحجاز و غيرها يأمرهم أن يكونوا بالمدينة في رمضان من سنة ثمان للهجرة فوافته الوفود و القبائل من كل جهة فخرج من المدينة بالناس يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان في عشرة آلاف فكان المهاجرون سبعمائة و معهم من الخيل ثلاثمائة فرس و كانت الأنصار أربعة آلاف معهم من الخيل خمسمائة و كانت مزينة ألفا فيها من الخيل مائة فرس و كانت أسلم أربعمائة فيها من الخيل ثلاثون فرسا و كانت جهينة ثمانمائة معها خمسون فرسا و من سائر الناس تمام عشرة آلاف و هم بنو ضمرة و بنو غفار و أشجع و بنو سليم و بنو كعب بن عمرو و غيرهم و عقد للمهاجرين ثلاثة ألوية لواء مع علي و لواء مع الزبير و لواء مع سعد بن أبي وقاص و كانت الرايات في الأنصار و غيرهم و كتم عن الناس الخبر فلم يعلم به إلا خواصه و أما قريش بمكة فندمت على ما صنعت بخزاعة و عرفت أن ذلك انقضاء ما بينهم و بين النبي ص من العهد و مشى الحارث بن هشام و عبد الله بن أبي ربيعة إلى أبي سفيان فقالا له إن هذا أمر لا بد له أن يصلح و الله إن لم يصلح لا يروعكم إلا محمد في أصحابه و قال أبو سفيان قد رأت هند بنت عتبة رؤيا كرهتها و أفظعتها و خفت من شرها قالوا ما رأت قال رأت كان دما أقبل من الحجون يسيل حتى وقف بالخندمة مليا ثم كان ذلك الدم لم يكن فكره القوم ذلك و قالوا هذا شر قال الواقدي فلما رأى أبو سفيان ما رأى من الشر قال هذا و الله أمر لم أشهده

٢٥٩

و لم أغب عنه لا يحمل هذا إلا علي و لا و الله ما شوورت و لا هونت حيث بلغني و الله ليغزونا محمد إن صدق ظني و هو صادق و ما لي بد أن آتي محمدا فأكلمه أن يزيد في الهدنة و يجدد العهد قبل أن يبلغه هذا الأمر قالت قريش قد و الله أصبت و ندمت قريش على ما صنعت بخزاعة و عرفت أن رسول الله ص لا بد أن يغزوها فخرج أبو سفيان و خرج معه مولى له على راحلتين و أسرع السير و هو يرى أنه أول من خرج من مكة إلى رسول الله ص قال الواقدي و قد روى الخبر على وجه آخر و هو أنه لما قدم ركب خزاعة على رسول الله ص فأخبروه بمن قتل منهم قال لهم بمن تهمتكم و طلبتكم قالوا بنو بكر بن عبد مناة قال كلها قالوا لا و لكن تهمتنا بنو نفاثة قصرة و رأسهم نوفل بن معاوية النفاثي فقال هذا بطن من بكر فأنا باعث إلى أهل مكة فسائلهم عن هذا الأمر و مخيرهم في خصال فبعث إليهم ضمرة يخيرهم بين إحدى خلال ثلاث بين أن يدوا خزاعة أو يبرءوا من حلف نفاثة أو ينبذ إليهم على سواء فأتاهم ضمرة فخيرهم بين الخلال الثلاث فقال قريظة بن عبد عمرو الأعمى أما أن ندي قتلى خزاعة فإنا إن وديناهم لم يبق لنا سبد و لا لبد و أما أن نبرأ من حلف نفاثة فإنه ليس قبيلة تحج هذا البيت أشد تعظيما له من نفاثة و هم حلفاؤنا فلا نبرأ من حلفهم و لكنا ننبذ إليه على سواء فعاد ضمرة إلى رسول الله ص بذلك و ندمت قريش أن ردت ضمرة بما ردته به قال الواقدي و قد روي غير ذلك روي أن قريشا لما ندمت على قتل خزاعة و قالت محمد غازينا قال لهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح و هو يومئذ كافر مرتد

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286