كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٧

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 286

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 286
المشاهدات: 43048
تحميل: 5639


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 286 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 43048 / تحميل: 5639
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 17

مؤلف:
العربية

ثم نهاهم أن يعرضوا لمال أحد من المسلمين أو من المعاهدين المعاهد هاهنا هو الذمي أو من يدخل دار الإسلام من بلاد الشرك على عهد إما لأداء رسالة أو لتجارة و نحو ذلك ثم يعود إلى بلاده ثم نهاهم عن الظلم و أخذ أموال الناس على طريق المصادرة و التأويل الباطل قال إلا أن تخافوا غائلة المعاهدين بأن تجدوا عندهم خيولا أو سلاحا و تظنوا منهم وثبة على بلد من بلاد المسلمين فإنه لا يجوز الإغضاء عن ذلك حينئذ قوله و أبلوا في سبيل الله أي اصطنعوا من المعروف في سبيل الله ما استوجب عليكم يقال هو يبلوه معروفا أي يصنعه إليه قال زهير:

جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم

و أبلاهما خير البلاء الذي يبلو

قوله ع قد اصطنعا عندنا و عندكم أن نشكره أي لأن نشكره بلام التعليل و حذفها أي أحسن إلينا لنشكره و حذفها أكثر نحو قوله تعالى( لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ )

٢١

52 و من كتاب له ع إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة

أَمَّا بَعْدُ فَصَلُّوا بِالنَّاسِ اَلظُّهْرَ حَتَّى تَفِي‏ءَ اَلشَّمْسُ مِثْلَ مِنْ مَرْبِضِ اَلْعَنْزِ وَ صَلُّوا بِهِمُ اَلْعَصْرَ وَ اَلشَّمْسُ بَيْضَاءُ حَيَّةٌ فِي عُضْوٍ مِنَ اَلنَّهَارِ حِينَ يُسَارُ فِيهَا فَرْسَخَانِ وَ صَلُّوا بِهِمُ اَلْمَغْرِبَ حِينَ يُفْطِرُ اَلصَّائِمُ وَ يَدْفَعُ اَلْحَاجُّ إِلَى مِنًى وَ صَلُّوا بِهِمُ اَلْعِشَاءَ حِينَ يَتَوَارَى اَلشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اَللَّيْلِ وَ صَلُّوا بِهِمُ اَلْغَدَاةَ وَ اَلرَّجُلُ يَعْرِفُ وَجْهَ صَاحِبِهِ وَ صَلُّوا بِهِمْ صَلاَةَ أَضْعَفِهِمْ وَ لاَ تَكُونُوا فَتَّانِينَ

بيان اختلاف الفقهاء في أوقات الصلاة

قد اختلف الفقهاء في أوقات الصلاة فقال أبو حنيفة أول وقت الفجر إذا طلع الفجر الثاني و هو المعترض في الأفق و آخر وقتها ما لم تطلع الشمس و أول وقت الظهر إذا زالت الشمس و آخر وقتها إذا صار ظل كل شي‏ء مثليه سوى الزوال و قال أبو يوسف و محمد آخر وقتها إذا صار الظل مثله قال أبو حنيفة و أول وقت العصر إذا خرج وقت الظهر و هذا على القولين و آخر وقتها ما لم تغرب الشمس و أول وقت المغرب إذا غربت الشمس و آخر وقتها

٢٢

ما لم يغب الشفق و هو البياض الذي في الأفق بعد الحمرة و قال أبو يوسف و محمد هو الحمرة قال أبو حنيفة و أول وقت العشاء إذا غاب الشفق و هذا على القولين و آخر وقتها ما لم يطلع الفجر و قال الشافعي أول وقت الفجر إذا طلع الفجر الثاني و لا يزال وقتها المختار باقيا إلى أن يسفر ثم يبقى وقت الجواز إلى طلوع الشمس و قال أبو سعيد الإصطخري من الشافعية لا يبقى وقت الجواز بل يخرج وقتها بعد الإسفار و يصلى قضاء و لم يتابعه على هذا القول أحد قال الشافعي و أول وقت الظهر إذا زالت الشمس و حكى أبو الطيب الطبري من الشافعية أن من الناس من قال لا تجوز الصلاة حتى يصير الفي‏ء بعد الزوال مثل الشراك و قال مالك أحب أن يؤخر الظهر بعد الزوال بقدر ما يصير الظل ذراعا و هذا مطابق لما قال أمير المؤمنين ع حين تفي‏ء الشمس كمربض العنز أي كموضع تربض العنز و ذلك نحو ذراع أو أكثر بزيادة يسيرة قال الشافعي و آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شي‏ء مثله و يعتبر المثل من حد الزيادة على الظل الذي كان عند الزوال و بهذا القول قال أبو يوسف و محمد و قد حكيناه من قبل و به أيضا قال الثوري و أحمد و هو رواية الحسن بن زياد اللؤلؤي عن أبي حنيفة فأما الرواية المشهورة عنه و هي التي رواها أبو يوسف فهو أن آخر وقت الظهر صيرورة الظل مثليه و قد حكيناه عنه فيما تقدم و قال ابن المنذر تفرد أبو حنيفة بهذا القول و عن أبي حنيفة رواية ثالثة أنه إذا صار ظل كل شي‏ء مثله خرج وقت الظهر و لم يدخل وقت العصر إلى أن يصير ظل كل شي‏ء مثليه

٢٣

و قال أبو ثور و محمد بن جرير الطبري قدر أربع ركعات بين المثل و المثلين يكون مشتركا بين الظهر و العصر و حكي عن مالك أنه قال إذا صار ظل كل شي‏ء مثله فهو آخر وقت الظهر و أول وقت العصر فإذا زاد على المثل زيادة بينة خرج وقت الظهر و اختص الوقت بالعصر و حكى ابن الصباغ من الشافعية عن مالك أن وقت الظهر إلى أن يصير ظل كل شي‏ء مثله وقتا مختارا فأما وقت الجواز و الأداء فآخره إلى أن يبقى إلى غروب الشمس قدر أربع ركعات و هذا القول مطابق لمذهب الإمامية و قال ابن جريج و عطاء لا يكون مفرطا بتأخيرها حتى تكون في الشمس صفرة و عن طاوس لا يفوت حتى الليل فأما العصر فإن الشافعي يقول إذا زاد على المثل أدنى زيادة فقد دخل وقت العصر و الخلاف في ذلك بينه و بين أبي حنيفة لأنه يقول أول وقت العصر إذا صار ظل كل شي‏ء مثليه و زاد عليه أدنى زيادة و قد حكيناه عنه فيما تقدم و كلام أمير المؤمنين ع في العصر مطابق لمذهب أبي حنيفة لأن بعد صيرورة الظل مثليه هو الوقت الذي تكون فيه الشمس حية بيضاء في عضو من النهار حين يسار فيه فرسخان و أما قبل ذلك فإنه فوق ذلك يسار من الفراسخ أكثر من ذلك و لا يزال وقت الاختيار عند الشافعي للعصر باقيا حتى يصير ظل كل شي‏ء مثليه ثم يبقى وقت الجواز إلى غروب الشمس و قال أبو سعيد الإصطخري من أصحابه يصير قضاء بمجاوزة المثلين فأما وقت المغرب فإذا غربت الشمس و غروبها سقوط القرص و قال أبو الحسن علي بن حبيب الماوردي من الشافعية لا بد أن يسقط القرص و يغيب

٢٤

حاجب الشمس و هو الضياء المستعلي عليها كالمتصل بها و لم يذكر ذلك من الشافعية أحد غيره و ذكر الشاشي في كتاب حلية العلماء أن الشيعة قالت أول وقت المغرب إذا اشتبكت النجوم قال قد حكي هذا عنهم و لا يساوي الحكاية و لم تذهب الشيعة إلى هذا و سنذكر قولهم فيما بعد و كلام أمير المؤمنين ع في المغرب لا ينص على وقت معين لأنه عرف ذلك بكونه وقت الإفطار و وقت ما يدفع الحاج و كلا الأمرين يحتاج إلى تعريف كما يحتاج وقت الصلاة اللهم إلا أن يكون قد عرف أمراء البلاد الذين يصلون بالناس من قبل هذا الكتاب متى هذا الوقت الذي يفطر فيه الصائم ثم يدفع فيه الحاج بعينه ثم يحيلهم في هذا الكتاب على ذلك التعريف المخصوص قال الشافعي و للمغرب وقت واحد و هو قول مالك و حكى أبو ثور عن الشافعي أن لها وقتين و آخر وقتها إذا غاب الشفق و ليس بمشهور عنه و المشهور القول الأول و قد ذكرنا قول أبي حنيفة فيما تقدم و هو امتداد وقتها إلى أن يغيب الشفق و به قال أحمد و داود و اختلف أصحاب الشافعي في مقدار الوقت الواحد فمنهم من قال هو مقدر بقدر الطهارة و ستر العورة و الأذان و الإقامة و فعل ثلاث ركعات و منهم من قدره بغير ذلك و قال أبو إسحاق الشيرازي منهم التضييق إنما هو في الشروع فأما الاستدامة فتجوز إلى مغيب الشفق فأما وقت العشاء فقال الشافعي هو أن يغيب الشفق و هو الحمرة و هو قول مالك و أحمد و داود و أبي يوسف و محمد و قد حكينا مذهب أبي حنيفة فيما تقدم و هو أن يغيب الشفق الذي هو البياض و به قال زفر و المزني

٢٥

قال الشافعي و آخر وقتها المختار إلى نصف الليل هذا هو قوله القديم و هو مذهب أبي حنيفة و قال في الجديد إلى ثلث الليل و يجب أن يحمل قول أمير المؤمنين ع في العشاء إنها إلى ثلث الليل على وقت الاختيار ليكون مطابقا لهذا القول و به قال مالك و إحدى الروايتين عن أحمد ثم يذهب وقت الاختيار و يبقى وقت الجواز إلى طلوع الفجر الثاني و قال أبو سعيد الإصطخري لا يبقى وقت الجواز بعد نصف الليل بل يصير قضاء فقد ذكرنا مذهبي أبي حنيفة و الشافعي في الأوقات و هما الإمامان المعتبران في الفقه و دخل في ضمن حكاية مذهب الشافعي ما يقوله مالك و أحمد و غيرهما من الفقهاء فأما مذهب الإمامية من الشيعة فنحن نذكره نقلا عن كتاب أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمانرحمه‌الله المعروف بالرسالة المقنعة قال وقت الظهر من بعد زوال الشمس إلى أن يرجع الفي‏ء سبعي الشخص و علامة الزوال رجوع الفي‏ء بعد انتهائه إلى النقصان و طريق معرفة ذلك بالأصطرلاب أو ميزان الشمس و هو معروف عند كثير من الناس أو بالعمود المنصوب في الدائرة الهندية أيضا فمن لم يعرف حقيقة العمل بذلك أو لم يجد آلته فلينصب عودا من خشب أو غيره في أرض مستوية السطح و يكون أصل العود غليظا و رأسه دقيقا شبه المذري الذي ينسج به التكك أو المسلة التي تخاط بها الأحمال فإن ظل هذا العود يكون بلا شك في أول النهار أطول من العود و كلما ارتفعت الشمس نقص من طوله حتى يقف القرص في وسط السماء فيقف الفي‏ء حينئذ فإذا زال القرص عن الوسط إلى جهة المغرب رجع الفي‏ء إلى الزيادة فليعتبر من أراد الوقوف على وقت الزوال ذلك بخطط و علامات يجعلها على رأس ظل العود عند وضعه

٢٦

في صدر النهار و كلما نقص في الظل شي‏ء علم عليه فإذا رجع إلى الزيادة على موضع العلامة عرف حينئذ برجوعه أن الشمس قد زالت و بذلك تعرف أيضا القبلة فإن قرص الشمس يقف فيها وسط النهار و يصير عن يسارها و يمين المتوجه إليها بعد وقوفها و زوالها عن القطب فإذا صارت مما يلي حاجبه الأيمن من بين عينيه علم أنها قد زالت و عرف أن القبلة تلقاء وجهه و من سبقت معرفته بجهة القبلة فهو يعرف زوال الشمس إذا توجه إليها فرأى عين الشمس مما يلي حاجبه الأيمن إلا أن ذلك لا يبين إلا بعد زوالها بزمان و يبين الزوال من أول وقته بما ذكرناه من الأصطرلاب و ميزان الشمس و الدائرة الهندية و العمود الذي وصفناه و من لم يحصل له معرفة ذلك أو فقد الآلة توجه إلى القبلة فاعتبر صيرورة الشمس على طرف حاجبه الأيمن وقت العصر من بعد الفراغ من الظهر إذا صليت الظهر في أول أوقاتها أعني بعد زوال الشمس بلا فصل و يمتد إلى أن يتغير لون الشمس باصفرارها للغروب و للمضطر و الناسي إلى مغيبها بسقوط القرص عما تبلغه أبصارنا من السماء و أول وقت المغرب مغيب الشمس و علامة مغيبها عدم الحمرة في المشرق المقابل للمغرب في السماء و ذلك أن المشرق في السماء مطل على المغرب فما دامت الشمس ظاهرة فوق أرضنا فهي تلقى ضوءها على المشرق في السماء فيرى حمرتها فيه فإذا ذهبت الحمرة منه علم أن القرص قد سقط و غاب و آخره أول وقت العشاء الآخرة و أول وقتها مغيب الشمس و هو الحمرة في المغرب و آخره مضي الثلث الأول من الليل و أول وقت الغداة اعتراض الفجر و هو البياض في المشرق يعقبه الحمرة في مكانه و يكون مقدمة لطلوع الشمس على الأرض من السماء و ذلك أن الفجر الأول و هو البياض الظاهر في المشرق يطلع طولا ثم ينعكس بعد مدة عرضا ثم يحمر الأفق بعده للشمس

٢٧

و لا ينبغي للإنسان أن يصلي فريضة الغداة حتى يعترض البياض و ينتشر صعدا في السماء كما ذكرنا و آخر وقت الغداة طلوع الشمس هذا ما تقوله الفقهاء في مواقيت الصلاة فأما قوله ع و الرجل يعرف وجه صاحبه فمعناه الإسفار و قد ذكرناه و قوله ع و صلوا بهم صلاة أضعفهم أي لا تطيلوا بالقراءة الكثيرة و الدعوات الطويلة ثم قال و لا تكونوا فتانين أي لا تفتنوا الناس بإتعابهم و إدخال المشقة عليهم بإطالة الصلاة و إفساد صلاة المأمومين بما يفعلونه من أفعال مخصوصة نحو أن يحدث الإمام فيستخلف فيصلي الناس خلف خليفته فإن ذلك لا يجوز على أحد قولي الشافعي و نحو أن يطيل الإمام الركوع و السجود فيظن المأمومون أنه قد رفع فيرفعون أو يسبقونه بأركان كثيرة و نحو ذلك من مسائل يذكرها الفقهاء في كتبهم و اعلم أن أمير المؤمنين ع إنما بدأ بصلاة الظهر لأنها أول فريضة افترضت على المكلفين من الصلاة على ما كان يذهب إليه ع و إلى ذلك تذهب الإمامية و ينصر قولهم تسميتها بالأولى و لهذا بدأ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بذكرها قبل غيرها فأما من عدا هؤلاء فأول الصلاة المفروضة عندهم الصبح و هي أول النهار و أيضا يتفرع على هذا البحث القول في الصلاة الوسطى ما هي فذهب جمهور

٢٨

الناس إلى أنها العصر لأنها بين صلاتي نهار و صلاتي ليل و قد رووا أيضا في ذلك روايات بعضها في الصحاح و قياس مذهب الإمامية أنها المغرب لأن الظهر إذا كانت الأولى كانت المغرب الوسطى إلا أنهم يروون عن أئمتهم ع أنها الظهر و يفسرون الوسطى بمعنى الفضلى لأن الوسط في اللغة هو خيار كل شي‏ء و منه قوله تعالى( جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) و قد ذهب إلى أنها المغرب قوم من الفقهاء أيضا و قال كثير من الناس أنها الصبح لأنها أيضا بين صلاتي ليل و صلاتي نهار و رووا أيضا فيها روايات و هو مذهب الشافعي و من الناس من قال إنها الظهر كقول الإمامية و لم يسمع عن أحد معتبرا أنها العشاء إلا قولا شاذا ذكره بعضهم و قال لأنها بين صلاتين لا تقصران

٢٩

53 و من كتاب له ع كتبه للأشتر النخعيرحمه‌الله لما ولاه على مصر و أعمالها

حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر و هو أطول عهد كتبه و أجمعه للمحاسن : بِسْمِ اَللَّهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اَللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ اَلْحَارِثِ اَلْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلاَّهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وَ جِهَادَ عَدُوِّهَا وَ اِسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا وَ عِمَارَةَ بِلاَدِهَا أَمَرَهُ بِتَقْوَى اَللَّهِ وَ إِيْثَارِ طَاعَتِهِ وَ اِتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَ سُنَنِهِ اَلَّتِي لاَ يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا وَ لاَ يَشْقَى إِلاَّ مَعَ جُحُودِهَا وَ إِضَاعَتِهَا وَ أَنْ يَنْصُرَ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ بِيَدِهِ وَ قَلْبِهِ بِقَلْبِهِ وَ يَدِهِ وَ لِسَانِهِ فَإِنَّهُ جَلَّ اِسْمُهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ وَ إِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ نَفْسَهُ مِنَ اَلشَّهَوَاتِ وَ يَنْزَعَهَا يَزَعَهَا عِنْدَ اَلْجَمَحَاتِ فَإِنَّ اَلنَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ اَللَّهُ ثُمَّ اِعْلَمْ يَا مَالِكُ أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلاَدٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ مِنْ عَدْلٍ وَ جَوْرٍ وَ أَنَّ اَلنَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ

٣٠

اَلْوُلاَةِ قَبْلَكَ وَ يَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُهُ تَقُولُ فِيهِمْ وَ إِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى اَلصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اَللَّهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ فَلْيَكُنْ أَحَبَّ اَلذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ اَلْعَمَلِ اَلصَّالِحِ فَامْلِكْ هَوَاكَ وَ شُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَكَ فَإِنَّ اَلشُّحَّ بِالنَّفْسِ اَلْإِنْصَافُ مِنْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ نصرة الله باليد الجهاد بالسيف و بالقلب الاعتقاد للحق و باللسان قول الحق و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قد تكفل الله بنصرة من نصره لأنه تعالى قال( وَ لَيَنْصُرَنَّ اَللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) . و الجمحات منازعة النفس إلى شهواتها و مآربها و نزعها بكفها ثم قال له قد كنت تسمع أخبار الولاة و تعيب قوما و تمدح قوما و سيقول الناس في إمارتك الآن نحو ما كنت تقول في الأمراء فاحذر أن تعاب و تذم كما كنت تعيب و تذم من يستحق الذم ثم قال إنما يستدل على الصالحين بما يكثر سماعه من ألسنة الناس بمدحهم و الثناء عليهم و كذلك يستدل على الفاسقين بمثل ذلك و كان يقال ألسنة الرعية أقلام الحق سبحانه إلى الملوك ثم أمره أن يشح بنفسه و فسر له الشح ما هو فقال إن تنتصف منها فيما أحبت

٣١

و كرهت أي لا تمكنها من الاسترسال في الشهوات و كن أميرا عليها و مسيطرا و قامعا لها من التهور و الانهماك فإن قلت هذا معنى قوله فيما أحبت فما معنى قوله و كرهت قلت لأنها تكره الصلاة و الصوم و غيرهما من العبادات الشرعية و من الواجبات العقلية و كما يجب أن يكون الإنسان مهيمنا عليها في طرف الفعل يجب أن يكون مهيمنا عليها في طرف الترك : وَ أَشْعِرْ قَلْبَكَ اَلرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَ اَلْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَ اَللُّطْفَ بِهِمْ وَ لاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي اَلدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي اَلْخَلْقِ يَفْرُطُ مِنْهُمُ اَلزَّلَلُ وَ تَعْرِضُ لَهُمُ اَلْعِلَلُ وَ يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي اَلْعَمْدِ وَ اَلْخَطَإِ فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَ صَفْحِكَ مِثْلِ اَلَّذِي تُحِبُّ وَ تَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اَللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَ صَفْحِهِ فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَ وَالِي اَلْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ وَ اَللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ وَ قَدِ اِسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَ اِبْتَلاَكَ بِهِمْ وَ لاَ تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اَللَّهِ فَإِنَّهُ لاَ يَدَيْ يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ وَ لاَ غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَ رَحْمَتِهِ وَ لاَ تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْوٍ وَ لاَ تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ وَ لاَ تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ عَنْهَا مِنْهَا مَنْدُوحَةً وَ لاَ تَقُولَنَّ إِنِّي مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْغَالٌ فِي اَلْقَلْبِ وَ مَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ وَ تَقَرُّبٌ مِنَ اَلْغِيَرِ

٣٢

وَ إِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اَللَّهِ فَوْقَكَ وَ قُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مَا لاَ تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ وَ يَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ وَ يَفِي‏ءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ إِيَّاكَ وَ مُسَامَاةَ اَللَّهِ فِي عَظَمَتِهِ وَ اَلتَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ فَإِنَّ اَللَّهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ وَ يُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ أشعر قلبك الرحمة أي اجعلها كالشعار له و هو الثوب الملاصق للجسد قال لأن الرعية إما أخوك في الدين أو إنسان مثلك تقتضي رقة الجنسية و طبع البشرية الرحمة له قوله و يؤتى على أيديهم مثل قولك و يؤخذ على أيديهم أي يهذبون و يثقفون يقال خذ على يد هذا السفيه و قد حجر الحاكم على فلان و أخذ على يده ثم قال فنسبتهم إليك كنسبتك إلى الله تعالى و كما تحب أن يصفح الله عنك ينبغي أن تصفح أنت عنهم قوله لا تنصبن نفسك لحرب الله أي لا تبارزه بالمعاصي فإنه لا يدي لك بنقمته اللام مقحمة و المراد الإضافة و نحوه قولهم لا أبا لك قوله و لا تقولن إني مؤمر أي لا تقل إني أمير و وال آمر بالشي‏ء فأطاع

٣٣

و الإدغال الإفساد و منهكة للدين ضعف و سقم ثم أمره عند حدوث الأبهة و العظمة عنده لأجل الرئاسة و الإمرة أن يذكر عظمة الله تعالى و قدرته على إعدامه و إيجاده و إماتته و إحيائه فإن تذكر ذلك يطامن من غلوائه أي يغض من تعظمه و تكبره و يطأطئ منه و الغرب حد السيف و يستعار للسطوة و السرعة في البطش و الفتك قوله و يفي‏ء أي يرجع إليك بما بعد عنك من عقلك و حرف المضارعة مضموم لأنه من أفاء و مساماة الله تعالى مباراته في السمو و هو العلو : أَنْصِفِ اَللَّهَ وَ أَنْصِفِ اَلنَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ وَ مِنْ خَاصَّةً أَهْلِكَ وَ مَنْ لَكَ هَوًى فِيهِ فِيهِ هُدًى مِنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ وَ مَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اَللَّهِ كَانَ اَللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَ مَنْ خَاصَمَهُ اَللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ وَ كَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ وَ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اَللَّهِ وَ تَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَإِنَّ اَللَّهَ يَسْمَعُ سَمِيعٌ دَعْوَةَ اَلْمُضْطَهَدِينَ وَ هُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ وَ لْيَكُنْ أَحَبَّ اَلْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي اَلْحَقِّ وَ أَعَمُّهَا فِي اَلْعَدْلِ وَ أَجْمَعُهَا لِرِضَا لِرِضَى اَلرَّعِيَّةِ فَإِنَّ سُخْطَ اَلْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَا بِرِضَى اَلْخَاصَّةِ وَ إِنَّ سُخْطَ اَلْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَا رِضَى اَلْعَامَّةِ

٣٤

وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ اَلرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى اَلْوَالِي مَئُونَةً فِي اَلرَّخَاءِ وَ أَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي اَلْبَلاَءِ وَ أَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ وَ أَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ وَ أَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ اَلْإِعْطَاءِ وَ أَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ اَلْمَنْعِ وَ أَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ اَلدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ اَلْخَاصَّةِ وَ إِنَّمَا عَمُودُ عِمَادُ اَلدِّينِ وَ جِمَاعُ اَلْمُسْلِمِينَ وَ اَلْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ اَلْعَامَّةُ مِنَ اَلْأُمَّةِ فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ وَ مَيْلُكَ مَعَهُمْ قال له أنصف الله أي قم له بما فرض عليك من العبادة و الواجبات العقلية و السمعية ثم قال و أنصف الناس من نفسك و من ولدك و خاصة أهلك و من تحبه و تميل إليه من رعيتك فمتى لم تفعل ذلك كنت ظالما ثم نهاه عن الظلم و أكد الوصاية عليه في ذلك ثم عرفه أن قانون الإمارة الاجتهاد في رضا العامة فإنه لا مبالاة بسخط خاصة الأمير مع رضا العامة فأما إذا سخطت العامة لم ينفعه رضا الخاصة و ذلك مثل أن يكون في البلد عشرة أو عشرون من أغنيائه و ذوي الثروة من أهله يلازمون الوالي و يخدمونه و يسامرونه و قد صار كالصديق لهم فإن هؤلاء و من ضارعهم من حواشي الوالي و أرباب الشفاعات و القربات عنده لا يغنون عنه شيئا عند تنكر العامة له و كذاك لا يضر سخط هؤلاء إذا رضيت العامة و ذلك لأن هؤلاء عنهم غنى و لهم بدل و العامة لا غنى عنهم و لا بدل منهم و لأنهم إذا شغبوا عليه كانوا كالبحر إذا هاج و اضطرب فلا يقاومه أحد و ليس الخاصة كذلك

٣٥

ثم قال ع و نعم ما قال ليس شي‏ء أقل نفعا و لا أكثر ضررا على الوالي من خواصه أيام الولاية لأنهم يثقلون عليه بالحاجات و المسائل و الشفاعات فإذا عزل هجروه و رفضوه حتى لو لقوه في الطريق لم يسلموا عليه و الصغو بالكسر و الفتح و الصغا مقصور الميل : وَ لْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ وَ أَشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ أَطْلَبُهُمْ لِمَعَايِبِ اَلنَّاسِ فَإِنَّ فِي اَلنَّاسِ عُيُوباً اَلْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا فَلاَ تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ وَ اَللَّهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ فَاسْتُرِ اَلْعَوْرَةَ مَا اِسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اَللَّهُ مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ أَطْلِقْ عَنِ اَلنَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ وَ اِقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ وَ تَغَابَ عَنْ كُلِّ مَا لاَ يَضِحُ لَكَ وَ لاَ تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعٍ فَإِنَّ اَلسَّاعِيَ غَاشٌّ وَ إِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ وَ لاَ تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِكَ عَنِ اَلْفَضْلِ وَ يَعِدُكَ اَلْفَقْرَ وَ لاَ جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ اَلْأُمُورِ وَ لاَ حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ اَلشَّرَهَ بِالْجَوْرِ فَإِنَّ اَلْبُخْلَ وَ اَلْجُبْنَ وَ اَلْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ اَلظَّنِّ بِاللَّهِ

٣٦

أشناهم عندك أبغضهم إليك و تغاب تغافل يقال تغابى فلان عن كذا و يضح يظهر و الماضي وضح

فصل في النهي عن ذكر عيوب الناس و ما ورد في ذلك من الآثار

عاب رجل رجلا عند بعض الأشراف فقال له لقد استدللت على كثرة عيوبك بما تكثر فيه من عيوب الناس لأن طالب العيوب إنما يطلبها بقدر ما فيه منها و قال الشاعر:

و أجرأ من رأيت بظهر غيب

على عيب الرجال أولو العيوب

و قال آخر:

يا من يعيب و عيبه متشعب

كم فيك من عيب و أنت تعيب

و في الخبر المرفوع دعوا الناس بغفلاتهم يعيش بعضهم مع بعض و قال الوليد بن عتبة بن أبي سفيان كنت أساير أبي و رجل معنا يقع في رجل فالتفت أبي إلي فقال يا بني نزه سمعك عن استماع الخنى كما تنزه لسانك عن الكلام به فإن المستمع شريك القائل إنما نظر إلى أخبث ما في وعائه فأفرغه في وعائك و لو ردت كلمة جاهل في فيه لسعد رادها كما شقي قائلها و قال ابن عباس الحدث حدثان حدث من فيك و حدث من فرجك

٣٧

و عاب رجل رجلا عند قتيبة بن مسلم فقال له قتيبة أمسك ويحك فقد تلمظت بمضغه طالما لفظها الكرام و مر رجل بجارين له و معه ريبة فقال أحدهما لصاحبه أ فهمت ما معه من الريبة قال و ما معه قال كذا قال عبدي حر لوجه الله شكرا له تعالى إذ لم يعرفني من الشر ما عرفك و قال الفضيل بن عياض إن الفاحشة لتشيع في كثير من المسلمين حتى إذا صارت إلى الصالحين كانوا لها خزانا و قيل لبزرجمهر هل من أحد لا عيب فيه فقال الذي لا عيب فيه لا يموت و قال الشاعر:

و لست بذي نيرب في الرجا

ل مناع خير و سبابها

و لا من إذا كان في جانب

أضاع العشيرة و اغتابها

و لكن أطاوع ساداتها

و لا أتعلم ألقابها

و قال آخر:

لا تلتمس من مساوي الناس ما ستروا

فيكشف الله سترا من مساويكا

و اذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا

و لا تعب أحدا منهم بما فيكا

و قال آخر:

ابدأ بنفسك فإنهما عن عيبها

فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك تعذر إن وعظت و يقتدى

بالقول منك و يقبل التعليم

٣٨

فأما قوله ع أطلق عن الناس عقدة كل حقد فقد استوفى هذا المعنى زياد في خطبته البتراء فقال و قد كانت بيني و بين أقوام إحن و قد جعلت ذلك دبر أذني و تحت قدمي فمن كان منكم محسنا فليزدد إحسانا و من كان منكم مسيئا فلينزع عن إساءته إني لو علمت أن أحدكم قد قتله السلال من بغضي لم أكشف عنه قناعا و لم أهتك له سترا حتى يبدي لي صفحته فإذا فعل لم أناظره ألا فليشمل كل امرئ منكم على ما في صدره و لا يكونن لسانه شفرة تجري على ودجه

فصل في النهي عن سماع السعاية و ما ورد ذلك من الآثار

فأما قوله ع و لا تعجلن إلى تصديق ساع فقد ورد في هذا المعنى كلام حسن قال ذو الرئاستين قبول السعاية شر من السعاية لأن السعاية دلالة و القبول إجازة و ليس من دل على شي‏ء كمن قبله و أجازه فامقت الساعي على سعايته فإنه لو كان صادقا كان لئيما إذ هتك العورة و أضاع الحرمة و عاتب مصعب بن الزبير الأحنف على أمر بلغه عنه فأنكره فقال مصعب أخبرني به الثقة قال كلا أيها الأمير إن الثقة لا يبلغ و كان يقال لو لم يكن من عيب الساعي إلا أنه أصدق ما يكون أضر ما يكون على الناس لكان كافيا كانت الأكاسرة لا تأذن لأحد أن يطبخ السكباج و كان ذلك مما يختص به الملك فرفع ساع إلى أنوشروان إن فلانا دعانا و نحن جماعة إلى طعام له و فيه

٣٩

سكباج فوقع أنوشروان على رقعته قد حمدنا نصيحتك و ذممنا صديقك على سوء اختياره للإخوان جاء رجل إلى الوليد بن عبد الملك و هو خليفة عبد الملك على دمشق فقال أيها الأمير إن عندي نصيحة قال اذكرها قال جار لي رجع من بعثه سرا فقال أما أنت فقد أخبرتنا أنك جار سوء فإن شئت أرسلنا معك فإن كنت كاذبا عاقبناك و إن كنت صادقا مقتناك و إن تركتنا تركناك قال بل أتركك أيها الأمير قال فانصرف و مثل هذا يحكى عن عبد الملك أن إنسانا سأله الخلوة فقال لجلسائه إذا شئتم فانصرفوا فلما تهيأ الرجل للكلام قال له اسمع ما أقول إياك أن تمدحني فأنا أعرف بنفسي منك أو تكذبني فإنه لا رأي لمكذوب أو تسعى بأحد إلي فإني لا أحب السعاية قال أ فيأذن أمير المؤمنين بالانصراف قال إذا شئت و قال بعض الشعراء:

لعمرك ما سب الأمير عدوه

و لكنما سب الأمير المبلغ

و قال آخر:

حرمت منائي منك إن كان ذا الذي

أتاك به الواشون عني كما قالوا

و لكنهم لما رأوك شريعة

إلي تواصوا بالنميمة و احتالوا

فقد صرت أذنا للوشاة سميعة

ينالون من عرضي و لو شئت ما نالوا

و قال عبد الملك بن صالح لجعفر بن يحيى و قد خرج يودعه لما شخص إلى خراسان أيها الأمير أحب أن تكون لي كما قال الشاعر

٤٠