كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٧

كتاب شرح نهج البلاغة13%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 286

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 286 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45863 / تحميل: 6670
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

و كما لا يصلح الملك إلا بمن يستحق الملك كذلك لا تصلح الوزارة إلا بمن يستحق الوزارة و كان يقال الوزير الصالح لا يرى أن صلاحه في نفسه كائن صلاحا حتى يتصل بصلاح الملك و صلاح رعيته و أن تكون عنايته فيما عطف الملك على رعيته و فيما استعطف قلوب الرعية و العامة على الطاعة للملك و فيما فيه قوام أمر الملك من التدبير الحسن حتى يجمع إلى أخذ الحق تقديم عموم الأمن و إذا طرقت الحوادث كان للملك عدة و عتادا و للرعية كافيا محتاطا و من ورائها محاميا ذابا يعنيه من صلاحها ما لا يعنيه من صلاح نفسه دونها و كان يقال مثل الملك الصالح إذا كان وزيره فاسدا مثل الماء العذب الصافي و فيه التمساح لا يستطيع الإنسان و إن كان سابحا و إلى الماء ظامئا دخوله حذرا على نفسه قال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن كعب القرظي حين استخلف لو كنت كاتبي و ردءا لي على ما دفعت إليه قال لا أفعل و لكني سأرشدك أسرع الاستماع و أبطئ في التصديق حتى يأتيك واضح البرهان و لا تعملن ثبجتك فيما تكتفي فيه بلسانك و لا سوطك فيما تكتفي فيه بثبجتك و لا سيفك فيما تكتفي فيه بسوطك و كان يقال التقاط الكاتب للرشا و ضبط الملك لا يجتمعان و قال أبرويز لكاتبه اكتم السر و اصدق الحديث و اجتهد في النصيحة و عليك بالحذر فإن لك علي ألا أعجل عليك حتى أستأني لك و لا أقبل فيك قولا حتى أستيقن و لا أطمع فيك أحدا فتغتال و اعلم أنك بمنجاة رفعة فلا تحطنها و في

٨١

ظل مملكة فلا تستزيلنه قارب الناس مجاملة من نفسك و باعدهم مسامحة عن عدوك و اقصد إلى الجميل ازدراعا لغدك و تنزه بالعفاف صونا لمروءتك و تحسن عندي بما قدرت عليه احذر لا تسرعن الألسنة عليك و لا تقبحن الأحدوثة عنك و صن نفسك صون الدرة الصافية و أخلصها إخلاص الفضة البيضاء و عاتبها معاتبة الحذر المشفق و حصنها تحصين المدينة المنيعة لا تدعن أن ترفع إلى الصغير فإنه يدل على الكبير و لا تكتمن عني الكبير فإنه ليس بشاغل عن الصغير هذب أمورك ثم القني بها و احكم أمرك ثم راجعني فيه و لا تجترئن علي فأمتعض و لا تنقبضن مني فأتهم و لا تمرضن ما تلقاني به و لا تخدجنه و إذا أفكرت فلا تجعل و إذا كتبت فلا تعذر و لا تستعن بالفضول فإنها علاوة على الكفاية و لا تقصرن عن التحقيق فإنها هجنة بالمقالة و لا تلبس كلاما بكلام و لا تبعدن معنى عن معنى و أكرم لي كتابك عن ثلاث خضوع يستخفه و انتشار يهجنه و معان تعقد به و اجمع الكثير مما تريد في القليل مما تقول و ليكن بسطة كلامك على كلام السوقة كبسطة الملك الذي تحدثه على الملوك لا يكن ما نلته عظيما و ما تتكلم به صغيرا فإنما كلام الكاتب على مقدار الملك فاجعله عاليا كعلوه و فائقا كتفوقه فإنما جماع الكلام كله خصال أربع سؤالك الشي‏ء و سؤالك عن الشي‏ء و أمرك بالشي‏ء و خبرك عن الشي‏ء فهذه الخصال دعائم المقالات إن التمس إليها خامس لم يوجد و إن نقص منها واحد لم يتم فإذا أمرت فاحكم و إذا سألت فأوضح و إذا طلبت فأسمح و إذا أخبرت فحقق فإنك إذا فعلت ذلك أخذت بجراثيم القول كله فلم يشتبه عليك واردة و لم تعجزك صادرة أثبت في دواوينك ما أخذت و أحص فيها ما أخرجت و تيقظ لما تعطي و تجرد لما تأخذ و لا يغلبنك النسيان عن الإحصاء و لا الأناة عن التقدم و لا تخرجن

٨٢

وزن قيراط في غير حق و لا تعظمن إخراج الألوف الكثيرة في الحق و ليكن ذلك كله عن مؤامرتي : ثُمَّ اِسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِي اَلصِّنَاعَاتِ وَ أَوْصِ بِهِمْ خَيْراً اَلْمُقِيمِ مِنْهُمْ وَ اَلْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ وَ اَلْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ اَلْمَنَافِعِ وَ أَسْبَابُ اَلْمَرَافِقِ وَ جُلاَّبُهَا مِنَ اَلْمَبَاعِدِ وَ اَلْمَطَارِحِ فِي بَرِّكَ وَ بَحْرِكَ وَ سَهْلِكَ وَ جَبَلِكَ وَ حَيْثُ لاَ يَلْتَئِمُ اَلنَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا وَ لاَ يَجْتَرِءُونَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لاَ تُخَافُ بَائِقَتُهُ وَ صُلْحٌ لاَ تُخْشَى غَائِلَتُهُ وَ تَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَ فِي حَوَاشِي بِلاَدِكَ وَ اِعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً وَ شُحّاً قَبِيحاً وَ اِحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ وَ تَحَكُّماً فِي اَلْبِيَاعَاتِ وَ ذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ وَ عَيْبٌ عَلَى اَلْوُلاَةِ فَامْنَعْ مِنَ اَلاِحْتِكَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ ص مَنَعَ مِنْهُ وَ لْيَكُنِ اَلْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْلٍ وَ أَسْعَارٍ لاَ تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ اَلْبَائِعِ وَ اَلْمُبْتَاعِ فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ وَ عَاقِبْهُ مِنْ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ خرج ع الآن إلى ذكر التجار و ذوي الصناعات و أمره بأن يعمل معهم الخير و أن يوصى غيره من أمرائه و عماله أن يعملوا معهم الخير و استوص بمعنى أوص

٨٣

نحو قر في المكان و استقر و علا قرنه و استعلاه و قوله استوص بالتجار خيرا أي أوص نفسك بذلك و منه

قول النبي ص استوصوا بالنساء خيرا و مفعولا استوص و أوص هاهنا محذوفان للعلم بهما و يجوز أن يكون استوص أي اقبل الوصية مني بهم و أوص بهم أنت غيرك ثم قسم ع الموصى بهم ثلاثة أقسام اثنان منها للتجار و هما المقيم و المضطرب يعني المسافر و الضرب السير في الأرض قال تعالى( إِذا ضَرَبْتُمْ فِي اَلْأَرْضِ ) و واحد لأرباب الصناعات و هو قوله و المترفق ببدنه و روي بيديه تثنية يد و المطارح الأماكن البعيدة و حيث لا يلتئم الناس لا يجتمعون و روي حيث لا يلتئم بحذف الواو ثم قال فإنهم أولو سلم يعني التجار و الصناع استعطفه عليهم و استماله إليهم و قال ليسوا كعمال الخراج و أمراء الأجناد فجانبهم ينبغي أن يراعى و حالهم يجب أن يحاط و يحمى إذ لا يتخوف منهم بائقة لا في مال يخونون فيه و لا في دولة يفسدونها و حواشي البلاد أطرافها ثم قال له قد يكون في كثير منهم نوع من الشح و البخل فيدعوهم ذلك إلى الاحتكار في الأقوات و الحيف في البياعات و الاحتكار ابتياع الغلات في أيام

٨٤

رخصها و ادخارها في المخازن إلى أيام الغلاء و القحط و الحيف تطفيف في الوزن و الكيل و زيادة في السعر و هو الذي عبر عنه بالتحكم و قد نهى رسول الله ص عن الاحتكار و أما التطفيف و زياد التسعير فمنهي عنهما في نص الكتاب و قارف حكرة واقعها و الحاء مضمومة و أمره أن يؤدب فاعل ذلك من غير إسراف و ذلك أنه دون المعاصي التي توجب الحدود فغاية أمره من التعزير الإهانة و المنع : ثُمَّ اَللَّهَ اَللَّهَ فِي اَلطَّبَقَةِ اَلسُّفْلَى مِنَ اَلَّذِينَ لاَ حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ اَلْمَسَاكِينِ وَ اَلْمُحْتَاجِينَ وَ أَهْلِ اَلْبُؤْسَى وَ اَلزَّمْنَى فَإِنَّ فِي هَذِهِ اَلطَّبَقَةِ قَانِعاً وَ مُعْتَرّاً وَ اِحْفَظِ اَللَّهَ لِلَّهِ مَا اِسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ وَ اِجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ وَ قِسْماً مِنْ غَلاَّتِ صَوَافِي اَلْإِسْلاَمِ فِي كُلِّ بَلَدٍ فَإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ اَلَّذِي لِلْأَدْنَى وَ كُلٌّ قَدِ اِسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ وَ لاَ يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ فَإِنَّكَ لاَ تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِ اَلتَّافِهِ بِتَضْيِيعِكَ اَلتَّافِهَ لِإِحْكَامِكَ اَلْكَثِيرَ اَلْمُهِمَّ فَلاَ تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ وَ لاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ وَ تَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لاَ يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ اَلْعُيُونُ وَ تَحْقِرُهُ اَلرِّجَالُ فَفَرِّغْ لِأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ اَلْخَشْيَةِ وَ اَلتَّوَاضُعِ فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ ثُمَّ اِعْمَلْ فِيهِمْ بِالْإِعْذَارِ إِلَى اَللَّهِ سُبْحَانَهُ يَوْمَ تَلْقَاهُ فَإِنَّ هَؤُلاَءِ مِنْ بَيْنِ اَلرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى اَلْإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَ كُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اَللَّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ

٨٥

وَ تَعَهَّدْ أَهْلَ اَلْيُتْمِ وَ ذَوِي اَلرِّقَّةِ فِي اَلسِّنِّ مِمَّنْ لاَ حِيلَةَ لَهُ وَ لاَ يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ وَ ذَلِكَ عَلَى اَلْوُلاَةِ ثَقِيلٌ وَ اَلْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ وَ قَدْ يُخَفِّفُهُ اَللَّهُ عَلَى أَقْوَامٍ طَلَبُوا اَلْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ وَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اَللَّهِ لَهُمْ انتقل من التجار و أرباب الصناعات إلى ذكر فقراء الرعية و مغموريها فقال و أهل البؤسى و هي البؤس كالنعمى للنعيم و الزمنى أولو الزمانة و القانع السائل و المعتر الذي يعرض لك و لا يسألك و هما من ألفاظ الكتاب العزيز و أمره أن يعطيهم من بيت مال المسلمين لأنهم من الأصناف المذكورين في قوله تعالى( وَ اِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى‏ وَ اَلْيَتامى‏ وَ اَلْمَساكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ ) و أن يعطيهم من غلات صوافي الإسلام و هي الأرضون التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و كانت صافية لرسول الله ص فلما قبض صارت لفقراء المسلمين و لما يراه الإمام من مصالح الإسلام ثم قال له فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى أي كل فقراء المسلمين سواء في سهامهم ليس فيها أقصى و أدنى أي لا تؤثر من هو قريب إليك أو إلى أحد من خاصتك على من هو بعيد ليس له سبب إليك و لا علقة بينه و بينك و يمكن أن يريد به لا تصرف غلات ما كان من الصوافي في بعض البلاد إلى مساكين ذلك

٨٦

البلد خاصة فإن حق البعيد عن ذلك البلد فيها كمثل حق المقيم في ذلك البلد و التافه الحقير و أشخصت زيدا من موضع كذا أخرجته عنه و فلان يصعر خده للناس أي يتكبر عليهم و تقتحمه العيون تزدريه و تحتقره و الإعذار إلى الله الاجتهاد و المبالغة في تأدية حقه و القيام بفرائضه كان بعض الأكاسرة يجلس للمظالم بنفسه و لا يثق إلى غيره و يقعد بحيث يسمع الصوت فإذا سمعه أدخل المتظلم فأصيب بصمم في سمعه فنادى مناديه أن الملك يقول أيها الرعية إني إن أصبت بصمم في سمعي فلم أصب في بصري كل ذي ظلامة فليلبس ثوبا أحمر ثم جلس لهم في مستشرف له و كان لأمير المؤمنين ع بيت سماه بيت القصص يلقي الناس فيه رقاعهم و كذلك كان فعل المهدي محمد بن هارون الواثق من خلفاء بني العباس : وَ اِجْعَلْ لِذَوِي اَلْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ وَ تَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ اَلَّذِي خَلَقَكَ وَ تُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَ أَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَ شُرَطِكَ حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ ص يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ اَلْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ

٨٧

ثُمَّ اِحْتَمِلِ اَلْخُرْقَ مِنْهُمْ وَ اَلْعِيَّ وَ نَحِّ عَنْهُمُ اَلضِّيقَ وَ اَلْأَنَفَ يَبْسُطِ اَللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَ يُوجِبُ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَ أَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَ اِمْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَ إِعْذَارٍ ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لاَ بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ وَ مِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ اَلنَّاسِ عِنْدَ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ هذا الفصل من تتمة ما قبله و قد روي حتى يكلمك مكلمهم فاعل من كلم و الرواية الأولى الأحسن و غير متتعتع غير مزعج و لا مقلق و المتتعتع في الخبر النبوي المتردد المضطرب في كلامه عيا من خوف لحقه و هو راجع إلى المعنى الأول و الخرق الجهل و روي ثم احتمل الخرق منهم و الغي و الغي و هو الجهل أيضا و الرواية الأولى أحسن ثم بين له ع أنه لا بد له من هذا المجلس لأمر آخر غير ما قدمه ع و ذلك لأنه لا بد من أن يكون في حاجات الناس ما يضيق به صدور أعوانه و النواب عنه فيتعين عليه أن يباشرها بنفسه و لا بد من أن يكون في كتب عماله الواردة عليه

٨٨

ما يعيا كتابه عن جوابه فيجيب عنه بعلمه و يدخل في ذلك أن يكون فيها ما لا يجوز في حكم السياسة و مصلحة الولاية أن يطلع الكتاب عليه فيجيب أيضا عن ذلك بعلمه ثم قال له لا تدخل عمل يوم في عمل يوم آخر فيتعبك و يكدرك فإن لكل يوم ما فيه من العمل : وَ اِجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اَللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلَ تِلْكَ اَلْمَوَاقِيتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ اَلْأَقْسَامِ وَ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا اَلنِّيَّةُ وَ سَلِمَتْ مِنْهَا اَلرَّعِيَّةُ وَ لْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ اَلَّتِي هِيَ لَهُ خَاصَّةً فَأَعْطِ اَللَّهَ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَ نَهَارِكَ وَ وَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اَللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ ذَلِكَ كَامِلاً غَيْرَ مَثْلُومٍ وَ لاَ مَنْقُوصٍ بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ وَ إِذَا قُمْتَ فِي صَلاَتِكَ لِلنَّاسِ فَلاَ تَكُونَنَّ مُنَفِّراً وَ لاَ مُضَيِّعاً فَإِنَّ فِي اَلنَّاسِ مَنْ بِهِ اَلْعِلَّةُ وَ لَهُ اَلْحَاجَةُ وَ قَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اَللَّهِ ص حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى اَلْيَمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ فَقَالَ صَلِّ بِهِمْ كَصَلاَةِ أَضْعَفِهِمْ وَ كُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً لما فرغ ع من وصيته بأمور رعيته شرع في وصيته بأداء الفرائض التي

٨٩

افترضها الله عليه من عبادته و لقد أحسن ع في قوله و إن كانت كلها لله أي أن النظر في أمور الرعية مع صحة النية و سلامة الناس من الظلم من جملة العبادات و الفرائض أيضا ثم قال له كاملا غير مثلوم أي لا يحملنك شغل السلطان على أن تختصر الصلاة اختصارا بل صلها بفرائضها و سننها و شعائرها في نهارك و ليلك و إن أتعبك ذلك و نال من بدنك و قوتك ثم أمره إذا صلى بالناس جماعة ألا يطيل فينفرهم عنها و ألا يخدج الصلاة و ينقصها فيضيعها ثم روى خبرا عن النبي ص و هو قوله ع له صل بهم كصلاة أضعفهم و قوله و كن بالمؤمنين رحيما يحتمل أن يكون من تتمة الخبر النبوي و يحتمل أن يكون من كلام أمير المؤمنين ع و الظاهر أنه من كلام أمير المؤمنين من الوصية للأشتر لأن اللفظة الأولى عند أرباب الحديث هي المشهور في الخبر : وَ أَمَّا بَعْدَ هَذَا بَعْدُ فَلاَ تُطَوِّلَنَّ اِحْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّ اِحْتِجَابَ اَلْوُلاَةِ عَنِ اَلرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ اَلضِّيقِ وَ قِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ وَ اَلاِحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا اِحْتَجَبُوا دُونَهُ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ اَلْكَبِيرُ وَ يَعْظُمُ اَلصَّغِيرُ وَ يَقْبُحُ اَلْحَسَنُ وَ يَحْسُنُ اَلْقَبِيحُ وَ يُشَابُ اَلْحَقُّ بِالْبَاطِلِ وَ إِنَّمَا اَلْوَالِي بَشَرٌ لاَ يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ اَلنَّاسُ بِهِ مِنَ اَلْأُمُورِ وَ لَيْسَتْ عَلَى اَلْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ اَلصِّدْقِ مِنَ

٩٠

اَلْكَذِبِ وَ إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ إِمَّا اِمْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي اَلْحَقِّ فَفِيمَ اِحْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ أَوْ فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيهِ أَوْ مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ اَلنَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ اَلنَّاسِ إِلَيْكَ مَا مِمَّا لاَ مَئُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ مِنْ شَكَاةِ مَظْلِمَةٍ أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ نهاه عن الاحتجاب فإنه مظنة انطواء الأمور عنه و إذا رفع الحجاب دخل عليه كل أحد فعرف الأخبار و لم يخف عليه شي‏ء من أحوال عمله ثم قال لم تحتجب فإن أكثر الناس يحتجبون كيلا يطلب منهم الرفد و أنت فإن كنت جوادا سمحا لم يكن لك إلى الحجاب داع و إن كنت ممسكا فسيعلم الناس ذلك منك فلا يسألك أحد شيئا ثم قال على أن أكثر ما يسأل منك ما لا مئونة عليه في ماله كرد ظلامة أو إنصاف من خصم

ذكر الحجاب و ما ورد فيه من الخبر و الشعر

و القول في الحجاب كثير حضر باب عمر جماعة من الأشراف منهم سهيل بن عمرو و عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس فحجبوا ثم خرج الآذن فنادى أين عمار أين سلمان أين صهيب

٩١

فأدخلهم فتمعرت وجوه القوم فقال سهيل بن عمرو لم تتمعر وجوهكم دعوا و دعينا فأسرعوا و أبطأنا و لئن حسدتموهم على باب عمر اليوم لأنتم غدا لهم أحسد و استأذن أبو سفيان على عثمان فحجبه فقيل له حجبك فقال لا عدمت من أهلي من إذا شاء حجبني و حجب معاوية أبا الدرداء فقيل لأبي الدرداء حجبك معاوية فقال من يغش أبواب الملوك يهن و يكرم و من صادف بابا مغلقا عليه وجد إلى جانبه بابا مفتوحا إن سأل أعطي و إن دعا أجيب و إن يكن معاوية قد احتجب فرب معاوية لم يحتجب و قال أبرويز لحاجبه لا تضعن شريفا بصعوبة حجاب و لا ترفعن وضيعا بسهولته ضع الرجال مواضع أخطارهم فمن كان قديما شرفه ثم ازدرعه و لم يهدمه بعد آبائه فقدمه على شرفه الأول و حسن رأيه الآخر و من كان له شرف متقدم و لم يصن ذلك حياطة له و لم يزدرعه تثمير المغارسة فألحق بآبائه من رفعة حاله ما يقتضيه سابق شرفهم و ألحق به في خاصته ما ألحق بنفسه و لا تأذن له إلا دبريا و إلا سرارا و لا تلحقه بطبقة الأولين و إذا ورد كتاب عامل من عمالي فلا تحبسه عني طرفة عين إلا أن أكون على حال لا تستطيع الوصول إلي فيها و إذا أتاك من يدعي النصيحة لنا فلتكتبها سرا ثم أدخله بعد أن تستأذن له حتى إذا كان مني بحيث أراه فادفع إلي كتابه فإن أحمدت قبلت و إن كرهت رفضت و إن أتاك عالم مشتهر بالعلم و الفضل يستأذن فأذن له فإن العلم شريف و شريف صاحبه و لا تحجبن عني أحدا من أفناء الناس إذا أخذت مجلسي مجلس العامة فإن الملك لا يحجب إلا عن ثلاث عي يكره أن يطلع عليه منه أو بخل يكره أن يدخل عليه من يسأله أو ريبة هو مصر عليها فيشفق من إبدائها

٩٢

و وقوف الناس عليها و لا بد أن يحيطوا بها علما و إن اجتهد في سترها و قد أخذ هذا المعنى الأخير محمود الوراق فقال:

إذا اعتصم الوالي بإغلاق بابه

و رد ذوي الحاجات دون حجابه

ظننت به إحدى ثلاث و ربما

رجمت بظن واقع بصوابه

أقول به مس من العي ظاهر

ففي إذنه للناس إظهار ما به

فإن لم يكن عي اللسان فغالب

من البخل يحمى ماله عن طلابه

و إن لم يكن لا ذا و لا ذا فريبة

يكتمها مستورة بثيابه

أقام عبد العزيز بن زرارة الكلابي على باب معاوية سنة في شملة من صوف لا يأذن له ثم أذن له و قربه و أدناه و لطف محله عنده حتى ولاه مصر فكان يقال استأذن أقوام لعبد العزيز بن زرارة ثم صار يستأذن لهم و قال في ذلك:

دخلت على معاوية بن حرب

و لكن بعد يأس من دخول

و ما نلت الدخول عليه حتى

حللت محلة الرجل الذليل

و أغضيت الجفون على قذاها

و لم أنظر إلى قال و قيل

و أدركت الذي أملت منه

و حرمان المنى زاد العجول

و يقال إنه قال له لما دخل عليه أمير المؤمنين دخلت إليك بالأمل و احتملت جفوتك بالصبر و رأيت ببابك أقواما قدمهم الحظ و آخرين أخرهم الحرمان فليس ينبغي للمقدم أن يأمن عواقب الأيام و لا للمؤخر أن ييأس من عطف الزمان و أول المعرفة الاختبار فابل و اختبر إن رأيت و كان يقال لم يلزم باب السلطان أحد فصبر على ذل الحجاب و كلام البواب و ألقى الأنف و حمل الضيم و أدام الملازمة إلا وصل إلى حاجته أو إلى معظمها

٩٣

قال عبد الملك لحاجبه إنك عين أنظر بها و جنة أستلئم بها و قد وليتك ما وراء بابي فما ذا تراك صانعا برعيتي قال أنظر إليهم بعينك و أحملهم على قدر منازلهم عندك و أضعهم في إبطائهم عن بابك و لزوم خدمتك مواضع استحقاقهم و أرتبهم حيث وضعهم ترتيبك و أحسن إبلاغهم عنك و إبلاغك عنهم قال لقد وفيت بما عليك و لكن إن صدقت ذلك بفعلك و قال دعبل و قد حجب عن باب مالك بن طوق:

لعمري لئن حجبتني العبيد

لما حجبت دونك القافيه

سأرمي بها من وراء الحجاب

شنعاء تأتيك بالداهيه

تصم السميع و تعمي البصير

و يسأل من مثلها العافيه

و قال آخر:

سأترك هذا الباب ما دام إذنه

على ما أرى حتى يلين قليلا

فما خاب من لم يأته مترفعا

و لا فاز من قد رام فيه دخولا

إذا لم نجد للإذن عندك موضعا

وجدنا إلى ترك المجي‏ء سبيلا

و كتب أبو العتاهية إلى أحمد بن يوسف الكاتب و قد حجبه:

و إن عدت بعد اليوم إني لظالم

سأصرف وجهي حيث تبغي المكارم

متى يفلح الغادي إليك لحاجة

و نصفك محجوب و نصفك نائم

يعني ليله و نهاره استأذن رجلان على معاوية فأذن لأحدهما و كان أشرف منزلة من الآخر ثم أذن للآخر فدخل فجلس فوق الأول فقال معاوية إن الله قد ألزمنا تأديبكم

٩٤

كما ألزمنا رعايتكم و أنا لم نأذن له قبلك و نحن نريد أن يكون مجلسه دونك فقم لا أقام الله لك وزنا و قال بشار:

تأبى خلائق خالد و فعاله

إلا تجنب كل أمر عائب

و إذا أتينا الباب وقت غدائه

أدنى الغداء لنا برغم الحاجب

و قال آخر يهجو:

يا أميرا على جريب من الأر

ض له تسعة من الحجاب

قاعد في الخراب يحجب عنا

ما سمعنا بحاجب في خراب

و كتب بعضهم إلى جعفر بن محمد بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب:

أبا جعفر إن الولاية إن تكن

منبلة قوسا فأنت لها نبل

فلا ترتفع عنا لأمر وليته

كما لم يصغر عندنا شأنك العزل

و من جيد ما مدح به بشر بن مروان قول القائل:

بعيد مراد الطرف ما رد طرفه

حذار الغواشي باب دار و لا ستر

و لو شاء بشر كان من دون بابه

طماطم سود أو صقالبة حمر

و لكن بشرا يستر الباب للتي

يكون لها في غبها الحمد و الأجر

و قال بشار:

خليلي من كعب أعينا أخاكما

على دهره إن الكريم يعين

و لا تبخلا بخل ابن قرعة إنه

مخافة أن يرجى نداه حزين

إذا جئته للعرف أغلق بابه

فلم تلقه إلا و أنت كمين

فقل لأبي يحيى متى تدرك العلا

و في كل معروف عليك يمين

٩٥

و قال إبراهيم بن هرمة:

هش إذا نزل الوفود ببابه

سهل الحجاب مؤدب الخدام

و إذا رأيت صديقه و شقيقه

لم تدر أيهما ذوي الأرحام

و قال آخر:

و إني لأستحيي الكريم إذا أتى

على طمع عند اللئيم يطالبه

و أرثي له من مجلس عند بابه

كمرثيتي للطرف و العلج راكبه

و قال عبد الله بن محمد بن عيينة:

أتيتك زائرا لقضاء حق

فحال الستر دونك و الحجاب

و رأيي مذهب عن كل ناء

يجانبه إذا عز الذهاب

و لست بساقط في قدر قوم

و إن كرهوا كما يقع الذباب

و قال آخر:

ما ضاقت الأرض على راغب

تطلب الرزق و لا راهب

بل ضاقت الأرض على شاعر

أصبح يشكو جفوة الحاجب

قد شتم الحاجب في شعره

و إنما يقصد للصاحب

ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَ بِطَانَةً فِيهِمُ اِسْتِئْثَارٌ وَ تَطَاوُلٌ وَ قِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ فَاحْسِمْ مَئُونَةَ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ اَلْأَحْوَالِ وَ لاَ تُقْطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَاشِيَتِكَ وَ حَامَّتِكَ قَطِيعَةً وَ لاَ يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اِعْتِقَادِ عُقْدَةٍ تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ اَلنَّاسِ فِي

٩٦

شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ يَحْمِلُونَ مَئُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ وَ عَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي اَلدُّنْيَا وَ اَلآْخِرَةِ وَ أَلْزِمِ اَلْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ اَلْقَرِيبِ وَ اَلْبَعِيدِ وَ كُنْ فِي ذَلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَ خَوَاصِّكَ خَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ وَ اِبْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذَلِكَ مَحْمُودَةٌ وَ إِنْ ظَنَّتِ اَلرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ وَ اِعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ وَ رِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ وَ إِعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى اَلْحَقِّ نهاه ع عن أن يحمل أقاربه و حاشيته و خواصه على رقاب الناس و أن يمكنهم من الاستئثار عليهم و التطاول و الإذلال و نهاه من أن يقطع أحدا منهم قطيعة أو يملكه ضيعة تضر بمن يجاورها من السادة و الدهاقين في شرب يتغلبون على الماء منه أو ضياع يضيفونها إلى ما ملكهم إياه و إعفاء لهم من مئونة أو حفر و غيره فيعفيهم الولاة منه مراقبة لهم فيكون مئونة ذلك الواجب عليهم قد أسقطت عنهم و حمل ثقلها على غيرهم ثم قال ع لأن منفعة ذلك في الدنيا تكون لهم دونك و الوزر في الآخرة عليك و العيب و الذم في الدنيا أيضا لاحقان بك ثم قال له إن اتهمتك الرعية بحيف عليهم أو ظنت بك جورا فاذكر لهم عذرك

٩٧

في ذلك و ما عندك ظاهرا غير مستور فإنه الأولى و الأقرب إلى استقامتهم لك على الحق و أصحرت بكذا أي كشفته مأخوذ من الإصحار و هو الخروج إلى الصحراء و حامة الرجل أقاربه و بطانته و اعتقدت عقدة أي ادخرت ذخيرة و المهنأ مصدر هنأه كذا و مغبة الشي‏ء عاقبته و اعدل عنك ظنونهم نحها و الإعذار إقامة العذر

طرف من أخبار عمر بن عبد العزيز و نزاهته في خلافته

رد عمر بن عبد العزيز المظالم التي احتقبها بنو مروان فأبغضوه و ذموه و قيل إنهم سموه فمات و روى الزبير بن بكار في الموفقيات أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز دخل على أبيه يوما و هو في قائلته فأيقظه و قال له ما يؤمنك أن تؤتى في منامك و قد رفعت إليك مظالم لم تقض حق الله فيها فقال يا بني إن نفسي مطيتي إن لم أرفق بها لم تبلغني إني لو أتعبت نفسي و أعواني لم يكن ذلك إلا قليلا حتى أسقط و يسقطوا و إني لأحتسب في نومتي من الأجر مثل الذي أحتسب في يقظتي إن الله جل ثناؤه لو أراد أن ينزل القرآن جملة لأنزله و لكنه أنزل الآية و الآيتين حتى استكثر الإيمان في قلوبهم ثم قال يا بني مما أنا فيه آمر هو أهم إلى أهل بيتك هم أهل العدة و العدد و قبلهم ما قبلهم فلو جمعت ذلك في يوم واحد خشيت انتشارهم علي و لكني أنصف من الرجل

٩٨

و الاثنين فيبلغ ذلك من وراءهما فيكون أنجع له فإن يرد الله إتمام هذا الأمر أتمه و إن تكن الأخرى فحسب عبد أن يعلم الله منه أنه يحب أن ينصف جميع رعيته و روى جويرية بن أسماء عن إسماعيل بن أبي حكيم قال كنا عند عمر بن عبد العزيز فلما تفرقنا نادى مناديه الصلاة جامعة فجئت المسجد فإذا عمر على المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإن هؤلاء يعني خلفاء بني أمية قبله قد كانوا أعطونا عطايا ما كان ينبغي لنا أن نأخذها منهم و ما كان ينبغي لهم أن يعطوناها و إني قد رأيت الآن أنه ليس علي في ذلك دون الله حسيب و قد بدأت بنفسي و الأقربين من أهل بيتي اقرأ يا مزاحم فجعل مزاحم يقرأ كتابا فيه الإقطاعات بالضياع و النواحي ثم يأخذه عمر بيده فيقصه بالجلم لم يزل كذلك حتى نودي بالظهر و روى الفرات بن السائب قال كان عند فاطمة بنت عبد الملك بن مروان جوهر جليل وهبها أبوها و لم يكن لأحد مثله و كانت تحت عمر بن عبد العزيز فلما ولي الخلافة قال لها اختاري إما أن تردي جوهرك و حليك إلى بيت مال المسلمين و إما أن تأذني لي في فراقك فإني أكره أن اجتمع أنا و أنت و هو في بيت واحد فقالت بل أختارك عليه و على أضعافه لو كان لي و أمرت به فحمل إلى بيت المال فلما هلك عمر و استخلف يزيد بن عبد الملك قال لفاطمة أخته إن شئت رددته عليك قالت فإني لا أشاء ذلك طبت عنه نفسا في حياة عمر و أرجع فيه بعد موته لا و الله أبدا فلما رأى يزيد ذلك قسمه بين ولده و أهله و روى سهيل بن يحيى المروزي عن أبيه عن عبد العزيز عن عمر بن عبد العزيز قال لما دفن سليمان صعد عمر على المنبر فقال إني قد خلعت ما في رقبتي من بيعتكم فصاح الناس صيحة واحدة قد اخترناك فنزل و دخل و أمر بالستور فهتكت

٩٩

و الثياب التي كانت تبسط للخلفاء فحملت إلى بيت المال ثم خرج و نادى مناديه من كانت له مظلمة من بعيد أو قريب من أمير المؤمنين فليحضر فقام رجل ذمي من أهل حمص أبيض الرأس و اللحية فقال أسألك كتاب الله قال ما شأنك قال العباس بن الوليد بن عبد الملك اغتصبني ضيعتي و العباس جالس فقال عمر ما تقول يا عباس قال أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد و كتب لي بها سجلا فقال عمر ما تقول أنت أيها الذمي قال يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله فقال عمر إيها لعمري إن كتاب الله لأحق أن يتبع من كتاب الوليد اردد عليه يا عباس ضيعته فجعل لا يدع شيئا مما كان في أيدي أهل بيته من المظالم إلا ردها مظلمة مظلمة و روى ميمون بن مهران قال بعث إلي عمر بن عبد العزيز و إلى مكحول و أبي قلابة فقال ما ترون في هذه الأموال التي أخذها أهلي من الناس ظلما فقال مكحول قولا ضعيفا كرهه عمر فقال أرى أن تستأنف و تدع ما مضى فنظر إلي عمر كالمستغيث بي فقلت يا أمير المؤمنين أحضر ولدك عبد الملك لننظر ما يقول فحضر فقال ما تقول يا عبد الملك فقال ما ذا أقول أ لست تعرف مواضعها قال بلى و الله قال فارددها فإن لم تفعل كنت شريكا لمن أخذها و روى ابن درستويه عن يعقوب بن سفيان عن جويرية بن أسماء قال كان بيد عمر بن عبد العزيز قبل الخلافة ضيعته المعروفة بالسهلة و كانت باليمامة و كانت أمرا عظيما لها غلة عظيمة كثيرة إنما عيشه و عيش أهله منها فلما ولي الخلافة قال لمزاحم مولاه و كان فاضلا إني قد عزمت أن أرد السهلة إلى بيت مال المسلمين فقال مزاحم أ تدري كم ولدك إنهم كذا و كذا قال فذرفت عيناه فجعل يستدمع و يمسح الدمعة بإصبعه الوسطى و يقول أكلهم إلى الله أكلهم إلى الله فمضى مزاحم فدخل على عبد الملك بن عمر فقال له أ لا تعلم ما قد عزم عليه أبوك إنه يريد أن يرد السهلة قال فما قلت

١٠٠

له قال ذكرت له ولده فجعل يستدمع و يقول أكلهم إلى الله فقال عبد الملك بئس وزير الدين أنت ثم وثب و انطلق إلى أبيه فقال للآذن استأذن لي عليه فقال إنه قد وضع رأسه الساعة للقائلة فقال استأذن لي عليه فقال أ ما ترحمونه ليس له من الليل و النهار إلا هذه الساعة قال استأذن لي عليه لا أم لك فسمع عمر كلامهما فقال ائذن لعبد الملك فدخل فقال على ما ذا عزمت قال أرد السهلة قال فلا تؤخر ذلك قم الآن قال فجعل عمر يرفع يديه و يقول الحمد لله الذي جعل لي من ذريتي من يعينني على أمر ديني قال نعم يا بني أصلي الظهر ثم أصعد المنبر فأردها علانية على رءوس الناس قال و من لك أن تعيش إلى الظهر ثم من لك أن تسلم نيتك إلى الظهر إن عشت إليها فقام عمر فصعد المنبر فخطب الناس و رد السهلة قال و كتب عمر بن الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز لما أخذ بني مروان برد المظالم كتابا أغلظ له فيه من جملته أنك أزريت على كل من كان قبلك من الخلفاء و عبتهم و سرت بغير سيرتهم بغضا لهم و شنآنا لمن بعدهم من أولادهم و قطعت ما أمر الله به أن يوصل و عمدت إلى أموال قريش و مواريثهم فأدخلتها بيت المال جورا و عدوانا فاتق الله يا ابن عبد العزيز و راقبه فإنك خصصت أهل بيتك بالظلم و الجور و و الذي خص محمد ص بما خصه به لقد ازددت من الله بعدا بولايتك هذه التي زعمت أنها عليك بلاء فأقصر عن بعض ما صنعت و اعلم أنك بعين جبار عزيز و في قبضته و لن يتركك على ما أنت عليه قالوا فكتب عمر جوابه أما بعد فقد قرأت كتابك و سوف أجيبك بنحو منه أما أول أمرك يا ابن الوليد فإن أمك نباتة أمة السكون كانت تطوف في أسواق حمص و تدخل حوانيتها ثم الله أعلم بها اشتراها ذبيان بن ذبيان من في‏ء المسلمين فأهداها

١٠١

لأبيك فحملت بك فبئس الحامل و بئس المحمول ثم نشأت فكنت جبارا عنيدا و تزعم أني من الظالمين لأني حرمتك و أهل بيتك في‏ء الله الذي هو حق القرابة و المساكين و الأرامل و إن أظلم مني و أترك لعهد الله من استعملك صبيا سفيها على جند المسلمين تحكم فيهم برأيك و لم يكن له في ذاك نية إلا حب الوالد ولده فويل لك و ويل لأبيك ما أكثر خصماءكما يوم القيامة و إن أظلم مني و أترك لعهد الله من استعمل الحجاج بن يوسف على خمسي العرب يسفك الدم الحرام و يأخذ المال الحرام و إن أظلم مني و أترك لعهد الله من استعمل قرة بن شريك أعرابيا جافيا على مصر و أذن له في المعازف و الخمر و الشرب و اللهو و إن أظلم مني و أترك لعهد الله من استعمل عثمان بن حيان على الحجاز فينشد الأشعار على منبر رسول الله ص و من جعل للعالية البربرية سهما في الخمس فرويدا يا ابن نباتة و لو التقت حلقتا البطان و رد الفي‏ء إلى أهله لتفرغت لك و لأهل بيتك فوضعتكم على المحجة البيضاء فطالما تركتم الحق و أخذتم في بنيات الطريق و من وراء هذا من الفضل ما أرجو أن أعمله بيع رقبتك و قسم ثمنك بين الأرامل و اليتامى و المساكين فإن لكل فيك حقا و السلام علينا و لا ينال سلام الله الظالمين و روى الأوزاعي قال لما قطع عمر بن عبد العزيز عن أهل بيته ما كان من قبله يجرونه عليهم من أرزاق الخاصة فتكلم في ذلك عنبسة بن سعيد فقال يا أمير المؤمنين إن لنا قرابة فقال مالي إن يتسع لكم و أما هذا المال فحقكم فيه كحق رجل بأقصى برك الغماد و لا يمنعه من أخذه إلا بعد مكانه و الله إني لأرى أن الأمور

١٠٢

لو استحالت حتى يصبح أهل الأرض يرون مثل رأيكم لنزلت بهم بائقة من عذاب الله و روى الأوزاعي أيضا قال قال عمر بن عبد العزيز يوما و قد بلغه عن بني أمية كلام أغضبه إن لله في بني أمية يوما أو قال ذبحا و ايم الله لئن كان ذلك الذبح أو قال ذلك اليوم على يدي لأعذرن الله فيهم قال فلما بلغهم ذلك كفوا و كانوا يعلمون صرامته و إنه إذا وقع في أمر مضى فيه و روى إسماعيل بن أبي حكيم قال قال عمر بن عبد العزيز يوما لحاجبه لا تدخلن علي اليوم إلا مروانيا فلما اجتمعوا قال يا بني مروان إنكم قد أعطيتم حظا و شرفا و أموالا إني لأحسب شطر أموال هذه الأمة أو ثلثيها في أيديكم فسكتوا فقال أ لا تجيبوني فقال رجل منهم فما بالك قال إني أريد أن أنتزعها منكم فأردها إلى بيت مال المسلمين فقال رجل منهم و الله لا يكون ذلك حتى يحال بين رءوسنا و أجسادنا و الله لا نكفر أسلافنا و لا نفقر أولادنا فقال عمر و الله لو لا أن تستعينوا علي بمن أطلب هذا الحق له لأضرعت خدودكم قوموا عني و روى مالك بن أنس قال ذكر عمر بن عبد العزيز من كان قبله من المروانية فعابهم و عنده هشام بن عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين إنا و الله نكره أن تعيب آباءنا و تضع شرفنا فقال عمر و أي عيب أعيب مما عابه القرآن و روى نوفل بن الفرات قال شكا بنو مروان إلى عاتكة بنت مروان بن الحكم عمر فقالوا إنه يعيب أسلافنا و يأخذ أموالنا فذكرت ذلك له و كانت عظيمة عند بني مروان فقال لها يا عمة إن رسول الله ص قبض و ترك

١٠٣

الناس على نهر مورود فولي ذلك النهر بعده رجلان لم يستخصا أنفسهما و أهلهما منه بشي‏ء ثم وليه ثالث فكرى منه ساقية ثم لم تزل الناس يكرون منه السواقي حتى تركوه يابسا لا قطرة فيه و ايم الله لئن أبقاني الله لأسكرن تلك السواقي حتى أعيد النهر إلى مجراه الأول قالت فلا يسبون إذا عندك قال و من يسبهم إنما يرفع الرجل مظلمته فأردها عليه و روى عبد الله بن محمد التيمي قال كان بنو أمية ينزلون عاتكة بنت مروان بن الحكم على أبواب قصورهم و كانت جليلة الموضع عندهم فلما ولي عمر قال لا يلي إنزالها أحد غيري فأدخلوها على دابتها إلى باب قبته فأنزلها ثم طبق لها وسادتين إحداهما على الأخرى ثم أنشأ يمازحها و لم يكن من شأنه و لا من شأنها المزاح فقال أ ما رأيت الحرس الذين على الباب فقالت بلى و ربما رأيتهم عند من هو خير منك فلما رأى الغضب لا يتحلل عنها ترك المزاح و سألها أن تذكر حاجتها فقالت إن قرابتك يشكونك و يزعمون أنك أخذت منهم خير غيرك قال ما منعتهم شيئا هو لهم و لا أخذت منهم حقا يستحقونه قالت إني أخاف أن يهيجوا عليك يوما عصيبا و قال كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا وقاني الله شره ثم دعا بدينار و مجمرة و جلد فألقى الدينار في النار و جعل ينفخ حتى احمر ثم تناوله بشي‏ء فأخرجه فوضعه على الجلد فنش و فتر فقال يا عمة أ ما تأوين لابن أخيك من مثل هذا فقامت فخرجت إلى بني مروان فقالت تزوجون في آل عمر بن الخطاب فإذا نزعوا إلى الشبه جزعتم اصبروا له و روى وهيب بن الورد قال اجتمع بنو مروان على باب عمر بن عبد العزيز فقالوا لولد له قل لأبيك يأذن لنا فإن لم يأذن فأبلغ إليه عنا و سأله فلم يأذن لهم و قال

١٠٤

فليقولوا فقالوا قل له إن من كان قبلك من الخلفاء كان يعطينا و يعرف لنا مواضعنا و إن أباك قد حرمنا ما في يديه فدخل إلى أبيه فأبلغه عنهم فقال اخرج فقل لهم إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم و روى سعيد بن عمار عن أسماء بنت عبيد قال دخل عنبسة بن سعيد بن العاص على عمر بن عبد العزيز فقال يا أمير المؤمنين إن من كان قبلك من الخلفاء كانوا يعطوننا عطايا منعتناها و لي عيال و ضيعة فأذن لي أخرج إلى ضيعتي و ما يصلح عيالي فقال عمر إن أحبكم إلينا من كفانا مئونته فخرج عنبسة فلما صار إلى الباب ناداه أبا خالد أبا خالد فرجع فقال أكثر ذكر الموت فإن كنت في ضيق من العيش وسعه عليك و إن كنت في سعة من العيش ضيقه عليك و روى عمر بن علي بن مقدم قال قال ابن صغير لسليمان بن عبد الملك لمزاحم إن لي حاجة إلى أمير المؤمنين عمر قال فاستأذنت له فأدخله فقال يا أمير المؤمنين لم أخذت قطيعتي قال معاذ الله إن آخذ قطيعة ثبتت في الإسلام قال فهذا كتابي بها و أخرج كتابا من كمه فقرأه عمر و قال لمن كانت هذه الأرض قال كانت للمسلمين قال فالمسلمون أولى بها قال فاردد علي كتابي قال إنك لو لم تأتني به لم أسألكه فأما إذ جئتني به فلست أدعك تطلب به ما ليس لك بحق فبكى ابن سليمان فقال مزاحم يا أمير المؤمنين ابن سليمان تصنع به هذا قال و ذلك لأن سليمان عهد إلى عمر و قدمه على إخوته فقال عمر ويحك يا مزاحم إني لأجد له من اللوط ما أجد لولدي و لكنها نفسي أجادل عنها و روى الأوزاعي قال قال هشام بن عبد الملك و سعيد بن خالد بن عمر بن عثمان

١٠٥

بن عفان لعمر بن عبد العزيز يا أمير المؤمنين استأنف العمل برأيك فيما تحت يدك و خل بين من سبقك و بين ما ولوه عليهم كان أو لهم فإنك مستكف أن تدخل في خير ذلك و شره قال أنشدكما الله الذي إليه تعودان لو أن رجلا هلك و ترك بنين أصاغر و أكابر فغر الأكابر الأصاغر بقوتهم فأكلوا أموالهم ثم بلغ الأصاغر الحلم فجاءوكما بهم و بما صنعوا في أموالهم ما كنتما صانعين قالا كنا نرد عليهم حقوقهم حتى يستوفوها قال فإني وجدت كثيرا ممن كان قبلي من الولاة غر الناس بسلطانه و قوته و آثر بأموالهم أتباعه و أهله و رهطه و خاصته فلما وليت أتوني بذلك فلم يسعني إلا الرد على الضعيف من القوي و على الدني‏ء من الشريف فقالا يوفق الله أمير المؤمنين : وَ لاَ تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ و لِلَّهِ فِيهِ رِضًا فَإِنَّ فِي اَلصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ وَ رَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وَ أَمْناً لِبِلاَدِكَ وَ لَكِنِ اَلْحَذَرَ كُلَّ اَلْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ فَإِنَّ اَلْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ وَ اِتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ اَلظَّنِّ وَ إِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوٍّ لَكَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وَ اِرْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ وَ اِجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اَللَّهِ شَيْ‏ءٌ اَلنَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اِجْتِمَاعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَ تَشَتُّتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ اَلْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَ قَدْ لَزِمَ ذَلِكَ اَلْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ اَلْمُسْلِمِينَ لِمَا اِسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ اَلْغَدْرِ فَلاَ تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَ لاَ تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ وَ لاَ تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ فَإِنَّهُ لاَ يَجْتَرِئُ عَلَى اَللَّهِ إِلاَّ جَاهِلٌ شَقِيٌّ وَ قَدْ جَعَلَ اَللَّهُ عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ اَلْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ

١٠٦

وَ حَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ وَ يَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ فَلاَ إِدْغَالَ وَ لاَ مُدَالَسَةَ وَ لاَ خِدَاعَ فِيهِ وَ لاَ تَعْقِدْهُ تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِيهِ اَلْعِلَلَ وَ لاَ تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ اَلْقَوْلِ قَوْلٍ بَعْدَ اَلتَّأْكِيدِ وَ اَلتَّوْثِقَةِ وَ لاَ يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اَللَّهِ إِلَى طَلَبِ اِنْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ اَلْحَقِّ فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو اِنْفِرَاجَهُ وَ فَضْلَ عَاقِبَتِهِ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ وَ أَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اَللَّهِ طِلْبَةٌ لاَ تَسْتَقِيلُ تَسْتَقْبِلُ فِيهَا دُنْيَاكَ وَ لاَ آخِرَتَكَ أمره أن يقبل السلم و الصلح إذا دعي إليه لما فيه من دعة الجنود و الراحة من الهم و الأمن للبلاد و لكن ينبغي أن يحذر بعد الصلح من غائلة العدو و كيده فإنه ربما قارب بالصلح ليتغفل أي يطلب غفلتك فخذ بالحزم و اتهم حسن ظنك لا تثق و لا تسكن إلى حسن ظنك بالعدو و كن كالطائر الحذر ثم أمره بالوفاء بالعهود قال و اجعل نفسك جنة دون ما أعطيت أي و لو ذهبت نفسك فلا تغدر و قال الراوندي الناس مبتدأ و أشد مبتدأ ثان و من تعظيم الوفاء خبره و هذا المبتدأ الثاني مع خبره خبر المبتدإ الأول و محل الجملة نصب لأنها خبر ليس و محل ليس مع اسمه و خبره رفع لأنه خبر فإنه و شي‏ء اسم ليس و من فرائض الله حال و لو تأخر لكان صفة لشي‏ء و الصواب أن شي‏ء اسم ليس و جاز ذلك و إن كان نكرة لاعتماده على النفي و لأن الجار و المجرور قبله في موضع الحال كالصفة فتخصص بذلك و قرب من المعرفة و الناس مبتدأ و أشد خبره و هذه الجملة المركبة من مبتدإ

١٠٧

و خبر في موضع رفع لأنها صفة شي‏ء و أما خبر المبتدإ الذي هو شي‏ء فمحذوف و تقديره في الوجود كما حذف الخبر في قولنا لا إله إلا الله أي في الوجود و ليس يصح ما قال الراوندي من أن أشد مبتدأ ثان و من تعظيم الوفاء خبره لأن حرف الجر إذا كان خبرا لمبتدإ تعلق بمحذوف و هاهنا هو متعلق بأشد نفسه فكيف يكون خبرا عنه و أيضا فإنه لا يجوز أن يكون أشد من تعظيم الوفاء خبرا عن الناس كما زعم الراوندي لأن ذلك كلام غير مفيد أ لا ترى أنك إذا أردت أن تخبر بهذا الكلام عن المبتدإ الذي هو الناس لم يقم من ذلك صورة محصلة تفيدك شيئا بل يكون كلاما مضطربا و يمكن أيضا أن يكون من فرائض الله في موضع رفع لأنه خبر المبتدإ و قد قدم عليه و يكون موضع الناس و ما بعده رفع لأنه خبر المبتدإ الذي هو شي‏ء كما قلناه أولا و ليس يمتنع أيضا أن يكون من فرائض الله منصوب الموضع لأنه حال و يكون موضع الناس أشد رفعا لأنه خبر المبتدإ الذي هو شي‏ء ثم قال له ع و قد لزم المشركون مع شركهم الوفاء بالعهود و صار ذلك لهم شريعة و بينهم سنة فالإسلام أولى باللزوم و الوفاء و استوبلوا وجدوه وبيلا أي ثقيلا استوبلت البلد أي استوخمته و استثقلته و لم يوافق مزاجك و لا تخيسن بعهدك أي لا تغدرن خاس فلان بذمته أي غدر و نكث قوله و لا تختلن عدوك أي لا تمكرن به ختلته أي خدعته و قوله أفضاه بين عباده جعله مشتركا بينهم لا يختص به فريق دون فريق

١٠٨

قال و يستفيضون إلى جواره أي ينتشرون في طلب حاجاتهم و مآربهم ساكنين إلى جواره فإلى هاهنا متعلقة بمحذوف مقدر كقوله تعالى( فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى‏ فِرْعَوْنَ ) أي مرسلا قال فلا إدغال أي لا إفساد و الدغل الفساد و لا مدالسة أي لا خديعة يقال فلان لا يوالس و لا يدالس أي لا يخادع و لا يخون و أصل الدلس الظلمة و التدليس في البيع كتمان عيب السلعة عن المشتري ثم نهاه عن أن يعقد عقدا يمكن فيه التأويلات و العلل و طلب المخارج و نهاه إذا عقد العقد بينه و بين العدو أن ينقضه معولا على تأويل خفي أو فحوى قول أو يقول إنما عنيت كذا و لم أعن ظاهر اللفظة فإن العقود إنما تعقد على ما هو ظاهر في الاستعمال متداول في الاصطلاح و العرف لا على ما في الباطن و روي انفساحه بالحاء المهملة أي سعته

فصل فيما جاء في الحذر من كيد العدو

قد جاء في الحذر من كيد العدو و النهي عن التفريط في الرأي السكون إلى ظاهر السلم أشياء كثيرة و كذا في النهي عن الغدر و النهي عن طلب تأويلات العهود و فسخها بغير الحق فرط عبد الله بن طاهر في أيام أبيه في أمر أشرف فيه على العطب و نجا بعد لأي فكتب إليه أبوه أتاني يا بني من خبر تفريطك ما كان أكبر عندي من نعيك لو ورد لأني لم أرج قط ألا تموت و قد كنت أرجو ألا تفتضح بترك الحزم و التيقظ و روى ابن الكلبي أن قيس بن زهير لما قتل حذيفة بن بدر و من معه بجفر الهباءة

١٠٩

خرج حتى لحق بالنمر بن قاسط و قال لا تنظر في وجهي غطفانية بعد اليوم فقال يا معاشر النمر أنا قيس بن زهير غريب حريب طريد شريد موتور فانظروا لي امرأة قد أدبها الغني و أذلها الفقر فزوجوه بامرأة منهم فقال لهم إني لا أقيم فيكم حتى أخبركم بأخلاقي أنا فخور غيور أنف و لست أفخر حتى أبتلى و لا أغار حتى أرى و لا آنف حتى أظلم فرضوا أخلاقه فأقام فيهم حتى ولد له ثم أراد أن يتحول عنهم فقال يا معشر النمر إن لكم حقا علي في مصاهرتي فيكم و مقامي بين أظهركم و إني موصيكم بخصال آمركم بها و أنهاكم عن خصال عليكم بالأناة فإن بها تدرك الحاجة و تنال الفرصة و تسويد من لا تعابون بتسويده و الوفاء بالعهود فإن به يعيش الناس و إعطاء ما تريدون إعطاءه قبل المسألة و منع ما تريدون منعه قبل الإنعام و إجارة الجار على الدهر و تنفيس البيوت عن منازل الأيامى و خلط الضيف بالعيال و أنهاكم عن الغدر فإنه عار الدهر و عن الرهان فإن به ثكلت مالكا أخي و عن البغي فإن به صرع زهير أبي و عن السرف في الدماء فإن قتلي أهل الهباءة أورثني العار و لا تعطوا في الفضول فتعجزوا عن الحقوق و أنكحوا الأيامى الأكفاء فإن لم تصيبوا بهن الأكفاء فخير بيوتهن القبور و اعلموا أني أصبحت ظالما و مظلوما ظلمني بنو بدر بقتلهم مالكا و ظلمتهم بقتلي من لا ذنب له ثم رحل عنهم إلى غمار فتنصر بها و عف عن المآكل حتى أكل الحنظل إلى أن مات : إِيَّاكَ وَ اَلدِّمَاءَ وَ سَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ وَ لاَ أَعْظَمَ

١١٠

لِتَبِعَةٍ وَ لاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وَ اِنْقِطَاعِ مُدَّةٍ مِنْ سَفْكِ اَلدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا وَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ اَلْعِبَادِ فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ اَلدِّمَاءِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فَلاَ تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَ يُوهِنُهُ بَلْ يُزِيلُهُ وَ يَنْقُلُهُ وَ لاَ عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اَللَّهِ وَ لاَ عِنْدِي فِي قَتْلِ اَلْعَمْدِ لِأَنَّ فِيهِ قَوَدَ اَلْبَدَنِ وَ إِنِ اُبْتُلِيتَ بِخَطَإٍ وَ أَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ فَإِنَّ فِي اَلْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً فَلاَ تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ اَلْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ قد ذكرنا في وصية قيس بن زهير آنفا النهي عن الإسراف في الدماء و تلك وصية مبنية على شريعة الجاهلية مع حميتها و تهالكها على القتل و القتال و وصية أمير المؤمنين ع مبنية على الشريعة الإسلامية و النهي عن القتل و العدوان الذي لا يسيغه الدين و قد ورد في الخبر المرفوع أن أول ما يقضي الله به يوم القيامة بين العباد أمر الدماء قال إنه ليس شي‏ء أدعى إلى حلول النقم و زوال النعم و انتقال الدول من سفك الدم الحرام و إنك إن ظننت أنك تقوي سلطانك بذلك فليس الأمر كما ظننت بل تضعفه بل تعدمه بالكلية ثم عرفه أن قتل العمد يوجب القود و قال له قود البدن أي يجب عليك هدم صورتك كما هدمت صورة المقتول و المراد إرهابه بهذه اللفظة أنها أبلغ من أن يقول له فإن فيه القود ثم قال إن قتلت خطأ أو شبه عمد كالضرب بالسوط فعليك الدية و قد اختلف

١١١

الفقهاء في هذه المسألة فقال أبو حنيفة و أصحابه القتل على خمسة أوجه عمد و شبه عمد و خطأ و ما أجري مجرى الخطإ و قتل بسبب فالعمد ما تعمد به ضرب الإنسان بسلاح أو ما يجري مجرى السلاح كالمحدد من الخشب و ليطة القصب و المروءة المحددة و النار و موجب ذلك المأثم و القود إلا أن يعفو الأولياء و لا كفارة فيه و شبه العمد أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح و لا أجري مجرى السلاح كالحجر العظيم و الخشبة العظيمة و موجب ذلك المأثم و الكفارة و لا قود فيه و فيه الدية مغلظة على العاقلة و الخطأ على وجهين خطأ في القصد و هو أن يرمي شخصا يظنه صيدا فإذا هو آدمي و خطأ في الفعل و هو أن يرمي غرضا فيصيب آدميا و موجب النوعين جميعا الكفارة و الدية على العاقلة و لا مأثم فيه و ما أجري مجرى الخطإ مثل النائم يتقلب على رجل فيقتله فحكمه حكم الخطإ و أما القتل بسبب فحافر البئر و واضع الحجر في غير ملكه و موجبه إذا تلف فيه إنسان الدية على العاقلة و لا كفارة فيه فهذا قول أبي حنيفة و من تابعه و قد خالفه صاحباه أبو يوسف و محمد في شبه العمد و قالا إذا ضربه بحجر عظيم أو خشبة غليظة فهو عمد قال و شبه العمد أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا كالعصا الصغيرة و السوط و بهذا القول قال الشافعي و كلام أمير المؤمنين ع يدل على أن المؤدب من الولاة إذا تلف تحت

١١٢

يده إنسان في التأديب فعليه الدية و قال لي قوم من فقهاء الإمامية أن مذهبنا أن لا دية عليه و هو خلاف ما يقتضيه كلام أمير المؤمنين ع : وَ إِيَّاكَ وَ اَلْإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ وَ اَلثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وَ حُبَّ اَلْإِطْرَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ اَلشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ اَلْمُحْسِنِينَ وَ إِيَّاكَ وَ اَلْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ أَوِ اَلتَّزَيُّدَ فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ فَإِنَّ اَلْمَنَّ يُبْطِلُ اَلْإِحْسَانَ وَ اَلتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ اَلْحَقِّ وَ اَلْخُلْفَ يُوجِبُ اَلْمَقْتَ عِنْدَ اَللَّهِ وَ اَلنَّاسِ قَالَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اَللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ) وَ إِيَّاكَ وَ اَلْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا أَوِ اَلتَّسَاقُطَ اَلتَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا أَوِ اَللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ أَوِ اَلْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اِسْتَوْضَحَتْ فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ وَ أَوْقِعْ كُلَّ عَمَلٍ أَمْرٍ مَوْقِعَهُ وَ إِيَّاكَ وَ اَلاِسْتِئْثَارَ بِمَا اَلنَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ وَ اَلتَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ وَ عَمَّا قَلِيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ اَلْأُمُورِ وَ يُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ اِمْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ وَ سَوْرَةَ حَدِّكَ وَ سَطْوَةَ يَدِكَ وَ غَرْبَ لِسَانِكَ وَ اِحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِكَفِّ اَلْبَادِرَةِ وَ تَأْخِيرِ اَلسَّطْوَةِ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ اَلاِخْتِيَارَ وَ لَنْ تَحْكُمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ اَلْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ

١١٣

وَ اَلْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنَا ص أَوْ فَرِيضَةٍ فِي كِتَابِ اَللَّهِ فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا وَ تَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اِتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هَذَا وَ اِسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ اَلْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ لِكَيْلاَ تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا قد اشتمل هذا الفصل على وصايا نحن شارحوها منها قوله ع إياك و ما يعجبك من نفسك و الثقة بما يعجبك منها

قد ورد في الخبر ثلاث مهلكات شح مطاع و هوى متبع و إعجاب المرء بنفسه و في الخبر أيضا لا وحشة أشد من العجب و في الخبر الناس لآدم و آدم من تراب فما لابن آدم و الفخر و العجب و في الخبر الجار ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة و في الخبر و قد رأى أبا دجانة يتبختر إنها لمشية يبغضها الله إلا بين الصفين و منها قوله و حب الإطراء ناظر المأمون محمد بن القاسم النوشجاني المتكلم فجعل يصدقه و يطريه و يستحسن قوله فقال المأمون يا محمد أراك تنقاد إلى ما تظن أنه يسرني قبل وجوب الحجة لي عليك و تطريني بما لست أحب أن أطري به و تستخذي لي في المقام الذي ينبغي أن تكون فيه مقاوما لي و محتجا علي و لو شئت أن أقسر الأمور بفضل بيان و طول لسان و أغتصب الحجة بقوة الخلافة و أبهة الرئاسة لصدقت و إن كنت كاذبا و عدلت و إن كنت جائرا و صوبت و إن كنت مخطئا

١١٤

لكني لا أرضى إلا بغلبة الحجة و دفع الشبهة و إن أنقص الملوك عقلا و أسخفهم رأيا من رضي بقولهم صدق الأمير و أثنى رجل على رجل فقال الحمد لله الذي سترني عنك و كان بعض الصالحين يقول إذا أطراه إنسان ليسألك الله عن حسن ظنك و منها قوله و إياك و المن قال الله تعالى( يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ اَلْأَذى‏ ) و كان يقال المن محبة للنفس مفسدة للصنع و منها نهيه إياه عن التزيد في فعله قال ع إنه يذهب بنور الحق و ذلك لأنه محض الكذب مثل أن يسدي ثلاثة أجزاء من الجميل فيدعي في المجالس و المحافل أنه أسدى عشرة و إذا خالط الحق الكذب أذهب نوره و منها نهيه إياه عن خلف الوعد قد مدح الله نبيا من الأنبياء و هو إسماعيل بن إبراهيم ع بصدق الوعد و كان يقال وعد الكريم نقد و تعجيل و وعد اللئيم مطل و تعطيل و كتب بعض الكتاب و حق لمن أزهر بقول أن يثمر بفعل و قال أبو مقاتل الضرير قلت لأعرابي قد أكثر الناس في المواعيد فما قولك فيها فقال بئس الشي‏ء الوعد مشغلة للقلب الفارغ متعبة للبدن الخافض خيره غائب و شره حاضر و في الحديث المرفوع عدة المؤمن كأخذ باليد فأما أمير المؤمنين ع فقال إنه يوجب المقت و استشهد عليه بالآية و المقت البغض و منها نهيه عن العجلة و كان يقال أصاب متثبت أو كاد و أخطأ عجل أو كاد و في المثل رب عجلة تهب ريثا و ذمها الله تعالى فقال( خُلِقَ اَلْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ ) .

١١٥

و منها نهيه عن التساقط في الشي‏ء الممكن عند حضوره و هذا عبارة عن النهي عن الحرص و الجشع قال الشنفري:

و إن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن

بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل

و منها نهيه عن اللجاجة في الحاجة إذا تعذرت كان يقال من لاج الله فقد جعله خصما و من كان الله خصمه فهو مخصوم قال الغزي:

دعها سماوية تجري على قدر

لا تفسدنها برأي منك معكوس

و منها نهيه له عن الوهن فيها إذا استوضحت أي وضحت و انكشفت و يروى و استوضحت فعل ما لم يسم فاعله و الوهن فيها إهمالها و ترك انتهاز الفرصة فيها قال الشاعر:

فإذا أمكنت فبادر إليها

حذرا من تعذر الإمكان

و منها نهيه عن الاستئثار و هذا هو الخلق النبوي غنم رسول الله ص غنائم خيبر و كانت مل‏ء الأرض نعما فلما ركب راحلته و سار تبعه الناس يطلبون الغنائم و قسمها و هو ساكت لا يكلمهم و قد أكثروا عليه إلحاحا و سؤالا فمر بشجرة فخطفت رداءه فالتفت فقال ردوا علي ردائي فلو ملكت بعدد رمل تهامة مغنما لقسمته بينكم عن آخره ثم لا تجدونني بخيلا و لا جبانا و نزل و قسم ذلك المال عن آخره عليهم كله لم يأخذ لنفسه منه وبرة و منها نهيه له عن التغابي و صورة ذلك أن الأمير يومئ إليه أن فلانا من خاصته يفعل كذا و يفعل كذا من الأمور المنكرة و يرتكبها سرا فيتغابى عنه و يتغافل نهاه ع عن ذلك و قال إنك مأخوذ منك لغيرك أي معاقب تقول اللهم خذ لي من فلان بحقي أي اللهم انتقم لي منه

١١٦

و منها نهيه إياه عن الغضب و عن الحكم بما تقتضيه قوته الغضبية حتى يسكن غضبه قد جاء في الخبر المرفوع لا يقضي القاضي و هو غضبان فإذا كان قد نهي أن يقضي القاضي و هو غضبان على غير صاحب الخصومة فبالأولى أن ينهى الأمير عن أن يسطو على إنسان و هو غضبان عليه و كان لكسرى أنوشروان صاحب قد رتبه و نصبه لهذا المعنى يقف على رأس الملك يوم جلوسه فإذا غضب على إنسان و أمر به قرع سلسلة تاجه بقضيب في يده و قال له إنما أنت بشر فارحم من في الأرض يرحمك من في السماء : وَ مِنْ هَذَا اَلْعَهْدِ وَ هُوَ آخِرُهُ وَ أَنَا أَسْأَلُ اَللَّهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ أَنْ يُوَفِّقَنِي وَ إِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ اَلْإِقَامَةِ عَلَى اَلْعُذْرِ اَلْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَ إِلَى خَلْقِهِ مِنْ حُسْنِ اَلثَّنَاءِ فِي اَلْعِبَادِ وَ جَمِيلِ اَلْأَثَرِ فِي اَلْبِلاَدِ وَ تَمَامِ اَلنِّعْمَةِ وَ تَضْعِيفِ اَلْكَرَامَةِ وَ أَنْ يَخْتِمَ لِي وَ لَكَ بِالسَّعَادَةِ وَ اَلشَّهَادَةِ إِنَّا إِلَى اَللَّهِ رَاغِبُونَ وَ اَلسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهِ عَلَيْهِ وَ عَلَى آلِهِ اَلطَّيِّبِينَ اَلطَّاهِرِينَ وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً وَ اَلسَّلاَمُ روي كل رغيبة و الرغيبة ما يرغب فيه فأما الرغبة فمصدر رغب في كذا كأنه قال القادر على إعطاء كل سؤال أي إعطاء كل سائل ما سأله

١١٧

و معنى قوله من الإقامة على العذر أي أسأل الله أن يوفقني للإقامة على الاجتهاد و بذل الوسع في الطاعة و ذلك لأنه إذا بذل جهده فقد أعذر ثم فسر اجتهاده في ذلك في رضا الخلق و لم يفسر اجتهاده في رضا الخالق لأنه معلوم فقال هو حسن الثناء في العباد و جميل الأثر في البلاد فإن قلت فقوله و تمام النعمة على ما ذا تعطفه قلت هو معطوف على ما من قوله لما فيه كأنه قال أسأل الله توفيقي لذا و لتمام النعمة أي و لتمام نعمته علي و تضاعف كرامته لدي و توفيقه لهما هو توفيقه للأعمال الصالحة التي يستوجبهما بها

فصل في ذكر بعض وصايا العرب

و ينبغي أن يذكر في هذا الموضع وصايا من كلام قوم من رؤساء العرب أوصوا بها أولادهم و رهطهم فيها آداب حسان و كلام فصيح و هي مناسبة لعهد أمير المؤمنين ع هذا و وصاياه المودعة فيه و إن كان كلام أمير المؤمنين ع أجل و أعلى من أن يناسبه كلام لأنه قبس من نور الكلام الإلهي و فرع من دوحة المنطق النبوي روى ابن الكلبي قال لما حضرت الوفاة أوس بن حارثة أخا الخزرج لم يكن له ولد غير مالك بن الأوس و كان لأخيه الخزرج خمسة قيل له كنا نأمرك بأن تتزوج في شبابك فلم تفعل حتى حضرك الموت و لا ولد لك إلا مالك فقال لم يهلك هالك ترك مثل مالك و إن كان الخزرج ذا عدد و ليس لمالك ولد فلعل الذي استخرج

١١٨

العذق من الجريمة و النار من الوثيمة أن يجعل لمالك نسلا و رجالا بسلا و كلنا إلى الموت يا مالك المنية و لا الدنية و العتاب قبل العقاب و التجلد لا التبلد و اعلم أن القبر خير من الفقر و من لم يعط قاعدا حرم قائما و شر الشرب الاشتفاف و شر الطعم الاقتفاف و ذهاب البصر خير من كثير من النظر و من كرم الكريم الدفع عن الحريم و من قل ذل و خير الغنى القناعة و شر الفقر الخضوع الدهر صرفان صرف رخاء و صرف بلاء و اليوم يومان يوم لك و يوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر و إذا كان عليك فاصطبر و كلاهما سينحسر و كيف بالسلامة لمن ليست له إقامة و حياك ربك و أوصى الحارث بن كعب بنيه فقال يا بني قد أتت علي مائة و ستون سنة ما صافحت يميني يمين غادر و لا قنعت لنفسي بخلة فاجر و لا صبوت بابنة عم و لا كنة و لا بحت لصديق بسر و لا طرحت عن مومسة قناعا و لا بقي على دين عيسى ابن مريم و قد روي على دين شعيب من العرب غيري و غير تميم بن مر بن أسد بن خزيمة فموتوا على شريعتي و احفظوا علي وصيتي و إلهكم فاتقوا يكفكم ما أهمكم و يصلح لكم حالكم و إياكم و معصيته فيحل بكم الدمار و يوحش منكم الديار كونوا جميعا و لا تفرقوا فتكنوا شيعا و بزوا قبل أن تبزوا فموت

١١٩

في عز خير من حياة في ذل و عجز و كل ما هو كائن كائن و كل جمع إلى تباين و الدهر صرفان صرف بلاء و صرف رخاء و اليوم يومان يوم حبرة و يوم عبرة و الناس رجلان رجل لك و رجل عليك زوجوا النساء الأكفاء و إلا فانتظروا بهن القضاء و ليكن أطيب طيبهم الماء و إياكم و الورهاء فإنها أدوأ الداء و إن ولدها إلى أفن يكون لا راحة لقاطع القرابة و إذا اختلف القوم أمكنوا عدوهم و آفة العدد اختلاف الكلمة و التفضل بالحسنة يقي السيئة و المكافأة بالسيئة دخول فيها و عمل السوء يزيل النعماء و قطيعة الرحم تورث الهم و انتهاك الحرمة يزيل النعمة و عقوق الوالدين يعقب النكد و يخرب البلد و يمحق العدد و الإسراف في النصيحة هو الفضيحة و الحقد منع الرفد و لزوم الخطيئة يعقب البلية و سوء الدعة يقطع أسباب المنفعة و الضغائن تدعو إلى التباين يا بني إني قد أكلت مع أقوام و شربت فذهبوا و غبرت و كأني بهم قد لحقت ثم قال:

أكلت شبابي فأفنيته

و أبليت بعد دهور دهورا

ثلاثة أهلين صاحبتهم

فبادروا و أصبحت شيخا كبيرا

قليل الطعام عسير القيام

قد ترك الدهر خطوي قصيرا

أبيت أراعي نجوم السماء

أقلب أمري بطونا ظهورا

وصى أكثم بن صيفي بنيه و رهطه فقال يا بني تميم لا يفوتنكم وعظي إن فاتكم الدهر بنفسي إن بين حيزومي و صدري لكلاما لا أجد له مواقع إلا أسماعكم و لا مقار إلا قلوبكم فتلقوه بأسماع مصغية و قلوب دواعية تحمدوا مغبته الهوى

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286